سيرة ابن هشام ت السقا

عبد الملك بن هشام

مقدمة التحقيق

[المجلد الاول] مقدّمة [التَّحْقِيق] الْحَمد للَّه على سابغ إفضاله، وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد وَآله. أما بعد، فَهَذَا كتاب «سيرة رَسُول الله» صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الّذي استخرجه الإِمَام أَبُو مُحَمَّد عبد الْملك بن هِشَام الْمعَافِرِي، من كتاب «السِّيرَة» لمُحَمد بن إِسْحَاق المطّلبيّ، وَهُوَ أقدم السّير الجامعة وأصحها. [1] (الْمَغَازِي وَالسير) : لفظتا «الْمَغَازِي والسّير» إِذا أطلقتا، فَالْمُرَاد بهما عِنْد مؤرّخي الْمُسلمين تِلْكَ الصفحة الأولى من تَارِيخ الأمّة الْعَرَبيَّة: صفحة الْجِهَاد فِي إِقَامَة صرح الْإِسْلَام وَجمع الْعَرَب تَحت لِوَاء الرَّسُول مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَمَا يُضَاف إِلَى ذَلِك من الحَدِيث عَن نشأة النبيّ، وَذكر آبَائِهِ، وَمَا سبق حَيَاته من أَحْدَاث لَهَا صلَة بِشَأْنِهِ وحياة أَصْحَابه الَّذين أبلوا مَعَه فِي إِقَامَة الدَّين، وحملوا رسَالَته فِي الْخَافِقين. وَظُهُور الرسَالَة المحمدية أعظم حَادث فِي تَارِيخ الْعَرَب خاصّة، والبشر عامّة: لِأَن حَيَاة الْعَرَب سادة ودهماء- أَيَّام الرَّسُول- كَانَت لَهُ ولدينه، فَمَا اجْتمع مَلأ مِنْهُم أَو تفرّق إِلَّا فِيهِ، وَلَا تحدثُوا فِي نديّهم إِلَّا عَنهُ، وَلَا تحركت كتائبهم وجيوشهم إِلَّا لَهُ، حَتَّى كَانَ قصارى بلائه فيهم اجْتِمَاعهم على الْإِسْلَام، ونبذهم مَا كَانُوا فِيهِ من الْجَاهِلِيَّة الجهلاء، والضّلالة العمياء.

_ [1] المراجع الَّتِي رَجعْنَا إِلَيْهَا فِي هَذَا الْبَحْث هِيَ: بغية الوعاة للسيوطي- تَارِيخ ابْن كثير- تَارِيخ آدَاب اللُّغَة الْعَرَبيَّة لجورجى زَيْدَانَ- تَارِيخ بَغْدَاد للخطيب الْبَغْدَادِيّ- تَهْذِيب التَّهْذِيب للعسقلانى- حسن المحاضرة للسيوطي- ضحى الْإِسْلَام لِأَحْمَد أَمِين- الطَّبَقَات الْكُبْرَى لِابْنِ سعد- عُيُون الْأَثر فِي الْمَغَازِي وَالشَّمَائِل وَالسير، لِابْنِ سيد النَّاس- الفهرست لِابْنِ النديم- كشف الظنون لملا كَاتب جلبي- الْكَمَال فِي معرفَة الرِّجَال لِابْنِ النجار- مُعْجم الأدباء ومعجم الْبلدَانِ لياقوت- مُعْجم مَا استعجم للبكرى. الْوَسِيط لِأَحْمَد الإسكندري ومصطفى عناني- وفيات الْأَعْيَان لِابْنِ خلكان.

(التاريخ عند العرب) :

ثمَّ برزت هَذِه الْأمة الْعَرَبيَّة، الَّتِي كَانَت قد أنكرتها الْأُمَم، وتخطّفهم النَّاس من حَولهمْ، إِلَى ميادين الْحَيَاة، تؤدّى رسالتها فِي هِدَايَة الْبشر، وتقيم القسطاس بَين النَّاس، وتضرب الْمثل الْأَعْلَى فِي علوّ الهمة، والبطولة، والإيثار، ونصرة الحقّ، والتعاون على البرّ وَالتَّقوى، والاستمساك بمكارم الْأَخْلَاق. هَذَا مُجمل مَا تتضمنه سيرة النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والرّعيل الأوّل من صحابته، الَّذين تابعوه على الْهدى وَدين الحقّ، وسبقوا إِلَى تدوين صحف الْمجد والفخار العربىّ بِمَا خلّدوا من أَعْمَالهم على وَجه الزَّمَان. ثمّ دبّ إِلَى بعض من خلف بعدهمْ من الزعماء التحاسد والتباغض، وقلّة التّناصر والتعاون، فتشعبت بالأمة السبل، وتفرّقت بهم النواحي، فَكَانَ لَهُم إِلَى جَانب ذَلِك التَّارِيخ تَارِيخ، وانقسم هَذَا التَّارِيخ بانقسام الْأمة دولا، كَانَ لكلّ دولة تاريخها الخاصّ فِي موقعها الْجَدِيد، واتصالها بغَيْرهَا من الدول. (التَّارِيخ عِنْد الْعَرَب) : وَلم يكن للْعَرَب قبل مبعث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مادّة التَّارِيخ إِلَّا مَا توارثوه بالرواية، مِمَّا كَانَ شَائِعا بَينهم من أَخْبَار الْجَاهِلِيَّة الأولى، كحديثهم عَن آبَائِهِم وأجدادهم، وأنسابهم، وَمَا فِي حَيَاة الْآبَاء والأجداد من قصَص، فِيهَا البطولة، وفيهَا الْكَرم، وفيهَا الْوَفَاء، ثمَّ حَدِيثهمْ عَن الْبَيْت وزمزم وجرهم، وَمَا كَانَ من أمرهَا، ثمَّ مَا كَانَ من خبر البيوتات الَّتِي تناوبت الإمرة على قُرَيْش، وَمَا جرى لسدّ مأرب، وَمَا تبعه من تفرّق النَّاس فِي الْبِلَاد، إِلَى أَمْثَال هَذَا مِمَّا قَامَت فِيهِ الذاكرة مقَام الْكتاب، وَاللِّسَان مقَام الْقَلَم، يعى النَّاس عَنهُ، ويحفظون، ثمَّ يؤدون. ثمَّ ظهر مورد جَدِيد بِظُهُور النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَظُهُور دَعوته، هِيَ أَحَادِيث الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ عَن وِلَادَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحياته، وَمَا ملئت بِهِ هَذِه الْحَيَاة من جِهَاد فِي سَبِيل الله، واصطدام مَعَ الْمُشْركين، وَمن لَيْسَ على دينه، ودعوة إِلَى التَّوْحِيد، وَمَا كَانَ فِيهَا من أثر للألسنة وَالسُّيُوف. فَهَذَا وَذَاكَ كَانَ مادّة للتاريخ أوّلا، ثمَّ للسيرة ثَانِيًا.

(بدء التأليف في السيرة) :

وَلم يدوّن فِي تَارِيخ الْعَرَب أَو السِّيرَة شَيْء، إِلَى أَن مَضَت أَيَّام الْخُلَفَاء، بل لم يدوّن فِي هَذِه الْمدَّة غير الْقُرْآن ومبادئ النَّحْو. فقد رَأينَا الْمُسلمين يحفزهم حرصهم على حفظ الْقُرْآن إِلَى كِتَابَته فِي حَيَاة النبيّ وَبعده، كَمَا حفزتهم مخافتهم من تفشي العجمة على الْأَلْسِنَة إِلَى تدوين النَّحْو، وَذَلِكَ لما اخْتَلَط الْعَرَب بغيرهم عِنْد اتساع الرقعة الإسلامية. (بَدْء التَّأْلِيف فِي السِّيرَة) : وَلما كَانَت أَيَّام مُعَاوِيَة، أحبّ أَن يدوّن فِي التَّارِيخ كتاب، فاستقدم عبيد ابْن شريّة الجرهميّ من صنعاء، فَكتب لَهُ كتاب الْمُلُوك وأخبار الماضين. بعد هَذَا رَأينَا أَكثر من وَاحِد من الْعلمَاء يتجهون إِلَى علم التَّارِيخ من ناحيته الْخَاصَّة لَا الْعَامَّة، وَهِي سيرة الرَّسُول. ولعلهم وجدوا فِي تدوين مَا يتَعَلَّق بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام شَيْئا يحقّق مَا فِي أنفسهم من تعلق بِهِ، وحبّ لتخليد آثاره، بعد أَن منعُوا من تدوين أَحَادِيثه إِلَى أَيَّام عمر بن عبد الْعَزِيز، مَخَافَة أَن يخْتَلط الحَدِيث بِالْقُرْآنِ، فجَاء أَكثر من رجل كلهم محدّث، فدوّنوا فِي السِّيرَة كتبا، نذْكر مِنْهُم: عُرْوَة بن الزبير بن العوّام الْفَقِيه المحدّث، الّذي مكّنه نسبه من قبل أَبِيه الزبير وَأمه أَسمَاء بنت أَبى بكر أَن يرْوى الْكثير من الْأَخْبَار وَالْأَحَادِيث عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وحياة صدر الْإِسْلَام. وحسبك أَن تعلم أَن ابْن إِسْحَاق، والواقدي والطبري، أَكْثرُوا من الْأَخْذ عَنهُ، وَلَا سِيمَا فِيمَا يتَعَلَّق بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْحَبَشَة، وَالْمَدينَة، وغزوة بدر. وَكَانَت وَفَاة عُرْوَة- فِيمَا يظنّ- سنة 92 هـ. ثمَّ أبان بن عُثْمَان بن عَفَّان المدنيّ الْمُتَوفَّى سنة 105 هـ. فألّف فِي السِّيرَة صحفا جمع فِيهَا أَحَادِيث حَيَاة الرَّسُول. ثمَّ وهب بن منبّه الْيُمْنَى الْمُتَوفَّى سنة 110 هـ. وَفِي مَدِينَة هيدلبرج بألمانيا قِطْعَة من كِتَابه الّذي ألّفه فِي الْمَغَازِي. وَغير هَؤُلَاءِ كثير، مِنْهُم من قضى نحبه قرب تَمام الرّبع الأوّل من الْقرن الثَّانِي،

(علم السيرة في أدواره المختلفة) :

كشرحبيل بن سعد الْمُتَوفَّى سنة 123 هـ. وَابْن شهَاب الزهرىّ الْمُتَوفَّى سنة 124 هـ. وَعَاصِم بن عمر بن قَتَادَة الْمُتَوفَّى سنة 120 هـ. وَمِنْهُم من جاوزه بسنين، كَعبد الله بن أَبى بكر بن حزم الْمُتَوفَّى سنة 135 هـ. وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة مِمَّن عنوا بأخبار الْمَغَازِي، وَمَا يتَّصل بهَا. وَمِنْهُم من عَاشَ حَتَّى أوشك أَن يدْرك منتصف الْقرن الثَّانِي، أَو جاوزه بِقَلِيل، كموسى بن عقبَة الْمُتَوفَّى سنة 141 هـ، ثمَّ معمر بن رَاشد الْمُتَوفَّى سنة 150 هـ، ثمَّ شيخ رجال السِّيرَة مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْمُتَوفَّى سنة 152 هـ. وَجَاء بعد هَؤُلَاءِ غَيرهم، نذْكر مِنْهُم زيادا البكائيّ الْمُتَوفَّى سنة 183 هـ، والواقدي صَاحب الْمَغَازِي الْمُتَوفَّى سنة 207 هـ، وَمُحَمّد بن سعد صَاحب الطَّبَقَات الْكُبْرَى الْمُتَوفَّى سنة 230 هـ. وَقبل أَن تستأثر الْمنية بِابْن سعد عدت على ابْن هِشَام فِي سنة 218 هـ. وَابْن هِشَام هُوَ الرجل الّذي انْتَهَت إِلَيْهِ سيرة ابْن إِسْحَاق، فَعرفت بِهِ وشاع ذكره بهَا. (علم السِّيرَة فِي أدواره الْمُخْتَلفَة) : وَلم تَنْقَطِع الْعِنَايَة بالتأليف فِي السِّيرَة إِلَى يَوْمنَا هَذَا. إِلَّا أَن الْمَوْضُوع فِي ذَاته لَيْسَ أمرا يقوم على التجارب، أَو فكرة يقيمها برهَان وينفضها برهَان، شَأْن النظريات العلمية الَّتِي نرى اتِّصَال الْعلمَاء بهَا اتِّصَال تَجْدِيد وتغيير على مرّ السنين، وَإِنَّمَا هُوَ أَمر عماده النَّقْل وَالرِّوَايَة. فَكَانَ المشتغلون بِهِ أوّلا محدّثين ناقلين، ثمَّ رَأينَا من جَاءَ بعدهمْ جامعين مبوّبين، وَلما اسْتَوَى للمتأخرين مَا جمع المتقدمون، جَاءَ طور النَّقْد وَالتَّعْلِيق، كَمَا فعل ابْن هِشَام فِي سيرة ابْن إِسْحَاق. فَكَانَ هَذَا التراث بَين أَيدي من جَاءَ بعدهمْ شَيْئا غير قَابل لجديد فِي جوهره، كلّ مجهود فِيهِ كَانَ فِي الشكل وَالصُّورَة لَا يمسّ الْجَوْهَر إِلَّا بِمِقْدَار. وَقد رَأينَا المؤلّفين فِيهِ على ضَرْبَيْنِ: فريق عَاشَ فِي ظلّ كتب الأوّلين، يَتَنَاوَلهَا بالشرح، أَو الِاخْتِصَار، أَو النّظم ليسهل حفظهَا. وفريق صبغ نَفسه بِصفة الْمُؤلف المبتدع،

فَجمع بَين يَدَيْهِ كتب السِّيرَة، وَخرج مِنْهَا بِكِتَاب هُوَ فِي ظَاهره لَهُ، وَفِي حَقِيقَته أَنه لغير وَاحِد مِمَّن سَبَقُوهُ. نذْكر من الْفَرِيق الثَّانِي ابْن فَارس [1] اللّغَوِيّ الْمُتَوفَّى بالريّ سنة 395 هـ، وَمُحَمّد ابْن عليّ بن يُوسُف الشافعيّ الشَّامي الْمُتَوفَّى سنة 600 هـ، وَابْن أَبى طىّ يحيى بن حميد الْمُتَوفَّى سنة 630 هـ، وظهير الدَّين على بن مُحَمَّد كازروني الْمُتَوفَّى سنة 694 هـ وعلاء الدَّين عليّ بن مُحَمَّد الخلاطى الْحَنَفِيّ الْمُتَوفَّى سنة 708 هـ، وَابْن سيد النَّاس [2] الْبَصْرِيّ الشافعيّ الْمَوْلُود سنة 661 هـ، والمتوفى سنة 734 هـ، وشهاب الدَّين الرّعينى الغرناطي [3] الْمُتَوفَّى سنة 779 هـ، وَأَبا عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن عليّ بن جَابر الأندلسيّ [4] الْمُتَوفَّى سنة 780 هـ. ثمَّ مُحَمَّد بن يُوسُف الصَّالِحِي صَاحب السِّيرَة الشامية [5] الْمُتَوفَّى سنة 942 هـ، وعليّ بن برهَان الدَّين صَاحب السِّيرَة الحلبية [6] الْمَوْلُود بِمصْر سنة 975 هـ والمتوفى سنة 1044 هـ، وَغير هَؤُلَاءِ نقتصر مِنْهُم على مَا أوردنا. وَنَذْكُر من رجال الْفَرِيق الأوّل: السّهيليّ، وَأَبا ذرّ، وَكِلَاهُمَا شرح سيرة ابْن هِشَام، وقطب الدَّين عبد الْكَرِيم الجماعيلىّ [7] الْمُتَوفَّى سنة 735 هـ، الّذي شرح سيرة مُحَمَّد بن على بن يُوسُف، وقاسم بن قطلوبغا ملخص سيرة مغلطاى [8] ،

_ [1] بدار الْكتب المصرية نسختان مخطوطتان من سيرة ابْن فَارس برقمى 460، 494 تَارِيخ. [2] لِابْنِ سيد النَّاس كِتَابه «عُيُون الْأَثر، فِي فنون الْمَغَازِي وَالشَّمَائِل وَالسير» ، وبدار الْكتب المصرية نسخ خطْبَة مِنْهُ. [3] لَهُ «رِسَالَة فِي السِّيرَة والمولد النَّبَوِيّ» بدار الْكتب المصرية مخطوطة (برقم 494 مجاميع تَارِيخ) [4] كِتَابه يُسمى «رِسَالَة فِي السِّيرَة والمولد النَّبَوِيّ» ضمن مَجْمُوعَة مخطوطة بدار الْكتب المصرية مَعَ الرسَالَة الْمُتَقَدّمَة (برقم 494 مجاميع تَارِيخ) . [5] وَاسْمهَا: «سبل الْهدى والرشاد، فِي سيرة خير الْعباد ... إِلَخ» . وَمِنْهَا بدار الْكتب المصرية نسختان مخطوطتان: إِحْدَاهمَا فِي أَرْبَعَة أَجزَاء. وَالْأُخْرَى مَوْجُود مِنْهَا جزءان فَقَط، وهما: الثَّالِث وَالْخَامِس. [6] وَاسْمهَا: «إِنْسَان الْعُيُون، فِي سيرة الْأمين الْمَأْمُون، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام» وَمِنْهَا بدار الْكتب أَكثر من نُسْخَة. [7] وسمى كِتَابه: «المورد العذب الهنى، فِي الْكَلَام على سيرة عبد الْغنى» . [8] هُوَ الْحَافِظ عَلَاء الدَّين مغلطاى الْمَوْلُود سنة 689 هـ، والمتوفى فِي شعْبَان سنة 762 هـ وَله فِي السِّيرَة والتاريخ كتاب «الْإِشَارَة إِلَى سيرة الْمُصْطَفى، وآثار من بعده من الْخُلَفَاء» انْتهى فِيهِ إِلَى نِهَايَة الْكَلَام على الدولة العباسية سنة 656 هـ. وبدار الْكتب مِنْهُ أَكثر من نُسْخَة، كلهَا مخطوط.

(نشأة الموالد) :

وَعز الدَّين ابْن عمر الْكِنَانِي، وَكَانَ لَهُ فِيهَا مُخْتَصر، ثمَّ أَبَا الْحسن عليّ بن عبد الله ابْن أَحْمد المَسْعُودِيّ الْمُتَوفَّى بِالْمَدِينَةِ سنة 911 هـ. وَمِمَّنْ نظم السِّيرَة وصاغها شعرًا عبد الْعَزِيز بن أَحْمد الْمَعْرُوف بِسَعْد الديري الْمُتَوفَّى فِي حُدُود سنة 607، هـ وَأَبُو الْحسن فتح بن مُوسَى القصري الْمُتَوفَّى سنة 668 هـ. وَابْن الشَّهِيد الْمُتَوفَّى سنة 793 هـ. (نشأة الموالد) : وثمّ ضرب آخر من التَّأْلِيف فِي السِّيرَة، هُوَ من نوع التَّلْخِيص، إِلَّا أَنه تَلْخِيص لناحية خَاصَّة من نواحي الرَّسُول: عَن مولده وَمَا يتَعَلَّق بِهَذَا المولد الْكَرِيم، وَمَا يسْبقهُ من إرهاصات، وَعَن نشأته فِي طفولته، وَمَا إِلَى تِلْكَ الطفولة من خوارق يرتبط حدوثها بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ حَيَاته من شبابه إِلَى بُلُوغه السنّ الَّتِي حمل فِيهَا النبوّة، واضطلع بعبء الرسَالَة، وَمَا طبع عَلَيْهِ من خلق طيب وصفات حميدة، وَبعد عَمَّا كَانَ يألفه الشّبان فِي أَيَّامه. هَذَا الْعَمَل سمّه إِن شِئْت تَرْجَمَة مختصرة للصدر الأوّل من حَيَاة الرَّسُول، ولمحة سريعة عَن تَارِيخه بعد الرسَالَة. وَقد يُسَمِّيه بعض النَّاس «المولد النَّبَوِيّ» ، وَهُوَ من قبيل مَا يُعِدّه الْعلمَاء الدينيون ليلقوه فِي الْمَوْسِم الرسمى الْعَام بعد الْعَام فِي الْمَسَاجِد أَو فِي غَيرهَا. وَقد زخرت بِهَذَا النَّوْع خزانَة التَّأْلِيف، حَتَّى أَصبَحت الرسائل الَّتِي وضعت فِيهَا لَا تدخل تَحت حصر. (السّير والنقد) : وَلَعَلَّ النّظر إِلَى تراث السالفين وَلَا سِيمَا مَا يتَّصل مِنْهُ بِعلم السّير، نظرة فِيهَا الْكثير من التَّقْدِيس، هُوَ الّذي حَال دون هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء من أَن يقفوا من هَذَا الْعلم موقفا فقدناه فِي جَمِيع المؤلفين الْمُتَقَدِّمين، على اخْتِلَاف طبقاتهم. فَلم نر مِنْهُم من عرض لما تحمله السّير بَين دفتيها. من أَخْبَار تتصف بالبعد عَن الْحَقِيقَة، فنقدها وأتى على مَوَاضِع الضعْف مِنْهَا.

ولعلّ الَّذين تناولوا السّير بالتلخيص والاختصار، حِين استبعدوا بعض هَذِه الْأَخْبَار، استبعدوها غير مُؤمنين بِصِحَّتِهَا، لَا تَخْفِيفًا من ثقل الْكتاب. هَذَا مَا حرمه هَذَا الْعلم فِي جَمِيع أدواره السالفة إِلَى مَا قبل أيامنا هَذِه بِقَلِيل، إِذْ رَأينَا الْإِيمَان بِأَن فِي السِّيرَة أَخْبَارًا لَا تتصل بالحقّ فِي قَلِيل وَلَا كثير، تصحبه الجرأة ثمَّ الْإِقْدَام، ورأينا فكرة جَدِيدَة تجرى بهَا أَقْلَام مجدّدة، يتَنَاوَل أَصْحَابهَا الْخَبَر أَو الْخَبَرَيْنِ من السِّيرَة، مِمَّا كَانَ يتَّخذ مطعنا علينا فِي شخص النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو مَا يتَّصل بِهِ، فخلصوه مِمَّا لصق بِهِ مِمَّا لَيْسَ مِنْهُ، وَأَقَامُوا حوله سياجا من الْحجَج والبراهين، صحّ بهَا وَأصْبح حجَّة على الطاعنين فِيهِ، وَمثل هَذَا مَا فعله الْأُسْتَاذ الإِمَام الشَّيْخ مُحَمَّد عَبده فِي قصَّة النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وتزويجه زَيْنَب بنت جحش من زيد بن حَارِثَة، ثمَّ مَا كَانَ من تزوّج الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاهَا بعد تطليق زيد لَهَا مِمَّا أرجف فِيهِ الطاعنون ولغوا لَغوا كثيرا. وَمِنْهُم من عرض للْكتاب فِي قصَّة أَو قصتين مِنْهُ، فصاغها فِي أسلوب جَدِيد، ومثّل للنَّاس الْخَبَر فِي قالب قصصى، خرج بِهِ عَن أسانيده وَذكر رُوَاته، تِلْكَ الطَّرِيقَة الَّتِي هِيَ سرّ تقديس هَذِه الْأَخْبَار فِي هَذِه الْكتب، فبدت الْمعَانِي فِي هَذَا القالب الْجَدِيد كَمَا يَبْدُو الْجَسَد فِي الغلالة الرقيقة لَا تكَاد تخفى مِنْهُ شَيْئا، وَهَذَا الأسلوب الْجَدِيد بِمَا يتَضَمَّن من التهكم بالفكرة السقيمة وَالْخَبَر الغثّ، يخلق بِهِ الْمُؤلف فِي الْقَارئ روح التحفظ فِي قبُول الأفكار وتسلمها. وَمِنْهُم من جرى مَعَ ابْن إِسْحَاق فِي شوطه، فَتَنَاول السِّيرَة كَمَا تنَاولهَا ابْن إِسْحَاق مبتدئا بميلاد الرَّسُول وَمَا سبقه أَو عاصره من حوادث، ثمَّ جرى يذكر حَيَاة الرَّسُول إِلَى أَن قَبضه الله إِلَى جواره، نَاقِلا من الْأَخْبَار مَا يرى فِيهَا الْقرب من الْحق، ومستبعدا مَا لَا يجرى فِي ذَلِك مَعَ فكرته وَمَا يعْتَقد، مفندا مزاعم الطاعنين، رادّا على المكذّبين. فجَاء كِتَابه سيرة للرسول، جَدِيدَة فِي أسلوبها، نقية من اللّغو والهراء. وَنحن إِذْ نخرج للنَّاس سيرة ابْن هِشَام، نخرجها بِمَا فِيهَا من هَذَا وَذَاكَ، لَا نبغى إِلَّا أَن نضع بَين يَدي الْعلمَاء نصا صَحِيحا لأقدم كتاب جَامع بَين سيرته ومغازيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

(مؤلفون جمعوا بين السيرة والتاريخ) :

(مؤلفون جمعُوا بَين السِّيرَة والتاريخ) : وثمّ مؤلفون آخَرُونَ، وصلوا سيرة الرَّسُول بِمَا بعْدهَا من الْحَوَادِث وَالْأَخْبَار، فِي الْأَزْمَان الَّتِي تعاقبت، والسنين الَّتِي توالت، فَجَاءَت سيرة الرَّسُول فِي كتبهمْ أمرا غير مَقْصُود لذاته: بل حَلقَة من حلقات التَّارِيخ الْعَام الّذي بدأه بَعضهم من بَدْء الْوُجُود، كَابْن جرير الطَّبَرِيّ، وبدأه فريق آخر بحياة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَالْإِمَامِ الْحَافِظ أَبى شُجَاع شيرويه صَاحب كتاب رياض الْأنس، الْمُتَوفَّى سنة 509 هـ. [سيرة ابْن إِسْحَاق] (سَبَب وضع سيرة ابْن إِسْحَاق) : كَانَ ابْن إِسْحَاق من بَين أَعْلَام الْقرن الثَّانِي، وَكَانَ لَهُ علمه الْوَاسِع، واطلاعه الغزير فِي أَخْبَار الماضين، وشاءت الْمَقَادِير أَن يدْخل ابْن إِسْحَاق على الْمَنْصُور بِبَغْدَاد- وَقيل بِالْحيرَةِ- وَبَين يَدَيْهِ ابْنه الْمهْدي، فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور: أتعرف هَذَا يَا بن إِسْحَاق؟ قَالَ: نعم، هَذَا ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ، قَالَ: اذْهَبْ فصنف لَهُ كتابا مُنْذُ خلق الله تَعَالَى آدم عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى يَوْمك هَذَا. فَذهب ابْن إِسْحَاق، فصنّف لَهُ هَذَا الْكتاب، فَقَالَ لَهُ: لقد طوّلته يَا بن إِسْحَاق، اذْهَبْ فَاخْتَصَرَهُ. فَاخْتَصَرَهُ، وَألقى الْكتاب الْكَبِير فِي خزانَة أَمِير الْمُؤمنِينَ [1] . وَلَكِن بعض الدارسين يرى أَن ابْن إِسْحَاق لم يؤلّف كِتَابه بِأَمْر من الْخَلِيفَة [2] ، وَلَا فِي بَغْدَاد أَو الْحيرَة، وَإِنَّمَا أَلفه فِي الْمَدِينَة قبل إِقَامَته لَدَى العباسيين. ويستدلّ على ذَلِك بِأَن جَمِيع من روى عَنْهُم مدنيون ومصريون وَلَيْسَ فيهم أحد من الْعرَاق، وَأَن إِبْرَاهِيم بن سعد تِلْمِيذه الْمدنِي روى الْكتاب عَنهُ. بل نرى فِي الْكتاب حوادث مَا كَانَ العباسيون ليرضوا عَنْهَا، مثل اشْتِرَاك الْعَبَّاس مَعَ الْكفَّار فِي غَزْوَة بدر، وَأسر الْمُسلمين إِيَّاه، ذَلِك الْخَبَر الّذي حذفه ابْن هِشَام بعد خوفًا من العباسيين.

_ [1] يظنّ أَن من النُّسْخَة الْأَصْلِيَّة، رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، نُسْخَة فِي مكتبة كوبريلى بالآستانة. [2] انْظُر كتاب الْمَغَازِي الأولى ومؤلفوها لهورفتس، تَرْجَمَة الدكتور حُسَيْن نصار ص 64 وَمَا بعْدهَا.

(أثر ابن هشام في سيرة ابن إسحاق) :

وَتبين من سيرة ابْن هِشَام، وَمَا اقتطفه الطَّبَرِيّ وَغَيره من سيرة ابْن إِسْحَاق أَنَّهَا كَانَت أصلا مقسمة إِلَى ثَلَاثَة أَجزَاء: المبتدإ، والمبعث، والمغازي. أما الْمُبْتَدَأ فَيتَنَاوَل التَّارِيخ الجاهلي، وينقسم إِلَى أَرْبَعَة فُصُول: يتَنَاوَل أَولهَا تَارِيخ الرسالات السَّابِقَة على الْإِسْلَام، وَثَانِيها تَارِيخ الْيمن فِي الْجَاهِلِيَّة، وَثَالِثهَا تَارِيخ الْقَبَائِل الْعَرَبيَّة وعباداتها، وَالرَّابِع تَارِيخ مَكَّة وأجداد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَلَا يعْنى ابْن إِسْحَاق فِي هَذَا الْجُزْء بأسانيد أخباره إِلَّا نَادرا، ويستقى من الأساطير والإسرائيليات. أما المبعث، فَيشْمَل حَيَاة النبيّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي مَكَّة وَالْهجْرَة. ونرى الْمُؤلف فِيهِ يصدر الْأَخْبَار الفردية بموجز حاولها، ويدوّن مجموعات كَامِلَة من القوائم فقائمة لمن أسلم من الصَّحَابَة بدعوة أَبى بكر، وَأُخْرَى بالمهاجرين إِلَى أَرض الْحَبَشَة، وثالثة لمن عَاد من أَرض الْحَبَشَة لمّا بَلغهُمْ إِسْلَام أهل مَكَّة، وَغَيرهَا. ويعنى بالترتيب الزمنى للحوادث، كَمَا تزداد عنايته بأسانيد الْأَخْبَار. وَأما الْمَغَازِي، فتتناول حَيَاة النبيّ فِي الْمَدِينَة، وأجرى فِيهَا على أَن يبْدَأ الْخَبَر بموجز حاد لمحتوياته ثمَّ يتبعهُ بِخَبَر من جَمِيع الْأَقْوَال الَّتِي أَخذهَا من رُوَاته ثمَّ يكمله بِمَا جمعه هُوَ نَفسه من المصادر الْمُخْتَلفَة. وتكثر القوائم أَيْضا، من الْغَزَوَات الْمُخْتَلفَة. ويلتزم إِيرَاد الْأَسَانِيد، وَالتَّرْتِيب الزمنى. (أثر ابْن هِشَام فِي سيرة ابْن إِسْحَاق) : ثمَّ قيّض الله لهَذَا المجهود- مجهود ابْن إِسْحَاق- رجلا لَهُ شَأْنه، هُوَ ابْن هِشَام، المعافريّ فَجمع هَذِه السِّيرَة ودوّنها، وَكَانَ لَهُ فِيهَا قلم لم يَنْقَطِع عَن تعقّب ابْن إِسْحَاق الْكثير مِمَّا أورد بالتحرير، والاختصار، والنقد أَو بِذكر رِوَايَة أُخْرَى فَاتَ ابْن إِسْحَاق ذكرهَا، هَذَا إِلَى تَكْمِلَة أضافها، وأخبار أَتَى بهَا. وَفِي هَذِه الْعبارَة الَّتِي صدّر بهَا ابْن هِشَام كتاب السِّيرَة مَا يكْشف لَك عَن دستور ابْن هِشَام ونهجه، قَالَ: «وَأَنا إِن شَاءَ الله مبتدئ هَذَا الْكتاب بِذكر إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، وَمن ولد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وَلَده، وَأَوْلَادهمْ لأصلابهم، الأوّل فالأوّل، من إِسْمَاعِيل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم، وَمَا يعرض من حَدِيثهمْ،

(السهيلي وغيره من شراح سيرة ابن هشام) :

وتارك ذكر غَيرهم من ولد إِسْمَاعِيل، على هَذِه الْجِهَة للاختصار، إِلَى حَدِيث سيرة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وتارك بعض مَا يذكرهُ ابْن إِسْحَاق فِي هَذَا الْكتاب مِمَّا لَيْسَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ ذكر، وَلَا نزل فِيهِ من الْقُرْآن شَيْء، وَلَيْسَ سَببا لشَيْء من هَذَا الْكتاب، وَلَا تَفْسِيرا لَهُ، وَلَا شَاهدا عَلَيْهِ، لما ذكرت من الِاخْتِصَار، وأشعارا ذكرهَا لم أر أحدا من أهل الْعلم بالشعر يعرفهَا، وَأَشْيَاء بَعْضهَا يشنع الحَدِيث بِهِ، وَبَعض يسوء بعض النَّاس ذكره، وَبَعض لم يقرّ لنا البكّائيّ بروايته، ومستقص إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَا سوى ذَلِك مِنْهُ بمبلغ الرِّوَايَة لَهُ، وَالْعلم بِهِ-. فترى أَنه استبعد من عمل ابْن إِسْحَاق تَارِيخ الْأَنْبِيَاء من آدم إِلَى إِبْرَاهِيم، وَغير هَذَا من ولد إِسْمَاعِيل، مِمَّن لَيْسُوا فِي العمود النَّبَوِيّ، كَمَا حذف من الْأَخْبَار مَا يسوء وَمن الشّعْر مَا لم يثبت لَدَيْهِ، ثمَّ استقصى وَزَاد بِمَا يملك من علم، ويسترشد من فكرة فَجَاءَت السِّيرَة على مَا ترى مَعْرُوفَة بِهِ، منسوبة إِلَيْهِ، حَتَّى ليكاد النَّاس ينسون مَعَه مؤلفها الأول: ابْن إِسْحَاق. (السهيليّ وَغَيره من شرَّاح سيرة ابْن هِشَام) : وَجَاء أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن السّهيليّ الْمُتَوفَّى سنة 581 هـ، فعنى بِهَذَا الْكتاب، وتناوله على نَحْو جَدِيد ونهج آخر، وَهُوَ بِمَنْزِلَة الشَّرْح وَالتَّعْلِيق عَلَيْهِ. فَوضع كِتَابه «الرَّوْض الْأنف» فِي ظلّ مجهودي ابْن إِسْحَاق وَابْن هِشَام، يتعقبهما فِيمَا أخبرا بالتحرير والضبط، ثمَّ بالشرح وَالزِّيَادَة، فجَاء عمله هَذَا كتابا آخر فِي السِّيرَة بحجمه وَكَثْرَة مَا حواه من آراء، تشهد لصَاحِبهَا بطول الباع، وسعة الِاطِّلَاع. وعَلى شاكلة مجهود السهيليّ جَاءَ- فِيمَا يظنّ- مجهود بدر الدَّين مُحَمَّد بن أَحْمد الْعَيْنِيّ الْحَنَفِيّ، فَوضع عَلَيْهِ كِتَابه «كشف اللثام» ، وَكَانَ فَرَاغه مِنْهُ سنة 805 هـ. وَلَيْسَ بَين أَيْدِينَا من هَذَا الْكتاب نُسْخَة حَتَّى نحكم لصَاحبه، ونتعرّف عمله. ثمَّ لَا ننسى مجهود أَبى ذرّ الخشنيّ، فقد تصدّى للْكتاب، فشرح غَرِيبه، وَلم ينس أَن يعرض لما فِيهِ من أخطاء، فجَاء عمله مَعَ عمل السّهيليّ متممين لمجهود عَظِيم، سبق بِهِ ابْن إِسْحَاق وَابْن هِشَام.

(مختصر وسيرة ابن إسحاق) :

(مُخْتَصر وسيرة ابْن إِسْحَاق) : وَلم نر بعد هَؤُلَاءِ رجلا فِي علمهمْ تنَاول الْكتاب بجديد فِي الشَّرْح وَالتَّعْلِيق، بل رَأينَا الهمم تَنْصَرِف من هَذَا إِلَى الِاخْتِصَار، فجَاء برهَان الدَّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد المرحّل الشافعيّ، فاختصر كتاب السِّيرَة، وَزَاد عَلَيْهِ أمورا، ورتبه فِي ثَمَانِيَة عشر مَجْلِسا. وَسَماهُ: «الذّخيرة، فِي مُخْتَصر السِّيرَة» . وَكَانَ فَرَاغه مِنْهُ سنة 611 هـ. ثمَّ جَاءَ بعده عماد الدَّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن الوَاسِطِيّ، فَاخْتَصَرَهُ فِي كتاب سَمَّاهُ: «مُخْتَصر سيرة ابْن هِشَام» ، وَفرغ مِنْهُ- فِيمَا يُقَال- سنة 711 هـ. (ناظمو سيرة ابْن إِسْحَاق) : ثمَّ رَأينَا بعد هَؤُلَاءِ فِئَة النظاميين الَّذين لم يكن هَمهمْ إِلَّا أَن يصبوها فِي قالب جَدِيد هُوَ الشّعْر. فنظمها أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن سعيد الدَّمِيرِيّ الدّيرينىّ الْمُتَوفَّى فِي حُدُود سنة 607 هـ، وَأَبُو نصر الْفَتْح بن مُوسَى بن مُحَمَّد نجم الدَّين المغربي الخضراوى الْمُتَوفَّى سنة 663 هـ، كَمَا نظمها أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد النابلسي الْمَعْرُوف بِابْن الشَّهِيد، والمتوفى سنة 793 هـ. وسمّى كِتَابه «الْفَتْح الْقَرِيب» ، ثمَّ أَبُو إِسْحَاق الْأنْصَارِيّ التلمساني. هَذَا هُوَ حظّ كتاب ابْن إِسْحَاق، تناولته يَد بعد يَد، مرّة بِالْجمعِ والتعقيب كَمَا رَأَيْت، وَأُخْرَى بالشرح وَالتَّفْصِيل، وثالثة بالاختصار، ورابعة بِوَضْعِهِ فِي ثوب جَدِيد هُوَ النّظم. فَابْن إِسْحَاق- فِي الْحَقِيقَة- هُوَ عُمْدَة المؤلّفين الَّذين اشتغلوا بِوَضْع السّير بعده، حَتَّى يمكننا أَن نقُول: مَا من كتاب وضع فِي السِّيرَة بعد ابْن إِسْحَاق إِلَّا وَهُوَ غرفَة من بحرة. هَذَا إِذا استثنينا رجلا أَو اثْنَيْنِ كالواقدى وَابْن سعد. ابْن إِسْحَاق (نسبه) : هُوَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يسَار بن خِيَار، وَيُقَال: ابْن كوثان، أَبُو بكر، وَيُقَال أَبُو عبد الله، المدنيّ القرشيّ، مولى قيس بن مخرمَة بن المطّلب بن عبد منَاف.

(مولده ووفاته) :

كَانَ جدّه يسَار من سبى عين التَّمْر، وَهِي بَلْدَة قديمَة قريبَة من الأنبار، غربي الْكُوفَة، على طرف الْبَريَّة، افتتحها الْمُسلمُونَ أَيَّام أَبى بكر سنة 12 هـ، على يَد خَالِد ابْن الْوَلِيد، وبكنيسة عين التَّمْر وجد خَالِد بن الْوَلِيد جدّ ابْن إِسْحَاق هَذَا بَين الغلمة الَّذين كَانُوا رهنا فِي يَد كسْرَى، وَكَانَ مَعَه جدّ عبد الله بن أَبى إِسْحَاق الحضرميّ النحويّ، وجدّ الْكَلْبِيّ الْعَالم، فجيء بيسار إِلَى الْمَدِينَة. (مولده ووفاته) : ولد ابْن إِسْحَاق فِي الْمَدِينَة، وترجح كتب التَّارِيخ أَن مولده كَانَ سنة 85 هـ. أما وَفَاته فالأقوال فِيهَا محصورة بَين سنة 150 وَبَين 153 لَا تكَاد تعدو هَذِه السنين الْأَرْبَع. (نشأته وحياته) : وَلَيْسَ من شكّ فِي أَن ابْن إِسْحَاق خلع بِالْمَدِينَةِ ثوب شبابه، ويحدّثنا الرّواة عَنهُ بِأَنَّهُ كَانَ فَتى جميلا، جذّاب الْوَجْه، فارسىّ الْخلقَة، لَهُ شَعْرَة حَسَنَة. وَمِمَّا يتَّصل بشبابه ومجونه- إِن صحّ مَا يُقَال عَنهُ- مَا حَكَاهُ ابْن النديم من أَن أَمِير الْمَدِينَة رقى إِلَيْهِ أَن مُحَمَّدًا يغازل النِّسَاء، فَأمر بإحضاره وضربه أسواطا، وَنَهَاهُ عَن الْجُلُوس فِي مُؤخر الْمَسْجِد. وَترك ابْن إِسْحَاق الْمَدِينَة ورحل إِلَى غَيرهَا منتقلا فِي أَكثر من بلد، وَفِي ظننا أَن رحلته إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة- الَّتِي كَانَت سنة 115 هـ- هِيَ أولى رحلاته الَّتِي بَدَأَ بهَا. وَفِي الْإسْكَنْدَريَّة حدث عَن جمَاعَة من أهل مصر. مِنْهُم: عبيد الله بن الْمُغيرَة، وَيزِيد بن حبيب، وثمامة بن شفىّ، وَعبيد الله بن أَبى جَعْفَر، وَالقَاسِم بن قزمان، والسّكن بن أَبى كَرِيمَة. وَانْفَرَدَ ابْن إِسْحَاق بِرِوَايَة أَحَادِيث عَنْهُم لم يروها لَهُم غَيره ثمَّ كَانَت رحلته إِلَى الْكُوفَة، والجزيرة، والرّيّ، والحيرة، وبغداد، وَفِي بَغْدَاد- على الْأَرْجَح- ألْقى عَصا التّرحال، والتقى بالمنصور، وصنّف لِابْنِهِ الْمهْدي كتاب السِّيرَة كَمَا أسلفنا. ورواة ابْن إِسْحَاق من هَذِه الْبلدَانِ أَكثر مِمَّن رووا عَنهُ من أهل الْمَدِينَة، بل الْمَعْرُوف أَنه لم يرو لَهُ من أهل الْمَدِينَة غير إِبْرَاهِيم بن سعد وعاش بِبَغْدَاد مَا عَاشَ حَتَّى وافته منيته بهَا، فَدفن فِي مَقْبرَة الخيزران.

(منزلته ومكانته) :

(مَنْزِلَته ومكانته) : إِن المتتبع لأخبار الروَاة عَن ابْن إِسْحَاق يجد إِلَى جَانب الْإِسْرَاف فِي النّيل مِنْهُ، الْإِسْرَاف فِي مدحه، فتجد عَالما جَلِيلًا كَالْإِمَامِ مَالك بن أنس، وَآخر كهشام بن عُرْوَة بن الزبير، يكادان يخرجانه من حَظِيرَة المحدّثين، أهل الصدْق والثّقة، وَلَا يدّخران وسعا فِي اتهامه بِالْكَذِبِ والدّجل. ذَلِك إِلَى اتهامات أُخْرَى رمى بهَا ابْن إِسْحَاق، كالتدليس، وَالْقَوْل بِالْقدرِ، والتشيع، وَالنَّقْل عَن غير الثّقات، وصنع الشّعْر وَوَضعه فِي كِتَابه، وَالْخَطَأ فِي الْأَنْسَاب. كَمَا أَنَّك تَجِد غير وَاحِد من الْأَئِمَّة الْأَعْلَام، كَابْن شهَاب الزهرىّ، وَشعْبَة بن الحجّاج وسُفْيَان الثوريّ، وَزِيَاد البكّائيّ، يوثقونه وَلَا يَتَّهِمُونَهُ بِشَيْء من هَذَا. وَفِي الحقّ أَن جملَة الحاملين عَلَيْهِ لم تكن مبرأة عَن الْغَايَة، وَلم تكن من الحقّ فِي شَيْء. فانا نعلم عَن ابْن إِسْحَاق أَنه كَانَ يطعن فِي نسب مَالك بن أنس، وَفِي علمه، وَيَقُول: ائْتُونِي بِبَعْض كتبه حَتَّى أبين عيوبه، أَنا بيطار كتبه. فانبرى لَهُ مَالك، وفتّش هُوَ الآخر عَن عيوبه، وَسَماهُ دجالًا، وَكَانَت بَينهمَا هَذِه الْحَرْب الكلامية. كَمَا غاظ هِشَام بن عبد الْملك من ابْن إِسْحَاق أَنه كَانَ يدعى رِوَايَته عَن امْرَأَته، وَالرِّوَايَة فِي ظنّ هِشَام لَا بدّ أَن تصحبها الرُّؤْيَة، وَهُوَ ضنين بزوجه أَن يَرَاهَا أحد. - وَلَقَد فَاتَ هشاما أَن الرِّوَايَة قد تكون من وَرَاء حجاب، أَو أَن ابْن إِسْحَاق حمل عَنْهَا صَغِيرا. ثمَّ مَا لهشام يُؤْذِيه هَذَا، وَقد كَانَت سنّ زوجه يَوْم يصحّ أَن يحمل عَنْهَا ابْن إِسْحَاق لَا تقلّ عَن خمسين سنة، فَهِيَ تسبقه فِي الْوُجُود بِمَا يقرب من 37 عَاما، ذَلِك إِلَى أَنه لم يكن غَرِيبا فِي ذَلِك الْعَصْر أَن يرْوى رجل عَن امْرَأَة. وَأما مَا رمى بِهِ ابْن إِسْحَاق من التَّدْلِيس وَغَيره، فقد عقد فِي ذَلِك الْخَطِيب فِي كِتَابه «تَارِيخ بَغْدَاد» ، وَابْن سيد النَّاس فِي كِتَابه «عُيُون الْأَثر» فصلين عرضا فيهمَا لتفنيد جَمِيع المطاعن الَّتِي وجهت إِلَيْهِ، نلخص مِنْهُمَا مَا يأتى: وَأما مَا رمى بِهِ من التَّدْلِيس وَالْقدر والتشيّع فَلَا يُوجب ردّ رِوَايَته، وَلَا يُوقع فِيهَا كَبِير وَهن. أما التَّدْلِيس فَمِنْهُ القادح وَغَيره، وَلَا يحمل مَا وَقع هَاهُنَا من مُطلق

التَّدْلِيس على التَّدْلِيس الْمُقَيد بالقادح فِي الْعَدَالَة، وَكَذَلِكَ الْقدر والتشيّع لَا يقتضيان الردّ إِلَّا بضميمة أُخْرَى، وَلم نجدها هَاهُنَا. ثمَّ عرضا بعد ذَلِك للردّ على طعن الطاعنين وَاحِدًا وَاحِدًا، كَقَوْل مكي بن إِبْرَاهِيم، إِنَّه ترك حَدِيث ابْن إِسْحَاق وَلم يعد إِلَيْهِ، وكقول يزِيد بن هَارُون: إِنَّه حدث أهل الْمَدِينَة عَن قوم، فَلَمَّا حَدثهمْ عَنهُ (يُرِيد ابْن إِسْحَاق) أَمْسكُوا. وكقول ابْن نمير: إِنَّه يحدّث عَن المجهولين أَحَادِيث بَاطِلَة، إِلَى كثير غير هَذَا نجتزئ مِنْهُ بِمَا ذكرنَا، ونردفه بِمَا قيل فِي الردّ عَلَيْهِ، فَالْكَلَام فِي هَذَا متشابه، والإكثار مِنْهُ مملول، وجلّ مَا لنا عَن الرجل أَن الحكم لَهُ أرجح من الحكم عَلَيْهِ، قَالَا: وَأما قَول مكي بن إِبْرَاهِيم: إِنَّه ترك حَدِيثه وَلم يعد إِلَيْهِ، فقد علل ذَلِك بِأَنَّهُ سَمعه يحدّث أَحَادِيث فِي الصِّفَات فنفر مِنْهُ، وَلَيْسَ فِي ذَلِك كَبِير أَمر، فقد ترخص قوم من السّلف فِي رِوَايَة الْمُشكل من ذَلِك، وَلَا يحْتَاج إِلَى تَأْوِيله، وَلَا سِيمَا إِذا تضمن الحَدِيث حكما أَو أمرا آخر، وَلَقَد تكون هَذِه الْأَحَادِيث من هَذَا الْقَبِيل. وَأما الْخَبَر عَن يزِيد بن هَارُون أَنه حدث أهل الْمَدِينَة عَن قوم، فَلَمَّا حَدثهمْ عَنهُ أَمْسكُوا، فَلَيْسَ فِيهِ ذكر لمقْتَضى الْإِمْسَاك، وَإِذا لم يذكر لم يبْق إِلَّا أَن يجول فِيهِ الظنّ، وَلَيْسَ لنا أَن نعارض عَدَالَة منقولة بِمَا قد نظنه جرحا. وَأما قَول ابْن نمير: إِنَّه يحدث عَن المجهولين أَحَادِيث بَاطِلَة، فَلَو لم ينْقل توثيقه وتعديله لتردّد الْأَمر فِي التُّهْمَة بِمَا بَينه وَبَين من نقلهَا عَنهُ، وَأما مَعَ التوثيق وَالتَّعْدِيل فالحمل فِيهَا على المجهولين الْمشَار إِلَيْهِم لَا عَلَيْهِ. بقيت مَسْأَلَة، وَهِي اتهام ابْن إِسْحَاق بِأَنَّهُ كَانَت تعْمل لَهُ الْأَشْعَار، وَيُؤْتى بهَا، وَيسْأل أَن يدخلهَا فِي كِتَابه فِي السِّيرَة، فيفعل. وَفِي الحقّ أَن هَذَا مَأْخَذ على ابْن إِسْحَاق، إِن لم يكن فِي طَريقَة النَّقْل والتحمّل، فَهُوَ مطْعن فِي مِقْدَار علمه بالشعر، وَأَنه يقبل الْأَشْعَار عَنْهَا وسمينها، باطلها وصحيحها وَلَو أَن ابْن إِسْحَاق حكّم ذوقه، ووقف من هَذِه الْأَشْعَار وَقْفَة النَّاقِد، لخلّص كِتَابه من أشعار أَكثر الظنّ فِيهَا أَنَّهَا مَوْضُوعَة، ولخلّص نَفسه من مطْعن جارح يسجله الْكتاب عَلَيْهِ على مرّ السنين.

ابن هشام

وَإِذا كُنَّا قد انتهينا إِلَى هَذَا من حَيَاة ابْن إِسْحَاق، فَلَا نجد بَين أَيْدِينَا مَا نختم بِهِ هَذَا الْمقَال خيرا من عبارَة ابْن عدىّ، إِذْ يَقُول: «وَلَو لم يكن لِابْنِ إِسْحَاق من الْفضل إِلَّا أَنه صرف الْمُلُوك عَن الِاشْتِغَال بكتب لَا يحصل مِنْهَا شَيْء للاشتغال بمغازي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ومبعثه، ومبتدأ الْخلق، لكَانَتْ هَذِه فَضِيلَة سبق بهَا ابْن إِسْحَاق، وَقد فتشت أَحَادِيثه الْكَثِيرَة فَلم أجد مَا تهَيَّأ أَن يقطع عَلَيْهِ بالضعف، وَرُبمَا أَخطَأ واتهم فِي الشَّيْء بعد الشَّيْء كَمَا يُخطئ غَيره. وَلم يتخلّف فِي الرِّوَايَة عَنهُ الثّقات وَالْأَئِمَّة، أخرج لَهُ مُسلم فِي المبايعات، وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع، وروى لَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة» ابْن هِشَام (نسبه) : هُوَ أَبُو مُحَمَّد عبد الْملك بن هِشَام بن أَيُّوب الحميرىّ، وَمن الرِّوَايَة من يردّه إِلَى معافر بن يعفر، وهم قبيل كَبِير، نزح إِلَى مصر مِنْهُم جمهرة كَبِيرَة، وَمِنْهُم من يردّه إِلَى ذهل، كَمَا يردّه آخَرُونَ إِلَى سدوس. لَا تكَاد تَجِد فِي ذَلِك رَأيا فاصلا. وَهَذَا شَأْن كل رجل تنازعه أَكثر من بلد، وَلم يَعش حَيْثُ نَشأ بَيته، وقرّت أسرته، ثمَّ لم يكن بَيته- فَوق هَذَا- من النّسَب بالمنزلة الَّتِي يحرص النَّاس على حفظهَا وروايتها. (نشأته) : نَشأ ابْن هِشَام بِالْبَصْرَةِ، ثمَّ نزل مصر. هَكَذَا يحدثنا الروَاة عَنهُ، وَلَا يذكرُونَ لَهُ حَيَاة فِي غير هذَيْن البلدين، ولكننا نظن أَن حَيَاة ابْن هِشَام لم تكن محصورة فِي هذَيْن المصرين، وخاصّة فِي عصر كَانَ الْعلم فِيهِ يُؤْخَذ سَمَاعا، وَكَانَت الرحلة فِي طلبه ديدن الْعلمَاء. (مولده ووفاته) : وَالْقَوْل فِي وَفَاة ابْن هِشَام غير مَقْطُوع فِيهِ بِرَأْي، فَبَيْنَمَا يذهب فريق إِلَى أَن وَفَاته كَانَت سنة 218 هـ. إِذا بفريق آخر يحدثك أَن وَفَاته كَانَت سنة 213 هـ.

(منزلته) :

وَإِذا كَانَ هَذَا حَدِيث وَفَاته، فَمَا بالك بِالْحَدِيثِ عَن مِيلَاد رجل نازح، أقرب الظنّ أَنه عرّج على غير بلد قبل أَن ينزل مصر. من أجل هَذَا ظلّ مِيلَاد ابْن هِشَام سرّا دَفِينا فِي ضمير الْأَيَّام. (مَنْزِلَته) : وَقد كَانَ رَحمَه الله إِمَامًا فِي النَّحْو واللغة والعربية. ويحدثنا عَنهُ الذَّهَبِيّ وَابْن كثير، أَنه حِين جَاءَ إِلَى مصر اجْتمع بِهِ الشافعيّ، وتناشدا من أشعار الْعَرَب أَشْيَاء كَثِيرَة. وغريب أَن نسْمع هَذَا، وَنحن نعلم أَن ابْن هِشَام كَانَ حِين ينْقل عَن ابْن إِسْحَاق أشعارا فِي هَذَا الْكتاب، ظَاهِرَة الْوَضع فَاسِدَة، لَا يَسْتَطِيع أَن يقطع فِيهَا بِرَأْي وَيَقُول: هَكَذَا حَدثنَا أهل الْعلم بالشعر، نَاقِلا عَنْهُم، غير مُحكم ذوقا اكْتَسبهُ من هَذَا شَأْنه فِي اسْتِيعَاب الْأَشْعَار. (آثاره) : وَلابْن هِشَام أَكثر من مؤلف فِي أَكثر من فنّ، فَلهُ غير أَثَره فِي سيرة ابْن إِسْحَاق: شرح مَا وَقع فِي أشعار السّير من الْغَرِيب، وَكتاب التّيجان، لمعْرِفَة مُلُوك الزَّمَان، وَقد طبع حَدِيثا. هَذِه كلمتنا عَنهُ، وَقد أسلفنا عَنهُ كلمة أُخْرَى خلال الحَدِيث عَن السّير، وَأَنه كَانَ رجل السِّيرَة الّذي انْتَهَت إِلَيْهِ سيرة ابْن إِسْحَاق، وَغلب اسْمه عَلَيْهَا فَعرفت بِهِ، وَأَن فَضله فِيهَا كَانَ لَا يقلّ عَن فضل ابْن إِسْحَاق. السهيليّ (اسْمه ولقبه) : هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أَحْمد بن أصبغ بن الْحُسَيْن بن سعدون بن رضوَان بن فتوح، الإِمَام الحبر أَبُو الْقَاسِم، وَأَبُو زيد، وَيُقَال: أَبُو الْحسن، بن الْخَطِيب أَبى مُحَمَّد بن الْخَطِيب أَبى عَمْرو بن أَبى الْحسن الخثعميّ السّهيليّ الأندلسى المالقي.

(موطنه والبلاد التي تنقل فيها) :

(موطنه والبلاد الَّتِي تنقل فِيهَا) : وَسُهيْل الّذي ينْسب إِلَيْهِ عبد الرَّحْمَن، وَاد بالأندلس من كورة مالقة، فِيهِ قرى، وَفِي إِحْدَى هَذِه الْقرى ولد عبد الرَّحْمَن [1] . وَأقَام فِي الأندلس عمرا طَويلا نهل من بحار الْعلم مَا نهل، وتزوّد من المعارف مَا تزوّد، وأصبحت لَهُ مكانة عالية وسعى إِلَيْهِ النَّاس يطْلبُونَ الْعلم عَلَيْهِ، فطارت شهرته إِلَى مرّاكش، فَطَلَبه واليها، وَأحسن إِلَيْهِ، وَأَقْبل عَلَيْهِ. وولّاه قَضَاء الْجَمَاعَة، وَحسنت سيرته، وَأقَام السّهيليّ بمرّاكش أعواما ثَلَاثَة، ثمَّ وافته منيته، فَمَاتَ بهَا. (مولده ووفاته) : تحدثنا المراجع بِأَن السّنة الَّتِي ولد فِيهَا أَبُو الْقَاسِم كَانَت سنة 508 هـ، وتحدّثنا أَيْضا بِأَنَّهُ توفى سنة 581 هـ. وَيذكر ابْن الْعِمَاد الْحَنْبَلِيّ فِي كِتَابه «شذرات الذَّهَب» أَن أَبَا الْقَاسِم مِمَّن توفّوا سنة 581، وَيذكر إِلَى جَانب هَذَا أَن وَفَاته كَانَت فِي شعْبَان من تِلْكَ السّنة، وَأَنه عَاشَ اثْنَتَيْنِ وَسبعين سنة. (مؤلفاته وَعلمه وأخلاقه) : أشهر تواليف السّهيليّ كِتَابه: الرّوض الْأنف، قَالَ الصّفدى فِي نكت الْهِمْيَان: «وَهُوَ كتاب جليل جوّد فِيهِ مَا شَاءَ، وَذكر فِي أوّله أَنه استخرجه من نَيف وَعشْرين وَمِائَة ديوَان» . وَله كتاب التَّعْرِيف والإعلام بِمَا فِي الْقُرْآن من الْأَسْمَاء الْأَعْلَام، وَكتاب نتائج النّظر، وَمَسْأَلَة رُؤْيَة الله عزّ وجلّ ورؤية النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام، وَمَسْأَلَة السرّ فِي عور الدَّجَّال. وَشرح آيَة الْوَصِيَّة، وَشرح الْجمل- وَلم يتمّ- ومسائل كَثِيرَة غير هَذِه اكْتفى المترجمون بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهَا دون التَّصْرِيح بأسمائها. وَلم يَقع فِي أَيْدِينَا للسّهيلى غير الرّوض الْأنف، الّذي ألّفه فِي مالقة قبل رحلته إِلَى مرّاكش، إِذْ كَانَ بَدْء إمْلَائِهِ لَهُ فِي شهر المحرّم عَام 569 هـ، وَكَانَ الْفَرَاغ مِنْهُ فِي جُمَادَى الأولى من ذَلِك الْعَام. وبحسب السّهيليّ هَذَا الْكتاب، فقد دلّ فِيهِ على إِلْمَام وَاسع، واطلاع غزير

_ [1] قَالَ الصَّفَدِي فِي نكت الْهِمْيَان: وَلَا يرى سُهَيْل فِي جَمِيع الْمغرب، إِلَّا من جبل مطل على هَذِه الْقرْيَة.

بمناح مُخْتَلفَة، وتمكّن فِي ألوان كَثِيرَة من الْعُلُوم، فَكَانَ فِيهِ المؤرّخ واللغوي والأديب والنحويّ والأخباري والعالم بالقراءات. وَكَانَ السّهيليّ فَوق هَذَا شَاعِرًا، يُؤثر لَهُ أبياته الْمَشْهُورَة فِي الْفرج: قَالَ ابْن دحْيَة عَن السهيليّ: «أنشدنيها وَقَالَ: مَا يسْأَل الله بهَا فِي حَاجَة إِلَّا قَضَاهُ إِيَّاهَا» . وَهِي: يَا من يرى مَا فِي الضَّمِير وَيسمع ... أَنْت المعدّ لكلّ مَا يتوقّع يَا من يرجّى للشّدائد كلهَا ... يَا من إِلَيْهِ المشتكى والمفزع يَا من خَزَائِن رزقه فِي قَول كن ... اُمْنُنْ فانّ الْخَيْر عنْدك أجمع مَا لي سوى قرعى لبابك حِيلَة ... فلئن رددت فأىّ بَاب أَقرع مَا لي سوى فقري إِلَيْك وَسِيلَة ... وبالافتقار إِلَيْك فقري أدفَع من ذَا الّذي أَدْعُو وأهتف باسمه ... إِن كَانَ فضلك عَن فقيرك يمْنَع حاشا لمجدك أَن تقنّط عَاصِيا ... الْفضل أجزل والمواهب أوسع وَله غير هَذِه أشعار كَثِيرَة، ذكر ذَلِك ابْن الْعِمَاد، وَلم يزدنا على أبياته فِي الْفرج شَيْئا. وَذكر الصّفدىّ «فِي نكت الْهِمْيَان» ، والمقري فِي «نفح الطيّب» بعض مقطوعات لَهُ. وَإِن نظرة وَاحِدَة إِلَى مؤلفات السهيليّ كفيلة بِأَن تعطيك فكرة عَن اتجاهه الخلقي وَإِن رجلا عَاشَ للدّين، فوهب لَهُ حَيَاته: مَا بَين درس لَهُ، وتأليف فِيهِ، لخليق بِأَن يعرف بَين النَّاس بالصلاح، ويشتهر بالورع والتّقوى، وَهَكَذَا كَانَ السّهيليّ. وَكَانَ فَوق هَذَا عفّا قنوعا يرضى بالكفاف. وَمِمَّا يعرف عَنهُ أَنه كَانَ مالكي الْمَذْهَب، وَأَنه كَانَ ضريرا، أضرّ فِي السَّابِعَة عشرَة من عمره، وَأخذ الْقرَاءَات عَن جمَاعَة، وروى عَن أَبى بكر بن العربيّ وكبار رجالات الْعلم بالأندلس فِي أَيَّامه، وَأخذ اللُّغَة والآداب عَن ابْن الطّراوة، وناظره فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ.

أبو ذر الخشني

أَبُو ذَر الخشنيّ (نسبه) : هُوَ مُصعب بن مُحَمَّد بن مَسْعُود بن عبد الله بن مَسْعُود الجيّانى الخشنيّ، الْمَعْرُوف أَيْضا بِابْن أَبى الرّكب. والجيّانىّ: نِسْبَة إِلَى كورة وَاسِعَة بالأندلس، تجمع قرى كَثِيرَة، وتتصل بكورة إلبيرة، مائلة عَنْهَا إِلَى نَاحيَة الْجوف، فِي شرقى قرطبة، وَبَينهمَا وَبَين قرطبة سَبْعَة عشر فرسخا. والخشنيّ: نِسْبَة إِلَى خشين كقريش قَرْيَة بالأندلس، وقبيلة من قضاعة، وَهُوَ خشين بن النمر بن وبرة بن تغلب [1] . وَالْمَعْرُوف أَن أَبَا ذرّ بَقِي بجيان حَتَّى شبّ، وَقد سمع على أَبِيه، وَأخذ عَنهُ، وَأَنه لم يتْرك جيّان إِلَّا بعد أَن تحوّل أَبوهُ إِلَى غرناطة فِي آخر أَيَّامه، وَأَن سنه عِنْد ذَاك كَانَت سنّ غُلَام إِن أدْرك الْعَاشِرَة فَلَا يعدوها إِلَّا بِقَلِيل- فالمدّة بَين مِيلَاد أَبى ذرّ ووفاة أَبِيه أحد عشر عَاما تَقْرِيبًا- ثمَّ رَحل إِلَى فاس يسمع بهَا عَن أَبى عبيد الله النميري وأبى الْحسن بن حُسَيْن وأبى عبد الله بن الرمامة، ثمَّ إِلَى تلمسان يسمع بهَا عَن أَبى الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن يحيى بن الْحسن الْقرشِي، وأبى مَرْوَان عبيد الله بن هِشَام الحضرميّ، ثمَّ إِلَى بجاية يسمع بهَا عَن أَبى بكر بن رزق وأبى الْعَبَّاس الخرّوبى وأبى إِسْحَاق بن ملكون وأبى مُحَمَّد عبد الحقّ بن عبد الرَّحْمَن الإشبيلي. وَيظْهر أَن رحلاته إِلَى هَذِه الْبِلَاد الثَّلَاثَة كَانَت على التَّرْتِيب الّذي سقناه، لَا يرجح هَذَا لدينا مُرَجّح، غير أَن ابْن الْأَبَّار هَكَذَا سَاقهَا مرتبَة على هَذَا النَّحْو، عِنْد الْكَلَام على شُيُوخ أَبى ذرّ، فَبَدَأَ بفاس، ثمَّ ثنى بتلمسان، ثمَّ ختم ببجاية. وَسَوَاء أَكَانَ هَذَا أم غَيره، فقد عرفنَا أَن هَذِه الْبِلَاد الثَّلَاثَة نزلها أَبُو ذرّ. ثمَّ نزل بعْدهَا إشبيلية، لَا مستمعا، وَلَكِن خَطِيبًا لمسجدها، وَبَقِي فِيهَا مُدَّة، وَكَانَ إِلَى جَانب الخطابة يقوم بتدريس الْعَرَبيَّة، ويقصده الطلاب الكثيرون. ثمَّ ترك إشبيلية إِلَى جيان

_ [1] انْظُر الْجُزْء الثَّانِي من خزانَة الْأَدَب فِي شرح الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ بعد الأربعمائة ص 529 من طبعة بولاق.

(منزلته ومؤلفاته وشيء عنه) :

بعد أَن غَابَ عَنْهَا هَذَا الْعُمر الطَّوِيل، فولى قضاءها وَجلسَ فِيهَا للحكومة بَين النَّاس، والفصل فِي خصوماتهم. ثمَّ حنّ إِلَى فاس ثَانِيَة، فَترك جيّان إِلَيْهَا، وَأقَام بهَا، وَكَانَ فِيهَا شيخ الْعَرَبيَّة والْحَدِيث يَأْخُذ عَنهُ النَّاس، حَتَّى وافته منيته بهَا. (مَنْزِلَته ومؤلفاته وَشَيْء عَنهُ) : علّك، وَقد حدثناك عَن شُيُوخ أَبى ذرّ الَّذين سمع عَنْهُم، وَكلهمْ من جلة الْعلمَاء، ورحلته إِلَيْهِم، قد عرفت طموح هَذِه النَّفس إِلَى الاستزادة من الْعلم والتمكن فِيهِ، وَأَن صَاحبهَا لم يقنع مِنْهُ بِقَلِيل، وَأَنت إِذْ عرفت الْمَرَاتِب الَّتِي تقلّب فِيهَا أَبُو ذرّ بعد الْحَيَاة الأولى، حَيَاة الدَّرْس والتحصيل، تدْرك مَعنا أَنه وصل من الْعلم إِلَى غَايَة رفعته إِلَى تولى خطابة جَامع إشبيلية أَولا، ثمَّ قَضَاء جيان ثَانِيًا، ثمَّ إِلَى أَن يجلس مَجْلِسه الْأَخير فِي فاس يتمتع بصيت بعيد، وَذكر وَاسع. وَلَقَد نَعته رجال التراجم فِيمَا نعتوه بِهِ بِأَنَّهُ صَاحب التصانيف الَّتِي سَارَتْ بهَا الركْبَان، وَمثل هَذَا لَيْسَ بِكَثِير على أَبى ذرّ، إِلَّا أَنا لم نظفر لَهُ إِلَّا بكتابه المطبوع فِي شرح غَرِيب سيرة ابْن إِسْحَاق، الّذي سَمعه ابْن فرتون عَلَيْهِ، وَكتاب آخر فِي الْعرُوض، ذكره ابْن الْآبَار وَلم يسمّه، وَكتاب ثَالِث ذكره السُّيُوطِيّ فِي البغية فِي أثْنَاء حَدِيثه عَن أَبى ذرّ، فَقَالَ: « ... تكرّر فِي جمع الْجَوَامِع من تصانيفه الْإِمْلَاء على سيرة ابْن هِشَام» . هَذَا كلّ مَا عَرفْنَاهُ عَن مؤلفات أَبى ذرّ، إِلَّا أَنا لَا ننسى أَنه كَانَ حَامِل لِوَاء الْعَرَبيَّة بالأندلس، وَأَنه كَانَ عَارِفًا بالآداب واللغات، وَأَنه أحد من قرض الشّعْر، وَكَانَ لَهُ نقادا، كَمَا كَانَ مُطلق الْعَنَان فِي معرفَة أَخْبَار الْعَرَب وأيامها وَأَشْعَارهَا ولغاتها، مُتَقَدما فِي كل ذَلِك، وَأَنه لم يكن فِي وقته أضبط مِنْهُ، وَلَا أتقن فِي جَمِيع الْعُلُوم، حفظا وقلما. وَأما أَخْلَاق أَبى ذرّ الْمَالِكِي الْمَذْهَب، فقد كَانَ ذَا سمت ووقار، وَفضل وَدين ومروءة، كثير الْحيَاء، وقور الْمجْلس، مَعْرُوفا بِالْهدى على سنَن السّلف. يحْكى عَنهُ أَنه كَانَ يمْنَع تلاميذه من التبسط فِي الأسئلة، وَأَنه كَانَ يقصرهم على مَا يلقى إِلَيْهِم وَلم يكن ذَلِك لأحد من عصره، هَيْبَة لَهُ، وخشية مِنْهُ.

(مولده ووفاته) :

(مولده ووفاته) : يذكر المستشرق بولس برونله أَن أَبَا ذرّ ولد سنة 533- أَي قبل موت أَبِيه بِأحد عشر عَاما، إِذْ كَانَت وَفَاة أَبِيه سنة 544- وَأَن وَفَاة أَبى ذرّ كَانَت سنة 604 هـ وَيُوَافِقهُ ابْن الْأَبَّار على السّنة الَّتِي توفى فِيهَا أَبُو ذرّ، وَيزِيد عَلَيْهِ بِأَن الْوَفَاة كَانَت ضحى يَوْم الِاثْنَيْنِ الْحَادِي عشر من شوّال، وَأَنه دفن لصَلَاة الْعَصْر من الْيَوْم نَفسه بعدوة الْقرَوِيين فِي فاس. وَأما ميلاده فَيَقُول فِيهِ ابْن الْأَبَّار: « ... ومولده سنة خمس، وَقيل سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة، وَالْأول أصح» . وَنحن نَمِيل إِلَى قَول ابْن الْأَبَّار فِي مِيلَاد أَبى ذرّ، فقد ذكر ابْن الْعِمَاد أَن أَبَا ذرّ مَاتَ عَن سبعين عَاما، وَإِذا صحّ هَذَا وصحّ عندنَا أَن أَبَا ذرّ- كَمَا قَالَ ابْن الْأَبَّار- مَاتَ فِي شوّال من سنة 604 هـ، كَانَ مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن الْأَبَّار فِي مِيلَاد أَبى ذرّ انه كَانَ سنة 535 هـ أقرب إِلَى الصَّوَاب. عَملنَا فِي السِّيرَة هَا هُوَ ذَا كتاب السِّيرَة بَين أَيدي القرّاء فِي ثَوْبه الْجَدِيد يحدّث عَمَّا بذلنا من جهد فِي إِخْرَاجه. لقد كَانَ هَمنَا الأوّل أَن نعارض النُّسْخَة المصرية الَّتِي بَين أَيْدِينَا بِجَمِيعِ النّسخ الْأُخْرَى، خطية أَو مطبوعة، وجرينا فِي الرَّمْز إِلَى هَذِه النّسخ بالحرف الْآتِيَة: أ- للنسخة المطبوعة بِمَدِينَة جوتنجن بألمانيا سنة 1276 هـ سنة 1862 م. وَقد اعْتمد ناشرها الْعَلامَة المستشرق «وستنفلد» ، على نُسْخَة السهيليّ المخطوطة، الَّتِي أَخذهَا عَن أستاذه أَبى بكر بن العربىّ الإشبيليّ. ب- للنسخة المطبوعة فِي بولاق سنة 1259 هـ. ت- لنسخة خطية بالمكتبة التيمورية، مَوْجُود مِنْهَا الْجُزْء الأول، وَهُوَ نَاقص من الأول وَرَقَات، وينتهى إِلَى شعر عُثْمَان بن مَظْعُون فِي عتاب أُميَّة بن خلف. ر- للنسخة المطبوعة على هَامِش الرّوض الْأنف بالمطبعة الجمالية بِمصْر سنة 1332 هـ، سنة 1914 ميلادية.

ط- للنسخة المخطوطة بِخَط الْقَاسِم بن زيد المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل بن الْقَاسِم، وَالَّتِي فرغ من كتَابَتهَا سنة 1144 هـ، وَهِي مَحْفُوظَة بدار الْكتب. ع- للنسخة المخطوطة بِخَط مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن الشافعيّ الدمشقيّ الْمُتَوفَّى سنة 749 هـ. وَهِي نَاقِصَة من الأوّل والأثناء. وأوّل مَا فِيهَا من قبيل أَسمَاء من شهد الْعقبَة الْأَخِيرَة، وَهِي مَحْفُوظَة بدار الْكتب. م- للنسخة المطبوعة فِي مصر بالمطبعة الْخَيْرِيَّة سنة 1329 هـ. ن- لنسخة خطية لَا يعرف كاتبها، وَلَا السّنة الَّتِي كتبت فِيهَا، وَلَا يُوجد مِنْهَا إِلَّا الجزءان، الأول وَالثَّانِي. وينتهيان إِلَى آخر مَا قيل من الْأَشْعَار فِي غَزْوَة أحد، وَهِي مَحْفُوظَة بدار الْكتب. ثمَّ استعنا بعد ذَلِك على تَبْيِين المغلق، وتوضيح الْمُبْهم، بالكتب الَّتِي عرضت للسيرة بِمثل هَذَا، كالروض الْأنف للسهيلى، وَشرح السِّيرَة لأبى ذرّ الخشنيّ. وَفِي كثير من المواطن الَّتِي كُنَّا نفقد فِيهَا بغيتنا فِي مثل هذَيْن المرجعين كُنَّا نلجأ إِلَى المراجع الَّتِي أَشَرنَا إِلَيْهَا فِي حَاشِيَة الْكتاب. وَقد كُنَّا نترجم للأعلام الْوَارِدَة، ونتتبّعها بالتصحيح والضبط. بَقِي بعد ذَلِك تبويب الْكتاب، وَوَضعه أبوابا تَحت هَذِه العناوين الَّتِي أثبتناها. وَحين رَأينَا مُعظم النّسخ قد أغفلت مِنْهَا الْكثير، إِذا بالنسخة الأوربية قد أسرفت فِي ذَلِك، فسلكنا نَحن نهجا وسطا، فأخذنا من العناوين مَا يصحّ أَن يُمَيّز بَابا مُسْتقِلّا عَن غَيره، ونفينا مِنْهَا مَا لَا يجرى مَعَ هَذِه الفكرة، ووضعنا العناوين الَّتِي بالحرف الصَّغِير بَين الأقواس فَوق كلّ فكرة جَدِيدَة. لتَكون عونا لنا على عمل الفهرس التفصيلي العامّ، الّذي ألحقناه بِالْكتاب. وَهَا نَحن أولاء، بعد أَن بذلنا قصارى الْجهد فِي السِّيرَة نقدّم الطبعة الثَّانِيَة مِنْهَا فِي هَذِه الْحلَّة القشيبة راجين أَن نَكُون أقرب إِلَى التَّوْفِيق، وَأدنى إِلَى الصَّوَاب. مصطفى السقا/ إِبْرَاهِيم الابيارى/ عبد الحفيظ ثلبى

ذكر سرد النسب الزكي من محمد صلى الله عليه وآله وسلم، إلى آدم عليه السلام

ذِكْرُ سَرْدِ النَّسَبِ الزَّكِيِّ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، إلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ للَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَوَاتُهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أَجْمَعِينَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ (النَّحْوِيُّ) [1] : هَذَا كِتَابُ سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَّلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَاسْمُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: شَيْبَةُ [2] بْنُ هَاشِمٍ، وَاسْمُ هَاشِمٍ: عَمْرُو بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَاسْمُ عَبْدِ مَنَافٍ: الْمُغِيرَةُ بْنُ قُصَيٍّ، (وَاسْمُ قُصَيٍّ: زَيْدُ) [1] بْنُ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ [3] بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ [4]

_ [1] مَا بَين القوسين () : زِيَادَة عَن أ. [2] وَقيل إِن اسْم عبد الْمطلب: عَامر (كَمَا فِي المعارف لِابْنِ قُتَيْبَة، وَشرح الْمَوَاهِب اللدنية ج 1 ص 71 طبع المطبعة الأزهرية) . وَالصَّحِيح أَن اسْمه: «شيبَة» كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِك السهيليّ فِي «الرَّوْض الْأنف» . وسمى كَذَلِك لِأَنَّهُ ولد وَفِي رَأسه شيبَة. وَأما غَيره من الْعَرَب مِمَّن اسْمه شيبَة فَإِنَّمَا قصد بتسميته بِهَذَا الِاسْم التفاؤل. وَقد عَاشَ عبد الْمطلب مائَة وَأَرْبَعين سنة، وَكَانَ لِدَة عبيد بن الأبرص الشَّاعِر. [3] واسْمه قُرَيْش، وَإِلَيْهِ تنْسب الْقَبِيلَة، وَقيل: بل فهر اسْمه، وقريش لقب لَهُ. وَقد روى عَن نسابى الْعَرَب أَنهم قَالُوا: من جَاوز فهرا فَلَيْسَ من قُرَيْش (انْظُر شرح الْمَوَاهِب اللدنية، ج 1 ص 75) . [4] واسْمه قيس، ولقب بالنضر لنضارة وَجهه، وَأمه برة بنت أدبن طابخة، تزَوجهَا أَبوهُ كنَانَة بعد أَبِيه خُزَيْمَة، فَولدت لَهُ النَّضر على مَا كَانَت الْجَاهِلِيَّة تفعل: إِذا مَاتَ الرجل خلف على زَوجته أكبر بنيه من غَيرهَا. وَقد ذكر الجاحظ أَن هَذَا غلط نَشأ من اشْتِبَاه، إِذْ أَن كنَانَة خلف على زَوْجَة أَبِيه، فَمَاتَتْ وَلم تَلد لَهُ ذكرا وَلَا أُنْثَى، فنكح ابْنة أَخِيهَا، وَهِي برة بنت مرّة بن أد بن طابخة، فَولدت النَّضر. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب اللدنية) . 1- سيرة ابْن هِشَام- 1

ابْن كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ، وَاسْمُ مُدْرِكَةَ: عَامِرُ [1] بْنُ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ [2] بْنِ (أُدٍّ، وَيُقَالُ) [3] : أُدَدُ [4] بْنُ مُقَوِّمِ [5] بْنِ نَاحُورَ بْنِ تَيْرَحَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ نَابِتِ [6] بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ- خَلِيلِ الرَّحْمَنِ- بْنِ تَارِحٍ [7] ، وَهُوَ آزَرُ [8] بْنُ نَاحُورَ بْنِ سَارُوغَ [9] بْنِ رَاعُو [10] بْنِ فَالَخٍ [11]

_ [1] هَذَا قَول ابْن إِسْحَاق، وَالصَّحِيح عِنْد الْجُمْهُور أَن اسْمه: عَمْرو. [2] اضْطَرَبَتْ كلمة النسابين فِيمَا بعد عدنان، حَتَّى نراهم لَا يكادون يجمعُونَ على جد حَتَّى يَخْتَلِفُوا فِيمَن فَوْقه، وَقد حكى عَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه كَانَ إِذا انتسب لم يتَجَاوَز فِي نسبه عدنان بن أدد، ثمَّ يمسك وَيَقُول: كذب النسابون. وَقَالَ عمر بن الْخطاب: إِنِّي لأنتسب إِلَى معد بن عدنان، وَلَا أدرى مَا هُوَ. وَعَن سُلَيْمَان بن أَبى خَيْثَمَة قَالَ: مَا وجدنَا فِي علم عَالم، وَلَا شعر شَاعِر أحدا يعرف مَا وَرَاء معد ابْن عدنان، ويعرب بن قحطان. [3] زِيَادَة عَن أ. [4] يذهب بعض النسابين إِلَى أَن أد هُوَ ابْن أدد، وليسا شخصا وَاحِدًا، وَيَقُولُونَ: إِن أم أدهى النعجاء بنت عَمْرو بن تبع، وَأم أدد حَيَّة، وَهِي من قحطان (رَاجع أصُول الأحساب وفصول الْأَنْسَاب للجوانى مخطوط مَحْفُوظ بدار الْكتب المصرية برقم 2015 تَارِيخ) . وَقد ذهب ابْن قُتَيْبَة فِي كِتَابه «المعارف» إِلَى أَن أد هُوَ ابْن يجثوم بن مقوم، فَيكون مقوم جدا لأد وَلَيْسَ أَبَاهُ. [5] ضَبطه السهيليّ فِي كِتَابه «الرَّوْض الْأنف» بالعبارة، فَقَالَ: « ... وَأما مقوم بِكَسْر الْوَاو» ، وَالظَّاهِر أَنَّهَا مُشَدّدَة كَمَا ضبطت بالقلم فِي المعارف لِابْنِ قُتَيْبَة. [6] وَيُقَال لَهُ: نبت أَيْضا (رَاجع كتاب أَنْسَاب الْعَرَب للصحارى مخطوط مَحْفُوظ بدار الْكتب المصرية برقم 2461 تَارِيخ) . [7] كَذَا بِالْأَصْلِ هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي، ومروج الذَّهَب للمسعوديّ (ج 1 ص 20 طبع بلاق) . وَفِي الطَّبَرِيّ، والمعارف لِابْنِ قُتَيْبَة، ومروج الذَّهَب (ج 1 ص 303) . وروضة الْأَلْبَاب للْإِمَام مُحَمَّد الزيدي (مخطوط مَحْفُوظ بدار الْكتب المصرية برقم 945 تَارِيخ) : «تَارِيخ» بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة. [8] وَقيل: هُوَ عَم إِبْرَاهِيم لَا أَبوهُ، إِذْ لَو كَانَ أَبَاهُ الْحَقِيقِيّ لم يقل تَعَالَى: لِأَبِيهِ آزَرَ 6: 74 لِأَن الْعَرَب لَا تَقول أَبى فلَان، إِلَّا للعم دون الْأَب الْحَقِيقِيّ. (رَاجع رَوْضَة الْأَلْبَاب) . [9] كَذَا فِي الطَّبَرِيّ، ومروج الذَّهَب. وَفِي المعارف: «شاروغ» وَفِيه: أَن اسْمه «أشرع» أَيْضا، وَهَذَا مَا ذكره ابْن هِشَام بعد قَلِيل نقلا عَن قَتَادَة، وَفِي رَوْضَة الْأَلْبَاب: «شاروخ» (بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة) . وَفِي الأَصْل هُنَا: «ساروح» (بِالْحَاء الْمُهْملَة) . [10] كَذَا فِي الأَصْل هُنَا. وَفِيمَا سَيَأْتِي بعد قَلِيل: «أرغو» . وَفِي الطَّبَرِيّ وروضة الْأَلْبَاب «أرغوا» وَفِي المعارف لِابْنِ قُتَيْبَة ومروج الذَّهَب (ج 1 ص 303) : «أرعو» بِالْعينِ الْمُهْملَة، وَفِي مروج الذَّهَب (ج 1 ص 20) : «رعو» [11] كَذَا بِالْأَصْلِ هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي. وَفِي الطَّبَرِيّ، والمعارف، ومروج الذَّهَب، وأصول الأحساب، وَالرَّوْض الْأنف، وروضة الْأَلْبَاب، وأنساب الْعَرَب: «فالغ» (بالغين الْمُعْجَمَة) . وَهُوَ «فالخ» كَمَا نَص على ذَلِك فِي أَنْسَاب الْعَرَب. وَيُقَال: إِن مَعْنَاهُ القسام.

ابْن عَيْبَرِ [1] بْنِ شالَخٍ [2] بْنِ أرْفَخْشَذَ [3] بْنِ سَامِ بْنِ نُوحِ بْنِ لَمْكَ [4] بْنِ مُتَوَشْلِخَ [5] ابْن أَخْنُوخَ، وَهُوَ إدْرِيسُ النَّبِيُّ- فِيمَا يَزْعُمُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَكَانَ أَوَّلَ بَنِي آدَمَ أُعْطَى النُّبُوَّةَ، وَخَطَّ بِالْقَلَمِ- ابْنِ يَرْدِ بْنِ مُهْلَيِلِ [6] بْنِ قَيْنَنَ [7] بْنِ يانِشَ بْنِ شِيثِ بْنِ آدَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا زِيَادُ [8] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ [9] الْمُطَّلِبِيِّ بِهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ نَسَبِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَا فِيهِ مِنْ حَدِيثِ إدْرِيسَ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي خَلَّادُ بْنُ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ السَّدُوسِيُّ، عَنْ شَيْبَانَ ابْن زُهَيْرِ بْنِ شَقِيقِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ قَتَادَةَ بْنِ دُعَامةَ، أَنَّهُ قَالَ: إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ- خَلِيلِ الرَّحْمَنِ- ابْن تَارِحٍ، وهُوَ آزَرُ بْنُ نَاحُورَ بْنِ أَسْرَغَ [10]

_ [1] كَذَا بِالْأَصْلِ هُنَا. وَفِيمَا سَيَأْتِي: «عَابِر» ، وَهِي رِوَايَة جَمِيع المراجع الَّتِي بَين أَيْدِينَا غير رَوْضَة الْأَلْبَاب، فَإِنَّهُ فِيهَا بالغين الْمُعْجَمَة. [2] كَذَا بِالْأَصْلِ، والمعارف، والطبري، وَالرَّوْض الْأنف، وروضة الْأَلْبَاب. وشالخ مَعْنَاهُ: الرَّسُول أَو الْوَكِيل، وَفِي مروج الذَّهَب: «شالح» (بِالْحَاء الْمُهْملَة) . [3] كَذَا فِي م، ومروج الذَّهَب، وَالرَّوْض الْأنف، وأصول الأحساب، وأنساب الْعَرَب. وَمعنى أرفخشذ: مِصْبَاح مضيء. وَفِي الطَّبَرِيّ، والمعارف: «أرفخشد» (بِالدَّال الْمُهْملَة) . [4] كَذَا فِي شرح القصيدة الحميرية (المخطوطة الْمَحْفُوظ بدار الْكتب المصرية برقم 1359 تَارِيخ) وروضة الْأَلْبَاب، ومروج الذَّهَب، وَقد ضبط فِي هَامِش الْأَخير بالعبارة بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْمِيم. وَفِي الأَصْل هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي: «لامك» . [5] متوشلخ مَعْنَاهُ: مَاتَ الرَّسُول. (عَن الرَّوْض الْأنف) . [6] فِيمَا سَيَأْتِي: «مهلائيل» وَهِي رِوَايَة أَكثر المراجع الَّتِي بَين أَيْدِينَا. [7] كَذَا بِالْأَصْلِ هُنَا. وَفِيمَا سَيَأْتِي: «قاين» . وَفِي الطَّبَرِيّ، ومروج الذَّهَب: «قينان» . [8] هُوَ أَبُو مُحَمَّد زِيَاد بن عبد الله بن الطُّفَيْل البكائي الْكُوفِي، نسب إِلَى الْبكاء بن عَمْرو، ربيعَة بن صعصعة بن مُعَاوِيَة بن بكر بن هوَازن، وَهُوَ من أَصْحَاب الحَدِيث، أخرج لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم (عَن شرح السِّيرَة وتهذيب التَّهْذِيب) . [9] هُوَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن بشار مولى قيس بن مخرمَة بن الْمطلب بن عبد منَاف، وَلذَلِك يُقَال فِي نسبه: المطلبي، وَهُوَ من كبار الْمُحدثين لَا سِيمَا فِي الْمَغَازِي وَالسير، وَكَانَ الزُّهْرِيّ يثنى عَلَيْهِ بذلك، ويفضله على غَيره، وَهُوَ مدنِي توفى بِبَغْدَاد سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَة. [10] كَذَا فِي أ. وَفِي م: «استرغ» . (رَاجع الْحَاشِيَة رقم 9 ص 2 من هَذَا الْجُزْء) .

(نهج ابن هشام في هذا الكتاب) :

ابْن أَرْغُو بْنِ فَالَخٍ بْنِ عَابِرِ بْنِ شَالَخٍ بْنِ أرْفخْشَذَ [1] بْنِ سَامِ بْنِ نُوحِ بْنِ لَمْكِ بْنِ مَتُّوشَلَخِ بْنِ أَخْنُوخَ بْنِ يَرْدِ بْنِ مِهْلَائِيلَ بْنِ قَايِنَ [2] بْنِ أَنُوشَ بْنِ شِيثِ بْنِ آدَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (نَهْجُ ابْنِ هِشَامٍ فِي هَذَا الْكِتَابِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ مُبْتَدِئٌ هَذَا الْكِتَابَ بِذِكْرِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، وَمَنْ وَلَدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَلَدِهِ، وَأَوْلَادِهِمْ لِأَصْلَابِهِمْ، الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، مِنْ إسْمَاعِيلَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يَعْرِضُ مِنْ حَدِيثهِمْ، وَتَارِكٌ ذِكْرَ غَيْرِهِمْ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ، عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ لِلِاخْتِصَارِ، إلَى حَدِيثِ سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَارِكٌ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، مِمَّا لَيْسَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِيهِ ذِكْرٌ، وَلَا نَزَلَ فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ، وَلَيْسَ سَبَبًا لِشَيْءِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَلَا تَفْسِيرًا لَهُ، وَلَا شَاهِدًا عَلَيْهِ، لِمَا ذَكَرْتُ مِنْ الِاخْتِصَارِ، وَأَشْعَارًا ذَكَرَهَا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يَعْرِفُهَا، وَأَشْيَاءَ بَعْضُهَا يَشْنُعُ الْحَدِيثُ بِهِ، وَبَعْضٌ يَسُوءُ بَعْضَ النَّاسِ ذِكْرُهُ، وَبَعْضٌ لَمْ يُقِرَّ لَنَا الْبَكَّائِيُّ بِرِوَايَتِهِ، وَمُسْتَقْصٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْهُ بِمَبْلَغِ الرِّوَايَةِ لَهُ، وَالْعِلْمِ بِهِ. سِيَاقَةُ النَّسَبِ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ (أَوْلَادُ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَنَسَبُ أُمِّهِمْ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيِّ قَالَ: وَلَدَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا: نَابِتًا، وَكَانَ أَكْبَرَهُمْ،

_ [1] فِي أهنا: «الفخشذ» . (رَاجع الْحَاشِيَة رقم 3 ص 3 من هَذَا الْجُزْء) . [2] (رَاجع الْحَاشِيَة رقم 7 ص 3 من هَذَا الْجُزْء) .

(عمر إسماعيل عليه السلام ومدفنه) :

وقَيْذَرُ [1] ، وَأَذْبُلَ [2] ، وَمُبِشًّا [3] ، وَمِسْمَعًا، وَمَاشِي [4] ، وَدِمَّا [5] ، وَأَذَرُ [6] ، وَطَيْمَا [7] ، وَيَطُورَ [8] ، ونَبِشَ [9] ، وقَيْذُما [10] . وَأُمُّهُمْ (رَعْلَةُ) [11] بِنْتُ مُضَاضِ بْنِ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيُّ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: مِضَاضٌ. وَجُرْهُمُ بْنُ قَحْطَانَ، وَقَحْطَانُ أَبُو الْيَمَنِ كلهَا، وَإِلَيْهِ تَجْتَمِع نَسَبُهَا- ابْنُ عَامِرِ بْنِ شالَخِ بْنِ أرْفَخْشَذَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: جُرْهُمُ بْنُ يَقْطَنَ بْنِ عَيْبَرِ بْنِ شَالَخٍ. و (يَقْطَنُ هُوَ) [12] قَحْطَانُ بْنُ عَيْبَرِ بْنِ شالَخٍ. (عُمْرُ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَدْفِنُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ عُمْرُ إسْمَاعِيلَ- فِيمَا يذكرُونَ مائَة سَنَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، ثُمَّ مَاتَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْهِ، وَدُفِنَ فِي الْحِجْرِ [13] مَعَ أُمِّهِ هَاجَرَ، رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى

_ [1] كَذَا فِي أ، وَيُقَال فِيهِ: «قيذار» أَيْضا (رَاجع أَنْسَاب الْعَرَب، وأصول الأحساب) . وَفِي م: «قيدر» . وَفِي الطَّبَرِيّ، والمعارف: «قيدار» (بِالدَّال الْمُهْملَة فِي الرِّوَايَتَيْنِ) . [2] فِي الطَّبَرِيّ وأنساب الْعَرَب: «أدبيل» . وَيُقَال فِيهِ: «أدبال» أَيْضا. [3] كَذَا فِي أوالطبري، وأنساب الْعَرَب. وَفِي م: «منشا» . وَفِي أصُول الأحساب: «مشا» . [4] فِي الطَّبَرِيّ: «ماسى» بِالسِّين الْمُهْملَة. [5] وَيُقَال فِيهِ: «دمار» (رَاجع أَنْسَاب الْعَرَب) . [6] فِي أَنْسَاب الْعَرَب: «أدر» (بِالدَّال الْمُهْملَة) . [7] كَذَا فِي أ، وَهُوَ بِكَسْر الطَّاء الْمُهْملَة وَفتحهَا وَإِسْكَان الْيَاء. وَفِي أصُول الأحساب: «تيما» (بِفَتْح التَّاء وَسُكُون الْيَاء) . وَقَيده الدارقطنيّ: «ظمياء» (بالظاء الْمُعْجَمَة وَتَقْدِيم الْمِيم ممدودا) . وَفِي الطَّبَرِيّ. «طما» . وَفِي م. «ظيما» . [8] كَذَا فِي أوأصول الأحساب. وَفِي م «تطورا» (بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة) . وَفِي الطَّبَرِيّ: «طور» . وَفِي أَنْسَاب الْعَرَب: «قطور» . [9] كَذَا فِي أ. وَفِي م، ر: «نيش» (بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة) . وَفِي الطَّبَرِيّ: «نَفِيس» . وَفِي أصُول الأحساب: «يافيش» . وَفِي أَنْسَاب الْعَرَب: «فنس» . [10] فِي الطَّبَرِيّ وأنساب الْعَرَب: «قيدمان» . [11] زِيَادَة عَن أ. والّذي فِي الرَّوْض الْأنف أَن أمّهم اسْمهَا السيدة، وَأَنه كَانَ لإسماعيل امْرَأَة سواهَا من جرهم اسْمهَا جداء بنت سعد، وَهِي الَّتِي أمره أَبوهُ بتطليقها، ثمَّ تزوج أُخْرَى اسْمهَا: سامة بنت مهلهل، وَقيل عَاتِكَة. [12] زِيَادَة يقتضيها السِّيَاق. [13] الْحجر (بِالْكَسْرِ ثمَّ السّكُون وَرَاء) : حجر الْكَعْبَة، هُوَ مَا تركت قُرَيْش فِي بنائها من أساس إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، وحجرت على الْمَوَاضِع ليعلم أَنه من الْكَعْبَة فَسمى حجرا لذَلِك، لَكِن فِيهِ زِيَادَة على مَا فِي الْبَيْت، وَقد كَانَ ابْن الزبير أدخلهُ فِي الْكَعْبَة حِين بناها، فَلَمَّا هدم الْحجَّاج بناءه، رده إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .

(موطن هاجر) :

(مَوْطِنُ هَاجَرَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَقُولُ الْعَرَبُ: هَاجَرَ وَآجَرَ فَيُبْدِلُونَ الْأَلِفَ مِنْ الْهَاءِ كَمَا قَالُوا: هَرَاقَ الْمَاءَ، وَأَرَاقَ الْمَاءَ وَغَيْرَهُ. وَهَاجَرُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ. (وَصَاةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَهْلِ مِصْرَ وَسَبَبُ ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ [1] ، عَنْ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ [2] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: اللَّهَ اللَّهَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ، أَهْلِ الْمَدَرَةِ السَّوْدَاءِ السُّحْمِ الْجِعَادِ [3] ، فَإِنَّ لَهُمْ نَسَبًا وَصِهْرًا. قَالَ عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ: نَسَبُهُمْ، أَنَّ أُمَّ إسْمَاعِيلَ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُمْ. وَصِهْرُهُمْ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- تَسَرَّرَ [4] فِيهِمْ. قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: أُمُّ إسْمَاعِيلَ: هَاجَرُ، مِنْ أُمِّ الْعَرَبِ [5] ، قَرْيَةٍ كَانَتْ أَمَامَ الْفَرَمَا [6]

_ [1] ابْن لَهِيعَة (بِفَتْح اللَّام وَكسر الْهَاء وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تحتهَا وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَبعدهَا هَاء سَاكِنة) : هُوَ أَبُو عبد الرَّحْمَن عبد الله بن لَهِيعَة بن عقبَة بن لَهِيعَة الحضرميّ الغافقي الْمصْرِيّ، كَانَ مكثرا من الحَدِيث وَالْأَخْبَار وَالرِّوَايَة، وَكَانَ أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور قد ولاه الْقَضَاء بِمصْر فِي مستهل سنة خمس وَخمسين وَمِائَة، وَهُوَ أول قَاض ولى بِمصْر من قبل الْخَلِيفَة، وَصرف عَن الْقَضَاء فِي شهر ربيع الأول سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة، وَكَانَ أول قَاض حضر لنظر الْهلَال فِي شهر رَمَضَان. توفى بِمصْر سنة سبعين وَمِائَة. وَقيل أَربع وَسبعين، وَكَانَ عمره إِحْدَى وَثَمَانِينَ سنة، وَكَانَ مولده سنة سبع وَتِسْعين (رَاجع ابْن خلكان) . [2] هِيَ غفرة بنت بِلَال- وَقيل أُخْته- مولى أَبى بكر الصّديق رضى الله عَنهُ. (رَاجع شرح السِّيرَة وَالرَّوْض الْأنف) . [3] المدرة (هُنَا) : الْبَلدة، والسحم: السود، واحدهم: أسحم وسحماء. والجعاد: الَّذين فِي شعرهم تكسير. [4] يُقَال: تسرر الرجل وتسرى: إِذا اتخذ أمة لفراشه. [5] وَيُقَال فِيهَا «أم العريك» ، كَمَا يُقَال إِنَّهَا من قَرْيَة يُقَال لَهَا «ياق» عِنْد أم دنين. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [6] الفرما أَو الطينة (siravAuoesuelP) مَدِينَة بِمصْر من شَرق، تبعد عَن سَاحل بَحر الرّوم بِقدر ميلين، كَانَ لَهَا ميناء عَامر، ويصل إِلَيْهَا فرع من النّيل مُسَمّى باسمها اليوناني (بيلوزة) أَي الطينة، وَكَانَت فِي زمن الفراعنة حصن مصر من جِهَة الشرق، وَلذَلِك وَقعت بهَا جملَة وقائع حربية فِي جَمِيع أزمنة التَّارِيخ الْمصْرِيّ، وتعرف الْآن بتل الفرما، وَيُقَال: إِن فِيهَا قبر أم إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام، وقبر جالينوس الْحَكِيم. وفيهَا ولد بطليموس القلوذى (eemelotPedualC) الفلكي الْمَشْهُور، صَاحب كتاب المجسطي، من أهل الْقرن الثَّانِي من الميلاد. (رَاجع فهرست المعجم الجغرافى لأمين بك واصف) .

(أصل العرب) :

مِنْ مِصْرَ. وَأُمُّ إبْرَاهِيمَ: مَارِيَةُ [1] سُرِّيَّةُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ مِنْ حَفْنٍ [2] مِنْ كُورَةِ أنْصِنا [3] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيَّ، ثُمَّ السُّلَمِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إذَا افْتَتَحْتُمْ مِصْرَ فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا. فَقُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ: مَا الرَّحِمُ الَّتِي ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ؟ فَقَالَ: كَانَتْ هَاجَرُ أُمُّ إسْمَاعِيلَ مِنْهُمْ. (أَصْلُ الْعَرَبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَالْعَرَبُ كُلُّهَا مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَقَحْطَانَ. وَبَعْضُ أَهْلِ الْيَمَنِ يَقُولُ: قَحْطَانُ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ، وَيَقُولُ: إسْمَاعِيلُ أَبُو الْعَرَبِ كُلِّهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: عَاد بن عوض بْنُ إرَمِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وَثَمُودُ وَجُدَيْسٌ ابْنَا عَابِرِ [4] بْنِ إرَمِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وطَسْمُ وَعِمْلَاقُ وَأُمَيْمُ بَنُو لَاوِذْ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ: عَرَبٌ كُلُّهُمْ. فَوَلَدَ نَابِتُ بْنُ إسْمَاعِيلَ: يَشْجُبَ بْنَ نَابِتٍ، فَوَلَدَ يَشْجُبُ: يَعْرُبَ بْنَ يَشْجُبَ، فَوَلَدَ يَعْرُبُ: تَيْرَحَ بْنَ يَعْرُبَ، فَوَلَدَ تَيْرَحُ:

_ [1] هِيَ مَارِيَة بنت شَمْعُون (والمارية بتَخْفِيف الْيَاء: الْبَقَرَة الْفتية. وبالتشديد: الملساء، فَيُقَال: قطاة مَارِيَة، أَي ملساء) . وَسبب إهدائها إِلَى النَّبِي أَنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسل إِلَى الْمُقَوْقس (واسْمه جريج ابْن ميناء) حَاطِب بن أَبى بلتعة، وجبرا مولى أَبى رهم الغفاريّ، فقارب الْمُقَوْقس الْإِسْلَام، وَأهْدى مَعَهُمَا إِلَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغلته، الَّتِي يُقَال لَهَا دُلْدُل، ومارية، كَمَا أهْدى إِلَيْهِ أَيْضا قدحا من قَوَارِير، فَكَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشرب فِيهِ (عَن الرَّوْض الْأنف) . [2] حفن: قَرْيَة من قرى الصَّعِيد، وَقيل: نَاحيَة من نواحي مصر، وَفِي الحَدِيث: أهْدى الْمُقَوْقس إِلَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَارِيَة من حفن من رستاق أنصنا، وكلم الْحسن بن على رضى الله عَنهُ مُعَاوِيَة لأهل حفن، فَوضع عَنْهُم خراج الأَرْض. [3] أنصنا (بِالْفَتْح ثمَّ السّكُون وَكسر الصَّاد الْمُهْملَة وَبعدهَا النُّون مَقْصُورا) : مَدِينَة من نواحي الصَّعِيد على شرقى النّيل، وَيُقَال إِنَّهَا كَانَت مَدِينَة السَّحَرَة ينْسب إِلَيْهَا كثير من أهل الْعلم، مِنْهُم: أَبُو طَاهِر الْحُسَيْن ابْن أَحْمد بن سُلَيْمَان بن هَاشم الأنصناوي الْمَعْرُوف بالطبري. [4] فِي أ: «عاثر» .

(أولاد عدنان) :

نَاحُورَ بْنَ تَيْرَحَ، فَوَلَدَ نَاحُورُ: مُقَوِّمَ بْنَ نَاحُورٍ: أُدَدَ بْنَ مقوّم: فولد مُقَوِّمٍ: فَوَلَدَ أُدَدُ: عَدْنَانَ بْنَ أُدَدَ [1] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَدْنَانُ بْنُ أُدٍّ. (أَوْلَادُ عَدْنَانَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَمِنْ عَدْنَانَ تَفَرَّقَتْ الْقَبَائِلُ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَوَلَدَ عَدْنَانُ رَجُلَيْنِ: مَعَدَّ بْنَ عَدْنَانَ، وَعَكَّ بْنَ عَدْنَانَ. (مَوْطِنُ عَكٍّ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَصَارَتْ عَكٌّ فِي دَارِ الْيَمَنِ، وَذَلِكَ أَنَّ عَكَّا تَزَوَّجَ فِي الْأَشْعَرِيِّينَ فَأَقَامَ فِيهِمْ، فَصَارَتْ الدَّارُ وَاللُّغَةُ وَاحِدَةً، وَالْأَشْعَرِيُّونَ بَنُو أَشْعَرَ بْنِ نَبْتِ بْنِ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ [2] بْنِ هُمَيْسِعِ [3] بْنِ عَمْرِو بْنِ عَرِيبِ [4] بْنِ يَشْجُبَ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ ابْن سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ، وَيُقَالُ: أَشْعَرُ [5] : نَبْتُ بْنُ أُدَدَ، وَيُقَالُ: أَشْعَرُ: ابْنُ مَالِكٍ. وَمَالِكٌ: مَذْحجُ بْنُ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ هُمَيْسِعِ. وَيُقَالُ أَشْعَرُ: ابْنُ [6] سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ. وَأَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ، لِعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، أَحَدِ بَنِي سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ، يَفْخَرُ بِعَكِّ:

_ [1] بعد مَا سَاق ابْن قُتَيْبَة فِي كِتَابه «المعارف» هَذِه السلسلة، مُتَّفقا فِيهَا مَعَ مَا هُنَا إِلَّا فِي الْقَلِيل، سَاق رَأيا آخر فِي نسب عدنان يخْتَلف عَن هَذَا، وينتهى إِلَى قيدار بن إِسْمَاعِيل بَدَلا من نابت، وَهَذَا مَا ذهب إِلَيْهِ الجواني فِي كِتَابه «أصُول الأحساب» ، وَالْإِمَام مُحَمَّد الزيدي فِي كِتَابه «رَوْضَة الْأَلْبَاب» . [2] وَيُقَال فِيهِ: زند (بالنُّون) كَمَا يُقَال إِنَّه هُوَ الهميسع. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [3] كَذَا فِي أ، وَهِي الرِّوَايَة الَّتِي اتّفقت عَلَيْهَا المراجع الَّتِي بَين أَيْدِينَا، وَفِي م: مهسع، وَلم نجد مرجعا يُؤَيّد هَذِه الرِّوَايَة. والهميسع بِفَتْح الْهَاء على وزن السميدع، وَبَعض النسابين يرويهِ بِالضَّمِّ، وَالصَّوَاب الْفَتْح. (رَاجع أصُول الأحساب) . [4] الّذي فِي أصُول الأحساب: «يشجب بن عريب» . [5] كَذَا فِي أ. وَهَذَا مَا ذهب إِلَيْهِ الجواني فِي كِتَابه أصُول الأحساب، وَقد ذكر أَن أَوْلَاد أدد هم: مَالك (مذْحج) وأشعر (نبت) وطين (جلهمة) وَمرَّة. وَفِي م، ر: أشعر بن نبت، وَالظَّاهِر أَن كلمة «بن» مقحمة. [6] فِي أصُول الأحساب: أَن هَذَا رأى الصِّحَاح، وَأَنه رأى خاطئ.

وَعَكُّ بْنُ عَدْنَانَ الَّذِينَ تَلَقَّبُوا [1] ... بِغَسَّانِ حَتَّى طُرِّدُوا كُلَّ مَطْرِدِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَغَسَّانُ: مَاءٌ بِسَدِّ مَأْرِبَ [2] بِالْيَمَنِ، كَانَ شِرْبًا لِوَلَدِ مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ فَسُمُّوا بِهِ، وَيُقَالُ: غَسَّانُ: مَاءٌ بِالْمُشَلَّلِ [3] قَرِيبٌ مِنْ الْجُحْفَةِ [4] ، وَاَلَّذِينَ شَرِبُوا مِنْهُ [5] فَسُمُّوا بِهِ قَبَائِلُ مِنْ وَلَدِ مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ [6] ابْن الْغَوْثِ بْنِ نَبْتِ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ ابْن قَحْطَانَ. قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ- وَالْأَنْصَارُ بَنُو الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، ابْنَيْ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ حَارِثَة بن أَمْرِي الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ:

_ [1] كَذَا فِي أصُول الأحساب. وَفِي الأَصْل: «تلعبوا» . [2] قَالَ المرحوم أَمِين بك واصف فِي كِتَابه فهرست المعجم الجغرافى: «سبأ» أَو مأرب، أَو مارب من غير همز، (وَهُوَ الصَّحِيح فِيهِ) : مَدِينَة كَانَت بِقرب موقع صنعاء الْيمن، بناها عبد شمس بن يشجب من مُلُوك حمير، وَهُوَ الّذي بنى أَيْضا السد الْكَبِير لتخزين مياه الأمطار. وانفجر يَوْمًا فَكَانَ الْغَرق الشهير الْمَعْرُوف بسيل العرم، وَتَفَرَّقَتْ على أَثَره قبائل بنى قحطان، فَكَانَ مِنْهُم أهل الْحيرَة على الْفُرَات، وَأهل غَسَّان ببادية الشَّام، وَلَا تزَال آثَار السد بَاقِيَة. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: «لما تفرق بَنو قحطان بعد سيل العرم رَحل آل جَفْنَة من الْيمن، والأزد من بنى كهلان، إِلَى الشَّام، ونزلوا بِمَاء يُقَال لَهُ غَسَّان، فسموا بِهِ، وَأَقَامُوا ببادية الشَّام، وتزاحموا مَعَ سليح، فغلبوهم على أَمرهم، وأخرجوهم من دِيَارهمْ، وَبَقِي الغساسنة ملوكا بِالشَّام أَكثر من أَرْبَعمِائَة سنة، وأولهم جَفْنَة بن عَمْرو بن ثَعْلَبَة، وَآخرهمْ جبلة السَّادِس ابْن الْأَيْهَم، وَصَاحب الحَدِيث الْمَشْهُور مَعَ عمر بن الْخطاب فِي إِسْلَامه وتنصره وفراره إِلَى الرّوم، وَقد سقنا الرأيين هُنَا لما بَينهمَا من خلاف. [3] المشلل (بِالضَّمِّ ثمَّ الْفَتْح وَفتح اللَّام أَيْضا) : جبل وَرَاء عزور (وَاد قريب من الْمَدِينَة) يهْبط مِنْهُ إِلَى قديد من نَاحيَة الْبَحْر. قَالَ العرجى: أَلا قل لمن أَمْسَى بِمَكَّة قاطنا ... وَمن جَاءَ من عمق ونقب المشلل دعوا الْحَج لَا تستهلكوا نفقاتكم ... فَمَا حج هَذَا الْعَام بالمتقبل (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ لياقوت، ومعجم مَا استعجم للبكرى) . [4] الْجحْفَة (بِالضَّمِّ ثمَّ السّكُون وَالْفَاء) : قَرْيَة كَانَت كَبِيرَة ذَات مِنْبَر على طَرِيق الْمَدِينَة من مَكَّة على أَربع مراحل، وَهِي مِيقَات أهل مصر وَالشَّام إِن لم يمروا على الْمَدِينَة، فَإِن مروا بِالْمَدِينَةِ فميقاتهم ذُو الحليفة، وَكَانَ اسْمهَا مهيعة، وَإِنَّمَا سميت الْجحْفَة لِأَن السَّيْل اجتحفها وَحمل أَهلهَا فِي بعض الأعوام، وَهِي الْآن خراب. (عَن مُعْجم الْبلدَانِ) . [5] كَذَا فِي أ. وَفِي م، ر: « ... شربوا مِنْهُ تحزبوا فسموا بِهِ ... إِلَخ» وَالظَّاهِر أَن كلمة تحزبوا مقحمة. [6] وَيُقَال فِيهِ الأزد أَيْضا.

(أولاد معد) :

إمَّا سَأَلْتِ فَإِنَّا مَعْشَرٌ نُجُبٌ ... الْأَسْدُ نِسْبَتُنَا وَالْمَاءُ غَسَّانُ [1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. فَقَالَتْ الْيَمَنُ: وَبَعْضُ عَكٍّ، وَهُمْ الَّذِينَ بِخُرَاسَانَ مِنْهُمْ، عَكُّ بْنُ عَدْنَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ [2] ، وَيُقَالُ: عُدْثَانَ [3] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [4] بْنِ الْأَسْدِ ابْن الْغَوْثِ. (أَوْلَادُ مَعَدٍّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ مَعَدُّ بْنُ عَدْنَانَ [5] أَرْبَعَةَ نَفَرٍ: نِزَارَ بْنَ مَعَدٍّ، وَقُضَاعَةَ ابْن مَعَدٍّ، وَكَانَ قُضَاعَةُ بِكْرَ [6] مَعَدٍّ الَّذِي بِهِ يُكَنَّى فِيمَا يَزْعُمُونَ، وقُنُصُ بْنَ مَعَدٍّ، وَإِيَادَ بْنَ مَعَدٍّ. فَأَمَّا قُضَاعَةُ فَتَيَامَنَتْ إلَى حِمْيَرِ بْنِ سَبَأٍ- وَكَانَ اسْمُ سَبَأٍ عَبْدَ شَمْسٍ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ سَبَأً، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَبَى فِي الْعَرَبِ- ابْنِ يَشْجُبَ [7] بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ. (قُضَاعَةُ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَقَالَتْ الْيَمَنُ وَقُضَاعَةُ: قُضَاعَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ حِمْيَرَ [8] . وَقَالَ

_ [1] وَقبل هَذَا الْبَيْت: يَا أُخْت آل فراس إِنَّنِي رجل ... من معشر لَهُم فِي الْمجد بُنيان [2] وَبِهَذَا قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كِتَابه المعارف، وَابْن دُرَيْد: فِي الِاشْتِقَاق، والجواني: فِي أصُول الأحساب. [3] كَذَا فِي أ. وَقد نَقله الجواني أَيْضا فِي أصُول الأحساب عَن الْأَفْطَس الطرابلسي النسابة بعد مَا سَاق الرأى الأول، وَفِي م، ر «عدنان» بالنُّون. [4] فِي الأَصْل: «عدثان (عدنان) بن الديث بن عبد الله ... إِلَخ» . وَالظَّاهِر أَن كلمة «بن الديث» مقحمة، فَكل الَّذين عرضوا لعك بن عدنان الَّذين فِي الأزد من النسابة لم يذكرُوا فِي نسبهم غير الرأيين السَّابِقين. [5] لَا خلاف بَين النسابين فِي أَن نزار هُوَ ابْن معد، وَأما سَائِر ولد معد فمختلف فيهم، وَفِي عَددهمْ. [6] الْبكر: أول ولد الرجل، وَأَبوهُ بكر، والثني: وَلَده الثَّانِي، وَأَبوهُ ثنى، وَالثَّالِث: وَلَده الثَّالِث، وَلَا يُقَال للْأَب ثلث، كَمَا لَا يُقَال بعد الثَّالِث شَيْء من هَذَا. [7] فِي الأَصْل: «ابْن يعرب بن يشجب» . والتصويب عَن شرح السِّيرَة. [8] يخْتَلف النسابون- كَمَا رَأَيْت- فِي نسب قضاعة، فَمنهمْ من جعله فِي معد، وَمِنْهُم من نسبه إِلَى مَالك بن حمير، وَقد سَاق الْمُؤلف قَول ابْن مرّة سندا للرأى الثَّانِي، وَمِمَّا يحْتَج بِهِ أَصْحَاب الرأى الأول، قَول زُهَيْر:

(قنص بن معد، ونسب النعمان بن المنذر) :

عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ [1] الْجُهَنِيُّ، وَجُهَيْنَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ سَوْدِ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ الْحَافِ [2] ابْن قُضَاعَةَ: نَحْنُ بَنُو الشَّيْخِ الْهِجَانِ الْأَزْهَرَ [3] ... قُضَاعَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ حِمْيَرِ [4] النَّسَبِ الْمَعْرُوفِ غَيْرِ الْمُنْكَرِ ... فِي الْحَجَرِ الْمَنْقُوشِ تَحْتَ الْمِنْبَرِ [5] (قُنُصُ بْنُ مَعَدٍّ، وَنَسَبُ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمَّا قُنُصُ بْنُ مَعَدٍّ فَهَلَكَتْ بَقِيَّتُهُمْ- فِيمَا يَزْعُمُ نُسَّابُ مَعَدٍّ- وَكَانَ مِنْهُمْ النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ مَلِكُ الْحِيرَةِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ: أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ كَانَ مِنْ وَلَدِ قُنُصِ بْنِ مَعَدٍّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: قَنَصَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ:

_ [ () ] قضاعية أَو أُخْتهَا مضرية ... يحرق فِي حافاتها الْحَطب الجزل فَفِيهِ أَن قضاعة وَمُضر أَخَوان، كَمَا يحتجون بأشعار كَثِيرَة للبيد وَغَيره. وللكميت يُعَاتب قضاعة على انتسابهم إِلَى الْيمن: علام نزلتم من غير فقر ... وَلَا ضراء منزلَة الْحميل (والحميل: المسبى، لِأَنَّهُ يحمل من بلد إِلَى بلد) . وَإِذا عرفنَا أَن امْرَأَة مَالك بن حمير- وَاسْمهَا عكبرة- آمت مِنْهُ وَهِي ترْضع قضاعة، فَتَزَوجهَا معد، فَتَبَنَّاهُ وتكنى بِهِ، وَهَذَا كثير فِي الْعَرَب- فقد نسب بَنو عبد مَنَاة بن كنَانَة إِلَى على بن مَسْعُود بن مَازِن بن الذِّئْب الْأَسدي، لِأَنَّهُ كَانَ حاضن أَبِيهِم وَزوج أمّهم- إِذا عرفنَا هَذَا استطعنا أَن نَعْرِف السِّرّ فِي اخْتِلَاف النسابين، وَأَن للرأيين نَصِيبا من الصِّحَّة. [1] ويكنى أَبَا مرّة، وَهُوَ من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَله عَنهُ حديثان أَحدهمَا فِي أَعْلَام النُّبُوَّة، وَالْآخر: «من ولى أَمر النَّاس فسد بَابه دون ذوى الْحَاجة والخلة والمسكنة، سد الله بَابه دون حَاجته وَخلته ومسكنته يَوْم الْقِيَامَة» . [2] يجوز فِي «الحاف» قطع الْهمزَة وَكسرهَا، كَأَنَّهُ سمى بمصدر ألحف، وَيجوز أَن يكون اسْم الْفَاعِل من حفى يحفى. [3] الهجان: الْكَرِيم، والأزهر: الْمَشْهُور. [4] أول هَذَا الرجز: يَا أَيهَا الدَّاعِي ادعنا وَابْشَرْ ... وَكن قضاعيا وَلَا تنزر [5] هَذَا الشّطْر الْأَخير سَاقِط فِي أ. وَيُقَال إِن هَذَا الشّعْر لأفلح بن اليعبوب. (رَاجع الرَّوْض الْأنف للسهيلى) .

(نسب لخم بن عدي) :

أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ أُتِيَ بِسَيْفِ النُّعْمَانِ [1] بْنِ الْمُنْذِرِ، دَعَا جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ- وَكَانَ جُبَيْرُ مِنْ أَنْسَبِ قُرَيْشٍ لِقُرَيْشِ وَلِلْعَرَبِ قَاطِبَةً، وَكَانَ يَقُولُ: إنَّمَا أَخَذْتُ النَّسَبَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَنْسَبَ الْعَرَبِ- فَسَلَّحَهُ [2] إيَّاهُ، ثُمَّ قَالَ: مِمَّنْ كَانَ يَا جُبَيْرُ، النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ؟ فَقَالَ: كَانَ مِنْ أَشْلَاءِ [3] قُنُصِ بْنِ مَعَدٍّ [4] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَمَّا سَائِرُ الْعَرَبِ فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ، مِنْ وَلَدِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ، فاللَّه أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ. (نَسَبُ لَخْمِ بْنِ عَدِيٍّ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: لَخْمُ: ابْنُ عَدِيِّ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ هُمَيْسِعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَرِيبِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَالُ: لَخْمُ: ابْنُ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَالُ: رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرِ [5] بْنِ أَبِي حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، وَكَانَ تَخَلَّفَ بِالْيَمَنِ بَعْدَ خُرُوجِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ الْيَمَنِ.

_ [1] وَكَانَ ذَلِك حِين افتتحت الْمَدَائِن، وَكَانَت بهَا حرائب كسْرَى وذخائره فَأخذت، وَكَانَ فِيهَا خَمْسَة أسياف لم ير مثلهَا، أَحدهَا هَذَا السَّيْف. (رَاجع الطَّبَرِيّ) . [2] سلحه إِيَّاه: قَلّدهُ إِيَّاه، وَجعله سِلَاحا لَهُ. [3] الأشلاء: البقايا. وَكَانَ السَّبَب فِي هَلَاك أَوْلَاد قنص أَنهم لما كَثُرُوا وانتشروا بالحجاز وَقعت بَينهم وَبَين أَبِيهِم حَرْب، وتضايقوا فِي الْبِلَاد، وأجدبت بهم الأَرْض، فَسَارُوا نَحْو سَواد الْعرَاق، وَذَلِكَ أَيَّام مُلُوك الطوائف، فَقَاتلهُمْ الأردانيون وَبَعض مُلُوك الطوائف، وأجلوهم عَن السوَاد، وقتلوهم إِلَّا أشلاء لحقت بقبائل الْعَرَب، ودخلوا فيهم، وانتسبوا إِلَيْهِم. [4] وَقيل إِن النُّعْمَان بن الْمُنْذر كَانَ من ولد عجم بن قنص، إِلَّا أَن النَّاس لم يدروا مَا عجم، فَجعلُوا مَكَانَهُ لخما، فَقَالُوا: هُوَ من لخم. (رَاجع الطَّبَرِيّ) . [5] وَيُقَال: هُوَ نصر بن مَالك بن شعوذ بن مَالك بن عجم بن عَمْرو بن نمارة من لخم (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .

أمر عمرو بن عامر في خروجه من اليمن وقصة سد مارب

أَمْرُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ فِي خُرُوجِهِ مِنْ الْيَمَنِ وَقِصَّةُ سَدِّ مَأْرِبٍ وَكَانَ سَبَبُ خُرُوجِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ الْيَمَنِ- فِيمَا حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ- أَنَّهُ رَأَى جُرَذًا [1] يَحْفِرُ فِي سَدِّ مَأْرِبٍ، الَّذِي كَانَ يَحْبِسُ عَلَيْهِمْ الْمَاءَ، فَيُصَرِّفُونَهُ حَيْثُ شَاءُوا مِنْ أَرْضِهِمْ، فَعَلِمَ أَنَّهُ لَا بَقَاءَ لِلسَّدِّ عَلَى ذَلِكَ، فَاعْتَزَمَ عَلَى النُّقْلَةِ مِنْ الْيَمَنِ، فَكَادَ قَوْمَهُ، فَأَمَرَ أَصْغَرَ وَلَدِهِ إذَا أَغْلَظَ لَهُ وَلَطَمَهُ أَنْ يَقُومَ إلَيْهِ فَيَلْطِمَهُ، فَفَعَلَ ابْنُهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ، فَقَالَ عَمْرٌو: لَا أُقِيمُ بِبَلَدِ لَطَمَ وَجْهِي فِيهِ أَصْغَرُ وَلَدِي، وَعَرَضَ أَمْوَالَهُ. فَقَالَ أَشْرَافٌ مِنْ أَشْرَافِ الْيَمَنِ: اغْتَنِمُوا غَضْبَةَ عَمْرٍو، فَاشْتَرَوْا مِنْهُ أَمْوَالَهُ. وَانْتَقَلَ فِي وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ. وَقَالَتْ الْأَزْدُ: لَا نَتَخَلَّفُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، فَبَاعُوا أَمْوَالَهُمْ، وَخَرَجُوا مَعَهُ، فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا بِلَادَ عَكٍّ مُجْتَازِينَ يَرْتَادُونَ الْبُلْدَانَ، فَحَارَبَتْهُمْ عَكٌّ، فَكَانَتْ حَرْبُهُمْ سِجَالًا [2] . فَفِي ذَلِكَ قَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ الْبَيْتَ الَّذِي كَتَبْنَا [3] . ثُمَّ ارْتَحَلُوا عَنْهُمْ فَتَفَرَّقُوا فِي الْبُلْدَانِ، فَنَزَلَ آلُ جَفْنَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الشَّامَ، وَنَزَلَتْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ يَثْرِبَ، وَنَزَلَتْ خُزَاعَةُ مَرَّا [4] ، وَنَزَلَتْ أَزْد السّراة السَّرَاةَ [5] ، وَنَزَلَتْ أَزْدُ عَمَّانَ عُمَانَ، ثُمَّ أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى السَّدِّ السَّيْلَ فَهَدَمَهُ، فَفِيهِ أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ، جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ، كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ، فَأَعْرَضُوا، فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ 34: 15- 16.

_ [1] الجرذ: الذّكر من الفئران. [2] السجال: أَن يغلب هَؤُلَاءِ مرّة وَهَؤُلَاء مرّة. وَأَصله من المساجلة فِي الاستقاء، وَهُوَ أَن يخرج المستقى من المَاء مثل مَا يخرج صَاحبه. [3] رَاجع هَذَا الْبَيْت وَالتَّعْلِيق عَلَيْهِ (فِي أول ص 9 من هَذَا الْجُزْء) . [4] مر: هُوَ الّذي يُقَال لَهُ مر الظهْرَان، وَمر ظهران، وَهُوَ مَوضِع على مرحلة من مَكَّة. [5] قَالَ الْأَصْمَعِي: الطود: جبل مشرف على عَرَفَة ينقاد إِلَى صنعاء يُقَال لَهُ السراة، وَإِنَّمَا سمى بذلك لعلوه، يُقَال لَهُ سراة ثَقِيف، ثمَّ سراة فهم وعدوان، ثمَّ سراة الأزد. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .

وَالْعَرِمُ: السَّدُّ، وَاحِدَتُهُ: عَرِمَةٌ، فِيمَا حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ. قَالَ الْأَعْشَى: أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدٍّ. - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: أَفْصَى بْنِ دُعْمِيِّ بْنِ [1] جَدِيلَةَ، وَاسْمُ الْأَعْشَى، مَيْمُونُ بْنُ قَيْسِ بْنِ جَنْدَلِ بْنِ شَرَاحِيلَ بْنِ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ بْنِ قَيْسِ ابْن ثَعْلَبَةَ: وَفِي ذَاكَ لِلْمُؤْتَسِي أُسْوَةٌ [2] ... ومارِبُ عَفَّى [3] عَلَيْهَا العَرِمْ رُخَامٌ بَنَتْهُ لَهُمْ حِمْيرٌ ... إذَا جَاءَ [4] مَوَّارُهُ لَمْ يَرِمْ فَأَرْوَى الزُّرُوعَ وَأَعْنَابَهَا ... عَلَى سَعَةٍ مَاؤُهُمْ إذْ قُسِمْ فَصَارُوا أيادي [5] مَا يقدرُونَ ... مِنْهُ عَلَى شُرْبِ [6] طِفْلٍ فُطِمْ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيُّ- وَاسْمُ ثَقِيفٍ قَسِيُّ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدٍّ بْنِ عَدْنَانَ: مِنْ سَبَأِ الْحَاضِرِينَ مَأْرِبَ إذْ ... يَبْنُونَ مِنْ دُونِ سَيْلِهِ الْعَرِمَا [7] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَتُرْوَى لِلنَّابِغَةِ الْجَعْدِيِّ، وَاسْمُهُ قَيْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَحَدُ بَنِي جَعْدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ. وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ، مَنَعَنِي مِنْ اسْتِقْصَائِهِ مَا ذَكَرْتُ مِنْ الِاخْتِصَارِ.

_ [1] وعَلى هَذَا الرأى ابْن دُرَيْد فِي كِتَابه «الِاشْتِقَاق» . [2] المؤتسى: المقتدى. والإسوة (بِالْكَسْرِ وَالضَّم) : الِاقْتِدَاء. [3] ويروى: «نفى» وَمَعْنَاهَا: نحى. [4] مواره (بِضَم الْمِيم وَفتحهَا) : تلاطم مَائه وتموجه. [5] أيادي: مُتَفَرّقين. [6] الشّرْب (بِالضَّمِّ) : الْمصدر. و (بِالْكَسْرِ) : الْحَظ والنصيب من المَاء. [7] فِي هَذَا الْبَيْت شَاهد على أَن العرم هُوَ السد.

أمر ربيعة بن نصر ملك اليمن وقصة شق وسطيح الكاهنين معه

أَمْرُ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرِ مَلِكِ الْيَمَنِ وَقِصَّةُ شِقٍّ وَسَطِيحٍ الْكَاهِنَيْنِ مَعَهُ (رُؤْيَا رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ مَلِكُ الْيَمَنِ بَيْنَ أَضْعَافِ مُلُوكِ التَّبَابِعَةِ، فَرَأَى رُؤْيَا هَالَتْهُ، وَفَظِعَ [1] بِهَا فَلَمْ يَدَعْ كَاهِنًا، وَلَا سَاحِرًا، وَلَا عَائِفًا [2] وَلَا مُنَجِّمًا مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ إلَّا جَمَعَهُ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: إنِّي قَدْ رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي، وَفَظِعْتُ بِهَا، فَأَخْبِرُونِي بِهَا وَبِتَأْوِيلِهَا، قَالُوا لَهُ: اُقْصُصْهَا عَلَيْنَا نُخْبِرْكَ بِتَأْوِيلِهَا، قَالَ: إنِّي إنْ أَخْبَرْتُكُمْ بِهَا لَمْ أَطْمَئِنَّ إلَى خَبَرِكُمْ عَنْ تَأْوِيلِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُ تَأْوِيلَهَا إلَّا مَنْ عَرَفَهَا قَبْلَ أَنْ أُخْبِرَهُ بِهَا. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ: فَإِنْ كَانَ الْمَلِكُ يُرِيدُ هَذَا فَلْيَبْعَثْ إلَى سَطِيحٍ [3] وَشِقٍّ [4] ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنْهُمَا، فَهُمَا يُخْبِرَانِهِ بِمَا سَأَلَ عَنْهُ. (نَسَبُ سَطِيحٍ وَشِقٍّ) : وَاسْمُ سَطِيحٍ رَبِيعُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مَازِنِ بْنِ ذِئْبِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَازِنِ غَسَّانَ. وَشِقٌّ: ابْنُ صَعْبِ بْنُ يَشْكُرَ بْنِ رُهْمِ بْنِ أَفْرَكَ بْنِ قَسْرِ [5] بْنِ عَبْقَرَ بْنِ أَنْمَارِ بْنِ نِزَارٍ [6] ، وَأَنْمَارُ أَبُو بَجِيلَةَ وَخَثْعَمَ. (نَسَبُ بَجِيلَةَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَتْ: الْيَمَنُ وَبَجِيلَةُ: (بَنُو) [7] أَنْمَارِ: بْنِ إرَاشِ

_ [1] يُقَال: فظع بِالْأَمر (كعلم) : إِذا اشْتَدَّ عَلَيْهِ. [2] العائف: الّذي يزْجر الطير. [3] يُقَال: إِنَّمَا سمى سطيحا لِأَنَّهُ كَانَ كالبضعة الملقاة على الأَرْض، فَكَأَنَّهُ سطح عَلَيْهَا، ويروى عَن وهب بن مُنَبّه أَنه قَالَ: قيل لسطيح: أَنى لَك هَذَا الْعلم؟ فَقَالَ: لي صَاحب من الْجِنّ اسْتمع أَخْبَار السَّمَاء من طور سيناء حِين كلم الله تَعَالَى مِنْهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، فَهُوَ يُؤدى إِلَى من ذَلِك مَا يُؤَدِّيه، وَقد ولد هُوَ وشق فِي الْيَوْم الّذي مَاتَت فِيهِ طريفة الكاهنة امْرَأَة عَمْرو بن عَامر. [4] يُقَال إِنَّه سمى كَذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ كشق إِنْسَان، كَمَا يُقَال إِن خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي كَانَ من وَلَده. [5] كَذَا فِي أ. وَفِي م، ر: «قيس» . [6] كَذَا فِي م، ر: وَهِي إِحْدَى رِوَايَات المعارف لِابْنِ قُتَيْبَة. وَفِي أ: «أَنْمَار بن أراش» . [7] زِيَادَة يقتضيها السِّيَاق.

(ربيعة بن نصر وسطيح) .

ابْن لِحْيَانَ [1] بْنِ عَمْرِو بْنِ الْغَوْثِ بْنِ نَبْتِ [2] بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَالُ: إرَاشُ بْنُ عَمْرِو بْنِ لِحْيَانَ بْنِ الْغَوْثِ [3] . وَدَارُ بَجِيلَةَ وَخَثْعَمَ يَمَانِيَّةٌ. (رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ وَسَطِيحٌ) . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَعَثَ إلَيْهِمَا، فَقَدِمَ عَلَيْهِ سَطِيحٌ قَبْلَ شِقٍّ، فَقَالَ لَهُ: إنِّي رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي وَفَظِعْتُ بِهَا، فَأَخْبِرْنِي بِهَا، فَإِنَّكَ إنْ أَصَبْتَهَا أَصَبْتَ تَأْوِيلَهَا. قَالَ: أَفْعَلُ، رَأَيْتُ حُمَمَهُ [4] خَرَجَتْ مِنْ ظُلُمِهِ [5] ، فَوَقَعَتْ بِأَرْضِ تُهَمِهِ [6] ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ [7] جُمْجُمَهُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا أَخْطَأْتَ مِنْهَا شَيْئًا يَا سَطِيحٌ، فَمَا عِنْدَكَ فِي تَأْوِيلِهَا؟ فَقَالَ: أَحْلِفُ بِمَا بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ [8] مِنْ حَنَشٍ، لَتَهْبِطَنَّ أَرْضَكُمْ الْحَبَشُ [9] ، فَلَتَمْلِكَنَّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ [10] إلَى جُرَشَ [11] ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ:

_ [1] سَاق ابْن دُرَيْد هَذَا الرأى إِلَّا أَنه لم يذكر فِيهِ «لحيان» . [2] كَذَا فِي أوالاشتقاق لِابْنِ دُرَيْد. وَفِي م، ر: «نايت» . [3] وَيُقَال أَيْضا فِي نسب بجيلة وخثعم إنَّهُمَا ليسَا لأنمار، وَإِنَّمَا هما حليفان لوَلَده. (رَاجع المعارف لِابْنِ قُتَيْبَة) . [4] الحممة: الفحمة، وَإِنَّمَا أَرَادَ فَحْمَة فِيهَا نَار. [5] من ظلمَة: أَي من ظلام، يعْنى من جِهَة الْبَحْر، يُرِيد خُرُوج عَسْكَر الْحَبَشَة من أَرض السودَان. [6] التُّهْمَة: الأَرْض المتصوبة نَحْو الْبَحْر. [7] قَالَ «كل ذَات» لِأَن الْقَصْد إِلَى النَّفس والنسمة، وَيدخل فِيهِ جَمِيع ذَوَات الْأَرْوَاح. (عَن الرَّوْض الْأنف) . [8] الْحرَّة: أَرض فِيهَا حِجَارَة سود متشيطة. [9] يُقَال إِنَّهُم بَنو حبش بن كوش بن حام بن نوح، وَبِه سميت الْحَبَشَة. [10] أبين (بِفَتْح أَوله وبكسر، وَيُقَال: يبين، وَذكره سِيبَوَيْهٍ فِي الْأَمْثِلَة بِكَسْر الْهمزَة وَلَا يعرف أهل الْيمن غير الْفَتْح، وَحكى أَبُو حَاتِم قَالَ: سَأَلنَا أَبَا عُبَيْدَة: كَيفَ تَقول: عدن أبين أَو إبين؟ فَقَالَ: أبين وإبين جَمِيعًا) : مخلاف بِالْيمن مِنْهُ عدن، يُقَال إِنَّه سمى بأبين بن زُهَيْر بن أَيمن. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: عدن وَأبين ابْنا عدنان بن أدد، وَأنْشد الْفراء: مَا من أنَاس بَين مصر وعالج ... وَأبين إِلَّا قد تركنَا لَهُم وترا وَنحن قتلنَا الأزد أَزْد شنُوءَة ... فَمَا شربوا بعدا على لَذَّة خمرًا وَقَالَ عمَارَة بن الْحسن الْيُمْنَى الشَّاعِر: أبين: مَوضِع فِي جبل عدن. (عَن مُعْجم الْبلدَانِ) . [11] جرش (بِالضَّمِّ ثمَّ الْفَتْح وشين مُعْجمَة) : من مخاليف الْيمن من جِهَة مَكَّة، وَقيل: هِيَ مَدِينَة عَظِيمَة بِالْيمن، وَولَايَة وَاسِعَة. وَذكر بعض أهل السّير: أَن تبعا أسعد بن كلى كرب خرج من الْيمن غازيا

(ربيعة بن نصر وشق) :

وَأَبِيكَ يَا سَطِيحُ، إنَّ هَذَا لَنَا لَغَائِظٌ مُوجِعٌ، فَمَتَى هُوَ كَائِنٌ؟ أَفِي زَمَانِي هَذَا، أَمْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ بَعْدَهُ بِحِينِ، أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ أَوْ سَبْعِينَ، يَمْضِينَ مِنْ السِّنِينَ قَالَ: أَفَيَدُومُ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِهِمْ أَمْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ يَنْقَطِعُ لِبِضْعِ وَسَبْعِينَ مِنْ السِّنِينَ، ثُمَّ يُقْتَلُونَ وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا هَارِبِينَ، قَالَ: وَمَنْ يَلِي مِنْ ذَلِكَ مِنْ قَتْلِهِمْ وَإِخْرَاجِهِمْ؟ قَالَ: يَلِيهِ إرَمُ (بْنُ) [1] ذِي يَزَنَ [2] ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ عَدَنَ، فَلَا يَتْرُكُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْيَمَنِ، قَالَ: أَفَيَدُومُ ذَلِكَ مِنْ سُلْطَانِهِ، أَمْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ يَنْقَطِعُ، قَالَ: وَمَنْ يَقْطَعُهُ؟ قَالَ: نَبِيٌّ [3] زَكِيٌّ، يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ قِبَلِ الْعَلِيِّ، قَالَ: وَمِمَّنْ هَذَا النَّبِيُّ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ، قَالَ: وَهَلْ لِلدَّهْرِ مِنْ آخِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَوْمٌ يُجْمَعُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، يَسْعَدُ فِيهِ الْمُحْسِنُونَ، وَيَشْقَى فِيهِ الْمُسِيئُونَ قَالَ: أَحَقٌّ مَا تُخْبِرُنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالشَّفَقُ وَالْغَسَقُ، وَالْفَلَقُ إذَا اتَّسَقَ، إنَّ مَا أَنْبَأْتُكَ بِهِ لَحَقٌّ. (رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ وَشِقٌّ) : ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِ شِقٌّ، فَقَالَ لَهُ كَقَوْلِهِ لِسَطِيحِ، وَكَتَمَهُ مَا قَالَ سَطِيحٌ، لِيَنْظُرَ أَيَتَّفِقَانِ أَمْ يَخْتَلِفَانِ، فَقَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُ حُمَمَهُ، خَرَجَتْ مِنْ ظُلُمِهِ، فَوَقَعَتْ بَيْنَ رَوْضَةٍ وَأَكَمَهْ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ نَسَمَهْ.

_ [ () ] (حَتَّى إِذا كَانَ بجرش، وَهِي إِذْ ذَاك خربة ومعد حَالَة حواليها، خلف جمعا مِمَّن كَانَ صَحبه رأى فيهم ضعفا، وَقَالَ: اجرشوا هَاهُنَا، أَي أثيروا، فسميت جرش بذلك، وَلم أجد فِي اللغويين من قَالَ: إِن الجرش الْمقَام وَقَالَ أَبُو الْمُنْذر هِشَام: جرش: أَرض سكنها بَنو مُنَبّه بن أسلم، فَغلبَتْ على اسمهم، وَهُوَ جرش، واسْمه مُنَبّه بن أسلم بن زيد، وَإِلَى هَذِه الْقَبِيلَة ينْسب الْغَاز بن ربيعَة. وَفتحت جرش فِي حَيَاة النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سنة عشر لِلْهِجْرَةِ. [1] زِيَادَة يقتضيها السِّيَاق. [2] الْمَعْرُوف: سيف بن ذِي يزن، وَلكنه جعله إرما، إِمَّا لِأَن الإرم هُوَ الْعلم فمدحه بذلك، وَإِمَّا أَن يكون أَرَادَ تشبيهه بعاد إرم فِي عظم الْخلق وَالْقُوَّة. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [3] قد عمر سطيح زَمَانا طَويلا بعد هَذَا الحَدِيث، حَتَّى أدْرك مولد النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَتَّى رأى كسْرَى أنوشروان مَا رأى من ارتجاس الإيوان، وخمود النيرَان، فَأرْسل كسْرَى عبد الْمَسِيح بن عَمْرو- وَكَانَ سطيح من أخوال عبد الْمَسِيح- فَقدم عبد الْمَسِيح على سطيح، وَقد أشفى على الْمَوْت، وَله مَعَه حَدِيث ترَاهُ مَبْسُوطا فِي كتب التَّارِيخ. 2- سيرة ابْن هِشَام- 1

(هجرة ربيعة بن نصر إلى العراق) :

قَالَ: فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ، وَعَرَفَ أَنَّهُمَا قَدْ اتَّفَقَا وَأَنَّ قَوْلَهُمَا وَاحِدٌ إلَّا أَنَّ سَطِيحًا قَالَ: «وَقَعَتْ بِأَرْضِ تَهَمَهْ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ جُمْجُمَهُ» . وَقَالَ شِقٌّ: «وَقَعَتْ بَيْنَ رَوْضَةٍ وَأَكَمَهْ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ نَسَمَهْ» . فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا أَخْطَأْتَ يَا شِقُّ مِنْهَا شَيْئًا، فَمَا عِنْدَكَ فِي تَأْوِيلِهَا؟ قَالَ: أَحْلِفُ بِمَا بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ مِنْ إنْسَانٍ، لَيَنْزِلَنَّ أَرْضَكُمْ السُّودَانُ، فَلَيَغْلِبُنَّ عَلَى كُلِّ طَفْلَةِ [1] الْبَنَانِ، وَلَيَمْلِكُنَّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إلَى نَجْرَانَ. فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: وَأَبِيكَ يَا شِقُّ، إنَّ هَذَا لَنَا لَغَائِظٌ مُوجِعٌ، فَمَتَى هُوَ كَائِنٌ؟ أَفِي زَمَانِي، أَمْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ بَعْدَهُ بِزَمَانِ، ثُمَّ يَسْتَنْقِذُكُمْ مِنْهُمْ عَظِيمٌ ذُو شَأْنٍ، وَيُذِيقُهُمْ أَشَدَّ الْهَوَانِ، قَالَ: وَمَنْ هَذَا الْعَظِيمُ الشَّانِ؟ قَالَ: غُلَامٌ لَيْسَ بِدَنِيِّ، وَلَا مُدَنٍّ [2] ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ ذِي يَزَنَ، (فَلَا يَتْرُكُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْيَمَنِ) [3] ، قَالَ: أَفَيَدُومُ سُلْطَانُهُ، أَمْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: بَلْ يَنْقَطِعُ بِرَسُولِ مُرْسَلٍ يَأْتِي بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ، بَيْنَ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إلَى يَوْمِ الْفَصْلِ، قَالَ: وَمَا يَوْمُ الْفَصْلِ؟ قَالَ: يَوْمٌ تُجْزَى فِيهِ الْوُلَاةُ، وَيُدْعَى فِيهِ مِنْ السَّمَاءِ بِدَعَوَاتِ، يَسْمَعُ مِنْهَا الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ، وَيُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ لِلْمِيقَاتِ، يَكُونُ فِيهِ لِمَنْ اتَّقَى الْفَوْزُ وَالْخَيْرَاتُ، قَالَ: أَحَقٌّ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: إِي وَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ رَفْعٍ وَخَفْضٍ، إنَّ مَا أَنْبَأْتُكَ بِهِ لَحَقٌّ مَا فِيهِ أَمْضِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَمْضِ: يَعْنِي شَكَّا، هَذَا بِلُغَةِ حِمْيَرَ، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: أَمْضِ أَيْ بَاطِلٌ. (هِجْرَةُ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ إلَى الْعِرَاقِ) : فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ مَا قَالَا. فَجَهَّزَ بَنِيهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ إلَى الْعِرَاقِ بِمَا يُصْلِحُهُمْ، وَكَتَبَ لَهُمْ إلَى مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ فَارِسَ يُقَالُ لَهُ سَابُورُ بْنُ خُرَّزاذَ، فَأَسْكَنَهُمْ الْحِيرَةَ.

_ [1] الطفلة: الناعمة الرُّخْصَة. [2] الْمدنِي: «بِصِيغَة اسْم الْفَاعِل» المقصر فِي الْأُمُور أَو الّذي يتبع خسيسها. وَفِي ابْن الْأَثِير: «مزن» من أزننته بِكَذَا: أَي اتهمته بِهِ. [3] زِيَادَة عَن أ.

(نسب النعمان بن المنذر) :

(نَسَبُ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ) : فَمِنْ بَقِيَّةِ وَلَدِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ، فَهُوَ فِي نَسَبِ الْيَمَنِ وَعِلْمِهِمْ [1] النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ، ذَلِكَ الْمَلِكُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْمُنْذِرِ، فِيمَا أَخْبَرَنِي خَلَفٌ الْأَحْمَرُ. اسْتِيلَاءُ أَبِي كَرِبٍ تُبَّانَ أَسْعَدَ عَلَى مَلِكِ الْيَمَنِ وَغَزْوِهِ إلَى يَثْرِبَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا هَلَكَ رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ رَجَعَ مُلْكُ الْيَمَنِ كُلُّهُ إلَى حَسَّانِ بْنِ تُبَّانَ أَسْعَدَ [2] أَبِي كَرِبٍ- وَتُبَّانُ أَسْعَدُ هُوَ تُبَّعٌ الْآخِرُ- ابْنُ كُلِي كَرِبِ [3] بْنِ زَيْدٍ، وَزَيْدٌ هُوَ تُبَّعٌ الْأَوَّلُ بْنُ عَمْرِو ذِي [4] الْأَذْعَارِ [5] بْنِ أَبْرَهَةَ ذِي الْمَنَارِ [6] بْنِ الرِّيشِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ الرَّائِشُ- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ابْنَ عَدِيِّ [7] بْنِ صَيْفِيِّ ابْن سَبَأٍ الْأَصْغَرِ بْنِ كَعْبٍ، كَهْفِ الظُّلْمِ [8] ، بْنِ زَيْدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ عَمْرِو

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي م، ر، ط: «غلبهم» وَلَا معنى لَهَا. [2] تبان أسعد: اسمان جعلا اسْما وَاحِدًا، كَمَا هِيَ الْحَال فِي معديكرب. وتبان من التبانة، وَهِي الذكاء والفطنة. [3] كَذَا فِي جَمِيع المراجع الَّتِي بَين أَيْدِينَا، وَفِي الأَصْل «كليككرب» وَهُوَ تَحْرِيف. [4] اتّفق أَبُو الْفِدَاء وَابْن جرير مَعَ ابْن إِسْحَاق على أَن ذَا الأذعار هُوَ عَمْرو، وَخَالَفَهُمَا المَسْعُودِيّ فِي «مروج الذَّهَب» فَقَالَ إِن فَقَالَ إِن اسْمه العَبْد بن أَبْرَهَة، كَمَا ذهب ابْن دُرَيْد فِي كِتَابه «الِاشْتِقَاق» إِلَى أَن ذَا الأذعار هُوَ تبع، وَلم يقف الْخلاف فِي المراجع الَّتِي بَين أَيْدِينَا عِنْد هَذَا فِي مُلُوك الْيمن، بل تجاوزه إِلَى كثير غَيره رَأينَا عدم إثْبَاته، إِذْ لَا طائل تَحْتَهُ. [5] سمى ذَا الأذعار لِأَنَّهُ- كَمَا زعم ابْن الْكَلْبِيّ- جلب النسناس إِلَى الْيمن فذعر النَّاس، وَهُوَ قَول يحْتَاج إِلَى تمحيص. (رَاجع الِاشْتِقَاق، وَشرح السِّيرَة لأبى ذَر) . [6] قيل سمى ذَا الْمنَار لِأَنَّهُ غزا غزوا بَعيدا، وَكَانَ بيني على طَرِيقه الْمنَار ليستدل بِهِ إِذا رَجَعَ. (عَن شرح السِّيرَة) . [7] فِي الطَّبَرِيّ «قيس» . [8] يُرِيد أَن الظَّالِم كَانَ يلجأ إِلَيْهِ، ويعتمد عَلَيْهِ، فينصره.

(شيء من سيرة تبان) :

ابْن قَيْسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جُشَمَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ وَائِلِ بْنِ الْغَوْثِ بْنِ قَطَنِ بْنِ عَرِيبِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَيْمَنَ بْنِ الهُمَيْسِعِ بْنِ العَرَنجَج والعَرَنْجَجُ [1] : حِمْيَرُ بْنُ سَبَأٍ الْأَكْبَرِ ابْن يَعْرُبَ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ قَحْطَانَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَشْجُبُ: ابْنُ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ [2] . (شَيْءٌ مِنْ سِيرَةِ تُبَّانَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَتُبَّانُ أَسْعَدُ أَبُو كَرِبٍ الَّذِي قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَسَاقَ الْحِبْرَيْنِ مِنْ يَهُودِ (الْمَدِينَةِ) [3] إلَى الْيَمَنِ، وَعَمَّرَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ وَكَسَاهُ، وَكَانَ مُلْكُهُ قَبْلَ مُلْكِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ [4] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: لَيْتَ حَظِّي مِنْ أَبِي كَرِبٍ ... أَنْ يَسُدَّ خَيْرُهُ خَبَلَهُ [5] (غَضَبُ تُبَّانَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ قَدْ جَعَلَ طَرِيقَهُ- حِينَ أَقْبَلَ مِنْ الْمَشْرِقِ- عَلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ قَدْ مَرَّ بِهَا فِي بَدْأَتِهِ فَلَمْ يَهِجْ أَهْلَهَا، وَخَلَّفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ابْنًا لَهُ، فَقُتِلَ غِيلَةً، فَقَدِمَهَا وَهُوَ مُجْمِعٌ لِإِخْرَابِهَا، وَاسْتِئْصَالِ أَهْلِهَا، وَقَطْعِ نَخْلِهَا [6] ، فَجُمِعَ لَهُ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَرَئِيسُهُمْ عَمْرُو بْنُ طَلَّةَ أَخُو بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ. وَاسْمُ مَبْذُولٍ: عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَاسْمُ النَّجَّارِ:

_ [1] لَيست النُّون فِي العرنجج زَائِدَة، بل هُوَ من قَوْلهم: اعرنجج الرجل فِي أمره: إِذا جد فِيهِ (عَن الِاشْتِقَاق) . [2] وعَلى هَذَا الرأى جَمِيع المراجع الَّتِي بَين أَيْدِينَا. [3] زِيَادَة عَن أ. [4] الّذي فِي مروج الذَّهَب: أَن تبع بن حسان بن كل كرب هُوَ صَاحب هَذِه الْحَادِثَة. [5] الخبل: الْفساد، وَقد نسب هَذَا الْبَيْت إِلَى الْأَعْشَى خطأ، وَإِنَّمَا هُوَ لعجوز من بنى سَالم يُقَال إِن اسْمهَا جميلَة، قالته حِين جَاءَ ملك بن العجلان بِخَبَر تبع. [6] وَقيل: إِن تبعا لم يقْصد غزوها، وَإِنَّمَا قصد قتل الْيَهُود الَّذين كَانُوا فِيهَا، وَذَلِكَ أَن الْأَوْس والخزرج كَانُوا نزلوها مَعَهم حِين خَرجُوا من الْيمن على شُرُوط وعهود كَانَت بَينهم فَلم يَفِ لَهُم بذلك الْيَهُود واستضاموهم، فاستغاثوا بتبع، فَعِنْدَ ذَلِك قدمهَا. كَمَا قيل: إِن هَذَا الْخَبَر كَانَ لأبى جبلة الغساني. (رَاجع شرح السِّيرَة لأبى ذَر) .

(نسب عمرو بن طلة) :

تَيْمُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ. (نَسَبُ عَمْرِو بْنِ طَلَّةَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمْرُو بْنُ طَلَّةَ: عَمْرُو بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ ابْن النَّجَّارِ، وَطَلَّةُ أُمُّهُ، وَهِيَ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ [1] بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ ابْن غَضْبِ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ. (سَبَبُ قِتَالِ تُبَّانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، يُقَالُ لَهُ أَحْمَرُ، عَدَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ تُبَّعٍ حِينَ نَزَلَ بِهِمْ فَقَتَلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ وَجَدَهُ فِي عَذْقٍ [2] لَهُ يَجُدُّهُ [3] فَضَرَبَهُ بِمِنْجَلِهِ فَقَتَلَهُ، وَقَالَ: إنَّمَا التَّمْرُ لِمَنْ أَبَّرَهُ [4] . فَزَادَ ذَلِكَ تُبَّعًا حَنَقًا عَلَيْهِمْ، فَاقْتَتَلُوا. فَتَزْعُمُ الْأَنْصَارُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُقَاتِلُونَهُ بِالنَّهَارِ، وَيَقْرُونَهُ [5] بِاللَّيْلِ، فَيُعْجِبُهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَيَقُولُ: وَاَللَّهِ إنَّ قَوْمَنَا لَكِرَامٌ. (انْصِرَافُ تُبَّانَ عَنْ إهْلَاكِ الْمَدِينَةِ، وَشِعْرُ خَالِدٍ فِي ذَلِكَ) : فَبَيْنَا تُبَّعٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِتَالِهِمْ، إذْ جَاءَهُ حَبْرَانِ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ- وَقُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ وَالنَّجَّامُ [6] وَعَمْرٌو، وَهُوَ هَدَلُ [7] ، بَنُو الْخَزْرَجِ بْنِ الصَّرِيح بن التّوأمان [8] بْنِ السِّبْطِ بْنِ الْيَسَعَ بْنِ سَعْدِ بْنِ لَاوِيِّ بْنِ خَيْرِ بْنِ النَّجَّامِ بْنِ تَنْحُومَ بْنِ عَازَرِ بْنِ عُزْرَى بْنِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ يَصْهَرَ بْنِ قَاهِثِ [9] ابْنِ لَاوَى بْنِ يَعْقُوبَ، وَهُوَ إسْرَائِيلُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ، صَلَّى اللَّهُ

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي م، ر، ط: «زُرَيْق بن عَامر بن زُرَيْق بن عبد حَارِثَة» . [2] العذق (بِفَتْح الْعين) : النَّخْلَة. (وبكسرها) : الكباسة بِمَا عَلَيْهَا من التَّمْر. [3] يجده: يقطعهُ. [4] أبره: أصلحه. [5] يقرونه: يضيفونه، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ نازلا بهم. [6] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «النحام» بِالْحَاء الْمُهْملَة. [7] هُوَ بِفَتْح الْهَاء وَالدَّال، كَأَنَّهُ مصدر هدل، إِذا استرخت شفته. وَعَن ابْن مَاكُولَا عَن أَبى عَبدة النسابة أَنه بِسُكُون الدَّال. (عَن الرَّوْض الْأنف) . [8] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «التومان» . [9] وَفِي رِوَايَة: «قاهت» بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة.

عَلَيْهِمْ- عَالِمَانِ رَاسِخَانِ فِي الْعِلْمِ، حِينَ سَمِعَا بِمَا يُرِيدُ مِنْ إهْلَاكِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِهَا، فَقَالَا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّكَ إنْ أَبَيْتَ إلَّا مَا تُرِيدُ حِيلَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا، وَلَمْ نَأْمَنْ عَلَيْكَ عَاجِلَ الْعُقُوبَةِ، فَقَالَ لَهما: وَلم ذَاك؟ فَقَالَا: هِيَ مُهَاجَرُ نَبِيٍّ يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْحَرَمِ مِنْ قُرَيْشٍ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، تَكُونُ دَارَهُ وَقَرَارَهُ، فَتَنَاهَى عَنْ ذَلِكَ، وَرَأَى أَنَّ لَهُمَا عِلْمًا، وَأَعْجَبَهُ مَا سَمِعَ مِنْهُمَا، فَانْصَرَفَ عَنْ الْمَدِينَةِ، وَاتَّبَعَهُمَا عَلَى دِينِهِمَا، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ غَزِيَّةَ بْنِ عَمْرِو (ابْنِ عَبْدِ) [1] بْنِ عَوْفِ بْنِ غُنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ يَفْخَرُ بِعَمْرِو بْنِ طَلَّةَ: أَصَحَّا أَمْ قَدْ نَهَى ذُكَرَهْ [2] ... أَمْ قَضَى مِنْ لَذَّةٍ وَطَرَهْ أَمْ تَذَكَّرْتَ الشَّبَابَ وَمَا ... ذِكْرُكَ الشَّبَابَ أَوْ عُصُرَهْ [3] إنَّهَا حَرْبٌ رَبَاعِيَةٌ [4] ... مِثْلُهَا أَتَى الْفَتَى عِبَرَهْ فَاسْأَلَا عِمْرَانَ أَوْ أَسَدًا ... إذْ أَتَتْ عَدْوًا [5] مَعَ الزُّهَرَهْ [6] فَيْلَقٌ فِيهَا أَبُو كَرِبٍ ... سُبَّغٌ أَبْدَانُهَا ذَفِرَهْ [7] ثُمَّ قَالُوا: مَنْ نَؤُمُّ بِهَا ... أَبَنِي عَوْف أَن النَّجَرَهْ [8]

_ [1] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ. [2] الذّكر: جمع ذكرة (كغرفة) ، وَهِي بِمَعْنى الذكرى نقيض النسْيَان وَرِوَايَة هَذَا الشّطْر فِي الطَّبَرِيّ: أَصْحَاب أم انْتهى ذكره. [3] أَرَادَ: «أَو عصره» (بِالضَّمِّ) . وَالْعصر (بِفَتْح الْعين وَضمّهَا) بِمَعْنى، وحرك الصَّاد بِالضَّمِّ. قَالَ ابْن جنى: وَلَيْسَ شَيْء على وزن فعل (بِسُكُون الْعين) يمْتَنع فِيهِ فعل. [4] يُرِيد: أَي لَيست بصغيرة وَلَا جَذَعَة، بل هِيَ فَوق ذَلِك، وَضرب من الرّبَاعِيّة مثلا، كَمَا يُقَال حَرْب عوان، لِأَن الْعوَان أقوى من الْفتية وأدرب. [5] ويروى: «غدوا» (بالغين الْمُعْجَمَة) ، وَهُوَ الغدوة. [6] أَي صبحهمْ بِغَلَس قبل مغيب الزهرة، والزهرة: الْكَوْكَب الْمَعْلُوم. وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي الطَّبَرِيّ فسلا عمرَان أَو فسلا ... أسدا إِذْ يَغْدُو مَعَ الزهرة [7] سبغ: كَامِلَة. والأبدان هُنَا: الدروع. وذفره: من الذفر، وَهُوَ سطوع الرَّائِحَة طيبَة كَانَت أَو كريهة، وَأما الدفر (بِالدَّال الْمُهْملَة) فَهُوَ فِيمَا كره من الروائح. [8] يُرِيد بنى النجار، وَهَذَا كَمَا قيل المناذرة فِي بنى الْمُنْذر. والنجرة: جمع ناجر، والناجر والنجار بِمَعْنى وَاحِد، وَبَنُو النجار: هم تيم الله بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن الْخَزْرَج وسمى النجار لِأَنَّهُ- فِيمَا ذكر- نجر وَجه رجل بقدوم.

(اعتناق تبان النصرانية، وكسوته البيت وتعظيمه وشعر سبيعة في ذلك) :

بَلْ بَنِي النَّجَّارِ إنَّ لَنَا ... فِيهِمْ قَتْلَى وَإِنَّ تِرَهْ [1] فَتَلَقَّتْهُمْ مُسَايِفَةٌ ... مُدُّهَا كَالغَبْيَةِ النَّثِرَهْ [2] فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ طَلَّةَ مَلَّى ... الْإِلَهُ [3] قَوْمَهُ عُمُرَهْ سَيْدٌ سَامِي [4] الْمُلُوكِ وَمَنْ ... رَامَ عَمْرًا لَا يَكُنْ قَدَرَهْ وَهَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ حَنَقُ تُبَّعٍ عَلَى هَذَا الْحَيِّ مِنْ يَهُودَ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَإِنَّمَا أَرَادَ هَلَاكَهُمْ فَمَنَعُوهُمْ مِنْهُ، حَتَّى انْصَرَفَ عَنْهُمْ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي شِعْرِهِ: حَنَقًا عَلَى سَبْطَيْنِ حَلَّا يَثْرِبَا ... أَوْلَى لَهُمْ بِعِقَابِ يَوْمٍ مُفْسِدِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الشِّعْرُ الَّذِي فِي هَذَا الْبَيْتِ مَصْنُوعٌ، فَذَلِكَ الَّذِي مَنَعَنَا مِنْ إثْبَاتِهِ. (اعْتِنَاقُ تُبَّانَ النصرانيَّةَ، وَكِسْوَتُهُ الْبَيْتَ وَتَعْظِيمَهُ وَشِعْرُ سُبَيعَةَ فِي ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ تُبَّعٌ وَقَوْمُهُ أَصْحَابَ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا، فَتَوَجَّهَ إلَى مَكَّةَ، وَهِيَ طَرِيقُهُ إلَى الْيَمَنِ، حَتَّى إذَا كَانَ بَيْنَ عُسْفانَ، وَأَمَجٍ [5] ، أَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ

_ [1] الترة: طلب الثأر. أَرَادَ: إِن لنا قَتْلَى وترة، فأظهر الْمُضمر، وَهَذَا الْبَيْت شَاهد على حُرُوف الْعَطف يضمر بعْدهَا الْعَامِل الْمُتَقَدّم، نَحْو قَوْلك: إِن زيدا وعمرا فِي الدَّار. فالتقدير: إِن زيدا، وَإِن عمرا فِي الدَّار، فقد دلّت الْوَاو على مَا أردْت، وَإِن احتجت إِلَى الْإِظْهَار أظهرت، كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت، إِلَّا أَن تكون الْوَاو الجامعة، نَحْو اخْتصم زيد وَعَمْرو، فَلَيْسَ ثمَّ إِضْمَار، لقِيَام الْوَاو مقَام صفة التَّثْنِيَة. وعَلى هَذَا تَقول: طلع الشَّمْس وَالْقَمَر، فتغلب الْمُذكر، كَأَنَّك قلت: طلع هَذَانِ النيرَان، فَإِن جعلت الْوَاو هِيَ الَّتِي تضمر بعْدهَا الْفِعْل. قلت طلعت الشَّمْس وَالْقَمَر، وَتقول فِي نفى الْمَسْأَلَة الأولى: مَا طلع الشَّمْس وَالْقَمَر، وَفِي نفى الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة: مَا طلعت الشَّمْس وَلَا الْقَمَر، تعيد حرف النَّفْي لينتفى بِهِ الْفِعْل الْمُضمر (عَن الرَّوْض الْأنف) . [2] الغبية: الدفعة من الْمَطَر. والنثرة: المنتثرة، وَهِي الَّتِي لَا تمسك مَاء. [3] ملي الْإِلَه قومه: أمتعهم بِهِ. [4] سامى: سَاوَى. ويروى: «سَام» ، أَي كلفهم أَن يَكُونُوا مثله، فَلم يقدروا على ذَلِك. [5] عسفان (بِضَم أَوله وَسُكُون ثَانِيَة ثمَّ فَاء وَآخره نون) : فعلان من عسفت الْمَفَازَة، وَهُوَ يعسفها، وَهُوَ قطعهَا بِلَا هِدَايَة وَلَا قصد، وَكَذَلِكَ كل أَمر يركب بِغَيْر روية. قيل: سميت عسفان لتعسف اللَّيْل فِيهَا، كَمَا سميت الْأَبْوَاء لتبوّئ السَّيْل بهَا. قَالَ أَبُو مَنْصُور: عسفان: منهلة من مناهل الطَّرِيق بَين الْجحْفَة وَمَكَّة. وَقَالَ غَيره: عسفان: بَين المسجدين، وَهِي من مَكَّة على مرحلَتَيْنِ، وَقيل: عسفان: قَرْيَة جَامِعَة.

هُذَيلِ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدٍّ، فَقَالُوا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَلَا نَدُلُّكَ عَلَى بَيْتِ مَالٍ دَاثِرٍ أَغَفَلَتْهُ الْمُلُوكُ قَبْلَكَ، فِيهِ اللُّؤْلُؤُ وَالزَّبَرْجَدُ وَالْيَاقُوتُ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ؟ قَالَ: بَلَى، قَالُوا: بَيْتٌ بِمَكَّةَ يَعْبُدُهُ أَهْلُهُ، وَيُصَلُّونَ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْهُذَلِيُّونَ هَلَاكَهُ بِذَلِكَ، لِمَا عَرَفُوا مِنْ هَلَاكِ مَنْ أَرَادَهُ مِنْ الْمُلُوكِ وَبَغَى عِنْدَهُ. فَلَمَّا أَجْمَعَ لِمَا قَالُوا أَرْسَلَ إلَى الْحَبْرَيْنِ، فَسَأَلَهُمَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَا لَهُ: مَا أَرَادَ الْقَوْمُ إلَّا هَلَاكَكَ وَهَلَاكَ جُنْدِكَ، مَا نَعْلَمُ بَيْتًا للَّه اتَّخَذَهُ فِي الْأَرْضِ لِنَفْسِهِ غَيْرَهُ، وَلَئِنْ فَعَلْتَ مَا دَعَوْكَ إلَيْهِ لَتَهْلَكَنَّ وَلَيَهْلَكَنَّ مَنْ مَعَكَ جَمِيعًا، قَالَ: فَمَاذَا تَأْمُرَانِنِي أَنْ أَصْنَعَ إذَا أَنَا قَدِمْتُ عَلَيْهِ؟ قَالَا: تَصْنَعُ عِنْدَهُ مَا يَصْنَعُ أَهْلُهُ: تَطُوفُ بِهِ وَتُعَظِّمُهُ وَتُكْرِمُهُ، وَتَحْلِقُ رَأْسَكَ عِنْدَهُ، وَتَذِلُّ لَهُ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْتُمَا مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ إنَّهُ لَبَيْتُ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ، وَإِنَّهُ لَكَمَا أَخْبَرْنَاكَ، وَلَكِنَّ أَهْلَهُ حَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بِالْأَوْثَانِ الَّتِي نَصَبُوهَا حَوْلَهُ، وَبِالدِّمَاءِ الَّتِي يُهْرِقُونَ عِنْدَهُ، وَهُمْ نَجَسٌ أَهْلُ شِرْكٍ- أَوْ كَمَا قَالَا لَهُ- فَعَرَفَ نُصْحَهُمَا وَصِدْقَ حَدِيثِهِمَا فَقَرَّبَ النَّفَرَ مِنْ هُذَيْلٍ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَنَحَرَ عِنْدَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ سِتَّةَ أَيَّامٍ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- يَنْحَرُ بِهَا لِلنَّاسِ، وَيُطْعِمُ أَهْلَهَا وَيَسْقِيهِمْ الْعَسَلَ، وَأُرَى فِي الْمَنَامِ أَنْ يَكْسُوَ الْبَيْتَ، فَكَسَاهُ الْخَصَفَ [1] ، ثُمَّ أُرَى أَنْ يَكْسُوَهُ أَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ، فَكَسَاهُ الْمَعَافِرَ [2] ، ثُمَّ أُرَى أَنْ يَكْسُوَهُ أَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ، فَكَسَاهُ الْمُلَاءَ وَالْوَصَائِلَ [3] ، فَكَانَ تُبَّعٌ- فِيمَا يَزْعُمُونَ-

_ [ () ] (بهَا مِنْبَر ونخيل ومزارع على سِتَّة وَثَلَاثِينَ ميلًا من مَكَّة، وَهِي حد تهَامَة، وَمن عسفان إِلَى ملل يُقَال لَهُ السَّاحِل، وملل على لَيْلَة من الْمَدِينَة. وَقَالَ السكرى: عسفان: على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة على طَرِيق الْمَدِينَة، والجحفة على ثَلَاث مراحل وَقد غزا- النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنى لحيان بعسفان، وَقد مضى لهجرته خمس سِنِين وشهران وَأحد عشر يَوْمًا وأمج (بِالْجِيم وَفتح أَوله وثانيه، والأمج فِي اللُّغَة: الْعَطش) : بلد من أَعْرَاض الْمَدِينَة. وَقَالَ أَبُو الْمُنْذر هِشَام بن مُحَمَّد: أمج وغران: واديان يأخذان من حرَّة بنى سليم ويفرغان فِي الْبَحْر. [1] الخصف: حصر تنسج من خوص النّخل وَمن الليف. فيسوى مِنْهَا شقق تلبس بيُوت الْأَعْرَاب. [2] المعافر: ثِيَاب تنْسب إِلَى قَبيلَة من الْيمن. وَأَصله الْمعَافِرِي، ثمَّ صَار اسْما لَهَا بِغَيْر نِسْبَة. [3] الملاء: جمع ملاءة، وَهِي الملحفة. والوصائل: ثِيَاب مخططة يمنية، يُوصل بَعْضهَا إِلَى بعض.

أَوَّلَ مَنْ كَسَا الْبَيْتَ [1] ، وَأَوْصَى بِهِ وُلَاتَهُ مِنْ جُرْهُمٍ، وَأَمَرَهُمْ بِتَطْهِيرِهِ وَأَلَّا يُقَرِّبُوهُ دَمًا وَلَا مِيتَةً وَلَا مِئْلَاةً [2] ، وَهِيَ الْمَحَايِضُ [3] ، وَجَعَلَ لَهُ بَابًا وَمِفْتَاحًا [4] وَقَالَتْ سُبَيعَةُ بِنْتُ الْأَحَبِّ [5] بْنِ زَبِينةَ [6] بْنِ جَذِيمَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ نَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ ابْن هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ، وَكَانَتْ عِنْدَ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ ابْن مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، لِابْنِ لَهَا مِنْهُ يُقَالُ لَهُ خَالِدٌ، تُعَظِّمُ عَلَيْهِ حُرْمَةَ مَكَّةَ، وَتَنْهَاهُ عَنْ الْبَغْيِ فِيهَا، وَتَذْكُرُ تُبَّعًا وَتَذَلُّلَهُ لَهَا، وَمَا صَنَعَ بِهَا [7] : أَبُنَيَّ لَا تَظْلِمْ بِمَكَّةَ ... لَا الصَّغِيرَ وَلَا الْكَبِيرْ واحفظ محارمها بنىّ ... وَلَا يَغُرَّنكَ الغَرورْ أَبُنَيَّ مَنْ يَظْلِمْ بِمَكَّةَ ... يَلْقَ أَطْرَافَ الشُّرورْ

_ [1] كَانَت قُرَيْش فِي زمن الْجَاهِلِيَّة تشترك فِي كسْوَة الْكَعْبَة، حَتَّى نَشأ أَبُو ربيعَة بن الْمُغيرَة، فَقَالَ: أَنا أكسو الْكَعْبَة سنة وحدي، وَجَمِيع قُرَيْش سنة، وَاسْتمرّ يفعل ذَلِك إِلَى أَن مَاتَ. ثمَّ كساها النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثِّيَاب اليمانية، وَكَسَاهَا أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وعَلى. وكسيت فِي زمن الْمَأْمُون والمتوكل وَالْعَبَّاس، ثمَّ فِي زمن النَّاصِر العباسي كُسِيت السوَاد من الْحَرِير، ثمَّ هِيَ تُكْسَى إِلَى الْآن فِي كل سنة، وَيُقَال: إِن أول من كسا الْكَعْبَة الديباج الْحجَّاج، وَقيل: بل عبد الله بن الزبير. [2] كَذَا فِي ط، والطبري، والمئلاة: خرقَة الْحيض، وَجَمعهَا: المآلى، وَفِي سَائِر الْأُصُول «مثلاثا» بالثاء الْمُثَلَّثَة، وَلَا معنى لَهَا. [3] لَعَلَّه يُرِيد: المحيضة (وَاحِدَة المحايض) ، وَهِي خرقَة الْحيض، إِذْ السِّيَاق يَقْتَضِي الْإِفْرَاد. [4] ويروون لتبع هَذَا شعرًا حِين كسا الْبَيْت، وَهُوَ: كسونا الْبَيْت الّذي حرم الله ... ملاء منضدا وبرودا فَأَقَمْنَا بِهِ من الشَّهْر عشرا ... وَجَعَلنَا لبَابَة إقليدا ونحرنا بِالشعبِ سِتَّة ألف ... فترى النَّاس نحوهن ورودا ثمَّ سرنا عَنهُ نَؤُم مهيلا ... فرفعنا لواءنا معقودا [5] وتروى الْكَلِمَة بِالْجِيم بدل الْحَاء. [6] زبينة (بالزاي وَالْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ الْيَاء وَالنُّون) : فعيلة من الزَّبْن، وَالنّسب إِلَيْهَا زبانى على غير قِيَاس. وَلَو سمى بِهِ رجل لقيل فِي النّسَب إِلَيْهِ زبني على الْقيَاس. [7] وَقيل: إِنَّمَا قَالَت بنت الأحب هَذَا الشّعْر فِي حَرْب كَانَت بَين بنى السباق بن عبد الدَّار وَبَين بنى على بن سعد بن تيم حِين تفانوا، وَلَحِقت طَائِفَة من بنى السباق بعك فهم فيهم، وَيُقَال إِنَّه أول بغى كَانَ فِي قُرَيْش. (عَن الرَّوْض الْأنف) .

(دعوة تبان قومه إلى النصرانية، وتحكيمهم النار بينهم وبينه) .

أَبُنَيَّ يُضْرَبْ وَجْهُهُ ... وَيَلُحْ بِخَدَّيْهِ السَّعيرْ أَبُنَيَّ قَدْ جَرَّبْتهَا ... فَوَجَدْتُ ظَالِمهَا يَبُورْ [1] اللَّهُ أَمَّنَهَا وَمَا ... بُنِيَتْ بِعَرْصَتِهَا قُصورْ وَاَللَّهُ أَمَّنَ طَيْرَهَا ... وَالْعُصْمُ [2] تَأْمَنُ فِي ثَبيرْ [3] وَلَقَدْ غَزَاهَا تُبَّعٌ ... فَكَسَا بَنِيَّتَهَا الْحَبِيرْ [4] وَأَذَلَّ رَبِّي مُلْكَهُ ... فِيهَا فَأَوْفَى بالنُّذُورْ يَمْشِي إلَيْهَا حَافِيًا ... بِفِنَائِهَا أَلْفَا بَعِيرْ وَيَظَلُّ يُطْعِمُ أَهْلَهَا ... لَحْمَ الْمَهَارَى [5] والجَزورْ يَسْقِيهِمْ الْعَسَلَ الْمُصَفَّى ... وَالرَّحِيضَ [6] مِنْ الشعيرْ وَالْفِيلُ أُهْلِكَ جَيْشُهُ ... يُرْمَوْنَ فِيهَا بِالصُّخُورْ وَالْمُلْكَ فِي أقْصَى الْبِلَاد ... وَفِي الْأَعَاجِمِ وَالْخَزِيرْ [7] فَاسْمَعْ إذَا حُدِّثْتَ وَافْهَمْ ... كَيْفَ عَاقِبَةُ الأمورْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُوقَفُ عَلَى قَوَافِيهَا لَا تُعْرَبُ [8] . (دَعْوَةُ تُبَّانَ قَوْمَهُ إلَى النصرانيَّة، وَتَحْكِيمُهُمْ النَّارَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ) . ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا مُتَوَجِّهًا إلَى الْيَمَنِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ جُنُودِهِ وَبِالْحَبْرَيْنِ، حَتَّى إذَا دَخَلَ

_ [1] يبور: يهْلك. [2] العصم: الوعول، لِأَنَّهَا تعتصم بالجبال. [3] ثبير: جبل بِمَكَّة. [4] بنيتها: يعْنى الْكَعْبَة. والحبير: ضرب من ثِيَاب الْيمن موشى. [5] المهارى: الْإِبِل العراب النجيبة. [6] الرحيض: المنقى، والمصفى. [7] كَذَا فِي شرح السِّيرَة. والخزير: أمة من الْعَجم، وَيُقَال لَهَا الخزر أَيْضا. وَفِي أ: «الجزير» قَالَ أَبُو ذَر: «وَيحْتَمل أَن يكون جمع جَزِيرَة بِبِلَاد الْعَرَب» . وَفِي م، ر: «الخذير» وَلَا معنى لَهَا. [8] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «قَالَ ابْن هِشَام: وَهَذَا الشّعْر مُقَيّد، والمقيد: الّذي لَا يرفع وَلَا ينصب وَلَا يخْفض» .

(رئام وما صار إليه) :

الْيَمَنَ دَعَا قَوْمَهُ إلَى الدُّخُولِ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ، حَتَّى يُحَاكِمُوهُ إلَى النَّارِ الَّتِي كَانَتْ بِالْيَمَنِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي أَبُو مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكِ القُرَظيُّ، قَالَ سَمِعْتُ إبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ: أَنَّ تُبَّعًا لَمَّا دَنَا مِنْ الْيَمَنِ لِيَدْخُلَهَا حَالَتْ حِمْيَرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ: وَقَالُوا: لَا تَدْخُلُهَا عَلَيْنَا، وَقَدْ فَارَقْتَ دِينَنَا، فَدَعَاهُمْ إلَى دِينِهِ وَقَالَ: إنَّهُ خَيْرٌ مِنْ دِينِكُمْ، فَقَالُوا: فَحَاكِمْنَا إلَى النَّارِ، قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَكَانَتْ بِالْيَمَنِ- فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْيَمَنِ- نَارٌ تَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، تَأْكُلُ الظَّالِمَ وَلَا تَضُرُّ الْمَظْلُومَ، فَخَرَجَ قَوْمُهُ بِأَوْثَانِهِمْ وَمَا يَتَقَرَّبُونَ بِهِ فِي دِينِهِمْ، وَخَرَجَ الْحَبْرَانِ بِمَصَاحِفِهِمَا فِي أَعْنَاقِهِمَا مُتَقَلِّدَيْهَا، حَتَّى قَعَدُوا لِلنَّارِ عِنْدَ مَخْرَجِهَا الَّذِي تَخْرُجُ مِنْهُ، فَخَرَجَتْ النَّارُ إلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَقْبَلَتْ نَحْوَهُمْ حَادُوا عَنْهَا وَهَابُوهَا، فَذَمَرَهُمْ [1] مَنْ حَضَرَهُمْ مِنْ النَّاسِ، وَأَمَرُوهُمْ بِالصَّبْرِ لَهَا، فَصَبَرُوا حَتَّى غَشِيَتْهُمْ، فَأَكَلَتْ الْأَوْثَانَ وَمَا قَرَّبُوا مَعَهَا، وَمَنْ حَمَلَ ذَلِكَ مِنْ رِجَالِ حِمْيَرَ، وَخَرَجَ الْحَبْرَانِ بِمَصَاحِفِهِمَا فِي أَعْنَاقِهِمَا تَعْرَقُ جِبَاهُهُمَا لَمْ تَضُرَّهُمَا فَأُصْفِقَتْ [2] عِنْدَ ذَلِكَ حِمْيَرُ عَلَى دِينِهِ، فَمِنْ هُنَالِكَ وَعَنْ ذَلِكَ كَانَ أَصْلُ الْيَهُودِيَّةِ بِالْيَمَنِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدَّثَنِي مُحَدِّثٌ أَنَّ الْحَبْرَيْنِ، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ حِمْيَرَ، إنَّمَا اتَّبَعُوا النَّارَ لِيَرُدُّوهَا، وَقَالُوا: مَنْ رَدَّهَا فَهُوَ أَوْلَى بِالْحَقِّ، فَدَنَا مِنْهَا رِجَالٌ مِنْ حِمْيَرَ بِأَوْثَانِهِمْ لِيَرُدُّوهَا فَدَنَتْ مِنْهُمْ لِتَأْكُلَهُمْ، فَحَادُوا عَنْهَا وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا رَدَّهَا، وَدَنَا مِنْهَا الْحَبْرَانِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَجَعَلَا يَتْلُوَانِ التَّوْرَاةَ وَتَنْكُصُ عَنْهُمَا، حَتَّى رَدَّاهَا إلَى مَخْرَجِهَا الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ، فَأُصْفِقَتْ عِنْدَ ذَلِكَ حِمْيَرُ عَلَى دِينِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ. (رئَامٌ وَمَا صَارَ إلَيْهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رِئَامٌ [3] بَيْتًا لَهُمْ يُعَظِّمُونَهُ، وَيَنْحَرُونَ عِنْدَهُ، وَيَكَلَّمُونَ

_ [1] ذمرهم: حضهم وشجعهم. [2] يُقَال: أصفقوا على الْأَمر، إِذا اجْتَمعُوا عَلَيْهِ. [3] بَيت رئام: اسْم لموْضِع الرَّحْمَة الَّتِي كَانُوا يلتمسونها مِنْهُ. مَأْخُوذ من رأم الْأُنْثَى وَلَدهَا، وَذَلِكَ إِذا عطفت عَلَيْهِ وَرَحمته.

ملك ابنه حسان بن تبان وقتل عمرو أخيه (له)

(مِنْهُ) [1] إذْ كَانُوا عَلَى شِرْكِهِمْ؟ فَقَالَ الْحَبْرَانِ لِتُبَّعِ: إنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ يَفْتِنُهُمْ بِذَلِكَ فَخَلِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، قَالَ: فَشَأْنُكُمَا بِهِ، فَاسْتَخْرَجَا مِنْهُ- فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْيَمَنِ- كَلْبًا أَسْوَدَ فَذَبَحَاهُ، ثُمَّ هَدَمَا ذَلِكَ الْبَيْتَ، فَبَقَايَاهُ الْيَوْمَ- كَمَا ذُكِرَ لِي- بِهَا آثَارُ الدِّمَاءِ الَّتِي كَانَتْ تُهْرَاقُ عَلَيْهِ. مُلْكُ ابْنِهِ حَسَّانَ بْنِ تُبَّانَ وَقَتْلُ عَمْرٍو أَخِيهِ (لَهُ) [2] (سَبَبُ قَتْلِهِ) : فَلَمَّا مَلَكَ ابْنُهُ حَسَّانُ بْنُ تُبَّانَ أَسْعَدَ أَبِي كَرِبٍ سَارَ بِأَهْلِ الْيَمَنِ يُرِيدُ أَنْ يَطَأَ بِهِمْ أَرْضَ الْعَرَبِ وَأَرْضَ الْأَعَاجِمِ، حَتَّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ أَرْضِ الْعِرَاقِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بالَبحريْنِ، فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ- كَرِهَتْ حِمْيَرُ وَقَبَائِلُ الْيَمَنِ الْمَسِيرَ مَعَهُ، وَأَرَادُوا الرَّجْعَةَ إلَى بِلَادِهِمْ وَأَهْلِهِمْ، فَكَلَّمُوا أَخًا لَهُ يُقَالُ لَهُ عَمْرٌو، وَكَانَ مَعَهُ فِي جَيْشِهِ، فَقَالُوا لَهُ: اُقْتُلْ أَخَاكَ حَسَّانَ وَنُمَلِّكُكَ عَلَيْنَا، وَتَرْجِعُ بِنَا إلَى بِلَادِنَا، فَأَجَابَهُمْ. فَاجْتَمَعَتْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا ذَا رُعَيْنٍ [3] الْحِمْيَرِيُّ، فَإِنَّهُ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ، فَقَالَ ذُو رُعَيْنٍ: أَلَا مَنْ يَشْتَرِي سَهْرًا بِنَوْمِ ... سَعِيدٌ مَنْ يَبِيتُ قَرِيرَ عَيْنِ [4] فَأَمَّا حِمْيَرُ غَدَرَتْ وَخَانَتْ ... فَمَعْذِرَةُ الْإِلَهِ لَذِي رُعَيْنِ ثُمَّ كَتَبَهُمَا فِي رُقْعَةٍ، وَخَتَمَ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا عَمْرًا، فَقَالَ لَهُ: ضَعْ لِي هَذَا الْكِتَابَ عنْدك، فَفعل، ثمَّ قَتَلَ عَمْرٌو أَخَاهُ حَسَّانَ، وَرَجَعَ بِمَنْ مَعَهُ إلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ:

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] زِيَادَة يقتضيها السِّيَاق. [3] رعين: تَصْغِير رعن. والرعن: أنف الْجَبَل. وَقيل: رعين: جبل بِالْيمن، وَإِلَيْهِ ينْسب ذُو رعين هَذَا. [4] فِي الْبَيْت حذف تَقْدِيره: من يشترى سهرا بنوم غير سعيد، بل من يبيت قرير الْعين هُوَ السعيد، فَحذف الْخَبَر لدلَالَة أول الْكَلَام عَلَيْهِ.

(ندم عمرو وهلاكه) :

لَاهِ [1] عَيْنَا الَّذِي رأى مثل حسّان ... قَتِيلًا فِي سَالِفِ الْأَحْقَابِ قَتَلَتْهُ مَقاوِلٌ [2] خَشْيَةَ الْحَبْسِ ... غَدَاةً قَالُوا: لَبَابِ لَبَابِ مَيْتُكُمْ خَيْرُنَا وَحَيُّكُمْ ... رَبٌّ عَلَيْنَا وَكُلُّكُمْ أَرْبَابِي قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَوْلُهُ لَبَابِ لَبَابِ: لَا بَأْسَ لَا بَأْسَ، بِلُغَةِ حِمْيَرَ [3] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: لِبَابِ لِبَابِ. (نَدَمُ عَمْرٍو وَهَلَاكُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا نَزَلَ عَمْرُو بْنُ تُبَّانَ الْيَمَنَ مُنِعَ مِنْهُ النَّوْمُ، وَسُلِّطَ عَلَيْهِ السَّهَرُ، فَلَمَّا جَهَدَهُ ذَلِكَ سَأَلَ الْأَطِبَّاءَ والْحُزَاةَ [4] مِنْ الْكُهَّانِ وَالْعَرَّافِينَ [5] عَمَّا بِهِ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنْهُمْ: إنَّهُ وَاَللَّهِ مَا قَتَلَ رَجُلٌ قَطُّ أَخَاهُ، أَوْ ذَا رَحِمِهِ بَغْيًا عَلَى مِثْلِ مَا قَتَلْتَ أَخَاكَ عَلَيْهِ، إلَّا ذَهَبَ نَوْمُهُ، وَسُلِّطَ عَلَيْهِ السَّهَرُ. فَلَمَّا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ جَعَلَ يَقْتُلُ كُلَّ مَنْ أَمَرَهُ بِقَتْلِ أَخِيهِ حَسَّانَ مِنْ أَشْرَافِ الْيَمَنِ، حَتَّى خَلَصَ إلَى ذِي رُعَيْنٍ، فَقَالَ لَهُ ذُو رُعَيْنٍ: إنَّ لِي عِنْدَكَ بَرَاءَةً، فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: الْكِتَابُ الَّذِي دَفَعْتُ إلَيْكَ، فَأَخْرَجَهُ فَإِذَا فِيهِ الْبَيْتَانِ، فَتَرَكَهُ وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ نَصَحَهُ. وَهَلَكَ عَمْرٌو، فَمَرَجَ [6] أَمْرُ حِمْيَرَ عِنْدَ ذَلِكَ وتفرّقوا. وثوب لخنيعة ذِي شَنَاتِرَ عَلَى مُلْكِ الْيَمَنِ (تَوَلِّيهِ الْمُلْكَ، وَشَيْءٌ مِنْ سِيرَتِهِ، ثُمَّ قَتْلُهُ) : فَوَثَبَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ لَمْ يَكُنْ مِنْ بُيُوتِ الْمَمْلَكَةِ، يُقَالُ لهَ لِخُنَيْعَةَ [7] يَنُوفَ.

_ [1] أَرَادَ: للَّه، وَحذف لَام الْجَرّ وَاللَّام الْأُخْرَى مَعَ ألف الْوَصْل، وَهَذَا حذف كثير، وَلكنه جَار فِي هَذَا الِاسْم خَاصَّة لِكَثْرَة وُرُوده على الْأَلْسِنَة. [2] يُرِيد الْأَقْيَال، وهم الَّذين دون التبابعة، واحدهم قيل (مثل سيد، ثمَّ خفف) . وَقَالَ أَبُو ذَر: المقاول: الَّذين يخلفون الْمُلُوك إِذا غَابُوا. [3] وَقيل: هِيَ كلمة فارسية مَعْنَاهَا: القفل، والقفل: الرُّجُوع. [4] الحزاة: الَّذين ينظرُونَ فِي النُّجُوم ويقضون بهَا، واحدهم حَاز. [5] العرافون: ضرب من الْكُهَّان يَزْعمُونَ أَنهم يعْرفُونَ من الْغَيْب مَا لَا يعرف النَّاس. [6] مرج: اخْتَلَط والتبس، وَفِي أ: «هرج» ، وَفِي م، ر: «مرج» . [7] قَالَ ابْن دُرَيْد: الْمَعْرُوف فِيهِ: لخيعة (بِغَيْر نون) . مَأْخُوذ من اللخع، وَهُوَ استرخاء اللَّحْم.

ذُو شَنِاتَرَ [1] ، فَقَتَلَ خِيَارَهُمْ، وَعَبِثَ بِبُيُوتِ أَهْلِ الْمَمْلَكَةِ مِنْهُمْ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ حِمْيَرَ لِلْخَنِيعَةِ: تُقَتِّلُ أَبْنَاهَا وَتَنْفِي سَرَاتَهَا ... وَتَبْنِي بِأَيْدِيهَا لَهَا الذُّلَّ حِمْيَرُ تُدَمِّرُ دُنْيَاهَا بِطَيْشِ حُلُومِهَا ... وَمَا ضَيَّعَتْ مِنْ دِينِهَا فَهُوَ أَكْثَرُ كَذَاك الْقُرُون قبل ذَاكَ بِظُلْمِهَا ... وَإِسْرَافِهَا تَأْتِي الشُّرُورَ فَتُخْسَرُ وَكَانَ لَخَنِيعَةَ امْرِأً فَاسِقًا يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَكَانَ يُرْسِلُ إلَى الْغُلَامِ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ، فَيَقَعُ عَلَيْهِ فِي مَشْرَبَةٍ [2] لَهُ قَدْ صَنَعَهَا لِذَلِكَ، لِئَلَّا يَمْلِكُ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ يَطْلُعُ مِنْ مَشْرَبَتِهِ تِلْكَ إلَى حَرَسِهِ وَمَنْ حَضَرَ مِنْ جُنْدِهِ، قَدْ أَخَذَ مِسْوَاكًا فَجَعَلَهُ فِي فِيهِ، أَيْ لِيُعْلَمَهُمْ أَنَّهُ قَدْ فَرَغَ مِنْهُ. حَتَّى بَعَثَ إلَى زُرْعَةَ ذِي [3] نُوَاسِ بْنِ تُبَّانَ أَسْعَدَ أَخِي حَسَّانَ، وَكَانَ صَبِيَّا صَغِيرًا حِينَ قُتِلَ حَسَّانُ، ثُمَّ شَبَّ غُلَامًا جَمِيلًا وَسِيمًا [4] ، ذَا هَيْئَةٍ وَعَقْلٍ، فَلَمَّا أَتَاهُ رَسُولُهُ عَرَفَ مَا يُرِيدُ مِنْهُ، فَأَخَذَ سِكِّينًا حَدِيدًا لَطِيفًا، فَخَبَّأَهُ بَيْنَ قَدَمِهِ وَنَعْلِهِ، ثُمَّ أَتَاهُ، فَلَمَّا خَلَا مَعَهُ وَثَبَ إلَيْهِ، فَوَاثَبَهُ ذُو نُوَاسٍ فَوَجَأَهُ [5] حَتَّى قَتَلَهُ، ثُمَّ حَزَّ رَأْسَهُ، فَوَضَعَهُ فِي الْكُوَّةِ الَّتِي كَانَ يُشْرِفُ مِنْهَا، وَوَضَعَ مِسْوَاكَهُ فِي فِيهِ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالُوا لَهُ: ذَا نُوَاسٍ، أَرَطْبٌ أَمْ يَبَاسٌ [6] فَقَالَ: سَلْ نَخْمَاسَ [7] اسْتِرْطُبَانَ [8] ذُو نواس. استرطبان لَا باس [9]- قَالَ

_ [1] الشناتر: الْأَصَابِع، بلغَة حمير. [2] الْمشْربَة بِفَتْح الرَّاء وَضمّهَا: الغرفة المرتفعة. [3] زرْعَة: هُوَ من قَوْلهم: زرعك الله: أَي أنبتك، وَسموا بزارع كَمَا سموا بنابت، وسمى ذَا نواس لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ غديرتان من شعر كَانَتَا تنوسان: أَي تتحركان وتضطربان. [4] وسيما: حسنا. [5] وجأه: ضربه. [6] يباس: يبيس. [7] كَذَا فِي أوشرح السِّيرَة، وَقد نبه السهيليّ: فِي كِتَابه: «الرَّوْض الْأنف» على أَن هَذَا هُوَ الصَّحِيح ويروى بالنُّون (أَو بِالتَّاءِ) مَعَ حاء مُهْملَة، وبهذه الرِّوَايَة الْأَخِيرَة ورد فِي م، ر. [8] يُقَال: إِن هَذِه كلمة فارسية، وَمَعْنَاهَا: أَخَذته النَّار. [9] كَذَا وَردت هَذِه الْعبارَة بِالْأَصْلِ، وَهِي غير وَاضِحَة. وسياقها فِي الأغاني: «كَانَ الْغُلَام إِذا خرج من عِنْد لخنيعة، وَقد لَاطَ بِهِ قطعُوا مشافر نَاقَته وذنبها، وصاحوا بِهِ: أرطب أم يباس، فَلَمَّا خرج.

ملك ذي نواس

ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا كَلَامُ حِمْيَرَ. وَنَخْمَاسُ: الرَّأْسُ [1]- فَنَظَرُوا إلَى الْكُوَّةِ فَإِذَا رَأْسُ لَخَنِيعَةَ مَقْطُوعٌ، فَخَرَجُوا فِي إثْرِ ذِي نُوَاسٍ حَتَّى أَدْرَكُوهُ، فَقَالُوا: مَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَنَا غَيْرُكَ: إذْ أَرَحْتنَا مِنْ هَذَا الْخَبِيثِ. مُلْكُ ذِي نُوَاسٍ فَمَلَّكُوهُ، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ حِمْيَرُ وَقَبَائِلُ الْيَمَنِ، فَكَانَ آخِرَ مُلُوكِ حِمْيَرَ، وَهُوَ صَاحِبُ الْأُخْدُودِ [2] ، وَتَسَمَّى يُوسُفَ، فَأَقَامَ فِي مُلْكِهِ زَمَانًا. (النَّصْرَانِيَّةُ بِنَجْرَانَ) : وَبِنَجْرَانَ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ دِينِ عِيسَى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الْإِنْجِيلِ، أَهْلِ فَضْلٍ، وَاسْتِقَامَةٍ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ، لَهُمْ رَأْسٌ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الثَّامِرِ، وَكَانَ مَوْقِعُ أَصْلِ ذَلِكَ الدِّينِ بِنَجْرَانَ، وَهِيَ بِأَوْسَطِ أَرْضِ الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَأَهْلُهَا وَسَائِرُ الْعَرَبِ كُلِّهَا أَهْلُ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَقَايَا أَهْلِ ذَلِكَ الدِّينِ يُقَالُ لَهُ فَيْمِيُونُ [3]- وَقَعَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَحَمَلَهُمْ عَلَيْهِ، فَدَانُوا بِهِ. ابْتِدَاءُ وُقُوعِ النَّصْرَانِيَّةِ بِنَجْرَانَ (فَيْمِيُونُ وَصَالِحٌ وَنَشْرُ النَّصْرَانِيَّةِ بِنَجْرَانَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي لَبِيَدٍ مَوْلَى الْأَخْنَسِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ:

_ [ () ] (ذُو نواس من عِنْده، وَركب نَاقَة لَهُ يُقَال لَهَا السراب، قَالُوا: ذُو نواس: أرطب أم يباس؟ فَقَالَ: ستعلم الأحراس، است ذِي نواس، است رطبان أم يباس» . فَلَعَلَّ مَا فِي الأَصْل هُنَا محرف عَن هَذَا. [1] وَقيل: نخماس: رجل كَانَ مِنْهُم ثمَّ تَابَ، يعْنى أَنه كَانَ يعْمل عمل لخنيعة. [2] وَيُقَال: إِن الَّذين خددوا الْأُخْدُود ثَلَاثَة: تبع صَاحب الْيمن، وقسطنطين بن هلانى (وهلانى أمه) حِين صرف النَّصَارَى عَن التَّوْحِيد إِلَى عبَادَة الصَّلِيب، وبخت نصّر من أهل بابل، حِين أَمر النَّاس أَن يسجدوا لَهُ، فَامْتنعَ دانيال وَأَصْحَابه، فألقاهم فِي النَّار. [3] فِي الرَّوْض الْأنف: «فيمؤن» ، وَفِي الطَّبَرِيّ: «قيمؤن» بِالْقَافِ، وَقيل إِن اسْمه يحيى، وَكَانَ أَبوهُ ملكا فتوفى، وَأَرَادَ قومه أَن يملكوه بعد أَبِيه، ففر من الْملك وَلزِمَ السياحة.

أَنَّ مَوْقِعَ ذَلِكَ الدِّينِ بِنَجْرَانَ كَانَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَقَايَا أَهْلِ دِينِ عِيسَى بن مَرْيَمَ يُقَالُ لَهُ فَيْمِيُونُ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا مُجْتَهِدًا زَاهِدًا فِي الدُّنْيَا، مُجَابَ الدَّعْوَةِ، وَكَانَ سَائِحًا يَنْزِلُ بَيْنَ الْقُرَى، لَا يُعْرَفُ بِقَرْيَةِ إلَّا خَرَجَ مِنْهَا إلَى قَرْيَةٍ لَا يُعْرَفُ بِهَا، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إلَّا مِنْ كَسْبِ يَدَيْهِ، وَكَانَ بَنَّاءً يَعْمَلُ الطِّينَ وَكَانَ يُعَظِّمُ الْأَحَدَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ لَمْ يَعْمَلْ فِيهِ شَيْئًا، وَخَرَجَ إلَى فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ يُصَلِّي بِهَا حَتَّى يُمْسِيَ. قَالَ: وَكَانَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الشَّامِ يَعْمَلُ عَمَلَهُ ذَلِكَ مُسْتَخْفِيًا، فَفَطِنَ لِشَأْنِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهَا يُقَالُ لَهُ صَالِحٌ، فَأَحَبَّهُ صَالِحٌ حُبًّا لَمْ يُحِبَّهُ شَيْئًا كَانَ قَبْلَهُ، فَكَانَ يَتْبَعُهُ حَيْثُ ذَهَبَ، وَلَا يَفْطِنُ لَهُ فَيْمِيُونُ: حَتَّى خَرَجَ مَرَّةً فِي يَوْمِ الْأَحَدِ إلَى فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ، كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، وَقَدْ اتَّبَعَهُ صَالِحٌ وفَيْمِيونُ لَا يَدْرِي، فَجَلَسَ صَالِحٌ مِنْهُ مَنْظَرَ الْعَيْنِ مُسْتَخْفِيًا مِنْهُ، لَا يُحِبُّ أَنْ يَعْلَمَ بِمَكَانِهِ. وَقَامَ فَيْمِيُونُ يُصَلِّي، فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي إذْ أَقْبَلَ نَحْوَهُ التِّنِّينُ- الْحَيَّةُ ذَاتُ الرُّءُوسِ السَّبْعَةِ [1]- فَلَمَّا رَآهَا فَيْمِيُونُ دَعَا عَلَيْهَا فَمَاتَتْ، وَرَآهَا صَالِحٌ وَلَمْ يَدْرِ مَا أَصَابَهَا، فَخَافَهَا عَلَيْهِ، فَعِيلَ عَوْلُهُ [2] ، فَصَرَخَ: يَا فَيْمِيُونُ، التِّنِّينُ قَدْ أَقْبَلَ نَحْوَكَ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ، وَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، وَأَمْسَى فَانْصَرَفَ. وَعَرَفَ أَنَّهُ قَدْ عُرِفَ، وَعَرَفَ صَالِحٌ أَنَّهُ قَدْ رَأَى مَكَانَهُ، فَقَالَ (لَهُ: يَا) [3] فَيْمِيُونُ، تَعْلَمُ وَاَللَّهِ أَنِّي مَا أَحْبَبْتُ شَيْئًا قَطُّ حُبَّكَ، وَقَدْ أَرَدْتُ صُحْبَتَكَ، وَالْكَيْنُونَةَ مَعَكَ حَيْثُ كُنْتَ، فَقَالَ: مَا شِئْتَ، أَمْرِي كَمَا تَرَى، فَإِنْ عَلِمْتَ أَنَّكَ تَقْوَى عَلَيْهِ فَنَعَمْ، فَلَزِمَهُ صَالِحٌ. وَقَدْ كَادَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ يَفْطِنُونَ لِشَأْنِهِ، وَكَانَ إذَا فَاجَأَهُ [4] الْعَبْدُ بِهِ الضُّرُّ دَعَا لَهُ فَشُفِيَ، وَإِذَا دُعِي إلَى أَحَدٍ بِهِ ضُرٌّ لَمْ يَأْتِهِ، وَكَانَ لِرَجُلِ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ ابْنٌ ضَرِيرٌ، فَسَأَلَ عَنْ شَأْنِ فَيْمِيُونَ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ لَا يَأْتِي أَحَدًا دَعَاهُ، وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ يَعْمَلُ لِلنَّاسِ الْبُنْيَانَ بِالْأَجْرِ. فَعَمَدَ الرَّجُلُ إلَى ابْنِهِ ذَلِكَ فَوَضَعَهُ فِي حُجْرَتِهِ وَأَلْقَى عَلَيْهِ ثوبا، ثمَّ جَاءَهُ فَقَالَ لَهُ:

_ [1] يعْنى بالرءوس هُنَا: الْقُرُون. (عَن شرح السِّيرَة) . [2] عيل عوله: أَي غلب على صبره، يُقَال: عاله الْأَمر، إِذا غَلبه. [3] زِيَادَة عَن أ. [4] كَذَا فِي م، ر، ط، والطبري. وَفِي أ، ومعجم الْبلدَانِ لياقوت (ج 4 ص 752 طبع أوروبا) «فَاء جَاءَهُ» .

يَا فَيْمِيُونُ، إنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَعْمَلَ فِي بَيْتِي عَمَلًا، فَانْطَلِقْ مَعِي إلَيْهِ حَتَّى تَنْظُرَ إلَيْهِ، فَأُشَارِطُكَ عَلَيْهِ. فَانْطَلَقَ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلَ حُجْرَتَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا تُرِيدُ أَنْ تَعْمَلَ فِي [1] بَيْتِكَ هَذَا؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ انْتَشَطَ [2] الرَّجُلُ الثَّوْبَ عَنْ الصَّبِيِّ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا فَيْمِيُونُ، عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَصَابَهُ مَا تَرَى، فَادْعُ اللَّهَ لَهُ. فَدَعَا لَهُ فَيْمِيُونُ، فَقَامَ الصَّبِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَعَرَفَ فَيْمِيُونُ أَنَّهُ قَدْ عُرِفَ، فَخَرَجَ مِنْ الْقَرْيَةِ وَاتَّبَعَهُ صَالِحٌ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي فِي بَعْضِ الشَّامِ إذْ مَرَّ بِشَجَرَةِ عَظِيمَةٍ. فَنَادَاهُ مِنْهَا رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا فَيْمِيُونُ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَا زِلْتُ أَنْظُرُكَ [3] وَأَقُولُ مَتَى هُوَ جَاءٍ، حَتَّى سَمِعْتُ صَوْتَكَ، فَعَرَفْتُ أَنَّكَ هُوَ، لَا تَبْرَحْ حَتَّى تَقُومَ عَلَيَّ، فَإِنِّي مَيِّتٌ الْآنَ، قَالَ: فَمَاتَ وَقَامَ عَلَيْهِ حَتَّى وَارَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَتَبِعَهُ صَالِحٌ، حَتَّى وَطِئَا بَعْضَ أَرْضِ الْعَرَبِ، فَعَدَوْا عَلَيْهِمَا. فَاخْتَطَفَتْهُمَا سَيَّارَةٌ مِنْ بَعْضِ الْعَرَبِ، فَخَرَجُوا بِهِمَا حَتَّى بَاعُوهُمَا بِنَجْرَانَ، وَأَهْلُ نَجْرَانَ يَوْمَئِذٍ عَلَى دِينِ الْعَرَبِ، يَعْبُدُونَ نَخْلَةً طَوِيلَةً بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، لَهَا عِيدٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ، إذَا كَانَ ذَلِكَ الْعِيدُ عَلَّقُوا عَلَيْهَا كُلَّ ثَوْبٍ حَسَنٍ وَجَدُوهُ، وَحُلِيَّ النِّسَاءِ، ثُمَّ خَرَجُوا إلَيْهَا فَعَكَفُوا عَلَيْهَا يَوْمًا. فَابْتَاعَ فَيْمِيُونُ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَابْتَاعَ صَالِحًا آخَرُ. فَكَانَ فَيْمِيُونُ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ فِي بَيْتٍ لَهُ- أَسْكَنَهُ إيَّاهُ سَيِّدُهُ- يُصَلِّي، اُسْتُسْرِجَ لَهُ الْبَيْتُ نُورًا حَتَّى يُصْبِحَ مِنْ غَيْرِ مِصْبَاحٍ، فَرَأَى ذَلِكَ سَيِّدُهُ، فَأَعْجَبَهُ مَا يَرَى مِنْهُ، فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِ، فَأَخْبَرَهُ بِهِ، وَقَالَ لَهُ فَيْمِيُونُ: إنَّمَا أَنْتُمْ فِي بَاطِلٍ، إنَّ هَذِهِ النَّخْلَةَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْ دَعَوْتُ عَلَيْهَا إلَهِي الَّذِي أَعْبُدُهُ لَأَهْلَكَهَا، وَهُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: فَافْعَلْ، فَإِنَّكَ إنْ فَعَلْتَ دَخَلْنَا فِي دِينِكَ، وَتَرَكْنَا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَقَامَ فَيْمِيُونُ، فَتَطَهَّرَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا اللَّهَ عَلَيْهَا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهَا رِيحًا فَجَعَفَتْهَا [4] مِنْ أَصْلِهَا فَأَلْقَتْهَا، فَاتَّبَعَهُ عِنْدَ ذَلِكَ أَهْلُ نَجْرَانَ عَلَى دِينِهِ، فَحَمَلَهُمْ عَلَى الشَّرِيعَةِ مِنْ دِينِ عِيسَى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ الْأَحْدَاثُ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَى أَهْلِ

_ [1] كَذَا فِي الطَّبَرِيّ. وَفِي جَمِيع الْأُصُول: «من» . [2] انتشط الثَّوْب: كشفه بِسُرْعَة. [3] فِي الطَّبَرِيّ: أنتظرك. وَالنَّظَر والانتظار بِمَعْنى. [4] جعفتها: قلعتها وأسقطتها. 3- سيرة ابْن هِشَام- 1

أمر عبد الله بن الثامر، وقصة أصحاب الأخدود

دِينِهِمْ بِكُلِّ أَرْضٍ، فَمِنْ هُنَالِكَ كَانَتْ النَّصْرَانِيَّةُ بِنَجْرَانَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا حَدِيثُ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَهْلِ نَجْرَانَ. أَمْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الثَّامِرِ، وَقِصَّةُ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ (فَيْمِيُونُ وَابْنُ الثَّامِرِ وَاسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَحَدَّثَنِي أَيْضًا بَعْضُ أَهْلِ نَجْرَانَ عَنْ أَهْلِهَا: أَنَّ أَهْلَ نَجْرَانَ كَانُوا أَهْلَ شِرْكٍ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، وَكَانَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهَا قَرِيبًا مِنْ نَجْرَانَ- وَنَجْرَانُ: الْقَرْيَةُ الْعُظْمَى الَّتِي إلَيْهَا جِمَاعُ أَهْلِ تِلْكَ الْبِلَادِ- سَاحِرٌ يُعَلِّمُ غِلْمَانَ أَهْلِ نَجْرَانَ السِّحْرَ، فَلَمَّا نَزَلَهَا فَيْمِيُونُ- وَلَمْ يُسَمُّوهُ لِي بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، قَالُوا: رَجُلٌ نَزَلَهَا- ابْتَنَى خَيْمَةً بَيْنَ نَجْرَانَ وَبَيْنَ تِلْكَ الْقَرْيَةِ الَّتِي بِهَا السَّاحِرُ، فَجَعَلَ أَهْلُ نَجْرَانَ يُرْسِلُونَ غِلْمَانَهُمْ إلَى ذَلِكَ السَّاحِرِ يُعَلِّمُهُمْ السِّحْرَ فَبَعَثَ إلَيْهِ الثَّامِرُ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الثَّامِرِ، مَعَ غِلْمَانِ أَهْلِ نَجْرَانَ فَكَانَ إذَا مَرَّ بِصَاحِبِ الْخَيْمَةِ أَعْجَبَهُ مَا يَرَى مِنْهُ مِنْ صَلَاتِهِ وَعِبَادَتِهِ، فَجَعَلَ يَجْلِسُ إلَيْهِ، وَيَسْمَعُ مِنْهُ، حَتَّى أَسْلَمَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَعَبَدَهُ، وَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، حَتَّى إذَا فَقِهَ فِيهِ جَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ، وَكَانَ يَعْلَمُهُ، فَكَتَمَهُ إيَّاهُ، وَقَالَ (لَهُ) [1] : يَا بن أَخِي، إنَّكَ لَنْ تَحْمِلَهُ، أَخْشَى عَلَيْكَ ضَعْفَكَ عَنْهُ. وَالثَّامِرُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَا يَظُنُّ إلَّا أَنَّ ابْنَهُ يَخْتَلِفُ إلَى السَّاحِرِ كَمَا يَخْتَلِفُ الْغِلْمَانُ، فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ ضَنَّ بِهِ عَنْهُ. وَتَخَوَّفَ ضَعْفَهُ فِيهِ، عَمَدَ إلَى أَقْدَاحٍ فَجَمَعَهَا، ثُمَّ لَمْ يُبْقِ للَّه اسْمًا يَعْلَمُهُ إلَّا كَتَبَهُ فِي قِدْحٍ [2] ، وَلِكُلِّ اسْمٍ قِدْحٌ، حَتَّى إذَا أَحْصَاهَا أَوْقَدَ لَهَا نَارًا، ثُمَّ جَعَلَ يَقْذِفُهَا فِيهَا قِدْحًا قِدْحًا، حَتَّى إذَا مَرَّ بِالِاسْمِ الْأَعْظَمِ قَذَفَ فِيهَا بِقِدْحِهِ، فَوَثَبَ الْقِدْحُ حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا لَمْ تَضُرَّهُ شَيْئًا، فَأَخَذَهُ ثُمَّ أَتَى صَاحِبَهُ فَأَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ الِاسْمَ الَّذِي كَتَمَهُ، فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: هُوَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: وَكَيْفَ

_ [1] زِيَادَة عَن أوالطبري. [2] الْقدح: السهْم.

(ابن الثامر ودعوته إلى النصرانية بنجران) :

عَلِمْتَهُ؟ فَأَخْبَرَهُ بِمَا صَنَعَ، قَالَ: أَيْ ابْنَ أَخِي، قَدْ أَصَبْتَهُ فَأَمْسِكْ عَلَى نَفْسِكَ، وَمَا أَظُنُّ أَنْ تَفْعَلَ. (ابْنُ الثَّامِرِ وَدَعْوَتُهُ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ بِنَجْرَانَ) : فَجَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الثَّامِرِ إذَا دَخَلَ نَجْرَانَ لَمْ يَلْقَ أَحَدًا بِهِ ضُرٌّ إلَّا قَالَ (لَهُ) [1] يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَتُوَحِّدُ اللَّهَ وَتَدْخُلُ فِي دِينِي وَأَدْعُو اللَّهَ فَيُعَافِيكَ مِمَّا أَنْتَ فِيهِ مِنْ الْبَلَاءِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُوَحِّدُ اللَّهَ وَيُسْلِمُ، وَيَدْعُو لَهُ فَيُشْفَى. حَتَّى لَمْ يَبْقَ بِنَجْرَانَ أَحَدٌ بِهِ ضُرٌّ إلَّا أَتَاهُ فَاتَّبَعَهُ عَلَى أَمْرِهِ، وَدَعَا لَهُ فَعُوفِيَ حَتَّى رُفِعَ شَأْنُهُ إلَى مَلِكِ نَجْرَانَ، فَدَعَاهُ فَقَالَ (لَهُ) [1] : أَفْسَدْتَ عَلَيَّ أَهْلَ قَرْيَتِي، وَخَالَفْتَ دِينِي وَدِينَ آبَائِي، لَأُمَثِّلَنَّ بِكَ، قَالَ: لَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: فَجَعَلَ يُرْسِلُ بِهِ إلَى الْجَبَلِ الطَّوِيلِ فَيُطْرَحُ عَلَى رَأْسِهِ فَيَقَعُ إلَى الْأَرْضِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَجَعَلَ يَبْعَثُ بِهِ إلَى مِيَاهٍ بِنَجْرَانَ، بُحُورٍ لَا يَقَعُ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا هَلَكَ، فَيُلْقَى فِيهَا فَيَخْرُجُ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. فَلَمَّا غَلَبَهُ قَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الثَّامِرِ: إنَّكَ وَاَللَّهِ لَنْ تَقْدِرَ عَلَى قَتْلِي حَتَّى تُوَحِّدَ اللَّهَ فَتُؤْمِنَ بِمَا آمَنْتُ بِهِ، فَإِنَّكَ إنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ سُلِّطْتَ عَلَيَّ فَقَتَلْتنِي. قَالَ: فَوَحَّدَ اللَّهَ تَعَالَى ذَلِكَ الْمَلِكُ، وَشَهِدَ شَهَادَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الثَّامِرِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ بِعَصَا فِي يَدِهِ فَشَجَّهُ شَجَّةً غَيْرَ كَبِيرَةٍ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ هَلَكَ الْمَلِكُ مَكَانَهُ، وَاسْتَجْمَعَ أَهْلُ نَجْرَانَ عَلَى دِينِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الثَّامِرِ، وَكَانَ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ عِيسَى بن مَرْيَمَ مِنْ الْإِنْجِيلِ وَحُكْمِهِ، ثُمَّ أَصَابَهُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ أَهْلَ دِينِهِمْ مِنْ الْأَحْدَاثِ، فَمِنْ هُنَالِكَ كَانَ أَصْلُ النَّصْرَانِيَّةِ بِنَجْرَانَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَبَعْضِ أَهْلِ نَجْرَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الثَّامِرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ. (ذُو نُوَاسٍ وَخَدُّ الْأُخْدُودِ) : فَسَارَ إلَيْهِمْ ذُو نُوَاسٍ بِجُنُودِهِ، فَدَعَاهُمْ إلَى الْيَهُودِيَّةِ، وَخَيَّرَهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ وَالْقَتْلِ، فَاخْتَارُوا الْقَتْلَ، فَخَدَّ لَهُمْ الْأُخْدُودَ، فَحَرَقَ مَنْ حَرَقَ بِالنَّارِ، وَقَتَلَ بِالسَّيْفِ وَمَثَّلَ بِهِ حَتَّى قَتَلَ مِنْهُمْ قَرِيبًا مِنْ عشْرين ألفا، فِي ذِي نُوَاسٍ وَجُنْدِهِ تِلْكَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُتِلَ أَصْحابُ 85: 4

_ [1] زِيَادَة عَن الطبرى.

(الأخدود لغة) :

الْأُخْدُودِ، النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ، إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ، وَهُمْ عَلى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ، وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ 85: 4- 8. (الْأُخْدُودُ لُغَةً) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأُخْدُودُ: الْحَفْرُ الْمُسْتَطِيلُ فِي الْأَرْضِ، كَالْخَنْدَقِ وَالْجَدْوَلِ وَنَحْوِهِ، وَجَمْعُهُ أَخَادِيدُ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ، وَاسْمُهُ غَيْلَانُ بْنُ عُقْبَةَ، أَحَدُ بَنِي عَدِيِّ ابْن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ أدّ بن طابخة بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ: مِنْ الْعِرَاقِيَّةِ اللَّاتِي يُحِيلُ لَهَا [1] ... بَيْنَ الْفَلَاةِ وَبَيْنَ النَّخْلِ أُخْدُودُ يَعْنِي جَدْوَلًا. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ: وَيُقَالُ لِأَثَرِ السَّيْفِ وَالسِّكِّينِ فِي الْجِلْدِ وَأَثَرِ السَّوْطِ وَنَحْوِهِ: أُخْدُودٌ، وَجَمْعُهُ أَخَادِيدُ. (مَقْتَلُ ابْنِ الثَّامِرِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَيُقَالُ: كَانَ فِيمَنْ قَتَلَ ذُو نُوَاسٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الثَّامِرِ، رَأْسُهُمْ وَإِمَامُهُمْ [2] . (مَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ الثَّامِرِ فِي قَبْرِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ [3] أَنَّهُ حُدِّثَ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ كَانَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَفَرَ خَرِبَةً مِنْ خَرِبِ نَجْرَانَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، فَوَجَدُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الثَّامِرِ تَحْتَ دَفْنٍ مِنْهَا قَاعِدًا، وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى ضَرْبَةٍ فِي رَأْسِهِ، مُمْسِكًا بِيَدِهِ عَلَيْهَا، فَإِذَا أُخِّرَتْ يَدُهُ عَنْهَا تَنْبَعِثُ [4] دَمًا، وَإِذَا أُرْسِلَتْ يَدُهُ رَدَّهَا عَلَيْهَا، فَأَمْسَكَتْ دَمُهَا، وَفِي يَدِهِ خَاتَمٌ

_ [1] يحِيل لَهَا: يصب لَهَا، يُقَال: أحَال المَاء فِي الْحَوْض، إِذا صبه. [2] وَيُقَال: إِنَّمَا قتل عبد الله بن الثَّامِر قبل ذَلِك، قَتله ملك كَانَ قبل ذِي نواس، هُوَ أصل ذَلِك الدَّين، وَإِنَّمَا قتل ذُو نواس من كَانَ بعده من أهل دينه. (رَاجع الطَّبَرِيّ) . [3] قَالَ ابْن سعد: كَانَ ثِقَة كثير الْعلم عَالما، توفى سنة 135 هـ، وَقيل سنة 133 هـ. وَكَانَ عمره سبعين سنة. [4] فِي أ: «تثعبت» . وتثعبت: سَالَتْ.

أمر دوس ذي ثعلبان، وابتداء ملك الحبشة وذكر أرباط المستولى على اليمن

مَكْتُوبٌ فِيهِ: «رَبِّي اللَّهُ» فَكُتِبَ فِيهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُخْبَرُ بِأَمْرِهِ، فَكَتَبَ إلَيْهِمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنْ أَقِرُّوهُ عَلَى حَالِهِ، وَرُدُّوا عَلَيْهِ الدَّفْنَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، فَفَعَلُوا [1] . أَمْرُ دَوْسِ ذِي ثَعْلَبَانَ، وَابْتِدَاءُ مُلْكِ الْحَبَشَة وَذكر أرباط الْمُسْتَوْلِي عَلَى الْيَمَنِ (فِرَارُ دَوْسٍ وَاسْتِنْصَارُهُ بِقَيْصَرَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَفْلَتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ مِنْ سَبَأٍ، يُقَالُ لَهُ: دَوْسُ ذُو ثَعْلَبَانَ [2] ، عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَسَلَكَ الرَّمْلَ فَأَعْجَزَهُمْ، فَمَضَى عَلَى وَجْهِهِ ذَلِكَ، حَتَّى أَتَى قَيْصَرَ مَلِكَ الرُّومِ، فَاسْتَنْصَرَهُ عَلَى ذِي نُوَاسٍ وَجُنُودِهِ، وَأَخْبَرَهُ بِمَا بَلَغَ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ: بَعُدَتْ بِلَادُكَ مِنَّا، وَلَكِنِّي سَأَكْتُبُ لَكَ إلَى مَلِكِ الْحَبَشَةِ فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا الدِّينِ، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى بِلَادِكَ، وَكَتَبَ إلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِنَصْرِهِ وَالطَّلَبِ بِثَأْرِهِ. (انْتِصَارُ أَرْيَاطَ وَهَزِيمَةُ ذِي نُوَاسٍ وَمَوْتُهُ) : فَقَدِمَ دَوْسٌ عَلَى النَّجَاشِيِّ بِكِتَابِ قَيْصَرَ، فَبَعَثَ مَعَهُ سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ الْحَبَشَةِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أَرْيَاطُ، وَمَعَهُ فِي جُنْدِهِ أَبْرَهَةُ الْأَشْرَمُ، فَرَكِبَ أَرْيَاطُ الْبَحْرَ حَتَّى نَزَلَ بِسَاحِلِ الْيَمَنِ، وَمَعَهُ دَوْسٌ ذُو ثَعْلَبَانَ، وَسَارَ إلَيْهِ ذُو نُوَاسٍ فِي حِمْيَرَ، وَمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ، فَلَمَّا الْتَقَوْا انْهَزَمَ ذُو نُوَاسٍ وَأَصْحَابُهُ. فَلَمَّا رَأَى ذُو نُوَاسٍ مَا نَزَلَ بِهِ وَبِقَوْمِهِ وَجَّهَ فَرَسَهُ فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ فَدَخَلَ بِهِ، فَخَاضَ بِهِ ضَحْضَاحَ [3] الْبَحْرِ، حَتَّى أَفْضَى بِهِ إلَى غَمْرِهِ، فَأَدْخَلَهُ فِيهِ، وَكَانَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ. وَدَخَلَ أَرْيَاطُ الْيَمَنَ، فَمَلَكَهَا [4]

_ [1] وَمن ذَلِك مَا يرْوى من أَن حَمْزَة بن عبد الْمطلب رضى الله عَنهُ وجده مُعَاوِيَة حِين حفر الْعين صَحِيحا لم يتَغَيَّر، وَأَن الفأس أَصَابَت إصبعه فدميت، وَكَذَلِكَ مَا يرْوى عَن أَبى جَابر عبد الله بن حرَام، وَعَمْرو ابْن الجموح، وَطَلْحَة بن عبيد الله رضى الله عَنْهُم، وَقد أَفَاضَ الْمُفَسِّرُونَ فِي ذَلِك عِنْد الْكَلَام على تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْواتاً 3: 169 ... الْآيَة. [2] وَيُقَال: إِن الّذي أفلت هُوَ جَبَّار بن فيض، من أهل نَجْرَان، وَالأَصَح مَا رَوَاهُ ابْن إِسْحَاق. (رَاجع الطَّبَرِيّ) . [3] الضحضاح من المَاء: الّذي يظْهر مِنْهُ القعر. [4] هَذِه رِوَايَة ابْن إِسْحَاق فِي مقتل ذِي نواس، وَدخُول الْحَبَشَة الْيمن، سَاقهَا عَنهُ ابْن هِشَام. وَأما غير

(شعر في دوس وما كان منه) :

(شِعْرٌ فِي دَوْسٍ وَمَا كَانَ مِنْهُ) : فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ- وَهُوَ يَذْكُرُ مَا سَاقَ إلَيْهِمْ دَوْسٌ مِنْ أَمْرِ الْحَبَشَةِ: «لَا كَدَوْسٍ وَلَا كَأَعْلَاقِ رَحْلِهِ » [1] فَهِيَ مَثَلٌ بِالْيَمَنِ إلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَقَالَ ذُو جَدَنٍ الْحِمْيَرِيُّ: هَوْنكِ [2] لَيْسَ يَرُدُّ الدَّمْعُ مَا فَاتَا ... لَا تَهْلِكِي أَسَفًا فِي إثْرِ مَنْ مَاتَا أَبَعْدَ بَيْنُونَ لَا عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ ... وَبَعْدَ سِلْحِينَ يَبْنِي النَّاسُ أَبْيَاتَا بَيْنُونُ وَسِلْحِينُ وَغُمْدَانُ [3] : مِنْ حُصُونِ الْيَمَنِ الَّتِي هَدَمَهَا أَرْيَاطُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي النَّاسِ مِثْلُهَا. وَقَالَ ذُو جَدَنٍ أَيْضًا: دَعِينِي لَا أَبَا لَكَ لَنْ تُطِيقِي [4] ... لِحَاكِ اللَّهِ قَدْ أَنْزَفْتِ رِيقِي [5] لَدَيَّ عَزْفُ القيان إِذْ انتشبنا ... وَإِذ نُسْقَى مِنْ الْخَمْرِ الرَّحِيقِ [6] وَشُرْبُ الْخَمْرِ لَيْسَ عَلَيَّ عَارًا ... إذَا لَمْ يَشْكُنِي فِيهَا [7] رَفِيقِي فَإِنَّ الْمَوْتَ لَا يَنْهَاهُ نَاهٍ ... وَلَوْ شَرِبَ الشِّفَاءَ مَعَ النُّشُوقِ [8]

_ [ () ] ابْن إِسْحَاق فَيَقُولُونَ: إِن ذَا نواس أَدخل الْحَبَشَة صنعاء الْيمن حِين رأى أَن لَا قبل لَهُ بهم، بعد أَن اسْتنْفرَ جَمِيع المقاول ليكونوا مَعَه يدا وَاحِدَة عَلَيْهِم، فَأَبَوا إِلَّا أَن يحمى كل وَاحِد مِنْهُم حوزته على حِدته، فَخرج إِلَيْهِم، وَمَعَهُ مَفَاتِيح خزائنه وأمواله، على أَن يسالموه وَمن مَعَه، وَلَا يقتلُوا أحدا، فَكَتَبُوا إِلَى النَّجَاشِيّ بذلك، فَأَمرهمْ أَن يقبلُوا ذَلِك مِنْهُ، فَدَخَلُوا صنعاء وَدفع إِلَيْهِم المفاتيح، وَأمرهمْ أَن يقبضوا مَا فِي بِلَاده من خَزَائِن أَمْوَاله، ثمَّ كتب ذُو نواس إِلَى كل مَوضِع من أرضه أَن اقْتُلُوا كل ثَوْر أسود، فَقتل أَكثر الْحَبَشَة، فَلَمَّا بلغ ذَلِك النَّجَاشِيّ وَجه إِلَيْهِم جَيْشًا، وَعَلِيهِ أرياط، وَأمره أَن يقتل ذَا نواس، وَيخرب ثلث بِلَاده، وَيقتل ثلث النِّسَاء، ويسبى ثلث الرِّجَال والذرية، فَفَعَلُوا ذَلِك، ثمَّ كَانَ مَا كَانَ من اقتحام ذِي نواس الْبَحْر، وَقيام ذِي جدن بعده. (رَاجع الطَّبَرِيّ وَالرَّوْض الْأنف) . [1] الأعلاق: جمع علق، وَهُوَ النفيس من كل شَيْء: يُرِيد مَا حمله دوس إِلَى الْحَبَشَة من النجدة. [2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والطبري. يُرِيد: ترفقى وليهن عَلَيْك هَذَا الْأَمر. وَفِي أ، وتواريخ مَكَّة للأزرقى: «هُوَ نكما لن ... إِلَخ» . وَهُوَ من بَاب قَول الْعَرَب للْوَاحِد افعلا، وَهُوَ كثير فِي الْقُرْآن وَالْكَلَام [3] ستذكر فِيمَا يَلِي من شعر ذِي جدن وسلحين: بِفَتْح السِّين فِي ياقوت، وبكسرها فِي الْبكْرِيّ. [4] أَي لن تطيقى صرفى بالعذل عَن شأنى. [5] أَي أكثرت على من العذل حَتَّى أيبست ريقي بفمي. وَقلة الرِّيق من الْحصْر، وكثرته من قُوَّة النَّفس وثبات الجأش. [6] الرَّحِيق: الْمُصَفّى الْخَالِص. [7] فِي أ: «فِيهِ» . [8] كَذَا فِي أوالطبري. والشفاء بِالْكَسْرِ) : مَا يتداوى بِهِ فيشفى، تَسْمِيَة للسبب باسم الْمُسَبّب

وَلَا مُتَرَهِّبٍ فِي أُسْطُوَانٍ [1] ... يُنَاطِحُ جُدْرَهُ بَيْضُ الْأَنُوقِ [2] وغُمْدَانُ [3] الَّذِي حُدِّثْتِ عَنْهُ ... بَنَوْهُ مُسَمَّكا فِي رَأْسِ نِيقِ [4] بِمَنْهَمَةِ [5] وَأَسْفَلُهُ جُرُونٌ [6] ... وَحُرُّ [7] الْمَوْحَلِ [8] اللَّثَقِ الزَّلِيقِ [9] مصابيح السّليط [10] تاوح فِيهِ ... إذَا يُمْسِي كَتَوْمَاضِ الْبُرُوقِ وَنَخْلَتُهُ الَّتِي غُرِسَتْ إلَيْهِ ... يَكَادُ الْيُسْرُ يَهْصِرُ [11] بِالْعُذُوقِ فَأَصْبَحَ بَعْدَ جِدَّتِهِ رَمَادًا ... وَغَيَّرَ حُسْنَهُ لَهَبُ الْحَرِيقِ وَأَسْلَمَ ذُو نُوَاسٍ مُسْتَكِينًا [12] ... وَحَذَّرَ قَوْمَهُ ضَنْكَ الْمَضِيقِ وَقَالَ ابْنُ الذِّئْبَةِ الثَّقَفِيُّ فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الذِّئْبَةُ أُمُّهُ، وَاسْمُهُ رَبِيعَةُ ابْن عبد يَا ليل بْنُ سَالِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حُطَيْطِ بْنِ جُشَمَ بْنِ قَسِيِّ: لَعَمْرُكَ مَا لِلْفَتَى مِنْ مَفَرٍّ ... مَعَ الْمَوْتِ يَلْحَقُهُ والكِبَرْ

_ [ () ] والنشوق: مَا يشم من الدَّوَاء وَيجْعَل فِي الْأنف. يُرِيد: وَلَو شرب مَعَ كل دَوَاء يستشفى بِهِ، ونشق كل نشوق مَا نهى ذَلِك الْمَوْت عَنهُ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الشِّفَاء مَعَ السويق» . [1] الأسطوان: جمع أسطوانة، وَهِي السارية. وَأَرَادَ بهَا هَاهُنَا مَوضِع الراهب الْمُرْتَفع. [2] الأنوق: الرخم، وَهِي لَا تبيض إِلَّا فِي الْجبَال الْعَالِيَة. [3] غمدان: حصن كَانَ لهوذة بن على ملك الْيَمَامَة. [4] مسمكا: مرتفعا. والنيق: أَعلَى الْجَبَل. [5] المنهمة: مَوضِع الرهبان. وَيُقَال للراهب: نهامى، كَمَا يُقَال للنجار أَيْضا نهامى، فَتكون المنهمة على هَذَا مَوضِع النجر أَيْضا. [6] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والجرون: جمع جرن، وَهُوَ النقير. وَفِي أ، والطبري: «جروب» . والجروب: الْحِجَارَة السود. [7] الْحر: الْخَالِص من كل شَيْء. [8] الموحل: من الوحل، وَهُوَ المَاء والطين. ويروى: «الموجل» بِالْجِيم الْمَفْتُوحَة. وَهِي الْحِجَارَة الملس السود، أَي وَهِي وَاحِدَة المواجل، وَهِي مناهل المَاء. [9] اللثق: الّذي فِيهِ بَلل. والزليق: الّذي يزلق فِيهِ. وَقد زَادَت أبعد هَذَا الْبَيْت: بمرمرة وَأَعلاهُ رُخَام ... تحام لَا يغيب فِي الشقوق [10] السليط: الدّهن. [11] يهصر: يمِيل. والعذوق: جمع عذق. والعذق (بِكَسْر الْعين) : الكباسة، (وَبِفَتْحِهَا) : النَّخْلَة، وَالْمعْنَى الثَّانِي أبلغ هُنَا. [12] مستكينا: خاضعا ذليلا.

لَعُمْرُكَ مَا لِلْفَتَى صُحْرَةٌ [1] ... لَعُمْرُكَ مَا إنْ لَهُ مِنْ وَزَرْ [2] أَبَعْدَ قَبَائِلَ مِنْ حِمْيَرَ ... أُبِيدُوا صَبَاحًا بِذَاتِ الْعَبَرْ [3] بِأَلْفِ أُلُوفٍ وحُرَّابَةٌ [4] ... كَمِثْلِ السَّمَاءِ قُبَيْلَ الْمَطَرْ يُصِمُّ صِيَاحُهُمْ الْمُقْرَبَاتِ [5] ... وَيَنْفُونَ مَنْ قَاتَلُوا بِالذَّفَرْ [6] سَعَالِيَ [7] مثل عديد التُّرَاب ... تَيْبَسُ مِنْهُمْ رِطَابُ الشَّجَرْ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِيكَرِبٍ [8] الزُّبَيْدِيُّ فِي شَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَيْسِ بْنِ مَكْشوُحٍ الْمُرَادِيَّ [9] ، فَبَلَغَهُ أَنَّهُ يَتَوَعَّدُهُ، فَقَالَ يَذْكُرُ حِمْيَرَ وَعِزَّهَا، وَمَا زَالَ مِنْ مُلْكِهَا عَنْهَا: أَتُوعِدُنِي كَأَنَّكَ ذُو رُعَيْنٍ ... بِأَفْضَلِ عِيشَةٍ، أَوْ ذُو نُوَاسِ وكائنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنْ نَعِيمٍ ... وَمُلْكٍ ثَابِتٍ فِي النَّاسِ رَاسِي قَدِيمٍ عَهْدُهُ مِنْ عَهْدِ عَادٍ ... عَظِيمٍ قَاهِرِ الْجَبَرُوتِ قَاسِي فَأَمْسَى أَهْلُهُ بَادُوا وَأَمْسَى ... يُحَوَّلُ مِنْ أُنَاسٍ فِي أُنَاسِ

_ [1] الصحرة: المتسع، أَخذ من لفظ الصَّحرَاء. [2] الْوزر: الملجأ. وَمِنْه اشتق الْوَزير لِأَن الْملك يلجأ إِلَى رَأْيه. [3] ذَات العبر: ذَات الْحزن، وَيُقَال: عبر الرجل (من بَاب علم) ، إِذا حزن، وَيُقَال: لأمه العبر، كَمَا يُقَال لأمه الثكل، وَذَات العبر: اسْم من أَسمَاء الداهية. [4] الْحِرَابَة: أَصْحَاب الحراب. [5] المقربات: الْخَيل الْعتاق الَّتِي لَا تسرح فِي الرَّعْي، وَلَكِن تحبس قرب الْبيُوت معدة لِلْعَدو. [6] كَذَا فِي الْأُصُول، وتواريخ مَكَّة للأزرقى. والذفر: الرَّائِحَة الشَّدِيدَة. يُرِيد أَنهم. بريحهم وأنفاسهم يَتَّقُونَ من قَاتلُوا، وَهَذَا إفراط فِي وَصفهم بِالْكَثْرَةِ، بل بنتن آباطهم وخبيث رائحتهم، لِأَن السودَان أنتن النَّاس آباطا وأعراقا. وَفِي الطَّبَرِيّ: «بالزمر» وَالزمر: جمع زمرة، وَهِي الْجَمَاعَة من النَّاس [7] سعالى: جمع سعلاة، وَهِي من الْجِنّ، أَو هِيَ الساحرة مِنْهَا. [8] معديكرب: مَعْنَاهُ بالحميرية: وَجه الْفَلاح. ومعدى: وَجه. وَالْكرب: الْفَلاح. [9] إِنَّمَا هُوَ حَلِيف لمراد، وَاسم مُرَاد: يحابر بن سعد الْعَشِيرَة بن مذْحج، وَنسبه فِي بجيلة، ثمَّ فِي بنى أحمس، وَأَبوهُ مكشوح اسْمه: هُبَيْرَة بن هِلَال، وَيُقَال: عبد يَغُوث بن هُبَيْرَة بن الْحَارِث بن عَمْرو ابْن عَامر بن على بن أسلم بن أحمس بن الْغَوْث بن أَنْمَار، وأنمار: هُوَ وَالِد بجيلة وخثعم، وسمى أَبوهُ مكشوحا لِأَنَّهُ ضرب بِسيف على كشحة، ويكنى قيس أَبَا شَدَّاد، وَهُوَ قَاتل الْأسود العنسيّ الْكذَّاب. وَكَانَ قيس بطلا بئيسا، قَتله على- كرم الله وَجهه- يَوْم صفّين.

(نسب زبيد) :

(نَسَبُ زُبَيْدٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: زُبَيْدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ مُنَبِّهِ بْنِ صَعْبِ بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ ابْن مَذْحِجَ، وَيُقَالُ زُبَيْدُ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ صَعْبِ بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ، وَيُقَالُ زُبَيْدُ ابْن صَعْبٍ. وَمُرَادُ: يُحَابِرُ بْنُ مَذْحِجَ. (سَبَبُ قَوْلِ عَمْرو بن معديكرب هَذَا الشِّعْرَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيِّ، وَبَاهِلَةَ ابْن يَعْصُرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ، وَهُوَ بِأَرْمِينِيَّةِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُفَضِّلَ أَصْحَابَ الْخَيْلِ الْعِرَابِ عَلَى أَصْحَابِ الْخَيْلِ الْمَقَارِفِ [1] فِي الْعَطَاءِ، فَعَرَضَ الْخَيْلَ، فَمَرَّ بِهِ فَرَسُ عَمْرو بن معديكرب، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: فَرَسُكَ هَذَا مُقْرِفٌ، فَغَضِبَ عَمْرٌو، وَقَالَ: هَجِينٌ عَرَفَ هَجِينًا مِثْلَهُ، فَوَثَبَ إلَيْهِ قَيْسٌ فَتَوَعَّدَهُ، فَقَالَ عَمْرُو هَذِهِ الْأَبْيَاتِ [2] . (صِدْقُ كَهَانَةِ سَطِيحٍ وَشِقٍّ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَهَذَا الَّذِي عَنَى سَطِيحٌ الْكَاهِنُ بِقَوْلِهِ: «لَيَهْبِطَنَّ أَرْضَكُمْ الْحَبَشُ، فَلَيَمْلِكُنَّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إلَى جُرَشَ» . وَاَلَّذِي عَنَى شِقٌّ الْكَاهِنُ بِقَوْلِهِ: «لَيَنْزِلَنَّ أَرْضَكُمْ السُّودَانُ، فَلَيَغْلِبُنَّ عَلَى كُلِّ طِفْلَةٍ الْبَنَانَ، وَلَيَمْلِكُنَّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إلَى نَجْرَانَ» . غَلَبَ أَبْرَهَةُ الْأَشْرَمُ عَلَى أَمْرِ الْيَمَنِ، وَقَتَلَ أَرْيَاطَ (مَا كَانَ بَيْنَ أَرْيَاطَ وَأَبْرَهَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [3] : فَأَقَامَ أَرْيَاطُ بِأَرْضِ الْيَمَنِ سِنِينَ فِي سُلْطَانِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ نَازَعَهُ

_ [1] المقارف: جمع مقرف، وَهُوَ من الْخَيل الّذي أَبوهُ هجين وَأمه عتيقة. [2] وَيُقَال: بل إِن عمرا قَالَ هَذَا الشّعْر لعمر بن الْخطاب حِين أَرَادَ ضربه بِالدرةِ فِي حَدِيث طَوِيل سَاقه المَسْعُودِيّ فِي كِتَابه مروج الذَّهَب (ج 1 ص 329- 330) . [3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والطبري، وَفِي أ «ابْن هِشَام» ، وَالصَّوَاب مَا أَثْبَتْنَاهُ.

(غضب النجاشي على أبرهة لقتله أرياط ثم رضاؤه عنه) :

فِي أَمْرِ الْحَبَشَةِ بِالْيَمَنِ أَبْرَهَةُ الْحَبَشِيُّ- (وَكَانَ فِي جُنْدِهِ) -[1] حَتَّى تَفَرَّقَتْ الْحَبَشَةُ عَلَيْهِمَا. فَانْحَازَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، ثُمَّ سَارَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ، فَلَمَّا تَقَارَبَ النَّاسُ أَرْسَلَ أَبْرَهَةُ إلَى أَرْيَاطَ: إنَّكَ لَا تَصْنَعُ بِأَنْ تَلْقَى الْحَبَشَةُ بَعْضُهَا بِبَعْضِ حَتَّى تَفِنِيهَا شَيْئًا فَابْرُزْ إلَيَّ وَأَبْرُزُ إلَيْكَ، فَأَيُّنَا أَصَابَ صَاحِبَهُ انْصَرَفَ إلَيْهِ جُنْدُهُ. فَأرْسل إِلَيْهِ أرباط: أَنْصَفْتَ فَخَرَجَ إلَيْهِ أَبْرَهَةُ، وَكَانَ رَجُلًا قَصِيرًا (لَحِيمًا [2] حَادِرًا) [3] وَكَانَ ذَا دِينٍ فِي النَّصْرَانِيَّةِ، وَخَرَجَ إلَيْهِ أَرْيَاطُ، وَكَانَ رَجُلًا جَمِيلًا عَظِيمًا طَوِيلًا، وَفِي يَدِهِ حَرْبَةٌ لَهُ. وَخَلَفَ أَبْرَهَةَ غُلَامٌ لَهُ، يُقَالُ لَهُ عَتَوْدَةُ [4] ، يَمْنَعُ ظَهْرَهُ. فَرَفَعَ أَرْيَاطُ الْحَرْبَةَ فَضَرَبَ أَبْرَهَةَ، يُرِيدُ يَافُوخَهُ [5] ، فَوَقَعَتْ الْحَرْبَةُ عَلَى جَبْهَةِ أَبْرَهَةَ فَشَرَمَتْ حَاجِبَهُ وَأَنْفَهُ وَعَيْنَهُ وَشَفَتَهُ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَ أَبْرَهَةَ الْأَشْرَمَ، وَحَمَلَ عَتَوْدَةُ عَلَى أَرْيَاطَ مِنْ خَلْفِ أَبْرَهَةَ فَقَتَلَهُ، وَانْصَرَفَ جُنْدُ أَرْيَاطَ إلَى أَبْرَهَةَ، فَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْحَبَشَةُ بِالْيَمَنِ، وَوَدَى [6] أَبْرَهَةُ أَرْيَاطَ. (غَضَبُ النَّجَاشِيِّ عَلَى أَبْرَهَةَ لِقَتْلِهِ أَرْيَاطَ ثُمَّ رِضَاؤُهُ عَنْهُ) : فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ النَّجَاشِيَّ غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا وَقَالَ: عَدَا عَلَى أَمِيرِي فَقَتَلَهُ بِغَيْر أمرى، ثمَّ حَلَفَ لَا يَدَعُ أَبْرَهَةَ حَتَّى يَطَأَ بِلَادَهُ، وَيَجُزَّ نَاصِيَتَهُ. فَحَلَقَ أَبْرَهَةُ رَأْسَهُ وَمَلَأَ جِرَابًا مِنْ تُرَابِ الْيَمَنِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهِ إلَى النَّجَاشِيِّ، ثُمَّ كَتَبَ إلَيْهِ: أَيُّهَا الْمَلِكُ: إنَّمَا كَانَ أَرْيَاطُ عَبْدَكَ، وَأَنَا عَبْدُكَ، فَاخْتَلَفْنَا فِي أَمْرِكَ، وَكُلٌّ طَاعَتُهُ لَكَ، إلَّا أَنِّي كُنْتُ أَقْوَى عَلَى أَمْرِ الْحَبَشَةِ وَأَضْبَطَ لَهَا وَأَسْوَسَ مِنْهُ، وَقَدْ حَلَقْتُ رَأْسِي كُلَّهُ حِينَ بَلَغَنِي قَسَمُ الْمَلِكِ، وَبَعَثْتُ إلَيْهِ بِجِرَابِ تُرَابٍ مِنْ أَرْضِي، لِيَضَعَهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَيَبَرُّ قَسَمُهُ فِيَّ. فَلَمَّا انْتَهَى ذَلِكَ إلَى النَّجَاشِيِّ رَضِيَ عَنْهُ، وَكَتَبَ إلَيْهِ: أَنْ اُثْبُتْ بِأَرْضِ الْيَمَنِ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي. فَأَقَامَ أَبْرَهَةُ بِالْيَمَنِ.

_ [1] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ. [2] اللحيم: الْكثير لحم الْجَسَد. [3] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ. والحادر: السمين الغليظ. [4] مَأْخُوذ من العتودة، وَهِي الشدَّة فِي الْحَرْب. [5] اليافوخ: وسط الرَّأْس. [6] وداه: دفع دِيَته.

أمر الفيل، وقصة النسأة

أَمْرُ الْفِيلِ، وَقِصَّةُ النَّسَأَةِ (بِنَاءُ الْقُلَّيْسِ) : ثُمَّ إنَّ أَبْرَهَةَ بَنَى الْقُلَّيْسَ [1] بِصَنْعَاءَ، فَبَنَى كَنِيسَةً لَمْ يُرَ مِثْلُهَا فِي زَمَانِهَا بِشَيْءِ مِنْ الْأَرْضِ، ثُمَّ كَتَبَ إلَى النَّجَاشِيِّ: إنِّي قَدْ بَنَيْتُ لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ كَنِيسَةً لَمْ يُبْنَ مِثْلُهَا لِمَلِكِ كَانَ قَبْلَكَ، وَلَسْتُ بِمُنْتَهٍ حَتَّى أَصْرِفَ إلَيْهَا حَجَّ الْعَرَبِ، فَلَمَّا تَحَدَّثَتْ الْعَرَبُ بِكِتَابِ أَبْرَهَةَ ذَلِكَ إلَى النَّجَاشِيِّ، غَضِبَ رَجُلٌ مِنْ النَّسَأَةِ، أَحَدُ بَنِي فُقَيْمِ ابْن عَدِيِّ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ مِنْ مُضَرَ. (مَعْنَى النَّسَأَةِ) : وَالنَّسَأَةُ: الَّذِينَ كَانُوا يَنْسَئُونَ الشُّهُورَ عَلَى الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَيُحِلُّونَ الشَّهْرَ مِنْ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَيُحَرِّمُونَ مَكَانَهُ الشَّهْرَ مِنْ أَشْهُرِ الْحِلِّ، وَيُؤَخِّرُونَ ذَلِكَ الشَّهْرَ فَفِيهِ أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا، يُحِلُّونَهُ عَامًا، وَيُحَرِّمُونَهُ عَاما، لِيُواطِؤُا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ 9: 37 (الْمُوَاطَأَةُ لُغَةً) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: لِيُوَاطِئُوا: لِيُوَافِقُوا. وَالْمُوَاطَأَةُ: الْمُوَافَقَةُ، تَقُولُ الْعَرَبُ: وَاطَأْتُكَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ، أَيْ وَافَقْتُكَ عَلَيْهِ. وَالْإِيطَاءُ فِي الشِّعْرِ الْمُوَافَقَةُ، وَهُوَ اتِّفَاقُ الْقَافِيَتَيْنِ مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَجِنْسٍ وَاحِدٍ، نَحْوَ قَوْلِ الْعَجَّاجِ- وَاسْمُ الْعَجَّاجِ [2] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رُؤْبَةَ أَحَدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمِ بْنِ مُرِّ بْنِ أدّ بن طابخة بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارٍ.

_ [1] الْقليس (بِضَم الْقَاف وَتَشْديد اللَّام الْمَفْتُوحَة وَسُكُون الْيَاء) هِيَ الْكَنِيسَة الَّتِي أَرَادَ أَبْرَهَة أَن يصرف إِلَيْهَا حج الْعَرَب، وَسميت الْقليس لارْتِفَاع بنائها وعلوها، وَمِنْه القلانس، لِأَنَّهَا فِي أَعلَى الرُّءُوس، وَقد استذل أَبْرَهَة أهل الْيمن فِي بُنيان هَذِه الْكَنِيسَة، وجشمهم فِيهَا ألوانا من السخر، وَكَانَ ينْقل إِلَيْهَا الْعدَد من الرخام المجزع وَالْحِجَارَة المنقوشة بِالذَّهَب من قصر بلقيس، صَاحِبَة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَ مَوضِع من هَذِه الْكَنِيسَة على فراسخ، وَمن شدته على الْعمَّال كَانَ الْعَامِل إِذا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس قبل أَن يَأْخُذ فِي عمله قطعت يَده. [2] ويكنى أَبُو الشعْثَاء، وسمى العجاج لقَوْله: «حَتَّى يعج عِنْدهَا من عججا» كَذَا فِي الرَّوْض الْأنف.

(تاريخ النسء عند العرب) :

فِي أُثْعبُانَ المَنْجَنُونِ الْمُرْسَلِ [1] ثُمَّ قَالَ: مُدُّ الْخَلِيجِ [2] فِي الْخَلِيجِ الْمُرْسَلِ وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. (تَارِيخُ النَّسْءِ عِنْدَ الْعَرَبِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ نَسَأَ الشُّهُورَ عَلَى الْعَرَبِ، فَأَحَلَّتْ مِنْهَا مَا أُحِلَّ، وَحَرَّمَتْ مِنْهَا مَا حَرَّمَ القَلَمَّسُ [3] ، وَهُوَ حُذَيْفَةُ بْنُ عَبْدِ بْنِ فُقَيْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ. ثُمَّ قَامَ بَعْدَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُهُ (عَبَّادُ) [4] بْنُ حُذَيْفَةَ، ثُمَّ قَامَ بَعْدَ عَبَّادٍ: قَلَعُ بْنُ عَبَّادٍ، ثُمَّ قَامَ بَعْدَ قَلَعٍ: أُمَيَّةُ ابْن قَلَعٍ، ثُمَّ قَامَ بَعْدَ أُمَيَّةَ: عَوْفُ بْنُ أُمَيَّةَ، ثُمَّ قَامَ بَعْدَ عَوْفٍ أَبُو ثُمَامَةَ جُنَادَةُ بْنُ عَوْفٍ، وَكَانَ آخِرَهُمْ، وَعَلَيْهِ قَامَ الْإِسْلَامُ [5] ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ إذَا فَرَغَتْ مِنْ حَجِّهَا اجْتَمَعَتْ إلَيْهِ، فَحَرَّمَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ الْأَرْبَعَةَ: رَجَبًا، وَذَا الْقَعْدَةِ، وَذَا الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمَ. فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُحِلَّ مِنْهَا شَيْئًا أَحَلَّ الْمُحَرَّمَ فَأَحَلُّوهُ، وَحَرَّمَ مَكَانَهُ صَفَرَ فَحَرَّمُوهُ، لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ. فَإِذَا أَرَادُوا الصَّدَرَ [6] قَامَ فِيهِمْ فَقَالَ: اللَّهمّ إنِّي قَدْ أَحْلَلْتُ لَكَ أَحَدَ الصَّفَرَيْنِ، الصَّفَرَ الْأَوَّلَ، وَنَسَّأَتْ الْآخَرَ لِلْعَامِ الْمُقْبِلِ [7]

_ [1] (ديوَان طبع ليبسك ص 46) أثعبان المنجنون: مَا ينْدَفع من المَاء من شعبه. والمنجنون: أَدَاة السانية. [2] (ديوَان ص 47) الخليج: الْجَبَل، وَهُوَ أَيْضا خليج المَاء. [3] وسمى القلمس لجوده، إِذْ القلمس من أَسمَاء الْبَحْر. [4] زِيَادَة عَن أ. [5] يخْتَلف أهل الْخَبَر فِي هَل أسلم جُنَادَة هَذَا أم لم يسلم، غير أَن هُنَاكَ خَبرا يدل على إِسْلَامه، وَذَلِكَ أَنه حضر الْحَج فِي زمن عمر، فَرَأى النَّاس يزدحمون على الْحَج، فَنَادَى: أَيهَا النَّاس، إِنِّي قد أجرته مِنْكُم. فخفقه عمر بِالدرةِ، وَقَالَ: وَيحك! إِن الله قد أبطل أَمر الْجَاهِلِيَّة. [6] الصَّدْر: الرُّجُوع من مَكَّة. [7] كَانَ النسء عِنْدهم على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا مَا ذكر ابْن إِسْحَاق من تَأْخِير شهر الْمحرم إِلَى صفر لحاجتهم إِلَى شن الغارات وَطلب الثارات. وَالثَّانِي: تأخيرهم الْحَج عَن وقته تحريا مِنْهُم للسّنة الشمسية، فَكَانُوا يؤخرونه فِي كل عَام أحد عشر يَوْمًا أَو أَكثر قَلِيلا حَتَّى يَدُور الدّور إِلَى ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة، فَيَعُود إِلَى وقته، وَلذَلِك قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي حجَّة الْوَدَاع: «إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَوَات

(إحداث الكناني في القليس، وحملة أبرهة على الكعبة) :

فَقَالَ فِي ذَلِكَ عُمَيْرُ بْنُ قَيْسٍ «جِذْلُ [1] الطَّعَّانِ» أَحَدُ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غُنْمِ (بْنِ ثَعْلَبَةَ) بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ، يَفْخَرُ بِالنَّسَأَةِ عَلَى الْعَرَبِ: لَقَدْ عَلِمَتْ مَعَدُّ أَنَّ قَوْمِي ... كِرَامُ النَّاسِ أَنَّ لَهُمْ كِرَامَا [2] فَأَيُّ النَّاسِ فَاتُونَا بِوِتْرٍ [3] ... وَأَيُّ النَّاسِ لَمْ نُعْلِكْ لِجَامَا [4] أَلَسْنَا النَّاسِئِينَ عَلَى مَعَدٍّ ... شُهُورَ الْحِلِّ نَجْعَلُهَا حَرَامَا؟ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَوَّلُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ [5] الْمُحَرَّمُ. (إحْدَاثُ الْكِنَانِيِّ فِي الْقُلَّيْسِ، وَحَمْلَةُ أَبْرَهَةَ عَلَى الْكَعْبَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَخَرَجَ الْكِنَانِيُّ حَتَّى أَتَى الْقُلَّيْسَ فَقَعَدَ [6] فِيهَا- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ يَعْنِي أَحْدَثَ فِيهَا- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ فَلَحِقَ بِأَرْضِهِ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ أَبْرَهَةُ فَقَالَ: مَنْ صَنَعَ هَذَا؟ فَقِيلَ لَهُ: صَنَعَ هَذَا رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي تَحُجُّ الْعَرَبُ إلَيْهِ بِمَكَّةَ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَكَ: «أَصْرِفُ إلَيْهَا حَجَّ الْعَرَبِ» غَضِبَ فَجَاءَ فَقَعَدَ فِيهَا، أَيْ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِذَلِكَ بِأَهْلِ. فَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ أَبْرَهَةُ وَحَلَفَ لَيَسِيرَنَّ إلَى الْبَيْتِ حَتَّى يَهْدِمَهُ، ثُمَّ أَمَرَ الْحَبَشَةَ فَتَهَيَّأَتْ وَتَجَهَّزَتْ، ثُمَّ سَارَ وَخَرَجَ مَعَهُ بِالْفِيلِ، وَسَمِعَتْ بِذَلِكَ الْعَرَبُ، فَأَعْظَمُوهُ وَفَظِعُوا بِهِ، وَرَأَوْا جِهَادَهُ حَقًّا عَلَيْهِمْ، حِينَ سَمِعُوا بِأَنَّهُ يُرِيدُ هَدْمَ الْكَعْبَةِ، بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ.

_ [ () ] «وَالْأَرْض» . وَكَانَت حجَّة الْوَدَاع فِي السّنة الَّتِي عَاد فِيهَا الْحَج إِلَى وقته، وَلم يحجّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة غير تِلْكَ الْحجَّة، وَذَلِكَ لإِخْرَاج الْكفَّار الْحَج عَن وقته، ولطوافهم بِالْبَيْتِ عُرَاة. (عَن الرَّوْض الْأنف) . [1] سمى عُمَيْر كَذَلِك لثباته فِي الْحَرْب كَأَنَّهُ جذل شَجَرَة وَاقِف وَقيل لِأَنَّهُ كَانَ يستشفى بِرَأْيهِ. ويستراح إِلَيْهِ كَمَا تستريح الْبَهِيمَة الجرباء إِلَى الجذل تَحْتك بِهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: جذل الطعان: هُوَ عَلْقَمَة بن فراس بن غنم بن ثَعْلَبَة بن مَالك بن كنَانَة. (رَاجع الرَّوْض الْأنف وَشرح السِّيرَة) . [2] أَي: آبَاء كراما وأخلاقا كراما. [3] الْوتر: طلب الثأر. [4] لم نعلك لجاما: يُرِيد لم نقدعهم ونكفهم كَمَا يُقْدَع الْفرس باللجام، تَقول: أعلكت الْفرس لجامه، إِذا رَددته عَن تنزعه، فمضغ اللجام كالعلك من نشاطه. [5] وَقد قيل: إِن أول الْأَشْهر الْحرم ذُو الْقعدَة، لِأَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِهِ حِين ذكر الْأَشْهر الْحرم، وَحجَّة من قَالَ إِنَّه الْمحرم، هِيَ أَنه (أَي الْمحرم) أول السّنة. [6] فِي الْقعُود بِمَعْنى الاحداث شَاهد لقَوْل مَالك وَغَيره من الْفُقَهَاء فِي تَفْسِير الْقعُود على الْمَقَابِر الْمنْهِي عَنهُ

(هزيمة ذي نفر أمام أبرهة) :

(هَزِيمَةُ ذِي نَفْرٍ أَمَامَ أَبْرَهَةَ) : فَخَرَجَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَمُلُوكِهِمْ يُقَالُ لَهُ: ذُو نَفْرٍ، فَدَعَا قَوْمَهُ، وَمَنْ أَجَابَهُ مِنْ سَائِرِ الْعَرَبِ إلَى حَرْبِ أَبْرَهَةَ، وَجِهَادِهِ عَنْ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَمَا يُرِيدُ مِنْ هَدْمِهِ وَإِخْرَابِهِ، فَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ مَنْ أَجَابَهُ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ فَقَاتَلَهُ، فَهُزِمَ ذُو نَفْرٍ وَأَصْحَابُهُ، وَأُخِذَ لَهُ ذُو نَفْرٍ فَأُتِيَ بِهِ أَسِيرًا، فَلَمَّا أَرَادَ قَتْلَهُ قَالَ لَهُ ذُو نَفْرٍ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَا تَقْتُلْنِي فَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ بَقَائِي مَعَكَ خَيْرًا لَكَ مِنْ قَتْلِي، فَتَرَكَهُ مِنْ الْقَتْلِ وَحَبَسَهُ عِنْدَهُ فِي وَثَاقٍ، وَكَانَ أَبْرَهَةُ رَجُلًا حَلِيمًا. (مَا وَقَعَ بَيْنَ نُفَيْلٍ وَأَبْرَهَةَ) : ثُمَّ مَضَى أَبْرَهَةُ عَلَى وَجْهِهِ ذَلِكَ يُرِيدُ مَا خَرَجَ لَهُ، حَتَّى إذَا كَانَ بِأَرْضِ خَثْعَمَ [1] عَرَضَ لَهُ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ الْخَثْعَمِيُّ فِي قَبيلَيْ خَثْعَمَ: شَهْرَانِ وَنَاهِسُ [2] ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، فَقَاتَلَهُ فَهَزَمَهُ أَبْرَهَةُ، وَأُخِذَ لَهُ نُفَيْلٌ أَسِيرًا، فَأُتِيَ بِهِ فَلَمَّا هَمَّ بِقَتْلِهِ قَالَ لَهُ نُفَيْلٌ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَا تَقْتُلْنِي فَإِنِّي دَلِيلُكَ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، وَهَاتَانِ يَدَايَ لَكَ عَلَى قبيلَيْ خَثْعَمَ: شَهْرَانِ وَنَاهِسُ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ. (ابْنُ مُعَتِّبٍ وَأَبْرَهَةُ) : وَخَرَجَ بِهِ مَعَهُ يَدُلُّهُ، حَتَّى إذَا مَرَّ بِالطَّائِفِ خَرَجَ إلَيْهِ مَسْعُودُ بْنُ مُعَتِّبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَرْوِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ ثَقِيفٍ فِي رِجَالِ ثَقِيفٍ. (نَسَبُ ثَقِيفٍ وَشِعْرُ ابْنِ أَبِي الصَّلْتِ فِي ذَلِكَ) : وَاسْمُ ثَقِيفٍ: قَسِيُّ بْنُ النَّبِيتِ بْنِ مُنَبِّهِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ يَقْدُمَ بْنِ أَفْصَى بْنِ دُعْمّى بْنِ إيَادِ [3] (بْنِ نِزَارِ) [4] بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ.

_ [1] خثعم: اسْم جبل سمى بِهِ بَنو عفرس بن خلف بن أفتل بن أَنْمَار، لأَنهم نزلُوا عِنْده، وَقيل بل لأَنهم تخثعموا (تلطخوا) بِالدَّمِ عِنْد حلف عقدوه بَينهم. (رَاجع الِاشْتِقَاق لِابْنِ دُرَيْد وَالرَّوْض الْأنف) . [2] شَهْرَان وناهس: هما بَنو عفرس من خثعم. وَيُقَال: بل خثعم ثَلَاث: شَهْرَان، وناهس، وأكلب غير أَن أكلب- عِنْد أهل النّسَب- هُوَ ابْن ربيعَة بن نزار، وَلَكنهُمْ دخلُوا فِي خثعم وانتسبوا إِلَيْهِم. [3] بَين النسابين خلاف فِي نسب ثَقِيف، فبعضهم ينسبهم إِلَى إياد- كَمَا هُنَا- وَبَعْضهمْ ينسبهم إِلَى قيس. كَمَا ينسبهم الْبَعْض الآخر إِلَى ثَمُود. وَالْكَلَام على هَذَا مَبْسُوط فِي كثير من المراجع الَّتِي بَين أَيْدِينَا، وَقد اكتفينا مِنْهُ هُنَا بِمَا أثبتنا. [4] زِيَادَة عَن أ. وَالْمَعْرُوف أَن إيادا هَذَا هُوَ بن نزار بن سعد، وَلَيْسَ ابْنا لمعد لصلبه، غير أَن هُنَاكَ

(استسلام أهل الطائف لأبرهة) :

قَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ [1] الثَّقَفِيُّ: قَوْمِي إيَادٌ لَوْ أَنهم أُمَم ... أولو أَقَامُوا فَتُهْزَلَ النِّعَمُ [2] قَوْمٌ لَهُمْ سَاحَةُ الْعِرَاقِ إذَا ... سَارُوا جَمِيعًا وَالْقِطُّ وَالْقَلَمُ [3] وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَيْضًا: فَإِمَّا تَسْأَلِي عَنِّي لُبَيْنَى ... وَعَنْ نَسَبِي أُخَبِّرْكَ اليَقينَا فَإِنَّا للنَّبيتِ أَبِي قَسِيٍّ ... لَمَنْصُورُ بْنُ يَقْدُمَ الْأَقْدَمِينَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثَقِيفٌ: قَسِىُّ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ. وَالْبَيْتَانِ الْأَوَّلَانِ وَالْآخِرَانِ فِي قَصِيدَتَيْنِ لِأُمَيَّةِ. (اسْتِسْلَامُ أَهْلِ الطَّائِفِ لِأَبْرَهَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالُوا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إنَّمَا نَحْنُ عَبِيدُكَ سَامِعُونَ لَكَ مُطِيعُونَ، لَيْسَ عِنْدَنَا لَكَ خِلَافٌ، وَلَيْسَ بَيْتُنَا هَذَا الْبَيْتَ الَّذِي تُرِيدُ- يَعْنُونَ اللَّاتَ- إنَّمَا تُرِيدُ الْبَيْتَ الَّذِي بِمَكَّةَ، وَنَحْنُ نَبْعَثُ مَعَكَ مَنْ يَدُلُّكَ عَلَيْهِ، فَتَجَاوَزَ عَنْهُمْ. (اللَّاتُ) : وَاَللَّاتُ: بَيْتٌ لَهُمْ بِالطَّائِفِ كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ نَحْوَ تَعْظِيمِ الْكَعْبَةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النَّحْوِيُّ لِضِرَارِ بْنِ الْخَطَّابِ الْفِهْرِيِّ: وَفَرَّتْ ثَقِيفٌ إلَى لَاتِهَا ... بِمُنْقَلَبِ الْخَائِبِ الْخَاسِرِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. (مَعُونَةُ أَبِي رِغَالٍ لِأَبْرَهَةَ وَمَوْتُهُ وَقَبْرُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فبعثوا مَعَه أبار غال يَدُلُّهُ عَلَى الطَّرِيقِ إلَى مَكَّةَ، فَخَرَجَ أَبْرَهَةُ

_ [ () ] ابْنا لمعد اسْمه إياد، وَهُوَ عَم إياد هَذَا وَلَيْسَ هُوَ. (رَاجع الِاشْتِقَاق والمعارف وَالرَّوْض الْأنف) . [1] وَاسم أَبى الصَّلْت: ربيعَة بن وهب. [2] الْأُمَم: الْقَرِيب. وَالنعَم: الْإِبِل، وَقيل: النعم: كل مَاشِيَة أَكْثَرهَا إبل. يُرِيد أَي لَو أَقَامُوا بالحجاز، وَإِن هزلت نعمهم، لأَنهم انتقلوا عَنْهَا لِأَنَّهَا ضَاقَتْ عَن مسارحهم فصاروا إِلَى ريف الْعرَاق. [3] القط: مَا قطّ من الكاغد وَالرّق وَنَحْوه. وَقد كَانَت الْكِتَابَة فِي هَذِه الْبِلَاد الَّتِي سَارُوا إِلَيْهَا، فقد قيل لقريش: مِمَّن تعلمتم القط؟ فَقَالُوا: تعلمناه من أهل الْحيرَة وتعلمه أهل الْحيرَة من أهل الأنبار.

(الأسود واعتداؤه على مكة) :

وَمَعَهُ أَبُو رِغَالٍ حَتَّى أَنْزَلَهُ الْمُغَمِّسَ [1] ، فَلَمَّا أَنْزَلَهُ بِهِ مَاتَ أَبُو رِغَالٍ هُنَالِكَ، فَرَجَمَتْ قَبْرَهُ الْعَرَبُ، فَهُوَ الْقَبْرُ الَّذِي يَرْجُمُ النَّاسُ بِالْمُغَمِّسِ. (الْأَسْوَدُ وَاعْتِدَاؤُهُ عَلَى مَكَّةَ) : فَلَمَّا نَزَلَ أَبْرَهَةُ الْمُغَمِّسَ، بَعَثَ رَجُلًا مِنْ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهُ: الْأَسْوَدُ بْنُ مَقْصُودٍ [2] عَلَى خَيْلٍ لَهُ، حَتَّى انْتَهَى إلَى مَكَّةَ، فَسَاقَ إلَيْهِ أَمْوَالَ (أَهْلِ) [3] تِهَامَةَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ، وَأَصَابَ فِيهَا مِائَتَيْ بَعِيرٍ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيِّدُهَا، فَهَمَّتْ قُرَيْشٌ وَكِنَانَةُ وَهُذَيْلٌ، وَمَنْ كَانَ بِذَلِكَ الْحَرَمِ (مِنْ سَائِرِ النَّاسِ) [4] بِقِتَالِهِ. ثُمَّ عَرَفُوا أَنَّهُمْ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِ، فَتَرَكُوا ذَلِكَ. (حُنَاطَةُ وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ) : وَبَعَثَ أَبْرَهَةُ حُنَاطَةَ الْحِمْيَرِيَّ إلَى مَكَّةَ، وَقَالَ لَهُ: سَلْ عَنْ سَيِّدِ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ وَشَرِيفِهَا، ثُمَّ قُلْ (لَهُ) [5] : إنَّ الْمَلِكَ يَقُولُ لَكَ: إنِّي لَمْ آتِ لِحَرْبِكُمْ، إنَّمَا جِئْتُ لِهَدْمِ هَذَا الْبَيْتِ، فَإِنْ لَمْ تَعْرِضُوا دُونَهُ بِحَرْبِ، فَلَا حَاجَةَ لِي بِدِمَائِكُمْ، فَإِنْ هُوَ لَمْ يُرِدْ حَرْبِي فَأْتِنِي بِهِ. فَلَمَّا دَخَلَ حُنَاطَةُ مَكَّةَ، سَأَلَ عَنْ سَيِّدِ قُرَيْشٍ وَشَرِيفِهَا، فَقِيلَ لَهُ: عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمِ (بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ) [6] ، فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ أَبْرَهَةُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: وَاَللَّهِ مَا نُرِيدُ حَرْبَهُ، وَمَا لَنَا بِذَلِكَ مِنْ [7] طَاقَةٍ، هَذَا بَيْتُ اللَّهِ الْحَرَامُ، وَبَيْتُ خَلِيلِهِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَوْ كَمَا قَالَ- فَإِنْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ فَهُوَ بَيْتُهُ وَحَرَمُهُ [8] ، وَإِنْ يُخَلِّ بَينه وَبَينه، فو الله مَا عِنْدَنَا دَفْعٌ

_ [1] المغمس (بِالْكَسْرِ على صِيغَة اسْم الْفَاعِل، وروى بِالْفَتْح على زنة اسْم الْمَفْعُول) : مَوضِع بطرِيق الطَّائِف على ثُلثي فَرسَخ من مَكَّة. [2] كَذَا فِي أهنا وَفِيمَا سَيَأْتِي، والطبري. وَفِي سَائِر الْأُصُول: مفصود (بِالْفَاءِ) . وَهُوَ الْأسود بن مَقْصُود بن الْحَارِث بن مُنَبّه بن مَالك بن كَعْب بن الْحَارِث بن كَعْب بن عَمْرو بن عله (على وزن عمر) ابْن خَالِد بن مذْحج، وَكَانَ النَّجَاشِيّ قد بَعثه مَعَ الفيلة والجيش. وَكَانَت عدَّة الفيلة ثَلَاثَة عشر فيلا، فَهَلَكت كلهَا إِلَّا فيل النَّجَاشِيّ، وَكَانَ يُسمى مَحْمُودًا. [3] زِيَادَة عَن أوالطبري. [4] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ. [5] زِيَادَة عَن أوالطبري. [6] زِيَادَة عَن أوالطبري. [7] كَذَا فِي الطَّبَرِيّ. وَفِي الْأُصُول: «مِنْهُ» . [8] كَذَا فِي الطَّبَرِيّ، وَفِي الْأُصُول «حرمته» .

(ذو نفر وأنيس وتوسطهما لعبد المطلب لدى أبرهة) :

عَنْهُ، فَقَالَ (لَهُ) [1] حُنَاطَةُ: فَانْطَلِقْ مَعِي إلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِكَ. (ذُو نَفْرٍ وَأُنَيْسٌ وَتَوَسُّطُهُمَا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَدَى أَبْرَهَةَ) : فَانْطَلَقَ مَعَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، وَمَعَهُ بَعْضُ بَنِيهِ حَتَّى أَتَى الْعَسْكَرَ، فَسَأَلَ عَنْ ذِي نَفْرٍ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا، حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَحْبِسِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا ذَا نَفْرٍ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ غَنَاءٍ فِيمَا نَزَلَ بِنَا؟ فَقَالَ لَهُ ذُو نَفْرٍ: وَمَا غَنَاءُ رَجُلٍ أَسِيرٍ بِيَدَيْ مَلِكٍ يَنْتَظِرُ أَنْ يَقْتُلَهُ غُدُوًّا أَوْ عَشِيًّا مَا عِنْدَنَا غَنَاءٌ فِي شَيْءٍ مِمَّا نَزَلَ بِكَ إلَّا أَنَّ أُنَيْسًا سَائِسَ الْفِيلِ صَدِيقٌ لِي، وَسَأُرْسِلُ إلَيْهِ فَأُوصِيهِ بِكَ، وَأُعْظِمُ عَلَيْهِ حَقَّكَ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَأْذِنَ لَكَ عَلَى الْمَلِكِ، فَتُكَلِّمُهُ بِمَا بَدَا لَكَ. وَيَشْفَعُ لَكَ عِنْدَهُ بِخَيْرِ إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: حَسْبِي. فَبَعَثَ ذُو نَفْرٍ إلَى أُنَيْسٍ، فَقَالَ لَهُ: إنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ سَيِّدُ قُرَيْشٍ، وَصَاحِبُ عِيرِ [2] مَكَّةَ، يُطْعِمُ النَّاسَ بِالسَّهْلِ، وَالْوُحُوشَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَقَدْ أَصَابَ لَهُ الْمَلِكُ مِائَتَيْ بَعِيرٍ، فَاسْتَأْذِنْ لَهُ عَلَيْهِ، وَانْفَعْهُ عِنْدَهُ بِمَا اسْتَطَعْتَ، فَقَالَ: أَفْعَلُ. فَكَلَّمَ أُنَيْسٌ أَبْرَهَةَ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، هَذَا سَيِّدُ قُرَيْشٍ بِبَابِكَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ، وَهُوَ صَاحِبُ عِيرِ مَكَّةَ، وَهُوَ يُطْعِمُ النَّاسَ فِي السَّهْلِ، وَالْوُحُوشَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، فَأْذَنْ لَهُ عَلَيْكَ، فَيُكَلِّمْكَ [3] فِي حَاجَتِهِ، (وَأَحْسِنْ إلَيْهِ) [4] قَالَ: فَأَذِنَ لَهُ أَبْرَهَةُ. (عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَحُنَاطَةُ وَخُوَيْلِدُ بَيْنَ يَدَيْ أَبْرَهَةَ) : قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَوْسَمَ النَّاسِ وَأَجْمَلَهُمْ وَأَعْظَمَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُ أَبْرَهَةُ أَجَلَّهُ وَأَعْظَمَهُ وَأَكْرَمَهُ عَنْ أَنْ يُجْلِسَهُ تَحْتَهُ، وَكَرِهَ أَنْ تَرَاهُ الْحَبَشَةُ يَجْلِسُ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِ مُلْكِهِ، فَنَزَلَ أَبْرَهَةُ عَنْ سَرِيرِهِ، فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطِهِ، وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَيْهِ إلَى جَنْبِهِ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ: حَاجَتُكَ؟ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ التُّرْجُمَانُ، فَقَالَ: حَاجَتِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ الْمَلِكُ مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَابَهَا لِي، فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ أَبْرَهَةُ لِتَرْجُمَانِهِ:

_ [1] زِيَادَة عَن أوالطبري. [2] كَذَا فِي الطَّبَرِيّ هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي. وَفِي الأَصْل: «عين» . [3] كَذَا فِي أوالطبري. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فليكلمك» . [4] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ. 4- سيرة ابْن هِشَام- 1

(عبد المطلب في الكعبة يستنصر بالله على رد أبرهة) :

قُلْ لَهُ: قَدْ كُنْتَ أَعْجَبْتَنِي حِينَ رَأَيْتُكَ، ثُمَّ قَدْ زَهِدْتُ فِيكَ حِينَ كَلَّمْتنِي، أَتُكَلِّمُنِي فِي مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَبْتُهَا لَكَ، وَتَتْرُكُ بَيْتًا هُوَ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ قد جِئْت لهدمه، لَا تُكَلِّمْنِي فِيهِ! قَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: إنِّي أَنَا رَبُّ الْإِبِلِ، وَإِنَّ لِلْبَيْتِ رَبًّا سَيَمْنَعُهُ، قَالَ: مَا كَانَ لِيَمْتَنِعَ مِنِّي، قَالَ: أَنْتَ وَذَاكَ. وَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَدْ ذَهَبَ مَعَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إلَى أَبْرَهَةَ، حِينَ بَعَثَ إلَيْهِ حُنَاطَةَ، يَعْمُرُ بْنُ نُفَاثَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الدُّئْلِ [1] بْنِ بَكْرِ بْنِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ بَنِي بَكْرٍ، وَخُوَيْلِدُ بْنُ وَاثِلَةَ [2] الْهُذَلِيُّ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ هُذَيْلٍ، فَعَرَضُوا عَلَى أَبْرَهَةَ ثُلُثَ أَمْوَالِ تِهَامَةَ، عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُمْ وَلَا يَهْدِمَ الْبَيْتَ فَأَبَى عَلَيْهِمْ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَكَانَ ذَلِكَ أَمْ لَا. فَرَدَّ أَبْرَهَةُ عَلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْإِبِلَ الَّتِي أَصَابَ لَهُ. (عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي الْكَعْبَةَ يَسْتَنْصِرُ باللَّه عَلَى رَدِّ أَبْرَهَةَ) : فَلَمَّا انْصَرَفُوا عَنْهُ، انْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إلَى قُرَيْشٍ، فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ، وَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ، وَالتَّحَرُّزِ [3] فِي شَعَفِ [4] الْجِبَالِ وَالشِّعَابِ [5] : تَخَوُّفًا عَلَيْهِمْ مِنْ مَعَرَّةِ [6] الْجَيْشِ، ثُمَّ قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ، وَقَامَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَدْعُونَ اللَّهَ، وَيَسْتَنْصِرُونَهُ عَلَى أَبْرَهَةَ وَجُنْدِهِ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ آخِذٌ بِحَلْقَةِ بَاب الْكَعْبَة:

_ [1] كَذَا فِي الطَّبَرِيّ. وَهُوَ بِضَم الدَّال وَكسر الْهمزَة، وَفِي الْأُصُول: «الديل» . وَمَا أَثْبَتْنَاهُ هُوَ الّذي عَلَيْهِ جُمْهُور الْعلمَاء. إِلَّا أَن جمَاعَة من النَّحْوِيين، وَمِنْهُم الْكسَائي، يَقُولُونَ فِيهِ «الديل» . من غير همز، ويكسرون الدَّال. وَالْمَعْرُوف أَن الدئل (بِالْهَمْز) هم الَّذين فِي كنَانَة، وَكَذَلِكَ هم فِي الْهون بن خُزَيْمَة أَيْضا. وَأما الديل (من غير همز) فهم فِي الأزد، وَفِي إياد، وَفِي عبد الْقَيْس، وَفِي تغلب. وَهُنَاكَ غير هذَيْن «الدول» أَيْضا (بِضَم الدَّال وَإِسْكَان الْوَاو) . وَهَؤُلَاء فِي ربيعَة بن نزار، وَفِي عنزة، وَفِي ثَعْلَبَة، وَفِي الربَاب (رَاجع لِسَان الْعَرَب مَادَّة دأل) . [2] كَذَا فِي أوالطبري. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وائلة» بِالْهَمْز. [3] التَّحَرُّز: التمنع، ويروى: «التحوز» ، وَهُوَ أَن ينحاز إِلَى جِهَة ويتمنع. [4] شعف الْجبَال: رءوسها. [5] الشعاب: الْمَوَاضِع الْخفية بَين الْجبَال. [6] معرة الْجَيْش: شدته.

(شعر لعكرمة في الدعاء على الأسود بن مقصود) :

لاهمّ [1] إنَّ الْعَبْدَ يَمْنَعُ ... رَحْلَهُ فَامْنَعْ حِلَالَكْ [2] لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ ... وَمِحَالُهُمْ غَدْوًا [3] مِحَالَكْ [4] (زَادَ الْوَاقِدِيُّ [5] ) : إنْ كنت تاركهم و ... قبلتنا فَأَمْرٌ مَا بَدَا لَكْ [6] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا مَا صَحَّ لَهُ مِنْهَا. (شِعْرٌ لِعِكْرِمَةَ فِي الدُّعَاءِ عَلَى الْأَسْوَدِ بْنِ مَقْصُودٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ ابْن قصىّ: لاهمّ أَخْزِ الْأَسْوَدَ بْنَ مَقْصُودِ ... الْآخِذَ الْهَجْمَةَ [7] فِيهَا التَّقليدْ [8] بَيْنَ حِرَاءَ وثَبِيرٍ [9] فَالْبِيدْ ... يَحْبِسُهَا وَهِيَ أُولَاتُ التَّطْرِيدْ فَضَمَّهَا إلَى طَمَاطِمٍ سُودْ ... أَخْفِرْهُ [10] يَا رَبِّ وَأَنْتَ مَحْمُودْ

_ [1] لاهم: أَصْلهَا اللَّهمّ، وَالْعرب تحذف الْألف وَاللَّام مِنْهَا وتكتفى بِمَا بَقِي، كَمَا تَقول: لاه أَبوك، وَهِي تُرِيدُ للَّه أَبوك، وكما قَالُوا أَيْضا: أجنك تفعل كَذَا وَكَذَا: أَي من أجل أَنَّك تفعل كَذَا وَكَذَا. [2] الْحَلَال (بِالْكَسْرِ) : جمع حلَّة، وَهِي جمَاعَة الْبيُوت، وَيُرِيد هُنَا: الْقَوْم الْحُلُول. والحلال أَيْضا: مَتَاع الْبَيْت، وَجَائِز أَن يكون هَذَا الْمَعْنى الثَّانِي مرَادا هُنَا. [3] غدوا: غَدا، وَهُوَ الْيَوْم الّذي يأتى بعد يَوْمك، فحذفت لامه، وَلم يسْتَعْمل تَاما إِلَّا فِي الشّعْر. [4] الْمحَال: الْقُوَّة والشدة. [5] زِيَادَة عَن أ. [6] وَزَاد السهيليّ فِي الرَّوْض الْأنف: وانصر على آل الصَّلِيب ... وعابديه الْيَوْم آلك وَذكرت بقيتها فِي الطَّبَرِيّ، واجتزأنا مِنْهَا بِمَا ذكر هُنَا، فَارْجِع إِلَيْهَا فِي الْقسم الأول من الطَّبَرِيّ (ص 940- 941 طبع أوربا) . وَقد ذكر لعبد الْمطلب فِي الطَّبَرِيّ قصيدة أُخْرَى غير هَذِه القصيدة. [7] الهجمة: الْقطعَة من الْإِبِل مَا بَين التسعين إِلَى الْمِائَة. وَيُقَال للمائة مِنْهَا: هنيدة، وللمائتين: هِنْد، والثلاثمائة: أُمَامَة، وَمِنْه قَول الشَّاعِر: تبين رويدا مَا أُمَامَة من هِنْد [8] التَّقْلِيد: يُرِيد فِي أعناقها القلائد. [9] حراء وثبير: جبلان. [10] أخفره: أَي انقض عَهده، ويروى بِالْحَاء الْمُهْملَة، أَي اجْعَلْهُ منحفرا، أَي خَائفًا وجلا.

(دخول أبرهة مكة، وما وقع له ولفيله، وشعر نفيل في ذلك) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا مَا صَحَّ لَهُ مِنْهَا، وَالطَّمَاطِمُ: الْأَعْلَاجُ [1] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَرْسَلَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حَلْقَةَ بَابِ الْكَعْبَةِ، وَانْطَلَقَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى شَعَفِ الْجِبَالِ فَتَحَرَّزُوا فِيهَا يَنْتَظِرُونَ مَا أَبْرَهَةُ فَاعِلٌ بِمَكَّةَ إذَا دَخَلَهَا. (دُخُولُ أَبْرَهَةَ مَكَّةَ، وَمَا وَقَعَ لَهُ وَلِفِيلِهِ، وَشِعْرُ نُفَيْلٍ فِي ذَلِكَ) : فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبْرَهَةُ تَهَيَّأَ لِدُخُولِ مَكَّةَ، وَهَيَّأَ فِيلَهُ وَعَبَّى [2] جَيْشَهُ، وَكَانَ اسْمُ الْفِيلِ مَحْمُودًا، وَأَبْرَهَةُ مُجْمِعٌ لِهَدْمِ الْبَيْتِ، ثُمَّ الِانْصِرَافِ إلَى الْيَمَنِ. فَلَمَّا وَجَّهُوا الْفِيلَ إلَى مَكَّةَ، أَقْبَلَ نُفَيْلُ [3] بْنُ حَبِيبٍ (الْخَثْعَمِيُّ [4] ) حَتَّى قَامَ إلَى جَنْبِ الْفِيلِ، ثُمَّ أَخَذَ بِأُذُنِهِ، فَقَالَ: اُبْرُكْ مَحْمُودُ، أَوْ ارْجِعْ رَاشِدًا مِنْ حَيْثُ جِئْتَ، فَإِنَّكَ فِي بَلَدِ اللَّهِ الْحَرَامِ، ثُمَّ أَرْسَلَ أُذُنَهُ. فَبَرَكَ [5] الْفِيلُ، وَخَرَجَ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ يَشْتَدُّ حَتَّى أَصْعَدَ [6] فِي الْجَبَلِ، وَضَرَبُوا الْفِيلَ لِيَقُومَ فَأَبَى، فَضَرَبُوا (فِي) [7] رَأْسِهِ بالطَّبَرْزِينَ [8] لِيَقُومَ فَأَبَى، فَأَدْخَلُوا مَحَاجِنَ [9] لَهُمْ فِي مَرَاقِّهِ [10] فَبَزَغُوهُ بِهَا [11] لِيَقُومَ فَأَبَى، فَوَجَّهُوهُ رَاجِعًا إلَى الْيَمَنِ، فَقَامَ يُهَرْوِلُ، وَوَجَّهُوهُ إلَى الشَّامِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَوَجَّهُوهُ إلَى الْمَشْرِقِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَوَجَّهُوهُ إلَى مَكَّةَ فَبَرَكَ، فَأَرْسَلَ

_ [1] الأعلاج: كفار الْعَجم. [2] يُقَال عبى الْجَيْش (بِغَيْر همز) وعبأت الْمَتَاع (بِالْهَمْز) . وَقد حكى: عبأت الْجَيْش (بِالْهَمْز) وَهُوَ قَلِيل. [3] وَقيل هُوَ نفَيْل بن عبد الله بن جُزْء بن عَامر بن مَالك بن واهب بن جليحة بن أكلب بن ربيعَة بن عفرس بن جلف بن أفتل، وَهُوَ خثعم (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [4] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ. [5] لَعَلَّه يُرِيد فعل فعل البارك، لِأَن الْمَعْرُوف عَن الْفِيل أَنه لَا يبرك. [6] أصعد: علا وَالْأَكْثَر صعد فِي الْجَبَل بتَشْديد الْعين. [7] زِيَادَة عَن أوالطبري. [8] الطبرزين: آلَة معقفة من حَدِيد، وطبر بِالْفَارِسِيَّةِ: مَعْنَاهَا الفأس. [9] المحاجن: جمع محجن، وَهِي عَصا معوجة، وَقد يَجْعَل فِي طرفها حَدِيد. [10] مراقة: يعْنى أَسْفَل بَطْنه. [11] بزغوه: أدموه. وَمِنْه المبزغ، وَهُوَ المشرط للحجام وَنَحْوه.

اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ طَيْرًا مِنْ الْبَحْرِ أَمْثَالَ الْخَطَاطِيفِ وَالْبَلَسَانِ [1] ، مَعَ كُلِّ طَائِرٍ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ يَحْمِلُهَا: حَجَرٌ فِي مِنْقَارِهِ، وَحَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ، أَمْثَالُ الْحِمَّصِ وَالْعَدَسِ، لَا تُصِيبُ مِنْهُمْ أَحَدًا إلَّا هَلَكَ، وَلَيْسَ كُلُّهُمْ أَصَابَتْ. وَخَرَجُوا هَارِبِينَ يَبْتَدِرُونَ الطَّرِيقَ الَّذِي مِنْهُ جَاءُوا، وَيَسْأَلُونَ عَنْ نُفَيْلِ بْنِ حَبِيبٍ لِيَدُلّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ إلَى الْيَمَنِ [2] ، فَقَالَ نُفَيْلٌ حِينَ رَأَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِمْ مِنْ نِقْمَتِهِ: أَيْنَ الْمَفَرُّ وَالْإِلَهُ الطَّالِبُ ... وَالْأَشْرَمُ الْمَغْلُوبُ لَيْسَ الْغَالِبُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ: «لَيْسَ الْغَالِبُ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ نُفَيْلٌ أَيْضًا: أَلَا حُيِّيتَ عَنَّا يَا رُدَيْنَا [3] ... نَعِمْنَاكُمْ [4] مَعَ الْإِصْبَاحِ عَيْنَا (أَتَانَا قَابِسٌ مِنْكُمْ عِشَاءً ... فَلَمْ يُقْدَرْ لِقَابِسِكُمْ لَدَيْنَا) [5] رُدَيْنَةُ لَوْ رَأَيْتِ- وَلَا تَرَيْهِ [6] ... لَدَى جَنْبِ الْمُحَصَّبِ [7] مَا رَأَيْنَا إِذا لَعَذَرْتِنِي وَحَمِدْتِ أَمْرِي [8] ... وَلَمْ تَأْسَيْ عَلَى مَا فَاتَ بَيْنَا [9] حَمِدْتُ اللَّهَ إذْ أَبْصَرْتُ طَيْرًا ... وَخِفْتُ حِجَارَةً تُلْقَى عَلَيْنَا وَكُلُّ الْقَوْمِ يَسْأَلُ عَنْ نُفَيْلٍ ... كَأَنَّ عَلَيَّ لِلْحُبْشَانِ دَيْنَا

_ [1] الخطاطيف: جمع خطَّاف (كرمان) . وَهُوَ طَائِر أسود يُقَال لَهُ «زوار الْهِنْد» ، وَهُوَ الّذي تَدعُوهُ الْعَامَّة عُصْفُور الْجنَّة. والبلسان كَذَا فِي الأَصْل. وَفِي النِّهَايَة لِابْنِ الْأَثِير (مَادَّة بلس) فِي التَّعْلِيق على حَدِيث ابْن عَبَّاس، قَالَ عباد بن مُوسَى: «وأظنها الزرازير» وَقَالَ أَبُو ذَر الخشنيّ فِي شَرحه. والخطاطيف والبلشون ضَرْبَان من الطير. [2] وَكَانَت قصَّة الْفِيل هَذِه أول الْمحرم من سنة ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة من تَارِيخ ذِي القرنين (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [3] ردين: مرخم ردينة، وَهُوَ اسْم امْرَأَة. [4] هَذَا دُعَاء، يُرِيد: أَي نعمنا بكم، فَعدى الْفِعْل لما صرف الْجَار. [5] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ. [6] فِي الطَّبَرِيّ: «وَلم تريه» ، وَفِي مُعْجم الْبلدَانِ فِي الْكَلَام على المغمس: «وَلنْ تريه» . [7] المحصب (بِالضَّمِّ ثمَّ الْفَتْح وصاد مُهْملَة مُشَدّدَة على وزن اسْم الْمَفْعُول) : مَوضِع فِيمَا بَين مَكَّة وَمنى، وَهُوَ إِلَى منى أقرب، وَهُوَ بطحاء مَكَّة (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [8] فِي الطَّبَرِيّ: (رَأْيِي) . [9] بَينا: مصدر بَان يبين، وَهُوَ مُؤَكد لفات.

(ما ذكر في القرآن عن قصة الفيل، وشرح ابن هشام لمفرداته) :

فَخَرَجُوا يَتَسَاقَطُونَ بِكُلِّ طَرِيقٍ، وَيَهْلِكُونَ بِكُلِّ مَهْلِكٍ عَلَى كُلِّ مَنْهَلٍ، وَأُصِيبَ أَبْرَهَةُ فِي جَسَدِهِ، وَخَرَجُوا بِهِ مَعَهُمْ تَسْقُطُ (أَنَامِلُهُ) [1] أُنْمُلَةً أُنْمُلَةً، [2] كُلَّمَا سَقَطَتْ أُنْمُلَةٌ أَتْبَعَتْهَا مِنْهُ مِدَّةٌ تَمُثُّ [3] قَيْحًا وَدَمًا، حَتَّى قَدِمُوا بِهِ صَنْعَاءَ وَهُوَ مِثْلُ فَرْخِ الطَّائِرِ، فَمَا مَاتَ حَتَّى انْصَدَعَ صَدْرُهُ عَنْ قَلْبِهِ، فِيمَا يَزْعُمُونَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ [4] بْنُ عُتْبَةَ أَنَّهُ حُدِّثَ: أَنَّ أَوَّلَ مَا رُئِيَتْ الْحَصْبَةُ وَالْجُدَرِيُّ بِأَرْضِ الْعَرَبِ ذَلِكَ الْعَامَ، وَأَنَّهُ أَوَّلُ مَا رُئِيَ بِهَا مَرَائِرُ [5] الشَّجَرِ الْحَرْمَلِ [6] وَالْحَنْظَلِ وَالْعُشَرِ [7] ذَلِكَ الْعَامَ. (مَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ عَنْ قِصَّةِ الْفِيلِ، وَشَرْحُ ابْنِ هِشَامٍ لِمُفْرَدَاتِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ مِمَّا يَعُدُّ اللَّهُ عَلَى قُرَيْشٍ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ وَفَضْلِهِ، مَا رَدَّ عَنْهُمْ مِنْ أَمْرِ الْحَبَشَةِ لِبَقَاءِ أَمْرِهِمْ وَمُدَّتِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ. أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ. وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ [8] . تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ. فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ 105: 1- 5. وَقَالَ:

_ [1] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ. [2] أَي ينتثر جِسْمه. والأنملة: طرف الْأصْبع، وَتطلق على غَيره، كالجزء الصَّغِير من الشَّيْء. [3] مث يمث: رشح. [4] هُوَ يَعْقُوب بن عتبَة بن الْمُغيرَة بن الْأَخْنَس بن شريق الثَّقَفِيّ الْمدنِي، حَلِيف بنى زهرَة، رأى السَّائِب بن يزِيد، وروى عَن أبان بن عُثْمَان وَجَمَاعَة، وَعنهُ، غير ابْن إِسْحَاق، عبد الْعَزِيز بن الْمَاجشون وَجَمَاعَة. وَكَانَ فَقِيها لَهُ أَحَادِيث كَثِيرَة وَعلم بالسيرة. وَكَانَ ورعا مُسلما يسْتَعْمل على الصَّدقَات ويستعين بِهِ الْوُلَاة. وَتوفى سنة 128 هـ. (عَن تراجم رجال روى عَنْهُم ابْن إِسْحَاق) . [5] يُقَال: شَجَرَة مرّة، وَيجمع على مرائر على غير قِيَاس، كَمَا جمعُوا حرَّة على حرائر. [6] الحرمل: نَوْعَانِ، نوع ورقه كورق الْخلاف، ونوره كنور الياسمين. وَنَوع سنفته طوال مُدَوَّرَة. (السنفة: أوعية الثَّمر) . والحرمل: لَا يَأْكُلهُ شَيْء إِلَّا المعزى، وَقد تطبخ عروقه فيسقاها المحموم إِذا ماطلته الْحمى، وَفِي امْتنَاع الحرمل عَن الْأكلَة قَالَ طرفَة وذم قوما: هم حرمل أعيا على كل آكل ... مبيتا وَلَو أَمْسَى سوامهم دثرا (رَاجع اللِّسَان والمفردات) . [7] الْعشْر (كصرد) : شجر مر لَهُ صمغ وَلبن، وتعالج بلبنه الْجُلُود قبل الدباغة. [8] الأبابيل: الْجَمَاعَات.

لِإِيلافِ قُرَيْشٍ. إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ. فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ. الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ 106: 1- 4. أَيْ لِئَلَّا يُغَيِّرَ شَيْئًا مِنْ حَالِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، لِمَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ مِنْ الْخَيْرِ لَوْ قَبِلُوهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَبَابِيلُ: الْجَمَاعَاتُ، وَلَمْ تَتَكَلَّمْ لَهَا الْعَرَبُ بِوَاحِدِ [1] عَلِمْنَاهُ. وَأَمَّا السِّجِّيلُ، فَأَخْبَرَنِي يُونُسُ النَّحْوِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّهُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الشَّدِيدُ الصُّلْبُ قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ: وَمَسَّهُمْ مَا مَسَّ أَصْحَابَ الْفِيلْ ... تَرْمِيهِمْ حِجَارَةٌ مِنْ سِجِّيلْ وَلَعِبَتْ طَيْرٌ بِهِمْ أَبَابِيلْ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُمَا كَلِمَتَانِ بِالْفَارِسِيَّةِ، جَعَلَتْهُمَا الْعَرَبُ كَلِمَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا هُوَ سَنْجٌ وَجَلٌّ، يَعْنِي بِالسَّنْجِ: الْحَجَرَ، وَالْجَلُّ: الطِّينَ. يَعْنِي [2] : الْحِجَارَةُ مِنْ هَذَيْنِ الْجِنْسَيْنِ: الْحَجَرِ وَالطِّينِ. وَالْعَصْفُ: وَرَقُ الزَّرْعِ الَّذِي لَمْ يُقَصَّبْ، وَوَاحِدَتُهُ عَصْفَةٌ. قَالَ [3] : وَأَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النَّحْوِيُّ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: الْعُصَافَةُ وَالْعَصِيفَةُ. وَأَنْشَدَنِي لِعَلْقَمَةَ بْنِ عَبَدَةَ أَحَدِ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ: تَسْقَى مَذَانِبَ [4] قَدْ مَالَتْ عَصِيفَتُهَا ... حَدُورُهَا [5] مَنْ أَتَّى [6] الْمَاءَ مَطْمُومُ [7] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ الرَّاجِزُ: فَصُيِّرُوا مِثْلَ كَعَصْفِ مَأْكُولِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلِهَذَا الْبَيْتِ تَفْسِيرٌ فِي النَّحْوِ [8] .

_ [1] وَقيل: إِن وَاحِدهَا أبيل وأبول وإبالة. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «يَقُول» . [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «حَدثنَا ابْن هِشَام قَالَ وأخبرنى ... إِلَخ» ، [4] المذانب: جمع مذنب، وَهُوَ مسيل المَاء إِلَى الرَّوْضَة. [5] حدورها (بِالْحَاء الْمُهْملَة) ، أَي مَا انحدر مِنْهَا. ويروى جدروها: جمع جدر، وَهِي الحواجز الَّتِي تحبس المَاء، وَفِي الحَدِيث: «وَأمْسك المَاء حَتَّى يبلغ الْجدر ثمَّ أرْسلهُ» . [6] الأتى: السَّيْل يأتى من بلد بعيد. [7] مطموم: مُرْتَفع، مَأْخُوذ من قَوْلهم: طم المَاء: إِذا ارْتَفع وَعلا. [8] الْكَلَام فِيهِ على وُرُود الْكَاف حرف جر واسما بِمَعْنى مثل، وَهِي هُنَا حرف وَلكنهَا مقحمة لتأكيد

وَإِيلَافُ قُرَيْشٍ: إيلَافُهُمْ الْخُرُوجَ إلَى الشَّامِ فِي تِجَارَتِهِمْ، وَكَانَتْ لَهُمْ خَرْجَتَانِ: خَرْجَةٌ فِي الشِّتَاءِ، وَخَرْجَةٌ فِي الصَّيْفِ. أَخْبَرَنِي [1] أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: أَلِفْتُ الشَّيْءَ إلْفًا، وَآلَفْتُهُ إيلَافًا، فِي مَعْنًى وَاحِدٍ. وَأَنْشَدَنِي لِذِي الرُّمَّةِ: مِنْ الْمُؤْلِفَاتِ الرُّمْلَ أَدْمَاءُ حرَّة [2] ... شُعَاع الضُّحَى فِي لَوْنِهَا يَتَوَضَّحُ [3] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ مَطْرُودُ بْنُ كَعْبٍ الْخُزَاعِيُّ: الْمُنْعِمِينَ إذَا النُّجُومُ تَغَيَّرَتْ [4] ... وَالظَّاعِنِينَ لِرِحْلَةِ الْإِيلَافِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْإِيلَافُ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ لِلْإِنْسَانِ أَلْفٌ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ الْبَقَرِ، أَوْ الْغَنَمِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. يُقَالُ: آلَفَ فُلَانٌ إيلَافًا. قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ، أَحَدُ بَنِي أَسْدِ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ ابْن مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ: بِعَامٍ يَقُولُ لَهُ الْمُؤْلِفُونَ ... هَذَا الْمُعِيمُ لَنَا الْمُرْجِلُ [5] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالْإِيلَافُ أَيْضًا: أَنْ يَصِيرَ الْقَوْمُ أَلْفًا، يُقَالُ آلَفَ الْقَوْمُ إيلَافًا. قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ: وَآلُ مُزَيقياء غَدَاةَ لَاقَوْا ... بَنِي سَعْدِ بْنِ ضَبَّةَ مُؤْلِفِينَا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالْإِيلَافُ أَيْضًا: أَنْ تُؤَلِّفَ الشَّيْءَ إلَى الشَّيْءِ فَيَأْلَفُهُ وَيَلْزَمُهُ، يُقَالُ: آلَفْتُهُ إيَّاهُ إيلَافًا. وَالْإِيلَافُ أَيْضًا: أَنْ تَصِيرَ مَا دُونَ الْأَلْفِ أَلْفًا، يُقَالُ: آلَفْتُهُ إيلَافًا.

_ [ () ] التَّشْبِيه، كَمَا أقحموا اللَّام من قَوْلهم: يَا بؤس للحرب، وَلَا يجوز أَن يقحم حرف من حُرُوف الْجَرّ سوى اللَّام وَالْكَاف. أما اللَّام فَلِأَنَّهَا تُعْطى بِنَفسِهَا معنى الْإِضَافَة، فَلم تغير مَعْنَاهَا، وَكَذَلِكَ الْكَاف تُعْطى معنى التَّشْبِيه، فأقحمت لتأكيد معنى الْمُمَاثلَة. [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: أخبرنَا ابْن هِشَام قَالَ أخبرنى ... إِلَخ. [2] الأدماء من الظباء: السمراء الظّهْر الْبَيْضَاء الْبَطن. [3] شُعَاع الضُّحَى: بريق لَونه. ويتوضح: يتَبَيَّن. [4] تَغَيَّرت: استحالت عَن عَادَتهَا من الْمَطَر، على مَذْهَب الْعَرَب فِي النُّجُوم. ويروى: «تغبرت» بِالْبَاء الْمُوَحدَة: أَي قل مطرها، من الغبر، وَهُوَ الْبَقِيَّة. [5] المعيم: من العيمة، وَهِي الشوق إِلَى اللَّبن. والمرجل: الّذي تذْهب إبِله فَيَمْشِي على أرجله. يُرِيد تِلْكَ السّنة تجْعَل صَاحب الْألف من اللَّبن يعام إِلَى اللَّبن، وَيسْعَى مَاشِيا. ويروى: «المرحل» بِالْحَاء الْمُهْملَة: أَي الّذي يرحلهم عَن بِلَادهمْ لطلب الخصب.

(ما أصاب قائد الفيل وسائسه) :

(مَا أَصَابَ قَائِدَ الْفِيلِ وَسَائِسَهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَن عمْرَة [1] بنت عَبْدِ الرَّحْمَنِ، بْنِ سَعْدِ [2] بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُ قَائِدَ الْفِيلِ وَسَائِسَهُ بِمَكَّةَ أَعْمَيَيْنِ مُقْعَدَيْنِ يَسْتَطْعِمَانِ النَّاسَ. مَا قِيلَ فِي صِفَةِ الْفِيلِ مِنْ الشِّعْرِ (إعْظَامُ الْعَرَبِ قُرَيْشًا بَعْدَ حَادِثَةِ الْفِيلِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ الْحَبَشَةَ عَنْ مَكَّةَ، وَأَصَابَهُمْ بِمَا أَصَابَهُمْ بِهِ مِنْ النِّقْمَةِ، أَعْظَمَتْ الْعَرَبُ قُرَيْشًا، وَقَالُوا: هُمْ أَهْلُ اللَّهِ، قَاتَلَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَكَفَاهُمْ مَئُونَةَ عَدُوِّهِمْ. فَقَالُوا فِي ذَلِكَ أَشْعَارًا يَذْكُرُونَ فِيهَا مَا صَنَعَ اللَّهُ بِالْحَبَشَةِ، وَمَا رَدَّ عَنْ قُرَيْشٍ مِنْ كَيْدِهِمْ. (شِعْرُ ابْنِ الزِّبَعْرَى فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ) : فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى بْنِ عَدِيِّ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ [3] بْنِ سَهْمِ ابْن عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ: تَنَّكَّلُوا [4] عَنْ بَطْنِ مَكَّةَ إنَّهَا ... كَانَتْ قَدِيمًا لَا يُرَامُ حَرِيمُهَا لَمْ تَخْلُقْ الشِّعْرَى لَيَالِيَ حُرِّمَتْ ... إذْ لَا عَزِيزَ مِنْ الْأَنَامِ يَرُومُهَا [5] سَائِلْ أَمِيرَ الْجَيْشِ عَنْهَا مَا رَأَى ... وَلَسَوْفَ يُنْبِي الْجَاهِلِينَ عَلِيمُهَا

_ [1] هِيَ عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة الْأَنْصَارِيَّة المدنية الفقيهة. كَانَت فِي حجر عَائِشَة فَحفِظت عَنْهَا الْكثير، وَقد رَوَت عَن غير عَائِشَة، وروى عَنْهَا حفيداها حَارِثَة وَمَالك ابْنا أَبى الرِّجَال وَغَيرهمَا. وَكَانَت حجَّة. توفيت سنة 98 هـ، وَقيل سنة 106 عَن سبع وَسبعين سنة. [2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول، وتراجم رجال طبع أوربا. وَفِي أ، وَإِحْدَى الرِّوَايَات فِي الطَّبَرِيّ: «أسعد» [3] فِي م، ر: «عدي بن سعيد بن سهم» ، وَفِي أ: «عدي بن سعد بن سعيد بن سهم» وَكِلَاهُمَا محرف عَمَّا أَثْبَتْنَاهُ (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [4] ويروى: «تنكبوا» . وعَلى الرِّوَايَتَيْنِ فَفِي الْبَيْت وقص. [5] الشعرى: اسْم النَّجْم، وهما شعريان، إِحْدَاهمَا الغميصاء، وَهِي الَّتِي فِي ذِرَاع الْأسد، وَالْأُخْرَى الَّتِي تتبع الجوزاء، وَهِي أَضْوَأ من الضياء.

(شعر ابن الأسلت في وقعة الفيل) :

سِتُّونَ ألفا لم يثوبوا أَرْضَهُمْ [1] ... وَلَمْ [2] يَعِشْ بَعْدَ الْإِيَابِ سَقِيمُهَا كَانَتْ [3] بِهَا عَادٌ وَجُرْهُمُ قَبْلَهُمْ ... وَاَللَّهُ مِنْ فَوْقِ الْعِبَادِ يُقِيمُهَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: يَعْنِي ابْنُ الزِّبَعْرَى بِقَوْلِهِ: ... بَعْدَ الْإِيَابِ سَقِيمُهَا أَبْرَهَةَ، إذْ حَمَلُوهُ مَعَهُمْ حِينَ أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ، حَتَّى مَاتَ بِصَنْعَاءَ. (شِعْرُ ابْنِ الْأَسْلَتِ فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ) : وَقَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ الْخَطْمِيُّ، وَاسْمُهُ صَيْفِيٌّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ أَبُو قَيْسٍ: صَيْفِيُّ بْنُ الْأَسْلَتِ بْنِ جُشَمَ بْنِ وَائِلِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قَيْسِ ابْن عَامِرَةَ [4] ابْن مُرَّةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ: وَمِنْ صُنْعِهِ يَوْم فيل الحبوش ... إذْ كُلَّمَا بَعَثُوهُ رَزَمْ [5] مَحَاجِنُهُمْ تَحْتَ أَقْرَابِهِ ... وَقَدْ شَرَّمُوا أَنْفَهُ فَانْخَرَمْ [6] وَقَدْ جَعَلُوا سَوْطَهُ مِغْوَلًا ... إذَا يَمَّمُوهُ قَفَاهُ كُلِمْ [7] فَوَلَّى وَأَدْبَرَ أَدْرَاجَهُ ... وَقَدْ بَاءَ بِالظُّلْمِ مَنْ كَانَ ثَمَّ فَأَرْسَلَ مِنْ فَوْقِهِمْ حَاصِبًا ... فَلَفَّهُمْ مِثْلَ لَفِّ الْقُزُمْ [8] تَحُضُّ عَلَى الصَّبْرِ أَحْبَارُهُمْ ... وَقَدْ ثَأَجُوا كَثُؤَاجِ الغَنَمْ [9] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.

_ [1] لم يئوبوا: لم يرجِعوا، وَكَانَ الْوَجْه أَن يَقُول: «إِلَى أَرضهم» فَحذف حرف الْجَرّ وَوصل الْفِعْل. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي م، ر «بل لم ... إِلَخ» ، وَقد نبه السهيليّ على أَن «بل» زِيَادَة زَادهَا بَعضهم مِمَّن ظن خطأ أَن الْبَيْت مكسور. وَالْوَاقِع أَن فِي هَذَا الشّطْر وقصا كَمَا مر فِي الْبَيْت الأول. [3] ويروى: «دَانَتْ» . [4] كَذَا فِي شرح السِّيرَة لأبى ذَر، وَفِي الْأُصُول: «عَامر» وَهُوَ تَحْرِيف. [5] رزم: ثَبت بمكانه فَلم يبرحه، وَأكْثر مَا يكون ذَلِك من الإعياء. [6] المحاجن: جمع محجن، وَهِي عَصا معوجة. والأقراب: جمع قرب، وَهُوَ الخصر، وشرموا: شَقوا [7] المغول: سكين كَبِيرَة دون المشمل (سيف صَغِير) . ويروى: معولا (بِالْعينِ الْمُهْملَة) : وَهِي الفأس. وكلم: جرح. [8] القزم: جمع قزم، وَهُوَ الصَّغِير الجثة. [9] ثأج: صَاح.

(شعر طالب في وقعة الفيل) :

وَالْقَصِيدَةُ أَيْضًا تُرْوَى لِأُمَيَّةِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ: فَقُومُوا فَصَلُّوا رَبَّكُمْ وَتَمَسَّحُوا ... بِأَرْكَانِ هَذَا الْبَيْتِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ [1] فَعِنْدَكُمْ مِنْهُ بَلَاءٌ مُصَدَّقٌ ... غَدَاةَ أَبِي يَكسومَ هَادِي الْكَتَائِبِ كَتِيبَتُهُ بِالسَّهْلِ تُمْسِي [2] وَرَجْلُهُ ... عَلَى الْقَاذِفَاتِ فِي رُءُوسِ الْمَنَاقِبِ [3] فَلَمَّا أَتَاكُمْ نَصْرُ ذِي الْعَرْشِ رَدَّهُمْ ... جُنُودُ الْمَلِيكِ بَيْنَ سَافٍ وَحَاصِبِ [4] فَوَلَّوْا سِرَاعًا هَارِبِينَ وَلَمْ يَؤُبْ ... إلَى أَهْلِهِ مِلْحَبْشِ [5] غَيْرُ عَصَائِبِ [6] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَوْلَهُ: عَلَى الْقَاذِفَاتِ فِي رُءُوسِ الْمَنَاقِبِ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لِأَبِي قَيْسٍ، سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَوْلُهُ: «غَدَاةَ أَبِي يَكْسُومَ-: يَعْنِي أَبْرَهَةَ، كَانَ يُكَنَّى أَبَا يَكْسُومَ. (شِعْرُ طَالِبٍ فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ طَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبِ [7] بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ [8] ... وَجَيْشِ أَبِي يَكْسُومَ إذْ مَلَئُوا الشِّعْبَا [9] فَلَوْلَا دِفَاعُ اللَّهِ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... لَأَصْبَحْتُمْ لَا تَمْنَعُونَ لَكُمْ سِرْبَا [10]

_ [1] صلوا ربكُم: أَي ادعوا ربكُم. والأخاشب: جبال مَكَّة وجبال منى. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي م، ر: «تمشى» . [3] القاذفات: أعالى الْجبَال الْبَعِيدَة. والمناقب: جمع منقبة، وَهِي الطَّرِيق فِي رَأس الْجَبَل. [4] السافي (هُنَا) : الّذي غطاه التُّرَاب. والحاصب: الّذي أَصَابَته الْحِجَارَة، وهما على معنى النّسَب، وَقد يكون المُرَاد مِنْهُمَا اسْم الْفَاعِل الْجَارِي على الْفِعْل حَقِيقَة. [5] كَذَا فِي م، ر. يُرِيد من الْحَبَش. وَفِي أ: «ملجيش» . [6] العصائب: الْجَمَاعَات. [7] ويذكرون أَن طَالبا هَذَا كَانَ أسن من جَعْفَر بِعشْرَة أَعْوَام، كَمَا كَانَ جَعْفَر أسن من على رضى الله عَنهُ بِمثل ذَلِك، وَيُقَال إِن الْجِنّ اختطفت طَالبا، وَلم يعرف عَنهُ أَنه أسلم. [8] داحس: اسْم فرس مَشْهُور، وَكَانَت حَرْب بِسَبَبِهِ. [9] الشّعب: الطَّرِيق فِي الْجَبَل. [10] السرب (بِفَتْح السِّين) : المَال الرَّاعِي، والسرب (بِكَسْر السِّين) : النَّفس، أَو يُقَال الْقَوْم، وَمِنْه: أصبح آمنا فِي سربه، أَي فِي نَفسه، أَو فِي قومه.

(شعر أبى الصلت في وقعة الفيل) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي يَوْمِ بَدْرٍ، سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (شِعْرُ أَبِي الصَّلْتِ فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو الصَّلْتِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الثَّقَفِيُّ فِي شَأْنِ الْفِيلِ، وَيَذْكُرُ الْحَنِيفِيَّةَ دِينَ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تُرْوَى لِأُمَيَّةِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الثَّقَفِيِّ: إنَّ آيَاتِ رَبِّنَا ثَاقِبَاتُ [1] ... لَا يُمَارِي فِيهِنَّ إلَّا الْكَفُورُ خُلِقَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فَكُلٌّ ... مُسْتَبِينٌ حِسَابُهُ مَقْدُورُ ثُمَّ يَجْلُو النَّهَارَ رَبٌّ رَحِيمٌ ... بِمَهَاةِ شَعَاعُهَا مَبْشُورُ [2] حُبِسَ الْفِيلُ بِالْمُغَمِّسِ حَتَّى ... ظَلَّ يَحْبُو كَأَنَّهُ مَعْقُورُ لَازِمًا حَلْقَةَ الْجِرَانِ كَمَا قُطِّرَ ... مِنْ صَخْرٍ كَبْكَبٍ مَحْدُورُ [3] حَوْلَهُ مِنْ مُلُوكِ كِنْدَةَ أَبْطَالٌ ... مَلَاوِيثُ [4] فِي الْحُرُوبِ صُقُورُ خَلَّفُوهُ ثُمَّ ابذعَرُّوا [5] جَمِيعًا ... كُلُّهُمْ عَظْمُ سَاقُهُ مَكسْورُ كُلُّ دِينٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ... إلَّا دِينَ [6] الْحَنِيفَةِ بُورُ [7] (شِعْرُ الْفَرَزْدَقِ فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ- وَاسْمُهُ هَمَّامُ بْنُ غَالِبٍ أَحَدُ بَنِي مُجَاشِعِ بْنِ دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ- يَمْدَحُ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ ابْن مَرْوَانَ، وَيَهْجُو الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ، وَيَذْكُرُ الْفِيلَ وَجَيْشَهُ:

_ [1] فِي أ: «باقيات» . [2] المهاة: الشَّمْس، سميت بذلك لصفائها، والمها من الْأَجْسَام: الّذي يرى بَاطِنه من ظَاهره. [3] كَذَا فِي أ. والجران: الصَّدْر. وقطر، أَي رمى بِهِ على جَانِبه. والقطر: الْجَانِب. وكبكب: اسْم جبل. والمحدور: الْحجر الّذي حدر حَتَّى بلغ الأَرْض. يشبه الْفِيل ببروكه ووقوعه إِلَى الأَرْض بِهَذَا الْحجر الّذي يتحدر من جبل كبكب، وَفِي ... : « ... ... مجدور» بِالْجِيم. [4] ملاويث: أشداء. [5] ابذعروا: تفَرقُوا. [6] يُرِيد بالحنيفة: الْأمة الحنيفة: أَي الْمسلمَة الَّتِي على دين إِبْرَاهِيم الحنيف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَنه حنف عَمَّا كَانَ يبعد آباؤه وَقَومه: أَي عدل. [7] كَذَا فِي م، ر. وَفِي أ: «زور» .

(شعر ابن الرقيات في وقعة الفيل) :

فَلَمَّا طَغَى الْحَجَّاجُ حِينَ طَغَى بِهِ ... غِنَى [1] قَالَ إنِّي مُرْتَقٍ فِي السَّلَالِمِ فَكَانَ كَمَا قَالَ ابْنُ نُوحٍ سَأَرْتَقِي ... إلَى جَبَلٍ مِنْ خَشْيَةِ الْمَاءِ عَاصِمِ رَمَى اللَّهُ فِي جُثْمَانِهِ مِثْلَ مَا رَمَى ... عَنْ الْقِبْلَةِ الْبَيْضَاءِ [2] ذَاتِ الْمَحَارِمِ جُنُودًا تَسُوقُ الْفِيلَ حَتَّى أَعَادَهُمْ ... هَبَاءً وَكَانُوا مُطْرَخِمي الطَّرَاخِمِ [3] نُصِرْتَ كَنَصْرِ الْبَيْتِ إذْ سَاقَ فِيلَهُ ... إلَيْهِ عَظِيمُ الْمُشْرِكِينَ الْأَعَاجِمِ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ : (شِعْرُ ابْنِ الرُّقَيَّاتِ فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ الرُّقَيَّاتُ: أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ يَذْكُرُ أَبْرَهَةَ- وَهُوَ الْأَشْرَمُ- وَالْفِيلَ: كَادَهُ الْأَشْرَمُ الَّذِي جَاءَ بِالْفِيلِ ... فَوَلَّى وَجَيْشُهُ مَهْزُومُ وَاسْتَهَلَّتْ عَلَيْهِمْ الطَّيْرُ بِالْجَنْدَلِ ... حَتَّى كأنّه مرجوم [4] ذَاكَ مَنْ يَغْزُهُ مِنْ النَّاسِ يَرْجِعْ ... وَهُوَ فَلٌّ [5] مِنْ الْجُيُوشِ ذَمِيمُ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. (مُلْكُ يَكْسُومَ ثُمَّ مَسْرُوقٍ عَلَى الْيَمَنِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا هَلَكَ أَبْرَهَةُ، مَلَّكَ الْحَبَشَةَ ابْنَهُ يَكْسُومَ بْنَ أَبْرَهَةَ، وَبِهِ

_ [1] كَذَا فِي أ، وَهُوَ من الْغناء، بِمَعْنى الِاسْتِغْنَاء، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عَنَّا» . بِالْعينِ الْمُهْملَة. وَهُوَ تَصْحِيف. [2] الْقبْلَة الْبَيْضَاء: يُرِيد الْكَعْبَة. [3] الهباء: مَا يظْهر فِي شُعَاع الشَّمْس إِذا دخلت من مَوضِع ضيق. والمطرخم: الممتلئ كبرا وغضبا. والطراخم: جمع مطرخم، وَهُوَ المتكبر. [4] قَالَ السهيليّ فِي التَّعْلِيق على هَذَا الْبَيْت: «وَقَوله: حَتَّى كَأَنَّهُ مرجوم» وَهُوَ قد رجم، فَكيف شبهه بالمرجوم، وَهُوَ مرجوم بِالْحِجَارَةِ، وَهل يجوز أَن يُقَال فِي مقتول كَأَنَّهُ مقتول؟ فَنَقُول: لما ذكر استهلال الطير، وَجعلهَا كالسحاب يستهل بالمطر، والمطر لَيْسَ برجم، وَإِنَّمَا الرَّجْم بالأكف وَنَحْوهَا. شبهه بالمرجوم الّذي يَرْجُمهُ الآدميون أَو من يعقل ويتعمد الرَّجْم من عَدو وَنَحْوه، فَعِنْدَ ذَلِك يكون الْمَقْتُول بِالْحِجَارَةِ مرجوما على الْحَقِيقَة، وَلما لم يكن جَيش الْحَبَشَة كَذَلِك، وَإِنَّمَا أمطروا حِجَارَة، فَمن ثمَّ قَالَ: «كَأَنَّهُ مرجوم» . [5] الفل: الْجَيْش المنهزم.

خروج سيف بن ذي يزن وملك وهرز على اليمن

كَانَ يُكَنَّى، فَلَمَّا هَلَكَ يَكْسُومُ بْنُ أَبْرَهَةَ، مَلَكَ الْيَمَنَ فِي الْحَبَشَةِ أَخُوهُ مَسْرُوقُ ابْن أَبْرَهَةَ. خُرُوجُ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ وَمُلْكُ وَهْرِزَ عَلَى الْيَمَنِ (ابْنُ ذِي يَزَنَ عِنْدَ قَيْصَرَ) : فَلَمَّا طَالَ الْبَلَاءُ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ، خَرَجَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ الْحِمْيَرِيُّ، وَكَانَ يُكَنَّى بِأَبِي مُرَّةَ، حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ، فَشَكَا إلَيْهِ مَا هُمْ فِيهِ، وَسَأَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهُمْ عَنْهُ وَيَلِيَهُمْ هُوَ، وَيَبْعَثَ إلَيْهِمْ مَنْ شَاءَ مِنْ الرُّومِ، فَيَكُونُ لَهُ مُلْكُ الْيَمَنِ فَلَمْ يُشْكِهِ (وَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ شَيْئًا مِمَّا يُرِيدُ) [1] . (تَوَسُّطُ النُّعْمَانِ لِابْنِ ذِي يَزَنَ لَدَى كِسْرَى) : فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ عَامِلُ كِسْرَى [2] عَلَى الْحِيرَةِ، وَمَا يَلِيهَا مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ، فَشَكَا إلَيْهِ أَمْرَ الْحَبَشَةِ، فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ: إنَّ لِي عَلَى كِسْرَى وِفَادَةً فِي كُلِّ عَامٍ، فَأَقِمْ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ. فَفَعَلَ، ثُمَّ خَرَجَ مَعَهُ، فَأَدْخَلَهُ عَلَى كِسْرَى. وَكَانَ كِسْرَى يَجْلِسُ فِي إيوَانِ مَجْلِسِهِ الَّذِي فِيهِ تَاجُهُ، وَكَانَ تَاجُهُ مِثْلَ القَنْقَلِ [3] الْعَظِيمِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- يُضْرَبُ فِيهِ الْيَاقُوتُ وَاللُّؤْلُؤُ وَالزَّبَرْجَدُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، مُعَلَّقًا بِسَلْسَلَةِ مِنْ ذَهَبٍ فِي رَأْسِ طَاقَةٍ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ، وَكَانَتْ عُنُقُهُ لَا تَحْمِلُ تَاجَهُ، إنَّمَا يُسْتَرُ بِالثِّيَابِ حَتَّى يَجْلِسَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ يُدْخِلُ رَأْسَهُ فِي تَاجِهِ، فَإِذَا اسْتَوَى فِي مَجْلِسِهِ كُشِفَتْ عَنْهُ الثِّيَابُ، فَلَا يَرَاهُ رَجُلٌ لَمْ يَرَهُ قَبْلَ

_ [1] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ. [2] هُوَ أنوشروان. وَمَعْنَاهُ مُجَدد الْملك، لِأَنَّهُ جمع ملك فَارس الْكَبِير بعد شتات. [3] القنقل: الْمِكْيَال، وَقيل هُوَ مكيال يسع ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ منا. (الْمَنّ: وزان رطلين تَقْرِيبًا) . وَهَذَا التَّاج قد أَتَى بِهِ عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ حِين اسْتَلَبَ من يزدجرد بن شهريار- وَقد صَار إِلَيْهِ من قبل جده أنوشروان الْمَذْكُور- فَلَمَّا أَتَى بِهِ عمر رضى الله عَنهُ دَعَا سراقَة بن مَالك المدلجي، فحلاه بأسورة كسْرَى، وَجعل التَّاج على رَأسه، وَقَالَ لَهُ: قل الْحَمد للَّه نزع تَاج كسْرَى من ملك الْأَمْلَاك رَأسه، وَوَضعه على رَأس أعرابى من بنى مُدْلِج، وَذَلِكَ بعز الْإِسْلَام وبركته لَا بقوتنا، وَإِنَّمَا خص عمر سراقَة بِهَذَا لِأَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَالَ لَهُ: يَا سراقَة، كَيفَ بك إِذا وضع تَاج كسْرَى على رَأسك وسواره فِي يَديك؟

(ابن ذي يزن بين يدي كسرى، ومعاونة كسرى له) :

ذَلِكَ، إلَّا بَرَكَ هَيْبَةً لَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ بَرَكَ. (ابْنُ ذِي يَزَنَ بَيْنَ يَدَيْ كِسْرَى، وَمُعَاوَنَةُ كِسْرَى لَهُ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَّ سَيْفًا لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَقَالَ الْمَلِكُ: إنَّ هَذَا الْأَحْمَقَ يَدْخُلُ عَلَيَّ مِنْ هَذَا الْبَابِ الطَّوِيلِ، ثُمَّ يُطَأْطِئُ رَأسه؟ فَقَالَ ذَلِكَ لِسَيْفِ، فَقَالَ: إنَّمَا فَعَلْتُ هَذَا لِهَمِّي، لِأَنَّهُ يَضِيقُ عَنْهُ كُلُّ شَيْءٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، غَلَبَتْنَا عَلَى بِلَادِنَا الْأَغْرِبَةُ، فَقَالَ لَهُ كِسْرَى: أَيُّ الْأَغْرِبَةِ: الْحَبَشَةُ أَمْ السِّنْدُ فَقَالَ: بَلْ الْحَبَشَةُ، فَجِئْتُكَ لِتَنْصُرَنِي، وَيَكُونُ مُلْكُ بِلَادِي لَكَ، قَالَ: بَعُدَتْ بِلَادُكَ مَعَ قِلَّةِ خَيْرِهَا، فَلَمْ أَكُنْ لِأُوَرِّطَ [1] جَيْشًا مِنْ فَارِسَ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ، ثُمَّ أَجَازَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ [2] وَافٍ، وَكَسَاهُ كُسْوَةً حَسَنَةً. فَلَمَّا قَبَضَ ذَلِكَ مِنْهُ سَيْفٌ خَرَجَ، فَجَعَلَ يَنْثُرُ ذَلِكَ الْوَرِقَ لِلنَّاسِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَلِكَ، فَقَالَ: إنَّ لِهَذَا لَشَأْنًا، ثُمَّ بَعَثَ إلَيْهِ، فَقَالَ: عَمَدْتَ إلَى حِبَاءِ الْمَلِكِ تَنْثُرُهُ لِلنَّاسِ، فَقَالَ: وَمَا أَصْنَعُ بِهَذَا مَا جِبَالُ أَرْضِي الَّتِي جِئْتُ مِنْهَا [3] إلَّا ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ: يُرَغِّبُهُ فِيهَا. فَجَمَعَ كِسْرَى مَرَازِبَتَهُ [4] ، فَقَالَ لَهُمْ: مَاذَا تَرَوْنَ فِي أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ، وَمَا جَاءَ لَهُ؟ فَقَالَ قَائِلٌ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إنَّ فِي سُجُونِكَ رِجَالًا قَدْ حَبَسْتَهُمْ لِلْقَتْلِ، فَلَوْ أَنَّكَ بَعَثْتَهُمْ مَعَهُ، فَإِنْ يَهْلِكُوا كَانَ ذَلِكَ الَّذِي أَرَدْتَ بِهِمْ، وَإِنْ ظَفِرُوا كَانَ مُلْكًا ازْدَدْتَهُ [5] . فَبَعَثَ مَعَهُ كِسْرَى مَنْ كَانَ فِي سجونه، وَكَانُوا ثَمَان مائَة رَجُلٍ. (وَهْرِزَ وَسَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ وَانْتِصَارُهُمَا عَلَى مَسْرُوقٍ وَمَا قِيلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الشِّعْرِ) : وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ وَهْرِزُ، وَكَانَ ذَا سِنٍّ فِيهِمْ، وَأَفْضَلَهُمْ حَسَبًا وَبَيْتًا. فَخَرَجُوا فِي ثَمَانِ سَفَائِنَ، فَغَرِقَتْ سَفِينَتَانِ، وَوَصَلَ إلَى سَاحِلِ عَدَنَ

_ [1] لأورط: أَي لأنتشب فِي شَرّ. والورطة: الانتشاب فِي الشَّرّ. [2] يُقَال: وَفِي الدِّرْهَم المثقال، وَذَلِكَ إِذا عدله. [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بهَا» . [4] المرازبة: وزراء الْفرس، واحدهم مرزبان. [5] كَذَا فِي أوالطبري، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أردته» .

سِتُّ سَفَائِنَ [1] . فَجَمَعَ سَيْفٌ إلَى وَهْرِزَ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْ قَوْمِهِ، وَقَالَ لَهُ: رِجْلِي مَعَ رِجْلِكَ حَتَّى نَمُوتَ جَمِيعًا أَوْ نَظْفَرَ جَمِيعًا. قَالَ لَهُ وَهْرِزُ: أَنْصَفْتَ، وَخَرَجَ إلَيْهِ مَسْرُوقُ بْنُ أَبْرَهَةَ مَلِكُ الْيَمَنِ، وَجَمَعَ إلَيْهِ جُنْدَهُ. فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ وَهْرِزُ ابْنًا [2] لَهُ، لِيُقَاتِلَهُمْ فَيَخْتَبِرَ قِتَالَهُمْ: فَقُتِلَ ابْنُ وَهْرِزَ، فَزَادَهُ ذَلِكَ حَنَقًا عَلَيْهِمْ. فَلَمَّا تَوَاقَفَ النَّاسُ عَلَى مَصَافِّهِمْ، قَالَ وَهْرِزُ: أَرُونِي مَلِكَهُمْ، فَقَالُوا لَهُ: أَتَرَى رَجُلًا عَلَى الْفِيلِ عَاقِدًا تَاجَهُ عَلَى رَأْسِهِ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: ذَاكَ مَلِكُهُمْ، فَقَالَ: اُتْرُكُوهُ. فَوَقَفُوا طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: عَلَامَ هُوَ؟ قَالُوا: قَدْ تَحَوَّلَ عَلَى الْفَرَسِ، قَالَ: اُتْرُكُوهُ. فَوَقَفُوا طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: عَلَامَ هُوَ؟ قَالُوا: قَدْ تَحَوَّلَ عَلَى الْبَغْلَةِ. قَالَ وَهْرِزُ: بِنْتُ الْحِمَارِ ذَلَّ وَذَلَّ مُلْكُهُ، إنِّي سَأَرْمِيهِ، فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَصْحَابَهُ لَمْ يَتَحَرَّكُوا فَاثْبُتُوا حَتَّى أُوذِنَكُمْ، فَإِنِّي قَدْ أَخْطَأْتُ الرَّجُلَ، وَإِنْ رَأَيْتُمْ الْقَوْمَ قَدْ اسْتَدَارُوا وَلَاثُوا [3] بِهِ، فَقَدْ أَصَبْتُ الرَّجُلَ، فَاحْمِلُوا عَلَيْهِمْ. ثُمَّ وَتَرَ قَوْسَهُ، وَكَانَتْ فِيمَا يَزْعُمُونَ لَا يُوتِرُهَا غَيْرُهُ مِنْ شِدَّتِهَا، وَأَمَرَ بِحَاجِبَيْهِ فَعُصِّبَا لَهُ، ثُمَّ رَمَاهُ، فَصَكَّ الْيَاقُوتَةَ الَّتِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَتَغَلْغَلَتْ [4] النُّشَّابَةُ فِي رَأْسِهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ قَفَاهُ، وَنُكِسْ عَنْ دَابَّتِهِ، وَاسْتَدَارَتْ الْحَبَشَةُ وَلَاثَتْ بِهِ، وَحَمَلَتْ عَلَيْهِمْ الْفُرْسُ، وَانْهَزَمُوا، فَقُتِلُوا وَهَرَبُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَأَقْبَلَ وَهْرِزُ لِيَدْخُلَ صَنْعَاءَ [5] ، حَتَّى إذَا أَتَى بَابَهَا، قَالَ: لَا تَدْخُلُ رَايَتِي مُنَكَّسَةً أَبَدًا، اهْدِمُوا الْبَابَ، فَهُدِمَ، ثُمَّ دَخَلَهَا نَاصِبًا رَايَتَهُ. فَقَالَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ الْحِمْيَرِيُّ:

_ [1] وَيُقَال إِن الْجَيْش بلغ سَبْعَة آلَاف وَخمْس مائَة، وانضافت إِلَيْهِم قبائل من الْعَرَب (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [2] وَكَانَ يُقَال لَهُ نوزاد. (رَاجع الطَّبَرِيّ) . [3] لاثوا بِهِ: اجْتَمعُوا حوله. [4] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فتغلغلت» . وَهُوَ تَحْرِيف. [5] وَيُقَال: إِن صنعاء كَانَ اسْمهَا، قبل أَن يدخلهَا وهرز ويهدم بَابهَا، أوال (بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا) وَأَنَّهَا سميت كَذَلِك لقَوْل وهرز حِين دَخلهَا: «صَنْعَة صَنْعَة» . يُرِيد أَن الْحَبَشَة أحكمت صنعها. وَيُقَال إِنَّهَا سميت باسم الّذي بناها، وَهُوَ صنعاء بن وَال بن عيبر بن عَابِر بن شالخ، فَكَانَت تعرف مرّة بِصَنْعَاء، وَأُخْرَى بأوال.

يَظُنُّ النَّاسُ بِالْمَلْكَيْنِ ... أَنَّهُمَا قَدْ الْتَأَمَا [1] وَمَنْ يَسْمَعْ بِلَأْمِهِمَا ... فَإِنَّ الْخَطْبَ قَدْ فَقُمَا [2] قَتَلْنَا الْقَيْلَ مَسْرُوقًا ... وَرَوَّيْنَا الْكَثِيبَ دَمَا [3] وَإِنَّ الْقَيْلَ قَيْلُ النَّاسِ ... وَهْرِزُ مُقْسِمٌ قَسَمَا يَذُوقُ مُشَعْشَعًا حَتَّى ... يُفِيءَ السَّبْيَ وَالنَّعما [4] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَأَنْشَدَنِي خَلَّادُ بْنُ قُرَّةَ السَّدُوسِيُّ آخِرَهَا بَيْتًا لِأَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو الصَّلْتِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الثَّقَفِيُّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى لِأُمَيَّةِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ: لِيَطْلُبَ الْوِتْرَ أَمْثَالُ ابْنِ ذِي يَزَنَ ... رَيَّمَ [5] فِي الْبَحْرِ لِلْأَعْدَاءِ أَحْوَالَا يَمَّمَ قَيْصَرَ لَمَّا حَانَ رِحْلَتُهُ ... فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ بَعْضَ الَّذِي سَالَا [6] ثُمَّ انْثَنَى [7] نَحْوَ كِسْرَى بَعْدَ عَاشِرَةٍ [8] ... مِنْ السِّنِينَ يُهِينُ النَّفْسَ وَالْمَالَا حَتَّى أَتَى بِبَنِي الْأَحْرَارِ يَحْمِلُهُمْ ... إنَّكَ عَمْرِي لَقَدْ أَسْرَعَتْ قِلْقَالَا [9] للَّه دَرَّهُمْ مِنْ عُصْبَةٍ خَرَجُوا ... مَا إنْ رَأَى لَهُمْ فِي النَّاسِ أَمْثَالًا

_ [1] التأما: يُرِيد: قد اصطلحا واتفقا. [2] فَقُمْ: عظم. [3] القيل: الْملك. [4] المشعشع: الشَّرَاب الممزوج بِالْمَاءِ. ويفيء: يغنم. [5] ريم: أَقَامَ. أَو هُوَ مَأْخُوذ من رام يريم، إِذا برح، كَأَنَّهُ يُرِيد: أَنه غَابَ زَمَانا وأحوالا، ثمَّ رَجَعَ للأعداء، ويروى: «لجج» . [6] رِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي الطَّبَرِيّ، وَالشعر وَالشعرَاء (طبع ليدن) . أَتَى هِرقل وَقد شالت نعامتهم ... فَلم يجد عِنْده بعض الّذي قَالَا [7] فِي أ: «انتحى» . [8] فِي الشّعْر وَالشعرَاء: «بعد تاسعة» . [9] بَنو الْأَحْرَار: الْفرس. والقلقال: (بِالْكَسْرِ وبالفتح) : شدَّة الْحَرَكَة. 5- سيرة ابْن هِشَام- 1

بيضًا مرازبة غُلْبًا أَسَاوِرَةً ... أُسْدًا تُرَبِّبُ فِي الْغَيْضَاتِ أَشْبَالَا [1] يَرْمُونَ عَنْ شُدُفٍ كَأَنَّهَا غُبُطٌ [2] ... بزَمْخرٍ [3] يُعَجِّلُ الْمَرْمِيَّ إعْجَالَا أَرْسَلْتَ أُسْدًا عَلَى سُودِ الْكِلَابِ فَقَدْ ... أَضْحَى شَرِيدُهُمْ فِي الْأَرْضِ فُلَّالَا [4] فَاشْرَبْ هَنِيئًا عَلَيْكَ التَّاجُ مُرْتَفِقًا ... فِي رَأْسِ غُمْدانَ [5] دَارًا مِنْكَ مِحْلَالَا وَاشْرَبْ هَنِيئًا فَقَدْ شَالَتْ نَعَامَتُهُمْ [6] ... وَأَسْبِلْ الْيَوْمَ فِي بُرْدَيْكَ إسْبَالَا [7] تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانَ مِنْ لَبَنٍ ... شِيبَا بِمَاءٍ فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالَا [8] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا مَا صَحَّ لَهُ مِمَّا رَوَى ابْنُ إسْحَاقَ مِنْهَا، إلَّا آخِرَهَا بَيْتًا قَوْلُهُ: تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانَ مِنْ لَبَنٍ [9]

_ [1] الغلب: الشداد. والأساورة: رُمَاة الْفرس. وتربب: من التربية. والغيضات: جمع غيضة، وَهِي الشّجر الْكثير الملتف. [2] شدف: عِظَام الْأَشْخَاص، يعْنى بهَا القسي. وغبط: جمع غبيط، وَهِي عيدَان الهودج وأدواته. [3] كَذَا فِي أ. والزمخر: الْقصب الْيَابِس، يعْنى قصب النشاب. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بزمجر» وَهُوَ تَصْحِيف. [4] الفلال: المنهزمون. [5] غمدان (بِضَم أَوله وَسُكُون ثَانِيه وَآخره نون) : قصر بناه يشْرَح بن يحصب على أَرْبَعَة أوجه: وَجه أَبيض، وَوجه أَحْمَر، وَوجه أصفر، وَوجه أَخْضَر. وَبنى فِي دَاخله قصرا على سَبْعَة سقوف، بَين كل سقفين مِنْهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعا، وَجعل فِي أَعْلَاهُ مَجْلِسا بناه بالرخام الملون، وَجعل سقفه رخامة وَاحِدَة وصير على كل ركن من أَرْكَانه تِمْثَال أَسد من شبه كأعظم مَا يكون من الْأسد، فَكَانَت الرّيح إِذا هبت إِلَى نَاحيَة تِمْثَال من تِلْكَ التماثيل دخلت من دبره، وَخرجت من فِيهِ، فَيسمع لَهُ زئير كزئير السبَاع. وَقيل: إِن الّذي بناه سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام. وللشعراء شعر كثير فِي غمدان. وَقد هدم فِي عهد عُثْمَان رضى الله عَنهُ. وَمعنى قَوْله مرتفقا: أَي مُتكئا، كَمَا فِي لِسَان الْعَرَب. [6] شالت نعامتهم: أهلكوا. والنعامة: بَاطِن الْقدَم. وشالت: ارْتَفَعت، وَمن هلك ارْتَفَعت رِجْلَاهُ، وانتكس رَأسه، فظهرت نعَامَة قدمه. وَالْعرب تَقول: تنعمت: إِذا مشيت حافيا. [7] الإسبال: إرخاء الثَّوْب، وَيُرِيد بِهِ هُنَا الْخُيَلَاء والإعجاب. [8] القعبان: تَثْنِيَة قَعْب، وَهُوَ قدح يحلب فِيهِ، وشيبا: مزجا. [9] وَمن روى هَذَا الْبَيْت للنابغة جعله من قصيدته إِلَى مطْلعهَا: إِمَّا ترى ظلل الْأَيَّام قد حسرت ... عَنى وشمرت ذيلا كَانَ ذيالا وَلَقَد هجا بِهَذِهِ القصيدة رجلا من قُشَيْر يُقَال لَهُ: ابْن الحيا (الحيا أمه) . ويعنى بِهَذَا الْبَيْت (تِلْكَ المكارم ... إِلَخ) أَن ابْن الحيا فَخر عَلَيْهِ بِأَنَّهُم سقوا رجلا من جعدة أدركوه فِي سفر، وَقد جهد عطشا، لَبَنًا وَمَاء فَعَاشَ. (رَاجع الأغاني ج 5 ص 13- 15 طبع دَار الْكتب) .

فَإِنَّهُ لِلنَّابِغَةِ الْجَعْدِيِّ. وَاسْمُهُ (حِبَّانُ بْنُ) [1] عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، أَحَدُ بَنِي جَعْدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ، فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ الحِيريُّ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي تَمِيمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمَّ أَحَدُ بَنِي امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَيُقَالُ: عَدِيٌّ مِنْ الْعِبَادِ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ [2] : مَا بَعْدَ صَنْعَاءَ كَانَ يَعْمُرُهَا ... وُلَاةُ مُلْكٍ جَزْلٍ مَوَاهِبُهَا [3] رَفَّعَهَا مَنْ بَنَى لَدَى قَزَعٍ ... الْمُزْنِ وَتَنْدَى مِسْكًا مَحَارِبُهَا [4] مَحْفُوفَةٌ بِالْجِبَالِ دُونَ عُرَى ... الْكَائِدِ مَا تُرْتَقَى غُوَارِبُهَا [5] يَأْنَسُ فِيهَا صَوْتُ النُّهَامِ إذَا ... جَاوَبَهَا بِالْعَشِيِّ قَاصِبُهَا [6] سَاقَتْ إلَيْهَا [7] الْأَسْبَابُ جُنْدُ بَنِي ... الْأَحْرَارِ فُرْسَانُهَا مَوَاكِبُهَا وفُوِّزَتْ بِالْبِغَالِ تُوسَقُ بِالْحَتْفِ ... وَتَسْعَى بِهَا تَوَالِبُهَا [8] حَتَّى رَآهَا الْأَقْوَالُ مِنْ طَرَفِ ... الْمَنْقَلِ مُخْضَرَّةٌ كَتَائِبُهَا [9]

_ [1] زِيَادَة عَن أَسد الغابة (ج 5 ص 2) وخزانة الْأَدَب (ج 1 ص 512) والإصابة (ج 6 ص 218) والاستيعاب (ج 1 ص 320) والأغاني (ج 5 ص 1 طبع دَار الْكتب) . [2] الْعباد: هم من عبد الْقَيْس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أَسد بن ربيعَة، قيل إِنَّهُم انتسلوا من أَرْبَعَة: عبد الْمَسِيح، وَعبد كلال، وَعبد الله، وَعبد يَا ليل. وَكَانُوا قدمُوا على ملك فتسموا لَهُ، فَقَالَ: أَنْتُم الْعباد، فسموا بذلك. وَذكر الطَّبَرِيّ فِي نسب عدي: أَنه ابْن زيد بن حَمَّاد بن أَيُّوب بن مجروف ابْن عَامر بن عصية بن امْرِئ الْقَيْس بن زيد مَنَاة بن تَمِيم، وَقد دخل بَنو امْرِئ الْقَيْس بن زيد مَنَاة فِي الْعباد، فَلذَلِك ينْسب عدي إِلَيْهِم. [3] وُلَاة ملك: يُرِيد: الَّذين يدبرون أَمر النَّاس ويصلحونه. وجزل: كثير. [4] القزع: السَّحَاب المتفرق، والمزن: السَّحَاب. والمحارب: الغرف المرتفعة. [5] يُرِيد: دون عرى السَّمَاء وأسبابها. والكائد: هُوَ الّذي كادهم، وَهُوَ الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: والغوارب: الأعالي. [6] النهام: الذّكر من البوم. والقاصب: صَاحب الزمارة. [7] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «إِلَيْهِ» . [8] فوزت الْمَفَازَة: قطعت. وَقَوله: توسق بالحتف، أَي أَن وسق البغال الحتوف. والتوالب: جمع تولب، وَهُوَ ولد الْحمار. [9] الْأَقْوَال: الْمُلُوك. والمنقل: الطَّرِيق الْمُخْتَصر، وَهُوَ أَيْضا: الأَرْض الَّتِي يكثر فِيهَا النَّقْل: أَي الْحِجَارَة، وَقَوله: من طرف المنقل، أَي من أعالى حصونها. والمنقال: الخرج ينْقل إِلَى الْمُلُوك من قَرْيَة إِلَى قَرْيَة، فَكَأَن المنقل من هَذَا. ومخضرة كتائبها: يعْنى من الْحَدِيد، وَمِنْه الكتيبة الخضراء.

(هزيمة الأحباش، ونبوءة سطيح وشق) :

يَوْمَ يُنَادُونَ آل بربر [1] و ... اليكسوم لَا يُفْلِحُنَّ هَارِبُهَا [2] وَكَانَ يَوْمُ بَاقِي الْحَدِيثِ وَزَالَتْ ... إِمَّةً ثَابِتٌ مَرَاتِبُهَا [3] وَبُدِّلَ الْفَيْجُ [4] بِالزَّرَافَةِ [5] وَالْأَيَّامُ ... جُونٌ [6] جَمٌّ عَجَائِبُهَا بَعْدَ بَنِي تُبَّعٍ نَخَاوِرَةٌ [7] ... قَدْ اطْمَأَنَّتْ بِهَا مَرَازِبُهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ (الْأَنْصَارِيُّ) [8] وَرَوَاهُ لِي عَنْ الْمُفَضَّلِ الضَّبِّيِّ، قَوْلَهُ: يَوْمَ يُنَادُونَ آل بربر و ... اليكسوم............. إلَخْ (هَزِيمَةُ الْأَحْبَاشِ، وَنُبُوءَةُ سَطِيحٍ وَشِقٍّ) : وَهَذَا الَّذِي عَنَى سَطِيحٌ بِقَوْلِهِ: «يَلِيهِ إرَمُ ذِي يَزَنَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ عَدَنَ، فَلَا يَتْرُكُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْيَمَنِ» . وَاَلَّذِي عَنَى شِقٌّ بِقَوْلِهِ: «غُلَامٌ لَيْسَ بِدَنِيِّ وَلَا مُدَنٍّ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ ذِي يَزَنَ» . ذِكْرُ مَا انْتَهَى إلَيْهِ أَمْرُ الْفُرْسِ بِالْيَمَنِ (مُلْكُ الْحَبَشَةِ فِي الْيَمَنِ وَمُلُوكُهُمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ وَهْرِزُ وَالْفُرْسُ بِالْيَمَنِ، فَمِنْ بَقِيَّةِ ذَلِكَ الْجَيْشِ مِنْ الْفُرْسِ الْأَبْنَاءُ الَّذِينَ بِالْيَمَنِ الْيَوْمَ. وَكَانَ مُلْكُ الْحَبَشَةِ بِالْيَمَنِ، فِيمَا بَيْنَ أَنْ دَخَلَهَا أَرْيَاطُ إلَى أَنْ قَتَلَتْ الْفُرْسُ مَسْرُوقَ بْنَ أَبْرَهَةَ وَأُخْرِجَتْ الْحَبَشَةُ، اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ سَنَةً، تَوَارَثَ

_ [1] آل بربر: يُرِيد الْحَبَشَة. [2] فِي شعراء النَّصْرَانِيَّة: «لَا يَفْلِتَنَّ» . [3] الإمة (بِكَسْر الْهمزَة) : النِّعْمَة. [4] كَذَا فِي شرح السِّيرَة. والفيج: الْمُنْفَرد، أَو هُوَ الّذي يسير للسُّلْطَان بالكتب على رجلَيْهِ. وَفِي جَمِيع الْأُصُول: «الفيح» بِالْحَاء الْمُهْملَة. وَهُوَ تَصْحِيف. [5] الزرافة: الْجَمَاعَة من النَّاس. [6] فِي شرح السِّيرَة لأبى ذَر: «خون» . وَهِي جمع خَائِنَة. [7] بَنو تبع: الْيمن. والنخاورة: الْكِرَام. واحدهم: نخوار. [8] زِيَادَة عَن أ.

ملوك الفرس على اليمن) :

ذَلِكَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ: أَرْيَاطُ، ثُمَّ أَبْرَهَةُ، ثُمَّ يَكْسُومُ بْنُ أَبْرَهَةَ، ثُمَّ مَسْرُوقُ بْنُ أَبْرَهَةَ. مُلُوكُ الْفُرْسِ عَلَى الْيَمَنِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمَّ مَاتَ وَهْرِزُ، فَأَمَّرَ كِسْرَى ابْنَهُ الْمَرْزُبَانَ بْنِ وَهْرِزَ عَلَى الْيَمَنِ، ثُمَّ مَاتَ الْمَرْزُبَانُ، فَأَمَّرَ كِسْرَى ابْنَهُ التَّيْنُجَانَ بْنَ الْمَرْزُبَانِ عَلَى الْيَمَنِ، ثُمَّ مَاتَ التَّيْنُجَانُ، فَأَمَّرَ كِسْرَى ابْنَ التَّيْنُجَانِ عَلَى الْيَمَنِ، ثُمَّ عَزَلَهُ وَأَمَّرَ بَاذَانَ، فَلَمْ يَزَلْ بَاذَانُ عَلَيْهَا حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا النَّبِيَّ) [1] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (كِسْرَى وَبَعْثَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : فَبَلَغَنِي عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَتَبَ كِسْرَى إلَى بَاذَانَ: أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ خَرَجَ بِمَكَّةَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فسر إِلَيْهِ فاستنبه، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا فَابْعَثْ إلَيَّ بِرَأْسِهِ. فَبَعَثَ بَاذَانُ بِكِتَابِ كِسْرَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَنِي أَنْ يُقْتَلَ كِسْرَى فِي يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا. فَلَمَّا أَتَى بَاذَانَ الْكِتَابُ تَوَقَّفَ لِيَنْظُرَ، وَقَالَ: إنْ كَانَ نَبِيًّا فَسَيَكُونُ مَا قَالَ. فَقَتَلَ اللَّهُ كِسْرَى فِي الْيَوْمِ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قُتِلَ عَلَى يَدَيْ ابْنِهِ شِيرَوَيْهِ، وَقَالَ خَالِدُ بْنُ حِقٍّ الشَّيْبَانِيُّ: وَكِسْرَى إذْ تَقَسَّمْهُ بَنُوهُ ... بِأَسْيَافٍ كَمَا اُقْتُسِمَ اللَّحَّامُ [2] تَمَخَّضَتْ الْمَنُونُ لَهُ بِيَوْمٍ ... أَنَّى وَلِكُلِّ حَامِلَةٍ تِمَامُ [3] (إسْلَامُ بَاذَانَ) : قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ بَاذَانَ بَعَثَ بِإِسْلَامِهِ [4] وَإِسْلَامِ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْفُرْسِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ الرُّسُلُ مِنْ الْفُرْسِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إلَى مَنْ نَحْنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْتُمْ مِنَّا وَإِلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ.

_ [1] زِيَاد عَن أ. [2] اللحام: جمع لحم. [3] أَنى: حَان. [4] كَانَ إِسْلَام باذان بِالْيمن فِي سنة عشر، وفيهَا بعث رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْأَبْنَاء يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام.

(سلمان منا) :

(سَلْمَانُ مِنَّا) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبَلَغَنِي عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: فَمِنْ ثَمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ. (بَعْثَةُ النَّبِيِّ، وَنُبُوءَةُ سَطِيحٍ وَشِقٍّ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَهُوَ الَّذِي عَنَى سَطِيحٌ بِقَوْلِهِ: «نَبِيٌّ زَكِيٌّ، يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ قِبَلِ الْعَلِيِّ» . وَاَلَّذِي عَنَى شِقٌّ بِقَوْلِهِ: «بَلْ يَنْقَطِعُ بِرَسُولِ مُرْسَلٍ، يَأْتِي بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ، مِنْ [1] أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إلَى يَوْمِ الْفَصْلِ» . (الْحَجَرُ الَّذِي وُجِدَ بِالْيَمَنِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فِي حَجَرٍ بِالْيَمَنِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ كِتَابٌ- بِالزَّبُورِ كُتِبَ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ: «لِمِنْ مُلْكُ ذِمَارٍ؟ لِحِمْيَرَ الْأَخْيَارِ [2] ، لِمَنْ مُلْكُ ذِمَارٍ؟ لِلْحَبَشَةِ الْأَشْرَارِ [3] ، لِمَنْ مُلْكُ ذِمَارٍ؟ لِفَارِسَ الْأَحْرَارِ [4] ، لِمَنْ مُلْكُ ذِمَارٍ؟ لِقُرَيْشِ التُّجَّارِ» . وَذِمَارٌ: الْيَمَنُ أَوْ صَنْعَاءُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ذَمَارُ: بِالْفَتْحِ، فِيمَا أَخْبَرَنِي [5] يُونُسُ (شِعْرٌ الْأَعْشَى فِي نُبُوءَةِ سَطِيحٍ وَشِقٍّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الْأَعْشَى أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فِي وُقُوعِ مَا قَالَ سَطِيحٌ وَصَاحِبُهُ: مَا نَظَرَتْ ذَاتُ أَشْفَارٍ كَنَظْرَتِهَا ... حَقَّا كَمَا صَدَقَ الذِّئْبِيُّ إذَا سَجَعَا [6] وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ لِسَطِيحِ: الذِّئْبِيَّ، لِأَنَّهُ سَطِيحُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مَازِنِ بْنِ ذِئْبٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.

_ [1] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: بِدُونِ «من» . [2] سموا بالأخيار: لأَنهم كَانُوا أهل دين، كَمَا تقدم فِي حَدِيث فيميون، وَابْن الثَّامِر. [3] سموا بالأشرار: لما أَحْدَثُوا فِي الْيمن من العيث وَالْفساد وإخراب الْبِلَاد، حَتَّى هموا بهدم بَيت الله الْحَرَام. [4] سموا بالأحرار: لِأَن الْملك فيهم متوارث من عهد جيومرت إِلَى أَن جَاءَ الْإِسْلَام، لم يدينوا لملك، وَلَا أَدّوا الإتاوة لذِي سُلْطَان من سواهُم، فَكَانُوا أحرارا لذَلِك. [5] وَحكى الْكسر عَن ابْن إِسْحَاق. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [6] ذَات أشفار: زرقاء الْيَمَامَة، وَكَانَت الْعَرَب تزْعم أَنَّهَا ترى الْأَشْخَاص على مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام فِي الصَّحرَاء، وخبرها مَشْهُور.

قصة ملك الحضر

قِصَّةُ مَلِكِ الْحَضْرِ (نَسَبُ النُّعْمَانِ، وَشَيْءٌ عَنْ الْحَضْرِ، وَشِعْرُ عَدِيٍّ فِيهِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي خَلَّادُ بْنُ قُرَّةَ بْنِ خَالِدِ السَّدُوسِيُّ عَنْ جَنَّادٍ، أَوْ عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِالنَّسَبِ: أَنَّهُ يُقَالُ: إنَّ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ مِنْ وَلَدِ سَاطِرُونَ [1] مَلِكِ الْحَضْرِ. وَالْحَضْرُ: حِصْنٌ عَظِيمٌ كَالْمَدِينَةِ، كَانَ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: وَأَخُو الْحَضْرِ إذْ بَنَاهُ وَإِذْ ... دِجْلَةُ تُجْبَى إلَيْهِ وَالْخَابُورُ [2] شَادَهُ مَرْمَرَا وَجَلَّلَهُ كِلْسًا ... فَلِلطَّيْرِ فِي ذُرَاهُ وُكُورُ [3] لَمْ يَهَبْهُ رَيْبُ الْمَنُونِ فَبَانَ [4] ... الْمُلْكُ عَنْهُ فَبَابُهُ مَهْجُورُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَاَلَّذِي ذكره أَبُو دَاوُد الْإِيَادِيُّ [5] فِي قَوْلِهِ: وَأَرَى الْمَوْتَ قَدْ تَدَلَّى مِنْ الْحَضْرِ ... عَلَى رَبِّ أَهْلِهِ السَّاطِرُونَ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَيُقَالُ: إنَّهَا لِخَلَفِ الْأَحْمَرِ، وَيُقَالُ: لِحَمَّادِ الرَّاوِيَةِ. (دُخُولُ سَابُورَ الْحَضْرَ، وَزَوَاجُهُ بِنْتِ سَاطِرُونَ، وَمَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا) : وَكَانَ كِسْرَى سَابُورُ ذُو الْأَكْتَافِ غَزَا سَاطِرُونَ مَلِكِ الْحَضَر، فحصره سِتِّينَ، فَأَشْرَفَتْ بِنْتُ [6] سَاطِرُونَ يَوْمًا، فَنَظَرَتْ إلَى سَابُورَ وَعَلَيْهِ ثِيَابُ دِيبَاجٍ،

_ [1] الساطرون: مَعْنَاهُ بالسُّرْيَانيَّة الْملك، وَاسم الساطرون: الضيزن بن مُعَاوِيَة، جرمقاني، وَقيل: قضاعى، من الْعَرَب الَّذين تنخوا بِالسَّوَادِ (أَقَامُوا بِهِ) فسموا تنوخ، وهم قبائل شَتَّى. وَأمه جبهلة، وَبهَا كَانَ يعرف، وَهِي أَيْضا: قضاعية من بنى تزيد الَّذين تنْسب إِلَيْهِم الثِّيَاب التزيدية. [2] دجلة والخابور: نهران مشهوران. [3] المرمر: الرخام. والكلس: مَا طلى بِهِ الْحَائِط من جص وجيار. وجلله: كَسَاه. ويروى: خلله (بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة) : أَي جعل الجص بَين حجر وَحجر. وذراه: أعاليه. ووكور: جمع وكر، وَهُوَ عش الطَّائِر. [4] فِي أ: «فباد» . [5] واسْمه جَارِيَة بن حجاج، وَقيل: حَنْظَلَة بن شرقى. [6] يُقَال إِن اسْمهَا النضيرة.

وَعَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلٌ بِالزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ وَاللُّؤْلُؤِ، وَكَانَ جَمِيلًا، فَدَسَّتْ إلَيْهِ: أَتَتَزَوَّجُنِي إنْ فَتَحْتُ لَكَ بَابَ الْحَضْرِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا أَمْسَى سَاطِرُونَ شَرِبَ حَتَّى سَكِرَ، وَكَانَ لَا يَبِيتُ إلَّا سَكْرَانَ. فَأَخَذَتْ مَفَاتِيحَ بَابِ الْحَضْرِ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ، فَبَعَثَتْ بِهَا مَعَ مَوْلًى لَهَا، فَفَتَحَ الْبَابَ [1] ، فَدَخَلَ سَابُورُ، فَقَتَلَ سَاطِرُونَ، وَاسْتَبَاحَ الْحَضْرَ وَخَرَّبَهُ، وَسَارَ بِهَا مَعَهُ فَتَزَوَّجَهَا. فَبَيْنَا هِيَ نَائِمَةٌ عَلَى فِرَاشِهَا لَيْلًا إذْ جَعَلَتْ تَتَمَلْمَلُ لَا تَنَامُ، فَدَعَا لَهَا بِشَمْعِ، فَفُتِّشَ فِرَاشُهَا، فَوُجِدَ عَلَيْهِ وَرَقَةُ آسٍ [2] ، فَقَالَ لَهَا سَابُورُ: أَهَذَا الَّذِي أَسْهَرَكَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا كَانَ أَبُوكَ يَصْنَعُ بِكِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَفْرِشُ لِي الدِّيبَاجَ، وَيُلْبِسُنِي الْحَرِيرَ، وَيُطْعِمُنِي الْمُخَّ، وَيَسْقِينِي الْخَمْرَ، قَالَ: أَفَكَانَ جَزَاءُ أَبِيكَ مَا صَنَعْتِ بِهِ؟ أَنْتَ إلَيَّ بِذَلِكَ أَسْرَعُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُبِطَتْ قُرُونُ [3] رَأْسِهَا بِذَنَبِ فَرَسٍ، ثُمَّ رَكَضَ الْفَرَسُ حَتَّى قَتَلَهَا [4] ، فَفِيهِ يَقُولُ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ: أَلَمْ تَرَ [5] لِلْحَضْرِ إذْ أَهْلُهُ ... بِنُعْمَى وَهَلْ خَالِدٌ مِنْ نِعَمْ أَقَامَ بِهِ شاهَبُورُ [6] الْجُنُودَ ... حَوْلَيْنِ تَضْرِبُ فِيهِ الْقُدُمْ [7] فَلَمَّا دَعَا رَبَّهُ دَعْوَةً ... أَنَابَ إلَيْهِ فَلَمْ يَنْتَقِمْ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ

_ [1] وَيُقَال: إِنَّهَا دلته على نهر وَاسع كَانَ يدْخل مِنْهُ المَاء إِلَى الْحَضَر، فَقطع لَهُم المَاء، ودخلوا مِنْهُ. وَقيل: بل دلته على طلسم كَانَ فِي الْحَضَر، وعَلى طَريقَة التغلب عَلَيْهِ. (رَاجع المَسْعُودِيّ وَالرَّوْض الْأنف) . [2] الآس: الريحان. [3] قُرُون رَأسهَا: يعْنى ذوائب شعرهَا. [4] وَيُقَال إِن صَاحب هَذِه الْقِصَّة هُوَ سَابُور بن أردشير بن بابك: لِأَن أردشير هُوَ أول من جمع ملك فَارس، وأذل مُلُوك الطوائف، حَتَّى دَان الْملك لَهُ، والضيزن كَانَ من مُلُوك الطوائف، فيبعد أَن تكون هَذِه الْقِصَّة لسابور ذِي الأكتاف، وَهُوَ سَابُور بن هُرْمُز، لِأَنَّهُ كَانَ بعد سَابُور الْأَكْبَر بدهر طَوِيل، وَبينهمْ مُلُوك عدَّة، وهم هُرْمُز بن سَابُور، وبهرام بن بهْرَام، وبهرام الثَّالِث: ونرس بن بهْرَام، وَبعده كَانَ ابْنه سَابُور ذُو الأكتاف. [5] فِي أ: «ألم ترى الْحَضَر ... إِلَخ» . [6] شاهبور: مَعْنَاهُ: ابْن الْملك. وشاه: ملك، وبور: ابْن. [7] الْقدَم: جمع قدوم، وَهُوَ الفأس وَنَحْوهَا.

ذكر ولد نزار بن معد

وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ: وَالْحَضْرُ صَابَتْ عَلَيْهِ دَاهِيَةٌ ... مِنْ فَوْقِهِ أَيِّدٌ مَنَاكِبُهَا [1] رَبِيَّةَ [2] لَمْ تُوَقَّ وَالِدَهَا ... لِحَيْنِهَا [3] إذْ أَضَاعَ رَاقِبُهَا [4] إذْ غَبَقَتْهُ [5] صَهْبَاءَ صَافِيَةً ... وَالْخَمْرُ وَهَلْ [6] يَهِيمُ [7] شَارِبُهَا فَأَسْلَمَتْ أَهْلَهَا بِلَيْلَتِهَا ... تَظُنُّ أَنَّ الرَّئِيسَ خَاطِبُهَا فَكَانَ حَظُّ الْعَرُوسِ إذْ جَشَرَ [8] ... الصُّبْحُ دِمَاءً تَجْرِي سَبَائِبُهَا [9] وَخُرِّبَ الْحَضْرُ وَاسْتُبِيحَ وَقَدْ ... أُحْرِقَ فِي خِدْرِهَا مَشَاجِبُهَا [10] وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. ذِكْرُ وَلَدِ نِزَارِ بْنِ مَعَدٍّ (أَوْلَادُهُ فِي رَأْيِ ابْنِ إسْحَاقَ وَابْنِ هِشَامٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ نِزَارُ بْنُ مَعَدٍّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ: مُضَرَ [11] بْنَ نِزَارٍ، وَرَبِيعَةَ ابْن نِزَارٍ، وأَنْمَارَ بْنَ نِزَارٍ.

_ [1] صابت: سَقَطت وَنزلت. وأيد: شَدِيدَة. [2] ربية: فعيلة بِمَعْنى مفعول من ربى، وَقد تكون بِمَعْنى الربو، وَهُوَ النَّمَاء وَالزِّيَادَة، لِأَنَّهَا ربت فِي نعْمَة، فَتكون بِمَعْنى فاعلة. وَقيل: بل أَرَادَ: ربيئة، بِالْهَمْز، وَسَهل الْهمزَة فَصَارَت يَاء، وَجعلهَا ربيئة، لِأَنَّهَا كَانَت طَلِيعَة حَيْثُ اطَّلَعت حَتَّى رَأَتْ سَابُور وَجُنُوده، وَيُقَال للطليعة، ذكرا أَو أُنْثَى: ربيئة. [3] ويروى: «لخبها» : أَي لمكرها. [4] أَي أضاع المربأ الّذي يرقبها ويحرسها، وَيحْتَمل أَن تكون الْهَاء عَائِدَة على الْجَارِيَة: أَي أضاعها حافظها. [5] غبقته: سقته بالْعَشي. [6] يُقَال: وَهل الرجل، إِذا أَرَادَ شَيْئا فَذهب وهمه إِلَى غَيره. [7] يهيم: يتحير. [8] جشر: أَضَاء وَتبين. [9] سبائبها: طرائقها. [10] كَذَا فِي الأَصْل. والمشاجب: جمع مشجب، وَهُوَ عود تعلق عَلَيْهِ الثِّيَاب. ويروى: «مساحبها» والمساحب: القلائد فِي الْعُنُق من قرنفل وَغَيره. [11] وَيُقَال: إِن مُضر أول من سنّ حداء الْإِبِل، وَكَانَ ذَلِك فِيمَا يَزْعمُونَ أَنه سقط عَن بعير فوثئت

(أولاد أنمار) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِيَادَ بْنَ نِزَارٍ. قَالَ الْحَارِسُ بْنُ دَوْسٍ الْإِيَادِيُّ، وَيُرْوَى لِأَبِي دُوَادَ الْإِيَادِيِّ، واسْمُهُ جَارِيَةُ [1] بْنُ الْحَجَّاجِ: وَفُتُوٌّ [2] حَسَنٌ أَوْجُهُهُمْ ... مِنْ إيَادِ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدٍّ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. فَأُمُّ مُضَرَ وَإِيَادٍ: سَوْدَةُ بِنْتُ عَكِّ بْنِ عَدْنَانَ. وَأُمُّ رَبِيعَةَ وأَنْمَارٍ: شُفَيْقَةُ بِنْتُ عَكِّ بْنِ عَدْنَانَ، وَيُقَالُ جُمُعَةُ بِنْتُ عَكِّ بْنِ عَدْنَانَ. (أَوْلَادُ أَنْمَارٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَنْمَارُ: أَبُو خَثْعَمَ وَبَجِيلَةَ [3] . قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ وَكَانَ سَيِّدَ بَجِيلَةَ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ لَهُ الْقَائِلُ: لَوْلَا جَرِيرٌ هَلَكَتْ بَجِيلَهُ ... نِعْمَ الْفَتَى وَبِئْسَتِ الْقِبِيلَهْ وَهُوَ يُنَافِرُ [4] الْفُرَافِصَةَ [5] الْكَلْبِيَّ إلَى الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ التَّمِيمِيِّ (بْنِ عِقَالِ بْنِ مُجَاشِعِ بْنِ دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ) [6] : يَا أَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ يَا أَقْرَعُ ... إنَّكَ إنْ يُصْرَعْ أَخُوكَ [7] تُصْرَعُ وَقَالَ:

_ [ () ] يَده، وَكَانَ أحسن النَّاس صَوتا، فَكَانَ يمشى خلف الْإِبِل، وَيَقُول: وَا يدياه وَا يدياه. يترنم بذلك، فأعنقت الْإِبِل وَذهب كلالها، فَكَانَ ذَلِك أصل الحداء عِنْد الْعَرَب. [1] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «حَارِثَة» وَهُوَ تَحْرِيف. (رَاجع الْحَاشِيَة رقم 2 ص 71 من هَذَا الْجُزْء) . [2] فتو: جمع فَتى، وَهُوَ الشَّاب الْحَدث. [3] وَأم أَوْلَاد أَنْمَار: بجيلة بنت صَعب بن سعد الْعَشِيرَة، ولد لَهُ من غَيرهَا أفتل، وَهُوَ خثعم فَلم ينْسب إِلَيْهَا. وَيُقَال: إِن بجيلة حبشية حضنت أَوْلَاد أَنْمَار، وَلم تحضن أفتل. فَلم ينْسب إِلَيْهَا. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [4] ينافر: يحاكم. [5] الفرافصة (بِالضَّمِّ) : الْأسد. (وبالفتح) : اسْم الرجل، وَقد قيل: كل فرافصة فِي الْعَرَب بِالضَّمِّ إِلَّا الفرافصة أَبَا نائلة صهر عُثْمَان بن عَفَّان، فَإِنَّهُ بِالْفَتْح. [6] زِيَادَة عَن أ. [7] كَذَا فِي أ. وَهُوَ الْأَشْهر. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أَخَاك» .

(أولاد مضر) :

ابْنَيْ نِزَارٍ اُنْصُرَا أَخَاكُمَا ... إنَّ أَبِي وَجَدْتَهُ أَبَاكُمَا لَنْ يُغْلَبَ الْيَوْمَ أَخٌ وَالَاكُمَا وَقَدْ تَيَامَنَتْ فَلَحِقَتْ بِالْيَمَنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَتْ الْيَمَنُ: وَبَجِيلَةُ: أَنْمَارُ بْنُ إرَاشِ بْنِ لِحْيَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْغَوْثِ بْنِ نَبْتِ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَالُ: إرَاشُ بْنُ عَمْرِو ابْن لِحْيَانَ بْنِ الْغَوْثِ. وَدَارُ بَجِيلَةَ وَخَثْعَمَ: يَمَانِيَّةٌ. (أَوْلَادُ مُضَرَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ مُضَرُ بْنُ نِزَارٍ رَجُلَيْنِ: إلْيَاسَ بْنَ مُضَرَ، وَعَيْلَانَ [1] ابْن مُضَرَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأُمُّهُمَا جُرْهُمِيَّةٌ [2] . (أَوْلَادُ إلْيَاسَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ إلْيَاسُ بْنُ مُضَرَ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ: مُدْرِكَةَ بْنَ إلْيَاسَ، وَطَابِخَةَ ابْن إلْيَاسَ، وَقَمْعَةَ بْنَ إلْيَاسَ، وَأُمُّهُمْ خِنْدِفُ، امْرَأَة عَن الْيَمَنِ. (شَيْءٌ عَنْ خِنْدِفَ وَأَوْلَادِهَا) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خِنْدِفُ [3] بِنْتُ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ اسْمُ مُدْرِكَةَ عَامِرًا، وَاسْمُ طَابِخَةَ عَمْرًا، وَزَعَمُوا أَنَّهُمَا كَانَا فِي إبِلٍ لَهُمَا يَرْعَيَانِهَا، فَاقْتَنَصَا صَيْدًا فَقَعَدَا عَلَيْهِ يَطْبُخَانِهِ، وَعَدَتْ عَادِيَةٌ عَلَى إبِلِهِمَا، فَقَالَ عَامِرٌ لِعَمْرٍو: أَتُدْرِكُ الْإِبِلَ أَمْ تَطْبُخُ هَذَا الصَّيْدَ؟ فَقَالَ عَمْرٌو: بَلْ أَطْبُخُ فَلَحِقَ عَامِرٌ بِالْإِبِلِ فَجَاءَ بِهَا، فَلَمَّا رَاحَا عَلَى أَبِيهِمَا حَدَّثَاهُ بِشَأْنِهِمَا،

_ [1] وَيُقَال إِن عيلان هَذَا، هُوَ قيس نَفسه لَا أَبوهُ، وسمى بفرس لَهُ اسْمه عيلان، وَقيل: عيلان اسْم كَلْبه. [2] وَيُقَال: إِنَّهَا لَيست من جرهم، وَإِنَّمَا هِيَ الربَاب بنت حيدة بن معد بن عدنان. (رَاجع الطَّبَرِيّ وَالرَّوْض الْأنف) . [3] وَاسْمهَا ليلى: وَأمّهَا ضرية بنت ربيعَة بن نزار الَّتِي ينْسب إِلَيْهَا حمى ضرية، وخندف هَذِه هِيَ الَّتِي ضربت الْأَمْثَال بحزنها على إلْيَاس، وَذَلِكَ أَنَّهَا تركت بنيها وساحت فِي الأَرْض تبكيه حَتَّى مَاتَت، وَإِنَّمَا نسب أَوْلَادهَا إِلَيْهَا لِأَنَّهَا حِين تَركتهم شغلا لحزنها على أَبِيهِم وَكَانُوا صغَارًا رَحِمهم النَّاس، فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ أَوْلَاد خندف الَّتِي تَركتهم، وهم صغَار أَيْتَام.

قصة عمرو بن لحي وذكر أصنام العرب

فَقَالَ لِعَامِرِ: أَنْتَ مُدْرِكَةٌ، وَقَالَ لِعَمْرِو: وَأَنْتَ طَابِخَةُ (وَخَرَجَتْ أُمُّهُمْ لَمَّا بَلَغَهَا الْخَبَرُ، وَهِيَ مُسْرِعَةٌ، فَقَالَ لَهَا: تُخَنْدِفِينَ فَسُمِّيَتْ: خِنْدِفُ) [1] . وَأَمَّا قَمَعَةُ [2] فَيَزْعُمُ نُسَّابُ مُضَرَ: أَنَّ خُزَاعَةَ مِنْ وَلَدِ عَمْرِو بْنِ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ إلْيَاسَ. قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ وَذِكْرُ أَصْنَامِ الْعَرَبِ (رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجُرُّ قَصَبَهُ فِي النَّارِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ يَجُرُّ قُصْبَهُ [3] فِي النَّارِ، فَسَأَلْتُهُ عَمَّنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مِنْ النَّاسِ، فَقَالَ: هَلَكُوا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ أَنَّ أَبَا صَالِحٍ السَّمَّانَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَبْدُ اللَّهِ ابْن عَامِرٍ، وَيُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ- يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأَكْثَمَ بْنِ الْجَوْنِ الْخُزَاعِيِّ: يَا أَكْثَمُ، رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفَ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، فَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشْبَهَ بِرَجُلٍ مِنْكَ بِهِ، وَلَا بِكَ مِنْهُ: فَقَالَ أَكْثَمُ: عَسَى أَنْ يَضُرَّنِي شَبَهُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا، إنَّكَ مُؤْمِنٌ وَهُوَ كَافِرٌ، إنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إسْمَاعِيلَ، فَنَصَبَ الْأَوْثَانَ، وَبَحَرَ الْبَحِيرَةَ [4] ، وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ، وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ، وَحَمَى الْحَامِي

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] وَاسم قمعة: عُمَيْر، وسمى قمعة لِأَنَّهُ انقمع وَقعد. [3] الْقصب: الأمعاء. [4] وَيُقَال: إِن أول من بَحر الْبحيرَة رجل من بنى مُدْلِج، كَانَت لَهُ ناقتان، فجدع آذانهما، وَحرم ألبانهما. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .

(جلب الأصنام من الشام إلى مكة) :

(جَلَبُ الْأَصْنَامِ مِنْ الشَّامِ إلَى مَكَّةَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الشَّامِ فِي بَعْضِ أُمُورِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ مَآبَ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ، وَبِهَا يَوْمَئِذٍ الْعَمَالِيقُ- وَهُمْ وَلَدُ عِمْلَاقٍ. وَيُقَالُ عِمْلِيقُ بْنُ لَاوِذْ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ- رَآهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، فَقَالَ لَهُمْ: مَا هَذِهِ الْأَصْنَامُ الَّتِي أَرَاكُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا لَهُ: هَذِهِ أَصْنَامٌ نَعْبُدُهَا، فَنَسْتَمْطِرُهَا فَتُمْطِرُنَا، ونَسْتَنْصِرُهَا فَتَنْصُرُنَا، فَقَالَ لَهُمْ: أَفَلَا تُعْطُونَنِي مِنْهَا صَنَمًا، فَأَسِيرَ بِهِ إلَى أَرْضِ الْعَرَبِ، فَيَعْبُدُوهُ؟ [1] فَأَعْطَوْهُ صَنَمًا يُقَالُ لَهُ هُبَلُ، فَقَدِمَ بِهِ مَكَّةَ، فَنَصَبَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِعِبَادَتِهِ وَتَعْظِيمِهِ [2] . (أَوَّلُ عِبَادَةِ الْحِجَارَةِ كَانَتْ فِي بَنِي إسْمَاعِيلَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَيَزْعُمُونَ أَنَّ أَوَّلَ مَا كَانَتْ عِبَادَةُ الْحِجَارَةِ فِي بَنِي إسْمَاعِيلَ، أَنَّهُ كَانَ لَا يَظْعَنُ مِنْ مَكَّةَ ظَاعِنٌ مِنْهُمْ، حِينَ ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ، وَالْتَمَسُوا الفَسَحَ فِي الْبِلَادِ، إلَّا حَمَلَ مَعَهُ حَجَرًا مِنْ حِجَارَةِ الْحَرَمِ تَعْظِيمًا لِلْحَرَمِ، فَحَيْثُمَا نَزَلُوا وَضَعُوهُ فَطَافُوا بِهِ كَطَوَافِهِمْ بِالْكَعْبَةِ، حَتَّى سَلَخَ ذَلِكَ بِهِمْ [3] إلَى أَنْ كَانُوا يَعْبُدُونَ مَا اسْتَحْسَنُوا مِنْ الْحِجَارَةِ، وَأَعْجَبَهُمْ، حَتَّى خَلَفَ الْخُلُوفُ [4] ، وَنَسُوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَاسْتَبْدَلُوا بِدِينِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ غَيْرَهُ، فَعَبَدُوا الْأَوْثَانَ، وَصَارُوا إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْأُمَمُ قَبْلَهُمْ مِنْ الضَّلَالَاتِ، وَفِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ بَقَايَا مِنْ عَهْدِ إبْرَاهِيمَ يَتَمَسَّكُونَ بِهَا، مِنْ تَعْظِيمِ الْبَيْتِ، وَالطَّوَافِ بِهِ، وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَالْوُقُوفِ عَلَى عَرَفَةَ

_ [1] فِي الْأُصُول: «فيعبدونه» . [2] وَيُقَال: إِنَّه أول مَا كَانَ من أَمر عَمْرو هَذَا فِي عبَادَة الْأَصْنَام: أَنه كَانَ حِين غلبت خُزَاعَة على الْبَيْت، ونفت جرهم عَن مَكَّة، جعلته الْعَرَب رَبًّا لَا يبتدع لَهُم بِدعَة إِلَّا اتَّخَذُوهَا شرعة، لِأَنَّهُ كَانَ يطعم النَّاس ويكسوهم فِي الْمَوْسِم، فَرُبمَا نحر فِي الْمَوْسِم عشرَة آلَاف بَدَنَة، وكسا عشرَة آلَاف حلَّة، وَكَانَت هُنَاكَ صَخْرَة يلت عَلَيْهَا السويق للحجاج رجل من ثَقِيف، وَكَانَت تسمى صَخْرَة اللات (أَي الّذي يلت الْعَجِين) فَلَمَّا مَاتَ هَذَا الرجل، قَالَ لَهُم عَمْرو: إِنَّه لم يمت، وَلَكِن دخل فِي الصَّخْرَة، وَأمرهمْ بعبادتها، وَأَن يبنوا عَلَيْهَا بَيْتا يُسمى اللات. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [3] سلخ بهم: خرج بهم. [4] الخلوف: جمع خلف (بِالْفَتْح) ، وَهُوَ الْقرن بعد الْقرن.

(الأصنام عند قوم نوح) :

وَالْمُزْدَلِفَةِ، وَهَدْيِ الْبُدْنِ، وَالْإِهْلَالِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، مَعَ إدْخَالِهِمْ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ. فَكَانَتْ كِنَانَةُ وَقُرَيْشٌ إذَا أَهَلُّوا قَالُوا: «لَبَّيْكَ اللَّهمّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، إلَّا شَرِيكٌ هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ» . فَيُوَحِّدُونَهُ بِالتَّلْبِيَةِ، ثُمَّ يُدْخِلُونَ مَعَهُ أَصْنَامَهُمْ، وَيَجْعَلُونَ مِلْكَهَا بِيَدِهِ. يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمُحَمَّدِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ باللَّه إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ» . أَيْ مَا يُوَحِّدُونَنِي لِمَعْرِفَةِ حَقِّي إلَّا جَعَلُوا مَعِي شَرِيكًا مِنْ خَلْقِي. (الْأَصْنَامُ عِنْدَ قَوْمِ نُوحٍ) : وَقَدْ كَانَتْ لِقَوْمِ نُوحٍ أَصْنَامٌ قَدْ عَكَفُوا عَلَيْهَا، قَصَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَبَرَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «وَقالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ، وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً، وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً 71: 23- 24» . (الْقَبَائِلُ وَأَصْنَامُهَا، وَشَيْءٌ عَنْهَا) : فَكَانَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا تَلِكَ الْأَصْنَامَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَغَيْرِهِمْ وَسَمَّوْا بِأَسْمَائِهِمْ حِينَ فَارَقُوا دِينَ إسْمَاعِيلَ: هُذَيْلَ بْنَ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ، اتَّخَذُوا سُوَاعًا، فَكَانَ لَهُمْ بُرْهَاطُ [1] . وَكَلْبُ بْنُ وَبْرَةَ مِنْ قُضَاعَةَ، اتَّخَذُوا وَدًّا بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ [2] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ: وَنَنْسَى اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَوَدَّا ... وَنَسْلُبُهَا الْقَلَائِدَ وَالشُّنُوفَا [3] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. (رَأْيُ ابْنِ هِشَامٍ فِي نَسَبِ كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَلْبُ بْنُ وَبْرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ ابْن قُضَاعَةَ.

_ [1] رهاط: من أَرض يَنْبع. [2] دومة الجندل (بِضَم أَوله وفتحه، وَقد أنكر ابْن دُرَيْد الْفَتْح وعده من أغلاط الْمُحدثين) : من أَعمال الْمَدِينَة، سميت بدوم بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [3] الشنوف: جمع شنف، وَهُوَ القرط الّذي يَجْعَل فِي الْأذن.

(يغوث وعبدته) :

(يَغُوثُ وَعَبَدَتُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَنْعُمُ مِنْ طيِّئ، وَأَهْلُ جُرَشَ [1] مِنْ مَذْحِجَ اتَّخَذُوا يَغُوثَ بِجُرَشَ [2] . (رَأْيُ ابْنِ هِشَامٍ فِي أَنْعُمَ، وَفِي نَسَبِ طيِّئ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: أَنْعُمُ. وطيِّئ ابْنُ أُدَدَ بْنِ مَالِكٍ، وَمَالِكٌ: مَذْحِجُ بْنُ أُدَدَ، وَيُقَالُ: طيِّئ ابْن أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ. (يَعُوقُ وَعَبَدَتُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَيْوَانُ [3] بَطْنٌ مِنْ هَمْدَانَ، اتَّخَذُوا يَعُوقَ بِأَرْضِ هَمْدَانَ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ [4] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ [5] مَالِكُ بْنُ نَمَطٍ الْهَمْدَانِيُّ [6] :

_ [1] الْمَعْرُوف أَن جرش فِي حمير، وَأَن مذْحج من كهلان بن سبإ. وَذكر الدارقطنيّ أَن جرش وحرش (بِالْحَاء الْمُهْملَة) أَخَوان، وأنهما ابْنا عليم بن جناب الْكَلْبِيّ، فهما قبيلان من كلب. (رَاجع الرَّوْض الْأنف ص 63، وَشرح السِّيرَة ص 29) . وَعبارَة ابْن الْكَلْبِيّ فِي الْأَصْنَام: «واتخذت مذْحج وَأهل جرش» فَلم يَجْعَل هُوَ الآخر جرش من مذْحج. [2] جرش (بِالضَّمِّ ثمَّ الْفَتْح وشين مُعْجمَة) : من مخاليف الْيمن من جِهَة مَكَّة. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [3] وخيوان أَيْضا: قَرْيَة لَهُم من صنعاء على لَيْلَتَيْنِ مِمَّا يَلِي مَكَّة، وَكَانَ بهَا يعوق هَذَا. [4] قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ فِي كِتَابه الْأَصْنَام: «وَلم أسمع هَمدَان وَلَا غَيرهَا من الْعَرَب سمت بِهِ، وَلم أسمع لَهَا وَلَا لغَيْرهَا فِيهِ شعرًا، وأظن ذَلِك لأَنهم قربوا من صنعاء، وَاخْتلفُوا بحمير، فدانوا مَعَهم باليهودية، أَيَّام تهود ذِي نواس، فتهودوا مَعَه. وَيرد عَلَيْهِ مَا أوردهُ هُنَا ابْن هِشَام لمَالِك بن نمط الهمدانيّ فِي يعوق من الشّعْر، فَلَعَلَّ ابْن الْكَلْبِيّ لم يَقع عَلَيْهِ، أَو لَعَلَّه يُرِيد أَن يعوق كَانَ أقل خطرا وأركد ذكرا» . [5] مَكَان هَذِه الْعبارَة وَالْبَيْت وَمَا يتَعَلَّق بِهِ، فِيمَا سَيَأْتِي بعد: « ... بن الْخِيَار» . وَقيل: «وَيُقَال هَمدَان ... إِلَخ» . وَقد رَأينَا تَقْدِيمهَا عَن موضعهَا ليتصل سِيَاق الحَدِيث عَن هَمدَان من غير فصل، وَقد يكون هَذَا مَكَانهَا الأول. [6] هُوَ أَبُو ثَوْر: ويلقب ذَا المعشار، وَهُوَ من بنى خارف، وَقيل إِنَّه من يام بن أصى، وَكِلَاهُمَا من هَمدَان. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .

(همدان ونسبه) :

يَرِيشُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَيَبْرِي ... وَلَا يَبْرِي يَعُوقُ وَلَا يَرِيشُ [1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. (هَمْدَانُ وَنَسَبُهُ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اسْمُ هَمْدَانَ: أَوْسَلَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَوْسَلَةَ بْنِ الْخِيَارِ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَالُ: أَوْسَلَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَوْسَلَةَ ابْن الْخِيَارِ. وَيُقَالُ: هَمْدَانُ بْنُ أَوْسَلَةَ بْنِ رَبِيعَةَ [2] بْنِ مَالِكِ بْنِ الْخِيَارِ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ [3] . (نَسْرٌ وَعَبَدَتُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذُو الْكُلَاعِ [4] مِنْ حِمْيَرَ، اتَّخَذُوا نَسْرًا بِأَرْضِ حِمْيَرَ [5] . (عُمْيَانِسُ وَعَبَدَتُهُ) : وَكَانَ لِخَوْلَانَ صَنَمٌ يُقَالُ لَهُ عُمْيَانِسُ [6] بِأَرْضِ خَوْلَانَ، يَقْسِمُونَ لَهُ مِنْ أنعامهم وحروثهم قسم بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ بِزَعَمِهِمْ، فَمَا دَخَلَ فِي حَقِّ عُمْيَانِسَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي سَمَّوْهُ لَهُ تَرَكُوهُ لَهُ، وَمَا دَخَلَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَقِّ عُمْيَانِسَ رَدُّوهُ عَلَيْهِ. وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ خَوْلَانَ، يُقَالُ لَهُمْ الْأَدِيمُ، وَفِيهِمْ أَنَزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيمَا يَذْكُرُونَ: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً، فَقالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ، وَهذا لِشُرَكائِنا، فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ 6: 136

_ [1] يريش ويبري: من رَشَّتْ السهْم وبريته، ثمَّ استعير فِي النَّفْع والضر. [2] فِي أ: «ربيعَة بن الْخِيَار بن مَالك ... إِلَخ» . [3] والّذي فِي الِاشْتِقَاق لِابْنِ دُرَيْد: أَنه أوسلة بن الْخِيَار بن مَالك بن زيد بن كهلان. [4] الّذي فِي الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ: أَن عَمْرو بن لحي دفع نسرا هَذَا إِلَى رجل من ذِي رعين من حمير يُقَال لَهُ معديكرب. [5] كَانَ هَذَا الصَّنَم بِأَرْض يُقَال لَهَا: بلخع، مَوضِع من أَرض سبإ، وَلم تزل تعبده حمير وَمن والاها حَتَّى هودهم ذُو نواس. (رَاجع الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ، ومعجم الْبلدَانِ لياقوت ج 4 ص 780 طبع أوربا) . [6] كَذَا فِي الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ. وَفِي أَكثر الْأُصُول: «غم أنس» . وَفِي أوعمود النّسَب للشَّيْخ أَحْمد البدوي الشنقيطى: «عَم أنس» ، وَقد نبه المرحوم أَحْمد زكى باشا أَنه لم يعثر على اسْم كَهَذا الّذي ورد فِي السِّيرَة فِي كتب اللُّغَة.

(نسب خولان) :

إِلَى اللَّهِ، وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ، ساءَ مَا يَحْكُمُونَ 6: 136. (نَسَبُ خَوْلَانَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خَوْلَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ، وَيُقَالُ: خَوْلَانُ ابْن عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ [1] بْنِ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مِهْسَعَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَرِيبِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَالُ: خَوْلَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ بْنِ مَذْحِجَ. (سَعْدٌ وَعَبَدَتُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ لِبَنِي [2] مِلْكَانَ [3] بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ صَنَمٌ، يُقَالُ لَهُ سَعْدٌ، صَخْرَةٌ بِفَلَاةِ [4] مِنْ أَرْضِهِمْ طَوِيلَةٌ. فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي مِلْكَانَ بِإِبِلِ لَهُ مُؤَبَّلَةٌ [5] لِيَقِفَهَا عَلَيْهِ، الْتِمَاسَ بَرَكَتِهِ، فِيمَا يَزْعُمُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الْإِبِلُ، وَكَانَتْ مَرْعِيَّةً لَا تُرْكَبُ، وَكَانَ يُهْرَاقُ عَلَيْهِ الدِّمَاءُ، نَفَرَتْ مِنْهُ، فَذَهَبَتْ فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَغَضِبَ رَبُّهَا الْمِلْكَانِيُّ، فَأَخَذَ حَجَرًا فَرَمَاهُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، نَفَّرْتَ عَلَيَّ إبِلِي، ثُمَّ خَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى جَمَعَهَا، فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ لَهُ قَالَ: أَتَيْنَا إلَى سَعْدٍ لِيَجْمَعَ شَمْلَنَا ... فَشَتَّتَنَا سَعْدٌ فَلَا نَحْنُ مِنْ سَعْدِ وَهَلْ سَعْدُ إلَّا صَخْرَةٌ بِتَنُوفَةٍ [6] ... مِنْ الْأَرْضِ لَا تَدْعُو [7] لِغَيٍّ وَلَا رُشْدٍ (صَنَمُ دَوْسٍ) : وَكَانَ فِي دَوْسٍ صَنَمٌ [8] لِعَمْرِو بْنِ حُمَمَةَ الدَّوْسِيِّ.

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «برة» . [2] عبارَة الْأَصْنَام: «وَكَانَ لمَالِك وملكان ابْني كنَانَة» . [3] كل ملكان فِي الْعَرَب: فَهُوَ بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون اللَّام، غير ملكان فِي قضاعة، وملكان فِي السّكُون، فإنّهما بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام. [4] وَكَانَت تِلْكَ الفلاة بساحل جدة: (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ ج 3 ص 92 طبع أوربا، والأصنام لِابْنِ الْكَلْبِيّ) . [5] إبل مؤبلة: تتَّخذ للْقنية. [6] التنوفة: القفر من الأَرْض الّذي لَا ينْبت شَيْئا. [7] كَذَا فِي الْأُصُول والأصنام، وَفِي مُعْجم الْبلدَانِ لياقوت: «لَا يدعى» . [8] وَكَانَ يُقَال لهَذَا الصَّنَم: «ذُو الْكَفَّيْنِ» . وَكَانَ لبني منْهب بن دوس بعد دوس، وَلما أَسْلمُوا بعث النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطُّفَيْل بن عَمْرو الدوسيّ فحرقه (رَاجع الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ) . 6- سيرة ابْن هِشَام- 1

(نسب دوس) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَأَذْكُرُ حَدِيثَهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (نَسَبُ دَوْسٍ) : دوس ابْن عُدْثَانَ [1] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَهْرَانَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَصْرِ بْنِ الْأَسَدِ بْنِ الْغَوْثِ. وَيُقَالُ: دَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَهْرَانَ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ. (هُبَلُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ اتَّخَذَتْ صَنَمًا عَلَى بِئْرٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ يُقَالُ لَهُ: هُبَلُ [2] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَأَذْكُرُ حَدِيثه إِن سَاءَ اللَّهُ فِي مَوْضِعِهِ. (إسَافٌ وَنَائِلَةٌ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ عَنْهُمَا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاتَّخذُوا إسَافًا [3] وَنَائِلَةً، عَلَى مَوْضِعِ زَمْزَمَ [4] يَنْحَرُونَ عِنْدَهُمَا. وَكَانَ إسَافٌ وَنَائِلَةٌ رَجُلًا وَامْرَأَةً مِنْ جُرْهُمٍ- هُوَ إسَافُ بْنُ بَغْيٍ [5] ، وَنَائِلَةُ بِنْتُ [6] دِيكٍ- فَوَقَعَ إسَافٌ عَلَى نَائِلَةٍ فِي الْكَعْبَةِ، فَمَسَخَهُمَا اللَّهُ حَجَرَيْنِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ أَنَّهَا قَالَتْ:

_ [1] كَذَا فِي أوالاشتقاق لِابْنِ دُرَيْد. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عدنان» . [2] وَكَانَ هُبل أعظم أصنام الْعَرَب الَّتِي فِي جَوف الْكَعْبَة وحولها، وَكَانَ من عقيق أَحْمَر على صُورَة إِنْسَان، مكسور الْيَد الْيُمْنَى، أَدْرَكته قُرَيْش كَذَلِك، فَجعلُوا لَهُ يدا من ذهب، وَكَانَ أول من نَصبه خُزَيْمَة ابْن مدركة بن الْيَأْس بن مُضر، وَكَانَ يُقَال لَهُ: هُبل خُزَيْمَة، وَكَانَت تضرب عِنْده القداح: (رَاجع الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ) . [3] هُوَ بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا. (رَاجع شرح الْقَامُوس مَادَّة أَسف) . [4] وَكَانَ أحد هذَيْن الصنمين أَولا بلصق الْكَعْبَة، وَالْآخر فِي مَوضِع زَمْزَم، فنقلت قُرَيْش الّذي كَانَ بلصق الْكَعْبَة إِلَى الآخر، فَكَانَا فِي موضعهما هَذَا. (رَاجع الآلوسي وَابْن الْكَلْبِيّ) . [5] وَقيل: هُوَ إساف بن يعلى، كَمَا قيل إِنَّه إساف بن عَمْرو، وَقيل: ابْن بغاة. (رَاجع الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ. ومعجم الْبلدَانِ، وَشرح الْقَامُوس مادتي أَسف ونال، وبلوغ الأرب ج 2 ص 217) . [6] وَيُقَال: هِيَ نائلة بنت زيد من جرهم، كَمَا قيل: إِنَّهَا نائلة بنت سهل: كَمَا يُقَال إِنَّهَا بنت ذِئْب أَو بنت زفيل. (رَاجع ابْن الْكَلْبِيّ وبلوغ الأرب ومعجم الْبلدَانِ وَشرح الْقَامُوس) .

(ما كان يفعله العرب مع الأصنام) :

سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ: مَا زِلْنَا نَسْمَعُ أَنَّ إسَافًا وَنَائِلَةً كَانَا رَجُلًا وَامْرَأَةً مِنْ جُرْهُمٍ، أَحْدَثَا [1] فِي الْكَعْبَةِ، فَمَسَخَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى حَجَرَيْنِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ [2] : وَحَيْثُ يُنِيخُ الْأَشْعَرُونَ رِكَابَهُمْ ... بِمُفْضَى السُّيُولِ مِنْ إسَافٍ وَنَائِلِ [3] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَا كَانَ يَفْعَلُهُ الْعَرَبُ مَعَ الْأَصْنَامِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاِتَّخَذَ أَهْلُ كُلِّ دَارٍ فِي دَارِهِمْ صَنَمًا يَعْبُدُونَهُ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ سَفَرًا تَمَسَّحَ بِهِ حِينَ يَرْكَبُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ مَا يَصْنَعُ حِينَ يَتَوَجَّهُ إلَى سَفَرِهِ، وَإِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ تَمَسَّحَ بِهِ فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا يَبْدَأُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى أَهْلِهِ فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْحِيدِ، قَالَتْ قُرَيْشٌ: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا، إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ. وَكَانَتْ الْعَرَبُ قَدْ اتَّخَذَتْ مَعَ الْكَعْبَةِ طَوَاغِيتَ وَهِيَ بُيُوتٌ تُعَظِّمُهَا كَتَعْظِيمِ الْكَعْبَةِ، لَهَا سَدَنَةٌ وَحُجَّابٌ، وَتُهْدِي لَهَا كَمَا تُهْدِي لِلْكَعْبَةِ، وَتَطوف بهَا كَطَوَافِهَا بِهَا، وَتَنْحَرُ عِنْدَهَا. وَهَى تَعْرِفُ فَضْلَ الْكَعْبَةِ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا كَانَتْ قَدْ عَرَفَتْ أَنَّهَا بَيْتُ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَمَسْجِدُهُ. (الْعُزَّى وَسَدَنَتُهَا) : فَكَانَتْ لِقُرَيْشِ وَبَنِيَّ كِنَانَةَ الْعُزَّى [4]

_ [1] يُرِيد الْحَدث الّذي هُوَ الْفُجُور. وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: «من أحدث حَدثا أَو آوى مُحدثا فَعَلَيهِ لعنة الله» . [2] وَقَالَ أَبُو طَالب هَذَا الشّعْر يحلف باساف ونائلة حِين تحالفت قُرَيْش على بنى هَاشم فِي أَمر النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَاجع الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ) . [3] وَقبل هَذَا الْبَيْت: أحضرت عِنْد الْبَيْت رهطي ومعشرى ... وَأَمْسَكت من أثوابه بالوصائل (الوصائل: ثِيَاب يَمَانِية بيض، أَو مخططة بخطوط بيض وحمر) . [4] والعزى: أحدث من اللات وَمَنَاة، فقد سمت الْعَرَب بهما قبل الْعُزَّى، فقد سمى تَمِيم بن مرابنه بزيد مَنَاة، كَمَا سمى ثَعْلَبَة بن عكابة ابْنه بتيم اللات، وَكَانَ عبد الْعُزَّى بن كَعْب من أقدم مَا سمت بِهِ الْعَرَب، وَكَانَ الّذي اتخذ الْعُزَّى ظَالِم بن أسعد، وَكَانَت أعظم الْأَصْنَام عِنْد قُرَيْش، وَكَانُوا يزورونها، ويهدون لَهَا، ويتقربون عِنْدهَا بِالذبْحِ. وَقد قيل: إِن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكرهَا يَوْمًا، فَقَالَ: «لقد

بِنَخْلَةٍ [1] ، وَكَانَ سَدَنَتَهَا وَحُجَّابَهَا بَنُو شَيْبَانَ [2] ، مِنْ سُلَيْمٍ، حُلَفَاءِ بَنِي هَاشِمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حُلَفَاءُ (بَنِي) [3] أَبِي طَالِبٍ خَاصَّةً، وَسُلَيْمٌ: سُلَيْمُ بْنُ مَنْصُورِ ابْن عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ شَاعِرٌ مِنْ الْعَرَبِ: لَقَدْ أُنْكِحَتْ أَسْمَاءُ رَأْسَ [4] بُقَيْرَةٍ ... مِنْ الْأُدْمِ أَهْدَاهَا امْرُؤٌ مِنْ بَنِي غَنْمِ [5] رَأَى قَدَعَا [6] فِي عَيْنِهَا إذْ يَسُوقُهَا ... إلَى غَبْغَبِ الْعُزَّى فَوَسَّعَ [7] فِي الْقَسْمِ وَكَذَلِكَ كَانُوا يَصْنَعُونَ إذَا نَحَرُوا هَدْيًا قَسَّمُوهُ فِي مَنْ حَضَرَهُمْ. وَالْغَبْغَبُ: الْمَنْحَرُ وَمِهْرَاقُ الدِّمَاءِ.

_ [ () ] أهديت للعزى شَاة عفراء، وَأَنا على دين قومِي» . وَلَقَد بلغ من حرص قُرَيْش على عبادتها أَنه لما مرض أَبُو أحيحة مَرضه الّذي مَاتَ فِيهِ دخل عَلَيْهِ أَبُو لَهب يعودهُ، فَوَجَدَهُ يبكى، فَقَالَ: مَا يبكيك يَا أَبَا أحيحة! أَمن الْمَوْت تبكى، وَلَا بُد مِنْهُ؟ قَالَ: لَا وَالله، وَلَكِن أَخَاف أَن لَا تعبد الْعُزَّى بعدِي، قَالَ أَبُو لَهب: وَالله مَا عبدت حياتك لِأَجلِك، وَلَا تتْرك عبادتها بعْدك لموتك، فَقَالَ أَبُو أحيحة: الْآن علمت أَن لي للَّه خَليفَة. وَأَعْجَبهُ من أَبى لَهب شدَّة نَصبه فِي عبادتها: (رَاجع الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ، ومعجم الْبلدَانِ لياقوت) . [1] هِيَ نَخْلَة الشامية، وَكَانَت الْعُزَّى بواد مِنْهَا، يُقَال لَهُ الحراض، بِإِزَاءِ الغمير عَن يَمِين المصعد إِلَى الْعرَاق من مَكَّة، وَذَلِكَ فَوق ذَات عرق إِلَى الْبُسْتَان بِتِسْعَة أَمْيَال، وَقد حمت قُرَيْش للعزى شعبًا من وَادي الحراض، يُقَال لَهُ: سقام. يضاهون بِهِ حرم الْكَعْبَة. (رَاجع الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ، ومعجم الْبلدَانِ لياقوت) . [2] وشيبان: ابْن جَابر بن مرّة بن عبس بن رِفَاعَة بن الْحَارِث بن عتبَة بن سليم بن مَنْصُور. وَكَانَ آخر من سدنها من بنى شَيبَان دبية بن حرمي السّلمِيّ، وَله يَقُول أَبُو خرَاش الْهُذلِيّ- وَكَانَ قد قدم عَلَيْهِ فحذاه نَعْلَيْنِ- أبياتا، مِنْهَا: حذانى بعد مَا خدمت نعالى ... دبية، إِنَّه نعم الْخَلِيل (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ ج 3 ص 665 طبع أوربا، والأصنام لِابْنِ الْكَلْبِيّ) . [3] زِيَادَة عَن أ. [4] فِي الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ: «لحي» . واللحى: عظم الحنك، وَهُوَ الّذي عَلَيْهِ الْأَسْنَان. [5] هُوَ غنم بن فراس بن كنَانَة. [6] كَذَا فِي الْأُصُول، والقدع: السدر فِي الْعين، وَفِي الْفَائِق للزمخشري: القدع: انسلاق الْعين من كَثْرَة الْبكاء. وَفِي الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ: «قذعا» بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة. والقذع: الْبيَاض. [7] كَذَا فِي الْأُصُول. وَفِي الْأَصْنَام: «فَوضع» . وَفِي الْفَائِق للزمخشري: «فَنصف» . يُرِيد أَن يشبه هَذَا الممدوح بِرَأْس بقرة قد قاربت أَن يذهب بصرها، فَلَا تصلح إِلَّا للذبح والتقسيم.

(معنى السدنة) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ لِأَبِي خِرَاشٍ: الْهُذَلِيِّ [1] ، وَاسْمُهُ خُوَيْلِدُ بْنُ مُرَّةَ، فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. (مَعْنَى السَّدَنَةِ) : وَالسَّدَنَةُ: الَّذِينَ يَقُومُونَ بِأَمْرِ الْكَعْبَةِ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ: فَلَا وَرَبِّ الْآمِنَاتِ الْقُطَّنِ [2] ... بِمَحْبَسِ الْهَدْى وَبَيْتِ الْمَسْدَنِ وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ [3] فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ، وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهِ. (اللَّاتُ وَسَدَنَتُهَا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ اللَّاتُ [4] لِثَقِيفِ بِالطَّائِفِ، وَكَانَ سَدَنَتَهَا وَحُجَّابَهَا بَنُو مُعَتِّبٍ [5] مِنْ ثَقِيفٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهِ. (مَنَاةُ وَسَدَنَتُهَا وَهَدْمُهَا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ مَنَاةُ [6] لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَمَنْ دَانَ بِدِينِهِمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ، عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُشَلَّلِ بِقُدَيْدٍ [7] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ أَحَدُ بَنِي أَسْدِ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ: وَقَدْ آلَتْ قَبَائِلُ لَا تُوَلَّى ... مَنَاةَ ظُهُورَهَا مُتَحَرَّفِينَا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ:

_ [1] قَالَ أَبُو خرَاش هَذَا الشّعْر يهجو بِهِ رجلا تزوج امْرَأَة جميلَة يُقَال لَهَا أَسمَاء. [2] يُرِيد حمام مَكَّة، لِأَنَّهُ آمن فِي حرمه والأرجوزة فِي ديوانه، طبع ليبسج (160- 165) . [3] هَذَا على أَنه من مشطور الرجز. [4] وَهِي أحدث من مَنَاة، وَكَانَت صَخْرَة مربعة. [5] فِي الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ: «وَكَانَ سدنتها من ثَقِيف بَنو عتاب بن مَالك» . [6] وَكَانَت مَنَاة أقدمها كلهَا، وَلم يكن أحد أَشد إعظاما لَهَا من الْأَوْس والخزرج. (رَاجع الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ) . [7] قديد: مَوضِع قرب مَكَّة. والمشلل: جبل يهْبط مِنْهُ إِلَى قديد من نَاحيَة الْبَحْر. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .

(ذو الخلصة وسدنته وهدمه) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهَا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ فَهَدَمَهَا. وَيُقَالُ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ [1] . (ذُو الْخَلَصَةِ وَسَدَنَتُهُ وَهَدْمُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ ذُو الْخَلَصَةِ [2] لِدَوْسٍ وَخَثْعَمَ وَبَجِيلَةَ، وَمَنْ كَانَ بِبِلَادِهِمْ مِنْ الْعَرَبِ بِتَبَالَةَ [3] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: ذُو الْخُلُصَةِ. قَالَ: رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ: لَوْ كُنْتَ يَا ذَا الْخُلُصِ الْمَوْتُورَا ... مِثْلِي وَكَانَ شَيْخُكَ الْمَقْبُورَا لَمْ تَنْهَ عَنْ قَتْلِ الْعُدَاةِ زُورَا قَالَ: وَكَانَ أَبُوهُ قُتِلَ، فَأَرَادَ الطَّلَبَ بِثَأْرِهِ، فَأَتَى ذَا الْخَلَصَةِ، فَاسْتَقْسَمَ عِنْدَهُ بِالْأَزْلَامِ، فَخَرَجَ السَّهْمُ بِنَهْيِهِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُنْحِلُهَا امْرَأَ الْقَيْسِ بْنِ حُجْرٍ الْكِنْدِيَّ [4] . فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَرِيرَ ابْن عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ فَهَدَمَهُ.

_ [1] وعَلى هَذَا الرأى ابْن الْكَلْبِيّ فِي كِتَابه الْأَصْنَام، وَيُقَال إِن عليا لما هدمها أَخذ مَا كَانَ لَهَا، فَأقبل بِهِ إِلَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ فِيمَا أَخذ سيفان كَانَ الْحَارِث بن أَبى شمر الغساني ملك غَسَّان أهداهما لَهَا، أَحدهمَا يُسمى «مخذما» ، وَالْآخر «رسوبا» ، وهما سَيْفا الْحَارِث اللَّذَان ذكرهمَا عَلْقَمَة فِي شعره: فَقَالَ: مظَاهر سربالى حَدِيد عَلَيْهِمَا ... عقيلا سيوف: مخذم ورسوب فوهبهما النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلى. كَمَا يُقَال إِن عليا وجد هذَيْن السيفين فِي الْفلس، صنم للْعَرَب. وَإِلَى هَذَا الرأى الْأَخير ذهب ابْن إِسْحَاق عِنْد الْكَلَام على فلس. (رَاجع الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ وبلوغ الأرب ج 2 ص 218) . [2] وَكَانَ ذُو الخلصة مروة بَيْضَاء منقوشة عَلَيْهَا كَهَيئَةِ التَّاج، وَكَانَ سدنتها بَنو أُمَامَة، من باهلة ابْن أعصر. [3] تبَالَة: قرب مَكَّة على مسيرَة سبع لَيَال مِنْهَا، وَذُو الْخصْلَة الْيَوْم عتبَة بَاب مَسْجِد تبَالَة (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ، والأصنام، وخزانة الْأَدَب للبغدادى ج 1 ص 92. والآلوسي ج 2 ص 223) . [4] وَمن ينْحل هَذَا الرجز امْرأ الْقَيْس يَقُول إِنَّه هُوَ الّذي استقسم بالأزلام عِنْد ذِي الخلصة لما وترته بَنو أَسد بقتل أَبِيه، وَأَنه استقسم بِثَلَاثَة أزلام وَهِي الزاجر، والآمر، والمربض، فَخرج لَهُ الزاجر، فسب الصَّنَم ورماه بِالْحِجَارَةِ، وَقَالَ لَهُ: اعضض بظر أمك. وَأَنه لم يستقسم أحد عِنْد ذِي الخلصة بعده حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَام. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .

(فلس وسدنته وهدمه) :

(فِلْسٌ وَسَدَنَتُهُ وَهَدْمُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ فِلْسُ [1] لِطَيِّئٍ وَمَنْ يَلِيهَا بِجَبَلَيْ طيِّئ، يَعْنِي سَلْمَى وَأَجَأَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إلَيْهَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَهَدَمَهَا، فَوَجَدَ فِيهَا سَيْفَيْنِ، يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا: الرَّسُوبُ، وَلِلْآخِرِ: الْمِخْذَمُ. فَأَتَى بِهِمَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَهَبَهُمَا لَهُ، فَهُمَا سَيْفَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (رِئَامٌ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ لِحِمْيَرَ وَأَهْلِ الْيَمَنِ بَيْتٌ بِصَنْعَاءَ يُقَالُ لَهُ: رِئَامٌ [2] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَدْ ذَكَرْتُ حَدِيثَهُ فِيمَا مَضَى [3] . (رُضَاءٌ وَسَدَنَتُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ رُضَاءٌ [4] بَيْتًا لِبَنِي رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَلَهَا يَقُولُ المُسْتَوْغِرُ [5] بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدٍ حِينَ هَدَمَهَا فِي الْإِسْلَامِ: وَلَقَدْ شَدَدْتُ عَلَى رُضَاءٍ شَدَّةً ... فَتَرَكْتُهَا قَفْرًا بِقَاعِ أَسْحَمَا [6]

_ [1] كَذَا فِي الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ، وَكَانَ أنفًا أَحْمَر فِي وسط جبلهم الّذي يُقَال لَهُ أجأ، كَأَنَّهُ تِمْثَال إِنْسَان، وَكَانُوا يعبدونه ويهدون إِلَيْهِ، وَلَا يَأْتِيهِ خَائِف إِلَّا أَمن عِنْده، وَكَانَت سدنته بَنو بولان. وبولان هُوَ الّذي بَدَأَ بِعِبَادَتِهِ. وَفِي الأَصْل: قلس (بِالْقَافِ) ، وَهُوَ تَصْحِيف. [2] كَذَا فِي الْأُصُول، وَهُوَ يتَّفق وَمَا ذهب إِلَيْهِ الْبَغْدَادِيّ. وَفِي صفة جَزِيرَة الْعَرَب للهمدانى «ريام» بِالْمُثَنَّاةِ. [3] رَاجع الْكَلَام عَلَيْهِ (ص 28 من هَذَا الْجُزْء) . [4] وَيذكر بعض الروَاة أَنه «رضى» بِالْقصرِ، وَأوردهُ الْبَغْدَادِيّ ممدودا، وَورد ممدودا فِي بَيت المستوغر الْمَذْكُور بعد. [5] واسْمه كَعْب، وَقيل عَمْرو، وسمى مستوغرا لقَوْله: ينش المَاء فِي الربلات مِنْهُ ... نشيش الرضف فِي اللَّبن الوغير (رَاجع الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ، وَالرَّوْض الْأنف، وَكتاب المعمرين لأبى حَاتِم السجسْتانِي، ومعجم الْبلدَانِ) . [6] القاع: المنخفض من الأَرْض. وَرِوَايَة هَذَا الشّطْر فِي الْأَصْنَام: فتركتها تَلا تنَازع أسحما

(المستوغر وعمره) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ: فَتَرَكْتهَا قَفْرًا بِقَاعِ أَسْحَمَا عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَعْدٍ. (المُسْتَوْغِرُ وَعُمْرُهُ) : وَيُقَالُ: إنَّ الْمُسْتَوْغِرَ عُمِّرَ ثَلَاثَ ماِئَةِ سَنَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَكَانَ أَطْوَلَ مُضَرَ [1] كُلِّهَا عُمْرًا، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: وَلَقَدْ سَئِمْتُ مِنْ الْحَيَاةِ وَطُولِهَا ... وَعَمَرْتُ مِنْ عَدَدِ السنين مئينا مائَة حَدَتْهَا بَعْدَهَا مِائَتَانِ لِي ... وَازْدَدْتُ مِنْ عَدَدِ الشُّهُورِ سِنِينَا هَلْ مَا بَقِيَ إلَّا كَمَا قَدْ فَاتَنَا ... يَوْمٌ يَمُرُّ وَلَيْلَةٌ تَحْدُونَا وَبَعْضُ النَّاسِ يَرْوِي هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لِزُهَيْرِ بْنِ جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ [2] . (ذُو الْكَعَبَاتِ وَسَدَنَتُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ ذُو الْكَعَبَاتِ لِبَكْرِ وَتَغْلِبَ ابْنَيْ وَائِلٍ وَإِيَادٍ بِسَنْدَادٍ [3] وَلَهُ يَقُولُ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ: بَيْنَ الْخَوَرْنَقِ [4] وَالسَّدِيرِ وَبَارِقٍ ... وَالْبَيْتِ ذِي الْكَعَبَاتِ [5] مِنْ سَنْدَادِ

_ [1] ذكر بَعضهم أَن المستوغر حضر سوق عكاظ، وَمَعَهُ ابْن ابْنه وَقد هرم وَالْجد يَقُودهُ. فَقَالَ لَهُ رجل: ارْفُقْ بِهَذَا الشَّيْخ فقد طَال مَا رفق بك، فَقَالَ: وَمن ترَاهُ؟ قَالَ: هُوَ أَبوك أَو جدك، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا ابْن ابْني، فَقَالَ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ، وَلَا المستوغر بن ربيعَة، فَقَالَ: أَنا المستوغر، وَذكر هَذِه الأبيات، وَقد سَاق عَنهُ السجسْتانِي فِي المعمرين حَدِيثا طَويلا. [2] هُوَ من المعمرين أَيْضا: كالمستوغر بن ربيعَة، وَيُقَال إِنَّه عَاشَ 420 سنة، وأوقع مِائَتي وقْعَة، وَمن شعره لِبَنِيهِ: أبنى إِن أهلك فَإِنِّي ... قد بنيت لكم بنيه وتركتكم أَبنَاء سَادَات ... زنادهم وريه من كل مَا نَالَ الْفَتى ... قد نلته إِلَّا التَّحِيَّة (رَاجع كتاب المعمرين) . [3] سنداد (بِكَسْر السِّين وَفتحهَا) : منَازِل لاياد أَسْفَل سَواد الْكُوفَة، وَرَاء نَجْرَان الْكُوفَة. (عَن مُعْجم الْبلدَانِ) . [4] الخورنق: قصر بناه النُّعْمَان الْأَكْبَر ملك الْحيرَة لسابور ليَكُون وَلَده فِيهِ عِنْده، وبناه بنيانا عجيبا لم تَرَ الْعَرَب مثله، بناه لَهُ سنمار، وَله مَعَه حَدِيث مَشْهُور، وَمعنى السدير (بِالْفَارِسِيَّةِ) : بَيت الْملك [5] الكعبات: يُرِيد التربيع، وكل بِنَاء يبْنى مربعًا، فَهُوَ كعبة.

أمر البحيرة والسائبة والوصيلة والحامى

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ لِلْأَسْوَدِ بْنِ يَعْفُرَ النَّهْشَلِيِّ. نَهْشَلُ بْنُ دَارِمِ بْنِ مَالِكِ ابْن حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَأَنْشَدَنِيهِ أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ: أَهْلُ الْخَوَرْنَقِ وَالسَّدِيرِ وَبَارِقٍ ... وَالْبَيْتِ ذِي الشُّرُفَاتِ مِنْ سِنْدَادِ أَمْرُ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِي (رَأْيُ ابْنِ إِسْحَاقَ فِيهَا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَمَّا الْبَحِيرَةُ فَهِيَ بِنْتُ السَّائِبَةِ، وَالسَّائِبَةُ: النَّاقَةُ إذَا تَابَعَتْ بَيْنَ عَشْرِ إنَاثٍ لَيْسَ بَيْنَهُنَّ ذَكَرٌ، سُيِّبَتْ فَلَمْ يُرْكَبْ ظَهْرُهَا، وَلَمْ يُجَزَّ وَبَرُهَا وَلَمْ يَشْرَبْ لَبَنَهَا إلَّا ضَيْفٌ، فَمَا نُتِجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أُنْثَى شُقَّتْ أُذُنُهَا، ثُمَّ خُلِّيَ سَبِيلُهَا مَعَ أُمِّهَا فَلَمْ يُرْكَبْ ظَهْرُهَا، وَلَمْ يُجَزَّ وَبَرُهَا، وَلَمْ يَشْرَبْ لَبَنَهَا إلَّا ضَيْفٌ كَمَا فُعِلَ بِأُمِّهَا، فَهِيَ الْبَحِيرَةُ بِنْتُ السَّائِبَةِ. وَالْوَصِيلَةُ: الشَّاةُ إذَا أَتْأَمَتْ [1] عَشْرَ إنَاثٍ مُتَتَابِعَاتٍ فِي خَمْسَةِ أَبْطُنٍ، لَيْسَ بَيْنَهُنَّ ذَكَرٌ، جُعِلَتْ وَصِيلَةً. قَالُوا: قَدْ وَصَلَتْ، فَكَانَ مَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِلذُّكُورِ مِنْهُمْ دُونَ إنَاثِهِمْ، إلَّا أَنْ يَمُوتَ مِنْهَا شَيْءٌ فَيَشْتَرِكُوا فِي أَكْلِهِ، ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيَرْوِي: فَكَانَ مَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِذُكُورِ بَنِيهِمْ دُونَ بَنَاتِهِمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْحَامِي: الْفَحْلُ إذَا نُتِجَ لَهُ عَشْرُ إنَاثٍ مُتَتَابِعَاتٍ لَيْسَ بَيْنَهُنَّ ذَكَرٌ، حُمِيَ ظَهْرُهُ فَلَمْ يُرْكَبْ، وَلَمْ يُجَزَّ وَبَرُهُ، وَخُلِّيَ فِي إبِلِهِ يَضْرِبُ فِيهَا، لَا يُنْتَفَعُ مِنْهُ بِغَيْر ذَلِك. (رأى ابْن هِشَام فِيهَا) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا (كُلُّهُ) [2] عِنْدَ الْعَرَبِ عَلَى غَيْرِ هَذَا إلَّا الْحَامِي، فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ. فَالْبَحِيرَةُ عِنْدَهُمْ: النَّاقَةُ تُشَقُّ أُذُنُهَا فَلَا يُرْكَبُ ظَهْرُهَا، وَلَا يُجَزَّ وَبَرُهَا، وَلَا يَشْرَبُ لَبَنَهَا إلَّا ضَيْفٌ. أَوْ يُتَصَدَّقُ بِهِ،

_ [1] أتأمت: جَاءَت بِاثْنَيْنِ فِي بطن وَاحِد. [2] زِيَادَة عَن أ.

(البحيرة والسائبة والوصيلة والحامى لغة) :

وَتُهْمَلُ لِآلِهَتِهِمْ. وَالسَّائِبَةُ: الَّتِي يَنْذِرُ الرَّجُلُ أَنْ يسيبها إِن بَرِيء مِنْ مَرَضِهِ، أَوْ إنْ أَصَابَ أَمْرًا يَطْلُبُهُ. فَإِذَا كَانَ أَسَابَ نَاقَةً مِنْ إبِلِهِ أَوْ جَمَلًا لِبَعْضِ آلِهَتهمْ، فَسَابَتْ فَرَعَتْ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا. وَالْوَصِيلَةُ: الَّتِي تَلِدُ أُمُّهَا اثْنَيْنِ فِي كُلِّ بَطْنٍ، فَيَجْعَلُ صَاحِبُهَا لِآلِهَتِهِ الْإِنَاثَ (مِنْهَا) [1] وَلِنَفْسِهِ الذُّكُورُ مِنْهَا، فَتَلِدُهَا أُمُّهَا وَمَعَهَا ذَكَرٌ فِي بَطْنٍ، فَيَقُولُونَ: وَصَلَتْ أَخَاهَا. فَيُسَيَّبُ أَخُوهَا مَعَهَا فَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ [2] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ النَّحْوِيُّ وَغَيْرُهُ، رَوَى بَعْضٌ مَا لَمْ يَرْوِ بَعْضٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَزَلَ عَلَيْهِ: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ، وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ 5: 103 وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقالُوا مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا، وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا، وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ، سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ، إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ 6: 139. وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا، قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ 10: 59. وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ: مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمن الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ 6: 143 أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا، فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 6: 144. (الْبَحِيرَةُ وَالسَّائِبَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالْحَامِي لُغَةً) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ الشَّاعِرُ:

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] وَالْكَلَام فِي الْبحيرَة وَأَخَوَاتهَا كثير مُخْتَلف فِيهِ، وَقد ذكر الآلوسي معظمه. (رَاجع بُلُوغ الأرب ج 3 ص 34- 39) .

عدنا إلى سياقة النسب

حَوْلُ الْوَصَائِلِ [1] فِي شُرَيْفٍ [2] حِقَّةٌ ... وَالْحَامِيَاتُ ظُهُورَهَا وَالسُّيَّبُ وَقَالَ تَمِيمُ بْنُ أُبَيِّ (بْنِ) [3] مُقْبِلٍ أَحَدِ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ: فِيهِ مِنْ الْأَخْرَجِ [4] الْمِرْبَاعِ [5] قَرْقَرَةٌ [6] ... هَدْرَ الدِّيَافِي [7] وَسْطَ الْهَجْمَةِ الْبُحُرِ [8] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَجَمْعُ بَحِيرَةٍ: بَحَائِرُ وَبُحُرٌ. وَجَمْعُ وَصِيلَةٍ: وَصَائِلُ وَوُصَلٌ. وَجَمْعُ سَائِبَةٍ (الْأَكْثَرُ) : سَوَائِبُ وَسُيَّبُ. وَجَمْعُ حَامٍ (الْأَكْثَرُ) : حُوَّمٌ. عُدْنَا إلَى سِيَاقَةِ النَّسَبِ (نَسَبُ خُزَاعَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخُزَاعَةُ تَقُولُ: نَحْنُ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، مِنْ الْيَمَنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتَقُولُ خُزَاعَةُ: نَحْنُ بَنُو عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو ابْن عَامِرِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ، وَخِنْدِفُ أُمُّهَا [9] ، فِيمَا حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَيُقَالُ خُزَاعَةُ: بَنُو حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ خُزَاعَةَ لِأَنَّهُمْ تَخَزَّعُوا [10] مِنْ وَلَدِ عَمْرِو

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الفصائل» . [2] الشريف (مُصَغرًا) : مَاء لبني نمير، وَيُقَال إِنَّه سرة بِنَجْد، وَهُوَ أَمر نجد موضعا. قَالَ أَبُو زِيَاد: وَأَرْض بنى نمير: الشريف، دارها كلهَا بالشريف إِلَّا بَطنا وَاحِدًا بِالْيَمَامَةِ. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [3] زِيَادَة عَن أومعجم الْبلدَانِ، والإصابة. [4] الأخرج: الظليم الّذي فِيهِ بَيَاض وَسَوَاد، يُرِيد حمَار الْوَحْش. [5] كَذَا فِي الْأُصُول. والمرباع: الْفَحْل الّذي يبكر بالإلقاح، وَيُقَال للناقة أَيْضا: مرباع إِذا بكرت بالنتاج، وَقيل: المرباع: الّذي رعى فِي الرّبيع، ويروى: «المرياع» بِالْيَاءِ المنقوطة بِاثْنَتَيْنِ من أَسْفَل، على أَنه مفعال من رَاع يريع: أَي رَجَعَ. [6] القرقرة: هدير الْفَحْل. [7] دياف: (بِكَسْر أَوله) بلد بِالشَّام. وَقيل من قرى الجزيرة. [8] الهجمة: الْقطعَة من الْإِبِل. وَالْبَحْر: جمع بحيرة، وَهِي المشقوقة الآذان، وَجعلهَا بحرا لِأَنَّهَا تأمن من الغارات، يصفها بالمنعة والحماية كَمَا تأمن الْبحيرَة من أَن تذبح أَو تنحر. [9] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أمنا» . [10] تخزع: تَأَخّر وَانْقطع.

(أولاد مدركة وخزيمة) :

ابْن عَامِرٍ، حِينَ أَقْبَلُوا مِنْ الْيَمَنِ يُرِيدُونَ الشَّامَ، فَنَزَلُوا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَأَقَامُوا بِهَا. قَالَ عَوْنُ [1] بْنُ أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ الْخَزْرَجِ فِي الْإِسْلَامِ: فَلَمَّا هَبَطْنَا بَطْنَ مُرٍّ تَخَزَّعَتْ ... خُزَاعَةُ مِنَّا فِي خُيُولٍ [2] كَرَاكِرِ [3] حَمَتْ كُلَّ وَادٍ مِنْ تِهَامَةَ وَاحْتَمَّتْ ... بِصُمِّ الْقَنَا وَالْمُرْهِفَاتِ الْبَوَاتِرِ وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ أَبُو الْمُطَهَّرِ إسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيُّ، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ ابْن الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ. فَلَمَّا هَبَطْنَا بَطْنَ مَكَّةَ أَحْمَدَتْ ... خُزَاعَةُ دَارَ الْآكِلِ الْمُتَحَامِلِ فَحَلَّتْ أَكَارِيسَا [4] وَشَتَّتْ [5] قَنَابِلًا [6] ... عَلَى كُلِّ حَيٍّ بَيْنَ نَجْدٍ وَسَاحِلِ نَفَوْا جُرْهُمًا عَنْ بَطْنِ مَكَّةَ وَاحْتَبَوْا ... بِعِزِّ خُزَاعِيٍّ شَدِيدِ الْكَوَاهِلِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَأَنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَذْكُرُ نَفْيَهَا جُرْهُمًا فِي مَوْضِعِهِ. (أَوْلَادُ مُدْرِكَةَ وَخُزَيْمَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ مُدْرِكَةُ بْنُ إلْيَاسَ رَجُلَيْنِ: خُزَيْمَةَ بْنَ مُدْرِكَةَ، وَهُذَيْلَ بْنَ مُدْرِكَةَ، وَأُمُّهُمَا امْرَأَةٌ مِنْ قُضَاعَةَ. فَوَلَدَ خُزَيْمَةُ بْنُ مُدْرِكَةَ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ: كِنَانَةَ بْنَ خُزَيْمَةَ، وَأَسَدَ بْنَ خُزَيْمَةَ، وَأَسَدَةَ بْنَ [7] خُزَيْمَةَ،

_ [1] كَذَا فِي أ، ومعجم الْبلدَانِ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عَوْف» . وَهُوَ تَحْرِيف. [2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ. وَالرَّوْض الْأنف، وَشرح السِّيرَة: «حُلُول» . والحلول: الْبيُوت الْكَثِيرَة. [3] كراكر: جماعات، وَقيل هُوَ خَاص بجماعات الْخَيل. [4] كَذَا فِي أوشرح السِّيرَة. والأكاريس: الْجَمَاعَات من النَّاس. وَقد وَردت هَذِه الْكَلِمَة فِي سَائِر الْأُصُول محرفة. [5] كَذَا فِي شرح السِّيرَة. وشتت: فرقت. وَفِي أ: «سنت» ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «شنت» ، وَالظَّاهِر أَن كليهمَا مصحف عَمَّا أَثْبَتْنَاهُ. [6] القنابل: جمع قنبلة، وَهِي الْقطعَة من الْخَيل. [7] لم يذكر ابْن قُتَيْبَة فِي المعارف «أسدة» ولدا لخزيمة، وَاقْتصر على إخْوَته الثَّلَاثَة.

(أولاد كنانة وأمهاتهم) :

وَالْهُونَ بْنَ خُزَيْمَةَ، فَأُمُّ كِنَانَةَ عُوَانَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ الْهَوْنُ بْنُ خُزَيْمَةَ. (أَوْلَادُ كِنَانَةَ وَأُمَّهَاتُهُمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ كِنَانَةُ بْنُ خُزَيْمَةَ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ: النَّضَرَ بْنَ كِنَانَةَ، وَمَالِكَ بْنَ كِنَانَةَ، وَعَبْدَ مَنَاةَ بْنَ كِنَانَةَ، وَمِلْكَانَ بْنَ كِنَانَةَ [1] . فَأُمُّ النَّضْرِ بَرَّةُ بِنْتُ مُرِّ بْنِ أَدِّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ، وَسَائِرُ بَنِيهِ لِامْرَأَةِ أُخْرَى. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أُمُّ النَّضر وَمَالك زملكان: بَرَّةُ بِنْتُ مُرٍّ، وَأُمُّ عَبْدِ مَنَاةَ: هَالَةُ بِنْتُ سُوَيْدِ بْنِ الْغِطْرِيفِ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ. وَشَنُوءَةُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَصْرِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ، وَإِنَّمَا سُمُّوا شَنُوءَةَ، لِشَنَآنِ كَانَ بَيْنَهُمْ. والشَّنَآنُ: الْبُغْضُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: النَّضْرُ: قُرَيْشٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِهِ فَهُوَ قُرَشِيٌّ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِهِ فَلَيْسَ بِقُرَشِيٍّ. قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَطِيَّةَ أَحَدُ بَنِي كُلَيْبِ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ تَمِيمِ بْنِ يَمْدَحُ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ: فَمَا الْأُمُّ الَّتِي وَلَدَتْ قُرَيْشًا ... بِمُقْرِفَةِ النَّجَّارِ وَلَا عَقِيمِ [2] وَمَا قَرْمٌ [3] بِأَنْجَبَ مِنْ أَبِيكُمْ ... وَمَا خَالٌ بِأَكْرَمَ مِنْ تَمِيمِ يَعْنِي بَرَّةَ بِنْتَ مُرٍّ أُخْتَ تَمِيمِ بْنِ مُرٍّ، أُمُّ النَّضْرِ. وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَيُقَالُ: فِهْرُ بْنُ مَالِكٍ: قُرَيْشٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِهِ فَهُوَ قُرَشِيٌّ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِهِ فَلَيْسَ بِقُرَشِيٍّ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا مِنْ التَّقَرُّشِ، وَالتَّقَرُّشُ: التِّجَارَةُ وَالِاكْتِسَابُ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ: قَدْ كَانَ يُغْنِيهِمْ عَنْ الشُّغُوشِ ... وَالْخَشْلِ مِنْ تَسَاقُطِ الْقُرُوشِ شَحْمٌ وَمَحْضٌ لَيْسَ بِالْمَغْشُوشِ [4]

_ [1] وَزَاد الطَّبَرِيّ فِي ولد كنَانَة: عَامِرًا، والْحَارث، وَالنضير، وَغنما، وسعدا، وعوفا، وجرولا، وَالرِّجَال، وغزوان. [2] المقرفة: اللئيمة. والنجار: الأَصْل. والعقيم: الَّتِي لَا تحمل. [3] القرم: الْفَحْل من الْإِبِل، واستعاره هُنَا للرجل السَّيِّد. [4] من أرجوزة لَهُ يمدح الْحَارِث بن سليم الهُجَيْمِي (ديوَان طبع ليبسج 77- 79) .

(أولاد النضر وأمهاتهم) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالشُّغُوشُ: قَمْحٌ، يُسَمَّى الشُّغُوشَ. وَالْخَشْلُ: رُءُوسُ الْخَلَاخِيلِ وَالْأَسْوِرَةِ [1] وَنَحْوِهِ. وَالْقُرُوشُ: التِّجَارَةُ وَالِاكْتِسَابُ. يَقُولُ: قَدْ كَانَ يُغْنِيهِمْ عَنْ هَذَا شَحْمٌ وَمَحْضٌ. وَالْمَحْضُ: اللَّبَنُ الْحَلِيبُ الْخَالِصُ. وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. وَقَالَ أَبُو جِلْدَةَ [2] الْيَشْكُرِيُّ، وَيَشْكُرُ بْنُ بَكْرِ ابْن وَائِلٍ: إخْوَةٌ قَرَشُوا الذُّنُوبَ عَلَيْنَا ... فِي حَدِيثٍ مِنْ عُمْرِنَا وَقَدِيمِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَيُقَالُ: إنَّمَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا لِتَجَمُّعِهَا مِنْ بَعْدِ تَفَرُّقِهَا، وَيُقَالُ لِلتَّجَمُّعِ: التَّقَرُّشُ. (أَوْلَادُ النَّضْرِ وَأُمَّهَاتُهُمْ) : فَوَلَدَ النَّضْرُ بْنُ كِنَانَةَ رَجُلَيْنِ: مَالِكَ بْنَ النَّضْرِ، وَيَخْلُدَ بْنَ النَّضْرِ، فَأُمُّ مَالِكٍ: عَاتِكَةُ بِنْتُ عَدْوَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ، وَلَا أَدْرِي أَهِيَ أُمُّ يَخْلُدَ أَمْ لَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالصَّلْتُ بْنُ النَّضْرِ- فِيمَا قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيُّ- وَأُمُّهُمْ جَمِيعًا بِنْتُ سَعْدِ بْنِ ظَرِبٍ الْعَدْوَانِيِّ. وَعَدْوَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ. قَالَ كُثَيِّرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ أَحَدُ بَنِي مُلَيْحِ بْنِ عَمْرٍو، مِنْ خُزَاعَةَ: أَلَيْسَ أَبِي بِالصَّلْتِ أَمْ لَيْسَ إخْوَتِي ... لِكُلِّ هِجَانٍ مِنْ بَنِي النَّضْرِ أَزْهَرَا [3] رَأَيْتُ ثِيَابَ الْعَصْبِ مُخْتَلِطَ السَّدَى [4] ... بِنَّا وَبِهِمْ وَالْحَضْرَمِيَّ الْمُخَصَّرَا [5]

_ [1] وَيُقَال: الخشل (هُنَا) : الْمقل (هُوَ ثَمَر الدوم) . والقروش: مَا تساقط من حتاته، وتقشر مِنْهُ. [2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «أَبُو خلدَة» بخاء مُعْجمَة مَفْتُوحَة وَلَام سَاكِنة، كَمَا يرْوى: (حلزة) أَيْضا. [3] الهجان: الْكَرِيم، مَأْخُوذ من الهجنة، وَهِي الْبيَاض. والأزهر: الْمَشْهُور. [4] ثِيَاب العصب: ثِيَاب يمنية، لِأَنَّهَا تصبغ بالعصب. وَلَا ينْبت العصب وَلَا الورس إِلَّا بِالْيمن. يُرِيد أَن قدورنا من قدورهم، فسدى أثوابنا مختلط بسدى أثوابهم. [5] الحضرميّ: النِّعَال. والمخصرة: الَّتِي تضيق من جانبيها، كَأَنَّهَا نَاقِصَة الخصرين.

(ولد مالك بن النضر وأمه) :

فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا مِنْ بَنِي النَّضْرِ فَاتْرُكُوا ... أَرَاكًا بِأَذْنَابِ الْفَوَائِجِ [1] أَخْضَرَا وَهَذِهِ [2] الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَاَلَّذِينَ يُعْزَوْنَ إلَى الصَّلْتِ بْنِ النَّضْرِ مِنْ خُزَاعَةَ، بَنُو مُلَيْحِ بْنِ عَمْرٍو، رَهْطُ كُثَيِّرِ عَزَّةَ. (وَلَدُ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ وَأُمُّهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ مَالِكُ بْنُ النَّضْرِ فِهْرَ بْنَ مَالِكٍ، وَأُمُّهُ جَنْدَلَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيِّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَيْسَ بِابْنِ مُضَاضٍ الْأَكْبَرِ. (أَوْلَادُ فِهْرٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ فِهْرُ بْنُ مَالِكٍ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ: غَالِبَ بْنَ فِهْرٍ، وَمُحَارِبَ ابْن فِهْرٍ، وَالْحَارِثَ بْنَ فِهْرٍ، وَأَسَدَ بْنَ فِهْرٍ، وَأُمُّهُمْ لَيْلَى بِنْتُ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلِ ابْن مُدْرِكَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَجَنْدَلَةُ بِنْتُ فِهْرٍ، وَهِيَ أُمُّ يَرْبُوعِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ يَدِ [3] مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَأُمُّهَا لَيْلَى بِنْتُ سَعْدٍ. قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَطِيَّةَ بْنِ الْخَطَفِيِّ- وَاسْمُ الْخَطَفِيِّ حُذَيْفَةُ بْنُ بَدْرِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ حَنْظَلَةَ وَإِذَا غَضِبْتُ رَمَى وَرَائِي بِالْحَصَى ... أَبْنَاءُ جَنْدَلَةٍ كَخَيْرِ الْجَنْدَلِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. (أَوْلَادُ غَالِبٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ غَالِبُ بْنُ فِهْرٍ رَجُلَيْنِ: لُؤَيَّ بْنَ غَالِبٍ، وَتَيْمَ بْنَ غَالِبٍ، وَأُمُّهُمَا سَلْمَى [4] بِنْتُ عَمْرٍو الْخُزَاعِيِّ. وَتَيْمُ بْنُ غَالِبٍ: الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو الْأَدْرَمِ [5] .

_ [1] الفوائج: رُءُوس الأودية، وَقيل هِيَ عُيُون بِعَينهَا. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ: وَهَذِه ... إِلَخ» . [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «زيد بن مَنَاة» . [4] وَيُقَال إِن أم لؤيّ عَاتِكَة بنت يخلد بن النَّضر بن كنَانَة، وَهِي أول العواتك اللَّاتِي ولدن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قُرَيْش. (رَاجع الطَّبَرِيّ) . [5] الأدرم: المدفون الْكَعْبَيْنِ من اللَّحْم. وَهُوَ أَيْضا المتقوس الذقن، وَيُقَال إِن تيم بن غَالب كَانَ

(أولاد لؤي وأمهاتهم) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَيْسُ بْنُ غَالِبٍ، وَأُمُّهُ سَلْمَى بِنْتُ كَعْبِ [1] بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيِّ، وَهِيَ أُمُّ لُؤَيٍّ وَتَيْمٍ ابْنَيْ غَالِبٍ. (أَوْلَادُ لُؤَيٍّ وَأُمَّهَاتُهُمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ لُؤَيُّ بْنُ غَالِبٍ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ: كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ، وَعَامِرَ ابْن لُؤَيٍّ، وَسَامَةَ بْنَ لُؤَيٍّ، وَعَوْفَ [2] بْنَ لُؤَيٍّ، فَأُمُّ كَعْبٍ وَعَامِرٍ وَسَامَةَ: مَاوِيَّةُ [3] بِنْتُ كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ، مِنْ قُضَاعَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: وَالْحَارِثُ بْنُ [4] لُؤَيٍّ، وَهُمْ جُشَمُ بْنُ الْحَارِثِ، فِي هِزَّانَ مِنْ رَبِيعَةَ. قَالَ جَرِيرٌ: بَنِي جُشَمٍ لَسْتُمْ لِهِزَّانَ فَانْتَمُوا ... لِأَعْلَى الرَّوَابِي [5] مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ [6] وَلَا تُنْكِحُوا فِي آلِ ضَوْرٍ نِسَاءَكُمْ ... وَلَا فِي شُكَيْسٍ بِئْسَ مَثْوَى الْغَرَائِبِ [7] وَسَعْدُ بْنُ لُؤَيٍّ، وَهُمْ بُنَانَةُ: فِي شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ ابْن بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، مِنْ رَبِيعَةَ.

_ [ () ] كَذَلِك. وَبَنُو الأدرم هَؤُلَاءِ هم أَعْرَاب مَكَّة، وهم من قُرَيْش الظَّوَاهِر لَا من قُرَيْش البطاح، وَكَذَلِكَ بَنو محَارب ابْن فهر، وَبَنُو معيص بن فهر. [1] كَذَا فِي الْأُصُول. وَقد انْفَرد ابْن هِشَام بِزِيَادَة: «كَعْب» فِي نسب سلمى، والّذي ذكره ابْن إِسْحَاق أَو لَا مُجَردا من «كَعْب» يتَّفق مَعَ مَا أوردهُ الطَّبَرِيّ عِنْد الْكَلَام على أم لؤيّ وَإِخْوَته. [2] وَأم عَوْف بن لؤيّ: الْبَارِدَة بنت عَوْف بن غنم بن عبد الله بن غطفان، وَيُقَال إِن الْبَارِدَة لما مَاتَ لؤيّ خرجت بابنها عَوْف إِلَى قَومهَا، فَتَزَوجهَا سعد بن ذبيان بن بغيض، فتبني عوفا. [3] كَأَنَّهَا نسبت إِلَى المَاء لصفائها بعد قلب همزَة المَاء واوا، وَكَانَ الْقيَاس قَلبهَا هَاء. وَكَانَت ماوية هَذِه تحب سامة أَكثر من إخْوَته. [4] اتّفق ابْن قُتَيْبَة فِي كِتَابه المعارف مَعَ السِّيرَة فِي ذكر الْحَارِث ولدا للؤى، وَخَالَفَهُمَا فِي ذَلِك الطَّبَرِيّ وَابْن دُرَيْد فَلم يذكرَا ولدا الِاسْم، بِهَذَا الِاسْم، وَقد ذكر أَبُو الْفرج فِي الْجُزْء التَّاسِع من الأغاني (ص 104- 105) الْحَارِث ولدا لسامة بن لؤيّ، وَذكر أَن من النسابين من يَدْفَعهُ عَن قُرَيْش، ويدعى أَنه ابْن لناجية امْرَأَة سامة، وَلَيْسَ ابْنا لسامة. [5] الروابي: جمع رابية، وَهِي الكدية المرتفعة، وَيُرِيد بهَا هُنَا الْأَشْرَاف من النَّاس والقبائل. [6] وَيُقَال: إِنَّهُم أعْطوا جَرِيرًا على هَذَا الشّعْر ألف بعير، وَكَانُوا ينتسبون إِلَى ربيعَة فَمَا انتسبوا بعد إِلَّا لقريش. [7] ضور وشكيس: بطْنَان من عنزة. 0

أمر سامة

وَبُنَانَةُ: حَاضِنَةٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي الْقَيْنِ بْنِ جَسْرِ بْنِ شَيْعِ اللَّهِ، وَيُقَالُ سَيْعُ اللَّهِ، ابْن الْأَسْدِ بْنِ وَبْرَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ [1] بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ. وَيُقَالُ: بِنْتُ النَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ، مِنْ رَبِيعَةَ. وَيُقَالُ: بِنْتُ جَرْمِ بْنِ رَبَّانَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ. وَخُزَيْمَةُ بْنُ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ، وَهُمْ عَائِذَةُ فِي شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ. وَعَائِذَةُ: امْرَأَةٌ مِنْ الْيَمَنِ، وَهِيَ أُمُّ بَنِي [2] عُبَيْدِ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ لُؤَيٍّ. وَأُمُّ بَنِي لُؤَيٍّ كُلَّهُمْ إلَّا عَامِرَ [3] بْنَ لُؤَيٍّ: مَاوِيَّةُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ، وَأُمُّ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ مَخْشِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَانَ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ، وَيُقَالُ: لَيْلَى بِنْتُ شَيْبَانَ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ. أَمْرُ سَامَةَ (رِحْلَتُهُ إِلَى عَمَّانَ وَمَوْتُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَمَّا سَامَةُ بْنُ لُؤَيٍّ فَخَرَجَ إلَى عُمَانَ، وَكَانَ بِهَا. وَيَزْعُمُونَ أَنَّ عَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ أَخْرَجَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ فَفَقَأَ سَامَةُ عَيْنَ عَامِرٍ، فَأَخَافَهُ عَامِرٌ، فَخَرَجَ إلَى عُمَانَ. فَيَزْعُمُونَ أَنَّ سَامَةَ بْنَ لُؤَيٍّ بَيْنَا هُوَ يَسِيرُ عَلَى نَاقَتِهِ، إذْ وَضَعَتْ رَأْسَهَا تَرْتَعُ، فَأَخَذَتْ حَيَّةٌ بِمِشْفَرِهَا فَهَصَرَتْهَا حَتَّى وَقَعَتْ النَّاقَةُ لِشِقِّهَا ثُمَّ نَهَشَتْ سَامَةَ فَقَتَلَتْهُ. فَقَالَ سَامَةُ حِينَ أَحَسَّ بِالْمَوْتِ فِيمَا [4] يَزْعُمُونَ:

_ [1] فِي الطَّبَرِيّ: « ... بن تغلب» . [2] هَذَا مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن هِشَام. وَأما ابْن جرير الطَّبَرِيّ، فقد جعل عائذة أما لخزيمة، وَهِي عِنْده عَائِدَة بنت الْخمس بن قُحَافَة، من خثعم. [3] يذهب ابْن جرير الطَّبَرِيّ إِلَى غير مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن هِشَام، وَهُوَ يتَّفق مَعَ ابْن إِسْحَاق فِي أَن كَعْبًا، وعامرا، وسامة إخْوَة أشقاء، وأمهم ماوية. وَقد قدمنَا عَن ابْن جرير قَوْله فِي أم عَوْف، وَأَنَّهَا الْبَارِدَة، وَأَن عوفا أَخُو هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة لأبيهم، وَكَذَلِكَ خُزَيْمَة، وَأمه العائذة، وَسعد، وَأمه بنانة، وَقد ذكر ابْن هِشَام أَن بنانة حاضنتهم. [4] روى أَبُو الْفرج فِي الأغاني (ج 9 ص 104) قصَّة سامة هَذِه إِلَّا أَنه لم يتَّفق مَعَ ابْن إِسْحَاق فِي أَن خُرُوج سامة كَانَ بِسَبَب أَخِيه عَامر: بل جعل ذَلِك لخلاف كَانَ بَين سامة، وأخيه كَعْب، وَأَن هَذَا الشّعْر هُوَ لكعب يرثى بِهِ أَخَاهُ سامة. 7- سيرة ابْن هِشَام- 1

أمر عوف بن لؤي ونقلته

عَيْنِ فَابْكِي لِسَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ ... عَلَّقَتْ سَاقَ [1] سَامَةَ الْعَلَّاقَهْ [2] لَا أَرَى مِثْلَ سَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ ... يَوْمَ حَلُّوا بِهِ قَتِيلًا لِنَاقَهْ بَلِّغَا عَامِرًا وَكَعْبًا رَسُولًا ... أَنَّ نَفْسِي إلَيْهِمَا مُشْتَاقَهْ إنْ تَكُنْ فِي عُمَانَ دَارِي فَإِنِّي ... غَالِبِيٌّ، خَرَجْتُ مِنْ غَيْرِ نَاقَهْ رُبَّ كَأْسٍ هَرَقْتَ يَا بْنَ لُؤَيٍّ ... حَذَرَ الْمَوْتِ لَمْ تَكُنْ مُهْرَاقَهْ رُمْتَ دَفْعَ الْحُتُوفِ يَا بْنَ لُؤَيٍّ ... مَا لِمَنْ رَامَ ذَاكَ بِالْحَتْفِ طَاقَهْ وَخَرُوسَ السَّرَى [3] تَرَكْتَ رَدِيَّا [4] ... بَعْدَ جَدٍّ وَجَدَّةٍ وَرَشَاقَهْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ وَلَدِهِ أُتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْتَسَبَ إلَى سَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آلشَّاعِرُ؟ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: كَأَنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَدْتَ قَوْلَهُ: رُبَّ كَأْسٍ هَرَقْتَ يَا بْنَ لُؤَيٍّ ... حَذَرَ الْمَوْتِ لَمْ تَكُنْ مُهْرَاقَهْ قَالَ: أَجَلْ. أَمْرُ عَوْفِ بْنِ لُؤَيٍّ وَنَقَلَتِهِ (سَبَبُ انْتِمَائِهِ إلَى بَنِي ذُبْيَانَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمَّا عَوْفُ بْنُ لُؤَيٍّ فَإِنَّهُ خَرَجَ- فِيمَا يُزْعِمُونَ- فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، حَتَّى إذَا كَانَ بِأَرْضِ غَطَفَانَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ، أُبْطِئَ بِهِ، فَانْطَلَقَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَتَاهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْدٍ، وَهُوَ أَخُوهُ فِي نَسَبِ بَنِي ذُبْيَانَ [5]- ثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ.

_ [1] كَذَا فِي الأغاني. وَفِي الْأُصُول: علقت مَا بسامة ... إِلَخ. [2] العلاقة (هُنَا) : الْحَيَّة الَّتِي تعلّقت بالناقة. [3] خروس السّري: يُرِيد نَاقَة صموتا صبورا على السّري لَا تضجر مِنْهُ، فسراها كالأخرس. [4] الردى: الَّتِي سَقَطت من الإعياء وَمثله الرذيلة: بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة. [5] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: « ... ذبيان بن ثَعْلَبَة» بِزِيَادَة «بن» ، وَظَاهر أَنَّهَا مقحمة.

(نسب مرة) :

وَعَوْفُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ- فَحَبَسَهُ وَزَوْجَهُ وَالْتَاطَهُ [1] وَآخَاهُ. فَشَاعَ نَسَبُهُ فِي بَنِي ذُبْيَانَ. وَثَعْلَبَةُ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- الَّذِي يَقُولُ لِعَوْفٍ حِينَ أُبْطِئَ بِهِ فَتَرَكَهُ قَوْمُهُ: احْبِسْ [2] عَلَيَّ ابْنِ لُؤَيٍّ جَمَلَكْ ... تَرَكَكَ الْقَوْمُ وَلَا مَنْزِلَ [3] لَكَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ [4] بْنِ الزُّبَيْرِ، أَوْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُصَيْنٍ. أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَوْ كُنْتُ مُدَّعِيًا حَيًّا مِنْ الْعَرَبِ، أَوْ مُلْحِقَهُمْ بِنَا لَادَّعَيْتُ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفٍ، إنَّا لَنَعْرِفُ فِيهِمْ الْأَشْبَاهَ مَعَ مَا نَعْرِفُ مِنْ مَوْقِعِ ذَلِكَ الرَّجُلِ حَيْثُ وَقَعَ، يَعْنِي عَوْفَ بْنَ لُؤَيٍّ. (نَسَبُ مُرَّةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهُوَ فِي نَسَبِ غَطَفَانَ: مُرَّةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ. وَهُمْ يَقُولُونَ إذَا ذُكِرَ لَهُمْ هَذَا النَّسَبُ: مَا نُنْكِرُهُ وَمَا نَجْحَدُهُ، وَإِنَّهُ لَأَحَبُّ النَّسَبِ إلَيْنَا. وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمِ بْنِ جُذَيْمَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَحَدُ بَنِي مُرَّةَ ابْن عَوْفِ- حِينَ هَرَبَ مِنْ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ فَلَحِقَ بِقُرَيْشٍ: فَمَا قَوْمِي بِثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدِ ... وَلَا بِفَزَارَةِ الشُّعُرِ [5] الرِّقَابَا وَقَوْمِي، إنْ سَأَلْتَ، بَنُو [6] لُؤَيٍّ ... بِمَكَّةَ عَلَّمُوا مُضَرَ الضِّرَابَا سَفِهْنَا بِاتِّبَاعِ بَنِي بَغِيضِ ... وَتَرْكِ الْأَقْرَبِينَ لَنَا انْتِسَابَا

_ [1] التاطه: ألصقه بِهِ، وضمه إِلَيْهِ، وألحقه بنسبه. وَمِنْه: كَانَ يليط أَوْلَاد الْجَاهِلِيَّة بآبائهم: أَي يلصقهم. [2] فِي الطَّبَرِيّ: «عرج» . [3] كَذَا فِي الطَّبَرِيّ. وَفِي الْأُصُول: «مترك» . [4] هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير بن الْعَوام بن خويلد الْأَسدي الْمدنِي، حدث عَن عَمه عُرْوَة وَابْن عَمه عباد بن عبيد الله، وَغَيرهمَا. وَحدث عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، وَعبيد الله بن أَبى جَعْفَر، وَغَيرهمَا. وَكَانَ فَقِيها عَالما، وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ. [5] الشّعْر: جمع أشعر، وَهُوَ الْكثير الشّعْر الطَّوِيلَة. [6] كَذَا فِي الأغاني (ج 10 ص 28) . وَفِي الْأُصُول: «بنى» وَهُوَ تَحْرِيف.

سَفَاهَةَ مُخْلِفٍ [1] لِمَا تُرَوَّى ... هَرَاقَ الْمَاءَ وَاتَّبَعَ السَّرَابَا فَلَوْ طُووِعْتَ، عَمْرَكَ، كُنْتَ فِيهِمْ ... وَمَا أُلْفِيتُ أَنْتَجِعُ السَّحَابَا [2] وَخَشَّ [3] رَوَاحَةُ الْقُرَشِيِّ رِحَلِي ... بِنَاجِيَةٍ وَلَمْ يَطْلُبْ ثَوَابَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا مَا أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحُمَامِ الْمُرِّيُّ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي سَهْمِ بن مرّة، يردّ عَلَى الْحَارِثِ بْنِ ظَالِمٍ، وَيَنْتَمِي إلَى غَطَفَانَ: أَلَا لَسْتُمْ مِنَّا وَلَسْنَا إلَيْكُمْ ... بَرِئْنَا إلَيْكُمْ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ أَقَمْنَا عَلَى عِزِّ الْحِجَازِ وَأَنْتُمْ ... بِمُعْتَلَجِ الْبَطْحَاءِ [4] بَيْنَ الْأَخَاشِبِ [5] يَعْنِي قُرَيْشًا. ثُمَّ نَدِمَ الْحُصَيْنُ عَلَى مَا قَالَ، وَعَرَفَ مَا قَالَ الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمٍ، فَانْتَمَى إلَى قُرَيْشٍ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ، فَقَالَ: نَدِمْتُ عَلَى قَوْلٍ مَضَى كُنْتُ قُلْتُهُ ... تَبَيَّنْتُ فِيهِ أَنَّهُ قَوْلُ كَاذِبٍ فَلَيْتَ لِسَانِي كَانَ نِصْفَيْنِ مِنْهُمَا ... بَكِيمٌ [6] وَنِصْفٌ عِنْدَ مَجْرَى الْكَوَاكِبِ أَبُونَا كِنَانِيٌّ بِمَكَّةَ قَبْرُهُ ... بِمُعْتَلَجِ الْبَطْحَاءِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ لَنَا الرُّبُعُ مِنْ بَيْتِ الْحَرَامِ وِرَاثَةً ... وَرُبُعُ الْبِطَاحِ عِنْدَ دَارِ ابْنِ حَاطِبِ أَيْ أَنَّ بَنِي لُؤَيٍّ كَانُوا أَرْبَعَةً: كَعْبًا، وَعَامِرًا، وَسَامَةَ، وَعَوْفًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [7] : وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِرِجَالِ مِنْ بَنِي مُرَّةَ: إنْ شِئْتُمْ أَنْ تَرْجِعُوا إلَى نَسَبِكُمْ فَارْجِعُوا إلَيْهِ.

_ [1] المخلف (هُنَا) : المستقى للْمَاء، يُقَال: ذهب يخلف لِقَوْمِهِ: أَي يستقى لَهُم. [2] أنتجع السحابا: أَي أطلب مَوضِع الْغَيْث والمطر كَمَا تفعل الْقَبَائِل الَّذين يرحلون من مَوضِع إِلَى مَوضِع. يُرِيد أَنه لَو انتسب إِلَى قُرَيْش لَكَانَ مَعَهم بِمَكَّة مُقيما وَلم يكن بدويا يطْلب الْمَطَر من مَوضِع إِلَى مَوضِع. [3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وخش: أصلح. والناجية: النَّاقة السريعة. وَفِي أ: «وحس ... إِلَخ» وحس (بِالْحَاء الْمُهْملَة) : قوى وَأعَاد. وَفِي الأغاني: « ... وهش رَوَاحَة الجمحيّ » . [4] المعتلج: الْموضع السهل الّذي يعتلج فِيهِ الْقَوْم، أَي يتصارعون. والبطحاء (هُنَا) : بطحاء مَكَّة. [5] الأخاشب يُرِيد الأخشبين: جبلان بِمَكَّة، فجمعهما مَعَ مَا حولهما. [6] بكيم: أبكم. [7] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ ابْن هِشَام» .

(سادات مرة) :

(سَادَاتُ مُرَّةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الْقَوْمُ أَشْرَافًا فِي غَطَفَانَ، وهم سَادَتُهُمْ وَقَادَتْهُمْ. مِنْهُمْ: هَرِمُ بْنِ سِنَانِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ [بْنِ مُرَّةَ بْنِ نُشْبَةَ] [1] ، وَخَارِجَةُ بْنُ سِنَانِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ الْحُمَامِ، وَهَاشِمُ بْنُ حَرْمَلَةَ الَّذِي يَقُولُ لَهُ الْقَائِلُ: أَحْيَا أَبَاهُ هَاشِمَ [2] بْنُ حَرْمَلَهُ [3] ... يَوْمَ الْهَبَاآتِ [4] وَيَوْمَ الْيَعْمَلَهْ [5] تَرَى الْمُلُوكَ عِنْدَهُ مُغَرْبَلَهُ [6] ... يَقْتُلُ ذَا الذَّنْبِ وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهْ [7] (هَاشِمُ بْنُ حَرْمَلَةَ، وَعَامِرٌ الْخَصَفِيُّ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لِعَامِرِ الْخَصَفِيِّ، خَصَفَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ: أَحْيَا أَبَاهُ هَاشِمُ بْنُ حَرْمَلَهُ ... يَوْمَ الْهَبَاآتِ وَيَوْمَ الْيَعْمَلَهْ تَرَى الْمُلُوكَ عِنْدَهُ مُغَرْبَلَهُ ... يَقْتُلُ ذَا الذَّنْبِ وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهْ وَرمحه للوالدات مثكله وَحَدَّثَنِي [8] أَنَّ هَاشِمًا قَالَ لِعَامِرِ: قُلْ فِيَّ بَيْتًا جَيِّدًا أُثِبْكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ عَامِرٌ الْبَيْتَ الْأَوَّلَ، فَلَمْ يُعْجِبْ هَاشِمًا: ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَ، فَلَمْ يُعْجِبْهُ، ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَ، فَلَمْ يُعْجِبْهُ، فَلَمَّا قَالَ الرَّابِعَ:

_ [1] زِيَادَة عَن أ. وَالظَّاهِر أَنَّهَا: «بن نشبة بن مرّة» كَمَا فِي اللِّسَان (مَادَّة نشب) . [2] هَاشم بن حَرْمَلَة: هُوَ جد مَنْظُور بن زبان بن يسَار الّذي كَانَت بنته زجلة عِنْد ابْن الزبير، فَهُوَ جد مَنْظُور لأمه، وَاسْمهَا قهطم بنت هَاشم، وَكَانَت قهطم قد حملت بمنظور أَربع سِنِين- فِيمَا يَزْعمُونَ- فَسمى منظورا لطول انتظارهم إِيَّاه: (عَن الرَّوْض الْأنف) . [3] يُرِيد أَنه أَخذ بثأره، فَكَأَنَّهُ أَحْيَاهُ. [4] يَوْم الهباآت: يَوْم مَشْهُور من أَيَّام الْعَرَب. وهباءة: مَوضِع، فَجَمعه مَعَ مَا يَلِيهِ. (رَاجع الْحَاشِيَة رقم 1 ص 102) . [5] يَوْم اليعملة: من أَيَّام الْعَرَب. واليعملة: اسْم مَوضِع. [6] مغربلة: مقتولة، يُقَال: غربل، إِذا قتل أَشْرَاف النَّاس وخيارهم. وَيُقَال: إِنَّمَا أَرَادَ بالغربلة استقصاءهم وتتبعهم، كَأَنَّهُ من غربلت الطَّعَام، إِذا تتبعته بالاستخراج حَتَّى لَا يبْقى مِنْهُ إِلَّا الحثالة. [7] يصفه بِالْعِزَّةِ والامتناع، وَأَنه لَا يخَاف حَاكما يعدى عَلَيْهِ، وَلَا ترة من طالبي ثأر. [8] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ ابْن هِشَام وحَدثني ... إِلَخ» .

(مرة والبسل) :

يَقْتُلُ ذَا الذَّنْبِ وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ. أَعْجَبَهُ، فَأَثَابَهُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَلِكَ الَّذِي أَرَادَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: وَهَاشِمَ مُرَّةَ الْمُفْنِي مُلُوكًا ... بِلَا ذَنْبٍ إلَيْهِ وَمُذْنِبِينَا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَوْلُ عَامِرٍ: «يَوْمَ الْهَبَاآتِ [1] » عَنْ غَيْرِ أَبِي عُبَيْدَةَ. (مُرَّةُ وَالْبَسْلُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَوْمٌ لَهُمْ صِيتٌ وَذِكْرٌ فِي غَطَفَانَ وَقَيْسٍ كُلِّهَا، فَأَقَامُوا عَلَى نَسَبِهِمْ [2] ، وَفِيهِمْ كَانَ الْبَسْلُ [3] . أَمْرُ الْبَسْلِ (تَعْرِيفُ الْبَسْلِ، وَنَسَبُ زُهَيْرٍ الشَّاعِرِ) : وَالْبَسْلُ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- ثَمَانِيَةُ [4] أَشْهُرٍ حُرُمٍ، لَهُمْ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ مِنْ بَيْنِ الْعَرَبِ قَدْ عَرَفَتْ ذَلِكَ لَهُمْ الْعَرَبُ لَا يُنْكِرُونَهُ وَلَا يَدْفَعُونَهُ، يَسِيرُونَ بِهِ إلَى أَيِّ بِلَادِ الْعَرَبِ شَاءُوا، لَا يَخَافُونَ مِنْهُمْ شَيْئًا. قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى، يَعْنِي بَنِي مُرَّةَ. - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: زُهَيْرُ أَحَدُ بَنِي مُزَيْنَةَ بْنِ أُدِّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إلْيَاسَ [5] بْنِ مُضَرَ، وَيُقَالُ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى مِنْ غَطَفَانَ، وَيُقَالُ حَلِيفٌ فِي غَطَفَانَ-

_ [1] ويروى: «يَوْم الهباتين» فقصر للضَّرُورَة، وَإِنَّمَا أَرَادَ الهباءتين. وَكَثِيرًا مَا يرد الْمَكَان مثنى أَو مجموعا فِي الشّعْر العربيّ، وَيُرَاد بِهِ الْمُفْرد، وَيَوْم الهباءة كَانَ لعبس على ذبيان. والهباءة: مَوضِع بِبِلَاد غطفان: (رَاجع العقد الفريد ج 3 ص 69) . [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «سُنَنهمْ» . [3] البسل: الْحَرَام والحلال، فَهُوَ من الأضداد. [4] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «نسيئهم ثَمَانِيَة ... إِلَخ» . وَلَا يَسْتَقِيم الْكَلَام بِهَذِهِ الزِّيَادَة. [5] يحمل بَعضهم إلْيَاس بن مُضر على إلْيَاس النَّبِي فِي همز أَوله، وَالصَّوَاب فِي إلْيَاس بن مُضر أَن تعْتَبر فِيهِ الْألف وَاللَّام زائدتين، كزيادتهما فِي الْفضل وَالْعَبَّاس، وأنهما داخلتان على الْمصدر الّذي هُوَ الْيَأْس، وَقد تسهل همزته الثَّانِيَة، فَيُقَال فِيهِ إلْيَاس. أما إلْيَاس النَّبِي فَهُوَ بِقطع الْهمزَة الأولى مَفْتُوحَة أَو مَكْسُورَة (رَاجع شرح الْقَامُوس مَادَّة ألس) .

(أولاد كعب وأمهم) :

تَأَمَّلْ [1] فَإِنْ تُقْوِ الْمَرُورَاةَ [2] مِنْهُمْ ... وَدَارَاتِهَا لَا تُقْوِ مِنْهُمْ إِذا نَخْلُ [3] بِلَادٌ بِهَا نَادِمَتُهُمْ وَأَلِفْتُهُمْ ... فَإِنْ تُقْوِيَا مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ بَسْلُ يَقُولُ: سَارُوا فِي حَرَمِهِمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أعشى بن قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ: أَجَارَتُكُمْ بَسْلٌ عَلَيْنَا مُحَرَّمٌ ... وَجَارَتُنَا حِلٌّ لَكُمْ وَحَلِيلُهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. (أَوْلَادُ كَعْبٍ وَأُمُّهُمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ: مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ، وَعَدِيَّ ابْن كَعْبٍ، وَهُصَيْصَ بْنَ كَعْبٍ. وَأُمُّهُمْ وَحْشِيَّةُ [4] بِنْتُ شَيْبَانَ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ. (أَوْلَادُ مُرَّةَ وَأُمَّهَاتُهُمْ) : فَوَلَدَ مُرَّةُ بْنُ كَعْبٍ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ: كِلَابَ بْنَ مُرَّةَ، وَتَيْمَ بْنَ مُرَّةَ، وَيَقَظَةَ [5] بْنَ مُرَّةَ. فَأُمُّ كِلَابٍ: هِنْدُ بِنْتُ سُرَيْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ (فِهْرِ بْنِ [6] مَالِكِ)

_ [1] فِي مُعْجم الْبلدَانِ (ج 4 ص 506) : «تربص» . [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «المرورات» . بتاء مَفْتُوحَة، كَأَنَّهُ جمع مرورى، وَلَيْسَ فِي الْكَلَام مثل هَذَا الْبناء، وَإِنَّمَا هُوَ المروراة بهاء مِمَّا ضوعفت فِيهِ الْعين وَاللَّام، فَهُوَ فعلعلة، وَالْألف فِيهِ منقلبة عَن وَاو أَصْلِيَّة. والمروراة: مَوضِع كَانَ فِيهِ يَوْم المروراة. [3] نخل: مَوضِع بِنَجْد من أَرض غطفان، وَقيل: هُوَ مَوضِع لبني مرّة بن عَوْف على لَيْلَتَيْنِ من الْمَدِينَة: (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [4] وَيُقَال: إِن أم هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة: مخشية. كَمَا يُقَال: إِن أم مرّة وهصيص: مخشية بنت شَيبَان بن محَارب بن فهر، وَأم عدي: رقاش بنت ركبة بن نائلة بن كَعْب بن حَرْب بن تيم بن سعد بن فهم بن عَمْرو بن قيس بن عيلان. (رَاجع الطَّبَرِيّ) . [5] هُوَ بِفَتْح الْقَاف، وَقد جَاءَ فِي شعر مدح بِهِ خَالِد بن الْوَلِيد، ساكنها، وَهُوَ: وَأَنت لمخزوم بن يقظة جنَّة ... كلا أسميك فِيهِ ماجد وَابْن ماجد [6] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ.

(نسب بارق) :

ابْن (النَّضْرِ بْنِ) [1] كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ. وَأُمُّ يَقَظَةَ: الْبَارِقِيَّةُ [2] ، امْرَأَةٌ مِنْ بَارِقٍ، مِنْ الْأَسْدِ مِنْ الْيَمَنِ. وَيُقَالُ: هِيَ أُمُّ تَيْمٍ. وَيُقَالُ: تَيْمٌ لِهِنْدِ بِنْتِ سُرَيْرٍ أُمِّ كِلَابٍ. (نَسَبُ بَارِقٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَارِقٌ: بَنُو عَدِيِّ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ، وَهُمْ فِي شَنُوءَةَ. قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ: وَأَزْدُ شَنُوءَةَ انْدَرَءُوا [3] عَلَيْنَا ... بِجُمٍّ يَحْسِبُونَ لَهَا قُرُونَا [4] فَمَا قُلْنَا لِبَارِقَ قَدْ أَسَأْتُمْ ... وَمَا قُلْنَا لِبَارِقَ أَعْتِبُونَا [5] قَالَ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَإِنَّمَا سُمُّوا بِبَارِقَ، لِأَنَّهُمْ تَبِعُوا الْبَرْقَ. (وَلَدَا كِلَابٍ وَأُمُّهُمَا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ كِلَابُ بْنُ مُرَّةَ رَجُلَيْنِ: قُصَيَّ [6] بْنَ كِلَابٍ، وَزُهْرَةَ [7] بْنَ كِلَابٍ. وَأُمُّهُمَا فَاطِمَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ سَيَلٍ [8] أَحَدِ (بَنِي) [9] الْجَدَرَةِ، مِنْ جُعْثُمَةَ [10] الْأَزْدِ، مِنْ الْيَمَنِ، حُلَفَاءُ فِي بَنِي الدَّيْلِ [11] بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ ابْن كِنَانَةَ.

_ [1] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ. [2] وَيُقَال إِن أم تيم، ويقظة: أَسمَاء بنت عدي بن حَارِثَة بن عَمْرو بن عَامر بن بارق، وَيُقَال: هِنْد بنت حَارِثَة البارقية. كَمَا يُقَال: بل يقظة لهِنْد بنت سَرِير أم كلاب. (رَاجع الطَّبَرِيّ) . [3] اندرءوا: خَرجُوا. [4] الجم: الكباش لَا قُرُون لَهَا. وَاحِدهَا: أجم. يُرِيدُونَ أَنهم يناطحون بِلَا عدَّة، وَلَا منَّة، كالكباش الجم الَّتِي لَا قُرُون لَهَا، وَيَحْسبُونَ أَن لَهُم قُوَّة. [5] وَقيل: سموا بارقا بجبل نزلُوا عِنْده اسْمه بارق. [6] وَاسم قصي: زيد، وسمى قصيا، لِأَن أَبَاهُ مَاتَ عَنهُ، وَعَن أَخِيه زهرَة، وَكَانَ زهرَة كَبِيرا وقصي فطيما، وتركهما لِأُمِّهِمَا فَاطِمَة، فَتزوّجت ربيعَة بن حزَام، ورحلت مَعَه، وَأخذت مَعهَا زيدا لصغره، فَسمى قصيا لبعده عَن دَار قومه (رَاجع الطَّبَرِيّ) . [7] وزهرة: امْرَأَة نسب وَلَدهَا إِلَيْهَا دون الْأَب، وهم أخوال رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [8] وَاسم سيل: خير بن حمالَة بن عَوْف بن غنم بن عَامر الجادر بن عَمْرو بن جعثمة. [9] زِيَادَة عَن أ. [10] كَذَا فِي الطَّبَرِيّ، والاشتقاق لِابْنِ دُرَيْد، ولسان الْعَرَب (مَادَّة جعثم) . وَفِي الْأُصُول: «خثعمة» وَهُوَ تَحْرِيف. [11] رَاجع الْحَاشِيَة (رقم 1 ص 50 من هَذَا الْجُزْء) .

(نسب جعثمة) :

(نَسَبُ جُعْثُمَةَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: جُعْثُمَةُ الْأَسْدِ، وَجُعْثُمَةُ الْأَزْدِ، وَهُوَ جُعْثُمَةُ ابْن يَشْكُرَ بْنِ مُبَشِّرِ بْنِ صَعْبِ بْنِ دُهْمَانَ بْنِ نَصْرِ بْنِ زَهْرَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَصْرِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ، وَيُقَالُ: جُعْثُمَةُ ابْن يَشْكُرَ بْنِ مُبَشِّرِ بْنِ صَعْبِ بْنِ نَصْرِ بْنِ زَهْرَانَ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ. وَإِنَّمَا سُمُّوا الْجَدَرَةَ، لِأَنَّ عَامِرَ بْنَ عَمْرِو [1] بْنِ جُعْثُمَةَ تَزَوَّجَ بِنْتَ الْحَارِثِ ابْن مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيِّ، وَكَانَتْ جُرْهُمُ أَصْحَابَ الْكَعْبَةِ. فَبَنَى لِلْكَعْبَةِ جدارا، فسمّى عَامر بِذَلِكَ الْجَادِرِ، فَقِيلَ لِوَلَدِهِ: الْجَدَرَةُ لِذَلِكَ [2] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلِسَعْدِ بْنِ سَيَلٍ يَقُولُ الشَّاعِرُ: مَا نَرَى فِي النَّاسِ شَخْصًا وَاحِدًا ... مَنْ عَلِمْنَاهُ كَسَعْدِ بْنِ سَيَلْ فَارِسًا أَضْبَطَ فِيهِ عُسْرَةٌ ... وَإِذَا مَا وَاقَفَ الْقِرْنَ نَزَلْ [3] فَارِسًا يَسْتَدْرِجُ الْخَيْلَ كَمَا ... اسْتَدْرَجَ الْحُرُّ الْقَطَامِيُّ [4] الْحَجَلْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ: «كَمَا اسْتَدْرَجَ الْحُرُّ» عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ. (بَقِيَّةُ أَوْلَادِ كِلَابٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَنُعْمُ بِنْتُ كِلَابٍ، وَهِيَ أُمُّ أَسْعَدَ وَسُعَيْدٍ ابْنَيْ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَأُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ سَيَلٍ. (أَوْلَادُ قُصَيٍّ وَأُمُّهُمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ قُصَيُّ [5] بْنُ كِلَابٍ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ: عَبْدَ مَنَافِ

_ [1] فِي الأَصْل: «عَامر بن عَمْرو بن خُزَيْمَة بن خثعمة. وَالصَّوَاب مَا أَثْبَتْنَاهُ. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [2] وَذَلِكَ أَن السَّيْل دخل الْكَعْبَة ذَات مرّة وصدع بنيانها، فَفَزِعت لذَلِك قُرَيْش، وخافوا انهدادها إِن جَاءَ سيل آخر، وَأَن يذهب شرفهم وَدينهمْ، فَبنى عَامر لَهَا جدارا، فَسمى الجادر لذَلِك. [3] الأضبط: الّذي يعْمل بكلتا يَدَيْهِ، يعْمل باليسرى كَمَا يعْمل باليمنى. والعسرة: الشدَّة. والقرن: الّذي يُقَاوم فِي الْحَرْب. [4] الْحر الْقطَامِي: يُرِيد الصَّقْر. [5] وَكَانَ قصي يَقُول فِيمَا زَعَمُوا: ولد لي أَرْبَعَة، فسميت اثْنَيْنِ بصنمى، وواحدا بداري، وواحدا بنفسي.

(أولاد عبد مناف وأمهاتهم) :

ابْن قُصَيٍّ، وَعَبْدَ الدَّارِ بْنَ قُصَيٍّ، وَعَبْدَ الْعُزَّى بْنَ قُصَيٍّ، وَعَبْدَ (قُصَيِّ) [1] بْنَ قُصَيٍّ، وَتَخْمُرَ [2] بِنْتَ قُصَيٍّ، وَبَرَّةَ بِنْتَ قُصَيٍّ. وَأُمُّهُمْ حُبَيُّ بِنْتُ حُلَيْلِ بْنِ حَبَشِيَّةَ بْنِ سَلُولَ ابْن كَعْبِ بْنِ عَمْرِو الْخُزَاعِيِّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: حُبْشِيَّةُ [3] بْنُ سَلُولَ. (أَوْلَادُ عَبْدِ مَنَافٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ عَبْدُ مَنَافٍ- وَاسْمُهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ قُصَيٍّ- أَرْبَعَةَ نَفَرٍ: هَاشِمَ [4] بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ، وَعَبْدَ شَمْسِ [5] بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ، وَالْمُطَلِّبَ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهُمْ عَاتِكَةُ [6] بِنْتُ مُرَّةَ بْنِ هِلَالِ [7] بْنِ فَالِجِ [8] بْنِ ذَكْوَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ بُهْثَةَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ، وَنَوْفَلَ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهُ وَاقِدَةُ بِنْتُ عَمْرٍو الْمَازِنِيَّةُ. مَازِنُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ.

_ [1] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ. [2] لم يذكر الطَّبَرِيّ تخمر فِي أَوْلَاد قصي، وَاقْتصر على الذُّكُور الْأَرْبَعَة، وَذكرهَا الزبيدِيّ فِي كِتَابه إِيضَاح المدارك، وَقَالَ: تخمر كتنصر. [3] ضبطت فِي الأولى بِفتْحَتَيْنِ، وَفِي الثَّانِيَة بِالضَّمِّ، وعَلى هَذَا الرأى الْأَخير الزبيدِيّ فِي كِتَابه إِيضَاح المدارك عَن العواتك، فقد ضبطت فِيهِ الْعبارَة بِالضَّمِّ. [4] واسْمه عَمْرو، وَيُقَال لَهُ: هَاشم لِأَنَّهُ أول من هشم الثَّرِيد لِقَوْمِهِ، وَله يَقُول مطرود بن كَعْب الْخُزَاعِيّ، وَقيل ابْن الزبعري: عَمْرو الّذي هشم الثَّرِيد لِقَوْمِهِ ... وَرِجَال مَكَّة مسنتون عجاف (رَاجع الطَّبَرِيّ) . [5] وَكَانَ عبد شمس تلوا لهاشم، وَقيل: بل كَانَا توأمين، فولد هَاشم، وَرجله فِي جبهة عبد شمس ملتصقة، فَلم يقدر على نَزعهَا إِلَّا بِدَم، فَكَانُوا يَقُولُونَ: سَيكون بَين ولديهما دِمَاء، فَكَانَت تِلْكَ الدِّمَاء مَا وَقع بَين بنى هَاشم وَبنى أُميَّة بن عبد شمس [6] وَيُقَال: إِن لعاتكة من غير عبد منَاف: الْحَارِث بن حبش السّلمِيّ، فَهُوَ أَخُو هَاشم، وَعبد شمس وَالْمطلب، لأمهم، وَأَنه رثى هاشما لهَذِهِ الْأُخوة. [7] وَأم عبد منَاف عَاتِكَة بنت هِلَال بن فالج بن ذكْوَان، وعَلى هَذَا تكون أم عبد منَاف عمَّة عَاتِكَة [8] كَذَا فِي أ، وإيضاح المدارك عَن العواتك للزبيدى. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فألح» بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَهُوَ تَصْحِيف.

(نسب عتبة بن غزوان) :

(نَسَبُ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبِهَذَا النَّسَبِ خَالَفَهُمْ عُتْبَةَ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرِ بْنِ وهب بن تسيب [1] بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَازِنِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ. (عَوْدٌ إلَى أَوْلَادِ عَبْدِ مَنَافٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَبُو عَمْرٍو، وَتُمَاضِرُ، وَقِلَابَةُ، وَحَيَّةُ، وَرَيْطَةُ، وَأُمُّ الْأَخْثَمِ، وَأُمُّ سُفْيَانَ: بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ. فَأُمُّ أَبِي عَمْرٍو: رَيْطَةُ، امْرَأَةٌ مِنْ ثَقِيفٍ، وَأُمُّ سَائِرِ النِّسَاءِ: عَاتِكَةُ بِنْتُ مرّة ابْن هلام، أُمُّ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ، وَأُمُّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حَوْزَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَلُولَ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ، وَأُمُّ صَفِيَّةَ: بِنْتُ عَائِذِ اللَّهِ [2] ابْن سَعْدِ [3] الْعَشِيرَةِ بْنِ مَذْحِجٍ. (أَوْلَادُ هَاشِمٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [4] : فَوَلَدَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ، وَخَمْسَ نِسْوَةٍ: عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ، وَأَسَدَ بْنَ هَاشِمٍ، وَأَبَا صَيْفِيِّ بْنَ هَاشِمٍ، وَنَضْلَةَ بْنَ هَاشِمٍ، وَالشِّفَاءَ، وَخَالِدَةَ، وَضَعِيفَةَ، وَرُقَيَّةَ، وَحَيَّةَ. فَأُمُّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَرُقَيَّةَ: سَلْمَى [5] بِنْتُ عَمْرِو [6] بْنِ زَيْدِ بْنِ لَبِيدِ (بْنِ حَرَامِ) [7] بْنِ خِدَاشِ بْنِ عَامِرِ [8] بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيِّ

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «سيب» . [2] ويروى: عبد الله. [3] كَذَا: فِي الأَصْل. وَالظَّاهِر أَن صَوَاب الْعبارَة: « ... من سعد ... إِلَخ» . لِأَن سعد الْعَشِيرَة ابْن مذْحج هُوَ أَبُو الْقَبَائِل المنسوبة إِلَى مذْحج إِلَّا أقلهَا، وَلَا يكون فِي عصر هَاشم من هُوَ ابْن لَهُ لصلبه. [4] كَذَا فِي الْأُصُول. وَلَقَد عودنا ابْن هِشَام فِيمَا مضى من الْكَلَام على النّسَب أَن ينْقل عَن ابْن إِسْحَاق ويقفى هُوَ بِرَأْيهِ، وَلكنه عرض هُنَا للْكَلَام على أَوْلَاد هَاشم غير ناقل عَن ابْن إِسْحَاق، وَكَذَلِكَ كَانَ شَأْنه عِنْد الْكَلَام على أَوْلَاد عبد الْمطلب. [5] وَأمّهَا عمْرَة بنت صَخْر المازنية، وَابْنهَا عَمْرو بن أحيحة بن الجلاح، وَأَخُوهُ معبد، ولدتهما لأحيحة بعد هَاشم. [6] وَيُقَال: هِيَ سلمى بنت زيد بن عَمْرو. (رَاجع الطَّبَرِيّ) . [7] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ. [8] اتّفق الطَّبَرِيّ مَعَ السِّيرَة فِي نسب سلمى إِلَى خِدَاش، ثمَّ خالفها فِيمَا بعد هَذَا، فَقَالَ: «خِدَاش ابْن جُنْدُب بن عدي بن النجار» .

أولاد عبد المطلب بن هاشم

ابْن النَّجَّارِ. وَاسْمُ النَّجَّارِ: تَيْمُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ. وَأُمُّهَا: عَمِيرَةُ بِنْتُ صَخْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ. وَأُمُّ عَمِيرَةَ سَلْمَى بِنْتُ عَبْدِ الْأَشْهَلِ النَّجَّارِيَّةُ. وَأُمُّ أَسَدٍ: قَيْلَةُ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ الْخُزَاعِيِّ. وَأُمُّ أَبِي صَيْفِيٍّ وَحَيَّةَ: هِنْدُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ الْخَزْرَجِيَّةُ [1] . وَأُمُّ نَضْلَةَ وَالشِّفَاءِ: امْرَأَةٌ مِنْ قُضَاعَةَ. وَأُمُّ خَالِدَةَ وَضَعِيفَةَ: وَاقِدَةُ بِنْتُ أَبِي عَدِيٍّ الْمَازِنِيَّةُ. أَوْلَادُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ (عَدَدُهُمْ وَأُمَّهَاتُهُمْ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَوَلَدَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ عَشَرَةَ نَفَرٍ وَسِتَّ نِسْوَةٍ: الْعَبَّاسَ وَحَمْزَةَ، وَعَبْدَ اللَّهِ، وَأَبَا طَالِبٍ- وَاسْمُهُ عَبْدُ مَنَافٍ- وَالزُّبَيْرَ [2] ، وَالْحَارِثَ، وَحَجْلًا [3] ، وَالْمُقَوِّمَ، وَضِرَارًا، وَأَبَا لَهَبٍ [4]- وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى- وَصَفِيَّةَ، وَأُمَّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءَ، وَعَاتِكَةَ، وَأُمَيْمَةَ، وَأَرَوَى، وبَرَّةَ.

_ [1] هَذَا مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن إِسْحَاق وَالْمَعْرُوف عِنْد أهل النّسَب أَن أم حَيَّة: جحل بنت حبيب بن الْحَارِث ابْن مَالك بن خطيط الثقفية، وَأَن حَيَّة هَذِه كَانَت تَحت الأحجم بن دندنة الْخُزَاعِيّ، ولدت لَهُ أسيدا وَفَاطِمَة. [2] الزبير هُوَ أكبر أعمام النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الّذي كَانَ يرقص النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ طِفْل، وَيَقُول: مُحَمَّد بن عبدم ... عِشْت بعيش أنعم فِي دولة ومغنم ... دَامَ سجيس الأزلم وبنته ضباعة كَانَت تَحت الْمِقْدَاد، وَابْنه عبد الله من الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم. وَكَانَ الزبير يكنى أَبَا طَاهِر، بِابْنِهِ الطَّاهِر، وَكَانَ من أظرف فتيَان قُرَيْش، وَبِه سمى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنه الطَّاهِر، وَيُقَال إِن الزبير كَانَ مِمَّن يقرونَ بِالْبَعْثِ. [3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول، وَالرَّوْض الْأنف، والمعارف، والقاموس مَادَّة «حجل» . وَفِي أ: «جحل» بِتَقْدِيم الْجِيم على الْحَاء، وَهُوَ تَصْحِيف. [4] وَاسم أَبى لَهب عبد الْعُزَّى، وكنى أَبَا لَهب لإشراق وَجهه.

فَأُمُّ الْعَبَّاسِ وَضِرَارٍ: نُكَيْلَةُ [1] بِنْتُ جَنَابِ بْنِ كُلَيْبِ [2] بْنِ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو ابْن عَامِرِ [3] بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَامِرٍ- وَهُوَ الضَّحْيَانُ- بْنُ سَعْدِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ تَيْمِ اللَّاتِ بْنِ النَّمِرِ بْنِ قَاسِطِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ. وَيُقَالُ: أَفْصَى ابْنُ دُعْمِيِّ بْنِ جَدِيلَةَ. وَأُمُّ حَمْزَةَ وَالْمُقَوَّمِ وَحَجْلٍ، وَكَانَ يُلَقَّبُ بِالْغَيْدَاقِ لِكَثْرَةِ خَيْرِهِ، وَسَعَةِ مَالِهِ، وَصَفِيَّةَ: هَالَةُ [4] بِنْتُ [5] وُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ [6] بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَأُمُّ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَالزُّبَيْرِ، وَجَمِيعِ النِّسَاءِ غَيْرَ صَفِيَّةَ: فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ [7] النَّضْرِ. وَأُمُّهَا: صَخْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ. وَأُمُّ صَخْرَةَ: تَخْمُرُ بِنْتُ عَبْدِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ. وَأُمُّ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: سَمْرَاءُ بِنْتُ جُنْدُبِ بْنِ جُحَيْرِ بْنِ رِئَابِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ سُوَاءَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ ابْن عِكْرِمَةَ.

_ [1] وَأم نتيلة: أم حجر، أَو أم كرز بنت الأزب من بنى بكيل من هَمدَان. [2] فِي المعارف: «نتيلة بنت كُلَيْب بن مَالك بن جناب» . [3] وعامر هَذَا هُوَ الّذي يعرف بالضحيان، وَكَانَ من مُلُوك ربيعَة. [4] وَيُقَال: إِن أم الغيداق: مَنْعَة بنت عَمْرو الْخُزَاعِيَّة. (رَاجع الرَّوْض الْأنف، والمعارف) . [5] كَذَا فِي المعارف لِابْنِ قُتَيْبَة. وَفِي الْأُصُول: «أهيب بن عبد منَاف» . [6] وَيُقَال: إِن أَوْلَاد فَاطِمَة فِي عبد الْمطلب هم: عبد الله، وَعبد منَاف (أَبُو طَالب) وَالزُّبَيْر، وَعبد الْكَعْبَة، وعاتكة، وبرة، وَأُمَيْمَة. (رَاجع الطَّبَرِيّ) . [7] فِي المعارف: صَفِيَّة بنت جُنْدُب، وَفِيه أَن ولديها اثْنَان: الْحَارِث وأروى.

(رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهاته) :

وَأُمُّ أَبِي لَهَبٍ: لُبْنَى بِنْتُ هَاجَرَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ ضَاطِرَ بْنِ حُبْشِيَّةَ بْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيِّ. (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّهَاتُهُ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَوَلَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ، مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ. وَأُمِّهِ: آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ [1] بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ. وَأُمُّهَا: بَرَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ. وَأُمُّ بَرَّةَ: أُمُّ حَبِيبٍ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ. وَأُمُّ أُمِّ حَبِيبٍ: بَرَّةُ [2] بِنْتُ عَوْفِ ابْن عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَفُ وَلَدِ آدَمَ حَسَبًا، وَأَفْضَلُهُمْ نَسَبًا مِنْ قِبَلِ أَبِيه وَأمه صلى [3] الله عَلَيْهِ وَسلم. إشَارَةٌ إلَى ذِكْرِ احْتِفَارِ زَمْزَمَ (شَيْءٌ عَنْ زَمْزَمَ) : قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيُّ [4] : بَيْنَمَا عَبْدُ الْمُطَلِّبِ بْنُ هَاشِمٍ نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ، إذْ

_ [1] فِي المعارف لِابْنِ قُتَيْبَة: أَن زهرَة اسْم امْرَأَة عرف بهَا بَنو زهرَة؟ وَهَذَا مُنكر غير مَعْرُوف، وَإِنَّمَا هُوَ اسْم جدهم، كَمَا قَالَ ابْن إِسْحَاق [2] الْمَعْرُوف: أَن جَمِيع أمهاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من آمِنَة إِلَى برة بنت عَوْف قرشيات، وَأما مَا بعد ذَلِك من أمهاته فلسن من قُرَيْش. فَأم برة بنت عَوْف: قلَابَة بنت الْحَارِث، وَأم قلَابَة: أُمَيْمَة بنت مَالك، وَأم أُمَيْمَة: دبة بنت الْحَارِث، وَأمّهَا: بنت كَهْف الظُّلم، من ثَقِيف [3] ورد عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه قَالَ: «مَا ولدتني بغى قطّ مُنْذُ كنت فِي صلب آدم، فَلم تزل تنازعني الْأُمَم كَابِرًا عَن كَابر حَتَّى خرجت فِي أفضل حيين فِي الْعَرَب: هَاشم وزهرة» [4] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الْملك بن هِشَام. قَالَ: وَكَانَ من حَدِيث رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا حَدثنَا بِهِ زِيَاد بن عبد الله البكائي عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق المطلبي قَالَ ... إِلَخ» .

أمر جرهم ودفن زمزم

أُتِيَ فَأُمِرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ، وَهِيَ دَفْنٌ بَيْنَ صَنَمَيْ قُرَيْشٍ: إسَافٍ وَنَائِلَةٍ، عِنْدَ مَنْحَرِ قُرَيْشٍ. وَكَانَتْ جُرْهُمُ دَفَنَتْهَا حِينَ ظَعَنُوا مِنْ مَكَّةَ، وَهِيَ بِئْرُ إسْمَاعِيلَ ابْن إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، الَّتِي سَقَاهُ اللَّهُ حِينَ ظَمِئَ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَالْتَمَسَتْ لَهُ أُمُّهُ مَاءً فَلَمْ تَجِدْهُ، فَقَامَتْ إلَى الصَّفَا تَدْعُو اللَّهَ وَتَسْتَغِيثُهُ لِإِسْمَاعِيلَ، ثُمَّ أَتَتْ الْمَرْوَةَ فَفَعَلَتْ مِثْلَ ذَلِكَ. وَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَهَمَزَ لَهُ [1] بِعَقِبِهِ فِي الْأَرْضِ، فَظَهَرَ الْمَاءُ، وَسَمِعَتْ أُمُّهُ أَصْوَاتَ السِّبَاعِ فَخَافَتْهَا عَلَيْهِ، فَجَاءَتْ تَشْتَدُّ نَحْوَهُ، فَوَجَدَتْهُ يَفْحَصُ [2] بِيَدِهِ عَنْ الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ خَدِّهِ وَيَشْرَبُ، فَجَعَلَتْهُ حِسْيًا [3] . أَمْرُ جُرْهُمٍ وَدَفْنِ زَمْزَمَ (وُلَاةُ الْبَيْتِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ جُرْهُمٍ، وَدَفْنُهَا زَمْزَمَ، وَخُرُوجُهَا مِنْ مَكَّةَ وَمَنْ وَلِيَ أَمْرَ مَكَّةَ بَعْدَهَا إلَى أَنْ حَفَرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ زَمْزَمَ، مَا حَدَّثَنَا بِهِ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيُّ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَلِيَ الْبَيْتَ بَعْدَهُ ابْنُهُ نَابِتُ بْنُ إسْمَاعِيلَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلِيَهُ، ثُمَّ وَلِيَ الْبَيْتَ بَعْدَهُ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيُّ. (جُرْهُمٌ وَقَطُورَاءُ، وَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيُّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَنُو إسْمَاعِيلَ وَبَنُو نَابِتٍ مَعَ جَدِّهِمْ مُضَاضِ بْنِ عَمْرٍو

_ [1] وَمن هُنَا سميت زَمْزَم أَيْضا: همزَة جِبْرِيل، وهزمة جِبْرِيل. وَقَالَ المَسْعُودِيّ: سميت زَمْزَم لِأَن الْفرس كَانَت تحج إِلَيْهَا فِي الزَّمن الأول فزمزمت عَلَيْهَا، والزمزمة: صَوت تخرجه الْفرس من خياشيمها عِنْد شرب المَاء، وَقد كتب عمر رضى الله عَنهُ إِلَى عماله: أَن انهوا الْفرس عَن الزمزمة. وَقيل: بل سميت زَمْزَم لِأَنَّهَا زمت بِالتُّرَابِ لِئَلَّا يَأْخُذ المَاء يَمِينا وَشمَالًا. [2] يفحص: يكْشف. [3] الْحسي: الحفيرة الصَّغِيرَة، وَقيل: أصل الْحسي مَا يغور فِي الرمل، فَإِذا بحث عَنهُ ظهر.

وَأَخْوَالِهِمْ مِنْ جُرْهُمٍ [1] . وَجُرْهُمٌ وَقَطُورَاءُ [2] يَوْمَئِذٍ أَهْلُ مَكَّةَ، وَهُمَا ابْنَا عَمٍّ وَكَانَا ظَعَنَا مِنْ الْيَمَنِ، فَأَقْبَلَا سَيَّارَةً، وَعَلَى جُرْهُمٍ مُضَاضُ بْنُ عَمْرِو، وَعَلَى قَطُورَاءَ السَّمَيْدَعُ [3] ، رَجُلٌ مِنْهُمْ. وَكَانُوا إذَا خَرَجُوا مِنْ الْيَمَنِ لَمْ يَخْرُجُوا إلَّا وَلَهُمْ مَلِكٌ يُقِيمُ أَمْرَهُمْ. فَلَمَّا نَزَلَا مَكَّةَ رَأَيَا بَلَدًا ذَا مَاءٍ وَشَجَرٍ، فَأَعْجَبَهُمَا فَنَزَلَا بِهِ. فَنَزَلَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو بِمَنْ مَعَهُ مِنْ جُرْهُمٍ بِأَعْلَى مَكَّةَ بِقُعَيْقِعَانَ [4] فَمَا حَازَ. وَنَزَلَ السَّمَيْدَعُ بِقَطُورَاءَ، أَسْفَلَ مَكَّةَ بِأَجْيَادِ [5] فَمَا حَازَ. فَكَانَ مضاض يعثر [6] مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ أَعْلَاهَا، وَكَانَ السَّمَيْدَعُ يَعْشُرُ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ أَسْفَلِهَا، وَكُلٌّ فِي قَوْمِهِ لَا يَدْخُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. ثُمَّ إنَّ جُرْهُمَ وَقَطُورَاءَ، بَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَتَنَافَسُوا الْمُلْكَ بِهَا، وَمَعَ مُضَاضٍ يَوْمَئِذٍ بَنُو إسْمَاعِيلَ وَبَنُو نَابِتٍ، وَإِلَيْهِ وِلَايَةُ الْبَيْتِ دُونَ السَّمَيْدَعِ، فَسَارَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ، فَخَرَجَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو مِنْ قُعَيْقِعَانَ فِي كَتِيبَتِهِ سَائِرًا إلَى السَّمَيْدَعِ، وَمَعَ كَتِيبَتِهِ عُدَّتُهَا مِنْ الرِّمَاحِ وَالدَّرَقِ وَالسُّيُوفِ وَالْجِعَابِ، يُقَعْقِعُ بِذَلِكَ مَعَهُ، فَيُقَالُ: مَا سُمِّيَ قُعَيْقِعَانُ بِقُعَيْقِعَانَ إلَّا لِذَلِكَ. وَخَرَجَ السَّمَيْدَعُ مِنْ أَجْيَادٍ وَمَعَهُ الْخَيْلُ وَالرِّجَالُ، فَيُقَالُ: مَا سُمِّيَ أَجْيَادٌ أَجِيَادًا إلَّا لِخُرُوجِ الْجِيَادِ [7] مِنْ الْخَيْلِ مَعَ السَّمَيْدَعِ مِنْهُ. فَالْتَقَوْا بِفَاضِحٍ [8] ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَقُتِلَ السَّمَيْدَعُ، وَفُضِحَتْ قَطُورَاءُ. فَيُقَالُ: مَا سُمِّيَ فَاضِحٌ فَاضِحًا إلَّا لِذَلِكَ. ثُمَّ إنَّ الْقَوْمَ تَدَاعَوْا

_ [1] جرهم: هُوَ قحطان بن عَابِر بن شالخ. [2] قطوراء: هُوَ قطوراء بن كركر. [3] السميدع: هُوَ السميدع بن هوثر بن لأى بن قطوراء بن كركر بن عملاق، وَيُقَال: إِن الزباء من ذُريَّته، وَهِي بنت عَمْرو بن أذينة بن ظرب بن حسان، وَبَين حسان والسميدع آبَاء كَثِيرَة. [4] قعيقعان: جبل بِمَكَّة يَلِي الصَّفّ. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [5] أجياد: مَوضِع بِمَكَّة يَلِي الصَّفّ (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [6] يُقَال: عشر فلَان الْقَوْم عشرا وعشورا: إِذا أَخذ عشر أَمْوَالهم. [7] هَذَا بعيد: لِأَن جِيَاد الْخَيل لَا يُقَال فِيهَا أجياد، وَأما أجياد فَجمع جيد. وَقد ذكر أَن مضاضا ضرب فِي ذَلِك الْموضع أجياد مائَة رجل من العمالقة، فَسمى الْموضع أجيادا لهَذَا. [8] فاضح: مَوضِع قرب مَكَّة عِنْد أَبى قبيس، كَانَ النَّاس يخرجُون إِلَيْهِ لحاجاتهم. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .

(أولاد إسماعيل وجرهم بمكة) :

إلَى الصُّلْحِ، فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا الْمَطَابِخَ: شِعْبًا بِأَعْلَى مَكَّةَ [1] ، وَاصْطَلَحُوا بِهِ، وَأَسْلَمُوا الْأَمْرَ إلَى مُضَاضٍ. فَلَمَّا جُمِعَ إلَيْهِ أَمْرُ مَكَّةَ فَصَارَ مُلْكُهَا لَهُ، نَحَرَ لِلنَّاسِ فَأَطْعَمَهُمْ، فاطّبخ [2] النَّاس ويأكلوا، فَيُقَالُ: مَا سُمِّيَتْ الْمَطَابِخُ الْمَطَابِخَ إلَّا لِذَلِكَ. وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَزْعُمُ أَنَّهَا إنَّمَا سُمِّيَتْ الْمَطَابِخَ، لَمَّا كَانَ تُبَّعٌ نَحَرَ بِهَا وَأَطْعَمَ، وَكَانَتْ مَنْزِلَهُ. فَكَانَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ مُضَاضٍ وَالسَّمَيْدَعِ أَوَّلَ بَغْيٍ كَانَ بِمَكَّةَ فِيمَا يَزْعُمُونَ. (أَوْلَادُ إسْمَاعِيلَ وَجُرْهُمٍ بِمَكَّةَ) : ثُمَّ نَشَرَ اللَّهُ وَلَدَ إسْمَاعِيلَ بِمَكَّةَ، وَأَخْوَالُهُمْ مِنْ جُرْهُمٍ، وُلَاةُ الْبَيْتِ وَالْحُكَّامُ بِمَكَّةَ، لَا يُنَازِعُهُمْ وَلَدُ إسْمَاعِيلَ فِي ذَلِك لخؤولتهم وَقَرَابَتِهِمْ، وَإِعْظَامًا لِلْحُرْمَةِ أَنْ يَكُونَ بِهَا بَغْيٌ أَوْ قِتَالٌ. فَلَمَّا ضَاقَتْ مَكَّةُ عَلَى وَلَدِ إسْمَاعِيلَ انْتَشَرُوا فِي الْبِلَادِ، فَلَا يُنَاوِئُونَ قَوْمًا إلَّا أَظْهَرَهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِدِينِهِمْ فَوَطِئُوهُمْ. اسْتِيلَاءُ قَوْمِ كِنَانَةَ وَخُزَاعَةَ على الْبَيْت وَفِي جُرْهُمٍ (بَغْيُ جُرْهُمٍ بِمَكَّةَ وَطَرْدُ بَنِي بَكْرٍ لَهُمْ) : ثُمَّ إنَّ جُرْهُمًا بَغَوْا بِمَكَّةَ، وَاسْتَحَلُّوا خِلَالًا [3] مِنْ الْحُرْمَةِ، فَظَلَمُوا مَنْ دَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، وَأَكَلُوا مَالَ الْكَعْبَةِ الَّذِي يُهْدَى [4] لَهَا، فَرَقَّ أَمْرَهُمْ. فَلَمَّا رَأَتْ بَنُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، وَغُبْشَانُ مِنْ خُزَاعَةَ ذَلِكَ، أَجَمَعُوا

_ [1] وَفِي المطابخ يَقُول الشَّاعِر: أَطُوف بالمطابخ كل يَوْم ... مَخَافَة أَن يشردنى حَكِيم يُرِيد حَكِيم بن أُميَّة. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [2] اطبخ الرجل: طبخ لنَفسِهِ خَاصَّة، أَو اتخذ طبيخا، وَيُقَال: اطبخ الرجل اللَّحْم، وَذَلِكَ إِذا طبخه. [3] الْخلال: الْخِصَال. [4] كَانَ كل مَا يهدى إِلَى الْكَعْبَة يلقى فِي بِئْر قريبَة القعر، كَانَ احتفرها إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام عِنْد بَاب الْكَعْبَة. وَيُقَال: إِنَّه لما فسد أَمر جرهم، وسرقوا مَال الْكَعْبَة مرّة بعد مرّة، دخل رجل مِنْهُم الْبِئْر ليَسْرِق مَال الْكَعْبَة، فَسقط عَلَيْهِ حجر من شَفير الْبِئْر فحبسه فِيهَا. كَمَا يذكرُونَ أَنه أرْسلت على الْبِئْر حَيَّة، فَكَانَت تهيب من يدنو مِنْهَا. 8- سيرة ابْن هِشَام- 1

(بكة لغة) :

لِحَرْبِهِمْ وَإِخْرَاجِهِمْ مِنْ مَكَّةَ. فَآذَنُوهُمْ بِالْحَرْبِ فَاقْتَتَلُوا، فَغَلَبَتْهُمْ بَنُو بَكْرٍ وَغُبْشَانُ فَنَفَوْهُمْ مِنْ مَكَّةَ. وَكَانَتْ مَكَّةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا تُقِرُّ فِيهَا ظُلْمًا وَلَا بَغْيًا، وَلَا يَبْغِي فِيهَا أَحَدٌ إلَّا أَخَرَجَتْهُ، فَكَانَتْ تُسَمَّى النَّاسَّةَ [1] ، وَلَا يُرِيدُهَا مَلِكٌ يَسْتَحِلُّ حُرْمَتَهَا إلَّا هَلَكَ مَكَانَهُ، فَيُقَالُ: إنَّهَا مَا سُمِّيَتْ بِبَكَّةِ إلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَبُكُّ [2] أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ إذَا أَحْدَثُوا فِيهَا شَيْئًا. (بَكَّةُ لُغَةً) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَّ بَكَّةَ اسْمٌ لِبَطْنِ مَكَّةَ، لِأَنَّهُمْ يَتَبَاكَوْنَ فِيهَا، أَيْ يَزْدَحِمُونَ. وَأَنْشَدَنِي: إذَا الشَّرِيبُ [3] أَخَذَتْهُ أَكَّهُ ... [4] ، فَخَلِّهِ حَتَّى يَبُكَّ بَكَّهُ أَيْ فَدَعْهُ حَتَّى يَبُكَّ إبِلَهُ، أَيْ يُخَلِّيهَا إلَى الْمَاءِ فَتَزْدَحِمُ عَلَيْهِ. وَهُوَ مَوْضِعُ الْبَيْتِ وَالْمَسْجِدِ. وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ لِعَامَانَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيُّ بِغَزَالِيِّ الْكَعْبَةِ وَبِحَجَرِ الرُّكْنِ، فَدَفَنَهَا فِي زَمْزَمَ، وَانْطَلَقَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ جُرْهُمٍ إلَى الْيَمَنِ، فَحَزِنُوا عَلَى مَا فَارَقُوا مِنْ أَمْرِ مَكَّةَ وَمُلْكِهَا حُزْنًا شَدِيدًا. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ (بْنِ عَمْرِو) [5] بْنِ مُضَاضٍ فِي ذَلِكَ [6] ، وَلَيْسَ بِمُضَاضٍ الْأَكْبَرِ: وَقَائِلَةٍ وَالدَّمْعُ سَكْبٌ مُبَادِرُ ... وَقَدْ شَرِقَتْ بِالدَّمْعِ مِنْهَا الْمَحَاجِرُ

_ [1] كَمَا كَانَت تسمى النساسة، وهما من «نس» بِمَعْنى يبس وأجدب، كَمَا يُقَال لَهَا: الباسة» أَيْضا، وَهُوَ من البس بِمَعْنى التفتيت. [2] تبك: تكسر. [3] كَذَا فِي أولسان الْعَرَب (مادتي أك وَبِك) . والشريب: الّذي يسقى إبِله مَعَ إبلك. وَفِي الأَصْل: «الشريت» ، وَهُوَ تَصْحِيف. [4] الأكة: شدَّة الْحر، وَقيل شدَّة الْأَلَم. [5] زِيَادَة عَن مُعْجم الْبلدَانِ. [6] وَالسَّبَب فِي قَول هَذَا الشّعْر: أَن عَمْرو بن الْحَارِث كَانَ قد نزل بقنونى من أَرض الْحجاز، فضلت لَهُ إبل، فبغاها حَتَّى أَتَى الْحرم، فَأَرَادَ دُخُوله ليَأْخُذ إبِله، فَنَادَى عَمْرو بن لحي: من وجد جرهميا فَلم يقْتله قطعت يَده. فَسمع بذلك عَمْرو بن الْحَارِث، وأشرف على جبل من جبال مَكَّة، فَرَأى إبِله تنحر ويتوزع لَحمهَا، فَانْصَرف بائسا خَائفًا ذليلا، وَأبْعد فِي الأَرْض: وبغربته يضْرب الْمثل، ثمَّ قَالَ هَذَا الشّعْر

كَأَنَّ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَجُونِ [1] إلَى الصَّفَا ... أَنِيسٌ وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكَّةَ سَامِرُ فَقُلْتُ لَهَا وَالْقَلْبُ مِنِّي كَأَنَّمَا ... يُلَجْلِجُهُ [2] بَيْنَ الْجَنَاحَيْنِ طَائِرُ بَلَى نَحْنُ كُنَّا أَهْلَهَا فَأَزَالَنَا ... صُرُوفُ اللَّيَالِي وَالْجُدُودِ [3] الْعَوَاثِرِ وَكُنَّا وُلَاةَ الْبَيْتِ مِنْ بَعْدِ نَابِتٍ ... نَطُوفُ بِذَاكَ الْبَيْتِ وَالْخَيْرُ ظَاهِرُ [4] وَنَحْنُ وَلِينَا الْبَيْتَ مِنْ بَعْدِ نَابِتٍ ... بِعَزٍّ فَمَا يَحْظَى لَدَيْنَا الْمُكَاثِرُ مَلَكْنَا فَعَزَّزْنَا فَأَعْظِمْ بِمُلْكِنَا ... فَلَيْسَ لِحَيِّ غَيْرِنَا ثَمَّ فَاخِرُ أَلَمْ تُنْكِحُوا مِنْ خَيْرِ شخص [5] عَلمته [6] ... فأبناوه مِنَّا وَنَحْنُ الْأَصَاهِرُ فَإِنْ تَنْثَنِ الدُّنْيَا عَلَيْنَا بِحَالِهَا ... فَإِنَّ لَهَا حَالًا وَفِيهَا التَّشَاجُرُ فَأَخْرَجَنَا مِنْهَا الْمَلِيكُ بِقُدْرَةٍ ... كَذَلِكَ يَا لِلنَّاسِ تَجْرِي الْمَقَادِرُ أَقُولُ إذَا نَامَ الْخَلِيُّ وَلَمْ أَنَمْ ... أَذَا الْعَرْشِ: لَا يَبْعُدُ سُهَيْلٌ وَعَامِرٌ وَبُدِّلْتُ مِنْهَا أَوْجُهًا لَا أُحِبُّهَا ... قَبَائِلُ مِنْهَا حِمْيَرُ وَيُحَابِرُ [7] وَصِرْنَا أَحَادِيثَا وَكُنَّا بِغِبْطَةٍ ... بِذَلِكَ عَضَّتْنَا السِّنُونَ الْغَوَابِرُ فَسَحَّتَ دُمُوعُ الْعَيْنِ تَبْكِي لِبَلْدَةٍ ... بِهَا حَرَمٌ أَمْنٌ وَفِيهَا الْمَشَاعِرُ [8] وَتَبْكِي لِبَيْتٍ لَيْسَ يُوذَى حَمَامُهُ ... يَظَلُّ بِهِ أَمْنًا وَفِيهِ الْعَصَافِرُ [9]

_ [1] الْحجُون: جبل بِأَعْلَى مَكَّة، عَلَيْهِ مدافن أَهلهَا، وَقيل: مَكَان من الْبَيْت على ميل وَنصف، وَقيل على فَرسَخ وَثلث، عَلَيْهِ سَقِيفَة آل زِيَاد بن عبد الله الْحَارِثِيّ، وَكَانَ عَاملا على مَكَّة فِي أَيَّام السفاح وَبَعض أَيَّام الْمَنْصُور. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْحجُون: هُوَ الْجَبَل المشرف الّذي بحذاء مَسْجِد الْبيعَة على شعب الجزارين. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [2] يلجلجه: يديره. [3] الجدود: جمع جد، وَهُوَ الْحَظ. [4] يُشِير بِهَذَا الْبَيْت إِلَى أَنه بعد موت نابت، وَأمه جرهمية، وَلم يكثر ولد إِسْمَاعِيل، غلبت جرهم على ولَايَة الْبَيْت. [5] يعْنى: إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام، وَذَلِكَ أَنه نكح امْرَأَة من جرهم. [6] وَرِوَايَة هَذَا الشّطْر فِي الطَّبَرِيّ: وصاهرنا من أكْرم النَّاس والدا [7] حمير ويحابر: من قبائل الْيمن، وَيُقَال: إِن يحابر هِيَ مُرَاد. [8] المشاعر: الْمَوَاضِع الْمَشْهُورَة فِي الْحَج الَّتِي يتعبد بهَا. [9] أَرَادَ: العصافير، وَحذف الْيَاء للضَّرُورَة.

وَفِيهِ وُحُوشٌ لَا تُرَامُ أَنِيسَةٌ ... إذَا خَرَجَتْ مِنْهُ فَلَيْسَتْ تُغَادِرُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «فَأَبْنَاؤُهُ منا» ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَيْضًا يَذْكُرُ بَكْرًا وَغُبْشَانُ، وَسَاكِنِي مَكَّةَ الَّذِينَ خَلَفُوا فِيهَا بَعْدَهُمْ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ سِيرُوا إنَّ قَصْرَكُمْ [1] ... أَنْ تُصْبِحُوا ذَاتَ يَوْمٍ لَا تَسِيرُونَا حُثُّوا الْمَطِيَّ وَأَرْخُوا مِنْ أَزِمَّتِهَا ... قَبْلَ الْمَمَاتِ وَقَضُّوا مَا تُقِضُّونَا كُنَّا أُنَاسًا كَمَا كُنْتُمْ فَغَيَّرَنَا ... دَهْرٌ فَأَنْتُمْ كَمَا كُنَّا تَكُونُونَا [2] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا مَا صَحَّ لَهُ مِنْهَا. وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ: أَنَّ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ أَوَّلُ شِعْرٍ قِيلَ فِي الْعَرَبِ، وَأَنَّهَا وُجِدَتْ مَكْتُوبَةً فِي حَجَرٍ بِالْيَمَنِ، وَلَمْ يُسَمِّ لِي قَائِلَهَا [3] .

_ [1] قصركم: نهايتكم وغايتكم. [2] وَزَاد بَعضهم على هَذِه الأبيات: إِن التفكر لَا يجدي لصَاحبه ... عِنْد البديهة فِي علم لَهُ دونا فاستخبروا فِي صَنِيع النَّاس قبلكُمْ ... كَمَا استبان طَرِيق عِنْده الهونا كُنَّا زَمَانا مُلُوك النَّاس قبلكُمْ ... بمسكن فِي حرَام الله مسكونا [3] ويروى: أَنه وجد فِي بِئْر بِالْيَمَامَةِ ثَلَاثَة أَحْجَار. فوجدوا فِي حجر من الثَّلَاثَة مَكْتُوبًا هَذِه الأبيات، ووجدوا فِي حجر آخر مَكْتُوبًا: يَا أَيهَا الْملك الّذي ... بِالْملكِ ساعده زَمَانه مَا أَنْت أول من علا ... وَعلا شئون النَّاس شانه أقصر عَلَيْك مراقبا ... فالدهر مخذول أَمَانه كم من أَشمّ معصب ... بالتاج مرهوب مَكَانَهُ قد كَانَ ساعده الزَّمَان ... وَكَانَ ذَا خفض جنانه تجرى الجداول حوله ... للجند مترعة جفانه قد فاجأته منية ... لم ينجه مِنْهَا اكتنانه وَتَفَرَّقَتْ أجناده ... عَنهُ وناح بِهِ قيانه والدهر من يعلق بِهِ ... يطحنه مفترسا جرانه وَالنَّاس شَتَّى فِي الْهوى ... كالمرء مُخْتَلف بنانه والصدق أفضل شِيمَة ... والمرء يقْتله لِسَانه والصمت أسعد للفتى ... وَلَقَد يشرفه بَيَانه وَوجد بِالْحجرِ الثَّالِث قصيدة على هَذَا النمط كلهَا حكم ومواعظ، ومطلعها:

استبداد قوم من خزاعة بولاية البيت

اسْتِبْدَادُ قَوْمٍ مِنْ خُزَاعَةَ بِوِلَايَةِ الْبَيْتِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ غُبْشَانَ مِنْ خُزَاعَةَ وَلِيَتْ الْبَيْتَ دُونَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ، وَكَانَ الَّذِي يَلِيهِ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ الْغُبْشَانِيُّ، وَقُرَيْشٌ إذْ ذَاكَ حُلُولٌ وَصِرَمٌ، [1] وَبُيُوتَاتٌ مُتَفَرِّقُونَ فِي قَوْمِهِمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، فَوَلِيَتْ خُزَاعَةُ الْبَيْتَ يَتَوَارَثُونَ ذَلِكَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، حَتَّى كَانَ آخِرُهُمْ حُلَيْلُ بْنُ حَبَشِيَّةَ بْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيَّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَالُ حُبْشِيَّةُ بْنُ سَلُولَ. تَزَوُّجُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ حُبَّى بِنْتَ حُلَيْلٍ (أَوْلَادُ قُصَيٍّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ قُصَيَّ بْنَ كِلَابٍ خَطَبَ إلَى حُلَيْلِ بْنِ حُبْشِيَّةَ ابْنَتَهُ حُبَّى، فَرَغِبَ فِيهِ حُلَيْلٌ فَزَوَّجَهُ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الدَّارِ، وَعَبْدَ مَنَافٍ، وَعَبْدَ الْعُزَّى، وَعَبْدًا. فَلَمَّا انْتَشَرَ وَلَدُ قُصَيٍّ، وَكَثُرَ مَالُهُ، وَعَظُمَ شَرَفُهُ، هَلَكَ حُلَيْلٌ. (تَوَلِّي قُصَيٍّ أَمْرَ الْبَيْتِ وَنُصْرَةَ رُزَاحٍ لَهُ) : فَرَأَى قُصَيٌّ أَنَّهُ أَوْلَى بِالْكَعْبَةِ، وَبِأَمْرِ مَكَّةَ مِنْ خُزَاعَةَ وَبَنِيَّ بَكْرٍ، وَأَنَّ قُرَيْشًا قُرْعَةُ [2] إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَصَرِيحُ وَلَدِهِ. فَكَلَّمَ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ، وَبَنِيَّ كِنَانَةَ،

_ [ () ] كل عَيْش تعله ... لَيْسَ للدهر خله يَوْم بؤس ونعمه ... واجتماع وقله حبنا الْعَيْش وَالتَّكَاثُر ... جهل وضله وَمِنْهَا: آفَة الْعَيْش وَالنَّعِيم ... كرور الْأَهِلّة وصل يَوْم وَلَيْلَة ... وَاعْتِرَاض بعلة [1] الصرم: الْجَمَاعَات المتقطعة. [2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والقرعة: نخبة الشَّيْء وخياره. وَفِي الطَّبَرِيّ وأ: «فرعة» بِالْفَاءِ. وفرعة الْجَبَل: أَعْلَاهُ. يُرِيد أَن قُريْشًا أَعلَى ولد إِسْمَاعِيل.

وَدَعَاهُمْ إلَى إخْرَاجِ خُزَاعَةَ وَبَنِيَّ بَكْرٍ مِنْ مَكَّةَ، فَأَجَابُوهُ. وَكَانَ رَبِيعَةُ بْنُ حَرَامٍ مِنْ [1] عُذْرَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ قَدْ قَدِمَ مَكَّةَ بَعْدَ هُلْكِ كِلَابٍ، فَتَزَوَّجَ فَاطِمَةَ بِنْتَ سَعْدِ بْنِ سَيَلٍ، وَزُهْرَةَ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ، وَقُصَيٌّ فَطِيمٌ، فَاحْتَمَلَهَا إلَى بِلَادِهِ، فَحَمَلَتْ قُصَيًّا مَعَهَا، وَأَقَامَ زُهْرَةَ، فَوَلَدَتْ لِرَبِيعَةَ رِزَاحًا. فَلَمَّا بَلَغَ قُصَيٌّ وَصَارَ رَجُلًا أَتَى مَكَّةَ، فَأَقَامَ [2] بِهَا، فَلَمَّا أَجَابَهُ قَوْمُهُ إلَى مَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ، كَتَبَ إلَى أَخِيهِ مِنْ أُمِّهِ، رِزَاحِ بْنِ رَبِيعَةَ، يَدْعُوهُ إلَى نُصْرَتِهِ، وَالْقِيَامِ مَعَهُ. فَخَرَجَ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ وَمَعَهُ إخْوَتُهُ: حُنُّ بْنُ رَبِيعَةَ، وَمَحْمُودُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَجُلْهُمَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَهُمْ لِغَيْرِ فَاطِمَةَ، فِيمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ قُضَاعَةَ فِي حَاجِّ الْعَرَبِ، وَهُمْ مُجْمِعُونَ لِنُصْرَةِ قُصَيٍّ. وَخُزَاعَةُ تَزْعُمُ أَنَّ حُلَيْلَ بْنَ حُبْشِيَّةَ أَوْصَى بِذَلِكَ قُصَيًّا وَأَمَرَهُ بِهِ حِينَ انْتَشَرَ لَهُ مِنْ ابْنَتِهِ مِنْ الْوَلَدِ مَا انْتَشَرَ. وَقَالَ: أَنْتِ أَوْلَى بِالْكَعْبَةِ، وَبِالْقِيَامِ عَلَيْهَا، وَبِأَمْرِ مَكَّةَ مِنْ خُزَاعَةَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ طَلَبَ قُصَيٌّ مَا طَلَبَ. وَلَمْ نَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ [3] ، فاللَّه أَعْلَمُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ.

_ [1] فِي أ: «بن» . [2] وَالسَّبَب فِي رُجُوعه إِلَى مَكَّة، هُوَ أَنه لما كَانَ غُلَاما- وَكَانَ يدعى إِلَى ربيعَة لِأَنَّهُ لَا يعلم لَهُ أَب إِلَّا إِيَّاه- تساب هُوَ وَرجل من قضاعة، فَعَيَّرَهُ بالدعوة وَقَالَ لَهُ: لست منا، وَإِنَّمَا أَنْت فِينَا ملصق. فَدخل على أمه، وَقد وجم لذَلِك، فَقَالَت لَهُ: يَا بنى، صدق، إِنَّك لست مِنْهُم، وَلَكِن رهطك خير من رهطه، وآباءك أشرف من آبَائِهِ، وَإِنَّمَا أَنْت قرشي، وأخوك وَبَنُو عمك بِمَكَّة، وهم جيران بَيت الله الْحَرَام، فَدخل فِي سيارة حَتَّى أَتَى مَكَّة. [3] وَيُقَال أَيْضا فِي انْتِقَال ولَايَة الْبَيْت إِلَى قصي: أَن حليلا كَانَ يعْطى مَفَاتِيح الْبَيْت إِلَى ابْنَته حبي حِين كبر وَضعف، فَكَانَت بِيَدِهَا، وَكَانَ قصي رُبمَا أَخذهَا فِي بعض الأحيان فَفتح الْبَيْت للنَّاس وأغلقه، وَلما هلك حليل أوصى بِولَايَة الْبَيْت إِلَى قصي، فَأَبت خُزَاعَة أَن تمضى ذَلِك لقصي، فَعِنْدَ ذَلِك هَاجَتْ الْحَرْب بَينه وَبَين خُزَاعَة. كَمَا يذكر أَيْضا: أَن حليلا لما كبر وَلم يقدر على فتح الْبَاب وإغلاقه، عهد بالمفاتيح إِلَى أَبى غبشان- وَهُوَ من خُزَاعَة، واسْمه سليم بن عَمْرو- فابتاعها مِنْهُ قصي بزق خمر، فَقيل: أخسر صَفْقَة من أَبى غبشان. وَكَانَ الأَصْل فِي الِانْتِقَال ولَايَة الْبَيْت من ولد مُضر إِلَى خُزَاعَة: أَن الْحرم حِين ضَاقَ عَن ولد نزار وبغت فِيهِ إياد، أخرجتهم بَنو مُضر بن نزار، وأجلوهم عَن مَكَّة، فعمدوا فِي اللَّيْل إِلَى الْحجر الْأسود، فاقتلعوه وَاحْتَمَلُوهُ على بعير، فرزح الْبَعِير بِهِ وَسقط إِلَى الأَرْض، وجعلوه على آخر، فرزح أَيْضا. وعَلى الثَّالِث، فَفعل مثل ذَلِك. فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك دفنوه وذهبوا، فَلَمَّا أصبح أهل مَكَّة وَلم يروه، وَقَعُوا فِي كرب عَظِيم. وَكَانَت امْرَأَة من خُزَاعَة قد بصرت بِهِ حِين دفن، فأعلمت قَومهَا بذلك، فَحِينَئِذٍ أخذت

ما كان يليه الغوث بن مر من الإجازة للناس بالحج

مَا كَانَ يَلِيهِ الْغَوْثُ بْنُ مُرَّ مِنْ الْإِجَازَةِ لِلنَّاسِ بِالْحَجِّ وَكَانَ الْغَوْثُ بْنُ مُرَّ بْنِ أَدِّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ يَلِي الْإِجَازَةَ [1] لِلنَّاسِ بِالْحَجِّ مِنْ [2] عَرَفَةَ، وَوَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ ولِوَلَدِهِ صُوفَةُ [3] . وَإِنَّمَا وَلِيَ ذَلِكَ الْغَوْثُ بْنُ مُرَّ، لِأَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ امْرَأَةً مِنْ جُرْهُمٍ، وَكَانَتْ لَا تَلِدُ، فَنَذَرَتْ للَّه إنْ هِيَ وَلَدَتْ رَجُلًا أَنْ تَصَّدَّقَ بِهِ عَلَى الْكَعْبَةِ عَبْدًا لَهَا يَخْدُمُهَا، وَيَقُومُ عَلَيْهَا. فَوَلَدَتْ الْغَوْثَ، فَكَانَ يَقُومُ عَلَى الْكَعْبَةِ فِي الدَّهْرِ الْأَوَّلِ مَعَ أَخْوَالِهِ مِنْ جُرْهُمٍ، فَوَلِيَ الْإِجَازَةَ بِالنَّاسِ مِنْ عَرَفَةَ، لِمَكَانِهِ الَّذِي كَانَ بِهِ مِنْ الْكَعْبَةِ، وَوَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ حَتَّى انْقَرَضُوا [4] . فَقَالَ مُرُّ بْنُ أَدٍّ لِوَفَاءِ نَذْرِ أُمِّهِ: إنِّي جَعَلْتُ رَبَّ مَنْ بَييَّهْ ... رَبِيطَةً بِمَكَّةَ الْعَلِيَّهْ فَبَارِكْنَ لِي بِهَا أليَّهْ [5] ... وَاجْعَلْهُ لِي مِنْ صَالِحِ الْبَرِيَّهْ وَكَانَ الْغَوْثُ بْنُ مُرٍّ- فِيمَا زَعَمُوا- إذَا دَفَعَ بِالنَّاسِ قَالَ: لَا همّ إنِّي تَابِعٌ تَبَاعَهُ [6] ... إنْ كَانَ إثْمٌ فَعَلَى قُضَاعَهُ [7]

_ [ () ] خُزَاعَة على وُلَاة الْبَيْت أَن يتخلوا لَهُم عَن ولَايَته ويدلوهم على الْحجر، فَفَعَلُوا ذَلِك، فَمن هُنَالك صَارَت ولَايَة الْبَيْت لخزاعة إِلَى أَن صَارَت إِلَى بنى عبد منَاف. (رَاجع الرَّوْض الْأنف وَكتاب الْأَوَائِل لأبى هِلَال العسكري) . [1] الْإِجَازَة: الْإِفَاضَة. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «من بعد عَرَفَة» . [3] وَإِنَّمَا قيل للغوث وَولده: صوفة، لِأَن أمه حِين جعلته ربيطا للكعبة علقت بِرَأْسِهِ صوفة، وَقيل ألبسته ثوبا من صوف، وَقيل: إِنَّمَا سمى كَذَلِك، لِأَن أمه لما ربطته عِنْد الْبَيْت أَصَابَهُ الْحر فمرت بِهِ وَقد سقط وذوى واستعرض، فَقَالَت: مَا صَارا بنى إِلَّا صوفة، فَسمى صوفة. وَقيل: إِنَّمَا سمى كَذَلِك لِأَن كل من ولى الْبَيْت شَيْئا من غير أَهله، أَو قَامَ بِشَيْء من خدمَة الْبَيْت، أَو بِشَيْء من أَمر الْمَنَاسِك، يُقَال لَهُم صوفة وصوفان. [4] وَقيل: إِن ولَايَة الْغَوْث بن مر كَانَت من قبل مُلُوك كِنْدَة. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [5] الألية: فِي الأَصْل الْيَمين، وَهِي هُنَا: النّذر الّذي نذرته أمه. [6] التباعة: مَا يتبعهُ الْإِنْسَان ويقتدى بِهِ. [7] إِنَّمَا خص قضاعة بِهَذَا، لِأَن مِنْهُم مخلين يسْتَحلُّونَ الْأَشْهر الْحرم، كَمَا كَانَت خثعم وطيِّئ تفعل

(صوفة ورمى الجمار) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى [1] بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ (عَبَّادٍ) [2] . قَالَ: (صُوفَةُ وَرَمْيُ الْجِمَارِ) : كَانَتْ صُوفَةُ تَدْفَعُ بِالنَّاسِ مِنْ عَرَفَةَ، وَتُجِيزُ بِهِمْ إذَا نَفَرُوا مِنْ مِنًى، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ النَّفْرِ أَتَوْا لِرَمْيِ الْجِمَارِ، وَرَجُلٌ مِنْ صُوفَةَ يَرْمِي لِلنَّاسِ، لَا يَرْمُونَ حَتَّى يَرْمِي [3] . فَكَانَ ذَوُو الْحَاجَاتِ الْمُتَعَجِّلُونَ يَأْتُونَهُ، فَيَقُولُونَ لَهُ: قُمْ فَارْمِ حَتَّى نَرْمِيَ مَعَكَ، فَيَقُولُ: لَا وَاَللَّهِ، حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ. فَيَظَلُّ ذَوُو الْحَاجَاتِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ التَّعَجُّلَ يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ، وَيَسْتَعْجِلُونَهُ بِذَلِكَ، وَيَقُولُونَ لَهُ: وَيْلَكَ! قُمْ فَارْمِ، فَيَأْبَى عَلَيْهِمْ. حَتَّى إذَا مَالَتْ الشَّمْسُ قَامَ فَرَمَى وَرَمَى النَّاسُ مَعَهُ. (تَوَلِّي بَنِي سَعْدٍ أَمْرَ الْبَيْتِ بَعْدَ صُوفَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ رَمْيِ الْجِمَارِ وَأَرَادُوا النَّفْرَ مِنْ مِنًى، أَخَذَتْ صُوفَةُ بِجَانِبَيْ الْعَقَبَةِ، فَحَبَسُوا النَّاس وَقَالُوا: أجيرى صُوفَةَ، فَلَمْ يَجُزْ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَمُرُّوا، فَإِذَا نَفَرَتْ صُوفَةُ وَمَضَتْ خُلِّيَ سَبِيلُ النَّاسِ فَانْطَلَقُوا بَعْدَهُمْ فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتَّى انْقَرَضُوا، فَوَرِثَهُمْ ذَلِكَ مِنْ بَعْدِهِمْ بِالْقُعْدُدِ [4] بَنُو سعد بن زِيَاد مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ [5] ، وَكَانَتْ مِنْ بَنِي سَعْدٍ فِي آلِ صَفْوَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شِجْنَةَ. (نَسَبُ صَفْوَانَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: صَفْوَانُ بْنُ جُنَابِ بْنِ شِجْنَةَ بْنِ عُطَارِدَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ.

_ [1] روى عَن جده، وَأَبِيهِ، وَعَمه حَمْزَة. وَعنهُ هِشَام بن عُرْوَة، ومُوسَى بن عقبَة، وَابْن إِسْحَاق وَجَمَاعَة، وَلَقَد مَاتَ شَابًّا عَن سبع وَثَلَاثِينَ سنة. (رَاجع تراجم رجال لِابْنِ إِسْحَاق) . [2] زِيَادَة عَن أ. [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «يرومى» ، وَهُوَ تَحْرِيف. [4] يُرِيد قرب النّسَب. يُقَال: رجل قعدد، إِذا كَانَ قريب الْآبَاء إِلَى الْجد الْأَكْبَر. وَمن أغرب مَا يذكر أَن يزِيد بن مُعَاوِيَة حج بِالنَّاسِ سنة خمسين، وَأَن عبد الصَّمد بن على حج بِالنَّاسِ سنة مائَة وَخمسين وآباؤهما فِي القعدد إِلَى عبد منَاف وَاحِد، وَبَينهمَا مائَة سنة. [5] وَذَلِكَ لِأَن سَعْدا هُوَ ابْن زيد مَنَاة بن تَمِيم بن مر، وَكَانَ سعد أقعد بالغوث بن مر من غَيره من الْعَرَب.

(صفوان وكرب والإجازة في الحج) :

(صَفْوَانُ وَكَرِبٌ وَالْإِجَازَةُ فِي الْحَجِّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ صَفْوَانُ هُوَ الَّذِي يُجِيزُ لِلنَّاسِ بِالْحَجِّ مِنْ عَرَفَةَ، ثُمَّ بَنَوْهُ مِنْ بَعْدِهِ، حَتَّى كَانَ آخِرَهُمْ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، كَرِبُ بْنُ صَفْوَانَ، وَقَالَ أَوْسُ بْنُ تَمِيمِ بْنِ مَغْرَاءَ السَّعْدِيُّ: لَا يَبْرَحُ النَّاسُ مَا حَجُّوا مُعَرَّفَهُمْ ... حَتَّى يُقَالَ أَجِيزُوا آلَ صَفْوَانَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لِأَوْسِ بْنِ مَغْرَاءَ. مَا كَانَت عَلَيْهِ عدوان من إفَاضَة الْمزْدَلِفَة (شِعْرُ ذِي الْإِصْبَعِ فِي إفَاضَتِهِمْ بِالنَّاسِ) : وَأَمَّا قَوْلُ ذِي الْإِصْبَعِ الْعَدْوَانِيِّ، وَاسْمُهُ حُرْثَانُ (مِنْ عَدْوَانَ) [1] بْنِ عَمْرٍو، وَإِنَّمَا سُمِّيَ ذَا الْإِصْبَعِ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ إصْبَعٌ فَقَطَعَهَا: عَذِيرَ [2] الْحَيِّ مِنْ عَدْوَانَ ... كَانُوا حَيَّةَ الْأَرْضِ [3] بَغَى بَعْضُهُمْ ظُلْمًا ... فَلَمْ يُرْعِ [4] عَلَى بَعْضِ وَمِنْهُم كَانَت السّادات ... وَالْمُوفُونَ بِالْقَرْضِ [5] وَمِنْهُمْ من يُجِيز النّاس ... بِالسُّنَّةِ وَالْفَرْضِ وَمِنْهُمْ حَكَمٌ يَقْضِي ... فَلَا يُنْقَضُ مَا يَقْضِي

_ [1] زِيَادَة عَن الشّعْر وَالشعرَاء، وَهِي زِيَادَة يقتضيها السِّيَاق، إِذْ لم نجد مرجعا من المراجع الَّتِي بَين أَيْدِينَا اتّفق مَعَ الْأُصُول فِي اسْم ذِي الإصبع، وَهُوَ كَمَا نصت عَلَيْهِ: حرثان بن الْحَارِث بن محرث بن ثَعْلَبَة ابْن سيار (شباة، شَبابَة) بن ربيعَة بن هُبَيْرَة بن ثَعْلَبَة بن ظرب بن عَمْرو (عياذ) بن يشْكر بن عدوان ابْن عَمْرو بن سعد بن قيس بن عيلان بن مُضر بن نزار. وَقيل: حرثان بن موت بن الْحَارِث بن شباة بن ذهب بن ثَعْلَبَة ... إِلَخ (رَاجع خزانَة الْأَدَب ج 2، ص 408، والمفضليات ص 312 طبع بيروت، والأغاني ج 3 ص 89 طبع دَار الْكتب، وَالشعر وَالشعرَاء، وَشرح الْقَامُوس) . [2] العذير: من يعْذر. يُرِيد: أَي هاتوا من يعْذر. [3] يُقَال: فلَان حَيَّة الأَرْض، وحية الْوَادي: إِذا كَانَ مهيبا يذعر مِنْهُ، وَقيل: حَيَّة الأَرْض: أَي حَيَاتهَا، لأَنهم كَانُوا يقومُونَ بِالنَّاسِ لجودهم وكرمهم، فكأنهم كَانُوا حَيَاة للْأَرْض وَأَهْلهَا. [4] لم يرع: لم يبْق، يُقَال: مَا أرعى فلَان على فلَان: أَي مَا أبقى عَلَيْهِ. [5] الْقَرْض هُنَا: الْجَزَاء، أَي من فعل شَيْئا جازوه بِهِ.

(أبو سيارة وإفاضته بالناس) :

(أَبُو سَيَّارَةَ وَإِفَاضَتُهُ بِالنَّاسِ) : - وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ- فَلِأَنَّ الْإِفَاضَةَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ كَانَتْ فِي عَدْوَانَ- فِيمَا حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ- يَتَوَارَثُونَ ذَلِكَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ. حَتَّى كَانَ آخِرَهُمْ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ أَبُو سَيَّارَةَ، عُمَيْلَةُ بْنُ الْأَعْزَلِ [1] . فَفِيهِ يَقُولُ شَاعِرٌ مِنْ الْعَرَبِ: نَحْنُ دَفَعْنَا عَنْ أَبِي سَيَّارَهْ ... وَعَنْ مَوَالِيهِ بَنِي فَزَارَهْ [2] حَتَّى أَجَازَ سَالِمًا حِمَارَهْ ... مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو جَارَهُ [3] قَالَ: وَكَانَ أَبُو سَيَّارَةَ يَدْفَعُ بِالنَّاسِ عَلَى أَتَانٍ [4] لَهُ، فَلِذَلِكَ يَقُولُ: «سَالِمًا حِمَارَهُ» . أَمْرُ عَامِرِ بْنِ ظَرِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِيَاذِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ عَدْوَانَ (قَضَاؤُهُ فِي خُنْثَى وَمَشْوَرَةُ جَارِيَتِهِ سُخَيْلَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَوْلُهُ «حَكَمٌ يَقْضِي» ، يَعْنِي عَامِرَ بْنَ ظَرِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِيَاذِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ عَدْوَانَ الْعَدْوَانِيَّ. وَكَانَتْ الْعَرَبُ لَا يَكُونُ بَيْنَهَا نَائِرَةٌ [5] وَلَا عُضْلَةٌ [6] فِي قَضَاءٍ إلَّا أَسْنَدُوا ذَلِكَ إلَيْهِ ثُمَّ رَضُوا بِمَا قَضَى فِيهِ. فَاخْتُصِمَ إلَيْهِ فِي بَعْضِ مَا كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فِي رَجُلٍ خُنْثَى، لَهُ مَا لِلرَّجُلِ وَلَهُ مَا لِلْمَرْأَةِ، فَقَالُوا: أَتَجْعَلُهُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً؟ وَلَمْ يَأْتُوهُ بِأَمْرِ كَانَ أَعْضَلَ مِنْهُ. فَقَالَ: حَتَّى أَنْظُرَ فِي أَمركُم، فو الله مَا نَزَلَ بِي مِثْلُ هَذِهِ مِنْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ! فَاسْتَأْخَرُوا عَنْهُ. فَبَاتَ لَيْلَتَهُ سَاهِرًا، يُقَلِّبُ أَمْرَهُ، وَيَنْظُرُ فِي شَأْنِهِ، لَا يَتَوَجَّهُ لَهُ مِنْهُ وَجْهٌ. وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا سُخَيْلَةُ تَرْعَى عَلَيْهِ غَنَمَهُ، وَكَانَ يُعَاتِبُهَا إذَا سَرَحَتْ فَيَقُولُ: صَبَّحْتِ وَاَللَّهِ

_ [1] وَقيل اسْمه العَاصِي، وَاسم الأعزل خَالِد. [2] يعْنى بمواليه: بنى عَمه، لِأَنَّهُ من عدوان، وعدوان وفزارة من قيس عيلان. [3] يَدْعُو جَاره: أَي يَدْعُو الله عز وَجل يَقُول: اللَّهمّ كن لي جارا مِمَّن أخافه، أَي مجيرا. [4] وَكَانَت تِلْكَ الأتان سَوْدَاء. وَلذَلِك يَقُول: لاهم مَا لي فِي الْحمار الْأسود ... أَصبَحت بَين الْعَالمين أحسد [5] النائرة: الكائنة الشنيعة تكون بَين الْقَوْم. [6] العضلة: الْأَمر الشَّديد الّذي لَا يعلم لَهُ وَجه.

غلب قصي بن كلاب على أمر مكة وجمعه أمر قريش ومعونة قضاعة له

يَا سُخَيْلُ! وَإِذَا أَرَاحَتْ عَلَيْهِ قَالَ: مَسَّيْتِ وَاَللَّهِ يَا سُخَيْلُ! وَذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ تُؤَخِّرُ السَّرْحَ حَتَّى يَسْبِقَهَا بَعْضُ النَّاسِ، وَتُؤَخِّرُ الْإِرَاحَةَ حَتَّى يَسْبِقَهَا بَعْضٌ. فَلَمَّا رَأَتْ سَهَرَهُ وَقِلَّةَ قَرَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ قَالَتْ: مَا لَكَ لَا أَبَا لَكَ! مَا عَرَاكَ فِي لَيْلَتِكَ هَذِهِ؟ قَالَ: وَيْلَكَ! دَعِينِي، أَمْرٌ لَيْسَ مِنْ شَأْنِكَ، ثُمَّ عَادَتْ لَهُ بِمِثْلِ قَوْلِهَا. فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: عَسَى أَنْ تَأْتِيَ مِمَّا أَنَا فِيهِ بِفَرَجٍ، فَقَالَ: وَيْحَكَ! اُخْتُصِمَ إلَيَّ فِي مِيرَاثِ خُنْثَى، أَأَجْعَلُهُ رَجُلًا أَو امْرَأَة؟ فو الله مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ، وَمَا يَتَوَجَّهُ لِي فِيهِ وَجْهٌ. قَالَ: فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ! لَا أَبَا لَكَ! أَتْبِعْ الْقَضَاءَ الْمَبَالَ [1] ، أَقْعِدْهُ، فَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ الرَّجُلُ فَهُوَ رَجُلٌ، وَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ تَبُولُ الْمَرْأَةُ، فَهِيَ امْرَأَةٌ. قَالَ: مَسِّي سُخَيْلُ بَعْدَهَا أَوْ صَبِّحِي، فَرَّجْتِهَا وَاَللَّهِ. ثُمَّ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ حِينَ أَصْبَحَ، فَقَضَى بِاَلَّذِي أَشَارَتْ عَلَيْهِ بِهِ. غَلَبُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ عَلَى أَمْرِ مَكَّةَ وَجَمْعُهُ أَمْرَ قُرَيْشٍ وَمَعُونَةُ قُضَاعَةَ لَهُ (هَزِيمَةُ صُوفَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْعَامُ فَعَلَتْ صُوفَةُ كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ، وَقَدْ عَرَفَتْ ذَلِكَ لَهَا الْعَرَبُ، وَهُوَ دِينٌ فِي أَنْفُسِهِمْ فِي عَهْدِ جُرْهُمٍ وَخُزَاعَةَ وَوِلَايَتِهِمْ. فَأَتَاهُمْ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ وَقُضَاعَةَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ، فَقَالَ: لَنَحْنُ أَوْلَى بِهَذَا مِنْكُمْ، فَقَاتِلُوهُ، فَاقْتَتَلَ النَّاسُ قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمَّ انْهَزَمَتْ صُوفَةُ، وَغَلَبَهُمْ قُصَيٌّ عَلَى مَا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ. (مُحَارَبَةُ قُصَيٍّ لِخُزَاعَةَ وَبَنِيَّ بَكْرٍ وَتَحْكِيمُ يَعْمُرَ بْنِ عَوْفٍ) : وَانْحَازَتْ عِنْدَ ذَلِكَ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ عَنْ قُصَيٍّ، وَعَرَفُوا أَنَّهُ سَيَمْنَعُهُمْ كَمَا مَنَعَ صُوفَةَ، وَأَنَّهُ سَيَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَمْرِ مَكَّةَ. فَلَمَّا انْحَازُوا عَنْهُ بَادَاهُمْ [2]

_ [1] أَي اجْعَلْهُ تَابعا لَهُ، وَهَذَا من الِاسْتِدْلَال بالأمارات، وَله نَظَائِر كَثِيرَة فِي الشَّرِيعَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ 12: 18. لِأَن الْقَمِيص المدمى لم يكن فِيهِ خرق، وَلَا أثر لأنياب الذِّئْب. [2] باداهم: كاشفهم.

(سبب تسمية يعمر بالشداخ) :

وَأَجْمَعَ لِحَرْبِهِمْ (وَثَبَتَ مَعَهُ أَخُوهُ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ قُضَاعَةَ) [1] . وَخَرَجَتْ لَهُ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ فَالْتَقَوْا، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا (بِالْأَبْطَحِ) [2] ، حَتَّى كَثُرَتْ الْقَتْلَى فِي الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، ثُمَّ إنَّهُمْ تَدَاعَوْا إلَى الصُّلْحِ وَإِلَى أَنْ يُحَكِّمُوا بَيْنَهُمْ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ، فَحَكَّمُوا يَعْمُرَ بْنَ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ [3] بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، فَقَضَى بَيْنَهُمْ بِأَنَّ قُصَيًّا أَوْلَى بِالْكَعْبَةِ وَأَمْرِ مَكَّةَ مِنْ خُزَاعَةَ، وَأَنَّ كُلَّ دَمٍ أَصَابَهُ قُصَيٌّ مِنْ خُزَاعَةَ وَبَنِيَّ بَكْرٍ، مَوْضُوعٌ يَشْدَخُهُ [4] تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَأَنَّ مَا أَصَابَتْ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ وَقُضَاعَةَ فَفِيهِ الدِّيَةُ مُؤَدَّاةٌ، وَأَنْ يُخَلَّى بَيْنَ قُصَيٍّ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ وَمَكَّةَ. (سَبَبُ تَسْمِيَةِ يَعْمُرَ بِالشَّدَّاخِ) : فَسُمِّيَ يَعْمُرُ [5] بْنُ عَوْفٍ يَوْمَئِذٍ: الشَّدَّاخَ، لِمَا شَدَخَ مِنْ الدِّمَاءِ وَوَضَعَ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الشُّدَاخُ. (قُصَيٌّ أَمِيرًا عَلَى مَكَّةَ وَسَبَبُ تَسْمِيَتِهِ مُجَمِّعًا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلِيَ قُصَيٌّ الْبَيْتَ وَأَمْرَ مَكَّةَ، وَجَمَعَ قَوْمَهُ مِنْ مَنَازِلِهِمْ إلَى مَكَّةَ، وَتَمَلَّكَ عَلَى قَوْمِهِ وَأَهْلِ مَكَّةَ فَمَلَّكُوهُ. إلَّا أَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ لِلْعَرَبِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَرَاهُ دِينًا فِي نَفْسِهِ لَا يَنْبَغِي تَغْيِيرُهُ. فَأَقَرَّ آلَ صَفْوَانَ وَعَدْوَانَ وَالنِّسْأَةَ وَمُرَّةَ بْنَ عَوْفٍ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ فَهَدَمَ اللَّهُ بِهِ ذَلِكَ كُلَّهُ. فَكَانَ قُصَيٌّ أَوَّلَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ أَصَابَ مُلْكًا أَطَاعَ لَهُ بِهِ قَوْمُهُ، فَكَانَتْ

_ [1] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] فِي الطَّبَرِيّ: « ... بن كَعْب بن لَيْث» . [4] يشدخه: يكسرهُ، وَيُرِيد أَنه أبطل تِلْكَ الدِّمَاء، وَلم يَجْعَل لَهَا حظا، وَلذَلِك قيل: تَحت قَدَمَيْهِ. [5] يعمر الشداخ: هُوَ جد بنى دأب الَّذين أَخذ عَنْهُم كثير من علم الْأَخْبَار والأنساب. وهم عِيسَى ابْن يزِيد بن دأب، وَأَبوهُ يزِيد، وَحُذَيْفَة بن دأب، ودأب: هُوَ ابْن كرز بن أَحْمَر، من بنى يعمر ابْن عَوْف.

إلَيْهِ الْحِجَابَةُ [1] ، وَالسِّقَايَةُ [2] ، وَالرِّفَادَةُ [3] ، وَالنَّدْوَةُ [4] ، وَاللِّوَاءُ [5] ، فَحَازَ شَرَفَ مَكَّةَ كُلَّهُ. وَقَطَعَ مَكَّةَ رِبَاعًا بَيْنَ قَوْمِهِ، فَأَنْزَلَ كُلَّ قَوْمٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَنَازِلَهُمْ مِنْ مَكَّةَ الَّتِي أَصْبَحُوا عَلَيْهَا، وَيَزْعُمُ النَّاسُ أَنَّ قُرَيْشًا هَابُوا قَطْعَ شَجَرِ الْحَرَمِ فِي مَنَازِلِهِمْ فَقَطَعَهَا قُصَيٌّ بِيَدِهِ وَأَعْوَانِهِ [6] ، فَسَمَّتْهُ قُرَيْشٌ مُجَمِّعًا لِمَا جَمَعَ مِنْ أَمْرِهَا، وَتَيَمَّنَتْ بِأَمْرِهِ، فَمَا تُنْكَحُ امْرَأَةٌ، وَلَا يَتَزَوَّجُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَمَا يَتَشَاوَرُونَ فِي أَمْرٍ نَزَلَ بِهِمْ، وَلَا يَعْقِدُونَ لِوَاءً لِحَرْبِ قَوْمٍ مِنْ غَيْرِهِمْ إلَّا فِي دَارِهِ، يَعْقِدُهُ لَهُمْ بَعْضُ وَلَدِهِ، وَمَا تَدَّرِعُ [7] جَارِيَةٌ إذَا بَلَغَتْ أَنْ تَدَّرِعَ مِنْ قُرَيْشٍ إلَّا فِي دَارِهِ، يَشُقُّ عَلَيْهَا فِيهَا دِرْعَهَا ثُمَّ تَدَّرِعُهُ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ بِهَا إلَى أَهْلِهَا. فَكَانَ أَمْرُهُ فِي قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ فِي حَيَاتِهِ، وَمِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ، كَالدِّينِ الْمُتَّبِعِ لَا يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ. وَاِتَّخَذَ لِنَفْسِهِ دَارَ النَّدْوَةِ وَجَعَلَ بَابَهَا إلَى مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، فَفِيهَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَقْضِي أُمُورَهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ الشَّاعِرُ:

_ [1] الحجابة: أَن تكون مَفَاتِيح الْبَيْت عِنْده فَلَا يدْخلهُ أحد إِلَّا بِإِذْنِهِ. [2] السِّقَايَة: يعْنى سِقَايَة زَمْزَم، وَكَانُوا يصنعون بهَا شرابًا فِي الْمَوْسِم للْحَاج الّذي يوافي مَكَّة ويمزجونه تَارَة بِعَسَل، وَتارَة بِلَبن، وَتارَة بنبيذ، يتطوعون بذلك من عِنْد أنفسهم. [3] الرفادة: طَعَام كَانَت قُرَيْش تجمعه كل عَام لأهل الْمَوْسِم، وَيَقُولُونَ: هم أضياف الله تَعَالَى. وسيعرض لَهَا الْمُؤلف بالْكلَام بعد قَلِيل. [4] الندوة: الِاجْتِمَاع للمشورة والرأى، وَكَانَت الدَّار الَّتِي اتخذها قصي لذَلِك يُقَال لَهَا دَار الندوة، وَهَذِه الدَّار صَارَت بعد بنى عبد الدَّار إِلَى حَكِيم بن حزَام بن خويلد بن أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي، فَبَاعَهَا فِي الْإِسْلَام بِمِائَة ألف دِرْهَم. وَذَلِكَ فِي زمن مُعَاوِيَة، فلامه مُعَاوِيَة فِي ذَلِك. وَقَالَ: أبعت مكرمَة آبَائِك وشرفهم؟ فَقَالَ حَكِيم: ذهبت المكارم إِلَّا التَّقْوَى، وَالله لقد اشْتَرَيْتهَا فِي الْجَاهِلِيَّة بزق خمر، وَقد بعتها بِمِائَة ألف دِرْهَم، وأشهدكم أَن ثمنهَا فِي سَبِيل الله، فأينا المغبون؟ [5] اللِّوَاء: يعْنى فِي الْحَرْب، لِأَنَّهُ كَانَ لَا يحملهُ عِنْدهم إِلَّا قوم مخصوصون. [6] الْمَعْرُوف وَالأَصَح أَن قُريْشًا حِين أَرَادوا الْبُنيان قَالُوا لقصي: كَيفَ نصْنَع فِي شجر الْحرم؟ فَحَذَّرَهُمْ قطعهَا وخوفهم الْعقُوبَة فِي ذَلِك، فَكَانَ أحدهم يحوف بالبنيان حول الشَّجَرَة حَتَّى تكون فِي منزله، وَإِن أول من ترخص فِي قطع شجر الْحرم للبنيان عبد الله بن الزبير حِين ابتنى دورا بقيقعان، وَلكنه جعل دِيَة كل شَجَرَة بقرة، وَكَذَلِكَ يرْوى عَن عمر رضى الله عَنهُ أَنه قطع دوحة كَانَت فِي دَار أَسد بن عبد الْعُزَّى وَكَانَت تنَال أطرافها ثِيَاب الطائفين بِالْكَعْبَةِ، وَذَلِكَ قبل أَن يُوسع الْمَسْجِد، فقطعها عمر رضى الله عَنهُ، ووداها بقرة. [7] ادرعت الْجَارِيَة: لبست الدرْع.

(شعر رزاح في نصرته قصيا ورد قصي عليه) :

قُصَيٌّ لَعَمْرِي كَانَ يُدَعَّى مُجَمِّعًا ... بِهِ جَمَعَ اللَّهُ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرِ [1] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ [2] ابْن خَبَّابٍ صَاحِبَ الْمَقْصُورَةِ يُحَدِّثُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ، حَدِيثَ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ، وَمَا جَمَعَ مِنْ أَمْرِ قَوْمِهِ، وَإِخْرَاجِهِ خُزَاعَةَ وَبَنِيَّ بَكْرٍ مِنْ مَكَّةَ، وَوِلَايَتِهِ الْبَيْتَ وَأَمْرَ مَكَّةَ، فَلَمْ يَرُدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ. (شِعْرُ رِزَاحٍ فِي نُصْرَتِهِ قُصَيًّا وَرَدُّ قُصَيٍّ عَلَيْهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا فَرَغَ قُصَيٌّ مِنْ حَرْبِهِ، انْصَرَفَ أَخُوهُ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ إلَى بِلَادِهِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ، وَقَالَ رِزَاحٌ فِي إجَابَتِهِ قُصَيًّا: لَمَّا أَتَى مِنْ قُصَيٍّ رَسُولُ ... فَقَالَ الرَّسُولُ أَجِيبُوا الْخَلِيلَا نَهَضْنَا إلَيْهِ نَقُودُ الْجِيَادَ ... وَنَطْرَحُ عَنَّا الْمَلُولَ الثَّقِيلَا نَسِيرُ بِهَا اللَّيْلَ حَتَّى الصَّبَاحِ ... وَنَكْمِي [3] النَّهَارَ لِئَلَّا نَزُولَا فَهُنَّ سِرَاعٌ كَوِرْدِ [4] الْقَطَا ... يُجِبْنَ بِنَا مِنْ قُصَيٍّ رَسُولَا جَمَعْنَا مِنْ السِّرِّ مِنْ أَشْمَذَيْنِ [5] ... وَمِنْ كُلِّ حَيٍّ جَمَعْنَا قَبِيلَا فَيَا لَكَ حُلْبَةَ مَا لَيْلَةٌ ... تَزِيدُ على الْألف سَببا رَسِيلَا [6] فَلَمَّا مَرَرْنَ عَلَى عَسْجَدٍ [7] ... وَأَسْهَلْنَ مِنْ مُسْتَنَاخٍ سَبِيلَا [8]

_ [1] وَيذكر أَن هَذَا الشّعْر لحذافة بن جمح. [2] هُوَ السَّائِب بن خباب الْمدنِي أَبُو مُسلم صَاحب الْمَقْصُورَة، وَيُقَال هُوَ مولى فَاطِمَة بنت عتبَة، وَلم نجد فِيمَن رووا عَنهُ عبد الْملك بن رَاشد، كَمَا لم نجده فِي شُيُوخ ابْن إِسْحَاق الَّذين روى عَنْهُم. (رَاجع تَهْذِيب التَّهْذِيب وتراجم رجال) . [3] نكمى: نكمن ونستتر. [4] الْورْد: الْوَارِدَة. [5] أشمذان (بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَكسر النُّون، على لفظ التَّثْنِيَة) : قبيلتان، وَيُقَال جبلان بَين الْمَدِينَة وخيبر تنزلهما جُهَيْنَة وَأَشْجَع. [6] الحلبة: جمَاعَة الْخَيل. والسيب: الْمَشْي السَّرِيع فِي رفق كَمَا تنساب الْحَيَّة. والرسيل: الّذي فِيهِ تمهل. [7] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عسجر» وَكِلَاهُمَا اسْم على مَوضِع بِعَيْنِه. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [8] أسهل: حل الْموضع السهل.

وَجَاوَزْنَ بِالرُّكْنِ مِنْ وَرِقَانٍ [1] ... وَجَاوَزْنَ بِالْعَرْجِ [2] حَيَّا حُلُولَا مَرَرْنَ عَلَى الْحِلِّ [3] مَا ذُقْنَهُ ... وَعَالَجْنَ مِنْ مَرٍّ لَيْلًا طَوِيلَا نُدْنِي مِنْ الْعُوذِ أَفْلَاءَهَا [4] ... إرَادَةَ أَنْ يَسْتَرِقْنَ الصَّهِيلَا فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إلَى مَكَّةَ ... أَبَحْنَا الرِّجَالَ قَبِيلًا قَبِيلًا نُعَاوِرُهُمْ ثُمَّ حَدَّ السُّيُوفِ ... وَفِي كُلِّ أَوْبٍ خَلَسْنَا الْعَقُولَا [5] نخبّزهم بصلاب النّسور ... خَبْزَ الْقَوِيِّ الْعَزِيزَ الذَّلِيلَا [6] قَتَلْنَا خُزَاعَةَ فِي دَارِهَا ... وَبَكْرًا قَتَلْنَا وَجِيلًا فَجِيلَا

_ [1] ورقان (بِالْفَتْح ثمَّ الْكسر، ويروى بِسُكُون الرَّاء) : جبل أسود بَين العرج والرويثة، على يَمِين المصعد من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ لياقوت) . [2] العرج (بِفَتْح أَوله وَسُكُون ثَانِيه) : وَاد من نواحي الطَّائِف، وَإِلَيْهِ ينْسب العرجى الشَّاعِر. (رَاجع مُعْجم مَا استعجم، ومعجم الْبلدَانِ) . [3] كَذَا فِي إِحْدَى رِوَايَات الرَّوْض الْأنف، وَشرح السِّيرَة. والحل (بِالْكَسْرِ) : جمع حلَّة، وَهِي شَجَرَة شاكة، أَصْغَر من القتاد، يسميها أهل الْبَادِيَة الشرق. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هِيَ شَجَرَة إِذا أكلتها الْإِبِل سهل خُرُوج أَلْبَانهَا، وَقيل هِيَ شَجَرَة تنْبت بالحجاز تظهر من الأَرْض غبراء ذَات شوك تأكلها الدَّوَابّ. وَهُوَ سريع النَّبَات ينْبت بالجدد والآكام والحصباء، وَلَا ينْبت فِي سهل وَلَا جبل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْحلَّة: شَجَرَة شاكة، تنْبت فِي غلظ الأَرْض، أَصْغَر من العوسجة، وَرقهَا صغَار وَلَا ثَمَر لَهَا، وَهِي مرعى صدق. وَفِي رِوَايَة ثَانِيَة: «الْحِيَل» . وَهُوَ المَاء المستنقع فِي بطن وَاد. وَفِي رِوَايَة ثَالِثَة، وَهِي الرِّوَايَة الَّتِي أَجمعت عَلَيْهَا الْأُصُول: «الْحلِيّ» . وَقد ذهب السهيليّ فِي تَفْسِيره إِلَى أَنه نبت، وَهُوَ ثَمَر القلقلان. وغلطه فِي ذَلِك أَبُو ذَر فِي شرح السِّيرَة، وَقَالَ: « ... وَهَذَا غلط، لِأَن اسْم النَّبَات الْحلِيّ، بتَشْديد الْيَاء وبكسر اللَّام» . وَهَذَا مَا عَلَيْهِ معاجم اللُّغَة، وَذهب أَبُو ذَر إِلَى أَن «الْحلِيّ» اسْم مَوضِع، وَلم يتَعَرَّض للْكَلَام عَنهُ بِشَيْء. والّذي فِي المعاجم الجغرافية: أَن حلى: مَوضِع بِالْيمن على سَاحل الْبَحْر بَينه وَبَين السرين يَوْم وَاحِد، وَبَينه وَبَين مَكَّة ثَمَانِيَة أَيَّام، وَقيل هِيَ لُغَة فِي حلية، وَهِي من أَرض الْيمن، وَقيل بنواحي الطَّائِف. (رَاجع الرَّوْض الْأنف، وَشرح السِّيرَة، ولسان الْعَرَب، ومعجم الْبلدَانِ) . [4] العوذ: جمع عَائِذ، وَهِي النَّاقة أَو الْفرس الَّتِي لَهَا أَوْلَاد. والأفلاء: جمع فَلَو، وَهُوَ الْمهْر الْعَظِيم أَو الْبَالِغ سنة. [5] نعاورهم: نداولهم مرّة بعد مرّة. والأوب: الرُّجُوع. [6] نخبزهم: نسوقهم سوقا شَدِيدا. وصلاب النسور: الْخَيل. والنسور: جمع نسر، وَهُوَ اللَّحْم الْيَابِس الّذي فِي بَاطِن الْحَافِر.

نَفَيْنَاهُمْ مِنْ بِلَادِ الْمَلِيكِ ... كَمَا لَا يَحِلُّونَ أَرْضًا سُهُولَا فَأَصْبَحَ سَبْيُهُمْ فِي الْحَدِيدِ ... وَمِنْ كُلِّ حَيٍّ شَفَيْنَا الْغَلِيلَا وَقَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَعْدِ [1] هُذَيْمٍ الْقُضَاعِيُّ فِي ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ قُصَيٍّ حِينَ دَعَاهُمْ فَأَجَابُوهُ: جَلَبْنَا الْخَيْلَ مُضْمَرَةً تَغَالِي [2] ... مِنْ الْأَعْرَافِ [3] أَعْرَافَ الْجِنَابِ [4] إلَى غَوْرَى تِهَامَةَ فَالْتَقَيْنَا ... مِنْ الْفَيْفَاءِ فِي قَاعٍ يَبَابِ [5] فَأَمَّا صُوفَةُ الْخُنْثَى فَخَلَّوْا ... مَنَازِلَهُمْ مُحَاذَرَةَ الضِّرَابِ وَقَامَ بَنُو عَلِيٍّ إذْ رَأَوْنَا ... إلَى الْأَسْيَافِ كَالْإِبِلِ الطِّرَابِ [6] وَقَالَ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ: أَنَا ابْنُ الْعَاصِمِينَ [7] بَنِي لُؤَيٍّ ... بِمَكَّةَ مَنْزِلِي وَبِهَا رَبِيتُ إلَى الْبَطْحَاءِ قَدْ عَلِمَتْ مَعَدٌّ ... وَمَرْوَتُهَا رَضِيتُ بِهَا رَضِيتُ فَلَسْتُ لِغَالِبِ إنْ لَمْ تَأَثَّلْ [8] ... بِهَا أَوْلَادُ قَيْذَرَ وَالنَّبِيتُ [9] رِزَاحٌ نَاضِرِي وَبِهِ أُسَامِي ... فَلَسْتُ أَخَافُ ضَيْمًا مَا حَيِيتُ

_ [1] كَذَا فِي أوالاشتقاق والمعارف. وَكَانَ هذيم عبدا حَبَشِيًّا فنسب إِلَيْهِ سعد، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «سعد بن هذيم» . وَهُوَ تَحْرِيف. [2] تغالى: ترْتَفع فِي سَيرهَا، من المغالاة، وَهِي الِارْتفَاع والتزيد فِي السّير. [3] الْأَعْرَاف: جمع عرف، وَهُوَ الرمل الْمُرْتَفع المستطيل. [4] الجناب (بِالْكَسْرِ) : مَوضِع بعراض خَيْبَر وَسلَاح ووادي الْقرى، وَقيل: هُوَ من منَازِل بنى مَازِن، وَقيل: من ديار بنى فَزَارَة بَين الْمَدِينَة وفهر. وَقَالَ السهيليّ: هُوَ مَوضِع من بِلَاد قضاعة. وَهُنَاكَ جناب آخر، إِلَّا أَنه بِفَتْح الْجِيم، وَهُوَ مَوضِع فِي أَرض كلب فِي السماوة بَين الْعرَاق وَالشَّام. وَالظَّاهِر أَن الأول هُوَ المُرَاد هُنَا. [5] الْغَوْر: المنخفض. والفيفاء: الصَّحرَاء. والقاع: المنخفض من الأَرْض. واليباب: القفر. [6] كَذَا فِي الأَصْل. والطراب: الْإِبِل الَّتِي حنت إِلَى مواطنها واشتاقت. ويروى: «الظراب» . (بالظاء الْمُعْجَمَة) : جمع ظرب، وَهُوَ الجبيل الصَّغِير، شبه الْإِبِل بِهِ. [7] يُرِيد أَنهم يعصمون النَّاس ويمنعونهم، لكَوْنهم أهل الْبَيْت وَالْحرم. [8] يُقَال: تأثل فلَان بِالْمَكَانِ: إِذا أَقَامَ بِهِ وَاسْتقر وَلم يبرح. [9] أَوْلَاد قيذر والنبيت: يعْنى أَوْلَاد إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام.

(ما كان بين رزاح وبين نهد وحوتكة، وشعر قصي في ذلك

(مَا كَانَ بَيْنَ رِزَاحٍ وَبَيْنَ نَهْدٍ وَحَوْتَكَةَ، وَشِعْرُ قُصَيٍّ فِي ذَلِكَ ) : فَلَمَّا اسْتَقَرَّ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ فِي بِلَادِهِ، نشره الله ونشرحنا، فَهُمَا قَبِيلَا عُذْرَةَ [1] الْيَوْمِ. وَقَدْ كَانَ بَيْنَ رِزَاحِ بْنِ رَبِيعَةَ، حِينَ قَدِمَ بِلَادَهُ، وَبَيْنَ نَهْدِ بْنِ زَيْدِ وَحَوْتَكَةَ بْنِ أَسْلُمَ [2] ، وَهُمَا بَطْنَانِ مِنْ قُضَاعَةَ، شَيْءٌ، فَأَخَافَهُمْ حَتَّى لَحِقُوا بِالْيَمَنِ وَأَجْلَوْا مِنْ بِلَادِ قُضَاعَةَ، فَهُمْ الْيَوْمَ بِالْيَمَنِ. فَقَالَ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ، وَكَانَ يُحِبُّ قُضَاعَةَ وَنَمَاءَهَا وَاجْتِمَاعَهَا بِبِلَادِهَا، لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِزَاحٍ مِنْ الرَّحِمِ، وَلِبَلَائِهِمْ [3] عِنْدَهُ إذْ أَجَابُوهُ إذْ دَعَاهُمْ إلَى نُصْرَتِهِ، وَكَرِهَ مَا صَنَعَ بِهِمْ رِزَاحٌ: أَلَا مِنْ مُبْلِغٍ عَنِّي رِزَاحَا ... فَإِنِّي قَدْ لَحَيْتُكَ [4] فِي اثْنَتَيْنِ لَحَيْتُكَ فِي بَنِي نَهْدِ بْنِ زَيْدِ ... كَمَا فَرَّقْتَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنِي وَحَوْتَكَةُ بْنُ أَسْلُمَ إنَّ قَوْمًا ... عَنَوْهُمْ بِالْمَسَاءَةِ قَدْ عَنَوْنِي قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى هَذِهِ الْأَبْيَاتُ لِزُهَيْرِ بْنِ جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ. (مَا آثَرَ بِهِ قُصَيٌّ عَبْدَ الدَّارِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا كَبِرَ قُصَيٌّ وَرَقَّ عَظْمُهُ، وَكَانَ عَبْدُ الدَّارِ بِكْرَهُ، وَكَانَ عَبْدُ مَنَافٍ قَدْ شَرُفَ فِي زَمَانِ أَبِيهِ وَذَهَبَ كُلَّ مَذْهَبٍ، وَعَبْدُ الْعُزَّى وَعَبْدٌ. قَالَ قُصَيٌّ لِعَبْدِ الدَّارِ: (أَمَا وَاَللَّهِ يَا بُنَيَّ) [5] لِأُلْحِقَنَّكَ بِالْقَوْمِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ شَرُفُوا عَلَيْكَ: لَا يَدْخُلُ رَجُلٌ مِنْهُمْ الْكَعْبَةَ حَتَّى تَكُونَ أَنْتَ تَفْتَحُهَا لَهُ، وَلَا يَعْقِدُ لِقُرَيْشٍ لِوَاءً لِحَرْبِهَا إلَّا أَنْتَ بِيَدِكَ، وَلَا يَشْرَبُ أَحَدٌ بِمَكَّةَ إلَّا مِنْ سِقَايَتِكَ، وَلَا يَأْكُلُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَوْسِمِ طَعَامًا إلَّا مِنْ طَعَامِكَ، وَلَا تَقْطَعُ قُرَيْشٌ

_ [1] فِي قضاعة عذرتان، عذرة بن رفيدة، وهم من بنى كلب بن وبرة، وعذرة بن سعد بن سود بن أسلم (بِضَم اللَّام) بن الحاف بن قضاعة. وَأسلم هَذَا من ولد حن بن ربيعَة أخى رزاح بن ربيعَة (عَن الرَّوْض الْأنف) . [2] هُوَ بِضَم اللَّام، وَلَيْسَ فِي الْعَرَب أسلم بِضَم اللَّام إِلَّا ثَلَاثَة اثْنَان فِي قضاعة، وهما أسلم بن الحاف هَذَا، وَأسلم بن تدول بن تيم اللات بن رفيدة بن ثَوْر بن كلب، وَالثَّالِث فِي عك، وَهُوَ أسلم بن القياتة بن الشَّاهِد بن عك. (رَاجع مؤتلف الْقَبَائِل ومختلفها لِابْنِ حبيب) . [3] بلاؤهم: نعمتهم. [4] لحاه: لامه. [5] زِيَادَة عَن أ. 9- سيرة ابْن هِشَام- 2

(الرفادة) :

أَمْرًا مِنْ أُمُورِهَا إلَّا فِي دَارِكَ. فَأَعْطَاهُ دَارَهُ دَارَ النَّدْوَةِ، الَّتِي لَا تَقْضِي قُرَيْشٌ أَمْرًا مِنْ أُمُورِهَا إلَّا فِيهَا، وَأَعْطَاهُ الْحِجَابَةَ واللواء والسقاية والرّفاة. (الرفادة) : وَكَانَتْ الرِّفَادَةُ خَرْجًا تُخْرِجُهُ قُرَيْشٌ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ مِنْ أَمْوَالِهَا إلَى قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ، فَيَصْنَعُ بِهِ طَعَامًا لِلْحَاجِّ، فَيَأْكُلُهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَعَةٌ وَلَا زَادٌ. وَذَلِكَ أَنَّ قُصَيًّا فَرَضَهُ عَلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ أَمَرَهُمْ بِهِ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنَّكُمْ جِيرَانُ اللَّهِ وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَأَهْلُ الْحَرَمِ، وَإِنَّ الْحَاجَّ ضَيْفُ اللَّهِ وَزُوَّارُ بَيْتِهِ، وَهُمْ أَحَقُّ الضَّيْفِ بِالْكَرَامَةِ، فَاجْعَلُوا لَهُمْ طَعَامًا وَشَرَابًا أَيَّامَ الْحَجِّ، حَتَّى يَصْدُرُوا عَنْكُمْ فَفَعَلُوا. فَكَانُوا يُخْرِجُونَ لِذَلِكَ كُلَّ عَامٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ خَرْجًا فَيَدْفَعُونَهُ إلَيْهِ، فَيَصْنَعُهُ طَعَامًا لِلنَّاسِ أَيَّامَ مِنًى. فَجَرَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى قَوْمِهِ حَتَّى قَامَ الْإِسْلَامُ، ثُمَّ جَرَى فِي الْإِسْلَامِ إلَى يَوْمِكَ هَذَا. فَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يَصْنَعُهُ السُّلْطَانُ كُلَّ عَامٍ بِمَنَى لِلنَّاسِ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْحَجُّ» . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بِهَذَا مِنْ أَمْرِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ، وَمَا قَالَ لِعَبْدِ الدَّارِ فِيمَا دُفِعَ إلَيْهِ مِمَّا كَانَ بِيَدِهِ، أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ لِرَجُلِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، يُقَالُ لَهُ: نُبَيْهُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ. قَالَ الْحَسَنُ: فَجَعَلَ إلَيْهِ قُصَيٌّ كُلَّ مَا كَانَ بِيَدِهِ مِنْ أَمْرِ قَوْمِهِ، وَكَانَ قُصَيٌّ لَا يُخَالَفُ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ شَيْءٌ صَنَعَهُ. ذِكْرُ مَا جَرَى مِنْ اخْتِلَافِ قُرَيْشٍ بَعْدَ قُصَيٍّ وَحِلْفِ الْمُطَيَّبِينَ (الْخِلَافُ بَيْنَ بَنِي عَبْدِ الدِّارِ وَبَنِي أَعْمَامِهِمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ قُصَيَّ بْنَ كِلَابٍ هَلَكَ، فَأَقَامَ أَمْرَهُ فِي قَوْمِهِ وَفِي غَيْرِهِمْ بَنُوهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَاخْتَطُّوا مَكَّةَ رِبَاعًا [1]- بَعْدَ الَّذِي كَانَ قَطَعَ

_ [1] الرباع: الْمنَازل وَمَا حولهَا، وَاحِدهَا: ربع (بِالْفَتْح) .

(من ناصروا بنى عبد الدار، ومن ناصروا بنى أعمامهم.) :

لِقَوْمِهِ [1] بِهَا- فَكَانُوا يَقْطَعُونَهَا [2] فِي قَوْمِهِمْ وَفِي غَيْرِهِمْ مِنْ حُلَفَائِهِمْ وَيَبِيعُونَهَا، فَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ قُرَيْشٌ مَعَهُمْ لَيْسَ بَيْنَهُمْ اخْتِلَافٌ وَلَا تَنَازُعٌ، ثُمَّ إنَّ بَنِي عَبْدِ مَنَافِ ابْن قُصَيِّ [2] عَبْدَ شَمْسٍ وَهَاشِمًا وَالْمُطَّلِبَ وَنَوْفَلًا [3] أَجَمَعُوا عَلَى أَنْ يَأْخُذُوا مَا بِأَيْدِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ مِمَّا كَانَ قُصَيٌّ جَعَلَ إلَى عَبْدِ الدَّارِ، مِنْ الْحِجَابَةِ وَاللِّوَاءِ وَالسِّقَايَةِ وَالرِّفَادَةِ، وَرَأَوْا أَنَّهُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُمْ لِشَرَفِهِمْ عَلَيْهِمْ وَفَضْلِهِمْ فِي قَوْمِهِمْ، فَتَفَرَّقَتْ عِنْدَ ذَلِكَ قُرَيْشٌ، فَكَانَتْ طَائِفَةٌ مَعَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى رَأْيِهِمْ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ لِمَكَانِهِمْ فِي قَوْمِهِمْ، وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مَعَ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، يَرَوْنَ أَنْ لَا يُنْزَعَ مِنْهُمْ مَا كَانَ قُصَيٌّ جَعَلَ إلَيْهِمْ. (مَنْ نَاصَرُوا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَمَنْ نَاصَرُوا بَنِي أَعْمَامِهِمْ.) : فَكَانَ صَاحِبَ أَمْرِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ عَبْدُ شَمْسِ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ أَسَنَّ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ صَاحِبَ أَمْرِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ عَامِرُ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ ابْن عَبْدِ الدَّارِ. فَكَانَ بَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وَبَنُو زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ، وَبَنُو تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ، وَبَنُو الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ، مَعَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ. وَكَانَ بَنُو مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ، وَبَنُو سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ، وَبَنُو جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ، وَبَنُو عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، مَعَ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَخَرَجَتْ عَامِرُ بْنُ لُؤَيٍّ وَمُحَارِبُ بْنُ فِهْرٍ، فَلَمْ يَكُونُوا مَعَ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ. فَعَقَدَ كُلُّ قَوْمٍ عَلَى أَمْرِهِمْ حِلْفًا مُؤَكَّدًا عَلَى أَنْ لَا يَتَخَاذَلُوا، وَلَا يُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَا بَلَّ بَحْرَ صُوفَةَ [4] .

_ [1] تقدم أَن قصيا أنزل كل قوم من قُرَيْش مَنَازِلهمْ من مَكَّة الَّتِي أَصْبحُوا عَلَيْهَا. [2] فِي أ: «يعطونها» . [3] وَقد كَانَ لعبد منَاف ولد خَامِس، وَهُوَ أَبُو عَمْرو، واسْمه عبيد، أدرج وَلَا عقب لَهُ. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [4] يُرِيد إِلَى الْأَبَد. وصوف الْبَحْر: شَيْء على شكل الصُّوف الحيواني، واحدته: صوفة. يُقَال: لَا آتِيك مَا بل بَحر صوفة. أَو مَا بل الْبَحْر صوفة. يُرِيد لَا آتِيك أبدا (لِسَان الْعَرَب مَادَّة صوف) .

(من دخلوا في حلف المطيبين) :

(مَنْ دَخَلُوا فِي حِلْفِ الْمُطَيَّبِينَ) : فَأَخْرَجَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ جَفْنَةً مَمْلُوءَةً طِيبًا. فَيَزْعُمُونَ أَنَّ بَعْضَ نِسَاءِ [1] بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَخْرَجَتْهَا لَهُمْ، فَوَضَعُوهَا لِأَحْلَافِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ غَمَسَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ فِيهَا، فَتَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا هُمْ وَحَلْفَاؤُهُمْ، ثُمَّ مَسَحُوا الْكَعْبَةَ بِأَيْدِيهِمْ تَوْكِيدًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَسُمُّوا الْمُطَيَّبِينَ. (مَنْ دَخَلُوا فِي حِلْفِ الْأَحْلَافِ) : وَتَعَاقَدَ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ وَتَعَاهَدُوا هُمْ وَحُلَفَاؤُهُمْ عِنْدَ الْكَعْبَةِ حِلْفًا مُؤَكَّدًا، عَلَى أَنْ لَا يَتَخَاذَلُوا وَلَا يُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَسُمُّوا الْأَحْلَافَ [2] . (تَوْزِيعُ الْقَبَائِلِ فِي الْحَرْبِ) : ثُمَّ سُونِدَ [3] بَيْنَ الْقَبَائِلِ، وَلُزَّ [4] بَعْضُهَا بِبَعْضِ، فَعُبِّيَتْ [5] بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ لِبَنِي سَهْمٍ، وَعُبِّيَتْ بَنُو أَسَدٍ لِبَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَعُبِّيَتْ زُهْرَةُ لِبَنِي جُمَحَ، وَعُبِّيَتْ بَنُو تَيْمٍ لِبَنِي مَخْزُومٍ، وَعُبِّيَتْ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ لِبَنِي عَدِّي بْنِ كَعْبٍ. ثُمَّ قَالُوا: لِتُفْنَ كُلُّ قَبِيلَةٍ مَنْ أُسْنِدَ إلَيْهَا. (مَا تَصَالَحَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ) : فَبَيْنَا النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ قَدْ أَجَمَعُوا لِلْحَرْبِ إذْ تَدَاعَوْا إلَى الصُّلْحِ، عَلَى أَنْ يُعْطُوا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ، وَأَنْ تَكُونَ الْحِجَابَةُ وَاللِّوَاءُ وَالنَّدْوَةُ لِبَنِي عَبْدِ الدَّارِ كَمَا كَانَتْ. فَفَعَلُوا وَرَضِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ بِذَلِكَ، وَتَحَاجَزَ النَّاسُ عَنْ الْحَرْبِ، وَثَبَتَ كُلُّ قَوْمٍ مَعَ مَنْ حَالَفُوا، فَلَمْ يَزَالُوا عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى جَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَزِدْهُ إلَّا شِدَّةً» [6] .

_ [1] يُقَال: إِن الَّتِي أخرجت لَهُم الْجَفْنَة هِيَ أم حَكِيم الْبَيْضَاء بنت عبد الْمطلب عمَّة رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتوأمة أَبِيه. (رَاجع الرَّوْض الْأنف، وَشرح السِّيرَة) . [2] وَيُقَال إِن عمر كَانَ من الأحلاف، وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بكر من المطيبين. [3] المساندة: الْمُقَابلَة والمعاونة. [4] لز: أَي شدّ بَعْضهَا بِبَعْض. [5] رَاجع الْحَاشِيَة (رقم 2 ص 52) . [6] يُرِيد المعاقدة على الْخَيْر ونصرة الْحق. وبذا يجْتَمع هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث آخر لَهُ صلى الله عَلَيْهِ

حلف الفضول

حِلْفُ الْفُضُولِ (سَبَب تَسْمِيَته كَذَلِك) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَمَّا حِلْفُ الْفُضُولِ [1] فَحَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ قَالَ: تَدَاعَتْ قَبَائِلُ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى حِلْفٍ، فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ ابْن عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، لِشَرَفِهِ وَسِنِّهِ، فَكَانَ حِلْفُهُمْ عِنْدَهُ: بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، وَأَسَدُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، وَزُهْرَةُ ابْن كِلَابٍ، وَتَيْمُ بْنُ مُرَّةَ. فَتَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا عَلَى أَنْ لَا يَجِدُوا بِمَكَّةَ مَظْلُومًا مِنْ

_ [ () ] وَسلم، وَهُوَ: «لَا حلف فِي الْإِسْلَام» . على أَن يكون المُرَاد من هَذَا الحَدِيث الثَّانِي: النهى عَمَّا كَانَت تَفْعَلهُ الْجَاهِلِيَّة من المحالفة على الْفِتَن، والقتال بَين الْقَبَائِل والغارات. وَقيل: إِن الحَدِيث الثَّانِي، وَهُوَ «لَا حلف فِي الْإِسْلَام» حاء لاحقا، قَالَه الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زمن الْفَتْح، فَهُوَ نَاسخ للْحَدِيث الأول. (لِسَان الْعَرَب: حلف) . [1] يذكرُونَ: فِي سَبَب تَسْمِيَة هَذَا الْحلف بِهَذَا الِاسْم، أَن جرهما فِي الزَّمن الأول، قد سبقت قُريْشًا إِلَى مثل هَذَا الْحلف، فتحالف مِنْهُم ثَلَاثَة هم وَمن تَبِعَهُمْ، أحدهم: الْفضل بن فضَالة، وَالثَّانِي: الْفضل ابْن ودَاعَة، وَالثَّالِث: فُضَيْل بن الْحَارِث، وَقيل: بل هم: الفضيل بن شراعة، وَالْفضل بن ودَاعَة، وَالْفضل بن قضاعة، فَلَمَّا أشبه حلف قُرَيْش هَذَا حلف هَؤُلَاءِ الجرهميين سمى حلف الفضول. وَقيل: بل سمى كَذَلِك لأَنهم تحالفوا أَن ترد الفضول على أَهلهَا، وَألا يَغْزُو ظَالِم مَظْلُوما. وَكَانَ حلف الفضول هَذَا قبل الْبَعْث بِعشْرين سنة، وَكَانَ أكْرم حلف وأشرفه. وَأول من تكلم بِهِ ودعا إِلَيْهِ الزبير بن عبد الْمطلب، وَكَانَ سَببه أَن رجلا من زبيد قدم مَكَّة ببضاعة، فاشتراها مِنْهُ العَاصِي بن وَائِل، وَكَانَ ذَا قدر بِمَكَّة وَشرف، فحبس عَنهُ حَقه، فاستعدى عَلَيْهِ الزبيدِيّ الأحلاف: عبد الدَّار، ومخزوما، وجمح، وَسَهْما، وعدي بن كَعْب، فَأَبَوا أَن يعينوه على العَاصِي، وزبروه (انتهروه) . فَلَمَّا رأى الزبيدِيّ الشَّرّ، أَو فِي على أَبى قبيس عِنْد طُلُوع الشَّمْس، وقريش فِي أَنْدِيَتهمْ حول الْكَعْبَة، فصاح بِأَعْلَى صَوته: يَا آل فهر لمظلوم بضاعته ... بِبَطن مَكَّة نائى الدَّار والنفر ومحرم أَشْعَث لم يقْض عمرته ... يَا للرِّجَال وَبَين الْحجر وَالْحجر إِن الْحَرَام لمن تمت كرامته ... وَلَا حرَام لثوب الْفَاجِر الْغدر فَقَامَ فِي ذَلِك الزبير بن عبد الْمطلب، وَقَالَ: مَا لهَذَا مترك. فاجتمعت هَاشم، وزهرة، وتيم بن مرّة فِي دَار ابْن جدعَان، فَصنعَ لَهُم طَعَاما وتعاقدوا، وَكَانَ حلف الفضول. وَكَانَ بعْدهَا أَن أنصفوا الزبيدِيّ من العَاصِي. (عَن الرَّوْض الْأنف) .

(حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حلف الفضول) :

أَهْلِهَا وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ دَخَلَهَا مِنْ سَائِرِ النَّاسِ إلَّا قَامُوا مَعَهُ، وَكَانُوا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ حَتَّى تُرَدَّ عَلَيْهِ مَظْلِمَتُهُ، فَسَمَّتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ الْحِلْفَ حِلْفَ الْفُضُولِ. (حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حِلْفِ الْفُضُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ [1] التَّيْمِيُّ [2] أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفِ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ [3] حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ [4] وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ. (نَازَعَ الْحُسَيْنُ الْوَلِيدَ فِي حَقٍّ، وَهَدَّدَ بِالدَّعْوَةِ إلَى حِلْفِ الْفُضُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [5] بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِي اللَّيْثِيُّ أَنَّ مُحَمَّدَ ابْن إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيَّ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَبَيْنَ الْوَلِيدِ ابْن عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ. وَالْوَلِيدُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ أَمَّرَهُ عَلَيْهَا عَمُّهُ مُعَاوِيَةُ

_ [1] هُوَ مُحَمَّد بن زيد بن المُهَاجر بن قنفذ التَّيْمِيّ الجدعانى الْمدنِي. روى عَن عبد الله بن عمر، وَعُمَيْر مولى آبى اللَّحْم، وأبى سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَغَيرهم. وروى عَنهُ مَالك بن أنس، وَيَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن الإسْكَنْدراني، وَبشر بن الْمفضل، وَحَفْص بن غياث، وفضيل بن سُلَيْمَان النميري، وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن ماجة. (تراجم رجال) . [2] زِيَادَة عَن أ، وتراجم رجال. [3] هُوَ عبد الله بن جدعَان بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تيم، ويكنى أَبَا زُهَيْر. وَهُوَ ابْن عَم عَائِشَة رضى الله عَنْهَا، وَلذَلِك قَالَت لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِن ابْن جدعَان كَانَ يطعم الطَّعَام، ويقرى الضَّيْف، فَهَل يَنْفَعهُ ذَلِك يَوْم الْقِيَامَة؟ فَقَالَ: لَا، إِنَّه لم يقل يَوْمًا: رب اغْفِر لي خطيئتي يَوْم الدَّين. وَكَانَ ابْن جدعَان فِي بَدْء أمره صعلوكا ترب الْيَدَيْنِ، وَكَانَ مَعَ ذَلِك فاتكا لَا يزَال يجنى الْجِنَايَات، فيعقل عَنهُ أَبوهُ وَقَومه، حَتَّى أبغضته عشيرته ونفاه أَبوهُ، وَحلف أَلا يؤويه أبدا لما أثقله بِهِ من الْغرم وَحمله من الدِّيات، ثمَّ كَانَ أَن أثرى ابْن جدعَان بعثوره على ثعبان من ذهب، وَعَيناهُ ياقوتتان، فأوسع فِي الْكَرم حَتَّى كَانَ يضْرب بِعظم جفنته الْمثل، ومدحه أُميَّة بن أَبى الصَّلْت لكرمه. [4] أَي لَا أحب نقضه، وَإِن دفع لي حمر النعم فِي مُقَابلَة ذَلِك. [5] هُوَ يزِيد بن عبد الله بن أُسَامَة بن الْهَادِي اللَّيْثِيّ الْمدنِي أَبُو عبد الله. روى عَن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، وَمُحَمّد بن كَعْب الْقرظِيّ وَغَيرهمَا. وروى عَنهُ يحيى بن أَيُّوب، وَاللَّيْث وَآخَرُونَ. قَالَ ابْن سعد: كَانَ ثِقَة كثير الحَدِيث توفى بِالْمَدِينَةِ سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة. (رَاجع تراجم رجال) .

(سأل عبد الملك محمد بن جبير عن عبد شمس وبنى نوفل ودخولهما في حلف الفضول، فأخبره بخروجهما منه) :

ابْن أَبِي سُفْيَانَ- مُنَازَعَةً فِي مَالٍ كَانَ بَيْنَهُمَا بِذِي الْمَرْوَةِ [1] . فَكَانَ الْوَلِيدُ تَحَامَلَ عَلَى الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَقِّهِ لِسُلْطَانِهِ، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: أَحْلِفُ باللَّه لَتُنْصِفَنِّي مِنْ حَقِّي أَوْ لَآخُذَنَّ سَيْفِي، ثُمَّ لَأَقُومَنَّ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَأَدْعُوَنَّ بِحِلْفِ الْفُضُولِ. قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ عِنْدَ الْوَلِيدِ حِينَ قَالَ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا قَالَ: وَأَنَا أَحْلِفُ باللَّه لَئِنْ دَعَا بِهِ لَآخُذَنَّ سَيْفِي، ثُمَّ لَأَقُومَنَّ مَعَهُ حَتَّى يُنْصَفَ مِنْ حَقِّهِ أَوْ نَمُوتَ جَمِيعًا. قَالَ: فَبَلَّغْتُ الْمِسْوَرَ ابْن مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ الزُّهْرِيَّ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَبَلَّغْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيَّ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ أَنْصَفَ الْحُسَيْنَ مِنْ حَقِّهِ حَتَّى رَضِيَ. (سَأَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ وَدُخُولِهِمَا فِي حِلْفِ الْفُضُولِ، فَأَخْبَرَهُ بِخُرُوجِهِمَا مِنْهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِي اللَّيْثِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ قَالَ: قَدِمَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ- وَكَانَ مُحَمَّدُ ابْن جُبَيْرٍ أَعْلَمَ قُرَيْشٍ- عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ حِينَ قَتَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، أَلَمْ نَكُنْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ، يَعْنِي بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَبَنِيَّ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فِي حِلْفِ الْفُضُولِ؟ قَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لِتُخْبِرَنِّي يَا أَبَا سَعِيدٍ بِالْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ، لَقَدْ خَرَجْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ مِنْهُ! قَالَ: صَدَقْتَ. تَمَّ خَبَرُ حَلِفِ الْفُضُولِ. (وِلَايَةُ هَاشِمٍ الرِّفَادَةَ وَالسِّقَايَةَ وَمَا كَانَ يَصْنَعُ إذَا قَدِمَ الْحَاجُّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلِيَ الرِّفَادَةَ وَالسِّقَايَةَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ شَمْسٍ كَانَ رَجُلًا سِفَارًا قَلَّمَا يُقِيمُ بِمَكَّةَ، وَكَانَ مُقِلًّا ذَا وَلَدٍ، وَكَانَ هَاشِمٌ مُوسِرًا فَكَانَ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- إذَا حَضَرَ الْحَاجُّ قَامَ فِي قُرَيْشٍ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ

_ [1] ذُو الْمَرْوَة: قَرْيَة بوادي الْقرى، وَقيل بَين خشب ووادي الْقرى. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .

(شيء من أعمال هاشم) :

قُرَيْشٍ، إنَّكُمْ جِيرَانُ اللَّهِ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَإِنَّهُ يَأْتِيكُمْ فِي هَذَا الْمَوْسِمِ زُوَّارُ اللَّهِ وَحُجَّاجُ بَيْتِهِ، وَهُمْ ضَيْفُ اللَّهِ، وَأَحَقُّ الضَّيْفِ بِالْكَرَامَةِ ضَيْفُهُ، فَاجْمَعُوا لَهُمْ مَا تَصْنَعُونَ لَهُمْ بِهِ طَعَامًا أَيَّامَهُمْ هَذِهِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ الْإِقَامَةِ بِهَا، فَإِنَّهُ وَاَللَّهِ لَوْ كَانَ مَالِي يَسَعُ لِذَلِكَ مَا كَلَّفْتُكُمُوهُ» . فَيُخْرِجُونَ لِذَلِكَ خَرْجًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، كُلُّ امْرِئِ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ، فيصنع بِهِ للحجّاج طَعَامًا حَتَّى يُصْدَرُوا مِنْهَا. (شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ هَاشِمٍ) : وَكَانَ هَاشِمٌ فِيمَا يَزْعُمُونَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرِّحْلَتَيْنِ لِقُرَيْشِ: رِحْلَتَيْ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. وَأَوَّلَ مَنْ أَطْعَمَ الثَّرِيدَ بِمَكَّةَ، وَإِنَّمَا كَانَ اسْمُهُ عَمْرًا، فَمَا سُمِّيَ هَاشِمًا إِلَّا بهشمه الْخَبَر بِمَكَّةَ [1] لِقَوْمِهِ. فَقَالَ شَاعِرٌ [2] مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ مِنْ بَعْضِ الْعَرَبِ: عَمْرُو الَّذِي هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ ... قَوْمٌ بِمَكَّةَ مُسْنِتِينَ عِجَافِ [3] سُنَّتْ إلَيْهِ الرِّحْلَتَانِ كِلَاهُمَا ... سَفَرُ الشِّتَاءِ وَرِحْلَةُ الْأَصْيَافِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ: قَوْمٌ بِمَكَّةَ مُسْنِتِينَ عِجَافِ [4]

_ [1] وَمِمَّا يذكر فِي هَذَا أَن هاشما- وَقد كَانَ يَسْتَعِين بِقُرَيْش على إطْعَام الْحَاج- أَصَابَته وأصابت قومه أزمة شَدِيدَة، فكره أَن يُكَلف قُريْشًا أَمر الرفادة، فَاحْتمل إِلَى الشَّام بِجَمِيعِ مَاله، فَاشْترى بِهِ أجمع كعكا، ثمَّ أَتَى الْمَوْسِم فهشم ذَلِك الكعك كُله هشما، ودقه وصنع مِنْهُ للْحَاج طَعَاما شبه الثَّرِيد. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [2] هُوَ عبد الله بن الزبعري، وَكَانَ سَبَب مدحه لبني عبد منَاف، مَعَ أَنه سهمي، أَنه كَانَ قد هجا قصيا بِشعر كتبه فِي أَسْتَار الْكَعْبَة، فَاسْتَعدوا عَلَيْهِ بنى سهم، فأسلموه إِلَيْهِم، فضربوه وحلقوا شعره وربطوه إِلَى صَخْرَة، فاستغاث قومه فَلم يغيثوه، فَجعل يمدح قصيا ويسترضيهم، فَأَطْلقهُ بَنو عبد منَاف مِنْهُم وأكرموه، فمدحهم بِهَذَا الشّعْر، وبأشعار كَثِيرَة. وَيُقَال: إِن هذَيْن الْبَيْتَيْنِ من أَبْيَات لمطرود بن كَعْب ستجيء فِيمَا بعد من هَذَا الْكتاب أَولهَا: يَا أَيهَا الرجل المحول رَحْله ... هلا نزلت بآل عبد منَاف [3] المسنتون: الَّذين أَصَابَتْهُم السّنة، وَهِي الْجُوع والقحط. والعجاف: من العجف، وَهُوَ الهزال والضعف. وَذَلِكَ أَن قومه من قُرَيْش كَانَت أَصَابَتْهُم لزبة وقحط، فَرَحل إِلَى فلسطين، فَاشْترى مِنْهَا الدَّقِيق، فَقدم بِهِ مَكَّة، فَأمر بِهِ فخبز لَهُ، وَنحر جزورا، ثمَّ اتخذ لِقَوْمِهِ مرقة ثريد بذلك الْخبز. (رَاجع الطَّبَرِيّ) . [4] ويروى: وَرِجَال مَكَّة مسنتون عجاف

(ولاية المطلب الرفادة والسقاية) :

(ولَايَة الْمطلب الرفادة وَالسِّقَايَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ هَلَكَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ بِغَزَّةَ [1] مِنْ أَرْضِ الشَّامِ تَاجِرًا، فَوَلِيَ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ مِنْ بَعْدِهِ الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ أَصْغَرَ مِنْ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمٍ، وَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِي قَوْمِهِ وَفَضْلٍ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ إنَّمَا تُسَمِّيهِ الْفَيْضَ لِسَمَاحَتِهِ وَفَضْلِهِ. (زَوَاجُ هَاشِمٍ) : وَكَانَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَتَزَوَّجَ سَلْمَى بِنْتَ عَمْرٍو أَحَدِ بَنِي عَدِيِّ ابْن النَّجَّارِ [2] ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ بْنِ الْحَرِيشِ [3] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَيُقَالُ: الْحَرِيسُ- ابْنُ جَحْجَبِي بْنِ كُلْفَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ ابْن الْأَوْسِ. فَوَلَدَتْ لَهُ عَمْرَو بْنَ أُحَيْحَةَ، وَكَانَتْ لَا تَنْكِحُ الرِّجَالَ لِشَرَفِهَا فِي قَوْمِهَا حَتَّى يَشْتَرِطُوا لَهَا أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا، إذَا كَرِهَتْ رَجُلًا فَارَقَتْهُ. (مِيلَادُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَسَبَبُ تَسْمِيَتِهِ كَذَلِكَ) : فَوَلَدَتْ لِهَاشِمِ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، فَسَمَّتْهُ شَيْبَةَ [4] . فَتَرَكَهُ هَاشِمٌ عِنْدَهَا حَتَّى كَانَ وَصِيفًا [5] أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَيْهِ عَمُّهُ الْمُطَّلِبُ لِيَقْبِضَهُ فَيُلْحِقَهُ بِبَلَدِهِ وَقَوْمِهِ، فَقَالَتْ لَهُ سَلْمَى: لَسْتُ بِمُرْسَلَتِهِ مَعَكَ، فَقَالَ لَهَا الْمُطَّلِبُ: إنِّي غَيْرُ مُنْصَرَفٍ حَتَّى

_ [ () ] وعَلى هَذِه الرِّوَايَة يكون فِي الشّعْر إقواء. وَلَعَلَّ هَذِه الرِّوَايَة عَن غير أهل الْعلم بالشعر من أهل الْحجاز، الَّذين أَخذ عَنْهُم ابْن هِشَام الرِّوَايَة الأولى، ورفض الثَّانِيَة: لِأَنَّهَا لم تستقم فِي نظره، وأدلى بِعُذْرِهِ فِي أَنه أَخذهَا عَن أهل علم بالشعر، وَلم يكن لَهُ بِهِ دراية تَامَّة، فيقيم نَفسه فِي هَذَا الميدان حكما. [1] غَزَّة (بِفَتْح أَوله وَتَشْديد ثَانِيه وفتحه) : مَدِينَة فِي أقْصَى الشَّام من نَاحيَة مصر، بَينهَا وَبَين عسقلان فرسخان أَو أقل. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [2] وَيُقَال: إِنَّه بِسَبَب هَذَا النّسَب، رحب سيف بن ذِي يزن، أَو ابْنه معديكرب بن سيف ملك الْيمن، بِعَبْد الْمطلب بن هَاشم، حِين وَفد عَلَيْهِ فِي ركب من قُرَيْش، وَقَالَ لَهُ: مرْحَبًا بِابْن أُخْتنَا: لِأَن سلمى من الْخَزْرَج، وهم من الْيمن من سبإ، وَلِأَن سَيْفا من حمير بن سبإ [3] وَيُقَال: إِن كل من فِي الْأَنْصَار بِهَذَا الِاسْم، فَهُوَ حريس (بِالسِّين الْمُهْملَة) إِلَّا هَذَا فَهُوَ بالشين الْمُعْجَمَة. (رَاجع شرح السِّيرَة وَالرَّوْض الْأنف) . [4] سمى شيبَة لشيبة كَانَت فِي رَأسه، ويكنى بِأبي الْحَارِث أكبر وَلَده. (رَاجع الطَّبَرِيّ) . [5] الوصيف (كقتيل) : الْغُلَام دون المراهقة.

(موت المطلب وما قيل في رثائه من الشعر) :

أَخْرُجَ بِهِ مَعِي، إنَّ ابْنَ أَخِي قَدْ بَلَغَ، وَهُوَ غَرِيبٌ فِي غَيْرِ قَوْمِهِ، وَنَحْنُ أَهْلُ بَيْتِ شَرَفٍ فِي قَوْمِنَا، نَلِي كَثِيرًا مِنْ أُمُورِهِمْ، وَقَوْمُهُ وَبَلَدُهُ وَعَشِيرَتُهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْإِقَامَةِ فِي غَيْرِهِمْ، أَوْ كَمَا قَالَ. وَقَالَ شَيْبَةُ لِعَمِّهِ الْمُطَّلِبِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ-: لَسْتُ بِمُفَارِقِهَا إلَّا أَنْ تَأْذَنَ لِي، فَأَذِنَتْ لَهُ، وَدَفَعَتْهُ إلَيْهِ، فَاحْتَمَلَهُ فَدَخَلَ بِهِ مَكَّةَ مُرْدِفَهُ مَعَهُ عَلَى بَعِيرِهِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ابْتَاعَهُ، فَبِهَا سُمِّيَ شَيْبَةُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ. فَقَالَ الْمُطَّلِبُ: وَيْحَكُمْ! إنَّمَا هُوَ ابْنُ أَخِي هَاشِمٍ، قَدِمْتُ بِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ. (مَوْتُ الْمُطَّلِبِ وَمَا قِيلَ فِي رِثَائِهِ مِنْ الشِّعْرِ) : ثُمَّ هَلَكَ الْمُطَّلِبُ بِرَدْمَانَ [1] مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ يَبْكِيهِ: قَدْ ظَمِئَ الْحَجِيجُ بَعْدَ الْمُطَّلِبِ ... بَعْدَ الْجِفَانِ وَالشَّرَابِ المُنْثَعِبْ [2] لَيْتَ قُرَيْشًا بَعْدَهُ عَلَى نَصَبْ [3] وَقَالَ مَطْرُودُ بْنُ كَعْبٍ الْخُزَاعِيُّ، يَبْكِي الْمُطَّلِبَ وَبَنِيَّ عَبْدِ مَنَافٍ جَمِيعًا حِينَ أَتَاهُ نَعْيُ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ نَوْفَلٌ آخِرَهُمْ هُلْكًا: يَا لَيْلَةً هَيَّجَتْ لَيْلَاتِي ... إحْدَى لَيَالِيَ الْقَسِيَّاتِ [4] وَمَا أُقَاسِي مِنْ هُمُومٍ وَمَا ... عَالَجْتُ مِنْ رُزْءِ الْمَنِيَّاتِ إذَا تَذَكَّرْتُ أَخِي نَوْفَلًا ... ذَكَّرَنِي بِالْأَوَّلِيَّاتِ ذَكَّرَنِي بالأزر الْحمر و ... الأردية الصُّفْرِ الْقَشِيبَاتِ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ سَيِّدُ ... أَبْنَاءِ سَادَاتٍ لِسَادَاتِ مَيْتٌ بِرَدْمَانَ وَمَيْتٌ بِسَلْمَانَ ... [5] وَمَيِّتٌ عِنْدَ غَزَّاتِ [6]

_ [1] ردمان (بِفَتْح أَوله) : مَوضِع بِالْيمن. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [2] المنثعب: الْكثير السَّيْل، يُقَال: انشعب المَاء: إِذا سَالَ من مَوضِع حصر فِيهِ. [3] النصب: التَّعَب وَالْعَذَاب. [4] كَذَا فِي الأَصْل. والقسيات: الشدائد. ويروى: العشيات. والعشيات: المظلمات. [5] سلمَان: مَاء قديم جاهلى، وَبِه قبر نَوْفَل بن عبد منَاف، وَهُوَ طَرِيق إِلَى تهَامَة من الْعرَاق فِي الْجَاهِلِيَّة (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [6] هِيَ غَزَّة، وَلَكنهُمْ يجْعَلُونَ لكل نَاحيَة، أَو لكل ربض من الْبَلدة اسْم الْبَلدة، فَيَقُولُونَ: غزات فِي غَزَّة، كَمَا يَقُولُونَ فِي بغدان بغادين كَقَوْل بعض الْمُحدثين:

وَمَيِّتٌ [1] أُسْكِنَ لَحْدًا لَدَى ... الْمَحْجُوبِ شَرْقِيِّ الْبُنَيَّاتِ [2] أَخْلَصُهُمْ عَبْدُ مَنَافٍ فَهُمْ ... مِنْ لَوْمِ مَنْ لَامَ بِمَنْجَاةِ إنَّ الْمُغِيرَاتِ وَأَبْنَاءَهَا ... مِنْ خَيْرِ أَحْيَاءٍ وَأَمْوَاتِ [3] وَكَانَ اسْمُ عَبْدِ مَنَافٍ الْمُغِيرَةَ، وَكَانَ أَوَّلَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ هُلْكًا هَاشِمٌ، بِغَزَّةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، ثُمَّ عَبْدَ شَمْسٍ بِمَكَّةَ، ثُمَّ الْمُطَّلِبَ بِرَدْمَانَ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ ثُمَّ نَوْفَلًا بِسَلْمَانَ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِرَاقِ. فَقِيلَ لِمَطْرُودِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ-: لَقَدْ قُلْتَ فَأَحْسَنْتَ، وَلَوْ كَانَ أَفْحَلَ مِمَّا قُلْتَ كَانَ أَحْسَنَ، فَقَالَ: أَنْظِرْنِي لَيَالِيَ، فَمَكَثَ أَيَّامًا، ثُمَّ قَالَ: يَا عَيْنُ جُوى وَأَذْرِي الدَّمْعَ وَانْهَمِرِي ... وَابْكِي عَلَى السِّرِّ مِنْ كَعْبِ الْمُغِيرَاتِ [4] يَا عَيْنُ وَاسْحَنْفِرِي بِالدَّمْعِ وَاحْتَفِلِي [5] ... وَابْكِي خَبِيئَةَ نَفْسِي فِي الْمُلِمَّاتِ [6] وَابْكِي عَلَى كُلِّ فَيَّاضٍ أَخِي ثِقَةٍ ... ضَخْمِ الدَّسِيعَةِ وَهَّابِ الْجَزِيلَاتِ [7] مَحْضِ الضَّرِيبَةِ عَالِي الْهَمِّ مُخْتَلِقٌ ... جَلْدِ النَّحِيزَةِ نَاءٍ بِالْعَظِيمَاتِ [8] صَعْبِ الْبَدِيهَةِ لَا نِكْسٍ وَلَا وَكِلٍ ... مَاضِي الْعَزِيمَةِ مِتْلَافِ الْكَرِيمَاتِ [9]

_ [ () ] شربنا فِي بغادين ... على تِلْكَ الميادين والّذي عِنْد غَزَّة هُوَ هَاشم بن عبد منَاف. [1] وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي مُعْجم الْبلدَانِ فِي الْكَلَام على ردمان: وميت مَاتَ قَرِيبا من ... الْحجُون من شَرق البنيات قَالَ ياقوت: « ... والّذي بِقرب الْحجُون عبد شمس بن عبد منَاف» . والحجون: جبل بِأَعْلَى مَكَّة عِنْد مدافن أَهلهَا. [2] البنيات: الْكَعْبَة. [3] الْمُغيرَات: بَنو الْمُغيرَة. [4] السِّرّ: الْخَالِص النّسَب. [5] اسحنفرى: أديمى. واحتفلى: أَي اجمعيه، من احتفال الضَّرع، وَهُوَ اجْتِمَاع اللَّبن فِيهِ. [6] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والخبيئة: الشَّيْء المخبوء. يُرِيد أَنه كَانَ ذخيرته عِنْد نزُول الشدائد. وَفِي أ: «خبيئات» . [7] الْفَيَّاض: الْكثير الْمَعْرُوف. وضخم الدسيعة: كثير الْعَطاء. والجزيلات الكثيرات. [8] الضريبة: الطبيعة. والمختلق: التَّام الْخلق. والنحيزة: الطبيعة أَيْضا. وناء: ناهض. [9] النكس: الدنىء من الرِّجَال. والوكل: الضَّعِيف الّذي يتكل على غَيره.

صَقْرٍ تَوَسَّطَ مِنْ كَعْبٍ إذَا نُسِبُوا ... بُحْبُوحَةَ الْمَجْدِ وَالشُّمِّ الرَّفِيعَاتِ [1] ثُمَّ اُنْدُبِي الْفَيْضَ وَالْفَيَّاضَ مُطَّلِبًا ... وَاسْتَخْرِطِي بَعْدَ فَيْضَاتٍ بِجُمَّاتِ [2] أَمْسَى بِرَدْمَانَ عَنَّا الْيَوْمَ مُغْتَرِبًا ... يَا لَهْفَ نَفْسِي عَلَيْهِ بَيْنَ أَمْوَاتِ [3] وَابْكِي، لَكَ الْوَيْلُ، إمَّا كُنْتِ بَاكِيَةً ... لِعَبْدِ شَمْسٍ بِشَرْقِيِّ الْبُنَيَّاتِ وَهَاشِمٍ فِي ضَرِيحٍ وَسْطَ بَلْقَعَةٍ ... تَسْفَى الرِّيَاحُ عَلَيْهِ بَيْنَ غَزَّاتِ وَنَوْفَلٌ كَانَ دُونَ الْقَوْمِ خَالِصَتِي ... أَمْسَى بِسَلْمَانَ فِي رَمْسٍ بِمَوْمَاةِ [4] لَمْ أَلْقَ مِثْلَهُمْ عُجْمًا وَلَا عَرَبًا ... إذَا اسْتَقَلَّتْ بِهِمْ أُدْمُ الْمَطِيَّاتِ [5] أَمْسَتْ دِيَارُهُمْ مِنْهُمْ مُعَطَّلَةً ... وَقَدْ يَكُونُونَ زَيْنًا فِي السَّرِيَّاتِ [6] أَفْنَاهُمْ الدَّهْرُ أَمْ كَلَّتْ سُيُوفُهُمْ ... أَمْ كُلُّ مَنْ عَاشٍ أَزْوَادُ الْمَنِيَّاتِ [7] أَصْبَحْتُ أَرْضَى مِنْ الْأَقْوَامِ بَعْدَهُمْ ... بَسْطَ الْوُجُوهِ وَإِلْقَاءَ التَّحِيَّاتِ يَا عَيْنُ فَابْكِي أَبَا الشُّعْثِ الشَّجِيَّاتِ [8] ... يَبْكِينَهُ حُسَّرًا مِثْلَ الْبَلِيَّاتِ [9]

_ [1] البحبوحة: وسط الشَّيْء. والشم: الْعَالِيَة. [2] استخرطى: استكثرى. والجمات: الْمُجْتَمع من المَاء، فاستعاره هُنَا الدمع. [3] رَاجع الْحَاشِيَة (رقم 1 ص 138 من هَذَا الْجُزْء) [4] الموماة: القفر. [5] الْأدم من الْإِبِل: الْبيض الْكِرَام. [6] السريات: جمع سَرِيَّة، وَهِي الْقطعَة من الْجَيْش أقصاها أَربع مائَة، تبْعَث إِلَى الْعَدو. سموا بذلك لأَنهم يكونُونَ خُلَاصَة الْعَسْكَر وخيارهم. [7] ويروى: «أوراد» . يُرِيد الْقَوْم الَّذين يُرِيدُونَ الْمَوْت، شبههم بالذين يردون المَاء. [8] الشجيات: الحزينات. وينكر بعض أهل اللُّغَة تَشْدِيد يَاء الشجى وَيَقُولُونَ بِأَن يَاء الشجى مُخَفّفَة وياء الخلي مُشَدّدَة، وَقد اعْترض ابْن قُتَيْبَة على أَبى تَمام الطَّائِي فِي قَوْله: أيا وَيْح الشجى من الخلي فَإِنَّهُ ... وويح الدمع من إِحْدَى بلَى وَاحْتج بقول يَعْقُوب فِي ذَلِك. فَقَالَ لَهُ الطَّائِي: وَمن أفْصح عنْدك: ابْن الجرمقانية يَعْقُوب، أم أَبُو الْأسود الدؤَلِي حَيْثُ يَقُول: ويل الشجى من الخلي فَإِنَّهُ ... وصب الْفُؤَاد بشجوه مغموم؟ وَالْقِيَاس لَا يمْنَع من أَن يكون هُنَاكَ شج وشجى، لِأَنَّهُ فِي معنى حزن وحزين. [9] البليات: جمع بلية، وَهِي النَّاقة الَّتِي كَانَت تعقل عِنْد قبر صَاحبهَا إِذا مَاتَ حَتَّى تَمُوت جوعا وعطشا، وَيَقُولُونَ: إِن صَاحبهَا يحْشر رَاكِبًا عَلَيْهَا، وَمن لم يفعل مَعَه هَذَا حشر رَاجِلا. وَهَذَا على مَذْهَب من كَانَ يَقُول مِنْهُم بِالْبَعْثِ.

يَبْكِينَ أَكْرَمَ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمٍ ... يُعْوِلْنَهُ بِدُمُوعٍ بَعْدَ عَبَرَاتِ [1] يَبْكِينَ شَخْصًا طَوِيلَ الْبَاعِ ذَا فَجَرٍ ... آبِي الْهَضِيمَةِ فَرَّاجِ الْجَلِيلَاتِ [2] يَبْكِينَ عَمْرَو الْعُلَا إذْ حَانَ مَصْرَعُهُ ... سَمْحَ السَّجِيَّةِ بَسَّامَ الْعَشِيَّاتِ [3] يَبْكِينَهُ مُسْتَكِينَاتٍ عَلَى حَزَنٍ ... يَا طُولَ ذَلِكَ مِنْ حُزْنٍ وَعَوْلَاتٍ يَبْكِينَ لَمَّا جَلَّاهُنَّ الزَّمَانُ لَهُ ... خُضْرُ الْخُدُودِ كَأَمْثَالِ الْحَمِيَّاتِ [4] مُحْتَزِمَاتٍ عَلَى أَوْسَاطِهِنَّ لِمَا ... جَرَّ الزَّمَانُ مِنْ أَحْدَاثِ الْمُصِيبَاتِ أَبِيتُ لَيْلِي أُرَاعِي النَّجْمَ مِنْ أَلَمٍ ... أَبْكِي وَتَبْكِي مَعِي شَجْوِي بُنَيَّاتِي مَا فِي الْقُرُومِ لَهُمْ عِدْلٌ وَلَا خَطَرٌ ... وَلَا لِمَنْ تركُوا شروى بقبّات [5] أَبْنَاؤُهُمْ خَيْرُ أَبْنَاءٍ وَأَنْفُسُهُمْ ... خَيْرُ النّفوس لَدَى جِهَاد الْأَلِيَّاتِ [6] كَمْ وَهَبُوا مِنْ طِمِرٍّ سَابِحٍ أَرِنٍ ... وَمِنْ طِمِرَّةٍ نَهْبٍ فِي طِمِرَّاتِ [7] وَمِنْ سُيُوفٍ مِنْ الْهِنْدِيِّ مُخْلَصَةٍ ... وَمِنْ رِمَاحٍ كَأَشْطَانِ الرَّكِيَّاتِ [8] وَمِنْ تَوَابِعِ مِمَّا يُفْضِلُونَ بِهَا ... عِنْدَ الْمَسَائِلِ مِنْ بَذْلِ الْعَطِيَّاتِ فَلَوْ حَسَبْتُ وَأَحْصَى الْحَاسِبُونَ مَعِي ... لَمْ أَقْضِ أَفَعَالَهُمْ تَلِكَ الْهَنِيَّاتِ هُمْ الْمُدِلُّونَ إمَّا مَعْشَرٌ فَخَرُّوا ... عِنْدَ الْفَخَّارِ بِأَنْسَابٍ نَقِيَّاتٍ زَيْنُ الْبُيُوتِ الَّتِي خَلَّوْا [9] مَسَاكِنَهَا ... فَأَصْبَحَتْ مِنْهُمْ وَحْشًا خَلِيَّاتٍ

_ [1] كَانَ الْوَجْه أَن يَقُول «عبرات» بِالتَّحْرِيكِ: إِلَّا أَنه أسكن للتَّخْفِيف ضَرُورَة. [2] الهضيمة: الذل وَالنَّقْص. والجليلات: الْأُمُور الْعِظَام. [3] السجية: الطبيعة. وبسام العشيات: يُرِيد أَنه يتبسم عِنْد لِقَاء الأضياف، لِأَن الأضياف أَكثر مَا يردون عَشِيَّة. [4] الحميات: الْإِبِل الَّتِي حميت المَاء: أَي منعت. [5] القروم سَادَات النَّاس، وَأَصله الفحول من الْإِبِل. وَالْعدْل: الْمثل. والخطر: الْقدر والرفعة. وشروى: مثل، يُقَال: هَذَا شروى هَذَا، أَي مثله. [6] الأليات: الشدائد الَّتِي يقصر الْإِنْسَان بِسَبَبِهَا، وَهِي أَيْضا جمع ألية، وَهِي الْيَمين. [7] الطمر: الْفرس الْخَفِيف. وسابح: كَأَنَّهُ يسبح فِي جريه، أَي يعوم. وأرن: نشط. والنهب: مَا انتهب من الْغَنَائِم. [8] الأشطان: جمع شطن، وَهُوَ الْحَبل. والركيات: جمع ركية، وَهِي الْبِئْر. [9] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «حلوا» بِالْحَاء الْمُهْملَة.

(ولاية عبد المطلب السقاية والرفادة) :

أَقُولُ وَالْعين لَا ترقى مَدَامِعُهَا [1] ... لَا يُبْعِدُ اللَّهُ أَصْحَابَ الرَّزِيَّاتِ [2] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْفَجْرُ: الْعَطَاءُ. قَالَ أَبُو خِرَاشٍ الْهُذَلِيُّ [3] : عَجَّفَ أَضْيَافِي جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ ... بِذِي فَجَرٍ تَأْوِي إلَيْهِ الْأَرَامِلُ [4] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَبُو الشُّعْثِ الشَّجِيَّاتِ: هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ. (وِلَايَةُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ) : قَالَ: ثُمَّ وَلِيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمِ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ بَعْدَ عَمِّهِ الْمُطَّلِبِ، فَأَقَامَهَا لِلنَّاسِ، وَأَقَامَ لِقَوْمِهِ مَا كَانَ آبَاؤُهُ يُقِيمُونَ قَبْلَهُ لِقَوْمِهِمْ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَشَرُفَ فِي قَوْمِهِ شَرَفًا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ مِنْ آبَائِهِ، وَأَحَبَّهُ قَوْمُهُ وَعَظُمَ خَطَرُهُ فِيهِمْ. ذِكْرُ حَفْرِ زَمْزَمَ وَمَا جَرَى مِنْ الْخُلْفِ فِيهَا (الرُّؤْيَا الَّتِي أُرِيهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي حَفْرِ زَمْزَمَ) : ثُمَّ إنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بَيْنَمَا هُوَ نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ إذْ أُتِيَ فَأُمِرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَوَّلَ مَا اُبْتُدِئَ بِهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مِنْ حَفْرِهَا، كَمَا حَدَّثَنِي يَزِيدُ [5] بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الْمِصْرِيِّ عَنْ مَرْثَدِ [6] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ

_ [1] لَا ترقا: لَا تَنْقَطِع، وَأَصله الْهَمْز فَخفف فِي الشّعْر. [2] الرزيات: جمع رزية، لُغَة فِي الرزيئة، بِمَعْنى الْمُصِيبَة والإصابة بالانتقاص. وَيُرِيد بأصحاب الرزيات: من أصيبوا وانتقصوا وَأصْبح شَأْنهمْ كَمَا وصف. [3] وَهَذَا الْبَيْت مطلع قصيدة لأبى خرَاش قَالَهَا فِي قتل زُهَيْر بن الْعَجْوَة أخى بنى عَمْرو بن الْحَارِث، وَكَانَ قَتله جميل بن معمر بن حبيب بن حذافة بن جمح بن عَمْرو بن هصيص، يَوْم حنين. [4] كَذَا فِي الْأُصُول. وعجف: حبس عَن الطَّعَام. يُرِيد: أجاعهم. وَفِي أشعار الهذليين المخطوط وَالْمَحْفُوظ بدار الْكتب المصرية برقم (6 أدب ش) : «فجع» . [5] هُوَ يزِيد بن أَبى حبيب سُوَيْد أَبُو رَجَاء الْأَسدي الْمصْرِيّ عَالم أهل مصر، مولى شريك بن الطُّفَيْل الْأَزْدِيّ، وَقيل أَبوهُ مولى بنى حسل، وَأمه مولاة لتجيب. روى عَن عبد الله بن الْحَارِث بن جُزْء الزبيدِيّ، وَابْن الطُّفَيْل الْكِنَانِي، وأبى الْخَيْر مرْثَد الْيَزنِي وَغَيرهم. (عَن تراجم الرِّجَال) . [6] هُوَ مرْثَد بن عبد الله الْيَزنِي (بِفَتْح الْيَاء والزاى) أَبُو الْخَيْر الْمصْرِيّ الْفَقِيه. روى عَن عقبَة بن عَامر الجهنيّ، وَكَانَ لَا يُفَارِقهُ، وَعَمْرو بن الْعَاصِ وَغَيرهمَا. وروى عَنهُ غير يزِيد هَذَا ربيعَة بن جَعْفَر، وَكَعب بن عَلْقَمَة، وَعبد الرَّحْمَن بن شماسَة وَغَيرهم. توفى سنة تسعين. (رَاجع تَهْذِيب التَّهْذِيب) .

(عبد المطلب وابنه الحارث وما كان بينهما وبين قريش عند حفرهما زمزم) :

ابْن زُرَيْرٍ [1] الْغَافِقِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ عَلَيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يُحَدِّثُ حَدِيثَ زَمْزَمَ حِينَ أُمِرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِحَفْرِهَا، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: إنِّي لَنَائِمٌ فِي الْحِجْرِ إذْ أَتَانِي آتٍ فَقَالَ: احْفِرْ طَيْبَةَ [2] . قَالَ: قُلْتُ: وَمَا طَيْبَةُ؟ قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رَجَعْتُ إلَى مَضْجَعِي فَنِمْتُ فِيهِ، فَجَاءَنِي فَقَالَ: احْفِرْ بَرَّةَ [3] . قَالَ: وَمَا بَرَّةُ؟ قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رَجَعْتُ إلَى مَضْجَعِي فَنِمْتُ فِيهِ، فَجَاءَنِي فَقَالَ: احْفِرْ الْمَضْنُونَةَ [4] . قَالَ: فَقُلْتُ: وَمَا الْمَضْنُونَةُ؟ قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رَجَعْتُ إلَى مَضْجَعِي فَنِمْتُ فِيهِ، فَجَاءَنِي فَقَالَ: احْفِرْ زَمْزَمَ. قَالَ: قُلْتُ: وَمَا زَمْزَمُ؟ قَالَ: لَا تَنْزِفُ [5] أَبَدًا وَلَا تُذَمُّ [6] ، تَسْقِي الْحَجِيجَ الْأَعْظَمَ، وَهِيَ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ، عِنْدَ نُقْرَةِ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ [7] ، عِنْدَ قَرْيَةِ [8] النَّمْلِ. (عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَابْنُهُ الْحَارِثُ وَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ قُرَيْشٍ عِنْدَ حَفْرِهِمَا زَمْزَمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا بُيِّنَ لَهُ شَأْنُهَا، وَدُلَّ عَلَى مَوْضِعِهَا، وَعَرَفَ أَنَّهُ صُدِّقَ، غَدَا بِمِعْوَلِهِ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ

_ [1] هُوَ عبد الله بن زرير (بِالتَّصْغِيرِ) الغافقي الْمصْرِيّ. روى عَن على وَعمر. وَعنهُ أَبُو الْخَيْر مرْثَد الْيَزنِي وَأَبُو الْفَتْح الهمدانيّ، وَغَيرهمَا. مَاتَ فِي خلَافَة عبد الْملك سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ، وَقيل سنة ثَمَانِينَ. (رَاجع تَهْذِيب التَّهْذِيب) . [2] قيل لزمزم طيبَة، لِأَنَّهَا للطيبين والطيبات من ولد إِبْرَاهِيم. [3] قيل لَهَا برة، لِأَنَّهَا فاضت على الْأَبْرَار وغاضت عَن الْفجار. [4] قيل لَهَا مضنونة، لِأَنَّهَا ضن بهَا على غير الْمُؤمنِينَ فَلَا يتضلع مِنْهَا مُنَافِق. [5] لَا تنزف: لَا يفرغ مَاؤُهَا وَلَا يلْحق قعرها. [6] لَا تذم: أَي لَا تُوجد قَليلَة المَاء، تَقول: أذمت الْبِئْر: إِذا وَجدتهَا قَليلَة المَاء. [7] الأعصم من الْغرْبَان: الّذي فِي جناحيه بَيَاض، وَقيل غير ذَلِك. [8] إِنَّمَا خصت بِهَذِهِ العلامات الثَّلَاث لِمَعْنى زَمْزَم ومائها. فَأَما الفرث وَالدَّم، فان ماءها طَعَام طعم، وشفاء سقم، وَأما عَن الْغُرَاب الأعصم، فَفِيهِ إِشَارَة إِلَى مَا ورد عَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليخربن الْكَعْبَة ذُو السويقتين من الْحَبَشَة» . وَأما قَرْيَة النَّمْل، فَفِيهَا من المشاكلة أَيْضا والمناسبة أَن زَمْزَم هِيَ عين مَكَّة الَّتِي يردهَا الحجيج والعمار من كل جَانب، فيحملون إِلَيْهَا الْبر وَالشعِير وَغير ذَلِك، وَهِي لَا تحرث وَلَا تزرع، وقرية النَّمْل كَذَلِك لَا تحرث وَلَا تبذر وتجلب الْحُبُوب إِلَى قريتها من كل جَانب. (رَاجع الرَّوْض الْأنف وَمَا يعول عَلَيْهِ فِي قَرْيَة النَّمْل) .

غَيْرَهُ، فَحَفَرَ فِيهَا. فَلَمَّا بَدَا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ الطَّيَّ [1] كَبَّرَ، فَعَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ حَاجَتَهُ، فَقَامُوا إلَيْهِ فَقَالُوا: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، إنَّهَا بِئْرُ أَبِينَا إسْمَاعِيلَ، وَإِنَّ لَنَا فِيهَا حَقًّا فَأَشْرِكْنَا مَعَكَ فِيهَا، قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلِ، إنَّ هَذَا الْأَمْرَ قَدْ خُصِصْتُ بِهِ دُونَكُمْ، وَأُعْطِيتُهُ مِنْ بَيْنِكُمْ، فَقَالُوا لَهُ: فَأَنْصِفْنَا فَإِنَّا غَيْرُ تَارِكِيكَ حَتَّى نُخَاصِمَكَ فِيهَا، قَالَ: فَاجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مَنْ شِئْتُمْ أُحَاكِمُكُمْ إلَيْهِ، قَالُوا: كَاهِنَةُ بَنِي سَعْدٍ هُذَيْمٌ [2] ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَكَانَتْ بِأَشْرَافِ [3] الشَّامِ. فَرَكِبَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ بَنِي أَبِيهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَرَكِبَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ نَفَرٌ. قَالَ: وَالْأَرْضُ إذْ ذَاكَ مَفَاوِزُ. قَالَ: فَخَرَجُوا حَتَّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ تِلْكَ الْمَفَاوِزِ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ، فَنِيَ مَاءُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَصْحَابِهِ، فَظَمِئُوا حَتَّى أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ، فَاسْتَسْقَوْا مَنْ مَعَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: إنَّا بِمَفَازَةٍ، وَنَحْنُ نَخْشَى عَلَى أَنْفُسِنَا مِثْلَ مَا أَصَابَكُمْ. فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مَا صَنَعَ الْقَوْمُ وَمَا يَتَخَوَّفُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَصْحَابِهِ، قَالَ: مَاذَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: مَا رَأْيُنَا إلَّا تَبَعٌ لِرَأْيِكَ، فَمُرْنَا بِمَا شِئْتَ، قَالَ: فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَحْفِرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ حُفْرَتَهُ لِنَفْسِهِ بِمَا بِكُمْ الْآنَ مِنْ الْقُوَّةِ، فَكُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ دَفَعَهُ أَصْحَابُهُ فِي حُفْرَتِهِ ثُمَّ وَارَوْهُ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا، فَضَيْعَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَيْسَرُ مِنْ ضَيْعَةِ رَكْبٍ جَمِيعًا، قَالُوا: نِعْمَ مَا أَمَرْتَ بِهِ.. فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَحَفَرَ حُفْرَتَهُ، ثُمَّ قَعَدُوا يَنْتَظِرُونَ الْمَوْتَ عَطَشًا، ثُمَّ إنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: وَاَللَّهِ إنَّ إلْقَاءَنَا بِأَيْدِينَا هَكَذَا لِلْمَوْتِ، لَا نَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ وَلَا نَبْتَغِي لِأَنْفُسِنَا، لَعَجْزٌ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَنَا مَاءً بِبَعْضِ الْبِلَادِ، ارْتَحِلُوا، فَارْتَحَلُوا. حَتَّى إذَا فَرَغُوا، وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ يَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ مَا هُمْ فَاعِلُونَ، تَقَدَّمَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إلَى رَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا. فَلَمَّا انْبَعَثَتْ بِهِ، انْفَجَرَتْ مِنْ تَحْتِ خُفِّهَا عَيْنُ مَاءٍ عَذْبٍ، فَكَبَّرَ

_ [1] الطى: الْحِجَارَة الَّتِي طوى بهَا الْبِئْر. [2] كَذَا فِي أ. والطبري. وَفِي سَائِر الْأُصُول: سعد بن هذيم وَهُوَ تَحْرِيف «لِأَن هذيما لم يكن أَبَاهُ، وَإِنَّمَا كفله بعد أَبِيه فأضيف إِلَيْهِ» . (رَاجع شرح السِّيرَة والمعارف) . [3] أَشْرَاف الشَّام: مَا ارْتَفع من أرضه.

عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَكَبَّرَ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ نَزَلَ فَشَرِبَ وَشَرِبَ أَصْحَابُهُ وَاسْتَقَوْا حَتَّى مَلِئُوا أَسْقِيَتَهُمْ، ثُمَّ دَعَا الْقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: هَلُمَّ إلَى الْمَاءِ، فَقَدْ سَقَانَا اللَّهُ، فَاشْرَبُوا وَاسْتَقَوْا، فَجَاءُوا فَشَرِبُوا وَاسْتَقَوْا. ثُمَّ قَالُوا: قَدْ وَاَللَّهِ قُضِيَ لَكَ عَلَيْنَا يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، وَاَللَّهِ لَا نُخَاصِمُكَ فِي زَمْزَمَ أَبَدًا، إنَّ الَّذِي سَقَاكَ هَذَا الْمَاءَ بِهَذِهِ الْفَلَاةِ لَهُوَ الَّذِي سَقَاكَ زَمْزَمَ، فَارْجِعْ إلَى سِقَايَتِكَ رَاشِدًا. فَرَجَعَ وَرَجَعُوا مَعَهُ، وَلَمْ يَصِلُوا إلَى الْكَاهِنَةِ، وَخَلَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي زَمْزَمَ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَنْ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ حِينَ أُمِرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ: ثُمَّ اُدْعُ بِالْمَاءِ الرِّوَى [1] غَيْرِ الْكَدِرْ ... يَسْقِي حَجِيجَ [2] اللَّهِ فِي كُلِّ مَبَرْ [3] لَيْسَ يُخَافُ مِنْهُ شَيْءٌ مَا عَمَرْ [4] فَخَرَجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، حِينَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ، إلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَ: تَعَلَّمُوا أَنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَحْفِرَ لَكُمْ زَمْزَمَ، فَقَالُوا: فَهَلْ بُيِّنَ لَكَ أَيْنَ هِيَ؟ قَالَ: لَا، قَالُوا: فَارْجِعْ إلَى مَضْجَعِكَ الَّذِي رَأَيْتَ فِيهِ مَا رَأَيْتَ، فَإِنْ يَكُ حَقًّا مِنْ اللَّهِ يُبَيَّنُ لَكَ، وَإِنْ يَكُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَلَنْ يَعُودَ إلَيْكَ. فَرَجَعَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إلَى مَضْجَعِهِ فَنَامَ فِيهِ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: احْفِرْ زَمْزَمَ، إنَّكَ إنْ حَفَرْتهَا لَمْ تَنْدَمْ، وَهِيَ تُرَاثٌ مِنْ أَبِيكَ الْأَعْظَمِ، لَا تَنْزِفُ أَبَدًا وَلَا تُذَمُّ، تَسْقِي الْحَجِيجَ الْأَعْظَمَ، مِثْلَ نَعَامٍ حَافِلٍ [5] لَمْ يُقْسَمْ، يَنْذِرُ فِيهَا نَاذِرٌ لِمُنْعِمٍ، تَكُونُ مِيرَاثًا وَعَقْدًا مُحْكَمٍ، لَيْسَتْ كَبَعْضِ مَا قَدْ تَعْلَمُ، وَهِيَ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا الْكَلَامُ وَالْكَلَامُ الَّذِي قَبْلَهُ، مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ (رِضْوَانُ

_ [1] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «رواء» . وهما بِمَعْنى، فَيُقَال: مَاء روى (بِالْكَسْرِ وَالْقصر) ورواء (بِالْفَتْح وَالْمدّ) : أَي كثير. [2] الحجيج: جمع حَاج. [3] مبر: يُرِيد مَنَاسِك الْحَج ومواضع الطَّاعَة، وَهُوَ مفعل من الْبر. [4] عمر: بَقِي، أَي مَا عمر هَذَا المَاء فَإِنَّهُ لَا يُؤْذى وَلَا يخَاف مِنْهُ. [5] الحافل: الْكثير. 10- سيرة ابْن هِشَام- 1

اللَّهِ عَلَيْهِ) [1] فِي حَفْرِ زَمْزَمَ مِنْ قَوْلِهِ: «لَا تَنْزِفُ أَبَدًا وَلَا تُذَمُّ» إلَى قَوْلِهِ: «عِنْدَ قَرْيَةِ النَّمْلِ» عِنْدَنَا سَجْعٌ وَلَيْسَ شِعْرًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمُوا أَنَّهُ حِينَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ: وَأَيْنَ هِيَ؟ قِيلَ لَهُ: عِنْدَ قَرْيَةِ النَّمْلِ، حَيْثُ يُنْقَرُ الْغُرَابُ غَدًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ. فَعَدَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْحَارِثُ، وَلَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ غَيْرَهُ، فَوَجَدَ قَرْيَةَ النَّمْلِ، وَوَجَدَ الْغُرَابَ يَنْقُرُ عِنْدَهَا بَيْنَ الْوَثَنَيْنِ: إسَافٍ وَنَائِلَةٍ، اللَّذَيْنِ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَنْحَرُ عِنْدَهُمَا ذَبَائِحَهَا. فَجَاءَ بِالْمِعْوَلِ وَقَامَ لِيَحْفِرَ حَيْثُ أُمِرَ، فَقَامَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ حِينَ رَأَوْا جِدَّهُ، فَقَالُوا: وَاَللَّهِ لَا نَتْرُكُكَ تَحْفِرُ بَيْنَ وَثَنَيْنَا هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ نَنْحَرُ عِنْدَهُمَا، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِابْنِهِ الْحَارِثِ: ذُدْ عَنِّي حَتَّى أحفر، فو الله لَأَمْضِيَنَّ لِمَا أُمِرْتُ بِهِ. فَلَمَّا عَرَفُوا أَنَّهُ غَيْرُ نَازِعٍ [2] ، خَلَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَفْرِ، وَكَفُّوا عَنْهُ، فَلَمْ يَحْفِرْ إلَّا يَسِيرًا، حَتَّى بَدَا لَهُ الطَّيُّ، فَكَبَّرَ وَعَرَفُوا أَنَّهُ قَدْ صُدِقَ. فَلَمَّا تَمَادَى بِهِ الْحَفْرُ وَجَدَ فِيهَا غَزَالَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَهُمَا الْغَزَالَانِ اللَّذَانِ دَفَنَتْ جُرْهُمٌ فِيهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنْ مَكَّةَ، وَوَجَدَ فِيهَا أَسْيَافًا قَلْعِيَّةً [3] وَأَدْرَاعًا، فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، لَنَا مَعَكَ فِي هَذَا شِرْكٌ وَحَقٌّ، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ هَلُمَّ إلَى أَمْرٍ نَصَفٍ [4] ، بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ: نَضْرِبُ عَلَيْهَا بِالْقِدَاحِ [5] ، قَالُوا: وَكَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ:

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] يُقَال: نزع عَن الْأَمر نزوعا (وَرُبمَا قَالُوا: نزاعا) : إِذا كف وانْتهى. [3] قلعية: نِسْبَة إِلَى القلعة (بِالْفَتْح ثمَّ السّكُون) : قيل جبل بِالشَّام. وَقَالَ مسعر بن مهلهل فِي خبر رحلته إِلَى الصين: « ... ثمَّ رجعت من الصين إِلَى كلة، وَهِي أول بِلَاد الْهِنْد من جِهَة الصين، وإليها تَنْتَهِي المراكب ثمَّ لَا تتجاوزها، وفيهَا قلعة عَظِيمَة فِيهَا مَعْدن الرصاص القلعي، لَا يكون إِلَّا فِي قلعتها، وَفِي هَذِه القلعة تضرب السيوف القلعية، وَهِي الْهِنْدِيَّة العتيقة. وَأهل هَذِه القلعة يمتنعون على ملكهم إِذا أَرَادوا ويطيعونه إِذا أَرَادوا» . وَقَالَ: «لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مَعْدن الرصاص القلعي إِلَّا فِي هَذِه القلعة» ، وَبَينهَا وَبَين سندابل، مَدِينَة الصين، ثَلَاث مائَة فَرسَخ، وحولها مدن ورساتيق وَاسِعَة. وَقَالَ أَبُو الريحان: «يجلب الرصاص القلعي من سرنديب، جَزِيرَة فِي بَحر الْهِنْد» . وبالأندلس إقليم القلعة من كورة قبرة، ويظن أَن الرصاص القلعي ينْسب إِلَيْهَا. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ، وعجائب الْهِنْد) . [4] النّصْف: اسْم من الْإِنْصَاف. [5] القداح: جمع قدح (بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الدَّال) ، وَهُوَ السهْم الّذي كَانُوا يستقسمون بِهِ،

ذكر بئار قبائل قريش بمكة

أَجْعَلُ لِلْكَعْبَةِ قِدْحَيْنِ، وَلِي قِدْحَيْنِ، وَلَكُمْ قِدْحَيْنِ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ قِدْحَاهُ عَلَى شَيْءٍ كَانَ لَهُ، وَمَنْ تَخَلَّفَ قِدْحَاهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ، قَالُوا: أَنْصَفْتَ. فَجَعَلَ قِدْحَيْنِ أَصْفَرَيْنِ لِلْكَعْبَةِ، وَقِدْحَيْنِ أَسْوَدَيْنِ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَقِدْحَيْنِ أَبْيَضَيْنِ لِقُرَيْشِ، ثُمَّ أَعْطَوْا (الْقِدَاحَ) [1] صَاحِبَ الْقِدَاحِ الَّذِي يَضْرِبُ بِهَا عِنْدَ هُبَلَ (وَهُبَلُ: صَنَمٌ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ أَعْظَمُ أَصْنَامِهِمْ، وَهُوَ الَّذِي يَعْنِي أَبُو سُفْيَانَ ابْن حَرْبٍ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ قَالَ: أُعْلِ [2] هُبَلُ: أَيْ أَظْهِرْ دِينَكَ) وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَضَرَبَ صَاحِبُ الْقِدَاحِ، فَخَرَجَ الْأَصْفَرَانِ عَلَى الْغَزَالَيْنِ لِلْكَعْبَةِ، وَخَرَجَ الْأَسْوَدَانِ عَلَى الْأَسْيَافِ، وَالْأَدْرَاعُ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَتَخَلَّفَ قِدْحَا قُرَيْشٍ. فَضَرَبَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ الْأَسْيَافَ بَابًا لِلْكَعْبَةِ، وَضَرَبَ فِي الْبَابِ الْغَزَالَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ. فَكَانَ أَوَّلَ ذَهَبٍ حَلِيَتْهُ الْكَعْبَةُ، فِيمَا يَزْعُمُونَ. ثُمَّ إنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ أَقَامَ سِقَايَةَ زَمْزَمَ لِلْحُجَّاجِ. ذِكْرُ بِئَارِ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ (الطَّوِيُّ وَمَنْ حَفَرَهَا) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَبْلَ حَفْرِ زَمْزَمَ قَدْ احْتَفَرَتْ [3] بِئَارًا بِمَكَّةَ، فِيمَا حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ، قَالَ:

_ [ () ] يُقَال للسهم أول مَا يقطع: قطع (بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الطَّاء) ، ثمَّ ينحت ويبري فيسمى: بريا، ثمَّ يقوم قدحا، ثمَّ يراش ويركب نصله فيسمى سَهْما، وَهَذِه هِيَ الأزلام الْمَذْكُورَة فِي قَوْله عز وَجل: وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ 5: 3. [1] زِيَادَة عَن أ. [2] كَمَا يَصح أَن يكون أمرا من الْفِعْل الثلاثي (علا يَعْلُو) : أَي تبوأ منزلتك من الْعُلُوّ والسمو. [3] يُقَال إِن قصيا كَانَ يسقى الحجيج فِي حِيَاض من أَدَم، وَكَانَ ينْقل المَاء من آبار خَارِجَة من مَكَّة، مِنْهَا بِئْر مَيْمُون الحضرميّ، ثمَّ احتفر قصي العجول فِي دَار أم هَانِئ بنت أَبى طَالب، وَهِي أول سِقَايَة احتفرت بِمَكَّة، وَكَانَت الْعَرَب إِذا استقوا مِنْهَا ارتجزوا فَقَالُوا: نروى على العجول ثمَّ ننطلق ... إِن قصيا قد وفى وَقد صدق فَلم تزل العجول قَائِمَة حَيَاة قصي وَبعد مَوته، حَتَّى كبر عبد منَاف بن قصي، فَسقط فِيهَا رجل من بنى جعيل فعطلوا العجول واندفنت، واحتفرت كل قَبيلَة بِئْرا. (عَن الرَّوْض الْأنف) .

(بذر ومن حفرها) :

حَفَرَ عَبْدُ شَمْسِ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ الطَّوِيَّ [1] ، وَهِي الْبِئْرُ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ عِنْدَ الْبَيْضَاءِ، دَارُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ (الثَّقَفِيُّ) [2] . (بَذَّرُ وَمَنْ حَفَرَهَا) : وَحَفَرَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ بَذَّرَ، وَهِيَ الْبِئْرُ الَّتِي عِنْدَ الْمُسْتَنْذَرِ، خَطْمُ الْخَنْدَمَةِ [3] عَلَى فَمِ شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ. وَزَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ حِينَ حَفَرَهَا: لَأَجْعَلَنَّهَا بَلَاغًا لِلنَّاسِ [4] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ الشَّاعِرُ: سَقَى اللَّهُ أَمْوَاهًا عَرَفْتُ مَكَانَهَا ... جُرَابًا [5] وَمَلْكُومًا [6] وَبَذَّرَ وَالْغَمْرَا [7] (سَجْلَةُ وَمَنْ حَفَرَهَا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَفَرَ سَجْلَةَ [8] ، وَهِيَ بِئْرُ الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الَّتِي يَسْقُونَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ. وَيَزْعُمُ بَنُو نَوْفَلٍ أَنَّ الْمُطْعِمَ ابْتَاعَهَا مِنْ أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ، وَيَزْعُمُ بَنُو هَاشِمٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ حِينَ ظَهَرَتْ زَمْزَمُ، فَاسْتَغْنَوْا بِهَا عَنْ تِلْكَ الْآبَارِ.

_ [1] وَفِي الطوى تَقول سبيعة بنت عبد شمس: إِن الطوى إِذا ذكرْتُمْ ماءها ... صوب السَّحَاب عذوبة وصفاء (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [2] زِيَادَة عَن أ. [3] الخندمة: جبل بِمَكَّة. [4] وَذكر ياقوت نقلا عَن أَبى عُبَيْدَة فِي كتاب الْآبَار: أَن هَاشم بن عبد منَاف قَالَ حِين حفرهَا: أنبطت بذرا بِمَاء قلاس ... جعلت ماءها بلاغا للنَّاس [5] جراب (بِالضَّمِّ) : اسْم مَاء، وَقيل: بِئْر بِمَكَّة قديمَة (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [6] ملكوم (على زنة اسْم الْمَفْعُول) : اسْم مَاء بِمَكَّة. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [7] الْغمر (بِفَتْح أَوله وَسُكُون ثَانِيه) : بِئْر قديمَة بِمَكَّة حفرتها بَنو سهم، وَفِي ذَلِك يَقُول شَاعِرهمْ: نَحن حفرنا الْغمر للحجيج ... تثج مَاء أَيّمَا ثجيج (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . وسيعرض لَهَا الْمُؤلف بعد قَلِيل. [8] وَيُقَال إِن الّذي حفر سجلة لَيْسَ هاشما، وَإِنَّمَا هُوَ قصي، ويروون عَنهُ أَنه قَالَ حِين حفرهَا: أَنا قصي وحفرت سجلة ... تروى الحجيج زغلة فزغلة ويروى هَذَا الْبَيْت لخالدة بنت هَاشم باخْتلَاف فِي صَدره، وَهُوَ: نَحن وهبنا لعدي سجلة ... تروى الحجيج زغلة فزغلة (الزغلة «بِالضَّمِّ» : الدفعة) . (رَاجع الرَّوْض الْأنف ومعجم الْبلدَانِ) .

(الحفر ومن حفرها) :

(الْحَفْرُ وَمَنْ حَفَرَهَا) : وَحَفَرَ أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ الْحَفْرَ [1] لِنَفْسِهِ. (سُقَيَّةُ وَمَنْ حَفَرَهَا) : وَحَفَرَتْ بَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى سُقَيَّةَ [2] ، وَهِيَ بِئْرُ بَنِي أَسَدٍ. (أُمُّ أَحْرَادٍ وَمَنْ حَفَرَهَا) : وَحَفَرَتْ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ أُمَّ أَحْرَادٍ [3] . (السُّنْبُلَةُ وَمَنْ حَفَرَهَا) : وَحَفَرَتْ بَنُو جُمَحَ السُّنْبُلَةَ، وَهِيَ بِئْرُ خَلَفِ بْنِ وَهْبٍ. (الْغِمْرُ وَمَنْ حَفَرَهَا) : وَحَفَرَتْ بَنُو سَهْمٍ الْغِمْرَ، وَهِيَ بِئْرُ بَنِي سَهْمٍ (رُمُّ وَخُمُّ وَالْحَفْرُ وَأَصْحَابُهَا) : وَكَانَتْ آبَارُ حَفَائِرَ خَارِجًا مِنْ مَكَّةَ قَدِيمَةً مِنْ عَهْدِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ، وَكِلَابِ

_ [1] ذكرهَا ياقوت عِنْد الْكَلَام على الْحفر (بِالْحَاء الْمُهْملَة) ، فَقَالَ: « ... وحفر بِئْر لبني تيم بن مرّة بِمَكَّة، وَرَوَاهُ الْحَازِمِي بِالْجِيم» . ثمَّ ذكرهَا عِنْد الْكَلَام على الجفر (بِالْجِيم) نقلا عَن أَبى عُبَيْدَة، فَقَالَ: « ... واحتفرت كل قَبيلَة من قُرَيْش فِي رباعهم بِئْرا، فاحتفر بَنو تيم بن مرّة الجفر، وَهِي بِئْر مرّة بن كَعْب، وَقيل: حفرهَا أُميَّة ابْن عبد شمس، وسماها جفر مرّة بن كَعْب» . [2] كَذَا فِي مُعْجم الْبلدَانِ، وَفِي الْأُصُول: «شفية» قَالَ ياقوت: «سقية» (بِلَفْظ تَصْغِير سقية، وَقد رَوَاهَا قوم «شفية» بالشين الْمُعْجَمَة وَالْفَاء) : وَهِي بِئْر قديمَة كَانَت بِمَكَّة. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وحفرت بَنو أَسد شفية. فَقَالَ الْحُوَيْرِث بن أَسد: مَاء شفية كصوب المزن ... وَلَيْسَ مَاؤُهَا بطرق أجن قَالَ الزبير: وَخَالفهُ عمى فَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ سقية (بِالسِّين الْمُهْملَة وَالْقَاف) . [3] ويروون عَن أُميَّة بنت عميلة بن السباق بن عبد الدَّار امْرَأَة الْعَوام بن خويلد حِين حفرت بَنو عبد الدَّار أم أحراد: نَحن حفرنا الْبَحْر أم أحراد ... لَيست كبذر البرور الجماد فأجابتها ضَرَّتهَا صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب أم الزبير بن الْعَوام رضى الله عَنهُ: نَحن جفرنا بذر ... تسقى الحجيج الْأَكْبَر من مقبل ومدبر ... وَأم أحراد بثر بثر: أَي قَلِيل نزر (رَاجع الرَّوْض، ومعجم الْبلدَانِ) .

(فضل زمزم وما قيل فيها من شعر) :

ابْن مُرَّةَ، وَكُبَرَاءِ قُرَيْشٍ الْأَوَائِلِ مِنْهَا يَشْرَبُونَ، وَهِيَ رُمُّ، وَرُمُّ: بِئْرُ مُرَّةَ ابْن كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ: وَخُمُّ، وَخُمُّ بِئْرُ بَنِي كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ، وَالْحَفْرُ [1] . قَالَ حُذَيْفَةُ [2] بْنُ غَانِمٍ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ أَبُو أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ: وَقِدْمَا غنَينا قَبْلَ ذَلِكَ حِقْبَةً ... وَلَا نَسْتَقِي إلَّا بِخُمَّ أَوْ الْحَفْرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ: سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَوْضِعِهَا. (فَضْلُ زَمْزَمَ وَمَا قِيلَ فِيهَا مِنْ شِعْرٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَعَفَّتْ [3] زَمْزَمُ عَلَى الْبِئَارِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا يَسْقِي عَلَيْهَا الْحَاجُّ، وَانْصَرَفَ النَّاسُ إلَيْهَا لِمَكَانِهَا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَلِفَضْلِهَا عَلَى مَا سِوَاهَا مِنْ الْمِيَاهِ، وَلِأَنَّهَا بِئْرُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَافْتَخَرَتْ بِهَا بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى قُرَيْشٍ كُلِّهَا، وَعَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ، فَقَالَ مُسَافِرُ [4] بْنُ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَهُوَ يَفْخَرُ عَلَى قُرَيْشٍ بِمَا وُلُّوا عَلَيْهِمْ مِنْ السِّقَايَةِ والرّفادة، وَمَا أَقَامُوا لِلنَّاسِ مِنْ ذَلِكَ، وَبِزَمْزَمَ حِينَ ظَهَرَتْ لَهُمْ، وَإِنَّمَا كَانَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ أَهْلَ بَيْتٍ وَاحِدٍ، شَرَفُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ شَرَفٌ، وَفَضْلُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ فَضْلٌ:

_ [1] لقد ذكر ابْن هِشَام «الْحفر» قبل هَذَا بِقَلِيل ونسبها إِلَى أُميَّة، وأردفنا نَحن ثمَّ بِمَا ذكر عَنْهَا فِي المعاجم. وَلَعَلَّ فِي ذكرهَا هُنَا مَعَ «رم» و «خم» إِشَارَة إِلَى الرأى الْقَائِل بِأَنَّهَا من حُفْرَة مرّة بن كَعْب. (رَاجع الْحَاشِيَة رقم 1 ص 147) . [2] كَذَا فِي الْأُصُول، ومعجم الْبلدَانِ لياقوت، والإصابة (ج 4 ص 541) عِنْد الْكَلَام على ليلى بنت أَبى حثْمَة. وَفِي الطَّبَرِيّ: والاشتقاق لِابْنِ دُرَيْد (ص 87 طبع أوروبا) والأغاني (ج 7 ص 229 طبع دَار الْكتب المصرية) : «حذافة» . [3] عفت على البئار: غطت عَلَيْهَا وأذهبتها. [4] وَكَانَ مُسَافر سيدا جوادا، وَهُوَ أحد أزواد الركب، وَإِنَّمَا سموا بذلك لأَنهم كَانُوا لَا يدعونَ غَرِيبا وَلَا مارا طَرِيقا وَلَا مُحْتَاجا يجتاز بهم إِلَّا أنزلوه وتكفلوا بِهِ حَتَّى يظعن، وَهُوَ أحد شعراء قُرَيْش، وَكَانَ يُنَاقض عمَارَة بن الْوَلِيد. وَله شعر فِي هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة وَكَانَ يهواها، فراقها، فَخَطَبَهَا إِلَى أَبِيهَا بعد ضَرَّتهَا الْفَاكِه بن الْمُغيرَة، فَلم ترض ثروته وَمَاله، وَكَانَ أَن تزَوجهَا أَبُو سُفْيَان، فَحزن مُسَافر، وانْتهى بِهِ الْحزن إِلَى أَن مَاتَ بهبالة وَدفن بهَا. (رَاجع الأغاني ج 8 ص 48- 51 طبع بلاق وَالرَّوْض الْأنف) .

ذكر نذر عبد المطلب ذبح ولده

وَرِثْنَا الْمجد من آبَائِنَا ... فَنَمَى بِنَا صُعُدَا أَلَمْ نَسْقِ الْحَجِيجَ وَنَنْحَرُ ... الدَّلَّافَةَ الرُّفُدَا [1] وَنُلْقَى عِنْدَ تَصْرِيفِ ... الْمَنَايَا شُدَّدًا رُفُدَا [2] فَإِنْ نَهْلِكْ فَلَمْ نُمْلَكْ [3] ... وَمَنْ ذَا خَالِدٌ أَبَدَا [4] وَزَمْزَمُ فِي [5] أَرُومَتِنَا [6] ... وَنَفْقَأُ عَيْنَ مَنْ حَسَدَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ غَانِمٍ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ: وَسَاقِي الْحَجِيجِ ثُمَّ لِلْخَيْرِ هَاشِمُ ... وَعَبْدُ مَنَافٍ ذَلِكَ السَّيِّدُ الفِهري [7] طوى زمزما عِنْدَ الْمَقَامِ فَأَصْبَحَتْ ... سِقَايَتُهُ فَخْرًا عَلَى كُلِّ ذِي فَخْرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَعْنِي عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ. وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لِحُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ذِكْرُ نَذْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ذَبْحَ وَلَدِهِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ- فِيمَا يَزْعُمُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- قَدْ نَذَرَ حِينَ لَقِيَ مِنْ قُرَيْشٍ مَا لَقِيَ عِنْدَ حَفْرِ زَمْزَمَ، لَئِنْ وُلِدَ لَهُ عَشَرَةُ نَفَرٍ، ثُمَّ بَلَغُوا مَعَهُ حَتَّى يَمْنَعُوهُ، لَيَنْحَرَنَّ أَحَدَهُمْ للَّه عِنْدَ الْكَعْبَةِ. فَلَمَّا تَوَافَى بَنُوهُ عَشَرَةً، وَعَرَفَ أَنَّهُمْ سَيَمْنَعُونَهُ، جَمَعَهُمْ ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِنَذْرِهِ، وَدَعَاهُمْ إلَى الْوَفَاء للَّه بِذَلِكَ، فَأَطَاعُوهُ وَقَالُوا: كَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ قِدْحًا

_ [1] الدلافة: يُرِيد بهَا هُنَا الْإِبِل الَّتِي تمشى متمهلة لِكَثْرَة سمنها، يُقَال: دلف الشَّيْخ، إِذا مَشى مشيا ضَعِيفا، وَهُوَ فَوق الدبيب. والرفد: جمع رفود. وَهِي الَّتِي تملأ الرفد، وَهُوَ قدح يحلب فِيهِ. [2] رفد: من الرفد، وَهُوَ الْإِعْطَاء. [3] لم نملك (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول) : أَي لم يكن علينا وَال وَلَا ملك. [4] فِي أ: «خلدا» . [5] فِي الأغاني: «من» . [6] الأرومة: الأَصْل. [7] ويروى: «الْغمر» : أَي الْكثير الْعَطاء. كَمَا يرْوى: «الْقَهْر» : أَي القاهر، وَيكون صفة بِالْمَصْدَرِ.

(الضرب بالقداح عند العرب) :

ثُمَّ يَكْتُبُ فِيهِ اسْمَهُ، ثُمَّ ائْتُونِي. فَفَعَلُوا، ثُمَّ أَتَوْهُ، فَدَخَلَ بِهِمْ عَلَى هُبَلَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ هُبَلُ عَلَى بِئْرٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَتْ تِلْكَ الْبِئْرُ هِيَ الَّتِي يُجْمَعُ فِيهَا مَا يُهْدَى لِلْكَعْبَةِ. (الضَّرْبُ بِالْقِدَاحِ عِنْدَ الْعَرَبِ) : وَكَانَ عِنْدَ هُبَلَ قِدَاحٌ سَبْعَةٌ، كُلُّ قِدْحٍ مِنْهَا فِيهِ (كِتَابٌ. قِدْحٌ فِيهِ) [1] (الْعَقْلُ) [2] إذَا اخْتَلَفُوا فِي الْعَقْلِ مَنْ يَحْمِلُهُ مِنْهُمْ، ضَرَبُوا بِالْقِدَاحِ السَّبْعَةِ [3] ، فَإِنْ خَرَجَ الْعَقْلُ فَعَلَى مَنْ خَرَجَ حَمْلُهُ، وَقِدْحٌ فِيهِ «نَعَمْ» لِلْأَمْرِ إذَا أَرَادُوهُ يُضْرَبُ بِهِ فِي الْقِدَاحِ، فَإِنْ خَرَجَ قِدْحُ «نَعَمْ» عَمِلُوا بِهِ، وَقِدْحٌ فِيهِ «لَا» إذَا أَرَادُوا أَمْرًا ضَرَبُوا بِهِ فِي الْقِدَاحِ، فَإِنْ خَرَجَ ذَلِكَ الْقِدْحُ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ الْأَمْرَ، وَقِدْحٌ فِيهِ «مِنْكُمْ» ، وَقِدْحٌ فِيهِ «مُلْصَقٌ» ، وَقِدْحٌ فِيهِ «مِنْ غَيْرِكُمْ» ، وَقِدْحٌ فِيهِ «الْمِيَاهُ» إذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِلْمَاءِ ضَرَبُوا بِالْقِدَاحِ، وَفِيهَا ذَلِكَ الْقِدْحُ، فَحَيْثُمَا خَرَجَ عَمِلُوا بِهِ. وَكَانُوا إذَا أَرَادُوا أَنْ يَخْتِنُوا غُلَامًا، أَوْ يُنْكِحُوا مُنْكَحًا، أَوْ يَدْفِنُوا مَيتا، أَو شكوا فِي نَسَبِ أَحَدِهِمْ، ذَهَبُوا بِهِ إِلَى هُبل وبمائة دِرْهَمٍ وَجَزُورٍ، فَأَعْطَوْهَا صَاحِبَ الْقِدَاحِ الَّذِي يَضْرِبُ بِهَا، ثُمَّ قَرَّبُوا صَاحِبَهُمْ الَّذِي يُرِيدُونَ بِهِ مَا يُرِيدُونَ، ثُمَّ قَالُوا: يَا إلَهَنَا، هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ قَدْ أَرَدْنَا بِهِ كَذَا وَكَذَا، فَأَخْرِجْ الْحَقَّ فِيهِ. ثُمَّ يَقُولُونَ لِصَاحِبِ الْقِدَاحِ: اضْرِبْ فَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ «مِنْكُمْ» كَانَ مِنْهُمْ وَسِيطًا [4] ، وَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ «مِنْ غَيْرِكُمْ» كَانَ حَلِيفًا، وَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ «مُلْصَقٌ» كَانَ عَلَى مَنْزِلَتِهِ فِيهِمْ، لَا نَسَبَ لَهُ وَلَا حِلْفَ، وَإِنْ خَرَجَ فِيهِ شَيْءٌ، مِمَّا سِوَى هَذَا مِمَّا يَعْمَلُونَ بِهِ «نَعَمْ» عَمِلُوا بِهِ،

_ [1] زِيَادَة عَن أ [2] الْعقل: الدِّيَة. [3] ويروى أَنهم كَانُوا إِذا قصدُوا فعلا ضربوا ثَلَاثَة أقداح، مَكْتُوب على أَحدهَا: أمرنى ربى. وعَلى الآخر: نهاني ربى. وَالثَّالِث غفل. فان خرج الْآمِر مضوا على ذَلِك، وَإِن خرج الناهي تجنبوا عَنهُ. وَإِن خرج الغفل أجالوها ثَانِيَة. ولعلهم كَانُوا يستعملون الطريقتين. [4] وَسِيطًا: خَالص النّسَب فيهم، وَيُقَال: إِن الْوَسِيط هُوَ الشريف فِي قومه، لِأَن النّسَب الْكَرِيم دَار بِهِ من كل جِهَة، وَهُوَ وسط.

(عبد المطلب وأولاده بين يدي صاحب القداح) :

وَإِنْ خَرَجَ «لَا» أَخَّرُوهُ عَامَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَأْتُوهُ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى، يَنْتَهُونَ فِي أُمُورِهِمْ إلَى ذَلِكَ مِمَّا خَرَجَتْ بِهِ الْقِدَاحُ [1] . (عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَأَوْلَادُهُ بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِ الْقِدَاحِ) : فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِصَاحِبِ الْقِدَاحِ: اضْرِبْ عَلَى بَنِيَّ هَؤُلَاءِ بِقِدَاحِهِمْ هَذِهِ وَأَخْبَرَهُ بِنَذْرِهِ الَّذِي نَذَرَ، فَأَعْطَاهُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ قِدْحَهُ الَّذِي فِيهِ اسْمُهُ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَصْغَرَ بَنِي [2] أَبِيهِ، كَانَ هُوَ وَالزُّبَيْرُ وَأَبُو طَالِبٍ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَائِذُ بْنُ عِمْرَانَ بْنُ مَخْزُومٍ [3] . (خُرُوجُ الْقَدَحِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَشُرُوعُ أَبِيهِ فِي ذَبْحِهِ، وَمَنْعُ قُرَيْشٍ لَهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- أَحَبَّ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إلَيْهِ، فَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَرَى أَنَّ السَّهْمَ إذَا أَخَطَأَهُ فَقَدْ أَشْوَى [4] ، وَهُوَ أَبُو رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا أَخَذَ صَاحِبُ الْقِدَاحِ الْقِدَاحَ لِيَضْرِبَ بِهَا، قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ هُبَلَ يَدْعُو اللَّهَ، ثُمَّ ضَرَبَ صَاحِبُ الْقِدَاحِ، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَأَخَذَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِيَدِهِ وَأَخَذَ الشَّفْرَةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهِ إلَى إسَافٍ وَنَائِلَةٍ لِيَذْبَحَهُ، فَقَامَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ مِنْ أَنْدِيَتِهَا، فَقَالُوا: مَاذَا تُرِيدُ يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ؟ قَالَ: أَذْبَحُهُ، فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ وَبَنُوهُ: وَاَللَّهِ لَا تَذْبَحُهُ أَبَدًا حَتَّى تُعْذِرَ فِيهِ. لَئِنْ فَعَلْتَ هَذَا لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَأْتِي بِابْنِهِ حَتَّى يَذْبَحَهُ، فَمَا بَقَاءُ النَّاسِ عَلَى هَذَا! وَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

_ [1] وَقد عرض الآلوسي فِي كِتَابه بُلُوغ الأرب فِي أَحْوَال الْعَرَب (ج 3 ص 70- 75) للْكَلَام على القداح بإسهاب وتفصيل فَارْجِع إِلَيْهِ. [2] الظَّاهِر أَنه يُرِيد أَن عبد الله كَانَ أَصْغَر ولد أَبِيه حِين أَرَادَ نَحره، أَو لَعَلَّ الرِّوَايَة «أَصْغَر بنى أمه» . وَإِلَّا فالمعروف أَن حَمْزَة كَانَ أَصْغَر من عبد الله، وَالْعَبَّاس كَانَ أَصْغَر من حَمْزَة، وَقد ذكر عَن الْعَبَّاس رضى الله عَنهُ أَنه قَالَ: أذكر مولد رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنا ابْن ثَلَاثَة أَعْوَام أَو نَحْوهَا، فجيء بى حَتَّى نظرت إِلَيْهِ، وَجعل النسْوَة يقلن لي: قبل أَخَاك، قبل أَخَاك، فقبلته. وَفِي هَذَا دَلِيل على أَن عبد الله لَيْسَ أَصْغَر أَوْلَاد عبد الْمطلب. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [3] وَهَذَا الرأى- رأى ابْن هِشَام- هُوَ الْأَصَح، فقد ذكر الزبيريون أَن «عبدا» . هُوَ أَخُو عَائِذ ابْن عمرَان، وَأَن بنت عبد هِيَ صَخْرَة امْرَأَة عَمْرو بن عَائِذ، على قَول ابْن إِسْحَاق، إِن عَائِذ: هُوَ ابْن عبد، تكون صَخْرَة عمَّة لعائذ، وعَلى قَول ابْن هِشَام بنت عَمه. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [4] أشوى: أبقى، يُقَال: أشويت من الطَّعَام: إِذا أبقيت.

(عرافة الحجاز وما أشارت به أم عبد المطلب) :

ابْن عَمْرِو [1] بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنَ أُخْتِ الْقَوْمِ: وَاَللَّهِ لَا تَذْبَحُهُ أَبَدًا حَتَّى تُعْذِرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ فِدَاؤُهُ بِأَمْوَالِنَا فَدَيْنَاهُ. وَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ وَبَنُوهُ: لَا تَفْعَلْ، وَانْطَلِقْ بِهِ إلَى الْحِجَازِ، فَإِنَّ بِهِ عَرَّافَةً [2] لَهَا تَابِعٌ، فَسَلْهَا، ثُمَّ أَنْتَ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكَ، إنْ أَمَرَتْكَ بِذَبْحِهِ ذَبَحْتَهُ، وإنْ أَمَرَتْكَ بِأَمْرٍ لَكَ وَلَهُ فِيهِ فَرَجٌ قَبِلْتُهُ. (عَرَّافَةُ الْحِجَازِ وَمَا أشارت بِهِ أم عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) : فَانْطَلَقُوا حَتَّى قدمُوا الْمَدِينَة، فوجودها- فِيمَا يَزْعُمُونَ- بِخَيْبَرِ. فَرَكِبُوا حَتَّى جَاءُوهَا، فَسَأَلُوهَا، وَقَصَّ عَلَيْهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ خَبَرَهُ وَخَبَرَ ابْنِهِ، وَمَا أَرَادَ بِهِ وَنَذْرَهُ فِيهِ، فَقَالَتْ لَهُمْ: ارْجِعُوا عَنِّي الْيَوْمَ حَتَّى يَأْتِيَنِي تَابِعِي فَأَسْأَلُهُ. فَرَجَعُوا مِنْ عِنْدِهَا، فَلَمَّا خَرَجُوا عَنْهَا، قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ، ثُمَّ غَدَوْا عَلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ: قَدْ جَاءَنِي الْخَبَرُ، كَمْ الدِّيَةُ فِيكُمْ؟ قَالُوا: عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَكَانَتْ كَذَلِكَ [3] . قَالَتْ: فَارْجِعُوا إلَى بِلَادِكُمْ، ثُمَّ قَرِّبُوا صَاحِبَكُمْ، وَقَرِّبُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، ثُمَّ اضْرِبُوا عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ بِالْقِدَاحِ [4] ، فَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى صَاحِبِكُمْ فَزِيدُوا مِنْ الْإِبِلِ حَتَّى يَرْضَى رَبُّكُمْ، وَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى الْإِبِلِ فَانْحَرُوهَا عَنْهُ، فَقَدْ رَضِيَ رَبُّكُمْ، وَنَجَا صَاحِبُكُمْ. (نَجَاةُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ الذَّبْحِ) : فَخَرَجُوا حَتَّى قَدِمُوا مَكَّةَ، فَلَمَّا أَجَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْأَمْرِ، قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ، ثُمَّ قَرَّبُوا عَبْدَ اللَّهِ وَعَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ قَائِمٌ عِنْدَ هُبَلَ يَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ عِشْرِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ ضَرَبُوا

_ [1] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول وَابْن الْأَثِير ووفى أوالطبري: «عمر» [2] يُقَال إِن اسْم هَذِه العرافة: قُطْبَة. وَقيل: بل اسْمهَا: سجَاح. [3] من هُنَا ترى أَن الدِّيَة كَانَت عِنْدهم عشرَة من الْإِبِل، وَيكون عبد الله- على هَذَا- هُوَ أول من جعلهَا مائَة من الْإِبِل. وَالْمَعْرُوف أَن أول من ودى بِالْإِبِلِ من الْعَرَب زيد بن بكر بن هوَازن حِين قَتله أَخُوهُ مُعَاوِيَة جد بنى عَامر بن صعصعة. (عَن الرَّوْض الْأنف، وَكتاب الْأَوَائِل لأبى هِلَال العسكري) . [4] فِي ر: «الْقدح» .

ذكر المرأة المتعرضة لنكاح عبد الله بن عبد المطلب

فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ ثَلَاثِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ، ثُمَّ ضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ أَرْبَعِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ، ثُمَّ ضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ خَمْسِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ، ثُمَّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ؛ فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ سِتِّينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ، ثُمَّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ سَبْعِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ، ثُمَّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ ثَمَانِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ، ثُمَّ ضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ تِسْعِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ، ثُمَّ ضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فبلغت الْإِبِل مائَة، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ، ثُمَّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ حَضَرَ: قَدْ انْتَهَى رِضَا رَبِّكَ يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ فَزَعَمُوا أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ حَتَّى أَضْرِبَ عَلَيْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَضَرَبُوا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَعَلَى الْإِبِلِ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ، ثُمَّ عَادُوا الثَّانِيَةَ، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ قَائِمٌ يَدْعُو اللَّهَ، فَضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ، ثُمَّ عَادُوا الثَّالِثَةَ، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ قَائِمٌ يَدْعُو اللَّهَ، فَضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ، فَنُحِرَتْ، ثُمَّ تُرِكَتْ لَا يُصَدُّ عَنْهَا إنْسَانٌ وَلَا يُمْنَعُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: إنْسَانٌ وَلَا سَبُعٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَيْنَ أَضْعَافِ هَذَا الْحَدِيثِ رَجَزٌ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ. ذِكْرُ الْمَرْأَةِ الْمُتَعَرِّضَةِ لِنِكَاحِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (رَفْضُ عَبْدِ اللَّهِ طَلَبَ الْمَرْأَةِ الَّتِي عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ انْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ آخِذًا بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ، فَمَرَّ بِهِ- فِيمَا

(زواج عبد الله من آمنة بنت وهب) :

يَزْعُمُونَ- عَلَى امْرَأَةٍ [1] مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ، وَهِيَ أُخْتُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَهِيَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَقَالَتْ لَهُ حِينَ نَظَرَتْ إلَى وَجْهِهِ: أَيْنَ تَذْهَبُ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَعَ أَبِي، قَالَتْ: لَكَ مِثْلُ الْإِبِلِ الَّتِي نُحِرَتْ عَنْكَ، وَقَعْ عَلَيَّ الْآنَ، قَالَ: أَنَا مَعَ أَبِي، وَلَا أَسْتَطِيعُ خِلَافَهُ، وَلَا فِرَاقَهُ. (زَوَاجُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ) : فَخَرَجَ بِهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أَتَى بِهِ وَهْبَ بْنَ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ ابْن مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ بَنِي زُهْرَةَ نَسَبًا وَشَرَفًا، فَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ أَفَضْلُ امْرَأَةٍ فِي قُرَيْشٍ نَسَبًا وَمَوْضِعًا. (أُمَّهَاتُ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ) : وَهِيَ لِبَرَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ ابْن كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ. وَبَرَّةَ: لِأُمِّ حَبِيبِ بِنْتِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْن قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ. وَأُمُّ حَبِيبٍ لِبَرَّةَ بِنْتِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ. (مَا جَرَى بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَالْمَرْأَةِ الْمُتَعَرِّضَةِ لَهُ بَعْدَ بِنَائِهِ بِآمِنَةَ) : فَزَعَمُوا أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا حِينَ أُمْلِكَهَا [2] مَكَانَهُ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا، فَأَتَى الْمَرْأَةَ الَّتِي عَرَضَتْ عَلَيْهِ مَا عَرَضَتْ

_ [1] وَاسم هَذِه الْمَرْأَة: رقية بنت نَوْفَل، وتكنى: أم قتال. وَيُقَال إِن عبد الله قَالَ حِين ذَاك: أما الْحَرَام فالحمام دونه ... والحل لَا حل فأستبينه فَكيف بِالْأَمر الّذي تبغينه ... يحمى الْكَرِيم عرضه وَدينه كَمَا يُقَال: إِن الْمَرْأَة الَّتِي مر عَلَيْهَا عبد الله مَعَ أَبِيه اسْمهَا فَاطِمَة بنت مر، وَكَانَت من أجمل النِّسَاء وأعفهن، وَكَانَت قَرَأت نور النُّبُوَّة فِي وَجهه، فدعته إِلَى نِكَاحهَا فَأبى. فَلَمَّا أَبى قَالَت أبياتا مِنْهَا: إِنِّي رَأَيْت مخيلة نشأت ... فتلألأت بحناتم الْقطر للَّه مَا زهرية سلبت ... مِنْك الّذي استلبت وَمَا تَدْرِي وَيُقَال: إِن الَّتِي عرضت نَفسهَا عَلَيْهِ هِيَ ليلى العدوية. (رَاجع الرَّوْض الْأنف، وَشرح السِّيرَة) . [2] أملك الْمَرْأَة (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول) : تزَوجهَا.

ذكر ما قيل لآمنة عند حملها برسول الله صلى الله عليه وسلم

فَقَالَ لَهَا: مَا لَكَ لَا تَعْرِضِينَ عَلَيَّ الْيَوْمَ مَا كُنْتِ عَرَضْتِ عَلَيَّ بِالْأَمْسِ؟ قَالَتْ لَهُ: فَارَقَكَ النُّورُ الَّذِي كَانَ مَعَكَ بِالْأَمْسِ، فَلَيْسَ (لِي) [1] بِكَ الْيَوْمَ حَاجَةٌ. وَقَدْ كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْ أَخِيهَا وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ- وَكَانَ قَدْ تَنَصَّرَ وَاتَّبَعَ الْكُتُبَ: أَنَّهُ سَيَكُونُ [2] فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ نَبِيٌّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ [3] أَنَّهُ حُدِّثَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى امْرَأَةٍ كَانَتْ لَهُ مَعَ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، وَقَدْ عَمِلَ فِي طِينٍ لَهُ، وَبَهْ آثَارٌ مِنْ الطِّينِ، فَدَعَاهَا إلَى نَفْسِهِ، فَأَبْطَأَتْ عَلَيْهِ لِمَا رَأَتْ بِهِ مِنْ أَثَرِ الطِّينِ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا فَتَوَضَّأَ وَغَسَلَ مَا كَانَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ الطِّينِ، ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إلَى آمِنَةَ، فَمَرَّ بِهَا، فَدَعَتْهُ إلَى نَفْسِهَا، فَأَبَى عَلَيْهَا، وَعَمَدَ إلَى آمِنَةَ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَأَصَابَهَا، فَحَمَلَتْ بِمُحَمِّدِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ مَرَّ بِامْرَأَتِهِ تِلْكَ، فَقَالَ لَهَا: هَلْ لَكَ؟ قَالَتْ: لَا، مَرَرْتَ بِي وَبَيْنَ عَيْنَيْكَ غُرَّةٌ بَيْضَاءُ، فَدَعَوْتُكَ فَأَبَيْتَ عَلَيَّ، وَدَخَلْتَ عَلَى آمِنَةَ فَذَهَبَتْ بِهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمُوا أَنَّ امْرَأَتَهُ تِلْكَ كَانَتْ تُحَدِّثُ: أَنَّهُ مَرَّ بِهَا وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ غُرَّةٌ مِثْلُ غُرَّةِ الْفَرَسِ، قَالَتْ: فَدَعَوْتُهُ رَجَاءَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ بِي، فَأَبَى عَلَيَّ، وَدَخَلَ عَلَى آمِنَةَ، فَأَصَابَهَا، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْسَطَ قَوْمِهِ نَسَبًا، وَأَعْظَمَهُمْ شَرَفًا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذِكْرُ مَا قِيلَ لِآمِنَةَ عِنْدَ حَمْلِهَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَزْعُمُونَ- فِيمَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تُحَدِّثُ:

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «كَائِن» . [3] رأى مُعَاوِيَة، وروى عَن عُرْوَة ومقسم وَغَيرهمَا، وَعنهُ- غير وَلَده مُحَمَّد- يَعْقُوب بن مُحَمَّد بن طحلاء. وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: هُوَ أوثق من ابْنه. (عَن تراجم رجال) .

(موت عبد الله) :

أَنَّهَا أُتِيَتْ، حِينَ حَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهَا: إنَّكَ قَدْ حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَإِذَا وَقَعَ إلَى الْأَرْضِ فَقُولِي: أُعِيذُهُ بِالْوَاحِدِ، مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ، ثُمَّ سَمِّيهِ [1] مُحَمَّدًا. وَرَأَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ رَأَتْ بِهِ قُصُورَ بُصْرَى، مِنْ أَرْضِ الشَّامِ. (مَوْتُ عَبْدِ اللَّهِ) : ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [2] ، أَبُو رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ هَلَكَ، وَأُمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَامِلٌ بِهِ [3] . وِلَادَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضَاعَتُهُ (رَأَى ابْنُ إسْحَاقَ مَوْلِدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وُلِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، عَامَ الْفِيلِ [4]

_ [1] لَا يعرف فِي الْعَرَب من تسمى بِهَذَا الِاسْم قبله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا ثَلَاثَة، طمع آباؤهم حِين سمعُوا بِذكر مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبقرب زَمَانه وَأَنه يبْعَث فِي الْحجاز، أَن يكون ولدا لَهُم. وهم: مُحَمَّد ابْن سُفْيَان بن مجاشع، جد جد الفرزدق الشَّاعِر، وَالْآخر: مُحَمَّد بن أحيحة بن الجلاح بن الْحَرِيش بن جحجبى بن كلفة بن عَوْف بن عَمْرو بن عَوْف بن مَالك بن الْأَوْس، وَالْآخر مُحَمَّد بن حمْرَان بن ربيعَة. وَكَانَ آبَاء هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة قد وفدوا على بعض الْمُلُوك، وَكَانَ عِنْده علم من الْكتاب الأول فَأخْبرهُم بمبعث النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وباسمه، وَكَانَ كل وَاحِد مِنْهُم قد خلف امْرَأَته حَامِلا. فَنَذر كل وَاحِد مِنْهُم إِن ولد لَهُ ولد ذكر أَن يُسَمِّيه مُحَمَّدًا، فَفَعَلُوا ذَلِك. (رَاجع الْفُصُول لِابْنِ فورك، وَالرَّوْض الْأنف) . [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد بن عبد الْملك بن هِشَام. قَالَ حَدثنَا زِيَاد بن عبد الله البكائي عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق المطلبي قَالَ ... إِلَخ» . [3] أَكثر الْعلمَاء على أَن عبد الله مَاتَ وَرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المهد، ابْن شَهْرَيْن أَو أَكثر من ذَلِك. وَقيل: بل مَاتَ عبد الله عِنْد أَخْوَاله بنى النجار وَرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْن ثَمَان وَعشْرين شهرا. وَيُقَال إِنَّه دفن فِي دَار النَّابِغَة فِي الدَّار الصُّغْرَى، إِذا دخلت الدَّار على يسارك فِي الْبَيْت. (رَاجع الطَّبَرِيّ وَالرَّوْض الْأنف) . [4] اخْتلف فِي مولده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذكر أَنه كَانَ فِي ربيع الأول، وَهُوَ الْمَعْرُوف. وَقَالَ الزبير: كَانَ مولده فِي رَمَضَان. وَهَذَا القَوْل مُوَافق لقَوْل من قَالَ: إِن أمه حملت بِهِ فِي أَيَّام التَّشْرِيق. ويذكرون أَن الْفِيل جَاءَ مَكَّة فِي الْمحرم، وَأَنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولد بعد مَجِيء الْفِيل بِخَمْسِينَ يَوْمًا. وَكَانَت وِلَادَته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشعبِ، وَقيل بِالدَّار الَّتِي عِنْد الصَّفَا، وَكَانَت بعد لمُحَمد بن يُوسُف أخى الْحجَّاج

(رواية قيس بن مخرمة عن مولده صلى الله عليه وسلم) :

(رِوَايَةُ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ مَوْلِدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: وَلَدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ، فَنَحْنُ لِدَانِ [1] . (رِوَايَةُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ مَوْلِدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ [2] إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيِّ. قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ شِئْتُ مِنْ رِجَالِ قَوْمِي عَنْ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: وَاَللَّهِ إنِّي لَغُلَامٌ [3] يَفَعَةٌ، ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ، أَعْقِلُ كُلَّ مَا سَمِعْتُ، إذْ سَمِعْتُ يَهُودِيًّا يَصْرُخُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ عَلَى أَطَمَةٍ [4] بِيَثْرِبَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودِ، حَتَّى إذَا اجْتَمَعُوا إلَيْهِ، قَالُوا لَهُ: وَيلك مَالك؟ قَالَ: طَلَعَ اللَّيْلَةَ نَجْمُ أَحْمَدِ الَّذِي وُلِدَ بِهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ: فَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، فَقُلْتُ: ابْنُ كَمْ كَانَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ مَقْدَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ؟ فَقَالَ: ابْنُ سِتِّينَ (سَنَةً) [5] ، وَقَدِمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، فَسَمِعَ حَسَّانُ مَا سَمِعَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ. (إعْلَامُ أُمِّهِ جَدَّهُ بِوِلَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا وَضَعَتْهُ أُمُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرْسَلَتْ إلَى جَدِّهِ

_ [ () ] ثمَّ بنتهَا زبيدة مَسْجِدا حِين حجت. (رَاجع الرَّوْض الْأنف والطبقات الْكُبْرَى لِابْنِ سعد والطبري) . [1] كَذَا فِي أ. ولدان: مثنى لِدَة. واللدة: الترب، وَالْهَاء فِيهِ عوض عَن الْوَاو الذاهبة من أَوله، لِأَنَّهُ من الْولادَة. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «لدتان» . وَلم تذكره كتب اللُّغَة بِدُونِ تَاء. [2] هُوَ صَالح بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بن عمرَان الزُّهْرِيّ الْمدنِي، روى عَن أَبِيه وَأنس ومحمود بن لبيد والأعرج وَغَيرهم. وَعنهُ- غير ابْن إِسْحَاق- ابْنه سَالم وَالزهْرِيّ وَيُونُس بن يَعْقُوب الْمَاجشون وَجَمَاعَة. مَاتَ بِالْمَدِينَةِ فِي خلَافَة هِشَام بن عبد الْملك. (عَن تراجم رجال) . [3] غُلَام يفعة: قوى قد طَال قده، مَأْخُوذ من اليفاع، وَهُوَ العالي من الأَرْض. [4] الأطمة (بِفتْحَتَيْنِ) : الْحصن. [5] زِيَادَة عَن أ.

(فرح جده به صلى الله عليه وسلم، والتماسه له المراضع) :

عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَنَّهُ قَدْ وُلِدَ لَكَ غُلَامٌ، فَأْتِهِ فَانْظُرْ إلَيْهِ، فَأَتَاهُ فَنَظَرَ إلَيْهِ، وَحَدَّثَتْهُ بِمَا رَأَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ، وَمَا قِيلَ لَهَا فِيهِ، وَمَا أُمِرَتْ بِهِ أَنْ تُسَمِّيَهُ. (فَرَحُ جَدِّهِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْتِمَاسُهُ لَهُ الْمَرَاضِعَ) : فَيَزْعُمُونَ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ أَخَذَهُ، فَدَخَلَ بِهِ الْكَعْبَةَ، فَقَامَ يَدْعُو اللَّهَ، وَيَشْكُرُ لَهُ مَا أَعْطَاهُ، ثُمَّ خَرَجَ بِهِ إلَى أُمِّهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهَا [1] . وَالْتَمَسَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّضَعَاءَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمَرَاضِعُ. وَفَى كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي قِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ 28: 12 [2] . (نَسَبُ حَلِيمَةَ، وَنَسَبُ أَبِيهَا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَاسْتَرْضَعَ لَهُ [3] امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، يُقَالُ لَهَا: حَلِيمَةُ ابْنَةُ أَبِي ذُؤَيْبٍ. وَأَبُو ذُؤَيْبٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنُ شِجْنَةَ بْنِ جَابِرِ بْنِ رِزَامِ بْنِ نَاصِرَةَ بْنِ فُصَيَّةَ [4] بْنِ نَصْرِ [5] بْنِ سَعْدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيَلَانَ.

_ [1] وَفِي رِوَايَة أُخْرَى أَن عبد الْمطلب عوذة بِشعر مِنْهُ: الْحَمد للَّه الّذي أعطانى ... هَذَا الْغُلَام الطّيب الأردان قد سَاد فِي المهد على الغلمان ... أُعِيذهُ بِالْبَيْتِ ذِي الْأَركان (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [2] الْمَعْرُوف أَن المراضع: جمع مرضع. وعَلى هَذَا تخرج رِوَايَة ابْن إِسْحَاق على أحد وَجْهَيْن، أَحدهمَا: حذف الْمُضَاف، كَأَنَّهُ قَالَ: ذَوَات الرضعاء. وَالثَّانِي: أَن يكون أَرَادَ بالرضعاء: الْأَطْفَال على حَقِيقَة اللَّفْظ، لأَنهم إِذا وجدوا لَهُ مُرْضِعَة ترْضِعه، فقد وجدوا لَهُ رضيعا يرضع مَعَه. فَلَا يبعد أَن يُقَال: التمسوا لَهُ رضيعا، علما بِأَن الرَّضِيع لَا بُد لَهُ من مرضع. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [3] كَذَا فِي أ. واسترضعت الْمَرْأَة ولدى: طلبت مِنْهَا أَن ترْضِعه. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «واسترضع لَهُ من امْرَأَة» . [4] فِي الْأُصُول: «قصية» بِالْقَافِ. وَهُوَ تَصْحِيف. (رَاجع الرَّوْض الْأنف، وَشرح السِّيرَة، والطبقات) . [5] فِي الطَّبَرِيّ هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي فِي نسب الْحَارِث: «قصية بن سعد» . بِإِسْقَاط «نصر» .

(نسب أبيه صلى الله عليه وسلم في الرضاع) :

(نَسَبُ أَبِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّضَاعِ) : وَاسْمُ أَبِيهِ الَّذِي أَرْضَعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رِفَاعَةَ ابْن مَلَّانَ بْنِ نَاصِرَةَ بْنِ فُصَيَّةَ [1] بْنِ نَصْرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ [2] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: هِلَالُ بْنُ نَاصِرَةَ. (إخْوَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الرَّضَاعِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِخْوَتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، وَأُنَيْسَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَحُذَافَةُ [3] بِنْتُ الْحَارِثِ، وَهِيَ الشَّيْمَاءُ [4] ، غَلَبَ ذَلِكَ عَلَى اسْمِهَا فَلَا تُعْرَفُ فِي قَوْمِهَا إلَّا بِهِ. وَهُمْ لِحَلِيمَةِ بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ، عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، أُمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيَذْكُرُونَ أَنَّ الشَّيْمَاءَ كَانَتْ تَحْضُنُهُ مَعَ أُمِّهَا [5] إذَا كَانَ عِنْدَهُمْ [6] .

_ [1] كَذَا فِي م هُنَا. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قصية» بِالْقَافِ. وَهُوَ تَصْحِيف. [2] وَيُقَال إِن الْحَارِث قدم على رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة حِين أنزل عَلَيْهِ الْقُرْآن، فَقَالَت لَهُ قُرَيْش: أَلا تسمع يَا حَار مَا يَقُول ابْنك هَذَا؟ فَقَالَ: وَمَا يَقُول؟ قَالُوا: يزْعم أَن الله يبْعَث النَّاس بعد الْمَوْت وَأَن للَّه دارين يعذب فيهمَا من عَصَاهُ، وَيكرم من أطاعه، فقد شتت أمرنَا وَفرق جماعتنا، فَأَتَاهُ فَقَالَ: أَي بنى، مَالك ولقومك يشكونك، ويزعمون أَنَّك تَقول: إِن النَّاس يبعثون بعد الْمَوْت، ثمَّ يصيرون إِلَى جنَّة ونار، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنا أزعم ذَلِك، وَلَو قد كَانَ ذَلِك الْيَوْم يَا أَبَت لقد أخذت بِيَدِك حَتَّى أعرفك حَدِيثك الْيَوْم. فَأسلم الْحَارِث بعد ذَلِك وَحسن إِسْلَامه، وَكَانَ يَقُول حِين أسلم: لَو قد أَخذ ابْني بيَدي فعرفني مَا قَالَ لم يُرْسِلنِي إِن شَاءَ الله حَتَّى يدخلني الْجنَّة. (رَاجع الرَّوْض الْأنف، وَشرح الْمَوَاهِب، والإصابة) . [3] فِي الْإِصَابَة: «خذامة» ، وَهِي بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة، كَمَا نبه على ذَلِك السهيليّ وَأَبُو ذَر، وَقد ذكر السهيليّ وَأَبُو ذَر وَابْن حجر مَا أَثْبَتْنَاهُ رِوَايَة أُخْرَى، وَانْفَرَدَ أَبُو ذَر بالتنبيه على أَنه هُوَ الصَّوَاب. وَفِي أوالطبري: والطبقات «جدامة» ، وَبهَا جزم ابْن سعد فِي الطَّبَقَات على أَنَّهَا «جدامة» بِالْجِيم وَالدَّال الْمُهْملَة. [4] وَيُقَال إِنَّهَا: «الشماء» بلاياء (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) . [5] كَذَا فِي الطَّبَرِيّ. وَفِي الْأُصُول: «أمه» . [6] وَيُقَال: إِن أول من أَرْضَعَتْه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثويبة، أَرْضَعَتْه بِلَبن ابْن لَهَا يُقَال لَهُ: ممزوج، أَيَّامًا، قبل أَن تقدم حليمة. وَكَانَت قد أرضعت قبله حَمْزَة بن عبد الْمطلب المَخْزُومِي. كَمَا أرضعت عبد الله بن جحش، وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعرف ذَلِك لثويبة، ويصلها من الْمَدِينَة. فَلَمَّا افْتتح مَكَّة سَأَلَ عَنْهَا وَعَن ابْنهَا مسروح، فَأخْبر أَنَّهُمَا مَاتَا، وَسَأَلَ عَن قرابتهما، فَلم يجد أحدا مِنْهُم حَيا وَكَانَت 11- سيرة ابْن هِشَام- 1

(حديث حليمة عما رأته من الخير بعد تسلمها له صلى الله عليه وسلم) :

(حَدِيثُ حَلِيمَةَ عَمَّا رَأَتْهُ مِنْ الْخَيْرِ بَعْدَ تَسَلُّمِهَا لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي جَهْمُ بْنُ أَبِي جَهْمٍ مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبِ الْجُمَحِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. أَوْ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ حَلِيمَةُ بِنْتُ أَبِي ذُؤَيْبٍ السَّعْدِيَّةُ. أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ، تُحَدِّثُ: أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ بَلَدِهَا مَعَ زَوْجِهَا، وَابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ [1] تُرْضِعُهُ فِي نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، تَلْتَمِسُ الرُّضَعَاءَ، قَالَتْ: وَذَلِكَ فِي سَنَةٍ [2] شَهْبَاءَ، لَمْ تُبْقِ لَنَا شَيْئًا. قَالَتْ: فَخَرَجَتْ عَلَى أَتَانٍ لِي قَمْرَاءَ [3] ، مَعَنَا شَارِفٌ [4] لَنَا، وَالله مَا نبض [5] بِقَطْرَةٍ، وَمَا نَنَامُ لَيْلَنَا أَجْمَعَ مِنْ صَبِيِّنَا الَّذِي مَعَنَا، مِنْ بُكَائِهِ مِنْ الْجَوْعِ، مَا فِي ثَدْيَيَّ مَا يُغْنِيهِ، وَمَا فِي شَارِفِنَا مَا يُغَدِّيهِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: يُغَذِّيهِ [6]- وَلَكِنَّا كُنَّا نَرْجُو الْغَيْثَ وَالْفَرَجَ فَخَرَجْتُ عَلَى أَتَانِي تِلْكَ فَلَقَدْ أَدَمْتُ [7] بِالرَّكْبِ حَتَّى شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ضَعْفًا وَعَجَفًا [8] ، حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ نَلْتَمِسُ [9] الرُّضَعَاءَ، فَمَا مِنَّا امْرَأَةٌ إلَّا وَقَدْ عُرِضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

_ [ () ] ثويبة جَارِيَة لأبى لَهب. كَمَا يُقَال: إِنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رضع أَيْضا من غير هَاتين. (رَاجع الطَّبَرِيّ وَالرَّوْض الْأنف، والاستيعاب، وَشرح الْمَوَاهِب) . [1] يُقَال: إِن اسْمه عبد الله بن الْحَارِث. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب والمعارف والطبقات) . [2] كَذَا فِي الطَّبَرِيّ. وَفِي أ: «وَفِي سنة ... إِلَخ» . وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وَهِي فِي سنة ... إِلَخ» [3] القمرة (بِالضَّمِّ) : لون إِلَى الخضرة، أَو بَيَاض فِيهِ كدرة. يُقَال: حمَار أقمر، وأتان قَمْرَاء. [4] الشارف: النَّاقة المسنة. [5] مَا تبض: مَا ترشح بِشَيْء. [6] وَمَا ذكره ابْن هِشَام أتم فِي الْمَعْنى من الِاقْتِصَار على ذكر الْغَدَاء دون الْعشَاء. ويروى: «مَا يعذبه» أَي مَا يقنعه حَتَّى يرفع رَأسه وَيَنْقَطِع عَن الرَّضَاع. [7] كَذَا فِي أ. وَلَقَد شرحها أَبُو ذَر فَقَالَ: فَلَقَد أدمت بالركب، أَي أطلت عَلَيْهِم الْمسَافَة لتمهلهم عَلَيْهَا، مَأْخُوذ من الشَّيْء الدَّائِم. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أذمت» . وأذمت الركاب: أعيت وَتَخَلَّفت عَن جمَاعَة الْإِبِل، وَلم تلْحق بهَا. يُرِيد أَنَّهَا تَأَخَّرت بالركب، أَي تَأَخّر الركب بِسَبَبِهَا. [8] العجف: الهزال. [9] يذكرُونَ فِي دفع قُرَيْش وَغَيرهم من أَشْرَاف الْعَرَب أَوْلَادهم إِلَى المراضع أسبابا، أَحدهَا: تَفْرِيغ النِّسَاء إِلَى الْأزْوَاج، كَمَا قَالَ عمار بن يَاسر لأم سَلمَة رضى الله عَنْهَا، وَكَانَ أخاها من الرضَاعَة، حِين انتزع من حجرها زَيْنَب بنت أَبى سَلمَة، فَقَالَ: دعِي هَذِه المقبوحة المشقوحة الَّتِي آذيت بهَا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَأْبَاهُ، إذَا قِيلَ لَهَا إنَّهُ يَتِيمٌ، وَذَلِكَ أَنَّا إنَّمَا كُنَّا نَرْجُو الْمَعْرُوفَ مِنْ أَبِي الصَّبِيِّ، فَكُنَّا نَقُولُ: يَتِيمٌ! وَمَا عَسَى أَنْ تَصْنَعَ أُمُّهُ وَجَدُّهُ! فَكُنَّا نَكْرَهُهُ لِذَلِكَ، فَمَا بَقِيَتْ امْرَأَةٌ قَدِمَتْ مَعِي إلَّا أَخَذَتْ رَضِيعًا غَيْرِي، فَلَمَّا أَجْمَعْنَا الِانْطِلَاقَ قُلْتُ لِصَاحِبِي: وَاَللَّهِ إنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ أَرْجِعَ مِنْ بَيْنِ صَوَاحِبِي وَلَمْ آخُذْ رَضِيعًا، وَاَللَّهِ لَأَذْهَبَنَّ إلَى ذَلِكَ الْيَتِيمِ فَلَآخُذَنَّهُ، قَالَ: لَا عَلَيْكِ أَنْ تَفْعَلِي، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا فِيهِ بَرَكَةً. قَالَتْ [1] : فَذَهَبْتُ إلَيْهِ فَأَخَذْتُهُ، وَمَا حَمَلَنِي عَلَى أَخْذِهِ إلَّا أَنِّي لَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ. قَالَتْ: فَلَمَّا أَخَذْتُهُ، رَجَعْتُ بِهِ إلَى رَحْلِي، فَلَمَّا وَضَعْتُهُ فِي حِجْرِي [2] أَقَبْلَ عَلَيْهِ ثَدْيَايَ بِمَا شَاءَ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ، وَشَرِبَ مَعَهُ أَخُوهُ حَتَّى رَوِيَ [3] ، ثُمَّ نَامَا، وَمَا كُنَّا نَنَامُ مَعَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَامَ زَوْجِي إلَى شَارِفِنَا تِلْكَ، فَإِذَا إنَّهَا لَحَافِلٌ، فَحَلَبَ مِنْهَا مَا شَرِبَ، وَشَرِبْتُ مَعَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا رِيًّا وَشِبَعًا، فَبِتْنَا بِخَيْرِ لَيْلَةٍ. قَالَتْ: يَقُولُ صَاحِبِي حِينَ أَصْبَحْنَا: تَعَلَّمِي [4] وَاَللَّهِ يَا حَلِيمَةُ، لَقَدْ أَخَذْتُ نَسَمَةً مُبَارَكَةً، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو ذَلِكَ. قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجْنَا وَرَكِبْتُ (أَنَا) [5] أَتَانِي، وَحَمَلْتُهُ عَلَيْهَا معى، فو الله لَقَطَعَتْ بِالرَّكْبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا [6]

_ [ () ] وَقد يكون ذَلِك مِنْهُم لينشأ الطِّفْل فِي الْأَعْرَاب، فَيكون أفْصح لِسَانا، وَأجْلَد لجسمه وأجدر أَلا يُفَارق الْهَيْئَة المعدية، كَمَا قَالَ عمر رضى الله عَنهُ: تمعددوا تمعززوا وَاخْشَوْشنُوا. وَلَقَد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لأبى بكر رضى الله عَنهُ حِين قَالَ لَهُ: مَا رَأَيْت أفْصح مِنْك يَا رَسُول الله؟ فَقَالَ: وَمَا يَمْنعنِي وَأَنا من قُرَيْش وأرضعت فِي بنى سعد. فَهَذَا وَنَحْوه كَانَ يحملهم على دفع الرضعاء إِلَى المرضعات الأعرابيات. وَقد ذكر أَن عبد الْملك بن مَرْوَان كَانَ يَقُول: أضربنا حب الْوَلِيد. لِأَن الْوَلِيد كَانَ لحانا وَكَانَ سُلَيْمَان فصيحا، لِأَن الْوَلِيد أَقَامَ مَعَ أمه، وَسليمَان وَغَيره من إخْوَته سكنوا الْبَادِيَة فتعربوا، ثمَّ أدبوا فتأدبوا. (رَاجع الرَّوْض الْأنف، وَشرح الْمَوَاهِب) . [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ» وَلَعَلَّ تذكير الْفِعْل على معنى الشَّخْص. [2] وَيُقَال: إِن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يقبل إِلَّا على ثدي وَاحِد، وَكَانَ يعرض عَلَيْهِ الثدي الآخر فيأباه، كَأَنَّهُ قد أشعر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن مَعَه شَرِيكا فِي أَلْبَانهَا. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) [3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والطبري. وَفِي أوالروض الْأنف: «رويا» . [4] كَذَا فِي الْأُصُول. يُرِيد: اعلمي. وَفِي الطَّبَرِيّ: «أتعلمين ... إِلَخ» . [5] زِيَادَة عَن أ. [6] فِي: أ «على» .

(حديث الملكين اللذين شقا بطنه صلى الله عليه وسلم) :

شَيْءٌ مِنْ حُمُرِهِمْ، حَتَّى إنَّ صَوَاحِبِي لِيَقُلْنَ لي: يَا بنة أَبِي ذُؤَيْبٍ، وَيْحَكَ! ارْبَعِي [1] عَلَيْنَا، أَلَيْسَتْ هَذِهِ أَتَانَكَ الَّتِي كُنْتُ خَرَجْتُ عَلَيْهَا؟ فَأَقُولُ لَهُنَّ: بَلَى وَاَللَّهِ، إنَّهَا لَهِيَ هِيَ، فَيَقُلْنَ: وَاَللَّهِ إنَّ لَهَا لَشَأْنًا. قَالَتْ: ثُمَّ قَدِمْنَا مَنَازِلَنَا مِنْ بِلَادِ بَنِي سَعْدٍ وَمَا أَعْلَمُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ اللَّهِ أَجْدَبَ مِنْهَا، فَكَانَتْ غَنَمِي تَرُوحُ عَلَيَّ حِينَ قَدِمْنَا بِهِ مَعَنَا شِبَاعًا لُبَّنًا، فَنَحْلُبُ وَنَشْرَبُ، وَمَا يَحْلُبُ إنْسَانٌ قَطْرَةَ لَبَنٍ، وَلَا يَجِدُهَا فِي ضَرْعٍ، حَتَّى كَانَ الْحَاضِرُونَ مِنْ قَوْمِنَا يَقُولُونَ لِرُعْيَانِهِمْ: وَيْلَكُمْ اسْرَحُوا حَيْثُ يَسْرَحُ رَاعِي بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ، فَتَرُوحُ أَغْنَامُهُمْ جِيَاعًا مَا تَبِضُّ بِقَطْرَةِ لَبَنٍ، وَتَرُوحُ غَنَمِي شِبَاعًا لُبَّنًا. فَلَمْ نَزَلْ نَتَعَرَّفُ مِنْ اللَّهِ الزِّيَادَةَ وَالْخَيْرَ [2] حَتَّى مَضَتْ سَنَتَاهُ [3] وَفَصَلْتُهُ، وَكَانَ يَشِبُّ شَبَابًا لَا يَشِبُّهُ الْغِلْمَانُ، فَلَمْ يَبْلُغْ سَنَتَيْهِ حَتَّى كَانَ غُلَامًا جَفْرًا [4] . قَالَتْ: فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى أُمِّهِ وَنَحْنُ أَحْرَصُ شَيْءٍ عَلَى مُكْثِهِ فِينَا، لِمَا كُنَّا نَرَى مِنْ بَرَكَتِهِ. فَكَلَّمْنَا أُمَّهُ وَقُلْتُ لَهَا: لَوْ تَرَكْتُ بُنَيَّ عِنْدِي حَتَّى يَغْلُظَ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ وَبَأَ [5] مَكَّةَ، قَالَتْ: فَلَمْ نَزَلْ بِهَا حَتَّى رَدَّتْهُ مَعَنَا. (حَدِيثُ الْمَلَكَيْنِ اللَّذَيْنِ شَقَّا بَطْنَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَتْ: فرجعنا بِهِ، فو الله إنَّهُ بَعْدَ مَقْدِمِنَا (بِهِ) بِأَشْهُرِ مَعَ أَخِيهِ لَفِي بَهْمٍ [6] لَنَا خَلْفَ بُيُوتِنَا، إذْ أَتَانَا أَخُوهُ يَشْتَدُّ [7] ، فَقَالَ لِي وَلِأَبِيهِ: ذَاكَ أَخِي الْقُرَشِيُّ قَدْ أَخَذَهُ رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، فَأَضْجَعَاهُ، فَشَقَّا بَطْنَهُ، فَهُمَا يَسُوطَانِهِ [8] .

_ [1] اربعى: أقيمى وانتظري. يُقَال: ربع فلَان على فلَان إِذا أَقَامَ عَلَيْهِ وانتظره. وَمِنْه قَول الشَّاعِر: عودي علينا واربعى يَا فاطما [2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «الزِّيَادَة والخيرة» . وَفِي الطَّبَرِيّ: «زِيَادَة الْخَيْر» . [3] فِي الطَّبَرِيّ: «سنتَانِ» . [4] الجفر: الغليظ الشَّديد. [5] الوبأ: يهمز وَيقصر (والوباء) بِالْمدِّ: الطَّاعُون. [6] البهم: الصغار من الْغنم، واحدتها: بهمة. [7] اشْتَدَّ فِي عدوه: أسْرع. [8] يُقَال: سطت اللَّبن أَو الدَّم أَو غَيرهمَا أسوطه: إِذا ضربت بعضه بِبَعْض. وَاسم الْعود الّذي يضْرب بِهِ: السَّوْط.

(رجوع حليمة به صلى الله عليه وسلم إلى أمه) :

قَالَتْ: فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبوهُ نَحوه، فَوَجَدنَا قَائِمًا مُنْتَقَعَا [1] وَجْهُهُ. قَالَتْ: فَالْتَزَمْتُهُ وَالْتَزَمَهُ أَبُوهُ، فَقُلْنَا لَهُ: مَالك يَا بُنَيَّ، قَالَ: جَاءَنِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، فَأَضْجَعَانِي وَشَقَّا بَطْنِي، فَالْتَمِسَا (فِيهِ) شَيْئًا لَا أَدْرِي مَا هُوَ. قَالَتْ: فَرَجَعْنَا (بِهِ) [2] إلَى خِبَائِنَا. (رُجُوعُ حَلِيمَةَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أُمِّهِ) : قَالَتْ: وَقَالَ لِي أَبُوهُ يَا حَلِيمَةُ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْغُلَامُ قَدْ أُصِيبَ فَأَلْحِقِيهِ بِأَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ بِهِ، قَالَتْ: فَاحْتَمَلْنَاهُ، فَقَدِمْنَا بِهِ على أمّه، فَقَالَت: مَا أَقْدَمَكَ بِهِ يَا ظِئْرُ [3] وَقَدْ كُنْتِ حَرِيصَةً عَلَيْهِ، وَعَلَى مُكْثِهِ عِنْدَكَ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ [4] : قَدْ بَلَغَ اللَّهُ بِابْنِي وَقَضَيْتُ الَّذِي عَلَيَّ، وَتَخَوَّفْتُ الْأَحْدَاثَ، عَلَيْهِ، فَأَدَّيْتُهُ إلَيْكَ [5] كَمَا تُحِبِّينَ، قَالَتْ: مَا هَذَا شَأْنُكَ، فَاصْدُقِينِي خَبَرَكَ. قَالَتْ: فَلَمْ تَدَعْنِي حَتَّى أَخْبَرْتُهَا. قَالَتْ: أَفَتَخَوَّفَتْ عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ؟ قَالَتْ: قُلْتُ نَعَمْ، قَالَتْ: كَلَّا، وَاَللَّهِ مَا لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ مِنْ سَبِيلٍ، وَإِنَّ لِبُنَيَّ لَشَأْنًا، أَفَلَا أُخْبِرُكِ خَبَرَهُ، قَالَتْ: (قُلْتُ) [2] بَلَى، قَالَتْ: رَأَيْتُ حِينَ حَمَلْتُ بِهِ، أَنَّهُ خَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَ [6] لِي قُصُورَ بُصْرَى [7] مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، ثُمَّ حملت بِهِ، فو الله مَا رَأَيْتُ مِنْ حَمْلٍ قَطُّ كَانَ أَخَفَّ (عَلَيَّ) [2] وَلَا أَيْسَرَ مِنْهُ، وَوَقَعَ حِينَ وَلَدْتُهُ وَإِنَّهُ لَوَاضِعٌ يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ، رَافِعٌ رَأَسَهُ إلَى السَّمَاءِ، دَعِيهِ عَنْكَ وَانْطَلِقِي رَاشِدَةً.

_ [1] منتقعا وَجهه: أَي متغيرا، يُقَال: انتقع وَجهه وامتقع (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول) : إِذا تغير. [2] زِيَادَة عَن أوالطبري. [3] الظِّئْر (بِالْكَسْرِ) : العاطفة على ولد غَيرهَا الْمُرضعَة لَهُ، فِي النَّاس وَغَيرهم، فَهُوَ أَعم من الْمُرضعَة لِأَنَّهُ يُطلق على الذّكر وَالْأُنْثَى. [4] كَذَا فِي أوالطبري، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فَقلت.. نعم قد بلغ ... إِلَخ» . [5] كَذَا فِي الطَّبَرِيّ وَفِي الْأُصُول «عَلَيْك» . [6] كَذَا فِي أوالطبري. وَفِي سَائِر الْأُصُول «أَضَاء لي بِهِ قُصُور ... إِلَخ» . [7] بصرى (بِالضَّمِّ وَالْقصر) : من أَعمال دمشق بِالشَّام، وَهِي قَصَبَة كورة حوران، مَشْهُورَة عِنْد الْعَرَب قَدِيما وحديثا، وَلَهُم فِيهَا أشعار كَثِيرَة. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .

(تعريفه صلى الله عليه وسلم بنفسه، وقد سئل عن ذلك) :

(تَعْرِيفُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَحَدَّثَنِي ثَوْرُ [1] بْنُ يَزِيدَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا أَحْسَبُهُ إلَّا عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ [2] الْكُلَاعِيِّ: أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إبْرَاهِيمَ [3] ، وَبُشْرَى (أَخِي) [4] عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهَا قُصُورَ الشَّامِ [5] ، وَاسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَبَيْنَا أَنَا مَعَ أَخٍ لِي خَلْفَ بُيُوتِنَا نَرْعَى بَهْمًا لَنَا، إذْ أَتَانِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ ثَلْجًا، ثُمَّ أَخَذَانِي فَشَقَّا بَطْنِي، وَاسْتَخْرَجَا قلبِي فشقّاه، فاستخرجنا مِنْهُ عَلَقَةً سَوْدَاءَ فَطَرَحَاهَا، ثُمَّ غَسَلَا قَلْبِي وَبَطْنِي بِذَلِكَ الثَّلْجِ حَتَّى أَنْقَيَاهُ [6] ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ زِنْهُ بِعَشَرَةِ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتهمْ، ثُمَّ قَالَ: زنه بِمِائَة مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتهمْ، ثُمَّ قَالَ: زَنِّهِ بِأَلْفِ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتهمْ، فَقَالَ: دَعه

_ [1] هُوَ ثَوْر بن يزِيد الكلَاعِي، وَيُقَال الرحبيّ، أَبُو خَالِد الْحِمصِي أحد الْحفاظ الْعلمَاء. روى عَن خَالِد هَذَا وحبِيب بن عبيد وَصَالح بن يحيى وَغَيرهم، وروى عَنهُ ابْن الْمُبَارك وَيحيى الْقطَّان، وَخلق كثير، وَكَانَ يرى الْقدر. وَمَات سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَة، وَهُوَ ابْن بضع وَسِتِّينَ سنة، وَقيل مَاتَ سنة خمس وَخمسين وَمِائَة. (رَاجع تراجم رجال) . [2] هُوَ خَالِد بن معدان بن أَبى كريب الكلَاعِي أَبُو عبد الله الشَّامي الْحِمصِي. روى عَن ثَوْبَان وَابْن عَمْرو وَابْن عمر وَغَيرهم. وروى عَنهُ بجير بن سعيد وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث وَغَيرهمَا. توفى سنة 103، وَقيل سنة 104، وَقيل سنة 108. (رَاجع تَهْذِيب التَّهْذِيب) . [3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والطبري. وَفِي أ: «دَعْوَة إِبْرَاهِيم» . [4] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ. [5] وَتَأْويل هَذَا النُّور مَا فتح الله عَلَيْهِ من تِلْكَ الْبِلَاد حَتَّى كَانَت الْخلَافَة فِيهَا مُدَّة بنى أُميَّة، واستضاءت تِلْكَ الْبِلَاد وَغَيرهَا بنوره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويحكى أَن خَالِد بن سعيد بن العَاصِي رأى قبل الْبَعْث بِيَسِير نورا يخرج من زَمْزَم حَتَّى ظَهرت لَهُ الْبُسْر فِي نخيل يثرب، فَقَصَّهَا على أَخِيه عَمْرو فَقَالَ لَهُ: إِنَّهَا حفيرة عبد الْمطلب وَإِن هَذَا النُّور مِنْهُم. فَكَانَ ذَلِك سَبَب مبادرته إِلَى الْإِسْلَام. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [6] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ: ثمَّ قَالَ ... إِلَخ» .

(هو والأنبياء قبله رعوا الغنم) :

عَنْك، فو الله لَوْ وَزَنْتَهُ بِأُمَّتِهِ لَوَزَنَهَا [1] . (هُوَ وَالْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ رَعَوْا الْغَنَمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا وَقَدْ رَعَى الْغَنَمَ، قِيلَ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَأَنَا» [2] . (اعْتِزَازُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُرَشِيَّتِهِ، وَاسْتِرْضَاعُهُ فِي بَنِي سَعْدٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: أَنَا أَعْرَبُكُمْ، أَنَا قُرَشِيٌّ، وَاسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ. (افْتَقَدَتْهُ حَلِيمَةُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رُجُوعِهَا بِهِ، وَوَجَدَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَعَمَ النَّاسُ فِيمَا يَتَحَدَّثُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّ أُمَّهُ السَّعْدِيَّةَ لَمَّا قَدِمَتْ بِهِ مَكَّةَ أَضَلَّهَا فِي النَّاسِ وَهِيَ مُقْبِلَةٌ بِهِ نَحْوَ أَهْلِهِ، فَالْتَمَسَتْهُ فَلَمْ تَجِدْهُ، فَأَتَتْ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَتْ لَهُ: إنِّي قَدْ قَدِمْتُ بِمُحَمَّدٍ هَذِهِ اللَّيْلَةَ. فَلَمَّا كُنْتُ بِأَعْلَى مكّة أضلّنى، فو الله مَا أَدْرِي أَيْنَ هُوَ، فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ يَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَرُدَّهُ، فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ وَجَدَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدٍ، وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَتَيَا بِهِ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَا لَهُ: هَذَا ابْنُكَ وَجَدْنَاهُ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَأَخَذَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَجَعَلَهُ عَلَى عُنُقِهِ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ يُعَوِّذُهُ وَيَدْعُو لَهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ بِهِ إلَى أُمِّهِ آمِنَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ مِمَّا هَاجَ أُمَّهُ السَّعْدِيَّةَ عَلَى رَدِّهِ إلَى أُمِّهِ، مَعَ مَا ذَكَرَتْ لِأُمِّهِ مِمَّا أَخْبَرَتْهَا عَنْهُ، أَنَّ نَفَرًا مِنْ الْحَبَشَةِ نَصَارَى، رَأَوْهُ مَعَهَا حِينَ رَجَعَتْ بِهِ بَعْدَ فِطَامِهِ، فَنَظَرُوا إلَيْهِ وَسَأَلُوهَا عَنْهُ وَقَلَّبُوهُ، ثُمَّ قَالُوا لَهَا: لَنَأْخُذَنَّ هَذَا الْغُلَامَ، فَلَنَذْهَبَنَّ بِهِ إلَى مَلِكِنَا وَبَلَدِنَا، فَإِنَّ هَذَا غُلَامٌ كَائِنٌ لَهُ شَأْنٌ نَحْنُ نَعْرِفُ أَمْرَهُ، فَزَعَمَ الَّذِي حَدَّثَنِي أَنَّهَا لَمْ تَكَدْ تَنْفَلِتُ بِهِ مِنْهُمْ.

_ [1] وَزَاد الطَّبَرِيّ بعد هَذَا: «قَالَ ثمَّ ضموني إِلَى صدرهم، وقبلوا رَأْسِي وَمَا بَين عَيْني، ثمَّ قَالُوا: يَا حبيب، لم ترع، إِنَّك لَو تَدْرِي مَا يُرَاد بك من الْخَيْر لقرت عَيْنك» . [2] الْمَعْرُوف أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رعى الْغنم فِي بنى سعد مَعَ أَخِيه من الرضَاعَة، وَأَنه رعاها بِمَكَّة أَيْضا على قراريط لأهل مَكَّة. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .

وفاة آمنة وحال رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جده عبد المطلب بعدها

وَفَاةُ آمِنَةَ وَحَالُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بَعْدَهَا (وَفَاةُ آمِنَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أُمِّهِ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ. وَجَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ فِي كَلَاءَةِ اللَّهِ وَحِفْظِهِ، يُنْبِتُهُ اللَّهُ نَبَاتًا حَسَنًا لِمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ، فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّ سِنِينَ، تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمِنَةُ تُوُفِّيَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ سِتِّ سِنِينَ بِالْأَبْوَاءِ، بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، كَانَتْ قَدْ قَدِمَتْ بِهِ عَلَى أَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، تُزِيرُهُ إيَّاهُمْ، فَمَاتَتْ وَهِيَ رَاجِعَةٌ بِهِ إلَى مَكَّةَ [1] . (سَبَبُ خُؤُولَةِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أُمُّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ: سَلْمَى بِنْتُ عَمْرٍو النَّجَّارِيَّةُ. فَهَذِهِ الْخُؤُولَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ إسْحَاقَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ. (إكْرَامُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَغِيرٌ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْن هَاشِمٍ، وَكَانَ يُوضَعُ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِرَاشٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَكَانَ بَنُوهُ يَجْلِسُونَ حَوْلَ فِرَاشِهِ ذَلِكَ حَتَّى يَخْرَجَ إلَيْهِ، لَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ بَنِيهِ إجْلَالًا لَهُ، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي وَهُوَ غُلَامٌ جَفْرٌ، حَتَّى يَجْلِسَ عَلَيْهِ، فَيَأْخُذَهُ أَعْمَامُهُ لِيُؤَخِّرُوهُ عَنْهُ، فَيَقُولُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، إذَا رَأَى ذَلِكَ مِنْهُمْ: دعوا ابْني، فو الله إنَّ لَهُ لَشَأْنًا، ثُمَّ يُجْلِسُهُ مَعَهُ عَلَى الْفِرَاشِ [2] ، وَيَمْسَحُ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، وَيَسُرُّهُ مَا يَرَاهُ يَصْنَعُ.

_ [1] وَيُقَال إِن قبر آمِنَة بنت وهب فِي شعب أَبى ذَر بِمَكَّة. (رَاجع الطَّبَرِيّ) . [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: « ... مَعَه عَلَيْهِ ... إِلَخ» .

وفاة عبد المطلب. وما رثى به من الشعر

وَفَاةُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَمَا رُثِيَ بِهِ مِنْ الشِّعْرِ (وَفَاةُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَمَا قِيلَ فِيهِ مِنَ الشِّعْرِ) : فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِي سِنِينَ هَلَكَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ. وَذَلِكَ بَعْدَ الْفِيلِ بِثَمَانِي سِنِينَ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ [1] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ: أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ تُوُفِّيَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ ثَمَانِي سِنِينَ [2] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَعَرَفَ أَنَّهُ مَيِّتٌ جَمَعَ بَنَاتِهِ، وَكُنَّ سِتَّ نِسْوَةٍ: صَفِيَّةَ، وَبَرَّةَ، وَعَاتِكَةَ، وَأُمَّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءَ، وَأُمَيْمَةَ، وَأَرْوَى، فَقَالَ لَهُنَّ: ابْكِينَ عَلَيَّ حَتَّى أَسْمَعَ مَا تَقُلْنَ قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يَعْرِفُ هَذَا الشِّعْرَ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا [3] رَوَاهُ عَنْ مُحَمِّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ كَتَبْنَاهُ. (رِثَاءُ صَفِيَّةَ لِأَبِيهَا عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) : فَقَالَت صفيّة بنت عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَبْكِي أَبَاهَا. أَرِقْتُ لِصَوْتِ نَائِحَةٍ بِلَيْلٍ ... عَلَى رَجُلٍ بِقَارِعَةِ الصَّعِيدِ فَفَاضَتْ عِنْدَ ذَلِكُمْ دُمُوعِي [4] ... عَلَى خَدِّي كَمُنْحَدِرِ الْفَرِيدِ [5]

_ [1] هُوَ الْعَبَّاس بن عبد الله بن معبد بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب الْهَاشِمِي الْمدنِي. روى عَن أَخِيه إِبْرَاهِيم وَأَبِيهِ وَعِكْرِمَة وَغَيرهم. وروى عَنهُ ابْن جريح وَابْن إِسْحَاق ووهيب وسُفْيَان بن عُيَيْنَة والدراوَرْديّ. (عَن تراجم رجال) . [2] وَبَعْضهمْ يَقُول: توفى عبد الْمطلب وَرَسُول الله ابْن عشر سِنِين. (رَاجع الطَّبَرِيّ) . [3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «إِلَّا أَنه رَوَاهُ ... كَمَا كتبناه» . [4] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: فَفَاضَتْ عِنْد ذَاك دموع عَيْني [5] الفريد: الدّرّ

(رثاء برة لأبيها عبد المطلب) :

عَلَى رَجُلٍ كَرِيمٍ غَيْرِ وَغْلٍ [1] ... لَهُ الْفَضْلُ الْمُبِينُ عَلَى الْعَبِيدِ عَلَى الْفَيَّاضِ شَيْبَةَ ذِي الْمَعَالِي ... أَبِيكِ الْخَيْرِ وَارِثِ كُلِّ جُودِ [2] صَدُوقٍ فِي الْمَوَاطِنِ غَيْرِ نِكْسٍ ... وَلَا شَخْتِ الْمَقَامِ وَلَا سَنِيدٍ [3] طَوِيلِ الْبَاعِ أَرْوَعَ شَيْظَمِيٌّ [4] ... مُطَاعٍ فِي عَشِيرَتِهِ حَمِيدٍ رَفِيعِ الْبَيْتِ أَبْلَجَ ذِي فُضُولٍ ... وَغَيْثِ النَّاسِ فِي الزَّمَنِ [5] الْحَرُودِ [6] كَرِيمِ الْجَدِّ لَيْسَ بِذِي وُصُومِ [7] ... يَرُوقُ عَلَى الْمُسَوَّدِ وَالْمَسُودِ عَظِيمِ الْحِلْمِ مِنْ نَفَرٍ كِرَامٍ ... خَضَارِمَةٍ مَلَاوِثَةٍ أُسُودٍ [8] فَلَوْ خَلَدَ امْرُؤٌ لِقَدِيمِ مَجْدٍ ... وَلَكِنْ لَا سَبِيلَ إلَى الْخُلُودِ لَكَانَ مُخَلِّدًا أُخْرَى اللَّيَالِي ... لِفَضْلِ الْمَجْدِ وَالْحَسَبِ التَّلِيدِ (رِثَاءُ بَرَّةَ لِأَبِيهَا عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) : وَقَالَتْ بَرَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَبْكِي أَبَاهَا: أَعَيْنَيَّ جُودَا بِدَمْعٍ دِرَرْ ... على طيّب الخم وَالْمُعْتَصَرْ [9] عَلَى مَاجِدِ الْجِدِّ وَارَى الزِّنَادَ ... جَمِيلِ الْمُحَيَّا عَظِيمِ الخَطَرْ عَلَى شَيْبَةِ الْحَمْدِ ذِي الْمَكْرُمَاتِ ... وَذِي الْمَجْدِ وَالْعِزِّ والمُفْتَخَرْ

_ [1] الوغل: الضَّعِيف النذل السَّاقِط المقصر فِي الْأَشْيَاء. [2] أَرَادَت «الْخَيْر» بِالتَّشْدِيدِ فخففت، وَيجوز أَن يكون الْخَيْر (هَاهُنَا) : ضد الشَّرّ، جعلته كُله خيرا على الْمُبَالغَة. [3] النكس: الرجل الضَّعِيف الّذي لَا خير فِيهِ. والشخت (بِالْفَتْح وبالتحريك) : الدَّقِيق الضامر من الأَصْل لَا هزالًا. والسنيد: الضَّعِيف الّذي لَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ حَتَّى يسند رَأْيه إِلَى غَيره. [4] الشيظمى: الْفَتى الجسيم. [5] فِي أ: «فِي الزَّمَان» . وَلَا يَسْتَقِيم بهَا الْوَزْن. [6] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والحرود: النَّاقة القليلة الدّرّ، شبه الزَّمن فِي جدبه بهَا. وَفِي أ: «الجرود» . والجرود: جمع جرد، وَهُوَ الْمَكَان لَا نَبَات فِيهِ. [7] الوصوم: جمع وصم، وَهُوَ الْعَار. [8] الخضارمة: جمع خضرم (كزبرج) . وَهُوَ الْجواد المعطاء وَالسَّيِّد الحمول. والملاوثة: جمع ملواث من اللوثة، وَهِي الْقُوَّة، وَمِنْه قَول قريط بن أنيف: عِنْد الحفيظة إِن ذُو لوثة لأَنا [9] الخيم (بِالْكَسْرِ) : السجية والطبيعة. وَمعنى كَونه طيب المعتصر، أَنه جواد عِنْد الْمَسْأَلَة.

(رثاء عاتكة لأبيها عبد المطلب) :

وَذِي الْحِلْمِ وَالْفَصْلِ فِي النَّائِبَاتِ ... كَثِيرِ الْمَكَارِمِ جَمِّ الْفَجَرْ [1] لَهُ فَضْلُ مَجْدٍ عَلَى قَوْمِهِ ... مُنِيرٍ يَلُوحُ كَضَوْءِ القَمَرْ أَتَتْهُ الْمَنَايَا فَلَمْ تُشْوِهِ [2] ... بِصَرْفِ اللَّيَالِي وَرَيْبِ القَدَرْ [3] (رِثَاءُ عَاتِكَةَ لِأَبِيهَا عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) : وَقَالَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَبْكِي أَبَاهَا: أَعَيْنِيَّ جُودَا وَلَا تَبْخَلَا ... بِدَمْعِكُمَا بَعْدَ نَوْمِ النِّيَامِ أَعَيْنِيَّ وَاسْحَنْفِرَا واسكبا ... وشوبا بكاء كَمَا بِالْتِدَامِ [4] أَعَيْنِيَّ وَاسْتَخْرِطَا وَاسْجُمَا ... عَلَى رَجُلٍ غَيْرِ نِكْسٍ كَهَامِ [5] عَلَى الْجَحْفَلِ الْغَمْرِ فِي النَّائِبَاتِ ... كَرِيمِ الْمَسَاعِي وَفِيِّ الذِّمَامِ [6] عَلَى شَيْبَةِ الْحَمْدِ وَارَى الزِّنَادِ ... وَذِي مَصْدَقٍ بَعْدُ ثَبْتِ الْمَقَامِ وَسَيْفٍ لَدَى الْحَرْبِ صَمْصَامَةٍ ... وَمُرْدَى الْمُخَاصِمِ عِنْدَ الْخِصَام وَسَهل الْخَلِيفَة طَلْقِ الْيَدَيْنِ ... وَفِي [7] عَدْمَلِيٍّ صَمِيمٍ لُهَامِ [8] تَبَنَّكَ فِي بَاذِخٍ بَيْتُهُ ... رَفِيعُ الذُّؤَابَةِ صَعْبُ المَرَامِ [9] (رِثَاءُ أُمِّ حَكِيمٍ لِأَبِيهَا عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) : وَقَالَتْ أُمُّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءِ بنتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَبْكِي أَبَاهَا: أَلَا يَا عَيْنُ جُودِي وَاسْتَهِلِّي ... وَبَكِّي ذَا النَّدَى وَالْمَكْرُمَاتِ [10]

_ [1] الْفجْر: الْعَطاء، وَالْكَرم، والجود، وَالْمَعْرُوف، وَالْمَال وكثرته. [2] لم تشوه: لم تصب الشوى بل أَصَابَت المقتل. والشوى: الْأَطْرَاف. [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ويبث الْقَمَر» وَهُوَ تَحْرِيف. [4] اسحنفر الْمَطَر وَغَيره: كثر صبه. والالتدام: ضرب النِّسَاء وجوههن فِي النِّيَاحَة. [5] استخرط الرجل فِي الْبكاء: لج فِيهِ. والكهام: الرجل الكليل المسن. تُرِيدُ أَنه لَيْسَ بنكس، أَي ضَعِيف وَلَا كليل. [6] الجحفل: الرجل الْعَظِيم، وَالسَّيِّد الْكَرِيم. [7] خففت الْيَاء من «وفى» ليستقيم الْوَزْن. [8] العدملى: الضخم. واللهام (كغراب) : الْكثير الْخَيْر. [9] تبنك: تأصل وَتمكن، مَأْخُوذ من البنك (بِضَم الْبَاء) ، وَهُوَ أصل الشَّيْء وخالصة. تُرِيدُ أَن بَيته تأصل فِي باذخ من الشّرف. [10] استهلى: أظهرى الْبكاء. وَبكى: أَمر من بكاء (بِالتَّشْدِيدِ) ، بِمَعْنى بَكَى عَلَيْهِ ورثاه.

(رثاء أميمة لأبيها عبد المطلب) :

أَلَا يَا عَيْنُ وَيْحَكَ أَسْعِفِينِي ... بِدَمْعٍ مِنْ دُمُوعٍ هَاطِلَاتٍ [1] وَبَكِّي خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا ... أَبَاكِ الْخَيْرُ تَيَّارَ الْفُرَاتِ [2] طَوِيلَ الْبَاعِ شَيْبَةَ ذَا الْمَعَالِي ... كَرِيمَ الْخِيمِ مَحْمُودَ الْهِبَاتِ [3] وَصُولًا لِلْقَرَابَةِ هِبْرَزِيّا ... وَغَيْثًا فِي السِّنِينَ الْمُمْحِلَاتِ [4] وَلَيْثًا حَيْنَ تَشْتَجِرُ الْعَوَالِي ... تَرُوقُ لَهُ عُيُونُ النَّاظِرَاتِ [5] عَقِيلَ بَنِي كِنَانَةَ وَالْمُرَجَّى ... إذَا مَا الدَّهْرُ أَقْبَلَ بِالْهَنَاتِ [6] وَمَفْزَعَهَا إذَا مَا هَاجَ هَيْجٌ ... بِدَاهِيَةٍ وَخَصْمَ الْمُعْضِلَاتِ [7] فَبَكِّيهِ وَلَا تسمي بِحُزْنٍ ... وَبَكِّي، مَا بَقِيَتْ، الْبَاكِيَاتُ [8] (رِثَاءُ أُمَيْمَةَ لِأَبِيهَا عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) : وَقَالَتْ أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَبْكِي أَبَاهَا: أَلَا هَلَكَ الرَّاعِي الْعَشِيرَةَ ذُو الْفَقْدِ ... وَسَاقِي الْحَجِيجِ وَالْمُحَامِي عَنْ الْمَجْدِ [9] وَمَنْ يُؤْلَفُ الضَّيْفَ الْغَرِيبَ بُيُوتَهُ ... إذَا مَا سَمَاءُ النَّاسِ تَبْخَلُ بِالرَّعْدِ كَسَبْتَ وَلَيَدًا خَيْرَ مَا يَكْسِبُ الْفَتى ... فَلم تنفك تَزْدَادُ يَا شَيْبَةَ الْحَمْدِ أَبُو الْحَارِثِ الْفَيَّاضُ خَلَّى مَكَانَهُ ... فَلَا تُبْعِدَنْ فَكُلُّ حَيٍّ إلَى بُعْدٍ فَإِنِّي لَبَاكٍ مَا بَقِيتُ وَمُوجَعٌ ... وَكَانَ لَهُ أَهْلًا لِمَا كَانَ مِنْ وَجْدِي [10]

_ [1] فِي أ: «أسعدينى» . وأسعده: أَعَانَهُ على الْبكاء. [2] أَصله الْخَيْر (بِالتَّشْدِيدِ) فخففت الْيَاء. والتيار: مُعظم المَاء. والفرات: المَاء العذب. [3] الخيم: الطبيعة والسجية. [4] الهبرزى: الْجَمِيل الوسيم. وَيُقَال: الحاذق فِي أُمُوره. [5] تشتجر: تختلط وتشتبك. والعوالي: الرماح. تُرِيدُ حِين تَجِد الْحَرْب. [6] الهنات: جمع هنة، وَهِي كِنَايَة عَن الْقَبِيح. [7] مفزعها: ملجؤها. والهيج: الْحَرْب، وَهُوَ من التَّسْمِيَة بِالْمَصْدَرِ. [8] وَلَا تسمى: أَي لَا تسأمى، فسهل الْهمزَة بِالنَّقْلِ ثمَّ حذفهَا. [9] الرَّاعِي الْعَشِيرَة: الْحَافِظ لعشيرته. وَفِي الْفَقْد: الّذي يفقد، تُرِيدُ الْبَاذِل الْمُعْطى. [10] أخْبرت بِهَذَا الشّطْر عَن نَفسهَا إِخْبَار الْمُذكر، على معنى الشَّخْص، كَمَا قيل: قَامَت تبكيه على قَبره ... من لي من بعْدك يَا عَامر تَرَكتنِي فِي الدَّار ذَا غربَة ... قد ذل من لَيْسَ لَهُ نَاصِر (تُرِيدُ: شخصا ذَا غربَة) .

(رثاء أروى لأبيها عبد المطلب) :

سَقَاكَ وَلِيُّ النَّاسِ فِي القَبرُ مُمْطِرًا ... فَسَوْفَ أُبَكِّيهِ وَإِنْ كَانَ فِي اللَّحْدِ فَقَدْ كَانَ زَيْنًا لِلْعَشِيرَةِ كُلِّهَا ... وَكَانَ حَمِيدًا حَيْثُ مَا كَانَ مِنْ حَمْدٍ (رِثَاءُ أَرِوَى لِأَبِيهَا عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) : وَقَالَتْ أَرْوَى بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَبْكِي أَبَاهَا: بَكَتْ عَيْنَيَّ وَحُقَّ لَهَا الْبُكَاءُ ... عَلَى سَمْحٍ سَجِيَّتُهُ الْحَيَاءُ [1] عَلَى سَهْلِ الْخَلِيقَةِ أبْطَحيٍّ ... كَرِيمِ الْخِيمِ نِيَّتُهُ الْعَلَاءُ [2] عَلَى الْفَيَّاضِ شَيْبَةَ ذِي الْمَعَالِي ... أَبِيكِ الْخَيْرِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ [3] طَوِيلِ الْبَاعِ أَمْلَسَ شَيْظميٌّ ... أَغَرَّ كَأَنَّ غُرَّتَهُ ضِيَاءُ [4] أَقَبِّ الْكَشْحِ أَرُوعَ ذِي فُضُولٍ ... لَهُ الْمَجْدُ الْمُقَدَّمُ وَالسَّنَاءُ [5] أَبِيِّ الضَّيْمِ أَبْلَجَ هِبْرَزِيٌّ ... قَدِيمِ الْمَجْدِ لَيْسَ لَهُ [6] خَفَا وَمَعْقِلِ مَالِكٍ وَرَبِيعِ فِهْرٍ ... وَفَاصِلِهَا [7] إذَا اُلْتُمِسَ الْقَضَاءُ وَكَانَ هُوَ الْفَتَى كَرَمًا وَجُودًا ... وَبَأْسًا حَيْنَ تَنْسَكِبُ الدِّمَاءُ إذَا هَابَ الْكُمَاةُ الْمَوْتَ حَتَّى ... كَأَنَّ قُلُوبَ أَكْثَرِهِمْ هَوَاءُ [8] مَضَى قُدُمًا بِذِي رُبَدٍ خَشِيبٍ [9] ... عَلَيْهِ حَيْنَ تُبْصِرهُ الْبَهَاءُ [10] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ أَشَارَ بِرَأْسِهِ وَقَدْ أَصْمَتَ [11] : أَنَّ هَكَذَا فَابْكِينَنِي.

_ [1] السجية: الطبيعة. [2] أَي من قُرَيْش البطاح: وهم الَّذين ينزلون بَين أخشبى مَكَّة. [3] الكفاء: الْمثل. [4] الشيظمى: الْمَقُول الفصيح. [5] الأقب: الضامر الْبَطن. والكشح: الخصر. والأروع: الّذي يُعْجِبك بحسنة، ومنظره وشجاعته. [6] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بِهِ» . [7] كَذَا فِي أ. والفاصل: الّذي يفصل فِي الْخُصُومَات. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وفاضلها» بالضاد الْمُعْجَمَة، وَمَا أَثْبَتْنَاهُ أولى للسياق. [8] الكماة: الشجعان، واحدهم: كمي. [9] الربد (كصرد) الفرند. والخشيب: الصَّقِيل. [10] ويروى: «الهباء» . يُرِيد بِهِ مَا يظْهر على السَّيْف المجوهر تَشْبِيها بالغبار. [11] أصمت العليل: اعتقل لِسَانه.

(نسب المسيب) :

(نَسَبُ الْمُسَيِّبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: [وَ] [1] الْمُسَيِّبُ [2] بْنُ حَزْنِ [3] بْنِ أَبِي وَهْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ. (رِثَاءُ حُذَيْفَةَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ [4] حُذَيْفَةُ [5] بْنُ غَانِمٍ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ يَبْكِي عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَيَذْكُرُ فَضْلَهُ وَفَضْلَ قُصَيٍّ عَلَى قُرَيْشٍ، وَفَضْلَ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أُخِذَ بِغُرْمِ أَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ بِمَكَّةَ، فَوَقَفَ بِهَا فَمَرَّ بِهِ أَبُو لَهَبٍ عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَافْتَكَّهُ: أَعَيْنِيَّ جُودَا بِالدُّمُوعِ عَلَى الصَّدْرِ ... وَلَا تَسْأَمَا أُسْقِيتُمَا سَبَلَ الْقَطْرِ [6] وَجُودَا بِدَمْعٍ وَاسْفَحَا كُلَّ شَارِقٍ ... بُكَاءَ امْرِئٍ لَمْ يُشْوِهِ نَائِبُ الدَّهْرِ [7] (وَسُحَّا وَجُمَّا وَاسْجُمَا مَا بَقِيتُمَا [8] ... عَلَى ذِي حَيَاءٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَذِي سِتْرِ) [9] عَلَى رَجُلٍ جَلْدِ الْقُوَى ذِي حَفِيظَةٍ ... جَمِيلِ الْمُحَيَّا غَيْرِ نِكْسٍ وَلَا هَذْرِ [10]

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] أهل الْعرَاق يفتحون الْيَاء من «الْمسيب» ، وَأهل الْمَدِينَة يكسرون، وَنقل عَن سعيد ابْنه أَنه كَانَ يَقُول: سيب الله من سيب أَبى، وَحكى الْكسر عِيَاض وَابْن الْمَدِينِيّ. [3] روى سعيد بن الْمسيب، قَالَ: أَرَادَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يُغير اسْم جدي ويسميه سهلا، فَأبى، وَقَالَ: لَا أغير اسْما سماني بِهِ أَبى. فَمَا زَالَت تِلْكَ الحزونة فِينَا. (رَاجع شرح الْقَامُوس مَادَّة حزن) . [4] وَيُقَال إِن الشّعْر لحذافة بن غَانِم، وَهُوَ أَخُو حُذَيْفَة، ووالد خَارِجَة بن حذافة، وَله يَقُول فِي هَذِه القصيدة: فخارج إِمَّا أهلكن فَلَا تزل [5] وَهُوَ وَالِد أَبى جهم عبيد بن حُذَيْفَة، وَهُوَ الّذي أهْدى الخميصة لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنظر إِلَى علمهَا فَردهَا. وَأم أَبى جهم: يسير بنت عبد الله بن أذاة بن ريَاح. وَابْن أذاة هُوَ خَال أَبى قُحَافَة. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [6] السبل: الْمَطَر. [7] كل شارق: أَي عِنْد طُلُوع الشَّمْس كل يَوْم، وَلم يشوه: لم يخطئه. [8] سَحا: صبا. وجما: أجمعا وأكثرا. واسجما: أسيلا. [9] زِيَادَة عَن أ. [10] الحفيظة: الْغَضَب مَعَ عزة. والنكس من السِّهَام: الّذي نكس فِي الكنانة ليميزه الرَّامِي فَلَا يَأْخُذهُ لرداءته، وَقيل: الّذي انْكَسَرَ أَعْلَاهُ فَنَكس ورد أَعْلَاهُ أَسْفَله، وَهُوَ غير جيد للرمي. والهذر: الْكثير الْكَلَام فِي غير فَائِدَة.

عَلَى الْمَاجِدِ الْبُهْلُولِ ذِي الْبَاعِ وَالنَّدَى [1] ... رَبِيعِ لؤيّ فِي المحوط وَفِي الْعسر [2] على خير حَافٍ مِنْ مُعَدٍّ وناعل ... كريم الْمُسَمّى طَيِّبَ الْخِيمِ وَالنَّجْرِ [3] وَخَيْرُهُمْ أَصْلًا وَفَرْعًا وَمَعْدِنًا ... وَأَحْظَاهُمْ بِالْمُكْرَمَاتِ وَبِالذِّكْرِ وَأَوْلَاهُمْ بِالْمَجْدِ وَالْحِلْمِ وَالنُّهَى ... وَبِالْفَضْلِ عِنْدَ الْمُجْحِفَاتِ مِنْ الْغُبْرِ [4] عَلَى شَيْبَةِ الْحَمْدِ الَّذِي كَانَ وَجْهُهُ ... يُضِيءُ سَوَادَ اللَّيْلِ كَالْقَمَرِ الْبَدْرِ وَسَاقِي الْحَجِيجِ ثُمَّ لِلْخَيْرِ هَاشِمٍ [5] ... وَعَبْدُ مَنَافٍ ذَلِكَ السَّيِّدُ الفِهْري [6] طَوَى زَمزَما عِنْدَ الْمَقَامِ فَأَصْبَحَتْ ... سِقَايَتُهُ فَخْرًا عَلَى كُلِّ ذِي فَخْرٍ لِيَبْكِ عَلَيْهِ كُلُّ عَانٍ بِكُرْبَةٍ ... وَآلُ قُصَيٍّ مِنْ مُقِلٍّ وَذِي وَفْرٍ [7] بَنُوهُ سَرَاةَ كَهْلُهُمْ وَشَبَابُهُمْ ... تَفَلَّقَ عَنْهُمْ بَيْضَةُ الطَّائِرِ الصَّقْرِ [8] قُصَيُّ الَّذِي عَادَى كِنَانَةَ كُلَّهَا ... وَرَابَطَ بَيْتَ اللَّهِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ فَإِنْ تَكُ غَالَتْهُ الْمَنَايَا وَصَرْفُهَا ... فَقَدْ عَاشَ مَيْمُونَ النَّقِيبَةِ وَالْأَمْرِ [9] وَأَبْقَى رِجَالًا سَادَةً غَيْرَ عُزَّلٍ ... مَصَالِيتُ أَمْثَالَ الرُّدَيْنِيَّةِ السُّمْرِ [10] أَبُو عُتْبَةَ الْمُلْقَى إلَيَّ حِبَاؤُهُ ... أَغَرُّ هِجَانُ اللَّوْنِ مِنْ نَفَرِ غُرٍّ [11] وَحَمْزَةُ مِثْلُ الْبَدْرِ يَهْتَزُّ لِلنَّدَى ... نَقِيُّ الثِّيَابِ وَالذِّمَامِ مِنْ الْغَدْرِ

_ [1] البهلول: السَّيِّد. [2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. واللهى: العطايا. وَفِي أ: «والندا» . وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: «والنهى» والنهى: جمع نهية، وَهِي الْعقل. [3] النجر: الأَصْل. [4] المجحفات: الَّتِي تذْهب بالأموال. والغبر: السنون المقحطات [5] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «للخبز» . [6] كَذَا فِي الْأُصُول. وَفِي شرح السِّيرَة: «الْقَهْر» بِالْقَافِ. أَي الّذي يقهر النَّاس، فوصفه بِالْمَصْدَرِ، كَمَا تَقول: رجل عدل، أَو رجل صَوْم، أَو رجل فطر. [7] العاني: الْأَسير. [8] سراة: خِيَار. [9] النقيبة: النَّفس. وَمَيْمُون النقيبة: منجح الفعال مظفر المطالب. [10] عزل: جمع أعزل. وَلَا يجمع أفعل على فعل، وَلَكِن جَاءَ هَكَذَا، لِأَن الأعزل فِي مُقَابلَة الرامح، وَقد يحملون الصّفة على ضدها. وَقد يجوز أَن يكون أجراه مجْرى «حسر» جمع حاسر، لِأَنَّهُ قريب مِنْهُ فِي الْمَعْنى. ومصاليت: شجعان. والردينية: الرماح. [11] الحباء: الْعَطاء. وهجان اللَّوْن: ابيض.

وَعَبْدُ مَنَافٍ مَاجِدٌ ذُو حَفِيظَةٍ ... وَصُولٌ لِذِي الْقُرْبَى رَحِيمٌ بِذِي [1] الصِّهْرِ كُهُولُهُمْ خَيْرُ الكهول ونسلهم ... كتسل الْمُلُوكِ لَا تَبُورُ وَلَا تَحَرَّى [2] مَتَى مَا تُلَاقِي مِنْهُمْ الدَّهْرَ نَاشِئًا ... تَجِدْهُ بِإِجْرِيَّا أَوَائِلِهِ بَجْرَى [3] هُمْ مَلَئُوا الْبَطْحَاءَ مَجْدًا وَعِزَّةً ... إذَا اُسْتُبِقَ الْخَيْرَاتُ فِي سَالِفِ الْعَصْرِ وَفِيهِمْ بُنَاةٌ لِلْعُلَا وَعِمَارَةٌ ... وَعَبْدُ مَنَافٍ جَدُّهُمْ جَابِرُ الْكَسْرِ بِإِنْكَاحِ عَوْفٍ بِنْتَهُ لِيُجِيرَنَا ... مِنْ أَعْدَائِنَا إذْ أَسْلَمَتْنَا بَنُو فِهْرِ فَسِرْنَا تهامي الْبِلَادِ وَنَجْدَهَا [4] ... بِأَمْنِهِ حَتَّى خَاضَتْ الْعِيرُ فِي الْبَحْرِ [5] وَهُمْ حَضَرُوا وَالنَّاسُ بَادٍ فَرِيقُهُمْ ... وَلَيْسَ بِهَا إلَّا شُيُوخُ بَنِي [6] عَمْرِو [7] بَنَوْهَا دِيَارًا جَمَّةً وَطَوَوْا بِهَا ... بِئَارًا تَسُحُّ الْمَاءَ مِنْ ثَبَجِ بَحْرِ [8] لَكَيْ يَشْرَبَ الْحُجَّاجُ مِنْهَا وَغَيْرُهُمْ ... إذَا ابْتَدَرُوهَا صُبْحَ تَابِعَةِ النَّحْرِ

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «لذِي» . [2] لَا تبور: لَا تهْلك. وَلَا تحرى: لَا تنقص. [3] الإجريا (بِالْقصرِ وَالْمدّ) : الْوَجْه الّذي تَأْخُذ فِيهِ وتجرى عَلَيْهِ. [4] يُرِيد مَا انخفض مِنْهَا وَمَا علا. [5] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول «بأمنة» . وَهُوَ تَصْحِيف. وَقد قَالَ السهيليّ فِي التَّعْلِيق على هَذِه الْكَلِمَة: « ... حذف الْيَاء من هَاء الْكِنَايَة (الضَّمِير) ضَرُورَة كَمَا أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ: سأجعل عَيْنَيْهِ لنَفسِهِ مقنعا فِي أَبْيَات كَثِيرَة أنشدها سِيبَوَيْهٍ، وَهَذَا مَعَ حذف الْيَاء وَالْوَاو وَبَقَاء حَرَكَة الْهَاء، فَإِن سكنت الْهَاء بعد الْحَذف، فَهُوَ أقل فِي الِاسْتِعْمَال من نَحْو هَذَا، وأنشدوا: نضواى مشتاقان لَهُ أرقان وَهَذَا الّذي ذَكرْنَاهُ هُوَ فِي الْقيَاس أقوى، لِأَنَّهُ من بَاب حمل الْوَصْل على الْوَقْف، نَحْو قَول الراجز: لما رأى أَن لَا دعة وَلَا شبع وَمِنْه فِي التَّنْزِيل كثير، نَحْو إِثْبَات هَاء السكت فِي الأَصْل، وَإِثْبَات الْألف من أَنا، وَإِثْبَات ألف الفواصل نَحْو: «وتظنون باللَّه الظنونا» . وَهَذَا الّذي ذكره سِيبَوَيْهٍ من الضَّرُورَة فِي هَاء الْإِضْمَار إِنَّمَا هُوَ إِذا تحرّك مَا قبلهَا نَحْو: بِهِ، وَلَا يكون فِي هَاء الْمُؤَنَّث الْبَتَّةَ لخفة الْألف، فَإِن سكن مَا قبل الْهَاء نَحْو: فِيهِ، كَانَ الْحَذف أحسن من الْإِثْبَات. [6] شُيُوخ بنى عَمْرو: يُرِيد بنى هَاشم، لِأَن اسْمه عَمْرو. [7] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بَنو» وَهُوَ تَحْرِيف. [8] كَذَا فِي أ. وثبج كل شَيْء: معظمه. وَفِي سَائِر الْأُصُول: « ... ثبج الْبَحْر» .

ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ تَظَلُّ رِكَابُهُمْ ... مُخَيَّسَةً [1] بَيْنَ الْأَخَاشِبِ وَالْحِجْرِ [2] وَقِدْمًا غَنِيّنَا قَبْلَ ذَلِكَ حِقْبَةً ... وَلَا نَسْتَقِي إلَّا بِخُمَّ أَوْ الْحَفْرِ [3] وَهُمْ يَغْفِرُونَ الذَّنْبَ يُنْقَمُ دُونَهُ ... وَيَعْفُونَ عَنْ قَوْلِ السَّفَاهَةِ وَالْهُجْرِ [4] وَهُمْ جَمَعُوا حِلْفَ الْأَحَابِيشِ كلِّها ... وَهُمْ نَكَّلُوا عَنَّا غُوَاةَ بَنِي بَكْرِ [5] فَخَارِجَ، إمَّا أَهْلكُنَّ فَلَا تَزَلْ ... لَهُمْ شَاكِرًا حَتَّى تُغَيَّبَ فِي الْقَبْرِ وَلَا تَنْسَ مَا أَسُدَى ابْنُ لُبْنَى فَإِنَّهُ ... قَدْ أَسْدَى يَدًا مَحْقُوقَةً مِنْكَ بِالشُّكْرِ [6] وَأَنْتَ ابْنُ لُبْنَى مِنْ قُصَيٍّ إذَا انْتَمَوْا ... بِحَيْثُ انْتَهَى قَصْدُ الْفُؤَادِ مِنْ الصَّدْرِ وَأَنْتَ تَنَاوَلْتَ الْعُلَا فَجَمَعْتَهَا ... إلَى مَحْتِدٍ لِلْمَجْدِ ذِي ثَبَجِ جَسْرِ [7] سَبَقْتَ وَفُتَّ الْقَوْمَ بَذْلًا وَنَائِلًا ... وَسُدْتُ وَلَيَدًا كُلَّ ذِي سُوْدُدِ غَمْرِ وَأُمُّكَ سِرٌّ مِنْ خُزَاعَةَ جَوْهَرِ ... إذَا حَصَّلَ الْأَنْسَابَ يَوْمًا ذَوُو الْخُبْرِ [8] إلَى سَبَأِ الْأَبْطَالِ تُنَمَّى وَتَنْتَمِي ... فَأَكْرِمْ بِهَا مَنْسُوبَةً فِي ذُرَا الزُّهْرِ أَبُو شَمَرٍ مِنْهُمْ وَعَمْرُو بْنُ مَالِكٍ ... وَذُو جَدَنٍ مِنْ قَوْمِهَا وَأَبُو الْجَبْرِ [9] وَأَسْعَدُ قَادَ النَّاسَ عِشْرِينَ حِجَّةً ... يُؤَيَّدُ فِي تِلْكَ الْمَوَاطِنِ بِالنَّصْرِ [10]

_ [1] كَذَا فِي الْأُصُول. ومخيسة: مذللة. ويروى: «محبسة» والمحبسة: المحبوسة. [2] الأخاشب: جبال بِمَكَّة، وهما جبلان، فجمعهما على مَا يليهما. [3] خم والحفر: اسْما بئرين. وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِمَا. [4] الهجر: الْقَبِيح من الْكَلَام الْفَاحِش. [5] الْأَحَابِيش: أَحيَاء الفارة، انضموا إِلَى بنى لَيْث فِي محاربتهم قُريْشًا، وَقيل: حالفوا قُريْشًا تَحت جبل يُسمى حَبَشِيًّا، فسموا بذلك. ونكلوا: صرفُوا وزجروا. [6] محقوقة كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «محفوفة» . (بفاءين) . [7] الجسر: الْمَاضِي فِي أُمُوره القوى عَلَيْهَا. [8] سر: خَالِصَة النّسَب. [9] أَبُو شمر: مَالك. وَيُقَال لَهُ: ملك الْأَمْلَاك. وَابْنه شمر هُوَ الّذي بنى سَمَرْقَنْد، وَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ أَبَا شمر الغساني وَالِد الْحَارِث بن أَبى شمر. وَعَمْرو بن مَالك: قد يكون عمرا ذَا الأذعار. وَأَبُو الْجَبْر: ملك من مُلُوك الْيمن، وَيُقَال: إِن سميَّة أم زِيَاد كَانَت لأبى جبر هَذَا، وَدفعهَا إِلَى الْحَارِث بن كلدة المتطبب فِي طب طبه. [10] أسعد: هُوَ أسعد أَبُو حسان بن أسعد، وَهُوَ وَمن ذكرهم فِي الْبَيْت السَّابِق، من التبابعة، وَإِنَّمَا جعلهم مفخرا لأبى لَهب، لِأَن أمه خزاعية من سبإ، والتبابعة كلهم من حمير بن سبإ. 12- سيرة ابْن هِشَام- 1

(رثاء مطرود لعبد المطلب وبنى عبد مناف) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: «أُمُّكَ سِرٌّ مِنْ خُزَاعَةَ» ، يَعْنِي أَبَا لَهَبٍ، أُمُّهُ لُبْنَى بِنْتُ هَاجِرٍ الْخُزاَعِيِّ. وَقَوْلُهُ: «بِإِجْرِيّا أَوَائِلُهُ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. (رِثَاءُ مَطْرُودٍ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَبني عَبْدِ مَنَافٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ مَطْرُودُ بْنُ كَعْبٍ الْخُزاَعِيُّ يَبْكِي عَبْدَ الْمُطَّلِبِ وبَني عَبْدِ مَنَافٍ: يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُحَوِّلُ رَحْلَهُ ... هَلَّا سَأَلْتَ عَنْ آلِ عَبْدِ مَنَافِ هَبَلَتْكَ أُمُّكَ لَوْ حَلَلْتَ بِدَارِهِمْ ... ضَمِنُوكَ مِنْ جُرْمٍ وَمِنْ إقْرَافِ [1] (الْخَالِطِينَ غَنِيَّهُمْ بِفَقِيرِهِمْ ... حَتَّى يَعُودَ فَقِيرُهُمْ كَالْكَافِي) [2] الْمُنْعِمِينَ إذَا النُّجُومُ تَغَيَّرَتْ ... وَالظَّاعِنِينَ لِرِحْلَةِ الْإِيلَافِ وَالْمُطْعِمِينَ إذَا الرِّيَاحُ تَنَاوَحَتْ ... حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ فِي الرَّجَّافِ [3] إمَّا هَلَكْتَ أَبَا الْفِعَالِ فَمَا جَرَى ... مِنْ فَوْقِ مِثْلِكَ عَقْدُ ذَاتِ نِطَافِ [4] إلَّا أَبِيكَ أَخِي الْمَكَارِمِ وَحْدَهُ ... وَالْفَيْضِ مُطَّلِبٍ أَبِي الْأَضْيَافِ [5] (وِلَايَةُ الْعَبَّاسِ عَلَى سِقَايَةِ زَمْزَمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [6] : فَلَمَّا هَلَكَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ وَلِيَ زَمْزَمَ وَالسِّقَايَةَ عَلَيْهَا [7] بَعْدَهُ الْعَبَّاسُ ابْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ يَوْمئِذٍ مِنْ أَحْدَثِ إخْوَتِهِ سِنًّا، فَلَمْ

_ [1] هبلتك: فقدتك. وَهُوَ على جِهَة الإغراء لَا على جِهَة الدُّعَاء، كَمَا تَقول: تربت يداك، وَلَا أَبَا لَك، وأشباههما. والإقراف: مقاربة الهجنة. أَي منعوك من أَن تنْكح بناتك وأخواتك من لئيم فَيكون الابْن مقرفا للؤم أَبِيه وكرم أمه، فيلحقك وصم من ذَلِك. وَنَحْو مِنْهُ قَول مهلهل: أنْكحهَا فقدها الأراقم فِي جنب ... وَكَانَ الحباء من آدم (أَي أنكحت لغربتها من غير كُفْء، وَذَلِكَ أَن مهلهلا نزل فِي جنب، وَهُوَ حَيّ وضيع من مذْحج، فَخطبت ابْنَته، فَلم يسْتَطع منعهَا فَزَوجهَا، وَكَانَ مهرهَا من أَدَم) . [2] زِيَادَة عَن أ. [3] تناوحت: تقابلت. والرجاف (هُنَا) : الْبَحْر. [4] النطاف: جمع نُطْفَة، وَهِي القرط الّذي يعلق من الْأذن. هَذَا على رِوَايَة من روى «عقد» بِكَسْر الْعين، وَمن رَوَاهُ بِفَتْح الْعين جعل النطاف جمعا لنطفة، وَهِي المَاء الْقَلِيل الصافي. [5] يُرِيد أَنه كَانَ لأضيافه كَالْأَبِ. وَالْعرب تَقول لكل جواد: أَبُو الأضياف، كَمَا قَالَ مرّة بن محكان أدعى أباهم وَلم أقرف بأمهم ... وَقد عمرت وَلم أعرف لَهُم نسبا [6] زِيَادَة عَن أ. [7] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عَلَيْهِمَا» . وَهُوَ تَحْرِيف.

كفالة أبى طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم

تَزَلْ إلَيْهِ حَتَّى قَامَ الْإِسْلَامُ وَهِيَ بِيَدِهِ. فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ وِلَايَتِهِ، فَهِيَ إلَى آلِ الْعَبَّاسِ، بِوِلَايَةِ الْعَبَّاسِ إيَّاهَا، إلَى (هَذَا) [1] الْيَوْمِ. كِفَالَةُ أَبِي طَالِبٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- يُوصِي بِهِ عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَبَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَا طَالِبٍ أَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أُمُّهُمَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَائِذُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ. (وِلَايَةُ أَبِي طَالِبٍ لِأَمْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ هُوَ الَّذِي يَلِي أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ جَدِّهِ، فَكَانَ إلَيْهِ وَمَعَهُ. (نُبُوءَةُ رَجُلٍ مِنْ لَهَبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى [2] بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ لَهَبٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَهَبٌ: مِنْ أَزْدَشَنُوءَةَ [3]- كَانَ

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] كَانَ يحيى ثِقَة كثير الحَدِيث. روى عَن أَبِيه وجده وَعَمه حَمْزَة وَابْن عَم أَبِيه عبد الله بن عُرْوَة بن الزبير. وَعنهُ غير ابْن إِسْحَاق ابْن عَم أَبِيه هِشَام بن عُرْوَة ومُوسَى بن عقبَة وَحَفْص بن عمر بن ثَابت بن زُرَارَة وَعبد الله بن أَبى بكر بن حزم، وَيزِيد بن عبد الله بن الْهَاد. مَاتَ وَهُوَ ابْن سِتّ وَثَلَاثِينَ. (رَاجع تَهْذِيب التَّهْذِيب، وتراجم رجال) . [3] وَقيل: هُوَ لَهب بن أحجن بن كَعْب بن الْحَارِث بن كَعْب بن عبد الله بن مَالك بن نصر بن الأزد. وَهِي الْقَبِيلَة الَّتِي تعرف بالعيافة والزجر، وَمِنْهُم اللهبي الّذي زجر حِين وَقعت الْحَصَاة بصلعة عمر رضى الله عَنهُ فأدمته وَذَلِكَ فِي الْحَج فَقَالَ: أشعر أَمِير الْمُؤمنِينَ وَالله لَا يحجّ بعد هَذَا الْعَام، فَكَانَ كَذَلِك. وَفِيهِمْ يَقُول كثير تيممت لهبا أَبْتَغِي الْعلم عِنْدهم ... وَقد رد علم العائفين إِلَى لَهب (رَاجع شرح الْقَامُوس مَادَّة لَهب، وَالرَّوْض الْأنف) .

قصة بحيرى [2]

عَائِفًا [1] ، فَكَانَ إذَا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَاهُ رِجَالُ قُرَيْشٍ بِغِلْمَانِهِمْ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَيَعْتَافُ لَهُمْ فِيهِمْ. قَالَ: فَأَتَى بِهِ أَبُو طَالِبٍ وَهُوَ غُلَامٌ، مَعَ مَنْ يَأْتِيهِ، فَنَظَرَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ شَغَلَهُ عَنْهُ شَيْءٌ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: الْغُلَامُ عَلَيَّ بِهِ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو طَالِبٍ حِرْصَهُ عَلَيْهِ غَيَّبَهُ عَنْهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ: وَيْلَكُمْ، رُدُّوا عَلَيَّ الْغُلَامَ الَّذِي رَأَيْت آنِفا، فو الله لَيَكُونَنَّ لَهُ شَأْنٌ. قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَالِبٍ. قِصَّةُ بَحِيرَى [2] (نُزُولُ أَبِي طَالِبٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُحَيْرَى) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ أَبَا طَالِبٍ خَرَجَ فِي رَكْبٍ تَاجِرًا إلَى الشَّامِ، فَلَمَّا تَهَيَّأَ لِلرَّحِيلِ، وَأَجْمَعَ الْمَسِيرَ صَبَّ بِهِ [3] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- فَرَقَّ لَهُ (أَبُو طَالِبٍ) وَقَالَ: وَاَللَّهِ لَأَخْرُجَنَّ بِهِ مَعِي، وَلَا يُفَارِقُنِي، وَلَا أُفَارِقُهُ أَبَدًا، أَوْ كَمَا قَالَ. فَخَرَجَ بِهِ [4] مَعَهُ فَلَمَّا نَزَلَ الرَّكْبُ بُصْرَى [5] مِنْ أَرْضِ الشَّامِ،

_ [1] العائف: الّذي يتفرس فِي خلقَة الْإِنْسَان فيخبر بِمَا يؤول حَاله إِلَيْهِ. [2] وَاسم بحيرى بحيرى بِفَتْح الْمُوَحدَة وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة آخِره رَاء مَقْصُورا وَقيل ممدودا: هُوَ جرجيس (بِكَسْر الجيمين) . وَيُقَال: سرجس، كَمَا يُقَال: جرجس. وَكَانَ حبرًا من أَحْبَار يهود تيماء، كَمَا قيل إِنَّه كَانَ نَصْرَانِيّا من عبد الْقَيْس، وَهُوَ مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن إِسْحَاق هُنَا. وَيُقَال إِنَّه سمع قبل الْإِسْلَام بِقَلِيل هَاتِف يَهْتِف: أَلا إِن خير أهل الأَرْض ثَلَاثَة: بحيرى ورباب الشنى، وَالثَّالِث المنتظر، فَكَانَ الثَّالِث رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (رَاجع المعارف، ومروج الذَّهَب، والإصابة، وَالرَّوْض، وَشرح الْمَوَاهِب) . [3] كَذَا فِي الْأُصُول والطبري، وَشرح الْمَوَاهِب اللدنية (ج 1 ص 192 طبع المطبعة الأزهرية) . وصب بِهِ: مَال إِلَيْهِ. وَفِي هَامِش الطَّبَرِيّ، وَشرح السِّيرَة: «ضَب بِهِ» بالضاد الْمُعْجَمَة. وضب بِهِ: تعلق بِهِ وامتسك. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى فِي هَامِش الطَّبَرِيّ وَالرَّوْض، وَشرح الْمَوَاهِب: «ضبث» . وضبث بِهِ: لزمَه. وَمِنْه قَول الشَّاعِر: كَأَن فُؤَادِي فِي يَد ضبثت بِهِ [4] وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ ذَاك ابْن تسع سِنِين، وَقيل ابْن اثْنَتَيْ عشرَة سنة، وَقيل غير ذَلِك. (رَاجع الطَّبَرِيّ، وَشرح الْمَوَاهِب، وَالرَّوْض) . [5] بصرى: مَدِينَة حوران، فتحت صلحا لخمس بَقينَ من ربيع الأول سنة ثَلَاث عشرَة، وَهِي أول مَدِينَة فتحت بِالشَّام، وَقد وردهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّتَيْنِ (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) .

وَبِهِمَا رَاهِبٌ يُقَالُ لَهُ بَحِيرَى فِي صَوْمَعَةٍ لَهُ، وَكَانَ إلَيْهِ عِلْمُ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ وَلَمْ يَزَلْ فِي تِلْكَ الصَّوْمَعَةِ مُنْذُ قَطُّ [1] رَاهِبٌ، إلَيْهِ يَصِيرُ عِلْمُهُمْ عَنْ كِتَابٍ فِيهَا فِيمَا يَزْعُمُونَ، يَتَوَارَثُونَهُ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ. فَلَمَّا نَزَلُوا ذَلِكَ الْعَامَ بِبَحِيرَى وَكَانُوا كَثِيرًا مَا يَمُرُّونَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَعْرِضُ لَهُمْ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ الْعَامُ. فَلَمَّا نَزَلُوا بِهِ قَرِيبًا مِنْ صَوْمَعَتِهِ صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا كَثِيرًا، وَذَلِكَ فِيمَا يَزْعُمُونَ عَنْ شَيْءٍ رَآهُ وَهُوَ فِي صَوْمَعَتِهِ، يَزْعُمُونَ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي صَوْمَعَتِهِ، فِي الرَّكْبِ حِينَ أَقْبَلُوا، وَغَمَامَةٌ تُظِلُّهُ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ. قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلُوا فَنَزَلُوا فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ قَرِيبًا مِنْهُ. فَنَظَرَ إلَى الْغَمَامَةِ حَيْنَ أَظَلَّتْ الشَّجَرَةُ، وَتَهَصَّرَتْ [2] أَغْصَانُ الشَّجَرَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتَظَلَّ تَحْتَهَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ بَحِيرَى نَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ [3] ، ثُمَّ أَرْسَلَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ: إنِّي قَدْ صَنَعْتُ لَكُمْ طَعَامًا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَحْضُرُوا كُلُّكُمْ، صَغِيرُكُمْ وَكَبِيرُكُمْ، وَعَبْدُكُمْ وَحُرُّكُمْ: فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ: وَاَللَّهِ يَا بَحِيرَى إنَّ لَكَ لَشَأْنًا الْيَوْمَ، فَمَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا بِنَا، وَقَدْ كُنَّا نَمُرُّ بِكَ كَثِيرًا، فَمَا شَأْنُكَ الْيَوْمَ؟ قَالَ لَهُ بَحِيرَى: صَدَقْتَ، قَدْ كَانَ مَا تَقُولُ، وَلَكِنَّكُمْ ضَيْفٌ، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أُكْرِمَكُمْ وَأَصْنَعَ لَكُمْ طَعَامًا فَتَأْكُلُوا [4] مِنْهُ كُلُّكُمْ. فَاجْتَمِعُوا إلَيْهِ، وَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ، لِحَدَاثَةِ سِنِّهِ، فِي رِحَالِ الْقَوْمِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَلَمَّا نَظَرَ بَحِيرَى فِي الْقَوْمِ لَمْ يَرَ الصِّفَةَ الَّتِي يَعْرِفُ وَيَجِدُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لَا يَتَخَلَّفَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ عَنْ طَعَامِي، قَالُوا لَهُ: يَا بَحِيرَى، مَا تَخَلَّفَ عَنْكَ أَحَدٌ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْتِيَكَ إلَّا غُلَامٌ، وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا، فَتَخَلَّفَ فِي رِحَالِهِمْ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلُوا، اُدْعُوهُ فَلِيَحْضُرْ هَذَا الطَّعَامَ مَعَكُمْ. قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مَعَ الْقَوْمِ، وَاَللَّاتِ وَالْعُزَّى، إنْ كَانَ لَلُؤْمٌ بِنَا أَنْ يَتَخَلَّفَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنْ طَعَامٍ مِنْ

_ [1] قطّ: أَي الدَّهْر. [2] تهصرت: مَالَتْ وتدلت، وَتقول: هصرت الْغُصْن، وَذَلِكَ إِذا جذبته إِلَيْك حَتَّى يمِيل. [3] كَذَا فِي الطَّبَرِيّ، وَفِي الْأُصُول: « ... نزل من صومعته، وَقد أَمر بذلك الطَّعَام فَصنعَ ثمَّ أرسل ... إِلَخ» . [4] كَذَا فِي شرح الْمَوَاهِب وَفِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فتأكلون» . وَهُوَ تَحْرِيف.

بَيْنَنَا، ثُمَّ قَامَ إلَيْهِ فَاحْتَضَنَهُ [1] وَأَجْلَسَهُ مَعَ الْقَوْمِ. فَلَمَّا رَآهُ بَحِيرَى جَعَلَ يَلْحَظُهُ لَحْظًا شَدِيدًا وَيَنْظُرُ إلَى أَشْيَاءَ مِنْ جَسَدِهِ، قَدْ كَانَ يَجِدُهَا عِنْدَهُ مِنْ صِفَتِهِ، حَتَّى إذَا فَرَغَ الْقَوْمُ مِنْ طَعَامِهِمْ وَتَفَرَّقُوا، قَامَ إلَيْهِ بَحِيرَى، فَقَالَ (لَهُ) [2] : يَا غُلَامُ، أَسْأَلُكَ بِحَقِّ اللَّاتِ وَالْعُزَّى إلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ بَحِيرَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ سَمِعَ قَوْمَهُ يَحْلِفُونَ بِهِمَا [3] . فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَهُ) [2] : لَا تَسْأَلْنِي بِاللات والعزّى، فو الله مَا أَبْغَضْتُ شَيْئًا قَطُّ بُغْضَهُمَا، فَقَالَ لَهُ بَحِيرَى: فباللَّه إلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ: سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ. فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ حَالِهِ فِي نَوْمِهِ وَهَيْئَتِهِ وَأُمُورِهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُ، فَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا عِنْدَ بَحِيرَى مِنْ صِفَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ إلَى ظَهْرِهِ، فَرَأَى خَاتَمَ [4] النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَلَى مَوْضِعِهِ مِنْ صِفَتِهِ الَّتِي عِنْدَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ مِثْلَ أَثَرِ الْمِحْجَمِ [5] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا فَرَغَ، أَقْبَلَ عَلَى عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا الْغُلَامُ مِنْكَ؟ قَالَ: ابْنِي. قَالَ لَهُ بَحِيرَى: مَا هُوَ بِابْنِكَ، وَمَا يَنْبَغِي لِهَذَا الْغُلَامِ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَيًّا، قَالَ: فَإِنَّهُ ابْنُ أَخِي، قَالَ: فَمَا فَعَلَ أَبُوهُ؟ قَالَ: مَاتَ وَأُمُّهُ حُبْلَى بِهِ، قَالَ: صَدَقْتَ، فَارْجِعْ بِابْنِ أَخِيكَ إلَى بَلَدِهِ، وَاحْذَرْ عَلَيْهِ يهود، فو الله لَئِنْ رَأَوْهُ وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا عَرَفْتُ لَيَبْغُنَّهُ [6] شَرًّا، فَإِنَّهُ كَائِنٌ لَابْنِ أَخِيكَ هَذَا شَأْنٌ عَظِيمٌ، فَأَسْرِعْ بِهِ إلَى بِلَادِهِ.

_ [1] احتضنه: أَخذه من حضنه، أَي مَعَ جنبه. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] وَيُقَال إِنَّه إِنَّمَا سَأَلَهُ بِاللات والعزى اختبارا، وَهُوَ أولى من قَول ابْن إِسْحَاق. (رَاجع الشِّفَاء، وَشرح الْمَوَاهِب اللدنية) . [4] قيل سمى بذلك لِأَنَّهُ من العلامات الَّتِي يعرفهُ بهَا عُلَمَاء الْكتب السَّابِقَة. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) . [5] المحجم: الْآلَة، الَّتِي يحجم بهَا يعْنى أثر المحجمة القابضة على اللَّحْم حَتَّى يكون ناتئا. وَفِي الْخَبَر أَنه كَانَ حوله خيلان فِيهَا شَعرَات سود، وَأَنه كَانَ كالتفاحة، أَو كبيضة الْحَمَامَة. عِنْد نغض (غضروف) كتفه الْيُسْرَى. رَاجع (شرح الْمَوَاهِب، وَالرَّوْض) . [6] كَذَا فِي أوالطبري وَشرح الْمَوَاهِب. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ليبغينه» ، وَهُوَ تَحْرِيف.

(رجوع أبى طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان من زرير وصاحبيه) :

(رُجُوعُ أَبِي طَالِبٍ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا كَانَ مِنْ زُرَيْرٍ وَصَاحِبِيهِ) : فَخَرَجَ بِهِ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ سَرِيعًا حَتَّى أَقْدَمَهُ مَكَّةَ حَيْنَ فَرَغَ مِنْ تِجَارَتِهِ بِالشَّامِ، فَزَعَمُوا فِيمَا رَوَى النَّاسُ: أَنَّ زُرَيْرًا وَتَمَّامًا وَدَرِيسًا، وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، قَدْ كَانُوا رَأَوْا من رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَا رَآهُ بَحِيرَى فِي ذَلِكَ السَّفَرِ، الَّذِي كَانَ فِيهِ مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، فَأَرَادُوهُ فَرَدَّهُمْ عَنْهُ بَحِيرَى، وَذَكَّرَهُمْ اللَّهَ وَمَا يَجِدُونَ فِي الْكِتَابِ مِنْ ذِكْرِهِ وَصِفَتِهِ، وَأَنَّهُمْ إنْ أَجْمَعُوا لِمَا أَرَادُوا بِهِ لَمْ يَخْلُصُوا إلَيْهِ وَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ حَتَّى عَرَفُوا مَا قَالَ لَهُمْ، وَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ، فَتَرَكُوهُ وَانْصَرَفُوا عَنْهُ: فَشَبَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَكْلَؤُهُ وَيَحْفَظُهُ وَيَحُوطُهُ مِنْ أَقْذَارِ الْجَاهِلِيَّةِ، لِمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ وَرِسَالَتِهِ، حَتَّى بَلَغَ أَنْ كَانَ رَجُلًا، وَأَفْضَلَ قَوْمِهِ مُرُوءَةً، وَأَحْسَنَهُمْ خُلُقًا، وَأَكْرَمَهُمْ حَسَبًا، وَأَحْسَنَهُمْ جِوَارًا، وَأَعْظَمَهُمْ حِلْمًا، وَأَصْدَقَهُمْ حَدِيثًا، وَأَعْظَمَهُمْ أَمَانَةً، وَأَبْعَدَهُمْ مِنْ الْفُحْشِ وَالْأَخْلَاقِ الَّتِي تُدَنِّسُ الرِّجَالَ، تَنَزُّهًا وَتَكَرُّمًا، حَتَّى مَا اسْمُهُ فِي قَوْمِهِ إلَّا الْأَمِينُ، لِمَا جَمَعَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ الْأُمُورِ الصَّالِحَةِ. (حَدِيثُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عِصْمَةِ اللَّهِ لَهُ فِي طُفُولَتِهِ) : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا ذُكِرَ لِي- يُحَدِّثُ عَمَّا كَانَ اللَّهُ يَحْفَظُهُ بِهِ فِي صِغَرِهِ وَأَمْرِ جَاهِلِيَّتِهِ، أَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتنِي فِي غِلْمَانِ قُرَيْشٍ نَنْقُلُ حِجَارَةً لِبَعْضِ مَا يَلْعَبُ بِهِ الْغِلْمَانُ، كُلُّنَا قَدْ تَعَرَّى، وَأَخَذَ إزَارَهُ فَجَعَلَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، يَحْمِلُ عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ، فَإِنِّي لَأُقْبِلُ مَعَهُمْ كَذَلِكَ وَأُدْبِرُ، إذْ لَكَمَنِي لَاكِمٌ مَا أَرَاهُ، لَكْمَةً وَجِيعَةً، ثُمَّ قَالَ: شُدَّ عَلَيْكَ إزَارَكَ، قَالَ: فَأَخَذْتُهُ وَشَدَدْتُهُ عَلَيَّ، ثُمَّ جَعَلْتُ أَحْمِلُ الْحِجَارَةَ عَلَى رَقَبَتِي وَإِزَارِي عَلَيَّ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِي [1] .

_ [1] قَالَ السهيليّ فِي التَّعْلِيق على هَذِه الْقِصَّة: «وَهَذِه الْقِصَّة إِنَّمَا وَردت فِي الحَدِيث الصَّحِيح فِي حِين بُنيان الْكَعْبَة، وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينْقل الْحِجَارَة مَعَ قومه إِلَيْهَا، وَكَانُوا يحملون أزرهم على عواتقهم لتقيهم الْحِجَارَة، وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحملهَا على عَاتِقه وَإِزَاره مشدود عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس رضى الله عَنهُ: يَا بن أخى لَو جعلت إزارك على عاتقك، فَفعل فَسقط مغشيا عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ إزَارِي إزَارِي. فَشد عَلَيْهِ إزَاره، وَقَامَ يحمل الْحِجَارَة.

حرب الفجار [1]

حَرْبُ الْفِجَارِ [1] (سَبَبُهُا) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فِيمَا حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النَّحْوِيُّ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، هَاجَتْ حَرْبُ الْفُجَّارِ بَيْنَ قُرَيْشٍ، وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ كِنَانَةَ، وَبَيْنَ قَيْسِ عَيْلَانَ. وَكَانَ الَّذِي هَاجَهَا أَنَّ عُرْوَةَ الرَّحَّالَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابِ بْنِ رَبِيعَةَ ابْن عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ، أَجَارَ [2] لَطِيمَةً [3] لِلنُّعْمَانِ ابْن الْمُنْذَرِ [4] ، فَقَالَ لَهُ الْبَرَّاضُ بْنُ قَيْسٍ، أَحَدُ بَنِي ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ

_ [ () ] وَفِي حَدِيث آخر: أَنه لما سقط ضمه الْعَبَّاس إِلَى نَفسه وَسَأَلَهُ عَن شَأْنه، فَأخْبرهُ أَنه نُودي من السَّمَاء: أَن اشْدُد عَلَيْك إزارك يَا مُحَمَّد. قَالَ: وَإنَّهُ لأوّل مَا نُودي. وَحَدِيث ابْن إِسْحَاق، إِن صَحَّ أَن ذَلِك كَانَ فِي صغره إِذْ كَانَ يلْعَب مَعَ الغلمان، فَحَمله على أَن هَذَا الْأَمر كَانَ مرَّتَيْنِ، مرّة فِي حَال صغره، وَمرَّة فِي أول اكتهاله عِنْد بُنيان الْكَعْبَة» . [1] الْفجار (بِالْكَسْرِ) : بِمَعْنى المفاجرة، كالقتال والمقاتلة، وَذَلِكَ أَنه كَانَ قتالا فِي الشَّهْر الْحَرَام فَفَجَرُوا فِيهِ جَمِيعًا، فَسمى الْفجار. وَكَانَ للْعَرَب فجارات أَرْبَعَة، آخرهَا فجار البراض هَذَا. وَأما الْفجار الأول فَكَانَ بَين كنَانَة وهوازن، وَكَانَ الّذي هاجه أَن بدر بن معشر، أحد بنى عقال بن مليك من كنَانَة، جعل لَهُ مَجْلِسا بسوق عكاظ، وَكَانَ حَدثا منيعا فِي نَفسه، ثمَّ كَانَ أَن افتخر فِي السُّوق وتصدى لَهُ الأحيمر بن مَازِن أحد بنى دهمان، ثمَّ تحاور الخيان عِنْد ذَلِك حَتَّى كَاد أَن تكون بَينهمَا الدِّمَاء، ثمَّ تراجعوا وَرَأَوا أَن الْخطب يسير. وَكَانَ الْفجار الثَّانِي بَين قُرَيْش وهوازن، وَكَانَ الّذي هاجه فتية من قُرَيْش تعرضوا لامْرَأَة من بنى عَامر ابْن صعصعة، فهاجت الْحَرْب. وَكَانَ بَينهم قتال وَدِمَاء يسيرَة، فحملها حَرْب بن أُميَّة وَأصْلح بَينهم. وَكَانَ الْفجار الثَّالِث بَين كنَانَة وهوازن، وَكَانَ الّذي هاجه أَن رجلا من بنى كنَانَة كَانَ عَلَيْهِ دِيَة لرجل من بنى نصر، فأعدم الْكِنَانِي، فَعير النَّصْرَانِي ذَلِك قومه بسوق عكاظ، فَقَامَ إِلَيْهِ كنانى فَضَربهُ، ثمَّ تهايج النَّاس حَتَّى كَاد أَن يكون بَينهم قتال، ثمَّ تراجعوا. (رَاجع العقد الفريد، والأغاني ج 19 ص 74- 80 طبع بلاق) . [2] كَذَا فِي أوالعقد الفريد. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أجَاز» بالزاي، وَهُوَ تَصْحِيف. [3] اللطيمة: الْجمال الَّتِي تحمل التِّجَارَة، وَالطّيب والبز وأشباههما. [4] وَذَلِكَ أَن النُّعْمَان بن الْمُنْذر ملك الْحيرَة كَانَ يبْعَث بسوق عكاظ فِي كل عَام لطيمة فِي جوَار رجل شرِيف من أَشْرَاف الْعَرَب يجيرها لَهُ حَتَّى تبَاع هُنَاكَ، ويشترى لَهُ بِثمنِهَا من أَدَم الطَّائِف مَا يحْتَاج إِلَيْهِ. (رَاجع العقد الفريد، والأغاني ج 19 ص 75 طبع بلاق) .

ابْن كِنَانَةَ: أَتُجِيرُهَا [1] عَلَى كِنَانَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَعَلَى الْخَلْقِ (كُلِّهِ) [2] . فَخَرَجَ فِيهَا عُرْوَةُ الرَّحَّالُ وَخَرَجَ الْبَرَّاضُ يَطْلُبُ غَفْلَتَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِتَيْمَنَ [3] ذِي طِلَالٍ بِالْعَالِيَةِ، غَفَلَ عُرْوَةُ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ الْبَرَّاضُ فَقَتَلَهُ فِى الشِّهْرِ [4] الْحَرَامِ، فَلِذَلِكُ سُمِّيَ الْفِجَارُ. وَقَالَ الْبَرَّاضُ [5] فِي ذَلِكَ: وَدَاهِيَةٍ تَهُمُّ النَّاسَ قَبْلِي ... شَدَدْتُ لَهَا بَنِي بَكْرٍ ضُلُوعِي [6] هَدَمْتُ بِهَا بُيُوتَ بَنِي كِلَابٍ ... وَأَرْضَعْتُ الْمَوَالِي بِالضُّرُوعِ [7] رَفَعْتُ لَهُ [8] بِذِى طَلَّالَ كَفِّي [9] ... فَخَرَّ يَمِيدُ كَالْجِذْعِ الصَّرِيعِ

_ [1] كَذَا فِي أوالعقد الفريد. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أتجيزها» بالزاي، وَهُوَ تَصْحِيف. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] تيمن ذُو طلال: وَاد إِلَى جَانب فدك، فِي قَول بَعضهم. وَالصَّحِيح أَنه بعالية نجد، كَمَا ذكر هُنَا (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [4] وَيُقَال إِنَّمَا كَانَ ذَلِك وَعُرْوَة إِلَى جَانب فدك، إِلَى أَرض يُقَال لَهَا أوارة قريبَة من تيمن، يشرب فِيهَا من الْخمر وتغنيه قينة، إِلَى أَن قَامَ فَنَامَ، فَعندهَا دخل عَلَيْهِ البراض، فَنَاشَدَهُ عُرْوَة وَقَالَ: كَانَت منى زلَّة، وَكَانَت الفعلة منى ضلة، فَلم يسمع لَهُ وَقَتله. (رَاجع العقد الفريد والأغاني) . [5] ويروى عَن البراض أَيْضا رجز قَالَه بعد قَتله لعروة، قبل هَذَا الشّعْر، وَهُوَ يردد فِيهِ قَول عُرْوَة وندمه على مَا كَانَ مِنْهُ: قد كَانَت الفعلة منى ضلة ... هلا على غَيْرِي جعلت الزلة فَسَوف أعلو بالحسام القله [6] رِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي العقد الفريد: وداهية يهال النَّاس مِنْهَا ... شددت على بنى بكر ضلوعي [7] الضروع: جمع ضرع: يُرِيد: ألحقت الموَالِي بمنزلتهم من اللؤم ورضاع الضروع، وأظهرت فسألتهم، وهتكت بيُوت أَشْرَاف بنى كلاب وصرحائهم. [8] كَذَا ورد هَذَا الشّطْر فِي أَكثر الْأُصُول، و «طلال» فِيهِ مُشَدّدَة، كَمَا يقْضى بذلك الْوَزْن، وَلَقَد عقد أَبُو ذَر والسهيليّ بَين «طلال» الْمُشَدّدَة هُنَا، و «طلال» المخففة فِي بَيت لبيد بعده موازنة، التمسا فِيهَا للبراض عذرا فِي إيرادها مُشَدّدَة، وَلَو أَنَّهُمَا وَقعا على رِوَايَة أوهي: رفعت لَهُ يَدي بِذِي طلال لغنيا عَن تلمس المعذرة، وَعقد هَذِه الموازنة هُنَا، وَعَن الْكَلَام على منع «طلال» من الصّرْف (على الرِّوَايَة الأولى) على أَنه اسْم مؤنث معرف. [9] رِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي العقد الفريد والأغاني: جمعت لَهُ يَدي بنصل سيف ... أفل فَخر كالجذع الصريع

(نشوب الحرب بين قريش وهوازن) :

وَقَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفْرِ بْنِ كِلَابٍ: أَبْلِغْ، إِنْ عَرَضْتَ، بَنِي كِلَابٍ ... وَعَامِرَ وَالْخُطُوبُ لَهَا مَوَالِي وَبَلِّغْ، إِنْ عَرَضْتَ، بَنِي نُمَيْرٍ ... وَأَخْوَالَ القَتِيلِ بَنِي هِلَالِ بِأَنَّ الْوَافِدَ الرَّحَّالَ أَمْسَى ... مُقِيمًا عِنْدَ تَيْمَنَ ذِى طِلَالٍ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِى أَبْيَاتٍ لَهُ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ. (نُشُوبُ الْحَرْبِ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَهَوَازِنَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَأَتَى آتٍ قُرَيْشًا، فَقَالَ: إِنَّ الْبَرَّاضَ قَدْ قَتَلَ عُرْوَةَ، وَهُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ بِعُكَاظَ، فَارْتَحَلُوا وَهَوَازِنُ لَا تَشْعُرُ (بِهِمْ) [1] ، ثُمَّ بَلَغَهُمْ الْخَبَرُ فَأَتْبَعُوهُمْ، فَأَدْرَكُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا الْحَرَمَ، فَاقْتَتَلُوا حَتَّى جَاءَ اللَّيْلُ، وَدَخَلُوا الْحَرَمَ، فَأَمْسَكَتْ عَنْهُمْ هَوَازِنُ، ثُمَّ الْتَقَوْا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ أَيَّامًا، وَالْقَوْمُ مُتَسَانَدُونَ [2] عَلَى كُلِّ قَبِيلٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ رَئِيسٌ مِنْهُمْ، وَعَلَى كُلِّ قَبِيلٍ مِنْ قَيْسٍ رَئِيسٌ مِنْهُمْ. (حُضُورُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَغِيرٌ فِيهَا وَعُمْرُهُ) : وَشَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ أَيَّامِهِمْ، أَخْرَجَهُ أَعْمَامُهُ مَعَهُمْ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْتُ أَنْبُلُ عَلَى أَعْمَامِي: أَيْ أَرُدُّ عَلَيْهِمْ [3] نَبْلَ عَدُوِّهِمْ إذَا رَمَوْهُمْ بِهَا. (سَبَبُ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: هَاجَتْ حَرْبُ الْفجارِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً. وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَوْمَ الْفجارِ، بِمَا اسْتَحَلَّ هَذَانِ الْحَيَّانِ، كِنَانَةُ وَقَيْسُ عَيْلَانَ، فِيهِ مِنْ الْمَحَارِمِ بَيْنَهُمْ. (قُوَّادُ قُرَيْشٍ وَهَوَازِنَ فِيهَا وَنَتِيجَتُهَا) : وَكَانَ قَائِدُ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ حَرْبُ (بْنُ) [4] أُمِّيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَكَانَ الظَّفَرُ

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] متساندون: أَي لَيْسَ لَهُم أَمِير وَاحِد يجمعهُمْ. [3] فِي الأَصْل: «عَنْهُم» . والتصويب عَن كتب اللُّغَة. [4] زِيَادَة عَن أ.

حديث تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة رضى الله عنها

فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لِقَيْسٍ عَلَى كِنَانَةَ، حَتَّى إذَا كَانَ فِي وَسَطِ النَّهَارِ كَانَ الظَّفَرُ لِكِنَانَةِ عَلَى قِيسٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدِيثُ الْفجارِ أَطْوَلُ مِمَّا ذَكَرْتُ، وَإِنَّمَا مَنَعَنِي مِنْ اسْتِقْصَائِهِ قَطْعُهُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدِيثُ تَزْوِيجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (سنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد تزَوجه مِنْ خَدِيجَةَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً [1] ، تَزَوَّجَ خَدِيجَةَ [2] بِنْتَ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ، فِيمَا حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيِّ. (خُرُوجُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الشَّامِ فِي تِجَارَةِ خَدِيجَةَ، وَمَا كَانَ مِنْ بَحِيرَى) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ امْرَأَةً تَاجِرَةً ذَاتَ شَرَفٍ وَمَالٍ.

_ [1] وَقيل كَانَ سنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى وَعشْرين سنة، وَقيل ثَلَاثِينَ، كَمَا قيل سبعا وَثَلَاثِينَ، وَقيل غير ذَلِك. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب، والاستيعاب) . [2] وَكَانَ عمر خَدِيجَة إِذْ ذَاك أَرْبَعِينَ سنة. وَقيل: خمْسا وَأَرْبَعين. وَكَانَت تدعى فِي الْجَاهِلِيَّة بالطاهرة، لشدَّة عفافها وصيانتها. وَكَانَت تَحت أَبى هَالة بن زُرَارَة التَّمِيمِي، وَمَات أَبُو هَالة فِي الْجَاهِلِيَّة، وَقد ولدت لَهُ خَدِيجَة هندا الصَّحَابِيّ. رَاوِي حَدِيث صفة النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقد شهد بَدْرًا، وَقيل أحدا. وَقد روى عَنهُ الْحسن بن على، فَقَالَ: حَدثنِي خَالِي، لِأَنَّهُ أَخُو فَاطِمَة لأمها. وَكَانَ هِنْد فصيحا بليغا وصافا وَكَانَ يَقُول: أَنا أكْرم النَّاس أَبَا وَأما وأخا وأختا. أَبى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخى الْقَاسِم، وأختى فَاطِمَة، وأمى خَدِيجَة، رضى الله عَنْهُم، وَقتل هِنْد مَعَ على يَوْم الْجمل، وَقيل مَاتَ بِالْبَصْرَةِ فِي الطَّاعُون، وَيُقَال: إِن الّذي مَاتَ بالطاعون وَلَده، واسْمه هِنْد أَيْضا. كَمَا ولدت خَدِيجَة أَيْضا لأبى هَالة: هَالة بن أَبى هَالة، وَكَانَ لَهُ صُحْبَة. وَبعد أَن مَاتَ أَبُو هَالة عَن خَدِيجَة تزَوجهَا عَتيق بن عَابِد المَخْزُومِي، فَولدت لَهُ بِنْتا اسْمهَا هِنْد، وَقد أسلمت وصحبت. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب، والاستيعاب) .

(رغبة خديجة في الزواج منه) :

تَسْتَأْجِرُ الرِّجَالَ فِي مَالِهَا وَتُضَارِبُهُمْ [1] إيَّاهُ، بِشَيْءٍ تَجْعَلُهُ لَهُمْ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَوْمًا تُجَّارًا، فَلَمَّا بَلَغَهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَلَغَهَا، مِنْ صَدْقِ حَدِيثِهِ، وَعِظَمِ أَمَانَتِهِ، وَكَرَمِ أَخْلَاقِهِ، بَعَثَتْ إلَيْهِ فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ فِي مَالٍ لَهَا إلَى الشَّامِ تَاجِرًا، وَتُعْطِيهِ أَفَضْلَ مَا كَانَتْ تُعْطِي غَيْرَهُ مِنْ التُّجَّارِ، مَعَ غُلَامٍ لَهَا يُقَالُ لَهُ مَيْسَرَةَ، فَقَبِلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا، وَخَرَجَ فِي مَالِهَا ذَلِكَ، وَخَرَجَ مَعَهُ غُلَامُهَا مَيْسَرَةُ حَتَّى قَدِمَ الشَّامَ. فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ قَرِيبًا مِنْ صَوْمَعَةِ رَاهِبٍ [2] مِنْ الرُّهْبَانِ، فَاطَّلَعَ الرَّاهِبُ إلَى مَيْسَرَةَ، فَقَالَ لَهُ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ؟ قَالَ لَهُ مَيْسَرَةُ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: مَا نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ قَطُّ إلَّا نَبِيٌّ [3] . (رَغْبَةُ خَدِيجَةَ فِي الزَّوَاجِ مِنْهُ) : ثُمَّ بَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِلْعَتَهُ الَّتِي خَرَجَ بِهَا، وَاشْتَرَى مَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ، ثُمَّ أَقْبَلَ قَافِلًا إلَى مَكَّةَ وَمَعَهُ مَيْسَرَةُ. فَكَانَ مَيْسَرَةُ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- إذَا كَانَتْ الْهَاجِرَةُ وَاشْتَدَّ الْحُرُّ، يَرَى مَلَكَيْنِ يُظِلَّانِهِ مِنْ الشَّمْسِ- وَهُوَ يَسِيرُ عَلَى بَعِيرِهِ. فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ عَلَى خَدِيجَةَ بِمَالِهَا، بَاعَتْ مَا جَاءَ بِهِ، فَأَضْعَفَ أَوْ قَرِيبًا [4] .

_ [1] تضاربهم: تقارضهم، وَالْمُضَاربَة: المقارضة. [2] وَكَانَ اسْم هَذَا الراهب نسطورا، وَلَيْسَ هُوَ بحيرى الْمُتَقَدّم ذكره. [3] يُرِيد مَا نزل تحتهَا هَذِه السَّاعَة إِلَّا نَبِي، وَلم يرد مَا نزل تحتهَا قطّ إِلَّا نَبِي، لبعد الْعَهْد بالأنبياء قبل ذَلِك. وَإِن كَانَ فِي لفظ الْخَبَر «قطّ» فقد تكلم بهَا على جِهَة التوكيد للنَّفْي، والشجرة لَا تعمر فِي الْعَادة هَذَا الْعُمر الطَّوِيل، حَتَّى يدرى أَنه لم ينزل تحتهَا إِلَّا عِيسَى أَو غَيره من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام. وَيبعد فِي الْعَادة أَن تكون شَجَرَة تَخْلُو من أَن ينزل تحتهَا أحد حَتَّى يَجِيء نَبِي، إِلَّا أَن تصح رِوَايَة من قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث: لم ينزل تحتهَا أحد بعد عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام، وَهِي رِوَايَة عَن غير ابْن إِسْحَاق، فالشجرة على هَذَا مَخْصُوصَة بِهَذِهِ الْآيَة. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [4] وروى الزرقانى عَن الْوَاقِدِيّ وَابْن السكن فِي اخْتِيَار خَدِيجَة لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَن أَبَا طَالب قَالَ: يَا بن أخى، أَنا رجل لَا مَال لي، وَقد اشْتَدَّ الزَّمَان علينا، وألحت علينا سنُون مُنكرَة، وَلَيْسَ لنا مَادَّة وَلَا تِجَارَة، وَهَذِه عير قَوْمك قد حضر خُرُوجهَا إِلَى الشَّام، وَخَدِيجَة تبْعَث رجَالًا من قَوْمك يتجرون فِي مَالهَا ويصيبون مَنَافِع، فَلَو جِئْتهَا لفضلتك على غَيْرك، لما يبلغهَا عَنْك من طهارتك، وَإِن كنت أكره أَن تأتى الشَّام، وأخاف عَلَيْك من يهود، وَلَكِن لَا نجد من ذَلِك بدا، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ

(نسب خديجة) :

وَحَدَّثَهَا مَيْسَرَةُ عَنْ قَوْلِ الرَّاهِبِ، وَعَمَّا كَانَ يَرَى مِنْ إظْلَالِ الْمَلَكَيْنِ إيَّاهُ. وَكَانَتْ خَدِيجَةُ امْرَأَةً حَازِمَةً شَرِيفَةً لَبِيبَةً، مَعَ مَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَا مِنْ كَرَامَتِهِ، فَلَمَّا أَخْبَرَهَا مَيْسَرَةُ بِمَا أَخْبَرَهَا بِهِ بَعَثَتْ [1] إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ لَهُ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- يَا بن عَمِّ. إنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِيكَ لِقَرَابَتِكَ، وَسِطَتِكَ [2] فِي قَوْمِكَ وَأَمَانَتِكَ وَحُسْنِ خُلُقِكَ، وَصِدْقِ حَدِيثِكَ، ثُمَّ عَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا. وَكَانَتْ خَدِيجَةُ يَوْمئِذٍ أَوْسَطَ نِسَاءِ قُرَيْشٍ نَسَبًا، وَأَعْظَمَهُنَّ شَرَفًا، وَأَكْثَرَهُنَّ مَالًا، كُلُّ قَوْمِهَا كَانَ حَرِيصًا عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا لَوْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ. (نَسَبُ خَدِيجَةَ) : وَهِيَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ. وَأُمُّهَا: فَاطِمَةُ بِنْتُ زَائِدَةَ [3] بْنِ الْأَصَمِّ بْنِ رَوَاحَةَ بْنِ حَجَرِ بْنِ عَبْدِ بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فَهِرٍّ. وَأُمُّ فَاطِمَةَ: هَالَةُ بِنْتُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُنْفِذِ بْنِ عَمْرِو ابْن مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ. وَأُمُّ هَالَةَ: قِلَابَةُ بِنْتُ سَعِيدِ ابْن سَعْدِ بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ. (زَوَاجُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَدِيجَةَ) : فَلَمَّا قَالَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر ذَلِك لَا عِمَامَة فَخَرَجَ مَعَهُ

_ [ () ] وَسلم: لَعَلَّهَا ترسل إِلَى فِي ذَلِك، فَقَالَ أَبُو طَالب: إِنِّي أَخَاف أَن تولى غَيْرك. فَبلغ خَدِيجَة مَا كَانَ من محاورة عَمه لَهُ. ثمَّ كَانَ أَن أرْسلت إِلَيْهِ، لعلمها قبل هَذَا بِصَدقَة وأمانته. [1] هَذَا قَول ابْن إِسْحَاق: أَنَّهَا عرضت عَلَيْهِ نَفسهَا من غير وساطة، وَيذْهب غَيره إِلَى أَنَّهَا عرضت عَلَيْهِ نَفسهَا بوساطة، وَأَن ذَلِك كَانَ على يَد نفيسة بنت منية، وَالْجمع مُمكن، فقد تكون بعثت نفيسة أَولا لتعلم أيرضى أم لَا؟. فَلَمَّا علمت بذلك كَلمته بِنَفسِهَا. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) . [2] كَذَا فِي أ. وَشرح الْمَوَاهِب، وَشرح السِّيرَة، وَالرَّوْض والطبري. وسطتك: شرفك. مَأْخُوذَة من الْوسط مصدر، كالعدة والزنة، وَالْوسط من أَوْصَاف الْمَدْح والتفضيل. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وسطتك» ، وَهُوَ تَحْرِيف. [3] كَذَا فِي أوالطبري، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بنت زَائِد» .

(أولاده صلى الله عليه وسلم من خديجة) :

عَمُّهُ حَمْزَةُ [1] بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى خُوَيْلِدِ [2] بْنِ أَسَدٍ، فَخَطَبَهَا إلَيْهِ، فَتَزَوَّجَهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ بَكْرَةً، وَكَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا غَيْرَهَا حَتَّى مَاتَتْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. (أَوْلَادُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَدِيجَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَدَهُ كُلَّهُمْ إلَّا إبْرَاهِيمَ الْقَاسِمَ، وَبَهْ كَانَ يُكَنَّى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالطَّاهِرَ [3] ، وَالطَّيِّبَ، وَزَيْنَبَ، وَرُقَيَّةَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ، وَفَاطِمَةَ، عَلَيْهِمْ السِّلَامُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَكْبَرُ بَنِيهِ الْقَاسِمُ، ثُمَّ الطَّيِّبُ، ثُمَّ الطَّاهِرُ، وَأَكْبَرُ بَنَاتِهِ رُقَيَّةُ، ثُمَّ زَيْنَبُ، ثُمَّ أُمُّ كُلْثُومٍ، ثُمَّ فَاطِمَةُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَمَّا الْقَاسِمُ، وَالطَّيِّبُ، وَالطَّاهِرُ فَهَلَكُوا [4] فِي الْجَاهِلِيَّةِ،

_ [1] وَيُقَال إِن الّذي نَهَضَ مَعَه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ أَبُو طَالب، وَهُوَ الّذي خطب خطْبَة النِّكَاح. وَقيل: لعلهما خرجا مَعَه جَمِيعًا وخطب أَبُو طَالب الْخطْبَة، لِأَنَّهُ كَانَ أسن من حَمْزَة. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب وَالرَّوْض) . [2] وَذكر الزُّهْرِيّ أَن خويلد أبرم هَذَا الزواج، وَهُوَ سَكرَان، فَلَمَّا أَفَاق أنكر ذَلِك، ثمَّ رضيه وأمضاه وَفِي ذَلِك يَقُول راجز من أهل مَكَّة: لَا تزهدى خديج فِي مُحَمَّد ... نجم يضيء كإضاء الفرقد وَذكر غير ابْن إِسْحَاق أَن خويلدا كَانَ إِذْ ذَاك قد هلك، وَأَن الّذي أنكح خَدِيجَة رضى الله عَنْهَا هُوَ عَمها عَمْرو بن أَسد. كَمَا يُقَال أَيْضا إِن الّذي أنْكحهَا هُوَ أَخُوهَا عَمْرو بن خويلد. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب، وَالرَّوْض) . [3] يشْعر سِيَاق الحَدِيث هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي، أَن الطَّاهِر وَالطّيب شخصان، وَالْمَعْرُوف أَنَّهُمَا لقبان لعبد الله، وَبِهِمَا كَانَ يلقب. (رَاجع زَاد الْمعَاد، وَالرَّوْض الْأنف، والمعارف) . [4] فِي موت الْقَاسِم فِي الْجَاهِلِيَّة خلاف، فقد ذكر السهيليّ عَن الزبير أَن الْقَاسِم مَاتَ رضيعها، وَأَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل على خَدِيجَة بعد موت الْقَاسِم، وَهِي تبكى، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، لقد درت لبينة الْقَاسِم (اللبينة تَصْغِير لبنة، وَهِي قِطْعَة من اللَّبن) . فَلَو كَانَ عَاشَ حَتَّى يستكمل رضاعه لهون على، فَقَالَ: إِن شِئْت أسمعتك صَوته فِي الْجنَّة، فَقَالَت بل أصدق الله وَرَسُوله. وَفِيمَا روى الزبير دَلِيل على أَن الْقَاسِم لم يهْلك فِي الْجَاهِلِيَّة.

(أم إبراهيم) :

وَأَمَّا بَنَاتُهُ فَكُلُّهُنَّ أَدْرَكْنَ الْإِسْلَامَ، فَأَسْلَمْنَ وَهَاجَرْنَ مَعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (أُمُّ إبْرَاهِيمَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَمَّا إبْرَاهِيمُ فَأُمُّهُ مَارِيَةُ (الْقِبْطِيَّةُ) . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، قَالَ: أُمُّ إبْرَاهِيمَ: مَارِيَةُ سُرِّيَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي أَهْدَاهَا إلَيْهِ الْمُقَوْقِسُ مِنْ حَفْنَ مِنْ كُورَةِ أَنْصِنَا [1] . (حَدِيثُ خَدِيجَةَ مَعَ وَرَقَةَ وَصِدْقُ نُبُوءَةِ وَرَقَةَ فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ قَدْ ذَكَرَتْ لِوَرَقَةَ [2] بْنِ نَوْفَلِ ابْن أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَكَانَ ابْنَ عَمِّهَا، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا قَدْ تَتَبَّعَ الْكُتُبَ وَعَلِمَ مِنْ عِلْمِ النَّاسِ- مَا ذَكَرَ لَهَا غُلَامُهَا مَيْسَرَةُ مِنْ قَوْلِ الرَّاهِبِ، وَمَا كَانَ يَرَى مِنْهُ إذْ كَانَ الْمَلَكَانِ يُظِلَّانِهِ، فَقَالَ وَرَقَةُ: لَئِنْ كَانَ هَذَا حَقًّا يَا خَدِيجَةُ، إنَّ مُحَمَّدًا لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ كَائِنٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ نَبِيٌّ يُنْتَظَرُ، هَذَا زَمَانُهُ، أَوْ كَمَا قَالَ. (قَالَ) [3] : فَجَعَلَ وَرَقَةُ يَسْتَبْطِئُ الْأَمْرَ وَيَقُولُ: حَتَّى مَتَى؟ فَقَالَ وَرَقَةُ فِي ذَلِكَ: لَجَجْتُ وَكُنْتُ فِي الذّكْرَى لَجُوجًا ... لِهَمٍّ طَالَمَا بَعَثَ النّشِيجَا [4] وَوَصْفٌ مِنْ خَدِيجَةَ بَعْدَ وَصْفٍ ... فَقَدْ طَالَ انْتِظَارِي يَا خَدِيجَا بِبَطْنِ الْمَكّتَيْنِ [5] عَلَى رَجَائِي ... حَدِيثَكَ أَنْ أَرَى مِنْهُ خُرُوجًا [6]

_ [1] رَاجع الْحَاشِيَة (رقم 2، 3 ص 7 من هَذَا الْجُزْء) . [2] أم ورقة: هِنْد بنت أَبى كَبِير بن عبد بن قصي. وَلَا عقب لورقة هَذَا، وَهُوَ أحد من آمن بالنبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل الْبَعْث. (رَاجع الرَّوْض) . [3] زِيَادَة عَن أ. [4] النشيج: الْبكاء مَعَ صَوت. [5] ثنى «مَكَّة» ، وَهِي وَاحِدَة لِأَن لَهَا بطاحا وظواهر، ومقصد الْعَرَب فِي هَذَا الْإِشَارَة إِلَى جَانِبي كل بَلْدَة، أَو الْإِشَارَة إِلَى أَعلَى الْبَلدة وأسفلها، فيجعلونها اثْنَتَيْنِ على هَذَا المغزى، وَقد قَالُوا: صدنَا بقنوين، وَهُوَ قِنَا: اسْم جبل. وَقَالَ عنترة: شربت بِمَاء الدّحرضين وَقد ورد مثل هَذَا كثير فِي شعر الْعَرَب. [6] الْهَاء فِي «منَّة» : رَاجِعَة على الحَدِيث. وحرف الْجَرّ مُتَعَلق بِالْخرُوجِ.

حديث بنيان الكعبة وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش في وضع الحجر

مِمَّا خَبّرْتنَا مِنْ قَوْلِ قَسٍّ ... مِنْ الرّهْبَانِ أَكْرَهُ أَنْ يَعُوجَا بِأَنَّ مُحَمّدًا سَيَسُودُ فِينَا ... وَيَخْصِمُ مَنْ يَكُونَ لَهُ حَجِيجًا وَيَظْهَرُ فِي الْبِلَادِ ضِيَاءُ نُورٍ ... يُقِيمُ بِهِ الْبَرِيّةُ أَنْ تَمُوجَا [1] فَيَلْقَى مَنْ يُحَارِبُهُ خَسَارًا ... وَيَلْقَى مَنْ يُسَالِمُهُ فلوجا [2] فيا لَيْتَني إذَا مَا كَانَ ذاكم ... شهِدت فَكنت أَوّلَهُمْ ولوجا [3] ولوجا فِي الّذي كَرهُوا قُرَيْشٌ ... وَلَوْ عَجّتْ بمكّتها عجيجا [4] رجىّ بِاَلّذِي كَرِهُوا جَمِيعًا ... إلَى ذِي الْعَرْشِ إنْ سَفَلُوا عُرُوجَا [5] وَهَلْ أَمْرُ السّفَالَةِ غَيْرُ كُفْرٍ ... بِمَنْ يَخْتَارُ مِنْ سَمَكِ الْبُرُوجَا فَإِنْ يَبْقَوْا وَأَبْقَ تَكُنْ أُمُورٌ ... يَضِجُّ الْكَافِرُونَ لَهَا ضَجِيجَا وَإِنْ أَهْلَكَ فَكُلُّ فَتًى سَيَلْقَى ... مِنْ الأقدار متلفة [6] حروجا حَدِيثُ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ وَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ فِي وَضْعِ الْحَجَرِ (سَبَبُ بُنْيَانِ قُرَيْشٍ لِلْكَعْبَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِبُنْيَانِ الْكَعْبَةِ [7] ، وَكَانُوا يُهِمُّونَ بِذَلِكَ لِيُسَقِّفُوهَا وَيَهَابُونَ هَدْمَهَا

_ [1] تموج: تضطرب. [2] الفلوج: الظُّهُور على الْخصم والعدو. [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أَكْثَرهم» . [4] عجت: ارْتَفَعت أصواتها. [5] العروج: الصعُود والعلو. [6] المتلفة: الْمهْلكَة. والحروج: الْكَثِيرَة التَّصَرُّف. ولورقة فِي هَذَا الْمَعْنى شعر ذكره السهيليّ، وَذكر أَنه من رِوَايَة يُونُس عَن ابْن إِسْحَاق، مِنْهُ: أتبكر أم أَنْت العشية رائح ... وَفِي الصَّدْر من إضمارك الْحزن قَادِح [7] بنيت الْكَعْبَة خمس مَرَّات. الأولى حِين بناها شِيث بن آدم. وَالثَّانيَِة حِين بناها إِبْرَاهِيم. وَالثَّالِثَة حِين بنتهَا قُرَيْش هَذِه الْمرة، وَكَانَ ذَلِك قبل الْإِسْلَام بِخمْس سِنِين. وَالرَّابِعَة حِين احترقت فِي عهد ابْن الزبير

وَإِنَّمَا كَانَتْ رَضْمًا [1] فَوْقَ الْقَامَةِ، فَأَرَادُوا رَفْعَهَا وَتَسْقِيفَهَا [2] ، وَذَلِكَ أَنَّ نَفَرًا سَرَقُوا كَنْزًا لِلْكَعْبَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ فِي بِئْرٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ الَّذِي وُجِدَ عِنْدَهُ الْكَنْزُ دُوَيْكًا [3] مَوْلًى لِبَنِي مُلَيْحِ بْنِ عَمْرِو مِنْ خُزَاعَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَقَطَعَتْ قُرَيْشٌ يَدَهُ. وَتُزْعِمُ قُرَيْشٌ أَنَّ الَّذِينَ سَرَقُوهُ وَضَعُوهُ عِنْدَ دُوَيْكٍ. وَكَانَ الْبَحْرُ قَدْ رَمَى بِسَفِينَةٍ إلَى جُدَّةَ لِرَجُلٍ مِنْ تُجَّارِ الرُّومِ، فَتَحَطَّمَتْ، فَأَخَذُوا خَشَبَهَا، فَأَعَدُّوهُ لِتَسْقِيفِهَا، وَكَانَ بِمَكَّةَ رَجُلٌ [4] قِبْطِيٌّ نَجَّارٌ، فَتَهَيَّأَ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ بَعْضُ مَا يُصْلِحُهَا. وَكَانَتْ حَيَّةً تَخْرَجُ مِنْ بِئْرِ الْكَعْبَةِ الَّتِي كَانَ يُطْرَحُ فِيهَا مَا يُهْدَى لَهَا كُلَّ يَوْمٍ، فَتَتَشَرَّقُ [5] عَلَى جِدَارِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَتْ مِمَّا يَهَابُونَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَدْنُو مِنْهَا أَحَدٌ إلَّا احْزَأَلَّتْ وَكَشَّتْ [6] وَفَتَحَتْ فَاهَا، وَكَانُوا يَهَابُونَهَا. فَبَيْنَا هِيَ ذَاتُ يَوْمٍ تَتَشَرَّقُ عَلَى جِدَارِ الْكَعْبَةِ، كَمَا كَانَتْ تَصْنَعُ، بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهَا طَائِرًا فَاخْتَطَفَهَا، فَذَهَبَ بِهَا، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: إنَّا لَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ رَضِيَ مَا أَرَدْنَا، عِنْدَنَا عَامِلٌ رَفِيقٌ، وَعِنْدَنَا خَشَبٌ، وَقَدْ كَفَانَا اللَّهُ الْحَيَّةَ.

_ [ () ] فَلَمَّا قَامَ عبد الْملك بن مَرْوَان هدمها، لِأَنَّهُ لم يعجب بِمَا فعل ابْن الزبير فِي بنائها، وبناه على مَا كَانَت عَلَيْهِ فِي عهد رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأما الْمَسْجِد الْحَرَام فَأول من بناه عمر بن الْخطاب، ثمَّ زَاد فِيهِ عُثْمَان، ثمَّ زَاد ابْن الزبير فِي إتقانه لَا فِي سعته، ثمَّ زَاد عبد الْملك بن مَرْوَان فِي ارْتِفَاع الْمَسْجِد. (رَاجع تَارِيخ مَكَّة للأزرقى، وَالرَّوْض، وَشرح الْمَوَاهِب) . [1] الرضم أَن تنضد الْحِجَارَة بَعْضهَا على بعض من غير ملاط. [2] وَقيل إِن الّذي حمل قُريْشًا على بنائها أَن السَّيْل أَتَى من فَوق الرَّدْم الّذي بِأَعْلَى مَكَّة فأضربه، فخافوا أَن يدخلهَا المَاء. وَقيل بل كَانَ الّذي حملهمْ على هَذَا احتراقها وَذَلِكَ أَن امْرَأَة أجمرت الْكَعْبَة فطارت شرارة فِي ثِيَابهَا فأحرقتها. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) . [3] قد تقدم أَن سَارِقا سرق من مَالهَا فِي زمن جرهم، وَأَنه دخل الْبِئْر الَّتِي فِيهَا كنزها، فَسقط عَلَيْهِ حجر، فحبسه فِيهَا حَتَّى خرج مِنْهَا وانتزع المَال مِنْهُ، ثمَّ بعث الله حَيَّة لَهَا رَأس كرأس الجدي، إِلَى آخر مَا جَاءَ فِي الْخَبَر هُنَاكَ. وَقد نبهنا على ذَلِك هُنَا ليجتمع بَين يَدي الْقَارئ مَا قيل فِي الْخَبَر الْوَاحِد مِمَّا يباين بعضه بَعْضًا، مِمَّا ذكر غير مُتَّصِل فِي الْكتاب. [4] وَكَانَ اسْم ذَلِك الرجل: باقوم، وَقيل: باقول. (رَاجع الْإِصَابَة، وَشرح الْمَوَاهِب، وَالرَّوْض) . [5] تتشرق: تبرز للشمس. وَيُقَال: تشرقت: إِذا قعدت للشمس لَا يحجبك عَنْهَا شَيْء. [6] احزألت: رفعت رَأسهَا. وكشت: صوتت باحتكاك بعض جلدهَا بِبَعْض. 13- سيرة ابْن هِشَام- 1

(ما حدث لأبى وهب عند بناء قريش الكعبة) :

(مَا حَدَثَ لِأَبِي وَهْبٍ عِنْدَ بِنَاءِ قُرَيْشٍ الْكَعْبَةَ) : فَلَمَّا أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ فِي هَدْمِهَا وَبِنَائِهَا، قَامَ أَبُو وَهْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَائِذُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ- فَتَنَاوَلَ مِنْ الْكَعْبَةَ حَجَرًا، فَوَثَبَ مِنْ يَدِهِ، حَتَّى رَجَعَ إلَى مَوْضِعِهِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لَا تُدْخِلُوا فِي بِنَائِهَا مِنْ كَسْبِكُمْ إلَّا طَيِّبًا، لَا يَدْخُلُ فِيهَا مَهْرُ بِغَيٍّ، وَلَا بَيْعُ رِبًا، وَلَا مُظْلَمَةُ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ [1] . وَالنَّاسُ يَنْحُلُونَ هَذَا الْكَلَامَ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرِ بْنِ مَخْزُومٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ الْمَكِّيُّ أَنَّهُ حُدِّثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمِّيَّةَ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحِ بْنِ عَمْرِو ابْن هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ: أَنَّهُ رَأَى ابْنًا لِجَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبِ بْنِ عَمْرِو يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقِيلَ: هَذَا ابْنٌ لِجَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ: عِنْدَ ذَلِكَ جَدُّ هَذَا، يَعْنِي أَبَا وَهْبٍ، الَّذِي أَخَذَ حَجَرًا مِنْ الْكَعْبَةِ حَيْنَ أَجْمَعَتْ قُرَيْشٌ لِهَدْمِهَا فَوَثَبَ مِنْ يَدِهِ، حَتَّى رَجَعَ إلَى مَوْضِعِهِ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لَا تُدْخِلُوا فِي بِنَائِهَا مِنْ كَسْبِكُمْ إلَّا طَيِّبًا، لَا تُدْخِلُوا فِيهَا مَهْرَ بِغَيٍّ، وَلَا بَيْعَ رِبًا، وَلَا مُظْلَمَةَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ. (قَرَابَةُ أَبِي وَهْبٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو وَهْبٍ خَالُ أَبِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ شَرِيفًا، وَلَهُ يَقُولُ شَاعِرٌ مِنْ الْعَرَبِ: وَلَوْ بِأَبِي وَهْبٍ أَنَخْتُ مَطِيَّتِي ... غَدَتْ مِنْ نَدَاهُ رَحْلُهَا غَيْرَ خَائِبٍ بِأَبْيَضَ مِنْ فَرْعَيْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ ... إذَا حُصِّلَتْ أَنْسَابُهَا فِي الذَّوَائِبِ [2] أَبِيٍّ لِأَخْذِ الضَّيْمِ يَرْتَاحُ لِلنَّدَى ... تَوَسَّطَ جَدَّاهُ فُرُوعَ الْأَطَايِبِ

_ [1] وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: لَا تجْعَلُوا فِي نَفَقَة هَذَا الْبَيْت شَيْئا أصبتموه غصبا، وَلَا قطعْتُمْ فِيهِ رحما، وَلَا انتهكتم فِيهِ ذمَّة أحد بَيْنكُم وَبَين أحد من النَّاس. [2] الذوائب: الأعالي، وَأَرَادَ بهَا الْأَنْسَاب الْكَرِيمَة.

(تجزئة الكعبة بين قريش، ونصيب كل فريق منها) :

عَظِيمِ رَمَادِ الْقِدْرِ يَمَلَّا جِفَانَهُ ... مِنْ الْخُبْزِ يَعْلُوهُنَّ مِثْلُ السَّبَائِبِ [1] (تَجْزِئَةُ الْكَعْبَةِ بَيْنَ قُرَيْشٍ، وَنَصِيبُ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهَا) : ثُمَّ إنَّ قُرَيْشًا جَزَّأَتْ [2] الْكَعْبَةَ، فَكَانَ شِقُّ [3] الْبَابِ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَزُهْرَةَ، وَكَانَ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ وَالرُّكْنِ الْيَمَانِي لِبَنِي مَخْزُومٍ، وَقَبَائِلُ مِنْ قُرَيْشٍ انْضَمُّوا إلَيْهِمْ، وَكَانَ ظَهْرُ الْكَعْبَةِ لِبَنِي جُمَحٍ وَسَهْمٍ، ابْنَيْ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ شِقُّ الْحَجَرِ لِبَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ، وَلِبَنِي أَسَدِ بْنِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وَلِبَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَهُوَ الْحَطِيمُ [4] . (الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَهَدْمُ الْكَعْبَةِ، وَمَا وَجَدُوهُ تَحْتَ الْهَدْمِ) : ثُمَّ إنَّ النَّاسَ هَابُوا هَدْمَهَا وَفَرِقُوا مِنْهُ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ: أَنَا أَبْدَؤُكُمْ فِي هَدْمِهَا، فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ، ثُمَّ قَامَ عَلَيْهَا، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهمّ لَمْ تُرَعْ [5]- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: لَمْ نَزِغْ [6]- اللَّهمّ إنَّا لَا نُرِيدُ إلَّا الْخَيْرَ. ثُمَّ هَدَمَ مِنْ نَاحِيَةِ الرُّكْنَيْنِ، فَتَرَبَّصَ النَّاسُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَقَالُوا: نَنْظُرُ، فَإِنْ أُصِيبَ لَمْ نَهْدِمْ مِنْهَا شَيْئًا وَرَدَدْنَاهَا كَمَا كَانَتْ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ، فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ صُنْعَنَا، فَهَدَمْنَا. فَأَصْبَحَ الْوَلِيدُ مِنْ لَيْلَتِهِ غَادِيًا عَلَى عَمَلِهِ، فَهَدَمَ وَهَدَمَ النَّاسُ مَعَهُ، حَتَّى إذَا انْتَهَى الْهَدْمُ بِهِمْ إلَى الْأَسَاسِ، أَسَاسِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَفْضَوْا إلَى حِجَارَةٍ خُضْرٍ كَالْأَسْنِمَةِ [7] آخِذٌ بَعْضُهَا بَعْضًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ يَرْوِي الْحَدِيثَ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ،

_ [1] السبائب: جمع سبيبة: وَهِي ثِيَاب رقاق بيض، فَشبه الشَّحْم الّذي يَعْلُو الجفان بهَا. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «تجزأت» . أَي تقسمتها بَيتهمْ. [3] الشق: النَّاحِيَة والجانب. [4] قيل: سمى حطيما، لِأَن النَّاس يزدحمون فِيهِ حَتَّى يحطم بَعضهم بَعْضًا، وَقيل بل لِأَن الثِّيَاب كَانَت تجرد فِيهِ عِنْد الطّواف. (عَن شرح السِّيرَة لأبى ذَر) . [5] لم ترع: لم تفزع. وَالضَّمِير فِيهَا يعود على الْكَعْبَة. [6] لم نَزغ: أَي لم نمل عَن دينك وَلَا خرجنَا عَنهُ، يُقَال: زاغ عَن كَذَا، إِذا خرج عَنهُ. [7] الأسنمة: جمع سَنَام، وَهُوَ أَعلَى الظّهْر، وَأَرَادَ أَن الْحِجَارَة دخل بَعْضهَا فِي بعض كَمَا تدخل عِظَام السنام بَعْضهَا فِي بعض، فشبهها بهَا. وتروى: «كالأسنة» . وَهِي جمع: سِنَان. شبهها بأسنة الرماح فِي الخضرة.

(اختلاف قريش فيمن يضع الحجر ولعقة الدم) :

مِمَّنْ كَانَ يَهْدِمُهَا، أَدْخَلَ عَتَلَةً بَيْنَ حَجَرَيْنِ مِنْهَا لِيُقْلِعَ بِهَا أَحَدَهُمَا، فَلَمَّا تَحَرَّكَ الْحَجَرُ تَنَقَّضَتْ [1] مَكَّةُ بِأَسْرِهَا، فَانْتَهَوْا عَنْ ذَلِكَ الْأَسَاسِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدِّثْتُ أَنَّ قُرَيْشًا وَجَدُوا فِي الرُّكْنِ كِتَابًا بِالسُّرْيَانِيَّةِ، فَلَمْ يَدْرُوا مَا هُوَ حَتَّى قَرَأَهُ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ، فَإِذَا هُوَ: أَنَا اللَّهُ ذُو بَكَّةَ [2] ، خَلَقْتهَا يَوْمَ خَلَقْتُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَصَوَّرْتُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَحَفَفْتهَا بِسَبْعَةِ أَمْلَاكٍ حُنَفَاءَ، لَا تَزُولُ حَتَّى يَزُولَ أَخْشَبَاهَا [3] ، مُبَارَكٌ لِأَهْلِهَا فِي الْمَاءِ وَاللَّبَنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَخْشَبَاهَا: جَبَلَاهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدِّثْتُ أَنَّهُمْ وَجَدُوا فِي الْمَقَامِ كِتَابًا فِيهِ: مَكَّةُ بَيْتُ اللَّهِ الْحَرَامِ يَأْتِيهَا رِزْقُهَا مِنْ ثَلَاثَةِ سُبُلٍ، لَا يُحِلُّهَا أَوَّلُ مِنْ أَهْلِهَا [4] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَعَمَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ أَنَّهُمْ وَجَدُوا حَجَرًا فِي الْكَعْبَةِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً، إنْ كَانَ مَا ذَكَرَ حَقًّا، مَكْتُوبًا فِيهِ: مَنْ يَزْرَعْ خَيْرًا يَحْصُدْ غِبْطَةً، وَمَنْ يَزْرَعْ شَرًّا يَحْصُدْ نَدَامَةً. تَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ، وَتُجْزَوْنَ الْحَسَنَاتِ! أَجَلْ، كَمَا لَا يُجْتَنَى مِنْ الشَّوْكِ الْعِنَبُ. (اخْتِلَافُ قُرَيْشٍ فِيمَنْ يَضَعُ الْحَجَرَ وَلُعْقَةَ الدَّمِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ الْقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ جَمَعَتْ الْحِجَارَةَ لِبِنَائِهَا، كُلُّ قَبِيلَةٍ تَجْمَعُ عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ بَنَوْهَا، حَتَّى بَلَغَ الْبُنْيَانِ مَوْضِعَ الرُّكْنِ [5] ، فَاخْتَصَمُوا فِيهِ، كُلُّ قَبِيلَةٍ تُرِيدُ أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى مَوْضِعِهِ دُونَ الْأُخْرَى، حَتَّى تَحَاوَزُوا [6] وَتَحَالَفُوا، وَأَعَدُّوا لِلْقِتَالِ، فَقَرَّبَتْ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ جَفْنَةً مَمْلُوءَةً دَمًا، ثُمَّ تَعَاقَدُوا هُمْ وَبَنُو عَدِيِّ

_ [1] تنقضت: اهتزت. [2] فِي أ: «ذُو مَكَّة» . [3] الأخشبان: جبلان بِمَكَّة. [4] يُرِيد لَا يحلهَا ابْتِدَاء بعض أَهلهَا. وَفِي ذَلِك إِشَارَة إِلَى مَا كَانَ من استحلال قُرَيْش الْقِتَال فِيهَا أَيَّام ابْن الزبير وحصين بن نمير، ثمَّ الْحجَّاج بعده، وَلذَلِك قَالَ ابْن أَبى ربيعَة: أَلا من لقلب معنى غزل ... يحب الْمحلة أُخْت الْمحل يعْنى بِالْمحل: عبد الله بن الزبير لقتاله فِي الْحرم. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [5] يُرِيد بالركن: الْحجر الْأسود. وسمى ركنا، لِأَنَّهُ مبْنى فِي الرُّكْن. [6] كَذَا فِي أ. وتحاوزوا: انْحَازَتْ كل قَبيلَة إِلَى جِهَة. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «تحاوروا» بالراء الْمُهْملَة.

(إشارة أبى أمية بتحكيم أول داخل فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم) :

ابْن كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ عَلَى الْمَوْتِ، وَأَدْخَلُوا أَيْدِيَهُمْ فِي ذَلِكَ الدَّمِ فِي تِلْكَ الْجَفْنَةِ، فَسُمُّوا لَعَقَّةَ الدَّمِ. فَمَكَثَتْ قُرَيْشٌ عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعَ لَيَالٍ أَوْ خَمْسًا، ثُمَّ إنَّهُمْ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ، وَتَشَاوَرُوا وَتَنَاصَفُوا. (إشَارَةُ أَبِي أُمِّيَّةَ بِتَحْكِيمِ أَوَّلِ دَاخِلٍ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : فَزَعَمَ بَعْضُ أهل الرِّوَايَة: أَن أَبَا أُمِّيَّةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ [1] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرِ بْنِ مَخْزُوم، وَكَانَ عامئذ أَسَنَّ قُرَيْشٍ كُلِّهَا، قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ فِيمَا تَخْتَلِفُونَ فِيهِ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ [2] هَذَا الْمَسْجِدِ يَقْضِي بَيْنَكُمْ فِيهِ، فَفَعَلُوا. فَكَانَ أَوَّلَ دَاخِلٍ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: هَذَا الْأَمِينُ، رَضِينَا، هَذَا مُحَمَّدٌ، فَلَمَّا انْتَهَى إلَيْهِمْ وَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلُمَّ إلَيَّ ثَوْبًا، فَأُتِيَ بِهِ، فَأَخَذَ الرُّكْنَ فَوَضَعَهُ فِيهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: لِتَأْخُذَ كُلُّ قَبِيلَةٍ بِنَاحِيَةٍ [3] مِنْ الثَّوْبِ، ثُمَّ ارْفَعُوهُ جَمِيعًا، فَفَعَلُوا: حَتَّى إذَا بَلَغُوا بِهِ مَوْضِعَهُ، وَضَعَهُ هُوَ بِيَدِهِ، ثُمَّ بَنَى [4] عَلَيْهِ.

_ [1] ويروى أَن المشير على قُرَيْش مهشم بن الْمُغيرَة، ويكنى أَبَا حُذَيْفَة. [2] هُوَ بَاب بنى شيبَة، وَكَانَ يُقَال لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة: بَاب بنى عبد شمس، وَيُقَال لَهُ الْآن: بَاب السَّلَام وَفِي رِوَايَة: أول من يدْخل بَاب الصَّفَا. [3] أَي بِنَاحِيَة من زواياه. وَلما فعلوا كَانَ فِي ربع عبد منَاف عتبَة بن ربيعَة، وَكَانَ فِي الرّبع الثَّانِي زَمعَة، وَفِي الثَّالِث أَبُو حُذَيْفَة بن الْمُغيرَة، وَفِي الرَّابِع قيس بن عدي. وَقد تمّ بِنَاء الْكَعْبَة قبل الْهِجْرَة بثمان عشرَة سنة، بعد أَن حلت كلمة الْوِفَاق مَحل الشقاق، ورضى الْكل بِحكمِهِ صلوَات الله عَلَيْهِ. وَإِلَى قَضِيَّة التَّحْكِيم يُشِير قَول هُبَيْرَة بن أَبى وهب المَخْزُومِي: تشاجرت الْأَحْيَاء فِي فصل خطة ... جرت بَينهم بالنحس من بعد أسعد تلاقوا بهَا بالبغض بعد مَوَدَّة ... وأوقد نَارا بَينهم شَرّ موقد فَلَمَّا رَأينَا الْأَمر قد جد جده ... وَلم يبْق شَيْء غير سل المهند رَضِينَا وَقُلْنَا الْعدْل أول طالع ... يَجِيء من الْبَطْحَاء من غير موعد ففاجأنا هَذَا الْأمين مُحَمَّد ... فَقُلْنَا رَضِينَا بالأمين مُحَمَّد [4] وَأما وضع الرُّكْن حِين بنيت الْكَعْبَة فِي أَيَّام ابْن الزبير، فقد وَضعه فِي الْموضع الّذي هُوَ فِيهِ الْآن حَمْزَة بن عبد الله بن الزبير، وَأَبوهُ يصلى بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِد، اغتنم شغل النَّاس عَنهُ بِالصَّلَاةِ لما أحس مِنْهُم التنافس فِي ذَلِك وَخَافَ الْخلاف، فأقره أَبوهُ. رَاجع (الرَّوْض الْأنف) .

(شعر الزبير في الحية التي كانت قريش تهاب بنيان الكعبة لها) :

(شِعْرُ الزَّبِيرِ فِي الْحَيَّةِ الَّتِي كَانَتْ قُرَيْشٌ تَهَابُ بُنْيَانَ الْكَعْبَةِ لَهَا) : وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تسمّى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قبل أَن ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي: الْأمين. فَلَمَّا فرغوا من الْبُنيان، وبنوها على مَا أَرَادوا، قَالَ الزّبير بن عبد الْمطلب، فِيمَا كَانَ من أَمر الحيّة الَّتِي كَانَت قُرَيْشٌ تَهَابُ بُنْيَانَ الْكَعْبَةِ لَهَا: عَجِبْتُ لِمَا تَصَوَّبَتْ الْعُقَابُ ... إلَى الثُّعْبَانِ وَهِيَ لَهَا اضْطِرَابُ وَقَدْ كَانَتْ يَكُونُ لَهَا كَشِيشٌ ... وَأَحْيَانًا يَكُونُ لَهَا وِثَابُ [1] إذَا قُمْنَا إلَى التَّأْسِيسِ شَدَّتْ ... تُهَيِّبُنَا الْبِنَاءَ وَقَدْ تُهَابُ فَلَمَّا أَنَّ خَشِينَا الرِّجْزَ [2] جَاءَتْ ... عُقَابٌ تَتْلَئِبُّ [3] لَهَا انْصِبَابُ فَضَمَّتْهَا إلَيْهَا ثُمَّ خَلَّتْ ... لَنَا الْبُنْيَانَ لَيْسَ لَهُ حِجَابُ فَقُمْنَا حَاشِدِينَ إلَى بِنَاءٍ ... لَنَا مِنْهُ الْقَوَاعِدُ وَالتُّرَابُ غَدَاةَ نَرْفَعُ التَّأْسِيسَ مِنْهُ ... وَلَيْسَ عَلَى مُسَوِّينَا [4] ثِيَابُ [5] أَعَزَّ بِهِ الْمَلِيكُ بَنِي لُؤَيٍّ ... فَلَيْسَ لِأَصْلِهِ مِنْهُمْ ذَهَابُ وَقَدْ حَشَدَتْ هُنَاكَ بَنُو عَدِيٍّ ... وَمُرَّةُ قَدْ تَقَدَّمَهَا كِلَابُ فَبَوَّأَنَا [6] الْمَلِيكُ بِذَاكَ عِزًّا ... وَعِنْدَ اللَّهِ يُلْتَمَسُ الثَّوَابُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: وَلَيْسَ عَلَى مَسَاوِينَا [7] ثِيَابُ (ارْتِفَاعُ الْكَعْبَةِ وَأَوَّلُ مَنْ كَسَاهَا الدِّيبَاجَ) : وَكَانَتِ الْكَعْبَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِي عَشْرَةَ ذِرَاعًا،

_ [1] الوثاب: الْوُثُوب. [2] الرجز: الْعَذَاب. ويروى: «الزّجر» وَهُوَ الْمَنْع. [3] تتلئب: تتَابع فِي انقضاضها. [4] كَذَا فِي أ. يُرِيد بِهِ مسوى الْبُنيان. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «مسوبنا» بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ تَصْحِيف. [5] لقد كَانُوا ينقلون الْحِجَارَة عُرَاة ويرون ذَلِك دينا، وَأَنه من بَاب التشمير وَالْجد فِي الطَّاعَة. [6] بوأنا: أحلنا وأوطننا. [7] يُرِيد بالمساوي: السوآت.

حديث الحمس

وَكَانَتْ تُكْسَى الْقَبَاطِيَّ [1] ، ثُمَّ كُسِيتِ الْبُرُودَ [2] ، وَأَوَّلُ مَنْ كَسَاهَا الدِّيبَاجَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ [3] . حَدِيثُ الْحُمْسِ (الْحُمْسُ عِنْدَ قُرَيْشٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَتْ قُرَيْشٌ- لَا أَدْرِي أَقَبْلَ الْفِيلِ أَمْ بَعْدَهُ- ابْتَدَعَتْ رَأْيَ [4] الْحُمْسِ [5] رَأْيًا رَأَوْهُ وَأَدَارُوهُ، فَقَالُوا: نَحْنُ بَنُو إبْرَاهِيمَ وَأَهْلُ الْحُرْمَةِ، وَوُلَاةُ الْبَيْتِ، وَقُطَّانُ [6] مَكَّةَ وَسَاكِنُهَا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْعَرَبِ مِثْلُ حَقِّنَا، وَلَا مِثْلُ مَنْزِلَتِنَا، وَلَا تَعْرِفُ لَهُ الْعَرَبُ مِثْلَ مَا تَعْرِفُ لَنَا، فَلَا تُعَظِّمُوا شَيْئًا مِنْ الْحِلِّ كَمَا تُعَظِّمُونَ الْحَرَمَ، فَإِنَّكُمْ إنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ اسْتَخَفَّتْ الْعَرَبُ بِحُرْمَتِكُمْ، وَقَالُوا قَدْ عَظَّمُوا مِنْ الْحِلِّ مِثْلَ مَا عَظَّمُوا مِنْ الْحَرَمِ. فَتَرَكُوا الْوُقُوفَ عَلَى عَرَفَةَ، وَالْإِفَاضَةَ مِنْهَا، وَهُمْ يَعْرِفُونَ وَيُقِرُّونَ أَنَّهَا مِنْ الْمَشَاعِرِ [7] وَالْحَجِّ وَدِينِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَرَوْنَ لِسَائِرِ الْعَرَبِ أَنْ يَقِفُوا عَلَيْهَا، وَأَنْ يُفِيضُوا مِنْهَا، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: نَحْنُ أَهْلُ الْحَرَمِ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَخْرُجَ مِنْ الْحُرْمَةِ وَلَا نُعَظِّمُ غَيْرَهَا كَمَا نُعَظِّمُهَا نَحْنُ الْحُمْسُ، وَالْحُمْسُ أَهْلُ الْحَرَمِ، ثُمَّ جَعَلُوا لِمِنْ وُلِدُوا مِنْ الْعَرَبِ مِنْ سَاكِنِ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ مِثْلَ الَّذِي لَهُمْ، بِوِلَادَتِهِمْ إيَّاهُمْ، يَحِلُّ لَهُمْ مَا يَحِلُّ لَهُمْ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ.

_ [1] الْقبَاطِي: ثِيَاب بيض كَانَت تصنع بِمصْر وَهِي جمع قبطية، بِضَم الْقَاف وَكسرهَا. [2] البرود: ضرب من ثِيَاب الْيمن. [3] وَكَسَاهَا ابْن الزبير قبل الْحجَّاج الديباج، وَكَانَ خَالِد بن جَعْفَر بن كلاب مِمَّن كساها الديباج قبل الْإِسْلَام. (عَن الرَّوْض الْأنف) . [4] فِي أ: «أَمر» . [5] الحمس: جمع: أحمس. والأحمس: المشتد الصلب فِي الدَّين. وَسميت قُرَيْش حمسا لزعمهم بِأَنَّهُم اشتدوا فِي الدَّين، وَكَانُوا قد ذَهَبُوا فِي ذَلِك مَذْهَب التزهد والتأله. فَكَانَت نِسَاؤُهُم لَا ينسجن الشّعْر وَلَا الْوَبر. وسيعرض الْمُؤلف لتفصيل هَذَا بعد قَلِيل. [6] فِي أ: «قاطن» . [7] المشاعر: الْمَوَاضِع الْمَشْهُورَة فِي الْحَج، لَا يتم إِلَّا بهَا

(القبائل التي دانت مع قريش بالحمس) :

(الْقَبَائِلُ الَّتِي دَانَتْ مَعَ قُرَيْشٍ بِالْحُمْسِ) : وَكَانَتْ كِنَانَةُ وَخُزَاعَةُ قَدْ دَخَلُوا مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النَّحْوِيُّ: أَنَّ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ دَخَلُوا مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَأَنْشَدَنِي لعَمْرو بن معديكرب أَعَبَّاسُ لَوْ كَانَتْ شِيَارًا جِيَادُنَا ... بِتَثْلِيثَ مَا نَاصَيْتَ بَعْدِي الْأَحَامِسَا [1] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَثْلِيثُ: مَوْضِعٌ مِنْ بِلَادِهِمْ. وَالشِّيَارُ: [2] (السِّمَانُ) الْحِسَانُ. يَعْنِي بِالْأَحَامِسِ: بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ. وَبِعَبَّاسٍ: عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ، وَكَانَ أَغَارَ عَلَى بَنِي زُبَيْدٍ بِتَثْلِيثَ. وَهَذَا الْبَيْتُ مِنْ قَصِيدَةٍ لِعَمْرٍو. وَأَنْشَدَنِي لِلَقِيطِ بْنِ زُرَارَةَ الدَّارِمِيِّ فِي [3] يَوْمِ جَبَلَةَ: أَجْذِمْ [4] إلَيْكَ إنَّهَا بَنُو عَبْسٍ ... الْمَعْشَرُ الْجِلَّةُ [5] فِي الْقَوْمِ الْحُمْسُ لِأَنَّ بَنِي عَبْسٍ كَانُوا يَوْمَ جَبَلَةَ حُلَفَاءَ فِي بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ. (يَوْمَ جَبَلَةَ) : وَيَوْمُ جَبَلَةَ: يَوْمٌ كَانَ بَيْنَ بَنِي حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَبَيْنَ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ [6] ، فَكَانَ الظَّفَرُ فِيهِ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ عَلَى بَنِي حَنْظَلَةَ، وَقُتِلَ يَوْمئِذٍ لَقِيطُ بْنُ زُرَارَةَ بْنُ عُدَسَ [7] ، وَأُسِرَ حَاجِبُ بْنُ زُرَارَةَ بْنِ عُدَسَ

_ [1] ناصيت: أخذت بناصيتهم ونازعتهم. وَمِنْه حَدِيث عَائِشَة: لم تكن وَاحِدَة من نسَاء النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تناصينى غير زَيْنَب: أَي تنازعني وتبارينى. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] وَكَانَ يَوْم جبلة قبل الْإِسْلَام بِأَرْبَعِينَ سنة، وَهُوَ عَام مولد الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَاجع العقد الفريد، وَالرَّوْض) . [4] أَجْذم: زجر مَعْرُوف للخيل. [5] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والجلة: العظماء. وَفِي أ: «الْحلَّة» بِالْحَاء الْمُهْملَة. والحلة: الَّذين يسكنون فِي الْحل. [6] ذكر ابْن عبد ربه فِي كِتَابه «العقد الفريد» يَوْم شعب جبلة هَذَا. وَقَالَ إِنَّه كَانَ لعامر وَعَبس على ذبيان وَتَمِيم. [7] هُوَ بِضَم الدَّال عِنْد الْجَمِيع إِلَّا أَبَا عُبَيْدَة، فَإِنَّهُ عِنْده بِفَتْحِهَا، وكل عدس فِي الْعَرَب، فَإِنَّهُ مَفْتُوح الدَّال. (رَاجع الرَّوْض، وَشرح السِّيرَة لأبى ذَر، ومؤتلف الْقَبَائِل ومختلفها لِابْنِ حبيب) .

(يوم ذي نجب) :

وَانْهَزَمَ عَمْرُو بْنُ عَمْرِو بْنِ عُدَسَ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ. فَفِيهِ يَقُولُ جَرِيرٌ لِلْفَرَزْدَقِ: كَأَنَّكَ لَمْ تَشْهَدْ لَقِيطًا وَحَاجِبًا ... وَعَمْرَو بْنَ عَمْرٍو إذْ دَعَوْا يَا لَدَارِمِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. (يَوْمُ ذِي نَجَبٍ) : ثُمَّ الْتَقَوْا يَوْمَ ذِي نَجَبٍ [1] ، فَكَانَ الظَّفَرُ لِحَنْظَلَةَ عَلَى بَنِي عَامِرٍ، وَقُتِلَ يَوْمئِذٍ حَسَّانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْكِنْدِيُّ، وَهُوَ ابْنُ [2] كَبْشَةَ. وَأُسِرَ يَزِيدُ بْنُ الصَّعَقِ الْكِلَابِيُّ وَانْهَزَمَ الطُّفَيْلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ، أَبُو عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ. فَفِيهِ يَقُولُ الْفَرَزْدَقُ: [3] وَمِنْهُنَّ إذْ نَجَّى طُفَيْلُ بْنُ مَالِكٍ ... عَلَى قُرْزَلٍ [4] رَجْلًا رَكُوضَ الْهَزَائِمِ وَنَحْنُ ضَرَبْنَا هَامَةَ ابْنِ خُوَيْلِدٍ [5] ... نُزِيدُ عَلَى أُمِّ الْفِرَاخِ الْجَوَاثِمَ [6] وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. فَقَالَ جَرِيرٌ: وَنَحْنُ خَضَبْنَا لِابْنِ كَبْشَةَ تَاجَهُ ... وَلَاقَى امْرَأً فِي ضَمَّةِ الْخَيْلِ مِصْقَعًا [7] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَحَدِيثُ يَوْمِ جَبَلَةَ وَيَوْمِ ذِي نَجَبٍ أَطْوَلُ مِمَّا ذَكَرْنَا. وَإِنَّمَا مَنَعَنِي مِنْ اسْتِقْصَائِهِ مَا ذَكَرْتُ فِي حَدِيثِ يَوْمِ الْفِجَارِ.

_ [1] ذُو نجب (محركة) : وَاد قرب ماوان. (رَاجع مَا يعول عَلَيْهِ، ومعجم الْبلدَانِ) . [2] كَذَا فِي أهنا وَفِيمَا سَيَأْتِي من جَمِيع الْأُصُول وَفِي سَائِر الْأُصُول هُنَا: «أَبُو كَبْشَة» . [3] نسب هَذَا الشّعْر فِي مُعْجم الْبلدَانِ عِنْد الْكَلَام على ذِي نجب لسحيم بن وثيل الريَاحي. [4] قرزل (بِالضَّمِّ) : اسْم فرس لطفيل بن مَالك. وَكَانَ طفيل يُسمى: فَارس قرزل. [5] رِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي مُعْجم الْبلدَانِ: وَنحن ضربنا هَامة ابْن خويلد ... يزِيد وضرجنا عُبَيْدَة بِالدَّمِ [6] أم الْفِرَاخ الجواثم: يُرِيد الهامة، وَهِي البوم، وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَن الرجل إِذا قتل خرجت من رَأسه هَامة تصيح: اسقوني اسقوني، حَتَّى يُؤْخَذ بثأره. [7] المصقع (هُنَا) : مَأْخُوذ من قَوْلهم صقعه: إِذا ضربه على شَيْء مصمت.

(ما زادته العرب في الحمس) :

(مَا زَادَتْهُ الْعَرَبُ فِي الْحُمْسِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ ابْتَدَعُوا فِي ذَلِكَ أُمُورًا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ، حَتَّى قَالُوا: لَا يَنْبَغِي لِلْحُمْسِ أَنْ يَأْتَقِطُوا الْأَقِطَ [1] ، وَلَا يَسْلَئُوا [2] السَّمْنَ وَهُمْ حُرُمٌ، وَلَا يَدْخُلُوا بَيْتًا مِنْ شَعَرٍ، وَلَا يَسْتَظِلُّوا إنْ اسْتَظَلُّوا إلَّا فِي بُيُوتِ الْأَدَمِ [3] مَا كَانُوا حُرُمًا، ثُمَّ رَفَعُوا فِي ذَلِكَ، فَقَالُوا: لَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْحِلِّ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ طَعَامٍ جَاءُوا بِهِ مَعَهُمْ مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ، إذَا جَاءُوا حُجَّاجًا أَوْ عُمَّارًا، وَلَا يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ إذَا قَدِمُوا أَوَّلَ طَوَافِهِمْ إلَّا فِي ثِيَابِ الْحُمْسِ، فَإِنَّ لَمْ يَجِدُوا مِنْهَا شَيْئًا طَافُوا بِالْبَيْتِ عُرَاةً، فَإِنْ تَكَرَّمَ مِنْهُمْ مُتَكَرِّمٌ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، وَلَمْ يَجِدْ ثِيَابَ الْحُمْسِ، فَطَافَ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي جَاءَ بِهَا مِنْ الْحِلِّ، أَلْقَاهَا إذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ، ثُمَّ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا، وَلَمْ يَمَسَّهَا هُوَ، وَلَا أَحَدٌ غَيْرُهُ أَبَدًا. (اللَّقَى عِنْدَ الْحُمْسِ وَشِعْرٌ فِيهِ) : فَكَانَتْ الْعَرَبُ تُسَمِّي تِلْكَ الثِّيَابَ اللَّقَى [4] . فَحَمَلُوا عَلَى ذَلِكَ الْعَرَبَ، فَدَانَتْ بِهِ. وَوَقَفُوا عَلَى عرفَاتٍ، وَأَفَاضُوا مِنْهَا، وَطَافُوا بِالْبَيْتِ عُرَاةً: أَمَّا الرِّجَالُ فَيَطُوفُونَ عُرَاةً، وأمّا النِّسَاء فضع إحْدَاهُنَّ ثِيَابَهَا كُلَّهَا إلَّا دِرْعًا مُفَرَّجًا [5] عَلَيْهَا، ثُمَّ تَطُوفُ فِيهِ. فَقَالَتْ امْرَأَةٌ [6] مِنْ الْعَرَبِ، وَهِيَ كَذَلِكَ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ: الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ ... وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ

_ [1] الأقط (مُثَلّثَة ويحرك وككتف وَرجل وإبل) : شَيْء يتَّخذ من المخيض الغنمي. وَجمعه أقطان. وأقط الطَّعَام: عمله بِهِ. [2] سلأت السّمن واستلأته: إِذا طبخ وعولج، وَالِاسْم: السلاء (بِالْكَسْرِ مَمْدُود) . [3] بيُوت الْأدم: الأخبية الَّتِي تصنع من الْجلد. [4] اللقى: الشَّيْء الْملقى المطرح، وَيُقَال: المنسي. وَجمعه: ألقاء. [5] المفرج: المشقوق من قُدَّام أَو خلف. [6] يُقَال إِن هَذِه الْمَرْأَة هِيَ ضباعة بنت عَامر بن صعصعة، ثمَّ من بنى سَلمَة بن قُشَيْر، وَيذكر أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطبهَا، فَذكرت لَهُ عَنْهَا كبرة فَتَركهَا. وَلَعَلَّ الّذي أَخّرهَا عَن أَن تكون أما للْمُؤْمِنين وزوجا لرَسُول رب الْعَالمين، تكريم الله لنَبيه، وَعلمه بغيرته، وَالله أغير مِنْهُ، لما فِي قَوْلهَا: الْيَوْم يَبْدُو بعضه أَو كُله من شَيْء فِيهِ مَا فِيهِ. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .

(حكم الإسلام في الطواف، وإبطال عادات الحمس فيه) :

وَمَنْ طَافَ مِنْهُمْ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي جَاءَ فِيهَا مِنْ الْحِلِّ أَلْقَاهَا، فَلَمْ يَنْتَفِعُ بِهَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ. فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ الْعَرَبِ يَذْكُرُ شَيْئًا تَرَكَهُ مِنْ ثِيَابِهِ فَلَا يَقْرَبُهُ، وَهُوَ يحبّه [1] : كفى جزنا كَرَّى عَلَيْهَا كَأَنَّهَا [2] ... لَقًى بَيْنَ أَيْدِي الطَّائِفِينَ حَرِيمُ [3] يَقُولُ: لَا تُمَسُّ. (حُكْمُ الْإِسْلَامِ فِي الطَّوَافِ، وَإِبْطَالُ عَادَاتِ الْحُمْسِ فِيهِ) : فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ حَيْنَ أَحْكَمَ لَهُ دِينَهُ، وَشَرَعَ لَهُ سُنَنَ حَجِّهِ: «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» 2: 199 يَعْنِي قُرَيْشًا. وَالنَّاسُ: الْعَرَبُ. فَرَفَعَهُمْ فِي سُنَّةِ الْحَجِّ إلَى عَرَفَاتٍ وَالْوُقُوفِ عَلَيْهَا وَالْإِفَاضَةِ مِنْهَا. وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِيمَا كَانُوا حَرَّمُوا عَلَى النَّاسِ مِنْ طَعَامِهِمْ وَلَبُوسِهِمْ عِنْدَ الْبَيْتِ، حَيْنَ طَافُوا عُرَاةً، وَحَرَّمُوا مَا جَاءُوا بِهِ مِنْ الْحِلِّ مِنْ الطَّعَامِ: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا، إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ. قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ، كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [4] 7: 31- 32. فَوَضَعَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْرَ الْحُمْسِ، وَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ ابْتَدَعَتْ مِنْهُ عَلَى [5] النَّاسِ بِالْإِسْلَامِ، حَيْنَ بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ،

_ [1] وَمن اللقى حَدِيث فَاخِتَة أم حَكِيم بن حزَام، وَكَانَت دخلت الْكَعْبَة، وَهِي حَامِل تمّ بِحَكِيم بن حزَام، فأجاءها الْمَخَاض، فَلم تستطع الْخُرُوج من الْكَعْبَة، فَوَضَعته فِيهَا، فلفت فِي الأقطاع هِيَ وجنينها، وَطرح مثبرها وثيابها الَّتِي كَانَت عَلَيْهَا، فَجعلت لَقِي لَا تقرب. والمثبر، بِفَتْح الْمِيم: مسْقط الْوَلَد. [2] فِي أ: ... عَلَيْهِ كَأَنَّهُ. [3] حَرِيم: محرم، لَا يُؤْخَذ وَلَا ينْتَفع بِهِ. [4] المُرَاد بالزينة فِي الْآيَة اللبَاس وَعدم التعري. وَقَوله تَعَالَى: كُلُوا وَاشْرَبُوا 2: 60. إِشَارَة إِلَى مَا كَانَت الحمس حرمته من طَعَام الْحَج إِلَى طَعَام أحمسى. [5] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عَن» .

إخبار الكهان من العرب، والأحبار من يهود والرهبان من النصارى

عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ عَمِّهِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، وَإِنَّهُ لَوَاقِفٌ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ بِعَرَفَاتٍ مَعَ النَّاسِ مِنْ بَيْنَ قَوْمِهِ حَتَّى يَدْفَعُ مَعَهُمْ مِنْهَا تَوْفِيقًا [1] مِنْ اللَّهِ لَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. إخْبَارُ الْكُهَّانِ مِنْ الْعَرَبِ، وَالْأَحْبَارِ مِنْ يَهُودَ وَالرُّهْبَانِ مِنْ النَّصَارَى (مُعْرِفَةُ الْكُهَّانِ وَالْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ بِمَبْعَثِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ الْأَحْبَارُ مِنْ يَهُودَ، وَالرُّهْبَانُ مِنْ النَّصَارَى، وَالْكُهَّانُ مِنْ الْعَرَبِ، قَدْ تَحَدَّثُوا بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ، لَمَّا تَقَارَبَ مِنْ زَمَانِهِ. أَمَّا الْأَحْبَارُ مِنْ يَهُودَ، وَالرُّهْبَانُ مِنْ النَّصَارَى، فَعَمَّا وَجَدُوا فِي كُتُبِهِمْ مِنْ صِفَتِهِ وَصِفَةِ زَمَانِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ عَهْدِ أَنْبِيَائِهِمْ إلَيْهِمْ فِيهِ. وَأَمَّا الْكُهَّانُ مِنْ الْعَرَبِ فَأَتَتْهُمْ بِهِ الشَّيَاطِينُ مِنْ الْجِنِّ فِيمَا تَسْتَرِقُ مِنْ السَّمْعِ، إذْ كَانَتْ وَهِيَ لَا تُحْجَبُ عَنْ ذَلِكَ بِالْقَذْفِ بِالنُّجُومِ. وَكَانَ الْكَاهِنُ وَالْكَاهِنَةُ لَا يَزَالُ يَقَعُ مِنْهُمَا ذِكْرُ بَعْضِ أُمُورِهِ، لَا تُلْقِي الْعَرَبُ لِذَلِكَ فِيهِ بَالًا، حَتَّى بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَوَقَعَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ الَّتِي كَانُوا يَذْكُرُونَ، فَعَرَفُوهَا. (قَذْفُ الْجِنِّ بِالشُّهُبِ، وَآيَةُ ذَلِكَ عَلَى مَبْعَثِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : فَلَمَّا تَقَارَبَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَضَرَ مَبْعَثُهُ، حُجِبَتْ الشَّيَاطِينُ عَنْ السَّمْعِ، وَحِيلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَقَاعِدِ الَّتِي كَانَتْ تَقْعُدُ لِاسْتِرَاقِ السَّمْعِ فِيهَا، فَرُمُوا بِالنُّجُومِ، فَعَرَفَتْ الْجِنُّ أَنَّ ذَلِكَ لِأَمْرٍ حَدَثَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فِي الْعِبَادِ [2] ،

_ [1] وَذَلِكَ حَتَّى لَا يفوتهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوَاب الْحَج وَالْوُقُوف بِعَرَفَة. وَلَقَد قَالَ جُبَير حِين رَآهُ وَاقِفًا بِعَرَفَة مَعَ النَّاس: هَذَا رجل أحمسى، فَمَا باله لَا يقف مَعَ الحمس حَيْثُ يقفون. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [2] وَقد قَالَت قُرَيْش حِين كثر الْقَذْف بالنجوم: قَامَت السَّاعَة، فَقَالَ عتبَة بن ربيعَة: انْظُرُوا إِلَى العيوق، فان كَانَ رمى بِهِ فقد آن قيام السَّاعَة وَإِلَّا فَلَا.

يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْنَ بَعَثَهُ، وَهُوَ يَقُصُّ عَلَيْهِ خَبَرَ الْجِنِّ إذْ حُجِبُوا عَنْ السَّمْعِ، فَعَرَفُوا مَا عَرَفُوا، وَمَا أَنْكَرُوا مِنْ ذَلِكَ حَيْنَ رَأَوْا مَا رَأَوْا: «قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ، فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً [1] يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ، فَآمَنَّا بِهِ، وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً. وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ [2] رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً. وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً [3] . وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً. وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ، فَزادُوهُمْ رَهَقاً 72: 1- 6» ... إلَى قَوْلِهِ: «وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً [4] . وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ، أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً 72: 9- 10» . فَلَمَّا سَمِعَتْ الْجِنُّ الْقُرْآنَ عَرَفَتْ أَنَّهَا إنَّمَا مُنِعَتْ مِنْ السَّمْعِ قَبْلَ ذَلِكَ، لِئَلَّا يُشْكِلَ الْوَحْيُ بِشَيْءٍ مِنْ خَبَرِ السَّمَاءِ فَيَلْتَبِسُ [5] عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ مَا جَاءَهُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ، لِوُقُوعِ الْحُجَّةِ، وَقَطْعِ الشُّبْهَةِ. فَآمَنُوا وَصَدَّقُوا، ثُمَّ «وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ. قالُوا يَا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ، يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ، وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ 46: 29- 30» ... الْآيَةَ. وَكَانَ قَوْلُ الْجِنِّ: «وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ، فَزادُوهُمْ رَهَقاً 72: 6» . أَنَّهُ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ

_ [1] أَي عجبا مباينا لسَائِر الْكتب فِي حسن نظمه وَصِحَّة مَعَانِيه. وَالْعجب: مَا يكون خَارِجا عَن الْعَادة، وَهُوَ مصدر وضع مَوضِع العجيب. [2] الْجد: العظمة. يُقَال: جد فلَان فِي عَيْني: إِذا عظم. وَمِنْه قَول سيدنَا عمر رضى الله عَنهُ: كَانَ الرجل إِذا قَرَأَ الْبَقَرَة وَآل عمرَان جد فِينَا: أَي عظم فِي عيوننا. [3] المُرَاد بِهِ الْكفْر. من شطت الدَّار: إِذا بَعدت. فكأنهم بنسبتهم الصاحبة وَالْولد إِلَيْهِ جلّ شَأْنه بعدوا عَن الصَّوَاب. [4] الرصد: الراصد. أَي يجد شهابا راصدا لَهُ. أَو هُوَ اسْم جمع للراصد. على معنى: ذوى شهَاب راصدين بِالرَّجمِ، وهم الْمَلَائِكَة الَّذين يرجمونهم بِالشُّهُبِ، ويمنعونهم من الِاسْتِمَاع. [5] وَكَذَلِكَ كَانَ رمى الْجِنّ بالنجوم فِي الْجَاهِلِيَّة، إِلَّا أَنه لما جَاءَ الْإِسْلَام غلظ وشدد.

(فزع ثقيف من رمى الجن بالنجوم، وسؤاله عمرو بن أمية) :

إذَا سَافَرَ فَنَزَلَ بَطْنَ وَادٍ مِنْ الْأَرْضِ لِيَبِيتَ فِيهِ، قَالَ: إنِّي أَعُوذُ بِعَزِيزِ هَذَا الْوَادِي مِنْ الْجِنِّ اللَّيْلَةَ مِنْ شَرِّ مَا فِيهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الرَّهَقُ: الطُّغْيَانُ وَالسَّفَهُ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ: إذْ تَسْتَبِي الْهَيَّامَةُ الْمُرَهَّقَا [1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. وَالرَّهَقُ أَيْضًا: طَلَبُكَ الشَّيْءِ حَتَّى تَدْنُوَ مِنْهُ، فَتَأْخُذُهُ أَوْ لَا تَأْخُذُهُ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ يَصِفُ حَمِيرِ وَحْشٍ: بَصْبَصْنَ [2] وَاقْشَعْرَرْنَ مِنْ خَوْفِ الرَّهَقِ وَهَذَا الْبَيْت فِي أجوزة لَهُ. وَالرَّهَقُ أَيْضًا: مَصْدَرٌ لِقَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: رَهِقْتُ الْإِثْمَ أَوْ الْعُسْرَ، الَّذِي أَرْهَقَتْنِي رَهَقًا شَدِيدًا، أَيْ حَمَلْتُ الْإِثْمَ أَوْ الْعُسْرَ الَّذِي حَمَلَتْنِي حَمْلًا شَدِيدًا، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً 18: 80. وَقَوْلُهُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً 18: 73. (فَزَعُ ثَقِيفٍ مِنْ رَمْيِ الْجِنّ بالنجوم، وسؤاله عَمْرِو بْنِ أُمِّيَّةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ [3] بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ أَنَّهُ حَدَّثَ أَنَّ أَوَّلَ الْعَرَبِ فَزِعَ لِلرَّمْيِ بِالنُّجُومِ حَيْنَ رُمِيَ بِهَا، هَذَا الْحَيُّ مِنْ ثَقِيفٍ، وَأَنَّهُمْ جَاءُوا إلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ عَمْرُو بْنُ أُمِّيَّةَ، أَحَدُ بَنِي عِلَاجٍ- قَالَ: وَكَانَ أَدْهَى الْعَرَبِ وَأَنْكَرَهَا [4] رَأْيًا- فَقَالُوا لَهُ: يَا عَمْرُو: أَلَمْ تَرَ مَا حَدَثَ فِي السَّمَاءِ مِنْ الْقَذْفِ بِهَذِهِ النُّجُومِ؟ قَالَ: بَلَى، فَانْظُرُوا، فَإِنْ كَانَتْ مَعَالِمَ النُّجُومِ [5] الَّتِي يُهْتَدَى بِهَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَتُعْرَفُ بِهَا الْأَنْوَاءُ مِنْ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ، لِمَا يُصْلِحُ النَّاسَ

_ [1] تستبى: تذْهب بعقله. والهيامة: الْكَثِيرَة الهيام. وأصل الهيام: دَاء يُصِيب الْإِبِل فتشتد حرارة أجوافها، فَلَا تروى من المَاء إِذا شربت. [2] يُرِيد: حركن أذنابهن. [3] وَقد رأى عتبَة هَذَا السَّائِب بن يزِيد، وروى عَن أبان بن عُثْمَان وَعُرْوَة وَسليمَان بن يسَار وَالزهْرِيّ. وروى عَنهُ غير ابْن إِسْحَاق، عبد الْعَزِيز بن الْمَاجشون وَإِبْرَاهِيم بن سعد. وَكَانَ ثِقَة ورعا مُسلما، يسْتَعْمل على الصَّدقَات، ويستعين بِهِ الْوُلَاة. وَمَات سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة. (رَاجع تراجم رجال) . [4] كَذَا فِي أ. يُرِيد: أهداها رَأيا، من النكر (بِفَتْح النُّون) ، وَهُوَ الدهاء. ويروى بِالْبَاء. أَي أَشَّدهم إبداء لرَأى لم يسْبق إِلَيْهِ، من البكور فِي الشَّيْء، وَهُوَ أَوله. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أمكرها» . [5] معالم النُّجُوم: النُّجُوم الْمَشْهُورَة.

(حديثه صلى الله عليه وسلم مع الأنصار في رمى الجن بالنجوم) :

فِي مَعَايِشِهِمْ، هِيَ الَّتِي يُرْمَى بِهَا، فَهُوَ وَاَللَّهِ طَيُّ الدُّنْيَا، وَهَلَاكُ هَذَا الْخَلْقِ الَّذِي فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ نُجُومًا غَيْرَهَا، وَهِيَ ثَابِتَةٌ عَلَى حَالِهَا، فَهَذَا لِأَمْرٍ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ هَذَا الْخَلْقَ، فَمَا هُوَ؟ [1] . (حَدِيثُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْأَنْصَارِ فِي رَمْيِ الْجِنِّ بِالنُّجُومِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ابْن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ نَفَرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُمْ: مَاذَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي هَذَا النَّجْمِ الَّذِي يُرْمَى بِهِ؟ قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كُنَّا نَقُولُ حَيْنَ رَأَيْنَاهَا يُرْمَى بِهَا: مَاتَ مَلِكٌ مُلِّكَ مُلْكٌ، وُلِدَ مَوْلُودٌ مَاتَ مَوْلُودٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَلَكُنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَانَ إذَا قَضَى فِي خَلْقِهِ أَمْرًا سَمِعَهُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، فَسَبَّحُوا، فَسَبَّحَ مَنْ تَحْتَهُمْ، فَسَبَّحَ لِتَسْبِيحِهِمْ مَنْ تَحْتَ ذَلِكَ، فَلَا يَزَالُ التَّسْبِيحُ يَهْبِطُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسَبِّحُوا ثُمَّ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مِمَّ سَبَّحْتُمْ فَيَقُولُونَ سَبَّحَ مَنْ فَوْقَنَا فَسَبَّحْنَا لِتَسْبِيحِهِمْ، فَيَقُولُونَ: أَلَا تَسْأَلُونَ مَنْ فَوْقَكُمْ مِمَّ سَبَّحُوا؟ فَيَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى يَنْتَهُوا إلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مِمَّ سَبَّحْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: قَضَى اللَّهُ فِي خَلْقِهِ كَذَا وَكَذَا، لِلْأَمْرِ الَّذِي كَانَ، فَيَهْبِطُ بِهِ الْخَبَرُ مِنْ سَمَاءٍ إلَى سَمَاءٍ حَتَّى يَنْتَهِي إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَتَحَدَّثُوا بِهِ، فَتَسْتَرِقُهُ الشَّيَاطِينُ بِالسَّمْعِ، عَلَى تَوَهُّمٍ وَاخْتِلَافٍ، ثُمَّ يَأْتُوا بِهِ الْكُهَّانَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَيُحَدِّثُوهُمْ بِهِ فَيُخْطِئُونَ وَيُصِيبُونَ فَيَتَحَدَّثُ بِهِ الْكُهَّانُ، فَيُصِيبُونَ بَعْضًا وَيُخْطِئُونَ بَعْضًا. ثُمَّ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَجَبَ الشَّيَاطِينَ بِهَذِهِ النُّجُومِ الَّتِي يُقْذَفُونَ بِهَا، فَانْقَطَعَتْ الْكَهَانَةُ الْيَوْمَ، فَلَا كَهَانَةَ [2] .

_ [1] وَمثل هَذَا مَا حدث لبني لَهب عِنْد فزعهم للرمي بالنجوم فَاجْتمعُوا إِلَى كَاهِن لَهُم، يُقَال لَهُ: خطر، فَبين لَهُم الْخَبَر، وَمَا حدث من أَمر النُّبُوَّة. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [2] يُرِيد تَخْصِيص ذَلِك الزَّمَان. والّذي انْقَطع الْيَوْم وَإِلَى يَوْم الْقِيَامَة أَن تدْرك الشَّيَاطِين مَا كَانَت تُدْرِكهُ فِي الْجَاهِلِيَّة الجهلاء، وَعند تمكنها من سَماع أَخْبَار السَّمَاء، وَمَا يُوجد الْيَوْم من كَلَام الْجِنّ على أَلْسِنَة المجانين، إِنَّمَا هُوَ خبر مِنْهُم عَمَّا يرونه فِي الأَرْض، مِمَّا لَا نرَاهُ نَحن، كسرقة سَارِق، أَو خبيئة فِي مَكَان خَفِي، أَو نَحْو ذَلِك. وَإِن أخبروا بِمَا سَيكون كَانَ تخرصا وتظنيا، فيصيبون قَلِيلا، ويخطئون كثيرا، وَذَلِكَ الْقَلِيل الّذي يصيبون هُوَ مِمَّا يتَكَلَّم بِهِ الْمَلَائِكَة (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .

(الغيطلة وما حدثت به بنى سهم) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَبِيبَةَ [1] ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْهُ. (الْغَيْطَلَةُ وَمَا حَدَّثَتْ بِهِ بَنِي سَهْمٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَهْمٍ، يُقَالُ لَهَا الْغَيْطَلَةُ، كَانَتْ كَاهِنَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ، جَاءَهَا صَاحِبُهَا لَيْلَةً مِنْ اللَّيَالِي، فَانْقَضَّ تَحْتَهَا، ثُمَّ قَالَ: أَدْرِ مَا أَدْرِ [2] . يَوْمَ عَقْرٍ وَنَحْرٍ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ حَيْنَ بَلَغَهَا ذَلِكَ: مَا يُرِيدُ؟ ثُمَّ جَاءَهَا لَيْلَةً أُخْرَى، فَانْقَضَّ [3] تَحْتَهَا، ثُمَّ قَالَ: شُعُوبُ [4] مَا شُعُوبٌ، تُصْرَعُ فِيهِ كَعْبٌ [5] لَجُوبُ. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا. قَالُوا: مَاذَا يُرِيدُ، إنَّ هَذَا لِأَمْرٍ هُوَ كَائِنٌ، فَانْظُرُوا مَا هُوَ؟ فَمَا عَرَفُوهُ حَتَّى كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ وَأُحُدٍ بِالشِّعْبِ، فَعَرَفُوا أَنَّهُ الَّذِي كَانَ جَاءَ بِهِ إلَى صَاحِبَتِهِ. (نَسَبُ الْغَيْطَلَةِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْغَيْطَلَةُ: مِنْ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، إخْوَةِ مُدْلِجِ ابْن مُرَّةَ، وَهِيَ أُمُّ الْغَيَاطِلِ الَّذِينَ ذَكَرَ أَبُو طَالِبٍ فِي قَوْلِهِ:

_ [1] كَذَا فِي أوتراجم رجال وتهذيب التَّهْذِيب، وتقريب التَّهْذِيب، وَيُقَال فِيهِ أَيْضا: «ابْن لَبِيبَة» بِفَتْح اللَّام وَكسر الْمُوَحدَة. وَيُقَال إِن لَبِيبَة أمه، وَأَبا لَبِيبَة أَبوهُ، واسْمه وردان. روى عَن سعيد بن الْمسيب، وَعبد الله بن أَبى سُلَيْمَان، وَالقَاسِم بن مُحَمَّد، وَعَمْرو بن سعد بن أَبى وَقاص وَعبد الله بن عَمْرو وَغَيرهم. وَعنهُ ابْن ابْنه يحيى بن عبد الرَّحْمَن، وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَيحيى بن أَبى كثير وَغَيرهم وَلم نجد عمرا هَذَا من تلاميذه وَكَذَلِكَ لم نجد عليا من شُيُوخه فِي المراجع الَّتِي بَين أَيْدِينَا. وَفِي سَائِر الْأُصُول: بن لبينة، وَهُوَ تَصْحِيف. [2] وَفِي رِوَايَة: «وَمَا بدر» وَهِي أبين مِمَّا أثْبته ابْن إِسْحَاق. [3] انقض: سقط، يُقَال: انقض الطَّائِر، إِذا سقط على الشَّيْء. ويروى: «أنقض» : أَي صَوت وَتكلم بِصَوْت خَفِي، تَقول: سَمِعت نقيض الْبَاب ونقيض الرجل أَي صَوته. [4] قَالَ السهيليّ: «وشعوب (هَاهُنَا) : أَحْسبهُ بِضَم الشين، وَلم أَجِدهُ مُقَيّدا، وَكَأَنَّهُ جمع شعب وَقَول ابْن إِسْحَاق يدل على هَذَا حِين قَالَ: فَلم يدر مَا قَالَت حَتَّى قتل من قتل ببدر وَأحد بِالشعبِ» . [5] كَعْب هَاهُنَا) : هُوَ كَعْب بن لؤيّ، وَالَّذين صرعوا ببدر وَأحد أَشْرَاف قُرَيْش، معظمهم من كَعْب بن لؤيّ.

(حديث كاهن جنب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) :

لَقَدْ سَفُهَتْ أَحْلَامُ قَوْمٍ تَبَدَّلُوا ... بَنِي خَلَفٍ قَيْضًا [1] بِنَا وَالْغَيَاطِلِ [2] فَقِيلَ لِوَلَدِهَا: الْغَيَاطِلُ، وَهُمْ مِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصٍ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (حَدِيثُ كَاهِنِ جَنْبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ نَافِعٍ الْجُرَشِيُّ: أَنَّ جَنْبًا [3] : بَطْنًا مِنْ الْيَمَنِ، كَانَ لَهُمْ كَاهِنٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا ذُكِرَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتَشَرَ فِي الْعَرَبِ، قَالَتْ لَهُ جَنْبٌ: اُنْظُرْ لَنَا فِي أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ، وَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي أَسْفَلِ جَبَلِهِ، فَنَزَلَ عَلَيْهِمْ حِينَ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَوَقَفَ لَهُمْ قَائِمًا مُتَّكِئًا عَلَى قَوْسٍ لَهُ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ طَوِيلًا، ثُمَّ جَعَلَ يَنْزُو [4] ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ أَكْرَمَ مُحَمَّدًا وَاصْطَفَاهُ، وَطَهَّرَ قَلْبَهُ وَحَشَاهُ، وَمُكْثُهُ فِيكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ قَلِيلٌ، ثُمَّ أَسْنَدَ [5] فِي جَبَلِهِ رَاجِعًا مِنْ حَيْثُ جَاءَ. (مَا جَرَى بَيْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَسَوَادِ بْنِ قَارِبٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ، مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، أَنَّهُ حَدَّثَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، بَيْنَا هُوَ جَالِسٌ فِي النَّاسِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ [6] مِنْ الْعَرَبِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ، يُرِيدُ عُمْرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إنَّ هَذَا الرَّجُلُ لَعَلَى شِرْكِهِ مَا فَارَقَهُ بَعْدُ، أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَسَلَّمَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ، ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَلْ أَسْلَمْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ لَهُ:

_ [1] قيضا: عوضا. [2] وَيُقَال إِن الغيطلة: بنت مَالك بن الْحَارِث بن عَمْرو بن الصَّعق بن شنوق بن مرّة، وشنوق: أَخُو مُدْلِج. [3] جنب: من مذْحج. وهم: عيذ الله، وَأنس الله، وَزيد الله، وَأَوْس الله، وجعفي، وَالْحكم، وجروة، بَنو سعد الْعَشِيرَة بن مذْحج، ومذحج: هُوَ مَالك بن أدد، وَسموا جنبا، لأَنهم جانبوا بنى عمهم صداء وَيزِيد ابْني سعد الْعَشِيرَة بن مذْحج. [4] ينزو: يثب. [5] كَذَا فِي أ. وَأسْندَ: علا وارتفع. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «اشْتَدَّ» . [6] هَذَا الرجل هُوَ سَواد بن قَارب، كَانَ كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ أسلم. 14- سيرة ابْن هِشَام- 1

فَهَلْ كُنْتَ كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَقَدْ خِلْتَ [1] فِيَّ، وَاسْتَقْبَلْتنِي بِأَمْرٍ مَا أَرَاكَ قُلْتَهُ لِأَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِكَ مُنْذُ وُلِّيتَ مَا وُلِّيتَ، فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهمّ غُفْرًا [2] ، قَدْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى شَرٍّ مِنْ هَذَا، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَعْتَنِقُ الْأَوْثَانَ، حَتَّى أَكْرَمْنَا اللَّهُ بِرَسُولِهِ وَبِالْإِسْلَامِ، قَالَ: نَعَمْ، وَاَللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَقَدْ كُنْتُ كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: فَأَخْبرنِي مَا جَاءَكَ بِهِ صَاحِبُكَ، قَالَ: جَاءَنِي قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِشَهْرٍ أَوْ شَيْعِهِ [3] ، فَقَالَ: أَلَمْ تَرَ إلَى الْجِنِّ وَإِبْلَاسِهَا [4] ، وَإِيَاسِهَا [5] مِنْ دِينِهَا، وَلُحُوقِهَا بِالْقِلَاصِ [6] وَأَحْلَاسِهَا [7] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا الْكَلَامُ سَجْعٌ، وَلَيْسَ بِشِعْرٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ: فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عِنْدَ ذَلِكَ يُحَدِّثُ النَّاسَ: وَاَللَّهِ إنِّي لَعِنْدَ وَثَنٍ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، قَدْ ذَبَحَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ عِجْلًا، فَنَحْنُ نَنْتَظِرُ قَسْمَهُ لِيَقْسِمَ لَنَا مِنْهُ، إذْ سَمِعْتُ مِنْ جَوْفِ الْعِجْلِ صَوْتًا

_ [1] هُوَ من بَاب حذف الْجُمْلَة الْوَاقِعَة بعد خلت وظننت، كَقَوْلِهِم فِي الْمثل: من يسمع يخل. وَلَا يجوز حذف أحد المفعولين مَعَ بَقَاء الآخر، لِأَن حكمهَا حكم الِابْتِدَاء وَالْخَبَر، فَإِذا حذفت الْجُمْلَة كلهَا جَازَ لِأَن حكمهمَا حكم الْمَفْعُول، وَالْمَفْعُول قد يجوز حذفه، وَلَكِن لَا بُد من قرينَة تدل على المُرَاد. فَفِي قَوْلهم: من يسمع يخل، دَلِيل يدل على الْمَفْعُول، وَهُوَ يسمع. وَفِي قَوْله: «خلت فِي» . دَلِيل أَيْضا، وَهُوَ قَوْله «فِي» . [2] غفرا: كلمة تَقُولهَا الْعَرَب إِذا أَخطَأ الرجل على الرجل. وَمَعْنَاهَا: اللَّهمّ اغْفِر لي غفرا. وَيُقَال إِن عمر مازحه. فَقَالَ: مَا فعلت كهانتك يَا سَواد؟ فَغَضب وَقَالَ: قد كنت أَنا وَأَنت على شَرّ من هَذَا من عبَادَة الْأَصْنَام، وَأكل الميتات، أفتعيرنا بِأَمْر تبت مِنْهُ؟ فَقَالَ عمر حينذاك: اللَّهمّ غفرا. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . وَلَقَد سَاق السهيليّ قصَّة سَواد مَعَ عمر عَن غير ابْن إِسْحَاق فِي سِيَاقَة حَسَنَة، وَزِيَادَة مفيدة رَأينَا أَن نجتزئ بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهَا إِذْ يمنعنا طولهَا من إِثْبَاتهَا. [3] شيعه: دونه بِقَلِيل. [4] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والطبري، وأبلس الرجل: إِذا سكت ذليلا أَو مَغْلُوبًا. وَفِي أ: «وإسلامها» . وَالْإِسْلَام: الانقياد. [5] الْإِيَاس: الْيَأْس. [6] القلاص من الْإِبِل: الْفتية. [7] الأحلاس: جمع حلْس، وَهُوَ كسَاء من جلد يوضع على ظهر الْبَعِير، ثمَّ يوضع عَلَيْهِ الرحل، ليقيه من الدبر.

إنذار يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم

مَا سَمِعْتُ صَوْتًا قَطُّ أَنْفَذَ مِنْهُ، وَذَلِكَ قُبَيْلَ الْإِسْلَامِ بِشَهْرٍ أَوْ شَيْعِهِ، يَقُولُ: يَا ذَرِيحُ [1] ، أَمْرٌ نَجِيحٌ، رَجُلٌ يَصِيحُ، يَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: رَجُلٌ يَصِيحُ، بِلِسَانٍ فَصِيحٍ، يَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ: عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَإِبْلَاسِهَا ... وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَحْلَاسِهَا تَهْوِي إلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا مُؤْمِنُو الْجِنِّ كَأَنْجَاسِهَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا مَا بَلَغَنَا مِنْ الْكُهَّانِ مِنْ الْعَرَب. إنذار يهود بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنْذَارُ الْيَهُودِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمَّا بُعِثَ كَفَرُوا بِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ [2] بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا [3] : إنَّ مِمَّا دَعَانَا إلَى الْإِسْلَامِ، مَعَ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَدَاهُ لَنَا، لَمَا كُنَّا نَسْمَعُ مِنْ رِجَالِ يَهُودَ، (وَ) [3] كُنَّا أَهْلَ شِرْكٍ أَصْحَابَ أَوَثَانٍ، وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ، عِنْدَهُمْ عِلْمٌ لَيْسَ لَنَا، وَكَانَتْ لَا تَزَالُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ شُرُورٌ، فَإِذَا نِلْنَا مِنْهُمْ بَعْضَ مَا يَكْرَهُونَ، قَالُوا لَنَا: إنَّهُ (قَدْ) [3] تَقَارَبَ زَمَانُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ الْآنَ نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمٍ فَكُنَّا كَثِيرًا مَا نَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ. فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَبْنَاهُ، حِينَ دَعَانَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَرَفْنَا مَا كَانُوا يَتَوَعَّدُونَنَا بِهِ، فَبَادَرْنَاهُمْ إلَيْهِ، فَآمَنَّا بِهِ، وَكَفَرُوا بِهِ، فَفِينَا وَفِيهِمْ نَزَلَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ مِنْ الْبَقَرَةِ: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ، وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ 2: 89.

_ [1] كَذَا فِي الْأُصُول. وَلَعَلَّه نِدَاء للعجل الْمَذْبُوح، لقَولهم: أَحْمَر ذريحى، أَي شَدِيد الْحمرَة. فَصَارَ وَصفا للعجل الذَّبِيح من أجل الدَّم. ويروى: «يَا جليح» ، وَيُقَال إِن جليح: اسْم شَيْطَان. والجليح (لُغَة) : مَا تطاير من رُءُوس النَّبَات وخف، نَحْو الْقطن وَشبهه، الْوَاحِدَة: جليحة، وَهُوَ على هَذَا الْمَعْنى اللّغَوِيّ وصف للعجل أَيْضا، على أَن الْعجل قد جلح: أَي كشف عَنهُ الْجلد. [2] كَذَا فِي أوتراجم رجال. وَفِي سَائِر الْأُصُول هُنَا: «عَمْرو» ، وَهُوَ تَحْرِيف. [3] زِيَادَة عَن أ.

(حديث سلمة عن اليهودي الذي أنذر بالرسول صلى الله عليه وسلم) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَسْتَفْتِحُونَ: يَسْتَنْصِرُونَ، وَيَسْتَفْتِحُونَ (أَيْضًا) [1] : يَتَحَاكَمُونَ، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ 7: 89. (حَدِيثُ سَلَمَةَ عَنْ الْيَهُودِيِّ الَّذِي أَنْذَرَ بِالرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ مَحْمُودِ ابْن لَبِيدٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ عَنْ سَلَمَةَ [2] بْنِ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ [3] ، وَكَانَ سَلَمَةُ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ، قَالَ: كَانَ لَنَا جَارٌ مِنْ يَهُودَ فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، قَالَ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا يَوْمًا مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ- قَالَ سَلَمَةُ: وَأَنَا يَوْمئِذٍ مِنْ أَحْدَثِ مَنْ فِيهِ سِنًّا، عَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي، مُضْطَجِعٌ فِيهَا بِفِنَاءِ أَهْلِي- فَذَكَرَ الْقِيَامَةَ وَالْبَعْثَ وَالْحِسَابَ وَالْمِيزَانَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ، قَالَ: فَقَالَ ذَلِكَ لِقَوْمٍ أَهْلِ شِرْكٍ أَصْحَابِ أَوَثَانٍ، لَا يَرَوْنَ أَنَّ بَعْثًا كَائِنٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَقَالُوا لَهُ: وَيْحَكَ يَا فُلَانُ أَوَتَرَى هَذَا كَائِنًا، أَنَّ النَّاسَ يُبْعَثُونَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ إلَى دَارٍ فِيهَا جَنَّةٌ وَنَارٌ يُجْزَوْنَ فِيهَا بِأَعْمَالِهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَاَلَّذِي يُحْلَفُ بِهِ، وَلَوَدَّ أَنَّ لَهُ بِحَظِّهِ مِنْ تِلْكَ النَّارِ أَعْظَمَ تَنُّورٍ فِي الدَّارِ، يَحْمُونَهُ ثُمَّ يُدْخِلُونَهُ إيَّاهُ فَيُطَيِّنُونَهُ عَلَيْهِ، بِأَنْ يَنْجُوَ مِنْ تِلْكَ النَّارِ غَدًا، فَقَالُوا لَهُ: وَيْحَكَ يَا فُلَانُ! فَمَا آيَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَبِيٌّ مَبْعُوثٌ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْبِلَادِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى مَكَّةَ وَالْيَمَنِ، فَقَالُوا: وَمَتَى تَرَاهُ؟ قَالَ: فَنَظَرَ إلَيَّ وَأَنَا مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا، فَقَالَ: إنْ يَسْتَنْفِدْ هَذَا الْغُلَامُ عُمْرَهُ يُدْرِكْهُ. قَالَ سَلمَة: فو الله مَا ذَهَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَآمَنَّا بِهِ، وَكَفَرَ بِهِ بَغْيًا وَحَسَدًا. قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: وَيْحَكَ يَا فُلَانُ أَلَسْتَ الَّذِي قُلْتَ لَنَا فِيهِ مَا قُلْتَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ بِهِ.

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] هُوَ سَلمَة بن سَلامَة بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الْأَشْهَل الْأنْصَارِيّ، وَأمه سلمى بنت سَلمَة بن خَالِد بن عدي أنصارية حارثية، ويكنى أَبَا عَوْف. شهد الْعقبَة الأولى والعقبة الْآخِرَة، فِي قَول جَمِيعهم، ثمَّ شهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا. وَاسْتَعْملهُ عمر رضى الله عَنهُ على الْيَمَامَة، وَتوفى سنة خمس وَأَرْبَعين بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ ابْن سبعين سنة. (رَاجع الِاسْتِيعَاب) . [3] هُوَ بِالْفَتْح، وَقيل بِالتَّحْرِيكِ. (رَاجع شرح الْقَامُوس مَادَّة وقش) .

(إسلام ثعلبة وأسيد ابني سعية، وأسد بن عبيد) :

(إسْلَامُ ثَعْلَبَةَ وَأَسِيدِ ابْنَيْ سَعْيَةَ، وَأَسَدِ بْنِ عُبَيْدٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ لِي: هَلْ تَدْرِي عَمَّ كَانَ إسْلَامُ ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ وَأَسِيدِ [1] بْنِ سَعْيَةَ وَأَسَدِ ابْن عُبَيْدٍ [2] ، نَفَرٍ مِنْ بَنِي هَدْلٍ، إخْوَةِ [3] بَنِي قُرَيْظَةَ، كَانُوا مَعَهُمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ ثُمَّ كَانُوا سَادَتَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ. قَالَ: قُلْتُ: لَا وَاَللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّ رَجُلًا مِنْ يَهُودَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الْهَيْبَانِ [4] ، قَدِمَ عَلَيْنَا قُبَيْلَ الْإِسْلَامِ بِسِنِينَ، فَحَلَّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، لَا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا قَطْ لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ أَفَضْلَ مِنْهُ، فَأَقَامَ عِنْدَنَا فَكُنَّا إذَا قَحِطَ عَنَّا الْمَطَرُ قُلْنَا لَهُ: اُخْرُجْ يَا بن الْهَيْبَانِ فَاسْتَسْقِ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا وَاَللَّهِ حَتَّى تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ مَخْرَجِكُمْ صَدَقَةً، فَنَقُولُ لَهُ: كَمْ؟ فَيَقُولُ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ: أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ. قَالَ: فَنُخْرِجُهَا ثُمَّ يَخْرُجُ بِنَا إلَى ظَاهِرِ حَرَّتِنَا فَيَسْتَسْقِي الله لنا. فو اللَّهُ مَا يَبْرَحُ مَجْلِسَهُ حَتَّى يَمُرَّ السَّحَابُ وَنُسْقَى، قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثٍ. قَالَ: ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ عِنْدَنَا. فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ مَيِّتٌ، قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، مَا تَرَوْنَهُ أَخْرَجَنِي مِنْ أَرْضِ الْخَمْرِ وَالْخَمِيرِ إلَى أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالْجُوعِ؟ قَالَ: قُلْنَا: إنَّكَ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنِّي إنَّمَا قَدِمْتُ هَذِهِ

_ [1] قَالَ السهيليّ فِي الرَّوْض عِنْد الْكَلَام على ضبط أسيد هَذَا: «وَأما أسيد بن سعية، فَقَالَ إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الْمدنِي عَن ابْن إِسْحَاق، وَهُوَ أحد رُوَاة الْمَغَازِي، عَنهُ: أسيد بن سعية، بِضَم الْألف. وَقَالَ يُونُس بن بكير عَن ابْن إِسْحَاق، وَهُوَ قَول الْوَاقِدِيّ وَغَيره: أسيد، بِفَتْحِهَا قَالَ الدارقطنيّ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَلَا يَصح مَا قَالَه إِبْرَاهِيم عَن ابْن إِسْحَاق» . وسعية أبوهم، وَيُقَال لَهُ ابْن العريض. [2] عبارَة الطَّبَرِيّ والاستيعاب عِنْد الْكَلَام على أَسد بن عبيد الْقرظِيّ، وَأسيد وثعلبة ابْني سعية: «وهم نفر من بنى هدل، لَيْسُوا من بنى قُرَيْظَة وَلَا النَّضِير، نسبهم فَوق ذَلِك، هم بَنو عَم الْقَوْم» . [3] فِي الرَّوْض: «أَو أَسد بن سعية» . وَفِي هَؤُلَاءِ أنزل الله عز وَجل: «من أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ 3: 113» ... الْآيَة. [4] هُوَ من المسمين بِالصِّفَاتِ. يُقَال: قطن هيبان، أَي منتفش خَفِيف. قَالَ ذُو الرمة: تمج اللغام الهيبان كَأَنَّهُ ... جنى عشر تنفيه أشداقها الهدل (رَاجع اللِّسَان وَالرَّوْض) .

حديث إسلام سلمان رضى الله عنه

الْبَلْدَةَ أتَوَكَّفُ [1] خُرُوجَ نَبِيٍّ قَدْ أَظَلَّ [2] زَمَانُهُ، وَهَذِهِ الْبَلْدَةُ مُهَاجَرُهُ، فَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ يُبْعَثَ فَأَتَّبِعَهُ، وَقَدْ أَظَلَّكُمْ زَمَانُهُ، فَلَا تُسْبَقُنَّ إلَيْهِ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَسَبْيِ الذَّرَارِيِّ وَالنِّسَاءِ مِمَّنْ خَالَفَهُ، فَلَا يَمْنَعْكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ. فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَاصَرَ بَنِي [3] قُرَيْظَةَ، قَالَ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةُ، وَكَانُوا شَبَابًا أَحْدَاثًا: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ، وَاَللَّهِ إنَّهُ لِلنَّبِيِّ الَّذِي كَانَ عَهِدَ إلَيْكُمْ فِيهِ ابْنُ الْهَيْبَانِ، قَالُوا: لَيْسَ بِهِ، قَالُوا: بَلَى وَاَللَّهِ، إنَّهُ لَهُوَ بِصِفَّتِهِ، فَنَزَلُوا وَأَسْلَمُوا، وَأَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا مَا بَلَغَنَا عَنْ أَخْبَارِ يَهُودَ. حَدِيثُ إسْلَامِ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (كَانَ سَلْمَانُ مَجُوسِيًّا، فَمَرَّ بِكَنِيسَةٍ فَتَطَلَّعَ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمْرَ بْنِ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ مَحْمُودِ ابْن لَبِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَأَنَا أَسْمَعُ مِنْ فِيهِ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا فَارِسِيًّا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ [4] مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا جَيُّ [5] ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ [6] قَرْيَتِهِ، وَكُنْتُ أَحَبَّ خَلْقِ اللَّهِ إلَيْهِ، لَمْ يَزَلْ بِهِ حُبُّهُ إيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ، وَاجْتَهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَطْنَ النَّارِ [7]

_ [1] أتوكف: أنْتَظر. [2] أظل: أشرف وَقرب. [3] يُرِيد حِين غزا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنى قُرَيْظَة عقب مُنْصَرفه من غَزْوَة الخَنْدَق. [4] أَصْبَهَان (بِفَتْح الْهمزَة وَهُوَ الْأَكْثَر، وَقيل بكثرها) : مَدِينَة عَظِيمَة مَشْهُورَة من أَعْلَام المدن وأعيانها، ويسرفون فِي وصف عظمها حَتَّى يتجاوزوا حد الاقتصاد إِلَى غَايَة الْإِسْرَاف. وأصبهان: اسْم للإقليم بأسره، وَكَانَت مدينتها أَولا جيا، ثمَّ صَارَت الْيَهُودِيَّة، وَقيل فِي سَبَب تَسْمِيَة أَصْبَهَان أَقْوَال كَثِيرَة. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ لياقوت) . [5] كَذَا فِي أومعجم الْبلدَانِ. وجى (بِالْفَتْح ثمَّ التَّشْدِيد) : مَدِينَة نَاحيَة أَصْبَهَان الْقَدِيم. وَهِي الْآن كالخراب مُنْفَرِدَة، وَتسَمى الْآن عِنْد الْعَجم شهرستان. وَعند الْمُحدثين الْمَدِينَة. [6] الدهْقَان: شيخ الْقرْيَة الْعَارِف بالفلاحة وَمَا يصلح بِالْأَرْضِ، يلجأ إِلَيْهِ فِي معرفَة ذَلِك. [7] قطن النَّار: خَادِمهَا الّذي يخدمها ويمنعها من أَن تخبو، لتعظيمهم إِيَّاهَا.

(اتفاق سلمان والنصارى على الهرب) :

الَّذِي يُوقِدُهَا، لَا يَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً. قَالَ: وَكَانَتْ لِأَبِي ضَيْعَةٌ عَظِيمَةٌ، فَشُغِلَ فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْمًا، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، إنِّي قَدْ شُغِلْتُ فِي بُنْيَانِي هَذَا الْيَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي، فَاذْهَبْ إلَيْهَا فَاطَّلَعَهَا. وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ، ثُمَّ قَالَ لِي: وَلَا تَحْتَبِسُ عَنِّي فَإِنَّكَ إنْ احْتَبَسْتَ عَنِّي كُنْتُ أَهَمَّ إلَيَّ مِنْ ضَيْعَتِي، وَشَغَلَتْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِي. قَالَ: فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ الَّتِي بَعَثَنِي إلَيْهَا، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَكُنْتُ لَا أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ، لِحَبْسِ أَبِي إيَّايَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا سَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبَتْنِي صَلَاتُهُمْ وَرَغِبْتُ فِي أَمْرِهِمْ وَقُلْتُ: هَذَا وَاَللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدِّينِ الَّذِي نَحن عَلَيْهِ، فو الله مَا بَرِحْتُهُمْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي فَلَمْ آتِهَا، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا: بِالشَّامِ. فَرَجَعْتُ إلَى أَبِي، وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي، وَشَغَلْتُهُ عَنْ عَمَلِهِ كُلِّهِ، فَلَمَّا جِئْتُهُ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ أَيْنَ كُنْتَ؟ أَوَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُ إلَيْكَ مَا عَهِدْتُ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: يَا أَبَتِ، مَرَرْتُ بِأُنَاسٍ يُصَلُّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ، فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ من دينهم، فو الله مَا زِلْتُ عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدِّينِ خَيْرٌ، دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: كَلَّا وَاَللَّهِ، إنَّهُ لَخَيْرٌ مِنْ دِينِنَا. قَالَ: فَخَافَنِي، فَجَعَلَ فِي رِجْلِي قَيْدًا، ثُمَّ حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ. (اتِّفَاقُ سَلْمَانَ وَالنَّصَارَى عَلَى الْهَرَبِ) : قَالَ: وَبَعَثْتُ إلَى النَّصَارَى فَقُلْتُ لَهُمْ: إذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنْ الشَّامِ فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ. قَالَ: فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنْ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنْ النَّصَارَى، فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ، فَقُلْتُ لَهُمْ: إذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ، وَأَرَادُوا الرَّجْعَةَ إلَى بِلَادِهِمْ، فَآذَنُونِي بِهِمْ. قَالَ: فَلَمَّا أَرَادُوا الرَّجْعَةَ إلَى بِلَادِهِمْ أَخْبَرُونِي بِهِمْ، فَأَلْقَيْتُ الْحَدِيدَ مِنْ رِجْلَيَّ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ. فَلَمَّا قَدِمْتُهَا، قُلْتُ: مَنْ أَفَضْلُ أَهْلُ هَذَا الدِّينِ عِلْمًا؟ قَالُوا: الْأُسْقُفُ [1] فِي الْكَنِيسَةِ.

_ [1] الأسقف (بِالتَّشْدِيدِ وبالتخفيف أَيْضا) : عَالم النَّصَارَى الّذي يُقيم لَهُم أَمر دينهم.

(سلمان وأسقف النصارى السيئ) :

(سَلْمَانُ وَأُسْقُفُ النَّصَارَى السَّيِّئُ) : قَالَ فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: إنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدِّينِ، فَأَحْبَبْتُ أَنَّ أَكُونَ مَعَكَ، وَأَخْدُمُكَ فِي كَنِيسَتِكَ، فَأَتَعَلَّمَ مِنْكَ، وَأُصَلِّيَ مَعَكَ، قَالَ: اُدْخُلْ، فَدَخَلْتُ مَعَهُ. قَالَ: وَكَانَ رَجُلُ سَوْءٍ، يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا، فَإِذَا جَمَعُوا إلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا [1] اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُعْطِهِ الْمَسَاكِينَ، حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلَالٍ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ. قَالَ: فَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ، ثُمَّ مَاتَ، فَاجْتَمَعَتْ إلَيْهِ النَّصَارَى لِيَدْفِنُوهُ، فَقُلْتُ لَهُمْ: إنَّ هَذَا كَانَ رَجُلَ سَوْءٍ، يَأْمُركُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا، فَإِذَا جِئْتُمُوهُ بِهَا، اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ مِنْهَا شَيْئًا. قَالَ: فَقَالُوا لِي: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُمْ: أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزِهِ، قَالُوا: فَدُلَّنَا عَلَيْهِ، قَالَ: فَأَرَيْتُهُمْ مَوْضِعَهُ، فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةً ذَهَبًا وَوَرِقًا. قَالَ: فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا: وَاَللَّهِ لَا نَدْفِنُهُ أَبَدًا. قَالَ: فَصَلَبُوهُ، وَرَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ، وَجَاءُوا بِرَجُلٍ آخَرَ، فَجَعَلُوهُ مَكَانَهُ. (سَلْمَانُ وَالْأُسْقُفُ الصَّالِحُ) : قَالَ: يَقُولُ سَلْمَانُ: فَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ، أَرَى أَنَّهُ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ (وَ) [2] أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا، وَلَا أَرْغَبَ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا أَدْأَبَ لَيْلًا وَنَهَارًا مِنْهُ. قَالَ: فَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ شَيْئًا قَبْلَهُ [3] . قَالَ: فَأَقَمْتُ مَعَهُ زَمَانًا طَوِيلًا، ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، إنِّي قَدْ كُنْتُ مَعَكَ وَأَحْبَبْتُكَ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ شَيْئًا قَبْلَكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ وَبِمَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، وَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ الْيَوْمَ أَحَدًا عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، فَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ، وَبَدَّلُوا وَتَرَكُوا أَكْثَرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، إلَّا رَجُلًا بِالْمَوْصِلِ، وَهُوَ فُلَانٌ، وَهُوَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ فَالْحَقْ بِهِ.

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فيهم» وَهُوَ تَحْرِيف. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: « ... قبله مثله» .

(سلمان وصاحبه بالموصل) :

(سَلْمَانُ وَصَاحِبُهُ بِالْمُوصِلِ) : قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ الْمَوْصِلِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، إنَّ فُلَانًا أَوْصَانِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ أَلْحَقَ بِكَ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ عَلَى أَمْرِهِ، فَقَالَ لِي: أَقِمْ عِنْدِي، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ عَلَى أَمْرِ صَاحِبِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ. فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، إنَّ فُلَانًا أَوْصَى بِي إلَيْكَ، وَأَمَرَنِي بِاللُّحُوقِ بِكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا تَرَى، فَإِلَى مِنْ تُوصِي بِي؟ وَبِمَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ، وَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ رَجُلًا عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ، إلَّا رَجُلًا بِنَصِيبِينَ [1] ، وَهُوَ فُلَانٌ، فَالْحَقْ بِهِ. (سَلْمَانُ وَصَاحِبُهُ بِنَصِيبِينَ) : فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ نَصِيبِينَ، فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي، وَمَا أَمَرَنِي بِهِ صَاحِبُهُ، فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى أَمْرِ صَاحِبِيهِ. فَأَقَمْتُ مَعَ خير رجل، فو الله مَا لَبِثَ أَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ، فَلَمَّا حُضِرَ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، إنَّ فُلَانًا كَانَ أَوْصَى بِي إلَى فُلَانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إلَيْكَ، قَالَ: فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ وَبِمَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ، وَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُهُ بَقِيَ أَحَدٌ عَلَى أَمْرِنَا آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ إلَّا رَجُلًا بِعَمُورِيَّةَ [2] مِنْ أَرْضِ الرُّومِ، فَإِنَّهُ عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَأْتِهِ، فَإِنَّهُ عَلَى أَمْرِنَا. (سَلْمَانُ وَصَاحِبُهُ بِعَمُورِيَّةَ) : فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ عَمُورِيَّةَ، فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي، فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي، فَأَقَمْتُ عِنْدَ خَيْرِ رَجُلٍ، عَلَى هُدَى أَصْحَابِهِ وَأَمْرِهِمْ. قَالَ: وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَتْ لِي بَقَرَاتٌ وَغُنَيْمَةٌ. قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمَّا حُضِرَ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، إنِّي كُنْتُ مَعَ فُلَانٍ، فَأَوْصَى بِي إلَى فُلَانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إلَى

_ [1] نَصِيبين (بِالْفَتْح ثمَّ الْكسر ثمَّ بَاء وعلامة الْجمع الصَّحِيح) : مَدِينَة من بِلَاد الجزيرة على جادة القوافل من الْموصل إِلَى الشَّام، وَكَانَ فِيهَا وَفِي قراها- على مَا ذكر أَهلهَا- أَرْبَعُونَ ألف بُسْتَان. وَبَينهَا وَبَين الْموصل سِتَّة أَيَّام. وَكَانَت الرّوم قد بنت عَلَيْهَا سورا وأتمه أنوشروان الْملك عِنْد فَتحه إِيَّاهَا. [2] عمّورية (بِفَتْح أَوله وَتَشْديد ثَانِيه) : بلد فِي بِلَاد الرّوم غزاه المعتصم. وَسميت بعمورية بنت الرّوم بن اليفز بن سَام بن نوح. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .

(سلمان ونقلته إلى وادي القرى ثم إلى المدينة، وسماعه ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم) :

فُلَانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إلَيْكَ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ وَبِمَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، وَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُهُ أَصْبَحَ الْيَوْمَ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِنْ النَّاسِ آمُرُكَ بِهِ أَنْ تَأْتِيَهُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُ نَبِيٍّ، وَهُوَ مَبْعُوثٌ بِدِينِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، مُهَاجَرُهُ إلَى أَرْضٍ بَيْنَ [1] حَرَّتَيْنِ، بَيْنَهُمَا نَخْلٌ بِهِ عَلَامَاتٌ لَا تَخْفَى، يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَبَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتُ أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ الْبِلَادِ فَافْعَلْ. (سَلْمَانُ وَنَقْلَتُهُ إلَى وَادِي الْقُرَى ثُمَّ إلَى الْمَدِينَةِ، وسماعه بِبَعْثَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ: ثُمَّ مَاتَ وَغُيِّبَ، وَمَكَثْتُ بِعَمُورِيَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَمْكُثَ، ثُمَّ مَرَّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجَّارٌ، فَقُلْتُ لَهُمْ: احْمِلُونِي إلَى أَرْضِ الْعَرَبِ وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغُنَيْمَتِي هَذِهِ، قَالُوا: نَعَمْ. فأعْطَيْتُهُمُوها وَحَمَلُونِي مَعَهُمْ، حَتَّى إذَا بَلَغُوا وَادِيَ الْقُرَى ظَلَمُونِي، فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ يَهُودِيٍّ عَبْدًا، فَكُنْتُ عِنْدَهُ، وَرَأَيْتُ النَّخْلَ، فَرَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ الْبَلَدَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي، وَلَمْ يَحِقْ فِي نَفْسِي، فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ، إذْ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ الْمَدِينَةِ، فَابْتَاعَنِي مِنْهُ، فَاحْتَمَلَنِي إِلَى الْمَدِينَة، فو الله مَا هُوَ إلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتهَا [2] بِصِفَةِ صَاحِبِي، فَأَقَمْتُ بِهَا، وَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ، لَا أَسْمَعُ لَهُ بِذكَرٍ مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ شُغْلِ الرِّقِّ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَة، فو الله إنِّي لَفِي رَأْسِ عِذْقٍ [3] لِسَيِّدِي أَعْمَلُ لَهُ فِيهِ بَعْضَ الْعَمَلِ، وَسَيِّدِي جَالِسٌ تَحْتِي، إذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ، قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي قَيْلَةَ، وَاَللَّهِ إنَّهُمْ الْآنَ لَمُجْتَمِعُونَ بِقُبَاءَ [4] عَلَى رَجُلٍ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَكَّةَ الْيَوْمَ، يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ. (نَسَبُ قَيْلَةَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَيْلَةُ: بِنْتُ كَاهِلِ بْنِ عُذْرَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ سُودِ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ، أُمُّ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ.

_ [1] الْحرَّة: كل أَرض ذَات حِجَارَة سود متشيطة من أثر احتراق بركانى. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عرفتها» . [3] العذق (بِالْفَتْح) : النَّخْلَة. والعذق (بِالْكَسْرِ) : الكباسة. [4] قبَاء (بِالضَّمِّ) أَصله اسْم بِئْر عرفت الْقرْيَة بهَا، وَهِي مسَاكِن بنى عَمْرو بن عَوْف من الْأَنْصَار. وَتَقَع قَرْيَة قبَاء على ميلين من الْمَدِينَة على يسَار القاصد إِلَى مَكَّة. رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .

(سلمان بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم بهديته يستوثق) :

قَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ يَمْدَحُ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ: بَهَالِيلُ [1] مِنْ أَوْلَادِ قَيْلَةَ لَمْ يَجِدْ ... عَلَيْهِمْ خَلِيطٌ فِي مُخَالَطَةِ عَتْبَا مَسَامِيحُ أَبْطَالٌ يَرَاحُونَ لِلنَّدَى ... يَرَوْنَ عَلَيْهِمْ فِعْلَ آبَائِهِمْ نَحْبَا [2] وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ: فَلَمَّا سَمِعْتُهَا أَخَذَتْنِي الْعُرَوَاءُ. فَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالْعُرَوَاءُ: الرِّعْدَةُ مِنْ الْبَرْدِ وَالِانْتِفَاضُ، فَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ عَرَقٌ فَهِيَ الرُّحَضَاءُ، وَكِلَاهُمَا مَمْدُودٌ- حَتَّى ظَنَنْتُ أَنِّي سَأَسْقُطُ عَلَى سَيِّدِي، فَنَزَلْتُ عَنْ النَّخْلَةِ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ لِابْنِ عَمِّهِ ذَلِكَ: مَاذَا تَقُولُ؟ (مَاذَا تَقُولُ) [2] ؟ فَغَضِبَ سَيِّدِي، فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ قَالَ: مَا لَكَ وَلِهَذَا؟ أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ. قَالَ: قُلْتُ: لَا شَيْءَ، إنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَثْبِتَهُ عَمَّا قَالَ. (سَلْمَانُ بَيْنَ يَدَيْ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَدِيَّتِهِ يَسْتَوْثِقُ) : (قَالَ) [3] : وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ قَدْ جَمَعْتُهُ فَلَمَّا أَمْسَيْتُ أَخَذْتُهُ، ثُمَّ ذَهَبْتُ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِقُبَاءَ [4] ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: إنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ، وَمَعَكَ أَصْحَابٌ لَكَ غُرَبَاءُ ذَوُو حَاجَةٍ، وَهَذَا شَيْءٌ قَدْ كَانَ عِنْدِي لِلصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِكُمْ، قَالَ: فَقَرَّبْتُهُ إلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا، وَأَمْسَكَ يَدَهُ فَلَمْ يَأْكُلْ. قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ وَاحِدَةٌ. قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفْتُ عَنْهُ، فَجَمَعْتُ شَيْئًا، وَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ جِئْتُهُ بِهِ فَقُلْتُ لَهُ: إنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أَكْرَمْتُكَ بِهَا. قَالَ: فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا مَعَهُ. قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَاتَانِ ثِنْتَانِ،

_ [1] البهاليل: جمع بهْلُول، وَهُوَ السَّيِّد. [2] المساميح: الأجواد الْكِرَام. ويراحون: يهتزون. والنحب: النّذر، وَمَا يَجعله الْإِنْسَان على نَفسه. [3] زِيَادَة عَن أ. [4] رَاجع الْحَاشِيَة (رقم 4 ص 218 من هَذَا الْجُزْء) .

(أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلمان بالمكاتبة ليخلص من الرق) :

ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ [1] ، قَدْ تَبِعَ جِنَازَةَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ [2] ، (وَ) [3] عَلَيَّ شَمْلَتَانِ [4] لِي، وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَدَرْتُ أَنْظُرُ إلَى ظَهْرِهِ، هَلْ أَرَى الْخَاتَمَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي، فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَدْبَرْتُهُ [5] عَرَفَ أَنِّي أَسْتَثْبِتُ فِي شَيْءٍ وُصِفَ لِي، فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إلَى الْخَاتَمِ فَعَرَفْتُهُ، فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَحَوَّلْ، فَتَحَوَّلْتُ فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ حَدِيثِي كَمَا حَدَّثْتُكَ يَا بن عَبَّاسٍ، فَأَعْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسْمِعَ ذَلِكَ أَصْحَابَهُ. ثُمَّ شَغَلَ سَلْمَانَ الرِّقُّ حَتَّى فَاتَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرٌ وَأُحُدٌ. (أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَلْمَانَ بِالْمُكَاتَبَةِ لِيَخْلُصَ مِنْ الرِّقِّ) : قَالَ سَلْمَانُ: ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ، فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلَاثِ ماِئَةِ نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا لَهُ بِالْفَقِيرِ [6] ، وَأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: أَعِينُوا أَخَاكُمْ، فَأَعَانُونِي بِالنَّخْلِ، الرَّجُلُ بِثَلَاثِينَ وَدِيَّةً [7] ، وَالرَّجُلُ بِعِشْرِينَ وَدِيَّةً، وَالرَّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ وَدِيَةً، وَالرَّجُلُ بِعَشْرٍ، يُعِينُ الرَّجُلُ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ لِي ثَلَاثُ ماِئَةِ وَدِيَّةٍ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ فَفَقِّرْ [8] لَهَا، فَإِذَا فَرَغْتَ

_ [1] بَقِيع الْغَرْقَد: مَقْبرَة أهل الْمَدِينَة، وَهِي دَاخل الْمَدِينَة. [2] هُوَ كُلْثُوم بن الْهدم، وَكَانَ هُوَ أول من توفى من الْمُسلمين بعد مقدمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة، لم يلبث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى مَاتَ. (رَاجع الطَّبَرِيّ، وَالرَّوْض، وَشرح السِّيرَة) . [3] زِيَادَة عَن أ. [4] الشملة: الكساء الغليظ يشْتَمل بِهِ الْإِنْسَان، أَي يلتحف بِهِ. [5] ويروى: «أستدير بِهِ» . [6] كَذَا فِي الْأُصُول. أَي بِالْحفرِ وبالغرس، يُقَال: فقرت الأَرْض: إِذا حفرتها، وَمِنْه سميت الْبِئْر: فَقِيرا. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: «بالتفقير» . مصدر «فقر» . وَلَعَلَّ هَذِه الرِّوَايَة أنسب. [7] الودية: وَاحِدَة الودي، وَهُوَ فراخ النّخل الصغار. [8] فقر: احْفِرْ.

(سلمان والرجل الذي كان يخرج بين غيضتين بعمورية) :

فَأْتِنِي أَكُنْ أَنَا أَضَعُهَا بِيَدَيَّ. قَالَ: فَفَقَّرْتُ وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي، حَتَّى إذَا فَرَغْتُ جِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعِي إلَيْهَا، فَجَعَلْنَا نُقَرِّبُ إلَيْهِ الْوَدِيَّ، وَيَضَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، حَتَّى فَرغْنَا. فو الّذي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ [1] . قَالَ: فَأَدَّيْتُ النَّخْلَ وَبَقِيَ عَلَيَّ الْمَالُ. فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ، مِنْ بَعْضِ الْمَعَادِنِ [2] ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ الْفَارِسِيُّ الْمُكَاتَبُ؟ قَالَ: فَدُعِيتُ لَهُ، فَقَالَ خُذْ هَذِهِ، فَأَدِّهَا مِمَّا عَلَيْكَ يَا سَلْمَانُ» قَالَ: قُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّا عَلَيَّ؟ فَقَالَ: خُذْهَا فَإِنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ. قَالَ: فَأَخَذْتهَا فَوَزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا، وَاَلَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، فَأَوْفَيْتُهُمْ حَقَّهُمْ مِنْهَا، وَعَتَقَ سَلْمَانُ. فَشَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْخَنْدَقَ حُرًّا، ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مَشْهَدٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ عَنْ سَلْمَانَ: أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا قُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِنْ الَّذِي عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَلَّبَهَا عَلَى لِسَانِهِ، ثُمَّ قَالَ: خُذْهَا فَأَوْفِهِمْ مِنْهَا، فَأَخَذْتهَا، فَأَوْفَيْتهمْ مِنْهَا حَقَّهُمْ كُلَّهُ، أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: (سَلْمَانُ وَالرَّجُلُ الَّذِي كَانَ يَخْرُجُ بَيْنَ غَيْضَتَيْنِ بِعَمُورِيَّةَ) : حُدِّثْتُ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ أَخْبَرَهُ خَبَرَهُ: إنَّ صَاحِبَ عَمُورِيَّةَ قَالَ لَهُ: ائْتِ كَذَا وَكَذَا مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَإِنَّ بِهَا رَجُلًا بَيْنَ غَيْضَتَيْنِ [3] ، يَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ هَذِهِ الْغَيْضَةِ إلَى هَذِهِ الْغَيْضَةِ مُسْتَجِيزًا، يَعْتَرِضُهُ ذَوُو الْأَسْقَامِ، فَلَا يَدْعُو لِأَحَدٍ مِنْهُمْ إلَّا شُفِيَ، فَاسْأَلْهُ عَنْ هَذَا

_ [1] وَيُقَال: إِن سلمَان غرس بِيَدِهِ، ودية وَاحِدَة، وغرس رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سائرها فَعَاشَتْ كلهَا إِلَّا الَّتِي غرس سلمَان. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [2] الْمَعَادِن: جمع مَعْدن (كمجلس) : مَا تستخرج مِنْهُ الْجَوَاهِر من ذهب وَفِضة وحديد وَنَحْوه. [3] الغيضة: الشّجر الملتف.

ذكر ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وعبيد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث وزيد بن عمرو بن نفيل [2]

الدِّينِ الَّذِي تَبْتَغِي، فَهُوَ يُخْبِرُكَ عَنْهُ. قَالَ سَلْمَانُ: فَخَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ حَيْثُ وُصِفَ لِي، فَوَجَدْتُ النَّاسَ قَدْ اجْتَمَعُوا بِمَرْضَاهُمْ هُنَالِكَ، حَتَّى خَرَجَ لَهُمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، مُسْتَجِيزًا مِنْ إحْدَى الْغَيْضَتَيْنِ إلَى أُخْرَى، فَغَشِيَهُ النَّاسُ بِمَرْضَاهُمْ، لَا يَدْعُو لِمَرِيضٍ إلَّا شُفِيَ، وَغَلَبُونِي عَلَيْهِ، فَلَمْ أَخْلُصْ إلَيْهِ حَتَّى دَخَلَ الْغَيْضَةَ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ، إلَّا مَنْكِبِهِ. قَالَ: فَتَنَاوَلْتُهُ: فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ وَالْتَفَتَ إلَيَّ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، أَخْبِرْنِي عَنْ الْحَنِيفِيَّةِ دِينِ إبْرَاهِيمَ. قَالَ: إنَّكَ لَتَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ مَا يَسْأَلُ عَنْهُ النَّاسُ الْيَوْمَ، قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ بِهَذَا الدِّينِ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ، فَأْتِهِ فَهُوَ يَحْمِلُكَ عَلَيْهِ. قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَلْمَانَ: لَئِنْ كُنْتَ صَدَّقْتَنِي يَا سَلْمَانُ، لَقَدْ لَقِيتُ عِيسَى بن مَرْيَمَ [1] ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلَامُ. ذِكْرُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وَعُثْمَانَ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ [2] (بَحْثُهُمْ فِي الْأَدْيَانِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ يَوْمًا فِي عِيدٍ لَهُمْ عِنْدَ صَنَمٍ مِنْ أَصْنَامِهِمْ، كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ وَيَنْحَرُونَ لَهُ، وَيَعْكُفُونَ عِنْدَهُ، وَيُدِيرُونَ [3] بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ عِيدًا لَهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمًا، فَخَلَصَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ نَجِيًّا [4] ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَصَادَقُوا وَلْيَكْتُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، قَالُوا: أَجَلْ. وَهُمْ: وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ،

_ [1] قَالَ السهيليّ عِنْد الْكَلَام على هَذَا الحَدِيث: «إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث مَقْطُوع. وَفِيه رجل مَجْهُول، وَيُقَال إِن الرجل هُوَ الْحسن بن عمَارَة، وَهُوَ ضَعِيف بِإِجْمَاع مِنْهُم فان صَحَّ الحَدِيث فَلَا نَكَارَة فِي مَتنه» . ثمَّ تصدى السهيليّ لتأييده على فرض صِحَّته نَاقِلا عَن الطَّبَرِيّ فِي كَلَام طَوِيل رَأينَا أَن نجتزئ هُنَا بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ. [2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «أَمر النَّفر الْأَرْبَعَة المتفرقين فِي عبَادَة الْأَوْثَان فِي طلب الْأَدْيَان» . [3] فِي أ: «يدورون» . وهما بِمَعْنى. [4] النجي: الْجَمَاعَة يتحدثون سرا عَن غَيرهم، وَيَقَع للاثنين وَالْجَمَاعَة بِلَفْظ وَاحِد.

(ما وصل إليه ورقة وابن جحش) :

وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ صَبْرَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ ابْن دُودَانَ [1] بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أُمَيْمَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعُثْمَانِ ابْن الْحُوَيْرِثِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وَزَيْدِ [2] بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلِ ابْن عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِيَاحِ [3] بْنِ رَزَاحِ [4] بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ ابْن لُؤَيٍّ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعَلَّمُوا وَاَللَّهِ مَا قَوْمُكُمْ عَلَى شَيْءٍ! لَقَدْ أَخْطَئُوا دِينَ أَبِيهِمْ إبْرَاهِيمَ! مَا حَجَرٌ نُطِيفُ بِهِ، لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ، وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، يَا قَوْمِ الْتَمِسُوا لِأَنْفُسِكُمْ (دِينًا) [5] ، فَإِنَّكُمْ وَاَللَّهِ مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ. فَتَفَرَّقُوا فِي الْبُلْدَانِ يَلْتَمِسُونَ الْحَنِيفِيَّةَ، دِينَ إبْرَاهِيمَ. (مَا وَصَلَ إلَيْهِ وَرَقَةُ وَابْنُ جَحْشٍ) : فَأَمَّا وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ فَاسْتَحْكَمَ فِي النَّصْرَانِيَّةِ، وَاتَّبَعَ الْكُتُبَ مِنْ أَهْلِهَا، حَتَّى عَلِمَ عِلْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، فَأَقَامَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الِالْتِبَاسِ حَتَّى أَسْلَمَ، ثُمَّ هَاجَرَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْحَبَشَةِ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ مُسْلِمَةً، فَلَمَّا قَدِمَهَا تَنَصَّرَ، وَفَارَقَ الْإِسْلَامَ، حَتَّى هَلَكَ هُنَالِكَ نَصْرَانِيًّا. (مَا كَانَ يَفْعَلُهُ ابْنُ جَحْشٍ بَعْدَ تَنَصُّرِهِ بِمُسْلِمِي الْحَبَشَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: كَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ ابْن جَحْشٍ حِينَ تَنَصَّرَ يَمُرُّ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ هُنَالِكَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَيَقُولُ: فَقَّحْنَا وَصَأْصَأْتُمْ، أَيْ أَبْصَرْنَا وَأَنْتَمِ تَلْتَمِسُونَ الْبَصَرَ،

_ [1] كَذَا فِي أوالقاموس وَشَرحه. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «داودان» وَهُوَ تَحْرِيف. [2] وَأم زيد: الحيداء بنت خَالِد الفهمية، وَهِي امْرَأَة جده نفَيْل، ولدت لَهُ الْخطاب، فَهُوَ أَخُو الْخطاب لأمه وَابْن أُخْته، وَكَانَ ذَلِك مُبَاحا فِي الْجَاهِلِيَّة. (رَاجع الرَّوْض) . [3] الْمَعْرُوف فِي نسب عمر بن الْخطاب، وَهُوَ ابْن عَم زيد بن عَمْرو، أَنه: عمر بن الْخطاب بن نفَيْل بن ريَاح بن عبد الله بن قرط بن رزاح، بِتَقْدِيم «ريَاح» على «عبد الله» . (رَاجع الرَّوْض الْأنف) [4] رزاح: بِفَتْح الرَّاء. وَقيل بِكَسْرِهَا، وَقيل: إِن الّذي بِالْكَسْرِ هُوَ رزاح بن ربيعَة، أَخُو قصي لأمه. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [5] زِيَادَة عَن أ.

(زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من امرأة ابن جحش بعد موته) :

وَلَمْ تُبْصِرُوا بَعْدُ. وَذَلِكَ أَنَّ وَلَدَ الْكَلْبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ عَيْنَيْهِ لِيَنْظُرَ، صَأْصَأَ لِيَنْظُرَ. وَقَوْلُهُ: فَقَّحَ: فَتَّحَ عَيْنَيْهِ. (زَوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ امْرَأَةِ ابْنِ جَحْشٍ بَعْدَ مَوْتِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ عَلَى امْرَأَتِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ فِيهَا إلَى النَّجَاشِيِّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ، فَخَطَبَهَا عَلَيْهِ النَّجَاشِيُّ، فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا، وَأَصْدَقَهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ ماِئَةِ دِينَارٍ. فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: مَا نَرَى عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ وَقَفَ صَدَاقَ النِّسَاءِ عَلَى أَرْبَعِ ماِئَةِ دِينَارٍ إلَّا عَنْ ذَلِكَ. وَكَانَ الَّذِي أَمْلَكَهَا النَّبِيَّ [1] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ ابْن الْعَاصِ. (تَنَصُّرُ ابْنِ الْحُوَيْرِثِ، وَذَهَابُهُ إلَى قَيْصَرَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فَقَدِمَ عَلَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرّوم، فتنصّر وحسلت مَنْزِلَتُهُ عِنْدَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلِعُثْمَانَ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عِنْدَ قَيْصَرَ حَدِيثٌ، مَنَعَنِي مِنْ ذِكْرِهِ مَا ذَكَرْتُ فِي حَدِيثِ حَرْبِ الْفِجَارِ [2] . (زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو وَمَا وَصَلَ إلَيْهِ، وَشَيْءٌ عَنْهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فَوَقَفَ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي يَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ، وَفَارَقَ دِينَ قَوْمِهِ، فَاعْتَزَلَ الْأَوْثَانَ وَالْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَالذَّبَائِحَ الَّتِي

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «للنّبيّ» . وَالْمَعْرُوف أَن: «أملك» . تتعدى إِلَى مفعولين. [2] وَهَذَا الحَدِيث هُوَ أَن قَيْصر كَانَ قد توج عُثْمَان وولاه أَمر مَكَّة، فَلَمَّا جَاءَهُم بذلك أنفوا من أَن يدينوا لملك، وَصَاح الْأسود بن أَسد بن عبد الْعُزَّى: أَلا إِن مَكَّة حَيّ لقاح لَا تدين لملك، فَلم يتم لَهُ مُرَاده، وَقيل غير هَذَا. وَكَانَ يُقَال لعُثْمَان هَذَا: البطريق، وَلَا عقب لَهُ، وَمَات بِالشَّام مسموما، سمه عَمْرو بن جَفْنَة الغساني الْملك. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .

تُذْبَحُ عَلَى الْأَوْثَانِ [1] وَنَهَى عَنْ قَتْلِ الْمَوْءُودَةِ [2] ، وَقَالَ: أَعْبُدُ رَبَّ إبْرَاهِيمَ، وَبَادَى قَوْمَهُ بِعَيْبِ مَا هُمْ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّهِ أَسَمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ شَيْخًا كَبِيرًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلَى الْكَعْبَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَاَلَّذِي نَفْسُ زَيْدِ ابْن عَمْرٍو بِيَدِهِ، مَا أَصْبَحَ مِنْكُمْ أَحَدٌ عَلَى دِينِ إبْرَاهِيمَ غَيْرِي، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهمّ لَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَيَّ الْوُجُوهِ أَحَبُّ إلَيْكَ عَبَدَتْكَ بِهِ، وَلَكِنِّي لَا أَعْلَمُهُ، ثُمَّ يَسْجُدُ عَلَى رَاحَتِهِ.

_ [1] قَالَ السهيليّ بعد مَا تعرض للْكَلَام على ترك زيد لما ذبح على النصب: «وَفِيه سُؤال، يُقَال: كَيفَ وفْق الله زيدا إِلَى ترك أكل مَا ذبح على النصب، وَمَا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ، وَرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أولى بِهَذِهِ الْفَضِيلَة فِي الْجَاهِلِيَّة؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه لَيْسَ فِي الحَدِيث حِين لقِيه ببلدح (يُشِير إِلَى لِقَاء رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببلدح قبل أَن ينزل الْوَحْي، فَقدمت إِلَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سفرة، فَأبى زيد أَن يَأْكُل مِنْهَا، وَقَالَ: إِنِّي لست آكل مَا يذبح على النصب، وَلَا آكل إِلَّا مَا ذكر اسْم الله عَلَيْهِ) ، فَقدمت إِلَيْهِ السفرة أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل مِنْهَا، وَإِنَّمَا فِي الحَدِيث أَن زيدا قَالَ حِين قدمت السفرة: لَا آكل مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ. الْجَواب الثَّانِي: أَن زيدا إِنَّمَا فعل ذَلِك بِرَأْي رَآهُ، لَا بشرع مُتَقَدم، وَإِنَّمَا تقدم شرع إِبْرَاهِيم بِتَحْرِيم الْميتَة، لَا بِتَحْرِيم مَا ذبح لغير الله وَإِنَّمَا نزل تَحْرِيم ذَلِك فِي الْإِسْلَام. وَبَعض الْأُصُولِيِّينَ يَقُول: الْأَشْيَاء قبل وُرُود الشَّرْع على الْإِبَاحَة، فَإِن قُلْنَا بِهَذَا، وَقُلْنَا: إِن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْكُل مِمَّا ذبح على النصب، فَإِنَّمَا فعل أمرا مُبَاحا، وَإِن كَانَ لَا يَأْكُل مِنْهُ فَلَا إِشْكَال. وَإِن قُلْنَا أَيْضا: إِنَّهَا لَيست على الْإِبَاحَة، وَلَا على التَّحْرِيم، وَهُوَ الصَّحِيح، فالذبائح خَاصَّة لَهَا أصل فِي تَحْلِيل الشَّرْع الْمُتَقَدّم كالشاة وَالْبَعِير، وَنَحْو ذَلِك، مِمَّا أحله الله تَعَالَى فِي دين من كَانَ قبلنَا، وَلم يقْدَح فِي ذَلِك التَّحْلِيل الْمُتَقَدّم مَا ابتدعوه حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَام، وَأنزل الله سُبْحَانَهُ: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ الله عَلَيْهِ 6: 121. أَلا ترى كَيفَ بقيت ذَبَائِح أهل الْكتاب عندنَا على أصل التَّحْلِيل بِالشَّرْعِ الْمُتَقَدّم وَلم يقْدَح فِي ذَلِك التَّحْلِيل مَا أحدثوه من الْكفْر وَعبادَة الصلبان، فَكَذَلِك كَانَ مَا ذبحه أهل الْأَوْثَان محلا بِالشَّرْعِ الْمُتَقَدّم، حَتَّى خصّه الْقُرْآن بِالتَّحْرِيمِ. [2] وَكَانَ زيد- فِيمَا يُقَال- يَقُول للرجل إِذا أَرَادَ أَن يقتل ابْنَته: لَا تقتلها، أكفيك مئونتها، فيأخذها، فَإِذا ترعرعت قَالَ لأَبِيهَا: إِن شِئْت دفعتها إِلَيْك، وَإِن شِئْت كفيتك مئونتها. وَقد كَانَ صعصعة بن مُعَاوِيَة جد الفرزدق رَحمَه الله يفعل مثل ذَلِك، وَلما أسلم سَأَلَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَل لي فِي ذَلِك أجر؟ فَقَالَ: لَك من أجره إِذْ من الله عَلَيْك بِالْإِسْلَامِ. وَفِي الْفَخر بِمُعَاوِيَة يَقُول الفرزدق: وَمنا الّذي منع الوائدات ... وَأَحْيَا الوئيد فَلم يوأد 15- سيرة ابْن هِشَام- 1

(شعر زيد في فراق دين قومه) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدِّثْتُ أَنَّ ابْنَهُ، سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ، قَالَا لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنستغفر [1] لِزَيْدِ بْنِ عَمْرٍو؟ قَالَ: نَعَمْ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ. (شِعْرُ زَيْدٍ فِي فِرَاقِ دِينِ قَوْمِهِ) : وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فِي فِرَاقِ دِينِ قَوْمِهِ، وَمَا كَانَ لَقِيَ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ: أَرَبًّا وَاحِدًا أَمْ أَلْفَ رَبٍّ ... أَدِينُ إذَا تُقُسِّمَتْ الْأُمُورُ عَزَلْتُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى [2] جَمِيعًا ... كَذَلِكَ يَفْعَلُ الْجَلْدُ الصَّبُورُ فَلَا الْعُزَّى أَدِينُ وَلَا ابْنَتَيْهَا ... وَلَا صَنَمَيْ بَنِي عَمْرٍو أَزُورُ [3] وَلَا هُبَلًا أَدِينُ وَكَانَ رَبًّا [4] ... لَنَا فِي الدَّهْرِ إذْ حِلْمِي يَسِيرُ عَجِبْتُ وَفِي اللَّيَالِي مُعْجَبَاتٌ ... وَفِي الْأَيَّامِ يَعْرِفُهَا الْبَصِيرُ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْنَى رِجَالًا ... كَثِيرًا كَانَ شَأْنَهُمْ الْفُجُورُ [5] وَأَبْقَى آخَرِينَ بِبِرِّ قَوْمٍ ... فَيَرْبِلُ مِنْهُمْ الطِّفْلُ الصَّغِيرُ [6]

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أسْتَغْفر» . [2] وَكَانَت الْعُزَّى نخلات مجتمعة، وَكَانَ عَمْرو بن لحي قد أخْبرهُم، فِيمَا ذكر، أَن الرب يشتى بِالطَّائِف عِنْد اللات، ويصيف بالعزى، فعظموها وَبَنُو لَهَا بَيْتا، وَكَانُوا يهْدُونَ لَهَا كَمَا يهْدُونَ إِلَى الْكَعْبَة، وَهِي الَّتِي بعث رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِد بن الْوَلِيد ليهدمها، فَقَالَ لَهُ سادنها: يَا خَالِد احذرها فإنّها تجذع وتكتع، فَهَدمهَا خَالِد، وَترك مِنْهَا جذمها وأساسها، فَقَالَ قيمها: وَالله لتعودن ولتنتقمن مِمَّن فعل بهَا هَذَا، ثمَّ كَانَ أَن أَمر رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدا باستئصال بقيتها، فَفعل. [3] كَذَا فِي الْأُصُول: يُرِيد قبيل أَبِيه. وَفِي الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ (ص 22) ، وبلوغ الأرب (ج 2 ص 220) : «بنى غنم» . [4] كَذَا فِي كتاب الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ، وهبل (كصرد) : صنم لَهُم. وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ، وَفِي جَمِيع الْأُصُول: «وَلَا غنما» . وَلم نجد بَين أصنام الْعَرَب صنما لَهُ هَذَا الِاسْم. [5] رِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي الأغاني: ألم تعلم بِأَن الله أفنى ... رجَالًا كَانَ شَأْنهمْ الْفُجُور [6] كَذَا فِي الْأُصُول وبلوغ الأرب. وربل الطِّفْل يربل (من بَابي نصر وَضرب) : إِذا شب وَعظم وَكبر. وَفِي الأغاني: «فيربو» .

وَبَيْنَا الْمَرْءُ يَفْتَرُّ [1] ثَابَ [2] يَوْمًا ... كَمَا يُتَرَوَّحُ الْغُصْنُ الْمَطِيرُ [3] وَلَكِنْ أَعْبُدُ الرَّحْمَنَ رَبِّي ... لِيَغْفِرَ ذَنْبِي الرَّبُّ الْغَفُورُ فَتَقْوَى الله ربّكم احفظ هَا ... مَتَى مَا تَحْفَظُوهَا لَا تَبُورُوا تَرَى الْأَبْرَارَ دَارُهُمْ جِنَانٌ ... وَلِلْكَفَّارِ حَامِيَةً سَعِيرُ وَخِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ وَإِنْ يَمُوتُوا ... يُلَاقُوا مَا تَضِيقُ بِهِ الصُّدُورُ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنُ نُفَيْلٍ أَيْضًا- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هِيَ لِأُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، إلَّا الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَالْبَيْتَ الْخَامِسَ وَآخِرَهَا بَيْتًا. وَعَجُزُ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ-: إلَى اللَّهِ أُهْدِي مِدْحَتِي وَثَنَائِيَا ... وَقَوْلًا رَصِينًا [4] لَا يَنِي الدَّهْرَ بَاقِيَا [5] إلَى الْمَلِكِ الْأَعْلَى الَّذِي لَيْسَ فَوْقه ... إِلَه وَلَا رَبٌّ يَكُونُ مُدَانِيَا أَلَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إيَّاكَ وَالرَّدَى [6] ... فَإِنَّكَ لَا تُخْفِي مِنْ اللَّهِ خَافِيَا وَإِيَّاكَ لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ ... فَإِنَّ سَبِيلَ الرُّشْدِ أَصْبَحَ بَادِيَا حَنَانَيْكَ [7] إنَّ الْحِنَّ [8] كَانَتْ رجاءهم ... وَأَنت إلهي رَبَّنَا وَرَجَائِيَا

_ [1] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والأغاني وبلوغ الأرب. وَفِي أ: «يفتر» . وفتر الشَّيْء يفتر (من بَابي نصر وَضرب) : سكن بعد حِدته، ولان بعد شدته وَضعف. [2] ثاب: رَجَعَ. [3] يتروح: يَهْتَز ويخضر، وينبت ورقه بعد سُقُوطه. [4] كَذَا فِي أ. والرصين: الثَّابِت الْمُحكم. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وقولا رَضِينَا» . [5] لَا ينى: لَا يفتر وَلَا يضعف. [6] الردى: الْهَلَاك وَالْمَوْت، وَلَيْسَ المُرَاد تحذيره الْمَوْت، وَإِنَّمَا المُرَاد تحذيره مَا يأتى بِهِ الْمَوْت ويبديه ويكشفه من جَزَاء الْأَعْمَال. [7] حنانيك: أَي حنانا بعد حنان، كَأَنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى التَّضْعِيف والتكرار، لَا إِلَى الْقصر على اثْنَيْنِ خَاصَّة دون مزِيد، وَيجوز أَن يكون المُرَاد: حنانا فِي الدُّنْيَا وَحَنَانًا فِي الْآخِرَة، وَإِذا خُوطِبَ بِهَذَا اللَّفْظ مَخْلُوق، كَقَوْل طرفَة: حنانيك بعض الشَّرّ أَهْون من بعض فَإِنَّمَا يُرِيد حنان دفع، وحنان نفع، لِأَن كل من أمل ملكا، فَإِنَّمَا يؤمله ليدفع عَنهُ ضيرا أَو ليجلب إِلَيْهِ خيرا. [8] قَوْله: إِن الحن. قَالَ فِي الْقَامُوس: «والحن (بِالْكَسْرِ) : حَيّ من الْجِنّ، مِنْهُم الْكلاب السود البهم، أَو سفلَة الْجِنّ وضعفاؤهم، أَو كلابهم، أَو خلق بَين الْجِنّ وَالْإِنْس» انْتهى.

رَضِيتُ بِكَ اللَّهمّ رَبًّا فَلَنْ أرى ... أدين إِلَهًا [1] غَيْرَكَ اللَّهُ [2] ثَانِيَا (أَدِينُ لِرَبٍّ يُسْتَجَابُ وَلَا أَرَى ... أَدِينُ لِمَنْ لَمْ يَسْمَعْ الدَّهْرَ دَاعِيَا) [3] وَأَنْتَ الَّذِي مِنْ فَضْلِ مَنٍّ وَرَحْمَةٍ ... بَعَثْتَ إلَى مُوسَى رَسُولًا مُنَادِيَا فَقُلْتُ لَهُ يَا اذْهَبْ [4] وَهَارُونَ [5] فَادْعُوَا ... إلَى اللَّهِ فِرْعَوْنَ الَّذِي كَانَ طَاغِيَا وَقُولَا لَهُ: أَأَنْتَ سَوَّيْتَ هَذِهِ [6] ... بِلَا وَتَدٍ حَتَّى اطْمَأَنَّتْ كَمَا هِيَا وَقُولَا لَهُ: أَأَنْتَ رَفَّعْتَ هَذِهِ [7] ... بِلَا عُمُدٍ أَرْفِقْ إذَا بِكَ بَانِيَا [8] وَقُولَا لَهُ: أَأَنْتَ سَوَّيْتَ وَسْطَهَا ... مُنِيرًا إذَا مَا جَنَّهُ اللَّيْلُ هَادِيَا وَقُولَا لَهُ: مَنْ يُرْسِلُ الشَّمْسَ غُدْوَةً ... فَيُصْبِحُ مَا مَسَّتْ مِنْ الْأَرْضِ ضَاحِيَا وَقُولَا لَهُ: مَنْ يُنْبِتُ الْحَبَّ فِي الثَّرَى ... فَيُصْبِحُ مِنْهُ الْبَقْلُ يَهْتَزُّ رَابِيَا [9] وَيُخْرِجُ مِنْهُ حَبَّهُ فِي رُءُوسِهِ ... وَفِي ذَاكَ آيَاتٌ لِمَنْ كَانَ وَاعِيَا وَأَنْتَ بِفَضْلٍ مِنْكَ نَجَّيْتَ يُونُسَا ... وَقَدْ بَاتَ فِي أَضْعَافِ حُوتٍ لَيَالِيَا وَإِنِّي [10] (وَ) [11] لَوْ سَبَّحْتُ بِاسْمِكَ رَبَّنَا ... لَأُكْثِرُ، إلَّا مَا غَفَرْتَ، خَطَائِيَا [12]

_ [1] أدين إِلَهًا: أَي أدين لإله، وَحذف اللَّام وعدي الْفِعْل، لِأَنَّهُ فِي معنى: أعبد إِلَهًا. [2] يُرِيد: يَا الله. [3] زِيَادَة عَن الأغاني. [4] يَا اذْهَبْ: على حذف الْمُنَادِي. كَأَنَّهُ قَالَ: أَلا يَا هَذَا اذْهَبْ، كَمَا قرئَ: «أَلا يَا اسجدوا» يُرِيد: يَا قوم اسجدوا، وكما قَالَ غيلَان ذُو الرمة: أَلا يَا أسلمي يَا دَار مي على البلى [5] يَصح عطف «هَارُون» على الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي الْفِعْل «اذْهَبْ» مَعَ عدم توكيده بضمير فصل وَهُوَ قَبِيح. والجيد نصب هَارُون على الْمَفْعُول مَعَه. [6] يُرِيد الأَرْض، وَأَشَارَ إِلَيْهَا للْعلم بهَا. [7] يُرِيد السَّمَاء. [8] أرْفق: فعل تعجب، وَعَلِيهِ فالباء فِي «بك» زَائِدَة. وَهِي فِي مَحل رفع فَاعل. وَيكون الْمَعْنى: رفقت. [9] رابيا: ظَاهرا على وَجه الأَرْض. [10] ويروى: «وَإِنِّي إِن ... إِلَخ» . [11] زِيَادَة عَن أ. [12] يُرِيد: إِنِّي لأكْثر من هَذَا الدُّعَاء الّذي هُوَ: بِاسْمِك رَبنَا إِلَّا مَا غفرت، وَمَا بعد إِلَّا زَائِدَة، وَلَو سبحت: اعْتِرَاض بَين اسْم إِن وخبرها. وَالتَّسْبِيح (هُنَا) : الصَّلَاة: أَي لَا. أعْتَمد وَإِن صليت إِلَّا على دعائك واستغفارك من خطاياي.

(نسب الحضرمي) :

فَرَبَّ الْعِبَادِ أَلْقِ سَيْبًا وَرَحْمَةً [1] ... عَلَيَّ وَبَارِكْ فِي بَنِيَّ وَمَالِيَا وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو يُعَاتِبُ امْرَأَتَهُ صَفِيَّةَ بِنْتَ الْحَضْرَمِيِّ- (نَسَبُ الْحَضْرَمِيِّ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ الْحَضْرَمِيِّ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِمَادِ [2] (بْنِ أَكْبَرَ) [3] أَحَدُ الصَّدِفِ، وَاسْمُ الصَّدِفِ: عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ أَحَدُ السَّكُونِ بْنِ أَشْرَسَ بْنِ كِنْدَى، وَيُقَالُ: كِنْدَةُ بْنُ ثَوْرِ بْنِ مُرَتِّعِ بْنِ عُفَيْرِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ أَدَدَ ابْن زَيْدِ بْنِ مِهْسَعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَرِيبِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَالُ: مُرَتِّعُ ابْن مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ. (شِعْرُ زَيْدٍ فِي عِتَابَ زَوْجَتِهِ عَلَى اتِّفَاقِهَا مَعَ الْخَطَّابِ فِي مُعَاكَسَتِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو قَدْ أَجْمَعَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ لِيَضْرِبَ فِي الْأَرْضِ يَطْلُبُ الْحَنِيفِيَّةَ دِينَ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ الْحَضْرَمِيِّ كَلَّمَا رَأَتْهُ قَدْ تَهَيَّأَ لِلْخُرُوجِ وَأَرَادَهُ آذَنَتْ بِهِ الْخَطَّابَ بْنَ نُفَيْلٍ، وَكَانَ الْخَطَّابُ ابْن نُفَيْلٍ عَمَّهُ [4] وَأَخَاهُ لِأُمِّهِ، وَكَانَ يُعَاتِبُهُ عَلَى فِرَاقِ دِينِ قَوْمِهِ، وَكَانَ الْخَطَّابُ قَدْ وَكَّلَ صَفِيَّةَ بِهِ، وَقَالَ: إذَا رَأَيْتِيهِ قَدْ هَمَّ بِأَمْرٍ فَآذِنِينِي بِهِ- فَقَالَ زَيْدٌ: لَا تحبسينى فِي الهوان ... صَفِيُّ مَا دَابِي وَدَابُهُ [5] إنِّي إِذا خفت الهوان ... مُشَيَّعٌ ذُلُلَ رِكَابِهِ [6] دعموص [7] أَبْوَاب الْمُلُوك ... وَجَائِبٌ لِلْخِرَقِ نَابَهُ [8]

_ [1] السيب: الْعَطاء. [2] فِي الْأُصُول: «عباد» . والتصويب عَن شرح السِّيرَة وَالرَّوْض والاستيعاب. [3] زِيَادَة عَن أ. [4] وَذَلِكَ أَن أم زيد، وَهِي جيداء بنت خَالِد بن جَابر بن أَبى حبيب بن فهم، كَانَت عِنْد نفَيْل بن عبد الْعُزَّى، فَولدت لَهُ الْخطاب، أَبَا عمر بن الْخطاب، ثمَّ مَاتَ عَنْهَا نفَيْل، فَتَزَوجهَا ابْنه عَمْرو، فَولدت لَهُ زيدا، وَكَانَ هَذَا نِكَاحا ينكحه أهل الْجَاهِلِيَّة. (رَاجع الأغاني ج 3 ص 133 طبع دَار الْكتب) . [5] الدأب: الْعَادة. وسهلت همزته للقافية. [6] المشيع: الجريء الشجاع. والذلل: السهلة قد ارتاضت. [7] الدعموص: دويبة تغوص فِي المَاء مرّة بعد مرّة، يشبه بهَا الرجل الّذي يكثر الولوج فِي الْأَشْيَاء يُرِيد: وَلَا جافى أَبْوَاب الْمُلُوك، وَأَنه يكثر الدُّخُول عَلَيْهِم. [8] جائب: قَاطع، والخرق: الفلاة الواسعة.

(شعر زيد حين كان يستقبل الكعبة) :

قطّاع أَسبَاب تذلّ ... بِغَيْرِ أَقْرَانٍ صِعَابُهْ [1] وَإِنَّمَا أَخذ الهوان ... الْعِيرَ إذْ يُوهَى إهَابُهْ [2] وَيَقُولُ إنِّي لَا أَذِّلُ ... بِصَكِّ جَنْبَيْهِ صِلَابُهْ [3] وَأَخِي ابْنُ أمّى ثمَّ ... عمي لَا يُوَاتِينِي خِطَابُهُ [4] وَإِذَا يُعَاتِبُنِي بِسُوء ... قُلْتُ أَعْيَانِي جَوَابُهُ وَلَوْ أَشَاءَ لَقُلْتُ مَا ... عِنْدِي مَفَاتِحُهُ وَبَابُهُ [5] (شِعْرُ زَيْدٍ حِينَ كَانَ يَسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدِّثَتْ (عَنْ) [6] بَعْضِ أَهْلِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: أَنَّ زَيْدًا كَانَ إذَا اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ، قَالَ: لَبَّيْكَ حَقًّا حَقًّا، تَعَبُّدًا وَرِقًّا. عُذْتُ بِمَا عَاذَ بِهِ إِبْرَاهِمْ ... مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَهُوَ قَائِمُ إذْ قَالَ: أَنْفِي لَكَ اللَّهمّ عَانٍ رَاغِمُ ... مَهْمَا تُجَشِّمُنِي فَإِنِّي جَاشِمُ [7] الْبِرَّ أَبْغِي لَا الْخَالَ [8] ، لَيْسَ مُهَجِّرٌ كَمَنْ [9] قَالَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الْبِرُّ أَبْقَى لَا الْخَالُ، لَيْسَ مُهَجِّرٌ كَمَنْ قَالَ. قَالَ وَقَوْلُهُ «مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ» عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنُ نُفَيْلٍ:

_ [1] الأقران: جمع قرن، وَهُوَ الْحَبل. [2] يوهى: يشق. وإهاب: جلد. وَفِي الْبَيْت خرم. [3] أَي يَقُول العير ذَلِك بصك جَنْبَيْهِ، أَي صلاب مَا يوضع عَلَيْهِ. وأضافها إِلَى العير لِأَنَّهَا عبؤه وَحمله. [4] لَا يواتينى: لَا يوافقني. [5] فِي الْبَيْت خرم. [6] زِيَادَة عَن أ. وَفِي السبرة على هَامِش الرَّوْض الْأنف وَحدث بعض. [7] العاني: الْأَسير. وتجشمنى: تكلفني. [8] الْخَال: الْخُيَلَاء وَالْكبر. [9] المهجر: الّذي يسير فِي الهاجرة: أَي القائلة، وَقَالَ يقيل: إِذا نَام فِي القائلة: أَي لَيْسَ من هجر كمن آثر الرَّاحَة فِي القائلة وَالنَّوْم.

(الخطاب ووقوفه في سبيل زيد بن نفيل، وخروج زيد إلى الشام وموته) :

وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ ... لَهُ الْأَرْضُ تَحْمِلُ صَخْرًا ثِقَالًا دَحَاهَا [1] فَلَمَّا رَآهَا اسْتَوَتْ ... عَلَى الْمَاءِ أَرْسَى عَلَيْهَا الْجِبَالَا وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ ... لَهُ الْمُزْنُ تَحْمِلُ عَذْبًا زُلَالًا [2] إذَا هِيَ سِيقَتْ إلَى بَلْدَةٍ ... أَطَاعَتْ فَصَبَّتْ عَلَيْهَا سِجَالًا [3] (الْخَطَّابُ وَوُقُوفُهُ فِي سَبِيلِ زَيْدِ بْنِ نُفَيْلٍ، وَخُرُوجُ زَيْدٍ إلَى الشَّامِ وَمَوْتُهُ) : وَكَانَ الْخَطَّابُ قَدْ آذَى زَيْدًا، حَتَّى أَخْرَجَهُ إلَى أَعَلَى مَكَّةَ، فَنَزَلَ حِرَاءَ [4] مُقَابِلَ مَكَّةَ، وَوَكَّلَ بِهِ الْخَطَّابُ شَبَابًا مِنْ شَبَابِ قُرَيْشٍ وَسُفَهَاءَ مِنْ سُفَهَائِهَا، فَقَالَ لَهُمْ: لَا تَتْرُكُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ، فَكَانَ لَا يَدْخُلُهَا إلَّا سِرًّا مِنْهُمْ، فَإِذَا عَلِمُوا بِذَلِكَ آذَنُوا بِهِ الْخَطَّابَ فَأَخْرَجُوهُ وَآذَوْهُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ، وَأَنْ يُتَابِعَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى فِرَاقِهِ. فَقَالَ وَهُوَ يُعَظِّمُ حُرْمَتَهُ عَلَى مَنْ اسْتَحَلَّ مِنْهُ مَا اسْتَحَلَّ مِنْ قَوْمِهِ: لَا هَمَّ إنِّي مُحْرِمٌ لَا حِلَّهْ [5] ... وَإِنَّ بَيْتِي أَوْسَطَ الْمَحِلَّهْ عِنْدَ الصَّفَا لَيْسَ بِذِي مُضِلَّهُ ثُمَّ خَرَجَ يَطْلُبُ دِينَ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيَسْأَلُ الرُّهْبَانَ وَالْأَحْبَارَ، حَتَّى بَلَغَ الْمَوْصِلَ وَالْجَزِيرَةَ كُلَّهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ فَجَالَ الشَّامَ كُلَّهُ، حَتَّى انْتَهَى إلَى رَاهِبٍ بِمَيْفَعَةٍ [6] مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ [7] كَانَ يَنْتَهِي إلَيْهِ عِلْمُ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ فِيمَا يَزْعُمُونَ، فَسَأَلَهُ عَنْ الْحَنِيفِيَّةِ دِينِ إبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: إنَّكَ لَتَطْلُبُ دِينًا مَا أَنْتَ بِوَاجِدٍ مَنْ يَحْمِلُكَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ، وَلَكِنْ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُ نَبِيٍّ يَخْرُجُ مِنْ بِلَادِكَ الَّتِي خَرَجْتَ مِنْهَا، يُبْعَثُ بِدِينِ إبْرَاهِيمَ الْحَنِيفِيَّةِ، فَالْحَقُّ بِهَا، فَإِنَّهُ مَبْعُوثٌ الْآنَ، هَذَا زَمَانُهُ. وَقَدْ كَانَ

_ [1] دحاها: بسطها. وأرسى: أثبت عَلَيْهَا وثقلها بهَا. [2] المزن: السَّحَاب، وَقيل الْأَبْيَض مِنْهَا. [3] السجال: جمع سجل، وَهِي الدَّلْو المملوءة مَاء، فاستعارها لِكَثْرَة الْمَطَر. [4] حراء (بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَالْمدّ) : جبل بَينه وَبَين مَكَّة نَحْو ثَلَاثَة أَمْيَال، على الْيَسَار الذَّاهِب إِلَى منى. [5] محرم: سَاكن بِالْحرم. والحلة: أهل الْحل، يُقَال للْوَاحِد وَالْجمع: حلَّة. [6] الْمِيفَعَة بِفَتْح الْمِيم: الأَرْض المرتفعة. [7] البلقاء: كورة من أَعمال دمشق بَين الشَّام ووادي الْقرى قصبتها عمان وفيهَا قرى كَثِيرَة ومزارع وَاسِعَة. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .

(رثاء ورقة لزيد) :

شَامَّ [1] الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ، فَلَمْ يَرْضَ شَيْئًا مِنْهُمَا، فَخَرَجَ سَرِيعًا، حِينَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ الرَّاهِبُ مَا قَالَ، يُرِيدُ مَكَّةَ، حَتَّى إذَا تَوَسَّطَ بِلَادَ لَخْمٍ عَدَوْا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ. فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ أَسد يبكيه: (رثاء ورقة لزيد) : رَشَدْتَ وَأَنْعَمْتَ ابْنَ عَمْرٍو وَإِنَّمَا [2] ... تَجَنَّبْتَ تَنُّورًا مِنْ النَّارِ حَامِيَا بِدِينِكَ رَبًّا لَيْسَ رَبٌّ كَمِثْلِهِ ... وَتَرْكُكَ أَوْثَانَ الطَّوَاغِي كَمَا هِيَا [3] وَإِدْرَاكُكَ الدِّينَ الَّذِي قَدْ طَلَبْتَهُ ... وَلَمْ تَكُ عَنْ تَوْحِيدِ رَبِّكَ سَاهِيَا فَأَصْبَحْتَ فِي دَارٍ كَرِيمٍ مُقَامُهَا ... تُعَلَّلُ فِيهَا بِالْكَرَامَةِ لَاهِيَا تُلَاقِي خَلِيلَ اللَّهِ فِيهَا وَلَمْ تَكُنْ ... مِنْ النَّاسِ جَبَّارًا إلَى النَّارِ هَاوَيَا وَقَدْ تُدْرِكُ الْإِنْسَانَ رَحْمَةُ رَبِّهِ ... وَلَوْ كَانَ تَحْتَ الْأَرْضِ سَبْعِينَ وَادِيَا [4] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُرْوَى لِأُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ الْبَيْتَانِ الْأَوَّلَانِ مِنْهَا، وَآخِرُهَا بَيْتًا فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَقَوْلُهُ: «أَوْثَانِ الطَّوَاغِي» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. صِفَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْإِنْجِيلِ (تَبْشِيرٌ يَحْنُسَ الْحَوَارِيِّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ، فِيمَا بَلَغَنِي عَمَّا كَانَ وَضَعَ عِيسَى بن مَرْيَمَ فِيمَا جَاءَهُ مِنْ اللَّهِ فِي الْإِنْجِيلِ لِأَهْلِ الْإِنْجِيلِ مِنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِمَّا أَثَبَتَ يُحَنَّسُ الْحَوَارِيُّ لَهُمْ، حِينَ نَسَخَ لَهُمْ الْإِنْجِيلَ عَنْ عَهْدِ عِيسَى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ

_ [1] شام: استخبر، استعاره من الشم. [2] أَنْعَمت: أَي بالغت فِي الرشد. [3] الطواغي: جمع طاغية، وَهُوَ (هُنَا) : مَا عبد من دون الله. [4] نصب «سبعين» على الْحَال، لِأَنَّهُ قد يكون صفة للنكرة، كَمَا قَالَ: فَلَو كنت فِي جب ثَمَانِينَ قامة وَمَا يكون صفة للنكرة يكون حَالا من الْمعرفَة وَهُوَ هُنَا حَال من «الْبعد» ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَو بَعدت تَحت الأَرْض سبعين، كَمَا تَقول: بعد طَويلا، أَي بعدا طَويلا، وَإِذا حذفت الْمصدر وأقمت الصّفة مقَامه لم تكن إِلَّا حَالا.

مبعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما

فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَبْغَضَنِي فَقَدْ أَبْغَضَ الرَّبَّ، وَلَوْلَا أَنِّي صَنَعْتُ بِحَضْرَتِهِمْ صَنَائِعَ لَمْ يَصْنَعْهَا أَحَدٌ قَبْلِي، مَا كَانَتْ لَهُمْ خَطِيئَةٌ، وَلَكِنْ مِنْ الْآنَ بَطِرُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ يَعِزُّونَنِي [1] ، وَأَيْضًا لِلرَّبِّ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَتِمَّ الْكَلِمَةُ الَّتِي فِي النَّامُوسِ: أَنَّهُمْ أَبْغَضُونِي مَجَّانًا [2] ، أَيْ بَاطِلًا. فَلَوْ قَدْ جَاءَ الْمُنْحَمَنَّا هَذَا الَّذِي يُرْسِلُهُ اللَّهُ إلَيْكُمْ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ، (وَ) [3] رُوحُ الْقُدُسِ [4] ، هَذَا الَّذِي مِنْ عِنْدَ الرَّبِّ خَرَجَ، فَهُوَ شَهِيدٌ عَلَيَّ وَأَنْتُمْ أَيْضًا، لِأَنَّكُمْ قَدِيمًا كُنْتُمْ مَعِي فِي هَذَا قُلْتُ لَكُمْ: لِكَيْمَا لَا تَشْكُوَا. وَالْمُنْحَمَنَّا (بِالسُّرْيَانِيَّةِ) [3] : مُحَمَّدٌ: وَهُوَ بِالرُّومِيَّةِ: الْبَرْقَلِيطِسُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. مَبْعَثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [5] : فَلَمَّا بَلَغَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ سَنَةً بَعَثَهُ [6] اللَّهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَكَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا، وَكَانَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ بَعَثَهُ قَبْلَهُ بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَالتَّصْدِيقِ لَهُ، وَالنَّصْرِ لَهُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤَدُّوا ذَلِكَ إلَى كُلِّ مَنْ آمَنْ بِهِمْ وَصَدَّقَهُمْ، فَأَدَّوْا مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْحَقِّ فِيهِ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ، ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ، لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ 3: 81، قَالَ:

_ [1] يعزونني: يغلبوننى، يُقَال: عز الرجل الرجل: إِذا غَلبه. [2] وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي الْحِكْمَة: يَا بن آدم، علم مجَّانا، كَمَا علمت مجَّانا: أَي بِلَا ثمن. [3] زِيَادَة عَن أ. [4] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والقدس: التَّطْهِير. وَفِي أ: «الْقسْط» . والقسط: الْعدْل. [5] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الْملك بن هِشَام، قَالَ حَدثنَا زِيَاد ابْن عبد الله البكائي عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق المطلبي قَالَ ... إِلَخ» . [6] وَيُقَال إِن بَعثه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ، ويستدلون على ذَلِك بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبلَال: لَا يفتك صِيَام يَوْم الِاثْنَيْنِ، فإنّي قد ولدت فِيهِ، وَبعثت فِيهِ، وأموت فِيهِ. وَقيل غير ذَلِك (رَاجع شرح الْمَوَاهِب، وَالرَّوْض) .

(أول ما بدئ به الرسول صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة) :

أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي 3: 81: أَيْ ثِقَلَ مَا حَمَّلْتُكُمْ مِنْ عَهْدِي قالُوا أَقْرَرْنا، قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ 3: 81. فَأَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ جَمِيعًا بِالتَّصْدِيقِ لَهُ، وَالنَّصْرِ لَهُ مِمَّنْ خَالَفَهُ، وَأَدَّوْا ذَلِكَ إلَى مَنْ آمَنْ بِهِمْ وَصَدَّقَهُمْ مِنْ أَهْلِ هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ. (أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ: أَنَّ أَوَّلَ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النُّبُوَّةِ، حِينَ أَرَادَ اللَّهُ كَرَامَتَهُ وَرَحْمَةَ الْعِبَادِ بِهِ، الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ، لَا يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُؤْيَا فِي نُوُمِهِ إلَّا جَاءَتْ كَفَلَقِ الصُّبْحِ. قَالَتْ: وَحَبَّبَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ الْخَلْوَةَ، فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ أَنْ يَخْلُوَ وَحْدَهُ. (تَسْلِيمُ الْحِجَارَةِ وَالشَّجَرِ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْعَلَاءِ ابْن جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ، وَكَانَ وَاعِيَةً [1] ، عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَرَادَهُ اللَّهُ بِكَرَامَتِهِ، وَابْتَدَأَهُ بِالنُّبُوَّةِ، كَانَ إذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَبْعَدَ حَتَّى تَحَسَّرَ [2] عَنْهُ الْبُيُوتُ وَيُفْضِي إلَى شِعَابِ [3] مَكَّةَ وَبُطُونِ أَوْدِيَتِهَا، فَلَا يَمُرُّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ إلَّا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ [4] . قَالَ: فَيَلْتَفِتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْلَهُ

_ [1] وَاعِيَة: حَافِظًا، وَالتَّاء فِيهِ للْمُبَالَغَة. [2] تحسر عَنهُ الْبيُوت: تبعد عَنهُ ويتخلى عَنْهَا. [3] الشعاب: الْمَوَاضِع الْخفية بَين الْجبَال. [4] قَالَ السهيليّ: «وَهَذَا التَّسْلِيم الْأَظْهر فِيهِ أَن يكون حَقِيقَة، وَأَن يكون الله أنطقه إنطاقا كَمَا خلق الحنين فِي الْجذع، وَلَكِن لَيْسَ من شَرط الْكَلَام الّذي هُوَ صَوت وحرف، الْحَيَاة وَالْعلم والإرادة، لِأَنَّهُ صَوت كَسَائِر الْأَصْوَات، وَالصَّوْت عرض فِي قَول الْأَكْثَرين، وَلم يُخَالف فِيهِ إِلَّا النظام، فَإِنَّهُ زعم أَنه جسم، وَجعله الْأَشْعَرِيّ اصطكاكا فِي الْجَوَاهِر بَعْضهَا لبَعض. وَقَالَ أَبُو بكر: لَيْسَ الصَّوْت نفس الاصطكاك، وَلكنه معنى زَائِد عَلَيْهِ..» إِلَى أَن قَالَ: وَلَو قدرت الْكَلَام صفة قَائِمَة بِنَفس الْحجر وَالشَّجر وَالصَّوْت عبارَة عَنهُ، لم يكن بُد من اشْتِرَاط الْحَيَاة وَالْعلم مَعَ الْكَلَام، وَالله أعلم أَي ذَلِك كَانَ: أَكَانَ كلَاما مَقْرُونا بحياة وَعلم، فَيكون الْحجر بِهِ مُؤمنا، أَو كَانَ صَوتا مُجَردا غير مقترن بحياة، وَفِي

(ابتداء نزول جبريل عليه السلام) :

وَعَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ وَخَلْفِهِ، فَلَا يَرَى إلَّا الشَّجَرَ وَالْحِجَارَةَ. فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ يَرَى وَيَسْمَعُ، مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَا جَاءَهُ مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ، وَهُوَ بِحِرَاءٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. (ابْتِدَاءُ نُزُولِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ [1] ، مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَهُوَ يَقُولُ لِعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ قَتَادَةَ اللَّيْثَيَّ: حَدِّثْنَا يَا عُبَيْدُ، كَيْفَ كَانَ بَدْءُ مَا اُبْتُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النُّبُوَّةِ، حِينَ جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ؟ قَالَ: فَقَالَ: عُبَيْدٌ- وَأَنَا حَاضِرٌ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ ابْن الزُّبَيْرِ وَمَنْ عِنْدَهُ مِنْ النَّاسِ-: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَاوِرُ [2] فِي حِرَاءٍ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ شَهْرًا، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا تَحَنَّثَ بِهِ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّة. والتحنث التبرّر. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: وَثَوْرٍ وَمَنْ أَرْسَى ثَبِيرًا مَكَانَهُ ... وَرَاقٍ لِيَرْقَى فِي حِرَاءٍ وَنَازِلِ (بَحْثٌ لُغَوِيٌّ لِابْنِ هِشَامٍ فِي مَعْنَى التَّحَنُّثِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَقُولُ الْعَرَبُ: التَّحَنُّثُ وَالتَّحَنُّفُ، يُرِيدُونَ الْحَنَفِيَّةَ فَيُبْدِلُونَ الْفَاءَ [3] مِنْ الثَّاءِ، كَمَا قَالُوا: جَدَثَ، وَجَدَفَ، يُرِيدُونَ الْقَبْرَ. قَالَ رُؤْبَةُ ابْن الْعَجَّاجِ:

_ [ () ] كلا الْوَجْهَيْنِ هُوَ علم من أَعْلَام النُّبُوَّة ... وَقد يحْتَمل تَسْلِيم الْحِجَارَة أَن يكون مُضَافا فِي الْحَقِيقَة إِلَى مَلَائِكَة يسكنون تِلْكَ الْأَمَاكِن ويعمرونها، فَيكون مجَازًا من بَاب قَوْله تَعَالَى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ 12: 82. [1] هُوَ وهب بن كيسَان الْقرشِي مولى آل الزبير أَبُو نعيم الْمدنِي الْمعلم المكيّ. روى عَن أَسمَاء بنت أَبى بكر وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَابْن الزبير وَغَيرهم. وَعنهُ هِشَام بن عُرْوَة وَأَيوب وَعبد الله بن عمر وَغَيرهم. توفى سنة سبع وَعشْرين وَمِائَة، وَقيل سنة تسع (رَاجع تَهْذِيب التَّهْذِيب) . [2] يجاور: يعْتَكف. [3] وَفِي الرَّد على ابْن هِشَام. قَالَ أَبُو ذَر: « ... والجيد فِيهِ أَن يكون فِيهِ التحنث هُوَ الْخُرُوج من الْحِنْث: أَي الْإِثْم، كَمَا يكون التأثم، الْخُرُوج عَن الْإِثْم، لِأَن تفعل قد تسْتَعْمل فِي الْخُرُوج من الشَّيْء، وَفِي الانسلاخ عَنهُ، وَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْإِبْدَال الّذي ذكره ابْن هِشَام» .

لَوْ كَانَ أَحْجَارِي مَعَ الْأَجْدَافِ [1] يُرِيدُ: الْأَجْدَاثَ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. وَبَيْتُ أَبِي طَالِبٍ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَوْضِعِهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: فَمَّ، فِي مَوْضِعِ ثُمَّ، يُبْدِلُونَ الْفَاءَ مِنْ الثَّاءِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ قَالَ: قَالَ عُبَيْدٌ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَاوِرُ ذَلِكَ الشَّهْرَ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ، يُطْعِمُ مَنْ جَاءَهُ مِنْ الْمَسَاكِينِ، فَإِذَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِوَارَهُ مِنْ شَهْرِهِ ذَلِكَ، كَانَ أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ، إذَا انْصَرَفَ مِنْ جِوَارِهِ، الْكَعْبَةَ، قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ، فَيَطُوفُ بِهَا سَبْعًا أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى بَيْتِهِ، حَتَّى إذَا كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِ مَا أَرَادَ مِنْ كَرَامَتِهِ، مِنْ السّنة الَّتِي بَعثه اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا، وَذَلِكَ الشَّهْرُ (شَهْرُ) [2] رَمَضَانَ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى حِرَاءٍ، كَمَا كَانَ يَخْرُجُ لِجِوَارِهِ وَمَعَهُ أَهْلُهُ، حَتَّى إذَا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَكْرَمَهُ اللَّهُ فِيهَا بِرِسَالَتِهِ، وَرَحِمَ الْعِبَادَ بِهَا، جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ، وَأَنَا نَائِمٌ، بِنَمَطٍ [3] مِنْ دِيبَاجٍ فِيهِ كِتَابٌ [4] ، فَقَالَ اقْرَأْ، قَالَ: قُلْتُ: مَا أَقْرَأُ [5] ؟ قَالَ: فَغَتَّنِي [6] بِهِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ الْمَوْتُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: قُلْتُ: مَا أَقْرَأُ؟ قَالَ: فَغَتَّنِي بِهِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ الْمَوْتُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: قُلْتُ: مَاذَا أَقْرَأُ؟ قَالَ: فَغَتَّنِي بِهِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ

_ [1] فِي هَذَا الشّعْر شَاهد ورد على ابْن جنى حَيْثُ زعم أَن «جدف» بِالْفَاءِ لَا يجمع على أجداف (رَاجع الرَّوْض وَانْظُر ديوَان رؤبة طبعة ليبسج ص 100 وَفِيه أَحْجَار) . [2] زِيَادَة عَن أ. [3] النمط: وعَاء كالسفط. [4] قَالَ بعض الْمُفَسّرين: فِي قَوْله تَعَالَى: الم ذلِكَ الْكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ 2: 1- 2 إِنَّهَا إِشَارَة إِلَى الْكتاب الّذي جَاءَ بِهِ جِبْرِيل حِين قَالَ لَهُ: اقْرَأ. (رَاجع الرَّوْض) . [5] كَذَا فِي الْأُصُول والطبري وَفِي شرح الْمَوَاهِب: «مَا أَنا بقارئ» . يُرِيد أَن حكمي كَسَائِر النَّاس من أَن حُصُول الْقِرَاءَة إِنَّمَا هُوَ بالتعلم، وَعدمهَا بِعَدَمِهِ. [6] كَذَا فِي الْأُصُول والطبري. والغت: حبس النَّفس. وَفِي الْمَوَاهِب: «فغطني» . وَهِي بِمَعْنى غت.

(رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص على خديجة ما كان من أمر جبريل معه) :

الْمَوْتُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي [1] ، فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: فَقُلْتُ: مَاذَا أَقْرَأُ؟ مَا أَقُولُ ذَلِكَ إلَّا افْتِدَاءً مِنْهُ أَنْ يَعُودَ لِي بِمِثْلِ مَا صَنَعَ بِي، فَقَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ 96: 1- 5. قَالَ: فَقَرَأْتهَا ثُمَّ انْتَهَى فَانْصَرَفَ عَنِّي وَهَبَبْتُ مِنْ [2] نَوْمِي، فَكَأَنَّمَا كَتَبْتُ فِي قَلْبِي كِتَابًا. قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى إذَا كُنْتُ فِي وَسَطٍ مِنْ الْجَبَلِ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ، قَالَ: فَرَفَعْتُ رَأْسِي إلَى السَّمَاءِ أَنْظُرُ، فَإِذَا جِبْرِيلُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ صَافٍّ قَدَمَيْهِ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ. قَالَ: فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ إلَيْهِ فَمَا أَتَقَدَّمُ وَمَا أَتَأَخَّرُ، وَجَعَلْتُ أَصْرِفُ وَجْهِي عَنْهُ فِي آفَاقِ السَّمَاءِ، قَالَ: فَلَا أَنْظُرُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا إلَّا رَأَيْتُهُ كَذَلِكَ، فَمَا زِلْتُ وَاقِفًا مَا أَتَقَدَّمُ أَمَامِي وَمَا أَرْجِعُ وَرَائِي حَتَّى بَعَثَتْ خَدِيجَةُ رُسُلَهَا فِي طَلَبِي، فَبَلَغُوا أَعْلَى مَكَّةَ وَرَجَعُوا إلَيْهَا وَأَنَا وَاقِفٌ فِي مَكَانِي ذَلِكَ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنِّي. (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ عَلَى خَدِيجَةَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ جِبْرِيلَ مَعَهُ) : وَانْصَرَفْتُ رَاجِعًا إلَى أَهْلِي حَتَّى أَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَجَلَسْتُ إلَى فَخِذِهَا مُضِيفًا [3] إلَيْهَا: فَقَالَتْ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، أَيْن كنت؟ فو الله لَقَدْ بَعَثَتْ رُسُلِي فِي طَلَبكَ حَتَّى بَلَغُوا مَكَّةَ

_ [1] لَعَلَّ الْحِكْمَة فِي تَكْرِير: «اقْرَأْ 17: 14» الْإِشَارَة إِلَى انحصار الْإِيمَان الّذي ينشأ عَنهُ الْوَحْي بِسَبَبِهِ فِي ثَلَاث: القَوْل، وَالْعَمَل، وَالنِّيَّة، وَأَن الْوَحْي يشْتَمل على ثَلَاث: التَّوْحِيد. وَالْأَحْكَام. والقصص. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) . [2] قَالَ السهيليّ: «قَالَ فِي الحَدِيث: فأتانى وَأَنا نَائِم، وَقَالَ فِي آخِره: فهببت من نومي، فَكَأَنَّمَا كتبت فِي قلبِي كتابا. وَلَيْسَ ذكر النّوم فِي حَدِيث عَائِشَة وَلَا غَيرهَا، بل فِي حَدِيث عُرْوَة مَا يدل ظَاهره على أَن نزُول جِبْرِيل حِين نزل بِسُورَة «اقْرَأ» كَانَ فِي الْيَقَظَة، لِأَنَّهَا قَالَت فِي أول الحَدِيث: أول مَا بُدِئَ بِهِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا الصادقة، كَانَ لَا يرى رُؤْيا إِلَّا جَاءَت مثل فلق الصُّبْح، ثمَّ حبب إِلَيْهِ الْخَلَاء ... إِلَى قَوْلهَا: حَتَّى جَاءَهُ الْحق، وَهُوَ بِغَار حراء، فَجَاءَهُ جِبْرِيل. فَذكرت فِي هَذَا الحَدِيث أَن الرُّؤْيَا كَانَت قبل نزُول جِبْرِيل على النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالْقُرْآنِ، وَقد يُمكن الْجمع بَين الْحَدِيثين بِأَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ جِبْرِيل فِي الْمَنَام قبل أَن يَأْتِيهِ فِي الْيَقَظَة، تَوْطِئَة وتيسيرا عَلَيْهِ، ورفقا بِهِ، لِأَن أَمر النُّبُوَّة عَظِيم، وعبئها ثقيل، والبشر ضَعِيف» . [3] مضيفا: ملتصقا، يُقَال: أضفت إِلَى الرجل، إِذا ملت نَحوه ولصقت بِهِ، وَمِنْه سمى الضَّيْف ضيفا.

(خديجة بين يدي ورقة تحدثه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم) :

وَرَجَعُوا لِي، ثُمَّ حَدَّثْتهَا بِاَلَّذِي رَأَيْتُ، فَقَالَتْ: أَبْشِرْ يَا بن عمّ واثبت، فو الّذي نَفْسُ خَدِيجَةَ بِيَدِهِ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ نَبِيَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ. (خَدِيجَةُ بَيْنَ يَدَيْ وَرَقَةَ تُحَدِّثُهُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : ثُمَّ قَامَتْ فَجَمَعَتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا، ثُمَّ انْطَلَقَتْ إلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهَا، وَكَانَ وَرَقَةُ قَدْ تَنَصَّرَ وَقَرَأَ الْكُتُبَ، وَسَمِعَ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا أَخْبَرَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ رَأَى وَسَمِعَ، فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ [1] ، وَاَلَّذِي نَفْسُ وَرَقَةَ بِيَدِهِ، لَئِنْ كُنْتِ صَدَّقْتِينِي يَا خَدِيجَةُ لَقَدْ جَاءَهُ النَّامُوسُ [2] الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى، وَإِنَّهُ لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَقُولِي لَهُ: فَلْيَثْبُتْ. فَرَجَعَتْ خَدِيجَةُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِوَارَهُ وَانْصَرَفَ، صَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ بَدَأَ بِالْكَعْبَةِ فَطَافَ بِهَا، فَلَقِيَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَقَالَ: يَا بن أَخِي أَخْبِرْنِي بِمَا رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنَّكَ لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَقَدْ جَاءَكَ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي جَاءَ مُوسَى وَلَتُكَذَّبَنَّهُ وَلَتُؤْذَيَنَّهُ وَلَتُخْرَجَنَّهُ وَلَتُقَاتَلَنَّهُ [3] ، وَلَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَأَنْصُرَنَّ اللَّهَ نَصْرًا يَعْلَمُهُ، ثُمَّ أَدْنَى رَأْسَهُ مِنْهُ، فَقَبَّلَ يَافُوخَهُ [4] ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَنْزِلِهِ. (امْتِحَانُ خَدِيجَةَ بُرْهَانَ الْوَحْيِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ [5] مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ حُدِّثَ

_ [1] قدوس قدوس: أَي طَاهِر طَاهِر، وَأَصله من التَّقْدِيس، وَهُوَ التَّطْهِير. [2] الناموس (فِي الأَصْل) : صَاحب سر الرجل فِي خَيره وشره، فَعبر عَن الْملك الّذي جَاءَهُ بِالْوَحْي بِهِ. [3] الْهَاء فِي هَذِه الْأَفْعَال للسكت. [4] اليافوخ: وسط الرَّأْس. [5] هُوَ إِسْمَاعِيل بن أَبى حَكِيم الْقرشِي. روى عَن سعيد بن الْمسيب وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَعبيدَة بن شعْبَان الحضرميّ وَغَيرهم، وَعنهُ مَالك وَابْن إِسْحَاق وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وَأَبُو الْأسود وَغَيرهم. وَكَانَ عَاملا لعمر بن عبد الْعَزِيز. وَتوفى سنة 130. (رَاجع تَهْذِيب التَّهْذِيب) .

ابتداء تنزيل القرآن

عَنْ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْ ابْنَ عَمِّ، أَتَسْتَطِيعُ أَنَّ تُخْبِرَنِي بِصَاحِبِكَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ إذَا جَاءَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَإِذَا جَاءَكَ فَأَخْبِرْنِي بِهِ. فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَدِيجَةَ: يَا خَدِيجَةُ، هَذَا جِبْرِيلُ قَدْ جَاءَنِي، قَالَتْ: قُمْ يَا بن عَمِّ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِي الْيُسْرَى، قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ عَلَيْهَا، قَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَتُحَوَّلْ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِي الْيُمْنَى، قَالَتْ: فَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ عَلَى فَخِذِهَا الْيُمْنَى، فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَتَحَوَّلْ فَاجْلِسْ فِي حِجْرِي، قَالَتْ: فَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ فِي حِجْرِهَا، قَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَتَحَسَّرَتْ وَأَلْقَتْ خِمَارَهَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي حِجْرِهَا، ثُمَّ قَالَتْ لَهُ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَتْ يَا بن عَمِّ، اثْبتْ وأبشر، فو الله إنَّهُ لَمَلَكٌ وَمَا هَذَا بِشَيْطَانٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدَّثْتُ عَبْدَ اللَّهِ [1] بْنَ حَسَنٍ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُ أُمِّي فَاطِمَةَ بِنْتَ حُسَيْنٍ تُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ خَدِيجَةَ، إلَّا أَنِّي سَمِعْتُهَا تَقُولُ: أَدْخَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دِرْعِهَا، فَذَهَبَ عِنْدَ ذَلِكَ جِبْرِيلُ، فَقَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ هَذَا لَمَلَكٌ وَمَا هُوَ بِشَيْطَانٍ. ابْتِدَاءُ تَنْزِيلِ الْقُرْآنِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَابْتُدِئَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّنْزِيلِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ 2: 185

_ [1] هُوَ عبد الله بن حسن بن حسن بن على بن أَبى طَالب، وَأمه فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن أُخْت سكينَة، وَاسْمهَا آمِنَة، وسكينة لقب لَهَا، الَّتِي كَانَت ذَات دعابة ومزح. وَفِي سكينَة وَأمّهَا الربَاب يَقُول الْحُسَيْن ابْن على: كَأَن اللَّيْل مَوْصُول بلَيْل ... إِذا زارت سكينَة والرباب (أَي زارت قَومهَا، وهم بَنو عليم بن جناب بن كلب) وَعبد الله بن حسن هُوَ وَالِد الطالبيين القائمين على بنى الْعَبَّاس، وهم: مُحَمَّد وَيحيى وَإِدْرِيس. مَاتَ إِدْرِيس فِي إفريقية فَارًّا من الرشيد. (رَاجع الرَّوْض) .

إسلام خديجة بنت خويلد

هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ 2: 185. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَما أَدْراكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ. سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ 97: 1- 5. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ. إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ. فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ 44: 1- 5. وَقَالَ تَعَالَى: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ 8: 41. وَذَلِكَ مُلْتَقَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ بِبَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، صَبِيحَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ تَتَامَّ الْوَحْيُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهُوَ مُؤْمِنٌ باللَّه مُصَّدِّقٌ بِمَا جَاءَهُ مِنْهُ، قَدْ قَبِلَهُ بِقَبُولِهِ، وَتَحَمَّلَ مِنْهُ مَا حَمَلَهُ عَلَى رِضَا الْعِبَادِ وَسَخَطِهِمْ، وَالنُّبُوَّةُ أَثْقَالٌ وَمُؤْنَةٌ، لَا يَحْمِلُهَا وَلَا يَسْتَطِيعُ بِهَا إلَّا أهل القوّة والعرم مِنْ الرُّسُلِ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ، لَمَا يَلْقَوْنَ مِنْ النَّاسِ وَمَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ مِمَّا جَاءُوا بِهِ عَنْ اللَّهِ سُبْحَانِهِ وَتَعَالَى. قَالَ: فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، عَلَى مَا يَلْقَى مِنْ قَوْمِهِ مِنْ الْخِلَافِ وَالْأَذَى. إسْلَامُ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ وَآمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَصَدَّقَتْ بِمَا جَاءَهُ مِنْ اللَّهِ، وَوَازَرَتْهُ عَلَى أَمْرِهِ، وَكَانَتْ أَوَّلَ مَنْ آمَنْ باللَّه وَبِرَسُولِهِ، وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَ مِنْهُ. فَخَفَّفَ اللَّهُ بِذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يَسْمَعُ شَيْئًا مِمَّا يَكْرَهُهُ مِنْ رَدٍّ عَلَيْهِ وَتَكْذِيبٍ لَهُ، فَيُحْزِنُهُ ذَلِكَ، إلَّا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا إذَا رَجَعَ إلَيْهَا، تُثَبِّتُهُ وَتُخَفِّفُ عَلَيْهِ، وَتُصَدِّقُهُ وَتُهَوِّنُ عَلَيْهِ أَمْرَ النَّاسِ، رَحِمَهَا اللَّهُ تَعَالَى.

(تبشير الرسول لخديجة ببيت من قصب) :

(تَبْشِيرُ الرَّسُولِ لِخَدِيجَةَ بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُمِرْتُ أَنْ أُبَشِّرَ خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبٌ فِيهِ وَلَا نَصَبٌ [1] . قَالَ ابْنُ هِشَام: الْقصب (هَاهُنَا) [2] : اللُّؤْلُؤُ الْمُجَوَّفُ. (جِبْرِيلُ يُقْرِئ خَدِيجَةَ السَّلَامَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أُقْرِئْ خَدِيجَةَ السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا خَدِيجَةُ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ مِنْ رَبِّكَ، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: اللَّهُ السَّلَامُ، وَمِنْهُ السَّلَامُ، وَعَلَى جِبْرِيلِ السَّلَامُ. (فَتْرَةُ الْوَحْيِ وَنُزُولُ سُورَةِ الضُّحَى) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ فَتَرَ الْوَحْيُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتْرَةً مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَأَحْزَنَهُ، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ بِسُورَةِ الضُّحَى، يُقْسِمُ لَهُ رَبُّهُ، وَهُوَ الَّذِي أَكْرَمَهُ بِمَا أَكْرَمَهُ بِهِ، مَا وَدَّعَهُ وَمَا قَلَاهُ، فَقَالَ تَعَالَى: وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى 93: 1- 3. يَقُولُ: مَا صَرَمَكَ فَتَرَكَكَ، وَمَا أَبْغَضَكَ مُنْذُ أَحَبَّكَ. وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى 93: 4: أَيْ لِمَا عِنْدِي مِنْ مَرْجِعِكَ إلَيَّ، خَيْرٌ لَكَ مِمَّا عَجَّلْتَ لَكَ مِنْ الْكَرَامَةِ فِي الدُّنْيَا. وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى 93: 5 مِنْ الْفُلْجِ فِي الدُّنْيَا، وَالثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ. أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى. وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى 93: 6- 8 يُعَرِّفُهُ اللَّهُ مَا ابْتَدَأَهُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ فِي عَاجِلِ أَمْرِهِ، وَمَنِّهِ عَلَيْهِ فِي يُتْمِهِ وَعَيْلَتِهِ وَضَلَالَتِهِ، وَاسْتِنْقَاذِهِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِرَحْمَتِهِ.

_ [1] هَذَا حَدِيث مُرْسل، وَقد رَوَاهُ مُسلم مُتَّصِلا عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، «قَالَت: مَا غرت على أحد، مَا غرت على خَدِيجَة، وَلَقَد هَلَكت قبل أَن يَتَزَوَّجنِي رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاث سِنِين، وَلَقَد أَمر أَن يبشرها بِبَيْت من قصب فِي الْجنَّة» . (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [2] زِيَادَة عَن أ. 16- سيرة ابْن هِشَام- 1

(تفسير ابن هشام لمفردات سورة الضحى) :

(تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِمُفْرَدَاتِ سُورَةِ الضُّحَى) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَجَى: سُكْنٌ. قَالَ أُمِّيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيُّ: إذْ أَتَى مَوْهِنَا وَقَدْ نَامَ صَحْبِي ... وَسَجَا اللَّيْلُ بِالظَّلَامِ الْبَهِيمِ [1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَيُقَالُ لِلْعَيْنِ إذَا سَكَنَ طَرَفُهَا: سَاجِيَةٌ، وَسَجَا طَرَفُهَا. قَالَ جَرِيرُ (بْنُ الْخَطَفَى) [2] : وَلَقَدْ رَمَيْنَكَ حِينَ رُحْنَ بِأَعْيُنٍ ... يَقْتُلْنَ مِنْ خَلَلِ السُّتُورِ سُوَاجِي وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالْعَائِلُ: الْفَقِيرُ. قَالَ أَبُو خِرَاشٍ الْهُذَلِيُّ: إلَى بَيْتِهِ يَأْوِي الضَّرِيكُ إذَا شَتَا ... وَمُسْتَنْبَحٌ بَالِي الدَّرِيسَيْنِ عَائِلُ [3] وَجَمْعُهُ: عَالَةٌ وَعَيْلٌ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالْعَائِلُ (أَيْضًا) [2] : الَّذِي يَعُولُ الْعِيَالَ. وَالْعَائِلُ (أَيْضًا) [2] : الْخَائِفُ. وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا 4: 3. وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: بِمِيزَانِ قِسْطٍ لَا يُخِسُّ شَعِيرَةً ... لَهُ شَاهِدٌ مِنْ نَفْسِهِ غَيْرُ عَائِلٍ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَوْضِعِهَا. وَالْعَائِلُ (أَيْضًا) [2] : الشَّيْء المثقل المعيى. يَقُولُ الرَّجُلُ: قَدْ عَالَنِي هَذَا الْأَمْرُ: أَيْ أَثْقَلَنِي وَأَعْيَانِي. قَالَ الْفَرَزْدَقُ [4] :

_ [1] الموهن: سَاعَة من اللَّيْل. والبهيم: الشَّديد السوَاد لَيْسَ فِيهِ ضِيَاء. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] الضريك: الْفَقِير والضعيف الْمُضْطَر. والمستنبح: الّذي يضل عَن الطَّرِيق فِي ظلمَة اللَّيْل، فينبح نباح الْكلاب لتسمعه الْكلاب فتجاوبه، فَيعلم مَوضِع الْبيُوت فيقصدها. والدريس: الثَّوْب الْخلق، وثناه لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْإِزَار والرداء، وَهُوَ أقل مَا يكون للرجل من اللبَاس. [4] يمدح الفرزدق بِهَذَا الشّعْر سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة، وَكَانَ حِينَئِذٍ أَمِير الْمَدِينَة من قبل مُعَاوِيَة رَحمَه الله، وَكَانَ يوليه مُعَاوِيَة سنة، ويولى مَرْوَان سنة أُخْرَى، فَأَنْشد الفرزدق سعيد بن الْعَاصِ بِحَضْرَة مَرْوَان هَذِه القصيدة، وفيهَا: قيَاما ينظرُونَ إِلَى سعيد ... كَأَنَّهُمْ يرَوْنَ بِهِ الهلالا فَقَالَ لَهُ مَرْوَان: بل قعُودا ينظرُونَ، فَقَالَ: لَا أَقُول إِلَّا قيَاما، وَإنَّك يَا أَبَا عبد الْملك لصافن من بَينهم (صفن الْفرس: إِذا وقف على ثَلَاث قَوَائِم وَرفع وَاحِدَة. وصفن الرجل أَيْضا: إِذا رفع إِحْدَى قَدَمَيْهِ ووقف على الْأُخْرَى) . (رَاجع الرَّوْض، وَشرح السِّيرَة لأبى ذَر الخشنيّ، والأغاني) .

ابتداء فرض الصلاة [2]

تَرَى الْغُرَّ الْجَحَاجِحَ مِنْ قُرَيْشٍ ... إذَا مَا الْأَمْرُ فِي الْحَدَثَانِ عَالَا [1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ 93: 9- 10: أَيْ لَا تَكُنْ جَبَّارًا وَلَا مُتَكَبِّرًا، وَلَا فَحَّاشًا فَظًّا عَلَى الضُّعَفَاءِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ. وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ 93: 11: أَيْ بِمَا جَاءَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ نِعْمَتِهِ وَكَرَامَتِهِ مِنْ النُّبُوَّةِ فَحَدِّثْ، أَيْ اُذْكُرْهَا وَادْعُ إلَيْهَا، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْعِبَادِ بِهِ مِنْ النُّبُوَّةِ سِرًّا إلَى مَنْ يَطْمَئِنُّ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ. ابْتِدَاءُ فَرْضِ الصَّلَاةِ [2] وَافْتُرِضَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ، وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. (اُفْتُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ زِيدَتْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: اُفْتُرِضَتْ الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ مَا اُفْتُرِضَتْ عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، كُلَّ صَلَاةٍ، ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَتَمَّهَا فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَأَقَرَّهَا فِي السَّفَرِ عَلَى فَرْضِهَا الْأَوَّلِ رَكْعَتَيْنِ [3] .

_ [1] الغر: المشهورون. وَأَصله الْبيض، وَهُوَ جمع أغر. والجحاجح: السَّادة، واحدهم: جحجاح. وَكَانَ الْوَجْه أَن يُقَال الجحاجيح (بِالْيَاءِ) فحذفها لإِقَامَة وزن الشّعْر. والحدثان: حوادث الدَّهْر. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ابْتِدَاء مَا افْترض الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الصَّلَاة وأوقاتها» . [3] قَالَ السهيليّ: «وَذكر الْمُزنِيّ أَن الصَّلَاة قبل الْإِسْرَاء كَانَت صَلَاة قبل غرُوب الشَّمْس، وَصَلَاة قبل طُلُوعهَا، وَيشْهد لهَذَا القَوْل قَوْله سُبْحَانَهُ: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ 40: 55. وَقَالَ يحيى ابْن سَلام مثله، وَقَالَ: كَانَ الْإِسْرَاء وَفرض الصَّلَوَات الْخمس قبل الْهِجْرَة بعام، فعلى هَذَا يحْتَمل قَول عَائِشَة: «فزيد فِي صَلَاة الْحَضَر» . أَي زيد فِيهَا حِين أكملت خمْسا، فَتكون الزِّيَادَة فِي الرَّكْعَات وَفِي عدد الصَّلَوَات، وَيكون قَوْلهَا: «فرضت الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ» : أَي قبل الْإِسْرَاء، وَقد قَالَ بِهَذَا طَائِفَة من السّلف، مِنْهُم ابْن عَبَّاس. وَيجوز أَن يكون معنى قَوْلهَا: «فرضت الصَّلَاة» : أَي لَيْلَة الْإِسْرَاء، حِين فرضت الْخمس فرضت رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ زيد فِي صَلَاة الْحَضَر بعد ذَلِك، وَهَذَا هُوَ الْمَرْوِيّ عَن بعض رُوَاة هَذَا الحَدِيث

(تعليم جبريل الرسول صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة) :

(تَعْلِيمُ جِبْرِيلَ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ الصَّلَاةَ حِينَ اُفْتُرِضَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَهَمَزَ لَهُ بِعَقِبِهِ فِي نَاحِيَةِ الْوَادِي، فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ عَيْنٌ، فَتَوَضَّأَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إلَيْهِ، لِيُرِيَهُ كَيْفَ الطُّهُورُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَأَى جِبْرِيلَ تَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ بِهِ جِبْرِيلُ فَصَلَّى بِهِ، وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَلَاتِهِ، ثُمَّ انْصَرف جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام. (تَعْلِيمُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَدِيجَةَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ) : فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَدِيجَةَ، فَتَوَضَّأَ لَهَا لِيُرِيَهَا كَيْفَ الطُّهُورُ لِلصَّلَاةِ كَمَا أَرَاهُ جِبْرِيلُ فَتَوَضَّأَتْ كَمَا تَوَضَّأَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ثُمَّ صَلَّى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَمَا صَلَّى بِهِ جِبْرِيلُ فَصَلَّتْ بِصَلَاتِهِ [1] .

_ [ () ] عَن عَائِشَة. وَمِمَّنْ رَوَاهُ هَكَذَا الْحسن وَالشعْبِيّ أَن الزِّيَادَة فِي صَلَاة الْحَضَر كَانَت بعد الْهِجْرَة بعام أَو نَحوه، وَقد ذكره أَبُو عمر، وَقد ذكره البُخَارِيّ من رِوَايَة معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، قَالَت: «فرضت الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ هَاجر رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة، فَفرضت أَرْبعا» . هَكَذَا لفظ حَدِيثه. وَهَاهُنَا سُؤال، يُقَال: أهذه الزِّيَادَة فِي الصَّلَاة نسخ أم لَا؟ فَيُقَال: أما زِيَادَة رَكْعَتَيْنِ أَو رَكْعَة إِلَى مَا قبلهَا من الرُّكُوع حَتَّى تكون صَلَاة وَاحِدَة فنسخ، لِأَن النّسخ رفع الحكم، وَقد ارْتَفع حكم الْإِجْزَاء من الرَّكْعَتَيْنِ، وَصَارَ من سلم مِنْهُمَا عَامِدًا أفسدهما، وَإِن أَرَادَ أَن يتم صلَاته بعد مَا سلم، وتحدث عَامِدًا لم يجزه، إِلَّا أَن يسْتَأْنف الصَّلَاة من أَولهَا. فقد ارْتَفع حكم الْإِجْزَاء بالنسخ. وَأما الزِّيَادَة فِي عدد الصَّلَوَات حِين أكملت خمْسا بعد مَا كَانَت اثْنَتَيْنِ، فيسمى نسخا على مَذْهَب أَبى حنيفَة، فان الزِّيَادَة عِنْده على النَّص نسخ، وَجُمْهُور الْمُتَكَلِّمين على أَنه لَيْسَ بنسخ، ولاحتجاج الْفَرِيقَيْنِ مَوضِع غير هَذَا» . [1] قَالَ السهيليّ: «هَذَا الحَدِيث مَقْطُوع فِي السِّيرَة، وَمثله لَا يكون أصلا فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة، وَلكنه قد روى مُسْندًا إِلَى زيد بن حَارِثَة يرفعهُ. غير أَن هَذَا الحَدِيث الْمسند يَدُور على عبد الله بن لَهِيعَة، وَقد ضعف وَلم يخرج عَنهُ مُسلم، وَلَا البُخَارِيّ، لِأَنَّهُ يُقَال إِن كتبه احترقت، فَكَانَ يحدث من حفظه. وَكَانَ مَالك ابْن أنس يحسن فِيهِ القَوْل. وَيُقَال: إِنَّه الّذي روى عَنهُ حَدِيث بيع العربان فِي الْمُوَطَّأ: مَالك عَن الثِّقَة عِنْده، عَن عَمْرو بن شُعَيْب. فَيُقَال: إِن الثِّقَة هَاهُنَا ابْن لَهِيعَة. وَيُقَال: إِن ابْن وهب حدث بِهِ عَن ابْن لَهِيعَة، وَحَدِيث ابْن لَهِيعَة هَذَا أخبرنَا بِهِ أَبُو بكر الْحَافِظ مُحَمَّد بن العربيّ، قَالَ: حَدثنَا أَبُو المطهر سعد بن عبد الله ابْن أَبى الرَّجَاء، عَن أَبى نعيم الْحَافِظ، قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر أَحْمد بن يُوسُف الْعَطَّار، قَالَ: حَدثنَا ابْن

(تعيين جبريل أوقات الصلاة للرسول صلى الله عليه وسلم) :

(تَعْيِينُ جِبْرِيلَ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، مَوْلَى بَنِي تَمِيمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَكَانَ نَافِعُ كَثِيرَ الرِّوَايَةِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا اُفْتُرِضَتْ الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَ حِينَ مَالَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بِهِ الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، ثُمَّ صَلَّى بِهِ الْمَغْرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بِهِ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ الشَّفَقُ، ثُمَّ صَلَّى بِهِ الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، ثُمَّ جَاءَهُ فَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَ مِنْ غَدٍ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، ثُمَّ صَلَّى بِهِ الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلِيَّهُ، ثُمَّ صَلَّى بِهِ الْمَغْرِبَ حِينَ غَابَتْ الشَّمْسُ لِوَقْتِهَا بِالْأَمْسِ، ثُمَّ صَلَّى بِهِ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، ثُمَّ صَلَّى بِهِ الصُّبْحَ مُسْفِرًا غَيْرَ مُشْرِقٍ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، الصَّلَاةُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاتِكَ الْيَوْمَ وَصَلَاتِكَ بِالْأَمْسِ [1] ذِكْرُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوَّلُ ذَكَرٍ أَسْلَمَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ ذَكَرٍ مِنْ النَّاسِ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلَّى مَعَهُ وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْن هَاشِمٍ، رِضْوَانُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَوْمئِذٍ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ. (نَشَأَتْهُ فِي حِجْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَبَبُ ذَلِكَ) : وَكَانَ مِمَّا أَنْعَمَ اللَّهُ (بِهِ) عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ

_ [ () ] أَبى أُسَامَة، قَالَ: حَدثنَا الْحسن بن مُوسَى، عَن ابْن لَهِيعَة، عَن عقيل بن خَالِد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة عَن أُسَامَة بن زيد، قَالَ: حَدثنِي زيد بن حَارِثَة: أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول مَا أوحى إِلَيْهِ، أَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَعلمه الْوضُوء، فَلَمَّا فرغ من الْوضُوء أَخذ غرفَة من مَاء، فنضح بهَا فرجه. وَحدثنَا بِهِ أَيْضا أَبُو بكر مُحَمَّد بن طَاهِر، عَن أَبى على الغساني، عَن أَبى عمر النمري، عَن أَحْمد بن قَاسم، عَن قَاسم ابْن أصبغ، عَن الْحَارِث بن أَبى أُسَامَة بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّم. فالوضوء على هَذَا الحَدِيث مكي بِالْفَرْضِ، مدنِي بالتلاوة، لِأَن آيَة الْوضُوء مَدَنِيَّة. [1] قَالَ السهيليّ: «وَهَذَا الحَدِيث لم يكن يَنْبَغِي أَن يذكرهُ فِي هَذَا الْموضع، لِأَن أهل الصَّحِيح متفقون على أَن هَذِه الْقِصَّة كَانَت فِي الْغَد من لَيْلَة الْإِسْرَاء، وَذَلِكَ بعد مَا نبئ بِخَمْسَة أَعْوَام. وَقد قيل: إِن الْإِسْرَاء كَانَ قبل الْهِجْرَة بعام وَنصف، وَقيل بعام، فَذكره ابْن إِسْحَاق فِي بَدْء نزُول الْوَحْي، وَأول أَحْوَال الصَّلَاة» .

(خروج على مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شعاب مكة يصليان، ووقوف أبى طالب على أمرهما) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهَدِ بْنِ جَبْرٍ [1] أَبِي الْحَجَّاجِ، قَالَ: كَانَ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمِمَّا صَنَعَ اللَّهُ لَهُ، وَأَرَادَهُ بِهِ مِنْ الْخَيْرِ، أَنَّ قُرَيْشًا أَصَابَتْهُمْ أَزْمَةٌ شَدِيدَةٌ، وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ ذَا عِيَالٍ كَثِيرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ عَمِّهِ، وَكَانَ مِنْ أَيْسَرِ بَنِي هَاشِمٍ، يَا عَبَّاسُ: إنَّ أَخَاكَ أَبَا طَالِبٍ كَثِيرُ الْعِيَالِ، وَقَدْ أَصَابَ النَّاسَ مَا تَرَى مِنْ هَذِهِ الْأَزْمَةِ [2] ، فَانْطَلِقْ بِنَا إلَيْهِ، فَلْنُخَفِّفْ عَنْهُ مِنْ عِيَالِهِ، آخُذُ مِنْ بَنِيهِ رَجُلًا، وَتَأْخُذُ أَنْتَ رَجُلًا، فَنَكِلُهُمَا عَنْهُ [3] ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: نَعَمْ. فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا أَبَا طَالِبٍ، فَقَالَا لَهُ: إنَّا نُرِيدُ أَنْ نُخَفِّفَ عَنْكَ مِنْ عِيَالِكَ حَتَّى يَنْكَشِفَ عَنْ النَّاسِ مَا هُمْ فِيهِ، فَقَالَ لَهُمَا أَبُو طَالِبٍ: إذَا تَرَكْتُمَا لِي عَقِيلًا فَاصْنَعَا مَا شِئْتُمَا- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَقِيلًا وَطَالِبًا [4] . فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا، فَضَمَّهُ إلَيْهِ، وَأَخَذَ الْعَبَّاسُ جَعْفَرًا فَضَمَّهُ إلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ عَلِيٌّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَعَثَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَبِيًّا، فَاتَّبَعَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ، وَلَمْ يَزَلْ جَعْفَرٌ عِنْدَ الْعَبَّاسِ حَتَّى أَسْلَمَ وَاسْتَغْنَى عَنْهُ. (خُرُوجُ عَلِيٍّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى شِعَابِ مَكَّةَ يُصَلِّيَانِ، وَوُقُوفُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى أَمْرِهِمَا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلَى شِعَابِ مَكَّةَ، وَخَرَجَ مَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مُسْتَخْفِيًا مِنْ أَبِيهِ أَبِي طَالِبٍ. وَمِنْ جَمِيعِ أَعْمَامِهِ وَسَائِرِ قَوْمِهِ، فَيُصَلِّيَانِ الصَّلَوَاتِ فِيهَا،

_ [1] كَذَا فِي أوتهذيب التَّهْذِيب. وَهُوَ مُجَاهِد بن جبر المكيّ أَبُو الْحجَّاج المَخْزُومِي الْمقري مولى السَّائِب ابْن أَبى السَّائِب. روى عَن على وَسعد بن أَبى وَقاص والعبادلة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم، وَعنهُ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَعَطَاء وَعِكْرِمَة وَغَيرهم. وَكَانَ مولده سنة إِحْدَى وَعشْرين فِي خلَافَة عمر، وَمَات سنة أَربع وَمِائَة. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «.... جبر بن أَبى الْحجَّاج» . وَكلمَة «ابْن» مقحمة. [2] الأزمة: الشدَّة، وَأَرَادَ بهَا سنة الْقَحْط والجوع. [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول «فنكفهما» . [4] وَكَانَ من ولد أَبى طَالب غير هَؤُلَاءِ جَعْفَر. وَكَانَ على أَصْغَر من جَعْفَر بِعشر سِنِين، وجعفر أَصْغَر من عقيل بِعشر سِنِين، وَعقيل أَصْغَر من طَالب بِعشر سِنِين. وَكلهمْ أسلم إِلَّا طَالبا.

إسلام زيد بن حارثة ثانيا

فَإِذَا أَمْسَيَا رَجَعَا. فَمَكَثَا كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَا. ثُمَّ إنَّ أَبَا طَالِبٍ عَثَرَ عَلَيْهِمَا يَوْمًا وَهُمَا يُصَلِّيَانِ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا بن أَخِي! مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي أَرَاكَ تَدِينُ بِهِ؟ قَالَ: أَيْ عَمِّ، هَذَا دِينُ اللَّهِ، وَدِينُ مَلَائِكَتِهِ، وَدِينُ رُسُلِهِ، وَدِينُ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ- أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ رَسُولًا إلَى الْعِبَادِ، وَأَنْتَ أَيْ عَمِّ، أَحَقُّ مَنْ بَذَلْتُ لَهُ النَّصِيحَةَ، وَدَعَوْتُهُ إلَى الْهُدَى، وَأَحَقُّ مَنْ أَجَابَنِي إلَيْهِ وَأَعَانَنِي عَلَيْهِ، أَوْ كَمَا قَالَ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: أَيْ ابْنَ أَخِي، إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُفَارِقَ دِينَ آبَائِي وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ وَاَللَّهِ لَا يَخْلُصُ [1] إلَيْكَ بِشَيْءٍ تَكْرَهُهُ مَا بَقِيتُ. وَذَكَرُوا أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ: أَيْ بُنَيَّ، مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: يَا أَبَتِ، آمَنْتُ باللَّه وَبِرَسُولِ اللَّهِ، وَصَدَّقْتُهُ بِمَا جَاءَ بِهِ، وَصَلَّيْتُ مَعَهُ للَّه وَاتَّبَعْتُهُ. فَزَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ لَهُ: أَمَا إنَّهُ لَمْ يَدْعُكَ إلَّا إلَى خَيْرٍ فَالْزَمْهُ. إسْلَامُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ثَانِيًا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَسْلَمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْن امْرِئِ الْقِيسِ الْكَلْبِيُّ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَوَّلَ ذَكَرٍ أَسْلَمَ، وَصَلَّى بَعْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. (نَسَبُهُ وَسَبَبُ تَبَنِّي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ عَوْفِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ بَكْرِ ابْن عَوْفِ بْنِ عُذْرَةَ بْنِ زَيْدِ اللَّاتِ [2] بْنِ رُفَيْدَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ. وَكَانَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ قَدِمَ مِنْ الشَّامِ بِرَقِيقٍ [3] ، فِيهِمْ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَصِيفٌ

_ [1] لَا يخلص إِلَيْك: لَا يُوصل إِلَيْك. [2] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الله» . [3] وَذَلِكَ أَن أم زيد، وَهِي سعدى بنت ثَعْلَبَة، من بنى معن من طيِّئ، كَانَت قد خرجت بزيد لتزيره أَهلهَا، فأصابته خيل من بنى الْقَيْن بن جسر، فباعوه بسوق حُبَاشَة، وَهِي من أسواق الْعَرَب، وَزيد يَوْمئِذٍ ابْن ثَمَانِيَة أَعْوَام.

(شعر حارثة حين فقد ابنه زيدا، وقدومه على الرسول صلى الله عليه وسلم يسأله رده عليه) :

فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ عَمَّتُهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَهِيَ يَوْمئِذٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهَا: اخْتَارِي يَا عَمَّةُ أَيَّ هَؤُلَاءِ الْغِلْمَانِ شِئْتِ فَهُوَ لَكَ، فَاخْتَارَتْ زَيْدًا فَأَخَذَتْهُ، فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا، فَاسْتَوْهَبَهُ مِنْهَا، فَوَهَبَتْهُ لَهُ، فَأَعْتَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبَنَّاهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إلَيْهِ. (شِعْرُ حَارِثَةَ حِينَ فَقَدْ ابْنَهُ زَيْدًا، وَقُدُومُهُ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ رَدَّهُ عَلَيْهِ) : وَكَانَ أَبُوهُ حَارِثَةُ قَدْ جَزِعَ عَلَيْهِ جَزَعًا شَدِيدًا، وَبَكَى عَلَيْهِ حِينَ فَقَدَهُ، فَقَالَ: بَكَيْتُ عَلَى زَيْدٍ وَلَمْ أَدْرِ مَا فَعَلْ ... أَحَيٌّ فَيُرْجَى أَمْ أَتَى دونه الْأَجَل فو الله مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَسَائِلٌ ... أَغَالَكَ بَعْدِي السَّهْلُ أَمْ غَالَكَ الْجَبَلْ [1] وَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لَكَ الدَّهْرُ أَوْبَةٌ ... فَحَسْبِي مِنْ الدُّنْيَا رُجُوعُكَ لِي بَجَلْ [2] تُذَكِّرْنِيهِ الشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا ... وَتَعْرِضُ ذِكْرَاهُ إذَا غَرْبُهَا أَفَلْ [3] وَإِنْ هَبَّتْ الْأَرْوَاحُ هَيَّجْنَ ذِكْرَهُ ... فَيَا طُولَ مَا حُزْنِي عَلَيْهِ وَمَا وَجَلْ [4] سَأُعْمِلُ نَصَّ الْعِيسِ فِي الْأَرْضِ جَاهِدًا ... وَلَا أُسْأَمُ التَّطْوَافَ أَوْ تَسْأَمُ الْإِبِلْ [5] حَيَاتِي أَوْ تَأْتِي عَلَيَّ مَنِيَّتِي ... فَكُلُّ امْرِئٍ فَانٍ وَإِنْ غَرَّهُ الْأَمَلُ [6] ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِ وَهُوَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنْ شِئْتَ فَأَقِمْ عِنْدِي، وَإِنْ شِئْتَ فَانْطَلِقْ مَعَ أَبِيكَ، فَقَالَ: بَلْ أُقِيمُ عِنْدَكَ. فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَعَثَهُ اللَّهُ فَصَدَّقَهُ [7] وَأَسْلَمَ،

_ [1] غال: أهلك. [2] بجل. بِمَعْنى حسب. [3] الأفول: غياب الشَّمْس. وَنسب الأفول إِلَى الْغُرُوب اتساعا ومجازا. [4] الْأَرْوَاح: جمع ريح، جمعه على الأَصْل، لِأَن الأَصْل فِيهِ الْوَاو. والوجل: الْخَوْف [5] النَّص: أرفع السّير. [6] وَزَاد السهيليّ بعد هَذَا الْبَيْت: سأوصى بِهِ قيسا وعمرا كليهمَا ... وَأوصى يزيدا ثمَّ أوصى بِهِ جبل (يعْنى بِيَزِيد: كَعْبًا، وَهُوَ ابْن عَم زيد وَأَخُوهُ، ويعنى بجبل: جبلة بن حَارِثَة أَخا زيد، وَكَانَ أسن مِنْهُ) [7] وَيُقَال إِنَّه لما بلغ زيدا قَول أَبِيه قَالَ: أحن إِلَى أَهلِي وَإِن كنت نَائِيا ... بأنى قعيد الْبَيْت عِنْد المشاعر

إسلام أبى بكر الصديق رضى الله عنه وشأنه

وَصَلَّى مَعَهُ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ 33: 5. قَالَ: أَنَا زَيْدُ ابْن حَارِثَةَ. إسْلَامُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَشَأْنُهُ (نَسَبُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَسْلَمَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ، وَاسْمُهُ عَتِيقٌ، وَاسْمُ أَبِي قُحَافَةَ عُثْمَانُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ أَبِي بَكْرٍ: عَبْدُ اللَّهِ، وَعَتِيقٌ: لَقَبٌ لِحَسَنٍ وَجْهُهُ وَعِتْقُهُ [1] (إِسْلَامُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَظْهَرَ إسْلَامَهُ، وَدَعَا إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ.

_ [ () ] فكفوا من الوجد الّذي قد شجاكم ... وَلَا تعملوا فِي الأَرْض نَص الأباعر فإنّي بِحَمْد الله فِي خير أسرة ... كرام معد كَابِرًا بعد كَابر فَبلغ أَبَاهُ، فجَاء هُوَ وَعَمه كَعْب، حَتَّى وَقفا على رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة، وَذَلِكَ قبل الْإِسْلَام، فَقَالَا لَهُ: يَا بن عبد الْمطلب: يَا بن سيد قومه، أَنْتُم جيران الله، وتفكون العاني، وتطعمون الجائع، وَقد جئْتُك فِي ابننا عَبدك، فتحسن إِلَيْنَا فِي فدائه، فَقَالَ: أوغير ذَلِك؟ فَقَالَا: وَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: أَدْعُوهُ، وأخيره، فَإِن اختاركما فَذَاك، وَإِن اختارني فو الله مَا أَنا بِالَّذِي أخْتَار على من اختارني أحدا، فَقَالَا لَهُ: قد زِدْت على النّصْف، فَدَعَاهُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: من هَذَانِ؟ فَقَالَ: هَذَا أَبى حَارِثَة بن شرَاحِيل، وَهَذَا عمى كَعْب بن شرَاحِيل، فَقَالَ: قد خيرتك: إِن شِئْت ذهبت مَعَهُمَا، وَإِن شِئْت أَقمت معى، فَقَالَ: بل أقيم مَعَك، فَقَالَ لَهُ أَبوهُ: يَا زيد، أتختار العبوديّة على أَبِيك وأمك وبلدك وقومك؟ فَقَالَ: إِنِّي قد رَأَيْت من هَذَا الرجل شَيْئا، وَمَا أَنا بِالَّذِي أفارقه أبدا، فَعِنْدَ ذَلِك أَخذ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، وَقَامَ بِهِ إِلَى الْمَلأ من قُرَيْش فَقَالَ: اشْهَدُوا أَن هَذَا ابْني وَارِثا وموروثا. فطابت نفس أَبِيه عِنْد ذَلِك، وَكَانَ يدعى زيد بن مُحَمَّد، حَتَّى أنزل الله تَعَالَى ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ 33: 5. [1] وَقيل سمى عتيقا، لِأَن أمه كَانَت لَا يعِيش لَهَا ولد، فنذرت إِن ولد لَهَا ولد أَن تسميه عبد الْكَعْبَة وَتَتَصَدَّق بِهِ عَلَيْهَا فَلَمَّا عَاشَ وشب سمى عتيقا كَأَنَّهُ أعتق من الْمَوْت، وَكَانَ يُسمى أَيْضا عبد الْكَعْبَة إِلَى أَن أسلم، فَسَماهُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عبد الله. وَقيل سمى عتيقا، لِأَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ حِين أسلم: أَنْت عَتيق من النَّار، وَقيل بل كَانَ لِأَبِيهِ ثَلَاثَة من الْوَلَد: مُعتق ومعيتق وعتيق، وَهُوَ أَبُو بكر.

(منزلته في قريش، ودعوته للإسلام) :

(مَنْزِلَتُهُ فِي قُرَيْشٍ، وَدَعْوَتُهُ لِلْإِسْلَامِ) : وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ [1] رَجُلًا مَأْلَفًا [2] لِقَوْمِهِ، مُحَبَّبًا سَهْلًا، وَكَانَ أَنْسَبَ قُرَيْشٍ لِقُرَيْشٍ، وَأَعْلَمَ قُرَيْشٍ بِهَا، وَبِمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَكَانَ رَجُلًا تَاجِرًا، ذَا خُلُقٍ وَمَعْرُوفٍ، وَكَانَ رِجَالُ قَوْمِهِ يَأْتُونَهُ وَيَأْلَفُونَهُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرِ، لِعِلْمِهِ وَتِجَارَتِهِ وَحُسْنِ مُجَالَسَتِهِ، فَجَعَلَ يَدْعُو إلَى اللَّهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ مَنْ وَثِقَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ، مِمَّنْ يَغْشَاهُ وَيَجْلِسُ إلَيْهِ. ذِكْرُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِدَعْوَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (إسْلَامُ عُثْمَانَ، وَالزَّبِيرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعْدٍ وَطَلْحَةَ) : قَالَ: فَأَسْلَمَ بِدُعَائِهِ- فِيمَا بَلَغَنِي- عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ [3] وَالزُّبَيْرُ [4] بْنُ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ

_ [1] وَأم أَبى بكر: أم الْخَيْر بنت صَخْر بن عَمْرو، بنت عَم أَبى قُحَافَة، وَاسْمهَا سلمى، وَهِي من المبايعات، وَأم أَبِيه عُثْمَان أَبى قُحَافَة: قيلة بنت أذاة بن ريَاح بن عبد الله بن قرط، وَامْرَأَة أَبى بكر، أم ابْنه عبد الله، قيلة بنت عبد الْعُزَّى. (اعتمدنا أُمَّهَات المراجع فِي التَّرْجَمَة لكل من سيرد عَنْهُم شَيْء هُنَا مِمَّن أَسْلمُوا، كالاستيعاب، والإصابة، وَأسد الغابة، والتهذيب. وَنحن نكتفي بِالْإِشَارَةِ هُنَا إِلَى هَذِه المراجع، تفاديا من تكْرَار الْإِشَارَة إِلَيْهَا عِنْد كل تَرْجَمَة) . [2] كَذَا فِي أ. والمألف: الّذي يألفه الْإِنْسَان، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «مؤلفا» . [3] ويكنى عُثْمَان أَبَا عبد الله وَأَبا عَمْرو، كنيتان مشهورتان لَهُ، وَأَبُو عَمْرو أشهرهما، قيل إِنَّه ولدت لَهُ رقية بنت رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنا فَسَماهُ عبد الله، واكتنى بِهِ وَمَات، ثمَّ ولد لَهُ عَمْرو، فاكتنى بِهِ إِلَى أَن مَاتَ رَحمَه الله. وَقيل إِنَّه كَانَ يكنى أَبَا ليلى. وَولد عُثْمَان فِي السّنة السَّادِسَة بعد الْفِيل، وَأمه أروى بنت كرز بن ربيعَة، وَأمّهَا الْبَيْضَاء أم حَكِيم بنت عبد الْمطلب عمَّة رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَاجر إِلَى الْحَبَشَة فَارًّا بِدِينِهِ مَعَ زَوجته رقية، وَكَانَ أول خَارج إِلَيْهَا ثمَّ تَابعه سَائِر الْمُهَاجِرين. وَلم يشْهد بَدْرًا لتخلفه على تمريض زَوجته رقية، وَكَانَت عليلة، فَأمره رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتخلف عَلَيْهَا. وَقيل: بل تخلف لِأَنَّهُ كَانَ مَرِيضا بالجدري. وَهُوَ أحد الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ. [4] ويكنى أَبَا عبد الله، وَأمه صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب بن هَاشم، عمَّة رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأسلم الزبير وَهُوَ ابْن خمس عشرَة سنة، وَقيل وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْ عشرَة سنة، كَمَا قيل إِنَّه أسلم هُوَ وعَلى وهما ابْنا ثَمَانِي سِنِين، وَولد الزبير هُوَ وعَلى وَطَلْحَة وَسعد بن أَبى وَقاص فِي عَام وَاحِد. وَلم يتَخَلَّف الزبير عَن

ابْن كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ [1] بْنِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْحَارِثِ ابْن زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَسَعْدُ [2] بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَاسْمُ أَبِي وَقَّاصٍ مَالِكُ بْنُ أُهَيْبُ [3] بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَطَلْحَةُ [4] بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ ابْن سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، فَجَاءَ بِهِمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

_ [ () ] غَزْوَة غَزَاهَا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وآخى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَينه وَبَين عبد الله بن مَسْعُود حِين آخى بَين الْمُهَاجِرين بِمَكَّة، فَلَمَّا قدم الْمَدِينَة وآخى بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار آخى بَين الزبير وَبَين سَلمَة بن سَلامَة بن وقش، وَيُقَال إِن الزبير أول رجل سل سَيْفه فِي الْإِسْلَام، كَمَا يُقَال: إِنَّه كَانَ لَهُ ألف مَمْلُوك يؤدون إِلَيْهِ الْخراج، فَمَا يدْخل بَيته مِنْهَا دِرْهَم وَاحِد. يعْنى أَنه كَانَ يتَصَدَّق بذلك كُله. وَقتل رَحمَه الله فِي مُنْصَرفه من وقْعَة الْجمل، قَتله عميرَة بن جرموز وفضالة بن حَابِس ونقيع، وَكَانَت سنه إِذْ ذَاك سبعا وَسِتِّينَ، وَقيل سِتا وَسِتِّينَ. وَكَانَ للزبير من الْوَلَد عشرَة: عبد الله وَعُرْوَة وَمصْعَب وَالْمُنْذر وَعَمْرو وَعبيدَة وجعفر وعامر وَعُمَيْر وَحَمْزَة. [1] ويكنى أَبَا مُحَمَّد، وَكَانَ اسْمه فِي الْجَاهِلِيَّة عبد عَمْرو، وَقيل عبد الْكَعْبَة، فَسَماهُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عبد الرَّحْمَن. وَأمه الشِّفَاء بنت عَوْف بن عبد بن الْحَارِث بن زهرَة. ولد بعد الْفِيل بِعشر سِنِين وَأسلم قبل أَن يدْخل رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَار الأرقم. وَكَانَ من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين، جمع الهجرتين جَمِيعًا، هَاجر إِلَى أَرض الْحَبَشَة، ثمَّ قدم قبل الْهِجْرَة وَهَاجَر إِلَى الْمَدِينَة. وآخى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَينه وَبَين سعد بن الرّبيع. شهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَبَعثه رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى دومة الجندل إِلَى بنى كلب، وَقَالَ لَهُ: إِن فتح الله عَلَيْك فَتزَوج بنت شريفهم، وَكَانَ الْأَصْبَغ بن ثَعْلَبَة الْكَلْبِيّ شريفهم، فَتزَوج بنته تماضر بنت الْأَصْبَغ، وَهِي أم ابْنه أَبى سَلمَة الْفَقِيه. وَتوفى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بِالْمَدِينَةِ سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ، وَقيل سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَهُوَ ابْن خمس وَسبعين سنة، وَدفن بِالبَقِيعِ. [2] وَأم سعد: حمدونة بنت سُفْيَان بن أُميَّة بن عبد شمس، ويكنى أَبَا إِسْحَاق، وَهُوَ أحد الْعشْرَة، دَعَا لَهُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يسدد الله سَهْمه، وَأَن يُجيب دَعوته، فَكَانَ دعاؤه أسْرع الدُّعَاء إِجَابَة. وَفِي الحَدِيث أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: احْذَرُوا دَعْوَة سعد، وَلَقَد مَاتَ سعد فِي خلَافَة مُعَاوِيَة. [3] وأهيب هَذَا هُوَ عَم آمِنَة بنت وهب، أم النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [4] وَأمه الحضرمية، اسْمهَا الصعبة بنت عبد الله بن عماد بن مَالك بن ربيعَة بن أكبر بن مَالك بن عويف بن مَالك بن الْخَزْرَج، وَيعرف أَبوهَا عبد الله بالحضرمي. ويكنى طَلْحَة أَبَا مُحَمَّد الْفَيَّاض. وَلما قدم طَلْحَة الْمَدِينَة آخى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَينه وَبَين كَعْب بن مَالك، حِين آخى بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار. وَقتل طَلْحَة رَحمَه الله وَهُوَ ابْن سِتِّينَ سنة يَوْم الْجمل.

(إسلام أبى عبيدة، وأبى سلمة، والأرقم، وأبناء مظعون، وعبيدة ابن الحارث، وسعيد بن زيد وامرأته، وأسماء، وعائشة، وخباب) :

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اسْتَجَابُوا لَهُ فَأَسْلَمُوا وَصَلَّوْا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، فِيمَا بَلَغَنِي: مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إلَى الْإِسْلَامِ إلَّا كَانَتْ فِيهِ عِنْدَهُ كَبْوَةٌ [1] ، وَنَظَرٌ وَتَرَدُّدٌ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، مَا عَكَمَ عَنْهُ حِينَ ذَكَرْتُهُ لَهُ، وَمَا تَرَدَّدَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ: «بِدُعَائِهِ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ: عَكَمَ: تَلَبَّثَ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ: وَانْصَاعَ [2] وَثَّابٌ بِهَا وَمَا عَكَمَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ الثَّمَانِيَةُ الَّذِينَ سَبَقُوا النَّاسَ بِالْإِسْلَامِ، فَصَلَّوْا وَصَدَّقُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا جَاءَهُ مِنْ اللَّهِ. (إسْلَامُ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَأَبِي سَلَمَةَ، وَالْأَرْقَمِ، وَأَبْنَاءِ مَظْعُونٍ، وَعُبَيْدَةَ ابْن الْحَارِثِ، وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَامْرَأَتِهِ، وَأَسْمَاءَ، وَعَائِشَةَ، وَخَبَّابٍ) : ثُمَّ أَسْلَمَ أَبُو عُبَيْدَةَ [3] بْنُ الْجَرَّاحِ، وَاسْمُهُ عَامِرُ [4] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ بْنِ هِلَالِ [5] بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ. وَأَبُو سَلَمَةُ [6] ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ ابْن عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرِ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ

_ [1] الكبوة: التَّأْخِير وَقلة الْإِجَابَة. وَهُوَ من قَوْلهم: كبا الزند: إِذا لم يور نَارا. [2] انصاع: ذهب. [3] وَأم أَبى عُبَيْدَة أُمَيْمَة بنت غنم بن جَابر بن عبد الْعُزَّى بن عامرة بن وَدِيعَة. شهد بَدْرًا مَعَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد كلهَا، وَهُوَ الّذي انتزع من وَجه رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حلقتى الدرْع يَوْم أحد، فَسَقَطت ثنيتاه، وَهُوَ أحد الْعشْرَة الَّذين شهد لَهُم رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجنَّةِ. وَتوفى رَحْمَة الله عَلَيْهِ، وَهُوَ ابْن ثَمَان وَخمسين سنة فِي طاعون عمواس سنة ثَمَانِي عشرَة بالأردن من الشَّام، وَبهَا قَبره. [4] وَقيل اسْمه عبد الله بن عَامر. وَالصَّحِيح أَن اسْمه عَامر. (رَاجع الِاسْتِيعَاب) . [5] فِي الِاسْتِيعَاب: «حَلَال» . [6] وَأمه برة بنت عبد الْمطلب بن هَاشم. وَكَانَ مِمَّن هَاجر بامرأته أم سَلمَة بنت أَبى أُميَّة إِلَى أَرض الْحَبَشَة، ثمَّ شهد بَدْرًا بعد أَن هَاجر الهجرتين، وجرح يَوْم بدر جرحا اندمل، ثمَّ انْتقض فَمَاتَ مِنْهُ، وَذَلِكَ لثلاث مضين لجمادى الْآخِرَة سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة. وَتزَوج رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَته أم سَلمَة.

ابْن لُؤَيٍّ، وَالْأَرْقَمُ [1] بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ. وَاسْمُ أَبِي الْأَرْقَمِ عَبْدُ مَنَافِ بْنِ أَسَدٍ- وَكَانَ أَسَدٌ يُكَنَّى أَبَا جُنْدُبِ- بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ ابْن لُؤَيٍّ. وَعُثْمَانُ [2] بْنُ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ بْنِ عَمْرِو ابْن هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَأَخَوَاهُ قَدَامَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبٍ. وَعُبَيْدَةُ [3] بْنُ الْحَارِثِ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَسَعِيدُ [4] بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

_ [1] ويكنى أَبَا عبد الله. وَأمه من بنى سهم بن عَمْرو بن هصيص، وَاسْمهَا أُمَيْمَة بنت عبد الْحَارِث. وَيُقَال: بل اسْمهَا تماضر بنت حذيم، من بنى سهم. وَكَانَ من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين، أسلم بعد عشرَة أنفس. وَفِي دَار الأرقم بن أَبى الأرقم هَذَا، كَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستخفيا من قُرَيْش بِمَكَّة، يَدْعُو النَّاس فِيهَا إِلَى الْإِسْلَام فِي أول الْإِسْلَام حَتَّى خرج عَنْهَا، وَكَانَت دَاره بِمَكَّة على الصَّفَا، فَأسلم فِيهَا جمَاعَة كَثِيرَة، وَهُوَ صَاحب حلف الفضول، وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَار ابى الأرقم عِنْد الصَّفَا حَتَّى تكاملوا أَرْبَعِينَ رجلا مُسلما. وَكَانَ آخِرهم إسلاما عمر بن الْخطاب، فَلَمَّا تكاملوا أَرْبَعِينَ رجلا خَرجُوا. وَتوفى الأرقم يَوْم مَاتَ أَبُو بكر الصّديق رضى الله عَنهُ، وَقيل توفى سنة خمس وَخمسين بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ ابْن بضع وَثَمَانِينَ سنة. [2] ويكنى أَبَا السَّائِب. وَأمه سخيلة بنت العنبس بن أهبان بن حذافة بن حجح. وَهِي أم السَّائِب وَعبد الله. وَأسلم عُثْمَان بن مَظْعُون بعد ثَلَاثَة عشر رجلا، وَهَاجَر الهجرتين وَشهد بَدْرًا. وَكَانَ أول رجل مَاتَ بِالْمَدِينَةِ من الْمُهَاجِرين بعد مَا رَجَعَ من بدر، وَكَانَ أول من دفن ببقيع الْغَرْقَد. وَكَانَ عُثْمَان بن مَظْعُون أحد من حرم الْخمر فِي الْجَاهِلِيَّة، وَقَالَ: لَا أشْرب شرابًا يذهب عَقْلِي، ويضحك بى من هُوَ أدنى منى، ويحملني على أَن أنكح كَرِيمَتي. فَلَمَّا حرمت الْخمر أَتَى وَهُوَ بالعوالي، فَقيل لَهُ: يَا عُثْمَان، قد حرمت: فَقَالَ: تَبًّا لَهَا، قد كَانَ بصرى فِيهَا ثاقبا (وَفِي هَذَا نظر لِأَن تَحْرِيم الْخمر عِنْد أَكْثَرهم بعد أحد) . [3] ويكنى أَبَا الْحَارِث، وَقيل أَبَا مُعَاوِيَة: وَكَانَ أسن من رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعشر سِنِين، وَكَانَ إِسْلَامه قبل دُخُول رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَار الأرقم، وَكَانَت هجرته إِلَى الْمَدِينَة مَعَ أَخَوَيْهِ الطُّفَيْل وَالْحصين، وَكَانَ لعبيدة بن الْحَارِث قدر ومنزلة عِنْد رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [4] ويكنى أَبَا الْأَعْوَر، وَأمه فَاطِمَة بنت بعجة بن خلف الْخُزَاعِيَّة. وَهُوَ ابْن عَم عمر بن الْخطاب وصهره، وَكَانَت تَحْتَهُ فَاطِمَة بنت الْخطاب أُخْت عمر بن الْخطاب، وَكَانَت أُخْته عَاتِكَة بنت زيد بن عَمْرو تَحت عمر بن الْخطاب. وبسبب زَوْجَة سعيد كَانَ إِسْلَام عمر بن الْخطاب. وَقد أقطع عُثْمَان سعيدا أَرضًا بِالْكُوفَةِ، فنزلها وسكنها إِلَى أَن مَاتَ، وسكنها من بعده من بنيه الْأسود ابْن سعيد، وَكَانَ لَهُ غير الْأسود: عبد الله وَعبد الرَّحْمَن وَزيد، وَكلهمْ أعقب وأنجب. وَتوفى سعيد بِأَرْض العقيق. وَدفن رَحمَه الله بِالْمَدِينَةِ فِي أَيَّام مُعَاوِيَة سنة خمسين أَو إِحْدَى وَخمسين، وَهُوَ ابْن بضع وَسبعين سنة.

(إسلام عمير وابن مسعود وابن القاري) :

ابْن قُرْطِ بْنِ رِيَاحِ [1] بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَامْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِيَاحِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيِّ ابْن كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، أُخْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَأَسْمَاءُ [2] بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ. وَعَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَهِيَ يَوْمئِذٍ صَغِيرَةٌ. وَخَبَّابُ [3] بْنُ الْأَرَتِّ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَيُقَالُ: هُوَ مِنْ خُزَاعَةَ. (إسْلَامُ عُمَيْرٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ الْقَارِّيِّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُمَيْرُ [4] بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، أَخُو سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وَعَبْدُ اللَّهِ [5] بْنُ مَسْعُودِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شَمْخِ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ صَاهِلَةَ بْنِ كَاهِلِ [6]

_ [1] فِي الِاسْتِيعَاب: « ... عبد الْعُزَّى بن رَبَاح بن عبد الله بن قرط» وَقد تقدم الْكَلَام على هَذَا عِنْد الْكَلَام على نسب زيد بن عَمْرو بن نفَيْل. [2] وَأم أَسمَاء: قيلة، وَقيل: قتيلة بنت عبد الْعُزَّى بن عبد أَسد. وَكَانَت أَسمَاء تَحت الزبير بن الْعَوام وَكَانَ إسْلَامهَا قَدِيما بِمَكَّة، وَهَاجَرت إِلَى الْمَدِينَة وَهِي حَامِل بِعَبْد الله بن الزبير. وَتوفيت أَسمَاء بِمَكَّة فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث وَسبعين بعد قتل ابْنهَا عبد الله بن الزبير بِيَسِير، وَكَانَت تسمى ذَات النطاقين. وَيُقَال: إِنَّهَا عمرت مائَة سنة. [3] اخْتلف فِي نسب خباب كَمَا ترى، فَقيل: إِنَّه خزاعيّ، وَقيل تميمى، وَالصَّحِيح أَنه تميمى النّسَب، لحقه سباء فِي الْجَاهِلِيَّة فاشترته امْرَأَة: (هِيَ أم أَنْمَار بنت سِبَاع الْخُزَاعِيَّة) من خُزَاعَة وأعتقته. وَكَانَت من حلفاء بنى عَوْف بن عبد عَوْف بن عبد الْحَارِث بن زهرَة، فَهُوَ تميمى بِالنّسَبِ، خزاعيّ بِالْوَلَاءِ زهري بِالْحلف. وَهُوَ خباب بن الْأَرَت بن جندلة بن سعد بن خُزَيْمَة بن كَعْب بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم وَكَانَ قينا يعْمل السيوف فِي الْجَاهِلِيَّة، وَقد شهد بَدْرًا، وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد. ويكنى أَبَا عبد الله، وَقيل: أَبُو يحيى، وَقيل: أَبُو مُحَمَّد، وَكَانَ قديم الْإِسْلَام مِمَّن عذب فِي الله وصبر على دينه. نزل الْكُوفَة وَمَات بهَا سنة سبع وَثَلَاثِينَ. وَكَانَت سنه ثَلَاثًا وَسِتِّينَ. وَقيل: بل مَاتَ سنة تسع عشرَة بِالْمَدِينَةِ. [4] وَقد قتل عُمَيْر هَذَا يَوْم بدر، وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد استصغر سنه يَوْمهَا، وَأَرَادَ أَن يردهُ فَبكى، ثمَّ أجَازه بعد قَتله، فَقتل يَوْمئِذٍ وَهُوَ ابْن سِتّ عشرَة سنة. (رَاجع الِاسْتِيعَاب) . [5] سَاق نسبه ابْن عبد الْبر فِي الِاسْتِيعَاب، وَهُوَ يخْتَلف عَمَّا هُنَا، قَالَ: «عبد الله بن مَسْعُود بن غافل (بالغين المنقوطة وَالْفَاء) بن حبيب بن شمخ بن فار بن مَخْزُوم» ، ثمَّ اتّفق مَعَ الأَصْل فِيمَا بعد ذَلِك. [6] يرْوى بِفَتْح الْهَاء، كَأَنَّهُ سمى بِالْفِعْلِ من كَاهِل يكاهل: إِذا أسن وقوى.

(شيء عن القارة) :

ابْن الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ [1] . وَمَسْعُودُ بْنُ الْقَارِّيِّ، وَهُوَ مَسْعُودُ [2] ابْن رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ [3] بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ حَمَالَةَ بْنِ غَالِبِ بْنِ مُحَلِّمِ بْنِ عَائِذَةَ ابْن سُبَيْعِ [4] بْنِ الْهُونِ بْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ الْقَارَّةِ. (شَيْءٌ عَنْ الْقَارَّةِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالْقَارَّةُ [5] : لَقَبٌ (لَهُمْ) [6] وَلَهُمْ يُقَالُ: قَدْ أَنْصَفَ الْقَارَّةَ مَنْ رَامَاهَا [7] وَكَانُوا قَوْمًا رُمَاةً [8] .

_ [1] ويكنى عبد الله: أَبَا عبد الرَّحْمَن. وَأم عبد الله: أم عبد بنت عبد ود بن سَوَاء بن قديم بن صاهلة، من بنى هُذَيْل أَيْضا. وَكَانَ إِسْلَامه قَدِيما فِي أول الْإِسْلَام حِين أسلم سعيد بن زيد وَزَوجته فَاطِمَة، وَكَانَ سَبَب إِسْلَامه أَنه كَانَ يرْعَى غنما لعقبة بن أَبى معيط، فَمر بِهِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأخذ شَاة حَائِلا من تِلْكَ الْغنم، فَدرت عَلَيْهِ لَبَنًا غزيرا، وَلَقَد شهد بَدْرًا والحديبيّة. وَشهد لَهُ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجنَّةِ، وَمَات بِالْمَدِينَةِ سنة ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَدفن بِالبَقِيعِ، وَكَانَ يَوْم توفى ابْن بضع وَسِتِّينَ سنة. [2] ويكنى أَبَا عُمَيْر. وَقد أسلم مَسْعُود قبل دُخُول رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَار الأرقم وَشهد بَدْرًا، وَهُوَ أحد حلفاء بنى زهرَة، وَقد مَاتَ سنة ثَلَاثِينَ، وَقد زَادَت سنه على السِّتين. [3] فِي الِاسْتِيعَاب: «عَمْرو بن عبد الْعُزَّى» . [4] كَذَا فِي أ. وَفِي م: «سبع» . وَفِي ر: «سميع» . [5] والقارة قَبيلَة، وهم عضل والديش ابْنا الْهون بن خُزَيْمَة. وَإِنَّمَا سموا قارة لِاجْتِمَاعِهِمْ لما أَرَادَ الشداخ أَن يُفَرِّقهُمْ فِي بنى كنَانَة، فَقَالَ شَاعِرهمْ: دَعونَا قارة لَا تذعرونا ... فنجفل مثل إجفال الظليم [6] زِيَادَة عَن أ. [7] هَذَا مثل، يُقَال إِنَّه قيل فِي حَرْب كَانَت بَين قُرَيْش وَبَين بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة. وَكَانَت القارة مَعَ قُرَيْش، وهم قوم رُمَاة. فَلَمَّا التقى الْفَرِيقَانِ راماهم الْآخرُونَ، فَقيل: قد أنصفهم هَؤُلَاءِ، إِذْ ساووهم فِي الْعَمَل الّذي هُوَ شَأْنهمْ وصناعتهم. (رَاجع الْأَمْثَال، وفرائد اللآل، وَالرَّوْض) . [8] يَزْعمُونَ أَن رجلَيْنِ التقيا أَحدهمَا قارى، فَقَالَ الْقَارِي: إِن شِئْت صارعتك، وَإِن شِئْت سابقتك، وَإِن شِئْت راميتك، فَقَالَ الآخر: قد اخْتَرْت المراماة، فَقَالَ الْقَارِي: قد أنصفتنى، وَأَنْشَأَ يَقُول: قد علمت سلمى وَمن والاها ... أَنا نرد الْخَيل عَن هَواهَا نردها رامية كلاها ... قد أنصف القارة من راماها إِنَّا إِذا مَا فِئَة نلقاها ... نرد أولاها على أخراها (رَاجع الْأَمْثَال، وَالرَّوْض) .

(إسلام سليط وأخيه، وعياش وامرأته، وخنيس، وعامر) :

(إسْلَامُ سَلِيطٍ وَأَخِيهِ، وَعَيَّاشٍ وَامْرَأَتِهِ، وَخُنَيْسٍ، وَعَامِرٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَلِيطُ [1] بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ ابْن مَالِكِ بْنِ (حِسْلِ بْنِ) [2] عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ، (وَأَخُوهُ حَاطِبُ بْنُ عَمْرٍو) [3] وَعَيَّاشُ [3] بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ [4] بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرِ ابْن مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَامْرَأَتُهُ أَسَمَاءُ [5] بِنْتُ سَلَامَةَ [6] ابْن مُخَرَّبَةِ التَّمِيمِيَّةُ [7] . وَخُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ [8] بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو ابْن هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَعَامِرُ [9] بْنُ رَبِيعَةَ،

_ [1] وَهُوَ أَخُو سُهَيْل بن عَمْرو، وَكَانَ من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين، وَهُوَ الّذي بَعثه رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَوْذَة بن على الْحَنَفِيّ وَإِلَى ثُمَامَة بن أَثَال الْحَنَفِيّ، وهما رَئِيسا الْيَمَامَة، وَذَلِكَ فِي سنة سِتّ أَو سبع. وَقتل سليط سنة أَربع عشرَة. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] ويكنى عَيَّاش: أَبَا عبد الرَّحْمَن، وَقيل أَبُو عبد الله، وَهُوَ أَخُو أَبى جهل بن هِشَام لأمه، أمهما أم الْجلاس أَسمَاء بنت مخرمَة. وأخو عبد الله بن أَبى ربيعَة لِأَبِيهِ وَأمه. وَكَانَ إِسْلَامه قبل أَن يدْخل رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَار الأرقم. وَهَاجَر عَيَّاش إِلَى أَرض الْحَبَشَة مَعَ امْرَأَته أَسمَاء بنت سَلمَة، وَولد لَهُ بهَا ابْنه عبد الله، ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة، وَمَات بِمَكَّة. [4] وَاسم أَبى ربيعَة: عَمْرو. [5] وَكَانَت من الْمُهَاجِرَات، هَاجَرت مَعَ زَوجهَا إِلَى الْحَبَشَة. وَولدت لَهُ عبد الله، ثمَّ هَاجَرت إِلَى الْمَدِينَة، وتكنى أم الْجلاس. [6] وَقيل: أَسمَاء بنت سَلمَة. [7] وَكَانَ خُنَيْس على حَفْصَة زوج النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبله، وَكَانَ من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين، شهد بَدْرًا بعد هجرته إِلَى أَرض الْحَبَشَة، ثمَّ شهد أحدا ونالته جِرَاحَة مَاتَ مِنْهَا بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ أَخُو عبد الله ابْن حذافة السَّهْمِي. [8] كَذَا فِي الِاسْتِيعَاب، وَشرح السِّيرَة. وَفِي الْأُصُول: «سعيد» وَهُوَ تَحْرِيف. قَالَ السهيليّ «وحيثما تكَرر نسب عدي بن سعد بن سهم، يَقُول فِيهِ ابْن إِسْحَاق: سعيد. وَالنَّاس على خِلَافه، إِنَّمَا هُوَ سعد ... وَإِنَّمَا سعيد بن سهم أَخُو سعد، وَهُوَ جد آل عَمْرو بن الْعَاصِ بن وَائِل بن هَاشم بن سعيد ابْن سهم. وَفِي سهم سعيد آخر وَهُوَ ابْن سعد الْمَذْكُور، وَهُوَ جد الْمطلب بن أَبى ودَاعَة. وَاسم أَبى ودَاعَة عَوْف بن جبيرَة بن سعيد بن سعد» . [9] فِي نسب عَامر خلاف، فَمن النسابين من ينْسبهُ إِلَى عنز، وَمِنْهُم من ينْسبهُ إِلَى مذْحج فِي الْيمن، إِلَّا أَنهم مجمعون على أَنه حَلِيف للخطاب بن نفَيْل، لِأَنَّهُ تبناه. وَأسلم عَامر وَهَاجَر إِلَى الْحَبَشَة مَعَ امْرَأَته، ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة، وَشهد بَدْرًا وَسَائِر الْمشَاهد، وَتوفى سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ، وَقيل سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، كَمَا قيل سنة خمس وَثَلَاثِينَ، وَكَانَ يكنى أَبَا عبد الله.

(إسلام ابني جحش، وجعفر وامرأته، وأولاد الحارث ونسائهم، والسائب، والمطلب وامرأته) :

مِنْ [1] عَنْزِ [2] بْنِ وَائِلٍ، حَلِيفُ آلِ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَنْزُ بْنُ وَائِلِ أَخُو بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، مِنْ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ. (إسْلَامُ ابْنَيْ جَحْشٍ، وَجَعْفَرٍ وَامْرَأَتِهِ، وَأَوْلَادِ الْحَارِثِ وَنِسَائِهِمْ، وَالسَّائِبِ، وَالْمُطَّلِبِ وَامْرَأَتِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللَّهِ [3] بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ صَبِرَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَبِيرِ [4] بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ. وَأَخُوهُ أَبُو أَحَمْدَ بْنُ جَحْشٍ، حَلِيفَا بَنِي أُمِّيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ [5] . وَجَعْفَرِ [6] بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَامْرَأَتُهُ أَسَمَاءُ [7] بِنْتُ عُمَيْسٍ [8] بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ قُحَافَةَ، مِنْ خَثْعَمَ [9] . وَحَاطِبُ [10] بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ بْنِ

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ابْن» وَهُوَ تَحْرِيف لِأَن بَين ربيعَة وعنز غير وَاحِد من الْآبَاء. [2] هُوَ بِسُكُون النُّون، وَقيل بِفَتْحِهَا، والسكون أعرف. (رَاجع الرَّوْض) . [3] وَأم عبد الله أُمَيْمَة بنت عبد الْمطلب، وَكَانَ عبد الله حليفا لبني عبد شمس، أسلم قبل دُخُول رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَار الأرقم، وَكَانَ هُوَ وَأَخُوهُ أَبُو أَحْمد عبد بن جحش من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين، مِمَّن هَاجر الهجرتين. وَلَقَد تنصر أخوهما عبيد الله بن جحش بِأَرْض الْحَبَشَة، وَمَات بهَا نَصْرَانِيّا، وَتزَوج رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوجته أم حَبِيبَة، وَلَقَد شهد عبد الله بَدْرًا، وَاسْتشْهدَ يَوْم أحد [4] فِي الِاسْتِيعَاب: «ابْن كثير» . [5] وَقيل بل كَانَا حليفين لِحَرْب بن أُميَّة. (رَاجع الِاسْتِيعَاب فِي تَرْجَمَة عبد الله وأخيه أَبى أَحْمد) . [6] وَكَانَ جَعْفَر يكنى أَبَا عبد الله، وَكَانَ أشبه النَّاس خلقا وخلقا برَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أكبر من على بِعشر سِنِين، كَمَا كَانَ عقيل أكبر من جَعْفَر بِعشر سِنِين، وَكَانَ طَالب أكبر من عقيل بِعشر سِنِين. وَلَقَد هَاجر جَعْفَر إِلَى أَرض الْحَبَشَة وَقدم مِنْهَا على رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين فتح خَيْبَر، فَتَلقاهُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واعتنقه وَقَالَ: مَا أدرى بِأَيِّهِمَا أَنا أَشد فَرحا بقدوم جَعْفَر، أم بِفَتْح خَيْبَر؟ وَقتل جَعْفَر فِي غَزْوَة مُؤْتَة. [7] وَأم أَسمَاء هِنْد بنت عَوْف بن زُهَيْر، وَأَسْمَاء أُخْت مَيْمُونَة زوج النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُخْت لبَابَة أم الْفضل زَوْجَة الْعَبَّاس. وَهَاجَرت أَسمَاء مَعَ زَوجهَا جَعْفَر إِلَى الْحَبَشَة فَولدت لَهُ هُنَاكَ مُحَمَّدًا وَعبد الله وعونا ثمَّ هَاجَرت إِلَى الْمَدِينَة فَلَمَّا قتل جَعْفَر زَوجهَا تزَوجهَا أَبُو بكر، فَولدت لَهُ مُحَمَّد بن أَبى بكر، ثمَّ مَاتَ عَنْهَا، فَتَزَوجهَا على بن أَبى طَالب، فَولدت لَهُ يحيى بن على بن أَبى طَالب. [8] فِي الِاسْتِيعَاب: «عُمَيْس بن مَالك بن النُّعْمَان ... إِلَخ» . [9] وَقيل فِي نَسَبهَا: إِنَّهَا أَسمَاء بنت عُمَيْس بن سعد بن الْحَارِث بن تيم بن كَعْب بن مَالك بن قُحَافَة ابْن عَامر بن ربيعَة بن عَامر بن مُعَاوِيَة بن زيد بن مَالك بن بشر بن وهب بن شَهْرَان بن عفرس بن خلف ابْن أقبل، وَهُوَ جمَاعَة خثعم بن أَنْمَار. [10] وَلَقَد مَاتَ حَاطِب بِأَرْض الْحَبَشَة، وَكَانَ خرج إِلَيْهَا مَعَ امْرَأَته فَاطِمَة بنت المجلل مُهَاجِرين، وَولدت لَهُ فَاطِمَة هُنَاكَ ابنيه: مُحَمَّد بن حَاطِب، والْحَارث بن حَاطِب، وأتى بهما من هُنَاكَ غلامين. 17- سيرة ابْن هِشَام- 1

(إسلام نعيم ونسبه) :

عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَامْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُجَلَّلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ وَأَخُوهُ حَطَّابُ [1] بْنُ الْحَارِثِ، وَامْرَأَتُهُ فُكَيْهَةُ بِنْتُ يَسَارٍ. وَمَعْمَرُ [2] بْنُ الْحَارِثِ ابْن مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَالسَّائِبُ [3] بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبٍ. وَالْمُطَّلَبُ [4] ابْن أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَامْرَأَتُهُ: رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي عَوْفِ بْنِ صُبَيْرَةَ [5] بْنِ سَعِيدِ (بْنِ سَعْدِ) [6] بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَالنَّحَّامُ، وَاسْمُهُ نُعَيْمُ [7] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسِيدٍ، أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. (إسْلَامُ نُعَيْمٍ وَنَسَبُهُ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسِيدِ [8] بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ

_ [1] كَذَا فِي الِاسْتِيعَاب. وَفِي الْأُصُول خطاب «بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة» وَهُوَ تَصْحِيف، وَلَقَد هَاجر حطاب مَعَ أَخِيه إِلَى أَرض الْحَبَشَة، فَمَاتَ فِي الطَّرِيق. وَقيل إِنَّه مَاتَ فِي الطَّرِيق مُنْصَرفه مِنْهَا. [2] وَهُوَ أَخُو حَاطِب وحطاب، وَهُوَ مِمَّن أَسْلمُوا قبل دُخُول رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَار الأرقم، وَلَقَد شهد بَدْرًا وأحدا والمشاهد كلهَا، وَتوفى فِي خلَافَة عمر رضى الله عَنهُ. [3] وَلَقَد هَاجر السَّائِب مَعَ أَبِيه عُثْمَان بن مَظْعُون، وَمَعَ عميه قدامَة وَعبد الله إِلَى أَرض الْحَبَشَة الْهِجْرَة الثَّانِيَة، وَقتل السَّائِب وَهُوَ ابْن بضع وَثَلَاثِينَ سنة، قتل يَوْم الْيَمَامَة شَهِيدا. [4] وَهُوَ أَخُو عبد الرَّحْمَن وطليب ابْني أَزْهَر، وَكَانَ الْمطلب وطليب من مهاجرة الْحَبَشَة وَبهَا مَاتَا، وَكَانَ خُرُوج الْمطلب إِلَى الْحَبَشَة مَعَ امْرَأَته رَملَة، وَقد ولدت لَهُ بِأَرْض الْحَبَشَة عبد الله بن الْمطلب. [5] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «ضبيرة» ، بالضاد الْمُعْجَمَة، وَهِي لُغَة فِيهِ. وَهُوَ الّذي كَانَ شَابًّا جميلا يلبس حلَّة وَيَقُول للنَّاس: هَل ترَوْنَ بى بَأْسا؟ إعجابا بِنَفسِهِ فأصابته الْمنية بَغْتَة فَقَالَ الشَّاعِر فِيهِ: من يَأْمَن الْحدثَان بعد ... ضبيرة الْقرشِي مَاتَا سبقت منيته المشيب ... وَكَأن ميتَته افتلاتا [6] زِيَادَة يقتضيها السِّيَاق. (رَاجع الْحَاشِيَة رقم ص 274) . [7] وَيُقَال إِن نعيم هَذَا أسلم بعد عشرَة نفر قبل إِسْلَام عمر بن الْخطاب، وَكَانَ يكتم إِسْلَامه، وَمنعه قومه لشرفه فيهم من الْهِجْرَة، لِأَنَّهُ كَانَ ينْفق على أرامل بنى عدي وأيتامهم ويمونهم، وَقتل بأجنادين شَهِيدا سنة ثَلَاث عشرَة فِي آخر خلَافَة أَبى بكر، وَقيل: قتل يَوْم اليرموك شَهِيدا فِي رَجَب سنة خمس عشرَة، فِي خلَافَة عمر. [8] كَذَا فِي الِاسْتِيعَاب وَشرح السِّيرَة. وَفِي الْأُصُول: « ... أسيد بن عبد الله بن عَوْف ... إِلَخ» وَهُوَ تَحْرِيف.

(إسلام عامر بن فهيرة ونسبه) :

ابْن عَوِيجِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ النَّحَّامَ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ نَحْمَهُ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: نَحْمُهُ: صَوْتُهُ. (وَنَحْمُهُ) [1] : حِسُّهُ [2] . (إسْلَامُ عَامِرِ بْنِ فَهَيْرَةَ وَنَسَبُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ [3] مُوَلَّدٌ مِنْ مُوَلَّدِي الْأَسْدِ، أَسْوَدُ اشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْهُمْ. (إسْلَامُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ وَامْرَأَتُهُ أَمِينَةُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ [4] بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَامْرَأَتُهُ أَمِينَةُ [5] بِنْتُ خَلَفِ بْنِ أَسَعْدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ بْنِ سُبَيْعِ بْنِ جُعْثُمَةَ [6] بْنِ سَعْدِ بْنِ مُلَيْحِ بْنِ عَمْرٍو، مِنْ خُزَاعَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: هُمَيْنَةُ [7] بِنْتُ خَلَفٍ. (إسْلَامُ حَاطِبٍ وَأَبِي حُذَيْفَةَ وَإِسْلَامُ وَاقِدٍ، وَشَيْءٌ عَنْهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَاطِبُ بْنُ عَمْرِو [8] بن عبد شمس بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «حسنه» . [3] وفهيرة أمه، وَكَانَ عبدا للطفيل بن الْحَارِث بن سَخْبَرَة. وَأسلم عَامر قبل دُخُول النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَار الأرقم، وَقَتله عَامر بن الطُّفَيْل يَوْم بِئْر مَعُونَة. [4] ويكنى خَالِد: أَبَا سعيد، وَيُقَال: إِنَّه أسلم بعد أَبى بكر الصّديق، فَكَانَ ثَالِثا أَو رَابِعا، وَقيل: كَانَ خَامِسًا. وَقد هَاجر إِلَى الْحَبَشَة مَعَ امْرَأَته الْخُزَاعِيَّة، وَولد لَهُ بهَا ابْنه سعيد بن خَالِد، وَابْنَته أم خَالِد، وَهَاجَر مَعَه إِلَى أَرض الْحَبَشَة أَخُوهُ عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ. [5] فِي الِاسْتِيعَاب: «أُمَيْمَة» وَقد نَص أَبُو ذَر على أَن مَا أَثْبَتْنَاهُ هُوَ الصَّوَاب. [6] فِي الْأُصُول: خثعمة. والتصويب عَن شرح السِّيرَة. [7] فِي الِاسْتِيعَاب وَفِي الْأُصُول: «هميمة» . [8] وَهُوَ أَخُو سُهَيْل وسليط والسكران أَبنَاء عَمْرو، وَقد أسلم حَاطِب قبل دُخُول الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَار الأرقم، وَقد هَاجر إِلَى الْحَبَشَة الهجرتين جَمِيعًا، وَهُوَ أول من قدم الْحَبَشَة فِي الْهِجْرَة الأولى

(إسلام بنى البكير، وعمار بن ياسر) :

ابْن مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ. وَأَبُو حُذَيْفَةَ، وَاسْمُهُ مُهَشَّمٌ [1]- فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ ابْن قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَوَاقِدُ [2] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن عبد منَاف ابْن عَرِينَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، حَلِيفُ بَنِي عَدِيِّ ابْن كَعْبٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: جَاءَتْ بِهِ بَاهِلَةُ، فَبَاعُوهُ مِنْ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلٍ، فَتَبَنَّاهُ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ 33: 5 قَالَ: أَنَا وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فِيمَا قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيُّ. (إسْلَامُ بَنِي الْبَكِيرِ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَالِدٌ [3] وَعَامِرٌ [4] وَعَاقِلٌ [5] وَإِيَاسٌ [6] بَنُو الْبَكِيرِ [7]

_ [1] قَالَ السهيليّ: قَالَ ابْن هِشَام: واسْمه مهشم، وَهُوَ وهم عِنْد أهل النّسَب، فَإِن مهشما إِنَّمَا هُوَ أَبُو حُذَيْفَة بن الْمُغيرَة أَخُو هَاشم وَهِشَام ابْني الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم، وَأما أَبُو حُذَيْفَة بن عتبَة فاسمه قيس فِيمَا ذكرُوا. [2] وَلَقَد أسلم وَاقد قبل دُخُول رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَار الأرقم، وَهُوَ الّذي قتل عَمْرو ابْن الحضرميّ، وَشهد وَاقد مَعَ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا وأحدا والمشاهد كلهَا، وَتوفى فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب. [3] وَلَقَد شهد هُوَ وَإِخْوَته بَدْرًا، وَقتل يَوْم الرجيع فِي صفر سنة أَربع من الْهِجْرَة، وَكَانَ يَوْم قتل ابْن أَربع وَثَلَاثِينَ سنة، وَكَانَت السّريَّة يَوْم الرجيع مَعَ عَاصِم بن ثَابت بن أَبى الْأَفْلَح، ومرثد بن أَبى مرْثَد الغنوي، قَاتلُوا هذيلا ورهطا من عضل والفارة حَتَّى قتلوا وَمن مَعَهم، وَأخذ خبيب بن عدي ثمَّ صلب، وَله يَقُول حسان: أَلا لَيْتَني فِيهَا شهِدت ابْن طَارق ... وزيدا وَمَا تغني الْأَمَانِي ومرثدا فدافعت عَن حبي خبيب وَعَاصِم ... وَكَانَ شِفَاء لَو تداركت خَالِدا [4] وَشهد عَامر بَدْرًا مَعَ إخْوَته، وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد، وَقتل يَوْم الْيَمَامَة شَهِيدا. [5] شهد مَعَ إخْوَته بَدْرًا وَقتل بهَا، قَتله مَالك بن زُهَيْر الخطميّ، وَهُوَ ابْن أَربع وَثَلَاثِينَ سنة، وَكَانَ اسْمه غافلا، فَلَمَّا أسلم سَمَّاهُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاقِلا، وَكَانَ من أول من أسلم وَبَايع رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَار الأرقم. [6] وَلَقَد شهد إِيَاس بَدْرًا وأحدا وَالْخَنْدَق والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ إِسْلَامه وَإِسْلَام أَخِيه عَامر فِي دَار الأرقم. وَإيَاس هَذَا هُوَ وَالِد مُحَمَّد بن إِيَاس بن البكير الّذي يرْوى عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وأبى هُرَيْرَة، فِيمَن طلق امْرَأَته ثَلَاثًا قبل أَن يَمَسهَا أَنَّهَا لَا تحل لَهُ. [7] قَالَ ابْن عبد الْبر: «هَذَا كَلَام ابْن إِسْحَاق وَغَيره. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ ... أَبى الْكَبِير» .

(إسلام صهيب ونسبه) :

ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ نَاشِبِ بْنِ غَيْرَةَ بْنِ [1] سَعْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةِ بْنِ كِنَانَةِ حَلْفَاءُ بَنِي [2] عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ. وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ [3] ، حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ عَنْسِيٌّ مِنْ مَذْحِجَ [4] . (إسْلَامُ صُهَيْبٍ وَنَسَبُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ [5] ، أَحَدُ النَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ، حَلِيفُ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: النَّمِرُ بْنُ قَاسِطِ بْنِ هِنْبٍ بْنِ أَفْصَى بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ ابْن رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ، وَيُقَالُ: أَفْصَى بْنُ دُعْمِيِّ بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدٍ، وَيُقَالُ: صُهَيْبٌ: مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ [6] بْنِ جُدْعَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ،

_ [1] كَذَا فِي أوالاستيعاب. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «غيرَة من بنى سعد» . [2] وَذَلِكَ أَن عبد ياليل كَانَ قد حَالف فِي الْجَاهِلِيَّة نفَيْل بن عبد الْعُزَّى جد عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ. [3] وَكَانَ عمار وَأمه سميَّة مِمَّن عذب فِي الله، ثمَّ أَعْطَاهُم عمار مَا أَرَادوا بِلِسَانِهِ، وَاطْمَأَنَّ بِالْإِيمَان قلبه، فَنزلت فِيهِ: إِلَّا من أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ 16: 106. وَهَاجَر عمار إِلَى أَرض الْحَبَشَة، وَلَقَد شهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا، وأبلى ببدر بلَاء حسنا، ثمَّ شهد الْيَمَامَة فأبلى فِيهَا أَيْضا، ويومئذ قطعت أُذُنه، وَقيل فِي صفّين، وَكَانَت سنه إِذْ ذَاك تزيد على التسعين. [4] وَقَالَ الْوَاقِدِيّ، وَطَائِفَة من أهل الْعلم بِالنّسَبِ وَالْخَبَر: «إِن ياسرا وَالِد عمار عرنى قحطانى مذحجى من عنس فِي مذْحج، إِلَّا أَن ابْنه عمارا مولى لبني مَخْزُوم، لِأَن أَبَاهُ ياسرا تزوج أمة لبَعض بنى مَخْزُوم، فَولدت لَهُ عمارا، وَذَلِكَ أَن ياسرا وَالِد عمار قدم مَكَّة مَعَ أَخَوَيْنِ لَهُ، أَحدهمَا يُقَال لَهُ الْحَارِث وَالثَّانِي مَالك، فِي طلب أَخ لَهُم رَابِع، فَرجع الْحَارِث وَمَالك إِلَى الْيمن، وَأقَام يَاسر بِمَكَّة، فحالف أَبَا حُذَيْفَة بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم، فَزَوجهُ أَبُو حُذَيْفَة أمة لَهُ يُقَال لَهَا سميَّة بنت خياط فَولدت لَهُ عمارا، فَأعْتقهُ أَبُو حُذَيْفَة، فَمن هَذَا هُوَ عمار مولى لبني مَخْزُوم ... وللحلف وَالْوَلَاء الّذي بَين بنى مَخْزُوم وَابْن عمار وَأَبِيهِ يَاسر كَانَ اجْتِمَاع بنى مَخْزُوم إِلَى عُثْمَان حِين نَالَ من عمار غلْمَان عُثْمَان، مَا نالوا من الضَّرْب حَتَّى انفتق لَهُ فتق فِي بَطْنه. فاجتمعت بَنو مَخْزُوم وَقَالُوا: وَالله لَئِن مَاتَ مَا قتلنَا بِهِ أحدا غير عُثْمَان» . [5] وَهُوَ مِمَّن شهد بَدْرًا مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ إِسْلَامه هُوَ وعمار بن يَاسر فِي يَوْم وَاحِد، وَمَات صُهَيْب بِالْمَدِينَةِ سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ فِي شَوَّال، وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسبعين سنة، وَقيل ابْن تسعين وَدفن بِالبَقِيعِ. [6] وَذَلِكَ أَن أَبَاهُ سِنَان بن مَالك، أَو عَمه، كَانَ عَاملا لكسرى على الأبلة، وَكَانَت مَنَازِلهمْ بِأَرْض الْموصل فِي قَرْيَة من شط الْفُرَات مِمَّا يَلِي الجزيرة والموصل، فأغارت الرّوم على تِلْكَ النَّاحِيَة فسبت صهيبا وَهُوَ غُلَام صَغِير، فَنَشَأَ صُهَيْب بالروم، فَصَارَ ألكن، فابتاعته مِنْهُم كلب، ثمَّ قدمت بِهِ مَكَّة، فَاشْتَرَاهُ

مباداة رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه، وما كان منهم

وَيُقَالُ: إنَّهُ رُومِيٌّ. فَقَالَ بَعْضُ مَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ النَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ، إنَّمَا كَانَ أَسِيرًا فِي أَرْضِ الرُّومِ، فَاشْتُرِيَ مِنْهُمْ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صُهَيْبٌ سَابِقُ الرُّومِ. مباداة رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قومه، وَمَا كَانَ مِنْهُم (أَمْرُ اللَّهِ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُبَادَاةِ قَوْمِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ دَخَلَ النَّاسُ فِي الْإِسْلَامِ أَرْسَالًا مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، حَتَّى فَشَا ذِكْرُ الْإِسْلَامِ بِمَكَّةَ، وَتُحَدِّثَ بِهِ. ثُمَّ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَصْدَعَ بِمَا جَاءَهُ مِنْهُ، وَأَنْ يُبَادِيَ النَّاسَ بِأَمْرِهِ، وَأَنْ يَدْعُوَ إلَيْهِ، وَكَانَ بَيْنَ مَا أَخْفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ وَاسْتَتَرَ بِهِ إلَى أَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِإِظْهَارِ دِينِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ- فِيمَا بَلَغَنِي- مِنْ مَبْعَثِهِ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: فَاصْدَعْ [1] بِما تُؤْمَرُ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ 15: 94. وَقَالَ تَعَالَى: وَأَنْذِرْ 6: 51

_ [ () ] عبد الله بن جدعَان التَّيْمِيّ مِنْهُم، فَأعْتقهُ، فَأَقَامَ مَعَه بِمَكَّة حَتَّى هلك عبد الله بن جدعَان، وَبعث النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأما صُهَيْب وَولده، فيزعمون أَنه إِنَّمَا هرب من الرّوم حِين عقل وَبلغ، فَقدم مَكَّة فحالف عبد الله بن جدعَان، وَأقَام مَعَه إِلَى أَن هلك. [1] قَالَ السهيليّ: «وَالْمعْنَى: اصدع بِالَّذِي تُؤمر بِهِ، وَلكنه لما عدي الْفِعْل إِلَى الْهَاء حسن حذفهَا، وَكَانَ الْحَذف هَاهُنَا أحسن من ذكرهَا، لِأَن «مَا» فِيهَا من الْإِبْهَام أَكثر مِمَّا يَقْتَضِيهِ «الّذي» . وَقَوْلهمْ «مَا» مَعَ الْفِعْل بِتَأْوِيل الْمصدر، رَاجع إِلَى معنى «الّذي» إِذا تأملته، وَذَلِكَ أَن «الّذي» تصلح فِي كل مَوضِع تصلح فِيهِ «مَا» الَّتِي يسمونها المصدرية. نَحْو قَول الشَّاعِر: عَسى الْأَيَّام أَن يرجعن ... قوما كَالَّذي كَانُوا أَي كَمَا كَانُوا. فَقَوْل الله عز وَجل إِذن: «فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ 15: 94» : إِمَّا أَن يكون مَعْنَاهُ: بِالَّذِي تُؤمر بِهِ من التَّبْلِيغ وَنَحْوه، وَإِمَّا أَن يكون مَعْنَاهُ: اصدع بِالْأَمر الّذي تؤمره، كَمَا تَقول: عجبت ... من الضَّرْب الّذي تضربه، فَتكون «مَا» هَاهُنَا عبارَة عَن الْأَمر الّذي هُوَ أَمر الله تَعَالَى، وَلَا يكون للباء فِيهِ دُخُول وَلَا تَقْدِير. وعَلى الْوَجْه الأول تكون «مَا» مَعَ صلتها عبارَة عَمَّا هُوَ فعل للنّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْأَظْهَر أَنَّهَا مَعَ صلتها، عبارَة عَن الْأَمر الّذي هُوَ قَول الله ووحيه، بِدَلِيل حذف الْهَاء الراجعة إِلَى مَا، وَإِن كَانَت بِمَعْنى الّذي فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، إِلَّا أَنَّك إِذا أردْت معنى الْأَمر لم تحذف إِلَّا الْهَاء وَحدهَا، وَإِذا أردْت معنى الْمَأْمُور بِهِ حذفت بَاء وهاء، فَحذف وَاحِد أيسر من حذفين، مَعَ أَن صدعه وَبَيَانه إِذا علقته بِأَمْر الله ووحيه كَانَ حَقِيقَة، وَإِذا علقته بِالْفِعْلِ الّذي أَمر بِهِ كَانَ مجَازًا، وَإِذا صرحت بِلَفْظ الّذي

(تفسير ابن هشام لبعض المفردات) :

عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ. وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ 26: 214- 215. وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ 15: 89. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْمُفْرَدَاتِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اصْدَعْ: اُفْرُقْ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيُّ، وَاسْمُهُ خُوَيْلِدُ بْنُ خَالِدٍ، يَصِفُ أُتُنَ [1] وَحْشٍ وَفَحْلَهَا: وَكَأَنَّهُنَّ رِبَابَةٌ وَكَأَنَّهُ ... يَسَرٌ يُفِيضُ عَلَى الْقِدَاحِ وَيَصْدَعُ [2] أَيْ يُفَرَّقُ عَلَى الْقِدَاحِ وَيُبَيِّنُ أَنْصِبَاءَهَا. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ رُؤْبَةُ ابْن الْعَجَّاجِ: أَنْتَ الْحَلِيمُ وَالْأَمِيرُ الْمُنْتَقِمُ ... تَصْدَعُ بِالْحَقِّ وَتَنْفِي مَنْ ظَلِمْ وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ [3] فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. (خُرُوجُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ إلَى شِعَابِ مَكَّةَ، وَمَا فَعَلَهُ سَعْدٌ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّوْا، ذَهَبُوا فِي الشِّعَابِ، فَاسْتَخْفَوْا بِصَلَاتِهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، فَبَيْنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ مَكَّةَ، إذْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ نَفَرٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ يُصَلُّونَ، فَنَاكَرُوهُمْ، وَعَابُوا عَلَيْهِمْ مَا يَصْنَعُونَ حَتَّى قَاتَلُوهُمْ، فَضَرَبَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَوْمَئِذٍ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِلَحْيِ [4] بَعِيرٍ، فَشَجَّهُ [5] ، فَكَانَ أوّل دم هريق فِي الْإِسْلَامِ.

_ [ () ] لم يكن حذفهَا بذلك الْحسن، وتأمله فِي الْقُرْآن تَجدهُ كَذَلِك، نَحْو قَوْله تَعَالَى: وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ 2: 33. وَإِنَّمَا كَانَ الْحَذف مَعَ «مَا» أحسن لما قدمْنَاهُ من إبهامها، فَالَّذِي فِيهَا من الْإِبْهَام قربهَا من «مَا» الَّتِي هِيَ للشّرط لفظا وَمعنى. [1] الأتن: جمع أتان، وَهِي الْأُنْثَى من الْحمر. [2] الربابة (بِكَسْر الرَّاء) : خرقَة تلف فِيهَا القداح. وَتَكون أَيْضا جلدا. واليسر: الّذي يدْخل فِي الميسر. والقداح: جمع قدح، وَهُوَ السهْم. [3] هَذَا على أَنَّهُمَا من مشطور الرجز. [4] اللحى: الْعظم الّذي على الْفَخْذ، وَهُوَ من الْإِنْسَان: الْعظم الّذي تنْبت عَلَيْهِ اللِّحْيَة. [5] شجه: جرحه.

(إظهار قومه صلى الله عليه وسلم العداوة له، وحدب عمه أبى طالب عليه)

(إظْهَارُ قَوْمِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَدَاوَةَ لَهُ، وَحَدَبُ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ) قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا بَادَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ بِالْإِسْلَامِ وَصَدَعَ بَهْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، لَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ قَوْمُهُ، وَلَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ- فِيمَا بَلَغَنِي- حَتَّى ذَكَرَ آلِهَتَهُمْ وَعَابَهَا، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ أَعْظَمُوهُ وَنَاكَرُوهُ، وَأَجْمَعُوا خِلَافَهُ وَعَدَاوَتَهُ، إلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمْ بِالْإِسْلَامِ، وَهُمْ قَلِيلٌ مُسْتَخْفُونَ، وَحَدِبَ [1] عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ، وَمَنَعَهُ وَقَامَ دُونَهُ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، مُظْهِرًا لِأَمْرِهِ، لَا يَرُدُّهُ عَنْهُ شَيْءٌ. فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَعْتِبُهُمْ [2] مِنْ شَيْءٍ أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ، مِنْ فِرَاقِهِمْ وَعَيْبِ آلِهَتِهِمْ، وَرَأَوْا أَنَّ عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ قَدْ حَدِبَ عَلَيْهِ، وَقَامَ دُونَهُ، فَلَمْ يُسْلِمْهُ لَهُمْ، مَشَى رِجَالٌ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ إلَى أَبِي طَالِبٍ، عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ. وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ، وَاسْمُهُ الْعَاصِ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدِ ابْن عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: الْعَاصِ بْنُ هَاشِمٍ [3] .

_ [1] أصل الحدب: الانحناء فِي الظّهْر، ثمَّ استعير فِيمَن عطف على غَيره ورق لَهُ، كَمَا قَالَ النَّابِغَة: حدبت على بطُون ضبة كلهَا ... إِن ظَالِما فيهم وَإِن مَظْلُوما وَقد يكون الحدب أَيْضا مُسْتَعْملا فِي معنى الْمُخَالفَة إِذا قرن بالقعس، كَقَوْل الشَّاعِر: وَإِن حدبوا فاقعس وَإِن هم تقاعسوا ... لينتزعوا مَا خلف ظهرك فاحدب [2] لَا يعتبهم من شَيْء: أَي لَا يرضيهم، يُقَال: استعتبني فأعتبته: أَي أرضيته وأزلت العتاب عَنهُ. [3] قَالَ السهيليّ: «الّذي قَالَه ابْن إِسْحَاق، هُوَ قَول ابْن الْكَلْبِيّ، والّذي قَالَه ابْن هِشَام، هُوَ قَول الزبير بن أَبى بكر وَقَول مُصعب، وَهَكَذَا وجدت فِي حَاشِيَة كتاب الشَّيْخ أَبى بَحر سُفْيَان بن الْعَاصِ» .

(وفد قريش مع أبى طالب في شأن الرسول صلى الله عليه وسلم) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَأَبُو جَهْلٍ- وَاسْمُهُ عَمْرٌو، وَكَانَ يُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ- بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ ابْن كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ ابْن مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَنَبِيهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَالْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْعَاصِ بْنُ وَائِلِ بْنِ هَاشِمِ [1] بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. (وَفْدُ قُرَيْشٍ مَعَ أَبِي طَالِبٍ فِي شَأْنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَوْ مَنْ مَشَى مِنْهُمْ. فَقَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ، إنَّ ابْنَ أَخِيكَ قَدْ سَبَّ آلِهَتَنَا، وَعَابَ دِينَنَا، وَسَفَّهُ أَحْلَامَنَا، وَضَلَّلَ آبَاءَنَا، فَإِمَّا أَنْ تَكُفَّهُ عَنَّا، وَإِمَّا أَنَّ تُخِلِّي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَإِنَّكَ عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِهِ، فَنَكْفِيكَهُ فَقَالَ لَهُمْ أَبُو طَالِبٍ قَوْلًا رَفِيقًا، وَرَدَّهُمْ رَدًّا جَمِيلًا، فَانْصَرَفُوا عَنْهُ. (اسْتِمْرَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَعْوَتِهِ، وَرُجُوعُ وَفْدِ قُرَيْشٍ إلَى أَبِي طَالِبٍ ثَانِيَةً) : وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، يُظْهِرُ دِينَ اللَّهِ، وَيَدْعُو إلَيْهِ، ثُمَّ شَرَى [2] الْأَمْرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ حَتَّى تَبَاعَدَ الرِّجَالُ وَتَضَاغَنُوا [3] ، وَأَكْثَرَتْ قُرَيْشٌ ذِكْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهَا، فَتَذَامَرُوا [4] فِيهِ، وَحَضَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَيْهِ، ثُمَّ إنَّهُمْ مَشَوْا إلَى أَبِي طَالِبٍ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا طَالِبٍ، إنَّ لَكَ سِنًّا وَشَرَفًا وَمَنْزِلَةً فِينَا، وَإِنَّا قَدْ اسْتَنْهَيْنَاكَ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ فَلَمْ تَنْهَهُ عَنَّا، وَإِنَّا وَاَللَّهِ لَا نَصْبِرُ عَلَى هَذَا مِنْ شَتْمِ آبَائِنَا، وَتَسْفِيهِ أَحْلَامِنَا، وَعَيْبِ آلِهَتِنَا، حَتَّى تَكُفَّهُ عَنَّا، أَوْ نُنَازِلَهُ وَإِيَّاكَ فِي ذَلِكَ، حَتَّى يَهْلِكَ أَحَدُ

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: هِشَام. [2] شرى: كثر وَاشْتَدَّ. [3] تضاغنوا: تعادوا. [4] تذامروا: حض بَعضهم بَعْضًا.

(طلب أبى طالب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الكف عن الدعوة وجوابه له) :

الْفَرِيقَيْنِ، أَوْ كَمَا قَالُوا لَهُ. (ثُمَّ) [1] انْصَرَفُوا عَنْهُ، فَعَظُمَ عَلَى أَبِي طَالِبٍ فِرَاقُ قَوْمِهِ وَعَدَاوَتُهُمْ، وَلَمْ يَطِبْ نَفْسًا بِإِسْلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ وَلَا خِذْلَانِهِ. (طَلَبُ أَبِي طَالِبٍ إلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَفَّ عَنْ الدَّعْوَةِ وَجَوَابُهُ لَهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ أَنَّهُ حُدِّثَ: أَنَّ قُرَيْشًا حِينَ قَالُوا لِأَبِي طَالِبٍ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، بَعَثَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ أَخِي، إنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَاءُونِي، فَقَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا، لِلَّذِي كَانُوا قَالُوا لَهُ، فَأَبْقِ عَلَيَّ وَعَلَى نَفْسِكَ، وَلَا تُحَمِّلْنِي مِنْ الْأَمْرِ مَا لَا أُطِيقُ، قَالَ: فَظَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ بَدَا لِعَمِّهِ فِيهِ بَدَاءٌ [2] أَنَّهُ خَاذِلُهُ وَمُسْلِمُهُ، وَأَنَّهُ قَدْ ضَعُفَ عَنْ نُصْرَتِهِ وَالْقِيَامِ مَعَهُ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَمُّ، وَاَللَّهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي [3] عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْتُهُ. قَالَ: ثُمَّ اسْتَعْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَكَى ثُمَّ قَامَ، فَلَمَّا وَلَّى نَادَاهُ أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: أَقْبِلْ يَا بن أَخِي، قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اذْهَبْ يَا بن أَخِي، فَقُلْ مَا أَحْبَبْت، فو الله لَا أُسْلِمُكَ لِشَيْءِ أَبَدًا. (مَشْيُ قُرَيْشٍ إلَى أَبِي طَالِبٍ ثَالِثَةً بِعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيِّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ قُرَيْشًا حِينَ عَرَفُوا أَنَّ أَبَا طَالِبٍ قَدْ أَبَى خِذْلَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِسْلَامَهُ، وَإِجْمَاعَهُ لِفِرَاقِهِمْ فِي ذَلِكَ وَعَدَاوَتِهِمْ، مَشَوْا إلَيْهِ بِعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالُوا لَهُ- فِيمَا بَلَغَنِي- يَا أَبَا طَالِبٍ، هَذَا عُمَارَةُ

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] كَذَا فِي أ. والبداء: الِاسْم من بدا. يُرِيد: ظهر لَهُ رأى، فَسمى الرأى بداء، لِأَنَّهُ شَيْء يَبْدُو بعد مَا خَفِي. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بَدو» . [3] قَالَ السهيليّ: «خص الشَّمْس بِالْيَمِينِ لِأَنَّهَا الْآيَة المبصرة، وَخص الْقَمَر بالشمال لِأَنَّهَا الْآيَة الممحوة وَقد قَالَ عمر رَحمَه الله لرجل قَالَ لَهُ: إِنِّي رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن الشَّمْس وَالْقَمَر يقتتلان، وَمَعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا نُجُوم، فَقَالَ عمر: مَعَ أَيهمَا كنت؟ فَقَالَ: مَعَ الْقَمَر، قَالَ: كنت مَعَ الْآيَة الممحوة، اذْهَبْ فَلَا تعْمل لي عملا. وَكَانَ عَاملا لَهُ فَعَزله، فَقتل الرجل فِي صفّين مَعَ مُعَاوِيَة، واسْمه حَابِس بن سعد. وَخص رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النيرين حِين ضرب الْمثل بهما، لِأَن نورهما محسوس، والنور الّذي جَاءَ بِهِ من عِنْد الله» .

(شعر أبى طالب في التعريض بالمطعم ومن خذله من بنى عبد مناف) :

ابْن الْوَلِيدِ، أَنْهَدُ [1] فَتًى فِي قُرَيْشٍ وَأَجْمَلُهُ، فَخُذْهُ فَلَكَ عَقْلُهُ وَنَصْرُهُ، وَاِتَّخِذْهُ وَلَدًا فَهُوَ لَكَ، وَأَسْلِمْ إلَيْنَا ابْنَ أَخِيكَ هَذَا، الَّذِي قَدْ خَالَفَ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ، وَفَرَّقَ جَمَاعَةَ قَوْمِكَ، وَسَفَّهُ أَحْلَامَهُمْ، فَنَقْتُلَهُ، فَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ بِرَجُلِ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَبِئْسَ مَا تَسُومُونَنِي [2] ! أَتُعْطُونَنِي ابْنَكُمْ أَغْذُوهُ لَكُمْ، وَأُعْطِيكُمْ ابْنِي تَقْتُلُونَهُ! هَذَا وَاَللَّهِ مَا لَا يَكُونُ أَبَدًا. قَالَ: فَقَالَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ: وَاَللَّهِ يَا أَبَا طَالِبٍ لَقَدْ أَنْصَفَكَ قَوْمُكَ، وَجَهَدُوا عَلَى التَّخَلُّصِ مِمَّا تَكْرَهُهُ، فَمَا أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تَقْبَلَ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ لِلْمُطْعِمِ: وَاَللَّهِ مَا أَنْصَفُونِي، وَلَكِنَّكَ قَدْ أَجْمَعْتَ خِذْلَانِي وَمُظَاهَرَةَ الْقَوْمِ عَلَيَّ، فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ، أَوْ كَمَا قَالَ. فَحَقَبَ [3] الْأَمْرُ، وَحَمِيَتْ الْحَرْبُ، وَتَنَابَذَ الْقَوْمُ، وَبَادَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا. (شِعْرُ أَبِي طَالِبٍ فِي التَّعْرِيضِ بِالْمُطْعِمِ وَمَنْ خَذَلَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ) : فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ عِنْدَ ذَلِكَ، يُعَرِّضُ بِالْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ، وَيَعُمُّ مَنْ خَذَلَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَمَنْ عَادَاهُ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، وَيَذْكُرُ مَا سَأَلُوهُ، وَمَا تَبَاعَدَ مِنْ أَمرهم: أَلا قل لِعَمْرٍو وَالْوَلِيدِ وَمُطْعِمٍ ... أَلَا لَيْتَ حَظِّي مِنْ حِيَاطَتِكُمْ بَكْرُ [4] مِنْ الْخُورِ [5] حَبْحَابٌ [6] كَثِيرٌ رُغَاؤُهُ ... يَرُشُّ عَلَى السَّاقَيْنِ مِنْ بَوْلِهِ قَطْرُ

_ [1] أنهد: أَشد وَأقوى. وأصل هَذِه الْكَلِمَة للتقدم، يُقَال: نهد ثدي الْجَارِيَة، أَي برز قدما. [2] تسوموننى: تكلفوننى. [3] حقب: زَاد وَاشْتَدَّ: وَهُوَ من قَوْلك. حقب الْبَعِير: إِذا راغ عَنهُ الحقب من شدَّة الْجهد وَالنّصب، وَإِذا عسر عَلَيْهِ الْبَوْل أَيْضا لشدَّة الحقب على ذَلِك الْموضع [4] يُرِيد: أَي أَن بكرا من الْإِبِل أَنْفَع لي مِنْكُم، فليته لي بَدَلا من حياطتكم، كَمَا قَالَ طرفَة فِي عَمْرو ابْن هِنْد: لَيْت لنا مَكَان الْملك عَمْرو ... رغوثا حول قبتنا تخور [5] الخور: الضِّعَاف. [6] كَذَا فِي الْأُصُول. والحبحاب: الْقصير. ويروى: «جبجاب» بِالْجِيم. وَهُوَ الْكثير الهدر. كَمَا يرْوى «خبخاب» بِالْخَاءِ، وَهُوَ الضَّعِيف.

(ذكر ما فتنت به قريش المؤمنين وعذبتهم على الإيمان) :

تَخَلَّفَ خَلْفَ الْوِرْدِ لَيْسَ بِلَاحِقِ ... إذَا مَا عَلَا الْفَيْفَاءَ قِيلَ لَهُ وَبْرُ [1] أَرَى أَخَوَيْنَا مِنْ أَبِينَا وَأُمِّنَا ... إذَا سُئِلَا قَالَا إلَى غَيْرِنَا الْأَمْرُ بَلَى لَهُمَا أَمْرٌ وَلَكِنْ تَجَرْجَمَا [2] ... كَمَا جُرْجِمَتْ مِنْ رَأْسِ ذِي [3] عَلَقِ الصَّخْرِ [4] أَخُصُّ خُصُوصًا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا ... هُمَا نَبَذَانَا مِثْلَ مَا يُنْبَذُ الْجَمْرُ هُمَا أَغْمَزَا [5] لِلْقَوْمِ فِي أَخَوَيْهِمَا ... فَقَدْ أَصْبَحَا مِنْهُمْ أَكُفُّهُمَا [6] صِفْرُ [7] هُمَا أَشْرَكَا فِي الْمَجْدِ مَنْ لَا أَبَا لَهُ ... مِنْ النَّاسِ إلَّا أَنْ يُرَسَّ [8] لَهُ ذِكْرُ وَتَيْمٌ وَمَخْزُومٌ وَزُهْرَةُ مِنْهُمْ ... وَكَانُوا لَنَا مَوْلًى إذَا بغى النّصر فو الله لَا تَنْفَكُّ مِنَّا عَدَاوَةٌ ... وَلَا مِنْهُمْ مَا كَانَ مِنْ نَسْلِنَا شَفْرُ [9] فَقَدْ سَفُهَتْ أَحْلَامُهُمْ وَعُقُولُهُمْ ... وَكَانُوا كَجَفْرٍ بِئْسَ مَا صَنَعَتْ جَفْرُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتَيْنِ أَقْذَعَ فِيهِمَا. (ذِكْرُ مَا فَتَنَتْ بَهْ قُرَيْشٌ الْمُؤْمِنِينَ وَعَذَّبَتْهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ قُرَيْشًا تَذَامَرُوا بَيْنَهُمْ عَلَى مَنْ فِي الْقَبَائِلِ مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِ

_ [1] الْوَبر: دويبة على شكل الْهِرَّة. يُشبههُ بهَا لصغره، وَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ أَنه يصغر فِي الْعين لعلو الْمَكَان وَبعده. [2] تجرجم: سقط وَانْحَدَرَ. [3] ذُو علق: جبل فِي ديار بنى أَسد. [4] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «صَخْر» . وعَلى الرِّوَايَة الأولى يكون حذف التَّنْوِين من «علق لالتقاء الساكنين، كَمَا قرئَ: قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ، الله الصَّمَدُ 112: 1- 2. بِحَذْف التَّنْوِين من «أحد» . وعَلى الرِّوَايَة الثَّانِيَة يكون ترك صرف «علق» على أَنه اسْم بقْعَة، وَإِمَّا لِأَنَّهُ اسْم علم، وَترك صرف الِاسْم الْعلم سَائِغ فِي الشّعْر، وَإِن لم يكن مؤنثا وَلَا أعجميا، نَحْو قَول عَبَّاس بن مرداس: وَمَا كَانَ حصن وَلَا حَابِس ... يَفُوقَانِ مرداس فِي الْمجمع [5] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وأغمز فلَان فِي فلَان: إِذا اسْتَضْعَفَهُ وعابه وَصغر شَأْنه. وَفِي أ: «أغمرا» . [6] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أكفهم» . [7] الصفر: الْخَالِي. [8] يرس: يذكر. يُقَال: رسست الحَدِيث، إِذا حدثت بِهِ فِي خَفَاء. [9] شفر: أحد.

(شعر أبى طالب في مدح قومه لحدبهم عليه) :

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مَعَهُ، فَوَثَبَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ عَلَى مَنْ فِيهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُعَذِّبُونَهُمْ، وَيَفْتِنُونَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَمَنَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ قَامَ أَبُو طَالِبٍ، حِينَ رَأَى قُرَيْشًا يَصْنَعُونَ مَا يَصْنَعُونَ فِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِيَّ الْمُطَّلِبِ، فَدَعَاهُمْ إلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، مِنْ مَنْعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْقِيَامِ دُونَهُ، فَاجْتَمَعُوا إلَيْهِ، وَقَامُوا مَعَهُ، وَأَجَابُوهُ إلَى مَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ أَبِي لَهَبٍ، عَدُوِّ اللَّهِ الْمَلْعُونِ. (شِعْرُ أَبِي طَالِبٍ فِي مَدْحِ قَوْمِهِ لِحَدَبِهِمْ عَلَيْهِ) : فَلَمَّا رَأَى أَبُو طَالِبٍ مِنْ قَوْمِهِ مَا سَرَّهُ فِي جَهْدِهِمْ مَعَهُ، وَحَدَبِهِمْ عَلَيْهِ، جَعَلَ يَمْدَحُهُمْ وَيَذْكُرُ قَدِيمَهُمْ، وَيَذْكُرُ فَضْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ، وَمَكَانَهُ مِنْهُمْ، لِيَشُدَّ لَهُمْ رَأْيَهُمْ، وَلِيَحْدَبُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرِهِ، فَقَالَ: إذَا اجْتَمَعَتْ يَوْمًا قُرَيْشٌ لِمَفْخَرٍ ... فَعَبْدُ مَنَافٍ سِرُّهَا وَصَمِيمُهَا [1] وَإِنْ حَصَلَتْ أَشْرَافُ عَبْدِ مَنَافِهَا [2] ... فَفِي هَاشِمٍ أَشْرَافُهَا وَقَدِيمُهَا وَإِنْ فَخَرَتْ يَوْمًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا ... هُوَ الْمُصْطَفَى مَنْ سِرِّهَا وَكَرِيمُهَا تَدَاعَتْ قُرَيْشٌ غَثَّهَا وَسَمِينُهَا ... عَلَيْنَا فَلَمْ تَظْفَرْ وَطَاشَتْ حُلُومُهَا [3] وَكُنَّا قَدِيمًا لَا نُقِرُّ ظُلَامَةً ... إذَا مَا ثَنَوْا صُعْرَ الْخُدُودِ نُقِيمُهَا [4] وَنَحْمِي حِمَاهَا كُلَّ يَوْمٍ كَرِيهَةً ... وَنَضْرِبُ عَنْ أَجْحَارِهَا مَنْ يَرُومُهَا [5] بِنَا انْتَعَشَ الْعُودُ الذَّوَاءُ وَإِنَّمَا ... بِأَكْنَافِنَا تَنْدَى وَتَنْمَى أُرُومُهَا [6]

_ [1] سرها، وَسطهَا. وصميمها: خالصها. [2] وَفِي رِوَايَة: «أَنْسَاب» . [3] الغث: فِي الأَصْل، اللَّحْم الضَّعِيف فاستعاره هُنَا لمن لَيْسَ نسبه هُنَالك. وطاشت: ذهبت. [4] ثنوا: عطفوا. وصعر الخدود: المائلة. يُقَال: صعر خَدّه، إِذا أماله إِلَى جِهَة، فعل المتكبر قَالَ الله تَعَالَى: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ 31: 18. [5] كَذَا فِي الْأُصُول. يُرِيد بهَا حصونها ومعاقلها. وَفِي رِوَايَة: «أحجارها» . والأحجار: جمع حجر، وَالْحجر (هُنَا) : مستعار، وَإِنَّمَا يُرِيد: عَن بيوتها ومساكنها. [6] الذواء: الّذي جَفتْ رطوبته. والأروم: جمع أرومة، وَهِي الأَصْل.

تحير الوليد بن المغيرة فيما يصف به القرآن

تَحَيُّرُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فِيمَا يَصِفُ بِهِ الْقُرْآنَ (اجْتِمَاعُهُ بِنَفَرِ مِنْ قُرَيْشٍ لِيَبِيتُوا ضِدَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاتِّفَاقُ قُرَيْشٍ أَنْ يَصِفُوا الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّاحِرِ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ) : ثُمَّ إنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ اجْتَمَعَ إلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانَ ذَا سِنٍّ فِيهِمْ، وَقَدْ حَضَرَ الْمَوْسِمَ فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنَّهُ قَدْ حَضَرَ هَذَا الْمَوْسِمُ، وَإِنَّ وُفُودَ الْعَرَبِ سَتَقْدَمُ عَلَيْكُمْ فِيهِ، وَقَدْ سَمِعُوا بِأَمْرِ صَاحِبِكُمْ هَذَا، فَأَجْمِعُوا فِيهِ رَأْيًا وَاحِدًا، وَلَا تَخْتَلِفُوا فَيُكَذِّبَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَيَرُدَّ قَوْلُكُمْ بَعْضُهُ بَعْضًا، قَالُوا: فَأَنْتَ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ، فَقُلْ وَأَقِمْ لَنَا رَأْيًا نَقُولُ [1] بِهِ، قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ فَقُولُوا أَسْمَعْ، قَالُوا: نَقُولُ كَاهِنٌ، قَالَ: لَا وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِكَاهِنِ، لَقَدْ رَأَيْنَا الْكُهَّانَ فَمَا هُوَ بِزَمْزَمَةِ [2] الْكَاهِنِ وَلَا سَجْعِهِ، قَالُوا: فَنَقُولُ: مَجْنُونٌ، قَالَ: مَا هُوَ بِمَجْنُونِ. لَقَدْ رَأَيْنَا الْجُنُونَ وَعَرَفْنَاهُ، فَمَا هُوَ بِخَنْقِهِ، وَلَا تَخَالُجِهِ، وَلَا وَسْوَسَتِهِ، قَالُوا: فَنَقُولُ: شَاعِرٌ، قَالَ: مَا هُوَ بِشَاعِرِ، لَقَدْ عَرَفْنَا الشِّعْرَ كُلَّهُ رَجَزَهُ وَهَزَجَهُ وَقَرِيضَهُ وَمَقْبُوضَهُ وَمَبْسُوطَهُ، فَمَا هُوَ بِالشِّعْرِ، قَالُوا: فَنَقُولُ: سَاحِرٌ، قَالَ: مَا هُوَ بِسَاحِرِ، لَقَدْ رَأَيْنَا السُّحَّارَ وَسِحْرَهُمْ، فَمَا هُوَ بِنَفْثِهِمْ وَلَا عَقْدِهِمْ [3] ، قَالُوا: فَمَا نَقُولُ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ؟ قَالَ: وَاَللَّهِ إنَّ لِقَوْلِهِ لَحَلَاوَةً، وَإِنَّ أَصْلَهُ لَعَذِقٌ [4] ، وَإِنَّ فَرْعَهُ لَجُنَاةٌ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ لَغَدِقٌ [5]- وَمَا أَنْتُمْ بِقَائِلِينَ مِنْ هَذَا شَيْئًا إلَّا عُرِفَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَإِنَّ أَقْرَبَ الْقَوْلِ فِيهِ لَأَنْ تَقُولُوا سَاحِرٌ، جَاءَ بِقَوْلٍ هُوَ سِحْرٌ يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَأَبِيهِ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَأَخِيهِ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «نقل» . [2] الزمزمة: الْكَلَام الخلفى الّذي لَا يسمع. [3] إِشَارَة إِلَى مَا كَانَ يفعل السَّاحر بِأَن يعْقد خيطا ثمَّ ينفث فِيهِ، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: وَمن شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ 113: 4. يعْنى الساحرات. [4] العذق (بِالْفَتْح) : النَّخْلَة. يُشبههُ بالنخلة الَّتِي ثَبت أَصْلهَا وقوى وطاب فرعها إِذا جنى. [5] الغدق: المَاء الْكثير. وَمِنْه يُقَال: غيدق الرجل: إِذا كثر بصاقه. وَكَانَ أحد أجداد النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسمى الغيدق، لِكَثْرَة عطائه.

(ما أنزل الله في النفر الذين كانوا مع المغيرة) :

وَزَوْجَتِهِ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَعَشِيرَتِهِ. فَتُفَرِّقُوا عَنْهُ بِذَلِكَ، فَجَعَلُوا يَجْلِسُونَ بِسُبُلِ النَّاسِ حِينَ قَدِمُوا الْمَوْسِمَ، لَا يَمُرُّ بِهِمْ أَحَدٌ إلَّا حَذَّرُوهُ إيَّاهُ، وَذَكَرُوا لَهُمْ أَمْرَهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَفِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: ذَرْنِي وَمن خَلَقْتُ وَحِيداً، وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُوداً، وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً 74: 11- 16: أَيْ خَصِيمًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَنِيدٌ: مُعَانِدٌ مُخَالِفٌ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ: وَنَحْنُ ضَرَّابُونَ رَأْسَ [1] الْعُنَّدِ [2] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً، إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ، فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ نَظَرَ، ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ 74: 17- 22. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَسَرَ: كَرَّهَ وَجْهَهُ. قَالَ الْعَجَّاجُ: مُضَبَّرُ اللَّحْيَيْنِ بَسْرًا مِنْهَسَا [3] يَصِفُ كَرَاهِيَةَ وَجْهِهِ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ: ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ، إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ 74: 23- 25. (مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي النَّفَرِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ الْمُغِيرَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى [4] : فِي النَّفَرِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ يُصَنِّفُونَ الْقَوْلَ

_ [1] فِي أ: «هام» . [2] فِي استشهاد ابْن هِشَام بِبَيْت رؤبة عقب تَفْسِيره لكلمة «العنيد» مَا يشْعر بِأَن «عِنْد» : جمع «لعنيد» . والّذي فِي اللِّسَان والراغب أَن عِنْد: جمع لعاند، وَهِي مماتة. [3] المضبر: الشَّديد الْخلق. واللحيان: العظمان اللَّذَان فِي الْوَجْه، والمنهس: الّذي يَأْخُذ اللَّحْم بِمقدم أَسْنَانه، وَقد روى هَذَا الْبَيْت فِي اللِّسَان (مادتي ضبر ونهس) هَكَذَا: مضبر اللحيين نسرا منهسا وَنسبه ابْن مَنْظُور فِي مَادَّة (نهس) للعجاج، قَالَ: « ... وَفِي الحَدِيث: أَنه أَخذ عظما فنهس مَا عَلَيْهِ من اللَّحْم» أَي أَخذه بِفِيهِ، ونسر منهس. قَالَ العجاج ثمَّ سَاق الْبَيْت. [4] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أنزل الله تَعَالَى فِي رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيمَا جَاءَ بِهِ من الله تَعَالَى و ... إِلَخ» .

(تفرق النفر في قريش يشوهون رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم) :

فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى: كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ. الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ. فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ 15: 90- 93. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاحِدَةُ الْعِضِينَ: عِضَةٌ، يَقُولُ: عَضَّوْهُ: فَرَّقُوهُ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ: وَلَيْسَ دِينُ اللَّهِ بِالْمُعَضَّى وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. (تَفَرُّقُ النَّفَرِ فِي قُرَيْشٍ يُشَوِّهُونَ رِسَالَةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَعَلَ أُولَئِكَ النَّفَرُ يَقُولُونَ ذَلِكَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ لَقُوا مِنْ النَّاسِ، وَصَدَرَتْ الْعَرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْسِمِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْتَشَرَ ذِكْرُهُ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ كُلِّهَا. (شِعْرُ أَبِي طَالِبٍ فِي اسْتِعْطَافِ قُرَيْشٍ) : فَلَمَّا خَشِيَ أَبُو طَالِبٍ دَهْمَاءَ الْعَرَبِ أَنْ يَرْكَبُوهُ مَعَ قَوْمِهِ، قَالَ قَصِيدَتَهُ الَّتِي تَعَوَّذَ فِيهَا بِحَرَمِ مَكَّةَ وَبِمَكَانِهِ مِنْهَا، وَتَوَدَّدَ فِيهَا أَشْرَافُ قَوْمِهِ، وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ يُخْبِرُهُمْ وَغَيْرَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ شِعْرِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْلِمٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا تَارِكُهُ لِشَيْءِ أَبَدًا حَتَّى يَهْلِكَ دُونَهُ، فَقَالَ: وَلَمَّا رَأَيْتُ الْقَوْمَ لَا وُدَّ فِيهِمْ ... وَقَدْ قَطَعُوا كُلَّ الْعُرَى وَالْوَسَائِلِ وَقَدْ صَارَحُونَا بِالْعَدَاوَةِ وَالْأَذَى ... وَقَدْ طَاوَعُوا أَمْرَ الْعَدُوِّ الْمُزَايِلِ وَقَدْ حَالَفُوا قَوْمًا عَلَيْنَا أَظِنَّةً ... يَعَضُّونَ غَيْظًا خَلْفَنَا بِالْأَنَامِلِ صَبَرْتُ لَهُمْ نَفْسِي بِسَمْرَاءَ سَمْحَةٍ ... وَأَبْيَضَ عَضْبٍ مِنْ تُرَاثِ الْمَقَاوِلِ [1]

_ [1] المقاول: الْمُلُوك، يُرِيد بهم آباءه، وَلم يَكُونُوا ملوكا وَلَا كَانَ فيهم من ملك، بِدَلِيل حَدِيث أَبى سُفْيَان حِين قَالَ لَهُ هِرقل: هَل كَانَ فِي آبَائِهِ من ملك؟ فَقَالَ: لَا، وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا السَّيْف الّذي ذكره أَبُو طَالب من هبات الْمُلُوك لِأَبِيهِ، فقد وهب ابْن ذِي يزن لعبد الْمطلب هبات جزيلة حِين وَفد عَلَيْهِ مَعَ قُرَيْش يهنئونه بظفره بِالْحَبَشَةِ، وَذَلِكَ بعد مولد رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعامين.

وَأَحْضَرْتُ عِنْدَ الْبَيْتِ رَهْطِي وَإِخْوَتِي ... وَأَمْسَكْتُ مِنْ أَثْوَابهِ بِالْوَصَائِلِ [1] قِيَامًا مَعًا مُسْتَقْبِلِينَ رِتَاجَهُ ... لُدًى حَيْثُ يَقْضِي حَلْفَهُ كُلُّ نَافِلِ [2] وَحَيْثُ يُنِيخُ الْأَشْعَرُونَ رِكَابَهُمْ ... بِمُفْضَى السُّيُولِ مِنْ إسَافٍ وَنَائِلِ مُوَسَّمَةُ الْأَعْضَادِ أَوْ قَصَرَاتُهَا ... مُخَيَّسَةٌ بَيْنَ السَّدِيسِ وَبَازِلِ [3] تَرَى الْوَدْعَ فِيهَا وَالرُّخَامَ وَزِينَةً ... بِأَعْنَاقِهَا مَعْقُودَةٌ كَالْعَثَاكِلِ [4] أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مِنْ كُلِّ طَاعِنٍ ... عَلَيْنَا بِسُوءٍ أَوْ مُلِحٍّ بِبَاطِلِ وَمِنْ كَاشِحٍ يَسْعَى لَنَا بِمَعِيبَةٍ ... وَمِنْ مُلْحِقٍ فِي الدِّينِ مَا لَمْ نُحَاوِلْ وَثَوْرٍ وَمَنْ أَرْسَى ثَبِيرًا مَكَانَهُ ... وَرَاقٍ لِيَرْقَى فِي حِرَاءٍ وَنَازِلِ [5] وَبِالْبَيْتِ، حَقُّ الْبَيْتِ، مِنْ بَطْنِ مَكَّةَ ... وباللَّه إنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِغَافِلِ وَبِالْحَجَرِ الْمُسْوَدِّ إذْ يَمْسَحُونَهُ ... إذَا اكْتَنَفُوهُ بِالضُّحَى وَالْأَصَائِلِ [6] وَمَوْطِئِ [7] إبْرَاهِيمَ فِي الصَّخْرِ رَطْبَةٌ ... عَلَى قَدَمَيْهِ حَافِيًا غَيْرَ نَاعِلِ

_ [1] الوصائل: ثِيَاب حمر فِيهَا خطوط، كَانَ يكسى بهَا الْبَيْت. [2] كل نافل: أَي كل متبرئ، يُقَال: انتفل من كَذَا، إِذا تَبرأ مِنْهُ، فَاسْتعْمل اسْم الْفَاعِل من الثلاثي غير الْمَزِيد. قَالَ الْأَعْشَى: لَا تلفنا من دِمَاء الْقَوْم ننتفل [3] موسمة: معلمة، وَيُقَال لذَلِك الوسم الّذي فِي الأعضاد: السطاع والرقمة أَيْضا، وللذي فِي الْفَخْذ: الْخياط، وللذي فِي الكشح: الكشاح، وَلما فِي قصرة الْعُنُق: العلاط. والقصرات: جمع قصرة، وَهِي أصل الْعُنُق، وخفضها بالْعَطْف على الأعضاد. والمخيسة: المذللة. والسديس من الْإِبِل: الّذي دخل فِي السّنة الثَّامِنَة. والبازل: الّذي خرج نابه، وَذَلِكَ فِي السّنة التَّاسِعَة. [4] الودع (بِالسُّكُونِ وَالْفَتْح) : خَرَزَات تنظم ويتحلى بهَا النِّسَاء وَالصبيان. قَالَ الشَّاعِر: إِن الروَاة بِلَا فهم لما حفظوا ... مثل الْجمال عَلَيْهَا يحمل الودع لَا الودع يَنْفَعهُ حمل الْجمال لَهُ ... وَلَا الْجمال بِحمْل الودع تنْتَفع والرخام: أَي مَا قطع من الرخام. والعثاكل الأغصان الَّتِي ينْبت عَلَيْهَا الثَّمر وَاحِدهَا عثكول وَجَمعهَا. عثاكيل، وحذفت الْيَاء للضَّرُورَة. [5] ثَوْر وثبير وحراء. جبال بِمَكَّة، وَيُقَال إِن ثبيرا سمى كَذَلِك باسم رجل من هُذَيْل مَاتَ فِيهِ فَعرف بِهِ. [6] اكتنفوه: أحاطوا بِهِ. [7] يعْنى مَوضِع قَدَمَيْهِ، وَذَلِكَ فِيمَا يُقَال: حِين غسلت كنته رَأسه وَهُوَ رَاكب، فاعتمد بقدمه على الصَّخْرَة حَتَّى أمال رَأسه ليغسل، وَكَانَت سارة قد أخذت عَلَيْهِ عهدا حِين استأذنها فِي أَن يطالع تركته بِمَكَّة، فَحلف لَهَا أَنه لَا ينزل عَن دَابَّته، وَلَا يزِيد على السَّلَام واستطلاع الْحَال، غيرَة من سارة عَلَيْهِ من هَاجر، فحين اعْتمد على الصَّخْرَة أبقى الله فِيهَا أثر قدمه آيَة. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . 18- سيرة ابْن هِشَام- 1

وَأَشْوَاطٌ بَيْنَ الْمَرْوَتَيْنِ إلَى الصّفَا ... وَمَا فِيهِمَا مِنْ صُورَةٍ وَتَمَاثُلِ [1] وَمنْ حَجَّ بَيْتِ اللهِ مِنْ كُلِّ رَاكِبٍ ... وَمِنْ كُلِّ ذِي نَذْرٍ وَمِنْ كُلِّ رَاجِلِ وَبِالْمُشْعِرِ [2] الْأَقْصَى إذَا عَمَدُوا لَهُ ... إلَالٌ إلَى مُفْضَى الشِّرَاجِ الْقَوَابِلِ [3] وَتَوْقَافِهِمْ فَوْقَ الْجِبَالِ عَشِيَّةً ... يُقِيمُونَ بِالْأَيْدِي صُدُورَ الرَّوَاحِلِ وَلَيْلَةِ جَمْعٍ [4] وَالْمَنَازِلِ مِنْ مِنًى ... وَهَلْ فَوْقَهَا مِنْ حُرْمَةٍ ومنازل وَجمع إِذْ مَا الْمُقْرَبَاتِ أَجَزْنَهُ ... سِرَاعًا كَمَا يَخْرُجْنَ مِنْ وَقْعِ وَابِلِ [5] وَبِالْجَمْرَةِ الْكُبْرَى إذَا صَمَدُوا لَهَا ... يَؤُمُّونَ قَذْفًا رَأْسَهَا بِالْجَنَادِلِ وَكِنْدَةُ إذَا هُمْ بِالْحِصَابِ عَشِيَّةً ... تُجِيزُ بِهِمْ حُجَّاجُ بَكْرِ بْنِ وَائِلِ [6] حَلِيفَانِ شَدَّا عَقْدَ مَا احْتَلَفَا لَهُ ... وَرَدَّا عَلَيْهِ عَاطِفَاتِ الْوَسَائِلِ وَحَطْمِهِمْ [7] سُمْرَ [8] الصَّفَاحِ [9] وَسَرْحُهُ [10] ................

_ [1] الشوط: الجرى إِلَى الْغَايَة مرّة وَاحِدَة، وَأَرَادَ بالأشواط السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة. والمروتين: يُرِيد الصَّفَا والمروة، فغلب. والتماثيل: الصُّور، وَأَصلهَا تماثيل، وواحدها تِمْثَال، وَأسْقط الْيَاء ضَرُورَة. [2] الْمشعر الْأَقْصَى: عَرَفَة. [3] إلال (كسحاب وَكتاب) : جبل بِعَرَفَات، أَو جبل رمل عَن يَمِين الإِمَام بِعَرَفَة. قَالَ النَّابِغَة: يزرن إلالا سيرهن التدافع وسمى كَذَلِك لِأَن الحجيج إِذا رَأَوْهُ ألوا فِي السّير: أَي اجتهدوا فِيهِ ليدركوا الْموقف. قَالَ الراجز: مهر أَبى الحبحاب لَا تشلى ... بَارك فِيك الله من ذِي أل أَي من فرس ذِي سرعَة. والشراج: جمع شرج، وَهُوَ مسيل المَاء. والقوابل: المتقابلة. [4] جمع: الْمزْدَلِفَة، معرفَة، وَسميت الْمزْدَلِفَة بذلك لِاجْتِمَاع النَّاس بهَا. [5] المقربات: الْخَيل الَّتِي تقرب مرابطها من الْبيُوت لكرمها، والوابل: الْمَطَر الشَّديد. [6] الحصاب: مَوضِع رمى الْجمار، مَأْخُوذ من الْحَصْبَاء، وَهُوَ مصدر نقل إِلَى مَكَان. [7] الحطم: الْكسر. [8] قَالَ أَبُو ذَر. والسمر: «من شجر الطلح، وَسكن الْمِيم تَخْفِيفًا، كَمَا قَالُوا فِي عضد: عضد (بالإسكان) . وَمن ضم السِّين فَإِنَّهُ نقل حَرَكَة الْمِيم إِلَيْهَا، ثمَّ أسكن الْمِيم. وَقَالَ السهيليّ: «يجوز أَن يكون أَرَادَ بِهِ السمر، يُقَال فِيهِ سمر وَسمر (بِسُكُون الْمِيم) ، وَيجوز نقل ضمة الْمِيم إِلَى مَا قبلهَا إِلَى السِّين، كَمَا قَالُوا فِي حسن: حسن، وَكَذَا وَقع فِي الأَصْل بِضَم السِّين، غير أَن هَذَا النَّقْل إِنَّمَا يَقع غَالِبا فِيمَا يُرَاد بِهِ الْمَدْح أَو الذَّم نَحْو حسن وقبح، كَمَا قَالَ: وَحسن ذَا أدبا، أَي حسن ذَا أدبا. وَجَائِز أَن يُرَاد بالسمر هَاهُنَا: جمع أسمر وسمراء، وَيكون وَصفا للنبات وَالشَّجر، كَمَا يُوصف بالدهمة إِذا كَانَ مخضرا. وَفِي التَّنْزِيل: مُدْهامَّتانِ 55: 64. أَي خضراوان إِلَى السوَاد. [9] كَذَا فِي أوالصفاح: جمع صفح، وَهُوَ عرض الْجَبَل، وَيُقَال هُوَ أَسْفَله حَيْثُ يسيل مَاؤُهُ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الرماح» . [10] السَّرْح: شجر عِظَام، وَقيل: كل شجر لَا شوك لَهُ.

.............. وَشَبْرِقَهٌ ... [1] وَخْدَ النَّعَامِ الْجَوَافِلِ [2] فَهَلْ بَعْدَ هَذَا مِنْ مُعَاذٍ لِعَائِذٍ ... وَهَلْ مِنْ مُعِيذٍ يَتَّقِي اللَّهَ عَاذِلِ يُطَاعُ بِنَا الْعُدَّى وَوَدُّوا لَوْ انَّنَا [3] ... تُسَدُّ بِنَّا أَبْوَابُ تُرْكٍ وَكَابُلِ [4] كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ نَتْرُكُ مَكَّةَ ... وَنَظْعَنُ إلَّا أَمْرُكُمْ فِي بَلَابِلِ [5] كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ نُبْزَى مُحَمَّدًا ... وَلَمَّا نُطَاعِنُ دُونَهُ وَنُنَاضِلْ [6] وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ ... وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ [7] وَيَنْهَضُ قَوْمٌ فِي الْحَدِيدِ [8] إلِيْكُمُ ... نُهُوضَ الرَّوَايَا تَحْتَ ذَاتِ الصَّلَاصِلِ [9] وَحَتَّى تَرَى ذَا الضِّغْنِ يَرْكَبُ رَدْعَهُ ... مِنْ الطَّعْنِ فِعْلَ الْأَنْكَبِ الْمُتَحَامِلِ [10] وَإِنَّا لَعَمْرُ اللَّهِ إنْ جَدَّ مَا أَرَى ... لَتَلْتَبِسَنَّ أَسْيَافُنَا بِالْأَمَاثِلِ بِكَفَّيْ فَتًى مِثْلَ الشِّهَابِ سَمَيْدَعِ ... أَخِي ثِقَةٍ حَامِي الْحَقِيقَةِ بَاسِلِ [11]

_ [1] الشبرق: نَبَات يُقَال ليابسه الْحلِيّ، ولرطبه الشبرق. [2] الوخد: السّير السَّرِيع. والجوافل: الذاهبة المسرعة. [3] كَذَا ورد هَذَا الشّطْر فِي أ. والعدي: جمع عَاد، من عدا عَلَيْهِ يعدو. كَمَا قَالُوا: غاز وغزي، وعاف وَعفى. وَفِي سَائِر الْأُصُول: يطاع بِنَا أَمر الْعَدَاوَة أننا [4] ترك وكابل: جيلان من النَّاس. (رَاجع شرح السِّيرَة لأبى ذَر) . [5] كَذَا فِي الْأُصُول. والبلابل: وساوس الهموم، وَاحِدهَا بلبال. ويروى: فِي «تلاتل» . أَي فِي حَرَكَة واضطراب. [6] نبزى مُحَمَّدًا: أَي نسلبه ونغلب عَلَيْهِ. وَرِوَايَة اللِّسَان وَالنِّهَايَة: يبزى مُحَمَّد أَي يقهر ويغلب، أَرَادَ «لَا يبزى» فَحذف «لَا» من جَوَاب الْقسم وَهِي مُرَادة. ونناضل: نرامى بِالسِّهَامِ. [7] الحلائل: الزَّوْجَات، واحدتها: حَلِيلَة. [8] فِي أ: «فِي الْحَدِيد» . [9] الروايا: الْإِبِل الَّتِي تحمل المَاء والأسقية، واحدتها: راوية. وأصل هَذَا الْجمع: رواوى، ثمَّ يصير فِي الْقيَاس روائى، مثل حوائل جمع حَائِل. وَلَكنهُمْ قلبوا الكسرة فَتْحة بعد مَا قدمُوا الْيَاء قبلهَا، وَصَارَ وَزنه فوالع. وَإِنَّمَا قلبوه كَرَاهِيَة اجْتِمَاع واوين: وَاو فواعل وَالْوَاو الَّتِي هِيَ عين الْفِعْل. وَوجه آخر: وَهُوَ أَن الْوَاو الثَّانِيَة قياسها أَن تنْقَلب همزَة فِي الْجمع لوُقُوع الْألف بَين واوين، فَلَمَّا انقلبت همزَة قلبوها يَاء كَمَا فعلوا فِي خَطَايَا وبابه، مِمَّا الْهمزَة فِيهِ مُعْتَرضَة فِي الْجمع. والصلاصل: المزادات لَهَا صلصلة بِالْمَاءِ. [10] الضغن: الْعَدَاوَة. وَركب ردعه: إِذا خر صَرِيعًا لوجهه. والأنكب: المائل إِلَى جِهَة، والّذي مَشى على شقّ. [11] السميدع: السَّيِّد. والباسل: الشجاع.

شُهُورًا وَأَيَّامًا وَحَوْلًا مُجَرَّمًا [1] ... عَلَيْنَا وَتَأْتِي حَجَّةٌ بَعْدَ قَابِلِ وَمَا تَرْكُ قَوْمٍ، لَا أَبَا لَكَ، سَيِّدًا ... يَحُوطُ الذِّمَارَ غَيْرَ ذَرْبٍ مُوَاكِلِ [2] وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ [3] يَلُوذُ بِهِ الْهُلَّافُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... فَهُمْ عِنْدَهُ فِي رَحْمَة وفواضل لَعَمْرِي لَقَدْ أَجْرَى أُسَيْدٌ وَبِكْرُهُ ... إلَى بُغْضِنَا وَجَزَّآنَا لِآكُلْ [4] وَعُثْمَانُ لَمْ يَرْبَعْ عَلَيْنَا وَقُنْفُذٌ [5] ... وَلَكِنْ أَطَاعَا أَمْرَ تِلْكَ الْقَبَائِلِ أَطَاعَا أُبَيًّا وَابْنَ عَبْدِ يُغِوثْهُمْ ... وَلَمْ يَرْقُبَا فِينَا مَقَالَةَ قَائِلِ كَمَا قَدْ لَقِينَا مِنْ سُبَيْعٍ وَنَوْفَلٍ ... وَكُلٌّ تَوَلَّى مُعْرِضًا لَمْ يُجَامِلْ فَإِنْ يُلْقِيَا [6] أَوْ يُمْكِنْ اللَّهُ مِنْهُمَا ... نَكِلْ لَهُمَا صَاعًا بِصَاعِ الْمُكَايِلِ وَذَاكَ أَبُو عَمْرٍو أَبَى غَيْرَ بُغْضِنَا ... لِيَظْعَنَنَا فِي أَهْلِ شَاءٍ وَجَامِلِ [7] يُنَاجِي بِنَا فِي كُلِّ مُمْسًى وَمُصْبَحٍ ... فَنَاجِ أَبَا عَمْرٍو بِنَا ثُمَّ خَاتِلِ [8] وَيُؤْلَى [9] لَنَا باللَّه مَا إنْ يَغُشُّنَا ... بَلَى قَدْ نَرَاهُ جَهْرَةً غَيْرَ حَائِلِ أَضَاقَ عَلَيْهِ بُغْضُنَا كُلَّ تَلْعَةٍ ... مِنْ الْأَرْضِ بَيْنَ أَخْشُبٍ فَمُجَادِلِ [10]

_ [1] حولا مجرما: حولا كَامِلا، يُقَال: تجرم الْعَام، والشتاء، والصيف: تصرم. وجرمناه قطعناه، وأتممناه، وعام مجرم، وَفِي الْأُصُول: «محرما» بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَهُوَ تَصْحِيف. [2] الذمار: مَا يلزمك حمايته. والذرب (مخففا) : الْفَاحِش الْمنطق. والمواكل: الّذي لَا جد عِنْده، فَهُوَ يكل أُمُوره إِلَى غَيره. [3] ثمال الْيَتَامَى: الّذي يثملهم وَيقوم بهم، يُقَال: هُوَ ثمال مَال: أَي يقوم بِهِ. [4] سيعرض ابْن إِسْحَاق للْكَلَام على الْأَعْلَام الَّتِي وَردت فِي هَذِه القصيدة بعد الْفَرَاغ مِنْهَا. [5] لم يربع: لم يقم وَلم يعْطف. [6] كَذَا فِي أ. وَيُرِيد بالإلقاء: التَّسْلِيم والخضوع. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «يلفيا» بِالْفَاءِ. [7] كَذَا فِي أ. وَالشَّاء: اسْم للْجمع. والجامل: اسْم لجَماعَة الْجمال، وَمثله الباقر، اسْم لجَماعَة الْبَقر. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ليطغنا ... إِلَخ» . [8] الختل: الخداع وَالْمَكْر. [9] يُولى: يقسم وَيحلف. [10] التلعة: المشرف من الأَرْض. وأخشب (بِضَم) الشين. جمع الأخشبين، وَهِي جبلان بِمَكَّة، جمعهَا مَعَ اتَّصل بهما على غير قِيَاس، إِذْ الْقيَاس: أخاشب، ويروى، بِفَتْح الشين على الْإِفْرَاد، وَيُرَاد بِهِ التَّثْنِيَة لشهرة الأخشبين. والمجادل: الْقُصُور والحصون فِي رُءُوس الْجبَال. كَأَنَّهُ يُرِيد مَا بَين جبال مَكَّة فقصور الشَّام وَالْعراق.

وَسَائِلْ أَبَا الْوَلِيدِ مَاذَا حَبَوْتَنَا ... بِسَعْيِكَ فِينَا مُعْرِضًا كَالْمُخَاتِلِ وَكُنْتَ امْرَأً مِمَّنْ يُعَاشُ بِرَأْيِهِ ... وَرَحْمَتُهُ فِينَا وَلَسْتَ بِجَاهِلِ فَعُتْبَةُ لَا تَسْمَعْ بِنَا قَوْلَ كَاشِحٍ [1] ... حَسُودٍ كَذُوبٍ مُبْغِضٍ ذِي دَغَاوِلِ [2] وَمَرَّ أَبُو سُفْيَانَ عَنِّي مُعْرِضًا ... كَمَا مَرَّ قَيْلٌ [3] مِنْ عِظَامِ الْمَقَاوِلِ يَفِرُّ إلَى نَجْدٍ وَبَرْدِ مِيَاهِهِ ... وَيَزْعُمُ أَنِّي لَسْتُ عَنْكُمْ بِغَافِلِ وَيُخْبِرُنَا فِعْلَ الْمُنَاصِحِ أَنَّهُ ... شَفِيقٌ وَيُخْفِي عَارِمَاتِ [4] الدَّوَاخِلِ [5] أَمُطْعِمُ لَمْ أَخْذُلْكَ فِي يَوْمٍ نَجْدَةٍ ... وَلَا مُعْظِمٍ عِنْدَ الْأُمُورِ الْجَلَائِلِ وَلَا يَوْمَ خَصْمٍ [6] إذَا أَتَوْكَ أَلِدَّةً [7] ... أُولِي جَدَلٍ مِنْ الْخُصُومِ الْمَسَاجِلِ [8] أَمُطْعِمُ إنَّ الْقَوْمَ سَامُوكَ خُطَّةً ... وَإِنِّي مَتَى أُوكَلْ فَلَسْتُ بِوَائِلِ [9] جَزَى اللَّهُ عَنَّا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا ... عُقُوبَةَ شَرٍّ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلِ بِمِيزَانِ قِسْطٍ لَا يُخِسُّ [10] شَعِيرَةً ... لَهُ شَاهِدٌ مِنْ نَفْسِهِ غَيْرَ عَائِلٍ [11]

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «كاسح» بِالسِّين، وَهُوَ تَصْحِيف. [2] الدغاول: الْأُمُور الْفَاسِدَة، وَقيل: الدغاول: الغوائل. [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قبل» بِالْمُوَحَّدَةِ، وَهُوَ تَصْحِيف. [4] كَذَا فِي الْأُصُول. والعارمات: الشديدات. ويروى: «عازمات» بالزاي. أَي الَّتِي عزم على إنقاذها. [5] كَذَا فِي الْأُصُول. والدواخل: النمائم والإفساد بِهن بَين النَّاس. ويروى: «الذواحل» . والذواحل العداوات، مَأْخُوذ من الذحل. وَهُوَ الثأر. [6] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «خسم» وَهُوَ تَحْرِيف. [7] فِي أ: «أشدة» . [8] كَذَا فِي الْأُصُول. والمساجل: الَّذين يعارضونه فِي الْخُصُومَة ويغالبونه، وَأَصله من المساجلة، وَهُوَ أَن يأتى الرجل بِمثل مَا أَتَى بِهِ صَاحبه. ويروى: «بالمساحل» بِالْحَاء الْمُهْملَة. والمساحل: الخطباء البلغاء، واحدهم: مسحل. [9] ساموك خطة: كلفوك. وَلست بوائل: لست بناج. يُقَال: مَا وأل من كَذَا: أَي مَا نجا. وَفِي الْخَبَر: فَلَا وألت نفس الجبان: أَي لَا نجت. [10] كَذَا فِي أ. وأخس: أنقص. وَفِي سَائِر الْأُصُول: لَا يخيس، وَهُوَ من قَوْلهم: خاس بالعهد، إِذا نقضه وأفسده ويروى: «يحص» بالصَّاد. من حص الشّعْر: إِذا أذهبه. [11] العائل: الحائر.

لَقَدْ سَفُهَتْ أَحْلَامُ قَوْمٍ تَبَدَّلُوا ... بَنِي خَلَفٍ قَيْضًا بِنَا وَالْغَيَاطِلِ [1] وَنَحْنُ الصَّمِيمُ مِنْ ذُؤَابَةِ هَاشِمٍ ... وَآلِ قُصَيٍّ فِي الْخُطُوبِ الْأَوَائِلِ وَسَهْمٌ وَمَخْزُومٌ تَمَالَوْا وَأَلَّبُوا ... عَلَيْنَا الْعِدَا مِنْ كُلِّ طِمْلٍ وَخَامِلٍ [2] فَعَبْدُ مَنَافٍ أَنْتُمْ خَيْرُ قَوْمِكُمْ ... فَلَا تُشْرِكُوا فِي أَمْرِكُمْ كُلَّ وَاغِلِ [3] لَعَمْرِي لَقَدْ وَهَنْتُمْ وَعَجَزْتُمْ ... وَجِئْتُمْ بِأَمْرٍ مُخْطِئٍ لِلْمَفَاصِلِ [4] وَكُنْتُمْ حَدِيثًا حَطْبَ قِدْرٍ وَأَنْتُمْ ... الْآنَ حِطَابُ أَقْدُرٍ وَمَرَاجِلِ [5] لِيَهْنِئْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ عُقُوقُنَا ... وَخِذْلَانُنَا وَتَرْكُنَا فِي الْمَعَاقِلِ فَإِنْ نَكُ قَوْمًا نَتَّئِرْ مَا صَنَعْتُمْ [6] ... وَتَحْتَلِبُوهَا لِقْحَةً غَيْرَ بَاهِلِ [7] وَسَائِطُ كَانَتْ فِي لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ ... نَفَاهُمْ إلَيْنَا كُلُّ صَقْرٍ حُلَاحِلِ [8] وَرَهْطُ نُفَيْلٍ شَرُّ مَنْ وَطِئَ الْحَصَى ... وَأَلْأَمُ حَافٍ مِنْ مَعَدِّ وَنَاعِلِ فَأَبْلِغْ قُصَيًّا أَنْ سَيُنْشَرُ أَمْرُنَا ... وَبَشِّرْ قُصَيًّا بَعْدَنَا بِالتَّخَاذُلِ وَلَوْ طَرَقَتْ لَيْلًا قُصَيًّا عَظِيمَةٌ ... إِذا مَا لَجَأْنَا دُونَهُمْ فِي الْمَدَاخِلِ وَلَوْ صَدَقُوا ضَرْبًا خِلَالَ بُيُوتِهِمْ ... لَكُنَّا أُسًى عِنْدَ النِّسَاءِ الْمَطَافِلِ [9] فَكُلُّ صَدِيقٍ وَابْنِ أُخْتٍ نَعُدُّهُ ... لَعَمْرِي وَجَدْنَا غِبَّهُ غَيْرَ طَائِلِ

_ [1] قيضا: عوضا. والغياطل: بَنو سهم، قيل سموا كَذَلِك لِأَن رجلا مِنْهُم قتل جانا طَاف بِالْبَيْتِ سبعا، ثمَّ خرج من الْمَسْجِد فَقتله، فأظلمت مَكَّة حَتَّى فزعوا من شدَّة الظلمَة الَّتِي أَصَابَتْهُم. والغيطلة: الظلمَة الشَّدِيدَة. [2] ألبوا: اجْتَمعُوا. والطمل: الرجل الْفَاحِش، وَالْفَقِير أَيْضا. [3] الواغل: الدَّاخِل على الْقَوْم وهم يشربون وَلم يدع. [4] مُخطئ للمفاصل: أَي بعيد عَن الجادة وَالصَّوَاب. [5] حطب: اسْم للْجمع، مثل ركب، وَلَيْسَ بِجمع، لِأَنَّك تَقول فِي تصغيره: حطيب. وحطاب: جمع حَاطِب. والمراجل: الْقُدُور، وَاحِدهَا: مرجل. وَقيل: هن الْقُدُور من النّحاس خَاصَّة، وَمعنى الْبَيْت: كُنْتُم متفقين لَا تحتطبون إِلَّا لقدر وَاحِدَة، فَأنْتم الْآن بِخِلَاف ذَلِك. [6] كَذَلِك فِي الْأُصُول. ونتئر: نَأْخُذ بثأرنا مِنْكُم. ويروى: «نبتئر» أَي ندخره حَتَّى ننتصف مِنْكُم، يُقَال: ابتأرت الشَّيْء: إِذا خبأته وادخرته. [7] اللقحة: النَّاقة ذَات اللَّبن. والباهل: النَّاقة الَّتِي لَا صرار على أخلافها، فَهِيَ مُبَاحَة الْحَلب. [8] الحلاحل: السَّيِّد فِي عشيرته، الشجاع الركين فِي مَجْلِسه، وَهَذَا الْبَيْت والّذي بعده ساقطان من. [9] الأسى: جمع أُسْوَة، أَي لاقتدى بَعْضنَا بِبَعْض فِي الدّفع عَنْهُم. والمطافل: ذَوَات الْأَطْفَال.

سِوَى أَنَّ رَهْطًا مِنْ كِلَابِ بْنِ مُرَّةٍ ... بَرَاءٌ [1] إلَيْنَا مِنْ مَعَقَّةِ خَاذِلِ وَهَنَّا لَهُمْ حَتَّى تَبَدَّدَ جَمْعُهُمْ ... وَيَحْسُرَ عَنَّا كُلَّ بَاغٍ وَجَاهِلِ [2] وَكَانَ لَنَا حَوْضُ السِّقَايَةِ فِيهِمْ ... وَنَحْنُ الْكُدَى مِنْ غَالِبٍ وَالْكَوَاهِلِ [3] شَبَابٌ مِنْ الْمُطَيِّبِينَ وَهَاشِمٍ ... كَبِيضِ السُّيُوفِ بَيْنَ أَيْدِي الصَّيَاقِلِ فَمَا أَدْرَكُوا ذَحْلًا وَلَا سَفَكُوا دَمًا ... وَلَا حَالَفُوا إلَّا شِرَارَ الْقَبَائِلِ بِضَرْبٍ تَرَى الْفِتْيَانَ فِيهِ كَأَنَّهُمْ ... ضَوَارِي أُسُودٍ فَوْقَ لَحْمٍ خَرَادِلِ [4] بَنِي أَمَةٍ مَحْبُوبَةٍ هِنْدِكِيَّةٍ [5] ... بَنِي جُمَحٍ عُبَيْدِ قَيْسِ بْنِ عَاقِلِ وَلَكِنَّنَا نَسْلٌ كِرَامٌ لِسَادَةٍ ... بِهِمْ نُعِيَ الْأَقْوَامُ عِنْدَ الْبَوَاطِلِ وَنِعْمَ ابْنِ أُخْتِ الْقَوْمِ غَيْرَ مُكَذَّبٍ ... زُهَيْرٌ حُسَامًا مُفْرَدًا مِنْ حَمَائِلِ أَشَمُّ مِنْ الشُّمِّ الْبَهَالِيلِ يَنْتَمِي ... إلَى حَسَبٍ فِي حَوْمَةِ الْمَجْدِ فَاضِلِ لَعَمْرِي لَقَدْ كُلِّفْتُ وَجْدًا بِأَحْمَدَ ... وَإِخْوَتِهِ دَأْبَ الْمُحِبِّ الْمُوَاصِلِ فَلَا [6] زَالَ فِي الدُّنْيَا جَمَالًا لِأَهْلِهَا ... وَزِيَنًا لِمَنْ وَالَاهُ رَبُّ الْمَشَاكِلِ [7]

_ [1] قَالَ السهيليّ: «يُقَال قوم برَاء، (بِالْفَتْح وبالكسر) . فَأَما برَاء (بِالْكَسْرِ) فَجمع بَرِيء، مثل كريم وكرام. وَأما برَاء (بِالْفَتْح) فمصدر مثل سَلام. والهمزة فِيهِ وَفِي الّذي قبله لَام الْفِعْل، يُقَال: رجل برَاء ورجلان برَاء. وَإِذا كسرتها أَو ضممتها لم يجز فِي الْجمع. وَأما برَاء (بِضَم الْبَاء) فَالْأَصْل فِيهِ بُرَآء مثل كرماء، فاستثقلوا اجْتِمَاع الهمزتين فحذفوا الأولى، وَكَانَ وَزنه فعلاء، فَلَمَّا حذفوا الَّتِي هِيَ لَام الْفِعْل صَار وَزنه فعاء وَانْصَرف لِأَنَّهُ أشبه فعالا. وَالنّسب إِلَيْهِ، إِذا سميت بِهِ براوى. وَالنّسب إِلَى الآخرين: برائى وبرائى. وَزعم بَعضهم إِلَى أَن برَاء (بِضَم أَوله) من الْجمع الّذي جَاءَ على فعال» . [2] هَذَا الْبَيْت والأبيات السِّتَّة الَّتِي بعده غير مَوْجُودَة فِي أ. [3] الكدى: جمع كدية، وَهِي الصفاة الْعَظِيمَة الشَّدِيدَة. يشبههم بهَا فِي الْمَنْفَعَة والعزة، والكواهل: جمع كَاهِل، وَهُوَ سَنَد الْقَوْم وعهدتهم. [4] الخرادل: الْقطع الْعَظِيمَة. [5] هندكى (بِكَسْر الْهَاء وَالدَّال) : من أهل الْهِنْد، وَلَيْسَ من لَفظه، لِأَن الْكَاف لَيست من حُرُوف الزِّيَادَة وَقد تكون عَلامَة للنسب من بعض اللُّغَات. [6] هَذَا الْبَيْت سَاقِط فِي أ. [7] كَذَا فِي الأَصْل، وَلَعَلَّه يُرِيد بهَا العظيمات من الْأُمُور. وَإِن صَحَّ أَن هَذَا اللَّفْظ من هَذَا الْبَيْت فَمَا أقربه بِهِ إِلَى أَنه مَصْنُوع، ويلاحظ أَن الأبيات الَّتِي استبعدتها «أ» وَلم تثبتها، على أَكْثَرهَا، إِن لم يكن كلهَا مسحة الضعْف والانحطاط عَن مستوى القصيدة، حَتَّى ليكاد يبلغ الظَّن بهَا إِلَى أَنَّهَا دخيلة، ويرجح ذَلِك عدم تعرض السهيليّ وأبى ذَر لَهَا بِشَيْء مِمَّا يدل على أَنَّهُمَا لم يقعا على شَيْء مِنْهَا.

(دعا صلى الله عليه وسلم للناس حين أقحطوا، فنزل المطر، وود لو أن أبا طالب حي، فرأى ذلك) :

فَمَنْ مِثْلُهُ فِي النَّاسِ أَيُّ مُؤَمَّلٍ ... إذَا قَاسَهُ الْحُكَّامُ عِنْدَ التَّفَاضُلِ حَلِيمٌ رَشِيدٌ عَادِلٌ غَيْرُ طائش ... يوالي إِلَهًا لَيْسَ عَنهُ بغافل فو الله لَوْلَا أَنْ أَجِيءَ بِسُنَّةٍ [1] ... تَجُرُّ عَلَى أَشْيَاخِنَا فِي الْمَحَافِلِ لَكِنَّا اتَّبَعْنَاهُ عَلَى كُلِّ حَالَةٍ ... مِنْ الدَّهْرِ جِدًّا غَيْرَ قَوْلِ التَّهَازُلِ لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ ابْنَنَا لَا مُكَذَّبٌ ... لَدَيْنَا وَلَا يُعْنَى بِقَوْلِ الْأَبَاطِلِ فَأَصْبَحَ فِينَا أَحَمْدٌ فِي أَرُومَةٍ ... تُقَصِّرُ عَنْهُ سَوْرَةُ الْمُتَطَاوِلِ [2] حَدِبْتُ بِنَفْسِي دُونَهُ وَحَمَيْتُهُ ... ودافعت عَنهُ بالذّرى وَالْكَلَاكِلِ [3] فَأَيَّدَهُ رَبُّ الْعِبَادِ بِنَصْرِهِ ... وَأَظْهَرَ دِينًا حَقُّهُ غَيْرُ بَاطِلِ [4] رِجَالٌ كِرَامٌ غَيْرُ مِيلٍ نَمَاهُمْ ... إلَى الْخَيْرِ آبَاءٌ كِرَامُ الْمَحَاصِلِ [5] فَإِنْ تَكُ كَعْبٌ مِنْ لُؤَيٍّ صُقَيْبَةً [6] ... فَلَا بُدَّ يَوْمًا مَرَّةً مِنْ تَزَايُلِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا مَا صَحَّ لِي مِنْ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُ أَكْثَرَهَا. (دَعَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ حِينَ أَقْحَطُوا، فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَوَدَّ لَوْ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ حَيٌّ، فَرَأَى ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، قَالَ: أَقْحَطَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَيْهِ، فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَاسْتَسْقَى، فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ مِنْ الْمَطَرِ مَا أَتَاهُ أَهْلُ الضَّوَاحِي [7] يَشْكُونَ

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بسبة» . [2] السُّورَة «بِضَم السِّين» : الْمنزلَة. وَالسورَة (بِفَتْح السِّين) : الشدَّة والبطش. [3] حدبت: عطفت ومنعت. والذرا: جمع ذرْوَة، وَهِي أَعلَى ظهر الْبَعِير. والكلاكل: جمع كلكل، وَهُوَ عظم الصَّدْر. [4] هَذَا الْبَيْت والبيتان اللَّذَان بعده سَاقِطَة فِي أ. [5] ميل: جمع أميل، وَهُوَ الجبان والّذي لَا يحسن الرّكُوب، أَو الّذي لَا يمِيل عَن الْحق. [6] الصقب (بِوَزْن فَرح) الْقَرِيب. [7] الضواحي: جمع ضاحية، وَهِي الأَرْض البرَاز الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَا يكن من الْمَطَر وَلَا منجاة من للسيول. وَقيل: ضاحية كل بلد: خَارِجَة.

(الأسماء التي وردت في قصيدة أبى طالب) :

مِنْهُ الْغَرَقَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهمّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا [1] ، فَانْجَابَ السَّحَابُ عَنْ الْمَدِينَةِ فَصَارَ حَوَالَيْهَا كَالْإِكْلِيلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أَدْرَكَ أَبُو طَالِبٍ هَذَا الْيَوْمَ لَسَرَّهُ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: كَأَنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَدْتَ قَوْلَهُ: وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ قَالَ: أَجَلْ [2] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَوْلُهُ «وَشَبْرِقَهٌ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. (الْأَسْمَاءُ الَّتِي وَرَدَتْ فِي قَصِيدَةِ أَبِي طَالِبٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْغَيَاطِلِ: مِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنُ هُصَيْصٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ ابْن حَرْبِ ابْن أُمَيَّةَ. وَمُطْعِمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. وَزُهَيْرُ

_ [1] هُوَ من حسن الْأَدَب فِي الدُّعَاء: لِأَنَّهَا رَحْمَة الله وَنعمته الْمَطْلُوبَة مِنْهُ، فَكيف يطْلب مِنْهُ رفع نعْمَته وكشف رَحمته؟ [2] قَالَ السهيليّ: «فان قيل كَيفَ قَالَ أَبُو طَالب: وأبيض يستسقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ وَلم يره قطّ استسقى وَإِنَّمَا كَانَت استسقا آته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالْمَدِينَةِ فِي سفر وَحضر وفيهَا شوهد مَا كَانَ من سرعَة إِجَابَة الله لَهُ؟ فَالْجَوَاب: أَن أَبَا طَالب قد شَاهد من ذَلِك أَيْضا فِي حَيَاة عبد الْمطلب مَا دله على مَا قَالَ. روى أَبُو سُلَيْمَان حمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم البستي النيسابورىّ أَن رقيقَة بنت أَبى صَيْفِي بن هَاشم قَالَت: تَتَابَعَت على قُرَيْش سنو جَدب قد أقحلت الظلْف وأرقت الْعظم، فَبينا أَنا رَاقِدَة للهم أَو مهدمة ومعى صنوي. إِذا أَنا بهاتف صيت يصْرخ بِصَوْت صَحِلَ يَقُول: يَا معشر قُرَيْش: إِن هَذَا النَّبِي الْمَبْعُوث مِنْكُم، هَذَا إبان نجومه، فَحَيَّهَلا بالحيا وَالْخصب، أَلا فانظروا مِنْكُم رجلا طوَالًا عظاما أَبيض أَشمّ الْعرنِين لَهُ فَخر يَكْظِم عَلَيْهِ، أَلا فليخص هُوَ وَولده وليدلف إِلَيْهِ من كل بطن رجل فليشنوا من المَاء وليمسوا من الطّيب وليطوفوا بِالْبَيْتِ سبعا إِلَّا وَفِيهِمْ الطّيب الطَّاهِر لذاته، أَلا فَليدع الرجل وليؤمن الْقَوْم، إِلَّا فغثتم أبدا مَا عشتم. قَالَت: فَأَصْبَحت مَذْعُورَة قد قف جلدي، وَوَلِهَ عَقْلِي، فَاقْتَصَصْت رُؤْيَايَ، فو الْحُرْمَة وَالْحرم، إِن بَقِي أبطحي إِلَّا قَالَ هَذَا شيبَة الْحَمد، وتتامت عِنْده قُرَيْش وانقض إِلَيْهِ النَّاس من كل بطن رجل فَشُنُّوا وَمَسُّوا واستلموا وطوفوا، ثمَّ ارْتَقَوْا أَبَا قبيس وطفق الْقَوْم يدقون حوله مَا إِن يدْرك سَعْيهمْ مهلة حَتَّى قروا بِذرْوَةِ الْجَبَل، واستكفوا جنابيه. فَقَامَ عبد الْمطلب فاعتضد ابْن ابْنه مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرفعه على عَاتِقه وَهُوَ يَوْمئِذٍ غُلَام قد أَيفع، أَو قد كرب ثمَّ قَالَ: اللَّهمّ سَاد الْخلَّة وَكَاشف الْكُرْبَة أَنْت عَالم غير معلم، وَمَسْئُول غير مبخل، وَهَذِه عبداؤك وإماؤك بِعَذِرَاتٍ حَرمك يَشكونَ إِلَيْك سنتهمْ فاسمعن اللَّهمّ وأمطرن علينا غيثا مريعا مُغْدِقًا. فَمَا راموا وَالْبَيْت حَتَّى انفجرت السَّمَاء بِمَائِهَا وكظ الْوَادي بثجيجه» .

(انتشار ذكر الرسول في القبائل، ولا سيما في الأوس والخزرج) :

ابْن أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَأُمُّهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَسِيدٌ، وَبِكْرُهُ: عَتَّابُ بْنُ أَسِيدِ بْنِ أَبِي الْعَيْصِ بْنِ أُمَيَّةَ ابْن عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ. وَعُثْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَخُو طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ. وَقُنْفُذُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ جُدْعَانَ بْنِ عُمَرَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ. وَأَبُو الْوَلِيدِ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ. وَأُبَيٌّ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ الثَّقَفِيُّ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْأَخْنَسُ. لِأَنَّهُ خَنَسَ بِالْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَإِنَّمَا اسْمُهُ أُبَيٌّ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عِلَاجٍ، وَهُوَ عِلَاجُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُقْبَةَ. وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ. وَسُبَيْعُ ابْن خَالِدٍ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ. وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْن قُصَيٍّ، وَهُوَ ابْنُ الْعَدَوِيَّةِ. وَكَانَ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ، وَهُوَ الَّذِي قَرَنَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي حَبْلٍ حِينَ أَسْلَمَا، فَبِذَلِكَ كَانَا يُسَمَّيَانِ الْقَرِينَيْنِ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبى طَالب عَلَيْهِ السَّلَام يَوْمَ بَدْرٍ. وَأَبُو عَمْرٍو قَرَظَةُ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. «وَقَوْمٌ عَلَيْنَا أَظِنَّةٌ» : بَنُو بَكْرِ ابْن عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَدَّدَ أَبُو طَالِبٍ فِي شِعْرِهِ مِنْ الْعَرَبِ. (انْتِشَارُ ذِكْرِ الرَّسُولِ فِي الْقَبَائِلِ، وَلَا سِيَّمَا فِي الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ) : فَلَمَّا انْتَشَرَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَرَبِ، وَبَلَغَ الْبُلْدَانَ، ذُكِرَ بِالْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَكُنْ حَيٌّ مِنْ الْعَرَبِ أَعْلَمَ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ ذُكِرَ، وَقَبْلَ أَنْ يُذْكَرَ مِنْ هَذَا الْحَيِّ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَذَلِكَ لِمَا كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، وَكَانُوا لَهُمْ حُلَفَاءَ، وَمَعَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ. فَلَمَّا وَقَعَ ذِكْرُهُ بِالْمَدِينَةِ، وَتَحَدَّثُوا بِمَا بَيْنَ قُرَيْشٍ فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ. قَالَ أَبُو قَيْسِ بْنِ الْأَسْلَتِ [1] . أَخُو بَنِي وَاقِفٍ. (نَسَبُ أَبِي قَيْسِ بْنِ الْأَسْلَتِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: نَسَبُ ابْنِ إسْحَاقَ أَبَا قَيْسٍ هَذَا هَاهُنَا إلَى بَنِي وَاقِفٍ، وَنَسَبُهُ

_ [1] وَاسم الأسلت: عَامر.

(شعر ابن الأسلت في الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم) :

فِي حَدِيثِ الْفِيلِ إلَى خَطْمَةَ، لِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَنْسِبُ الرَّجُلَ إلَى أَخِي جَدِّهِ الَّذِي هُوَ أَشْهَرُ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَّ الْحَكَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيَّ مِنْ وَلَدِ نُعَيْلَةَ أَخِي غِفَارٍ. وَهُوَ غِفَارُ بْنُ مُلَيْلٍ، وَنُعَيْلَةُ بْنُ مُلَيْلِ بْنِ ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ ابْن عَبْدِ مَنَاةَ، وَقَدْ قَالُوا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ السُّلَمِيُّ، وَهُوَ مِنْ وَلَدِ مَازِنِ بْنِ مَنْصُورٍ وَسُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَأَبُو قَيْسِ بْنِ الْأَسْلَتِ: مِنْ بَنِي وَائِلٍ، وَوَائِلٌ، وَوَاقِفٌ، وَخَطْمَةُ إخْوَةٌ مِنْ الْأَوْسِ. (شِعْرُ ابْنُ الْأَسْلَتِ فِي الدِّفَاعِ عَنْ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ أَبُو قَيْسِ بْنِ الْأَسْلَتِ- وَكَانَ يُحِبُّ قُرَيْشًا، وَكَانَ لَهُمْ صِهْرًا، كَانَتْ عِنْدَهُ أَرْنَبُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وَكَانَ يُقِيمُ عِنْدَهُمْ السِّنِينَ بِامْرَأَتِهِ- قَصِيدَةً يُعَظِّمُ فِيهَا الْحُرْمَةَ، وَيَنْهَى قُرَيْشًا فِيهَا عَنْ الْحَرْبِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالْكَفِّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَيَذْكُرُ فَضْلَهُمْ وَأَحْلَامَهُمْ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالْكَفِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُذَكِّرُهُمْ بَلَاءَ اللَّهِ عِنْدَهُمْ، وَدَفْعَهُ عَنْهُمْ الْفِيلَ وَكَيْدَهُ عَنْهُمْ، فَقَالَ: يَا رَاكِبًا إمَّا عَرَضَتْ فَبَلِّغْنَ ... مُغَلْغِلَةً عَنِّي لُؤَيَّ بْنَ غَالِبِ [1] رَسُولُ امْرِئٍ قَدْ رَاعَهُ ذَاتُ بَيْنِكُمْ ... عَلَى النَّأْيِ مَحْزُونٍ بِذَلِكَ نَاصِبِ [2] وَقَدْ كَانَ عِنْدِي لِلْهُمُومِ مَعَرَّسٌ ... فَلَمْ أَقْضِ مِنْهَا حَاجَتِي وَمَآرِبِي [3] نُبَيِّتُكُمْ شَرْجَيْنِ كُلَّ قَبِيلَةٍ ... لَهَا أَزْمَلٌ مِنْ بَيْنِ مُذْكٍ وَحَاطِبِ [4]

_ [1] المغلغلة. الرسَالَة. وَقَالَ السهيليّ: «المغلغلة: الدَّاخِلَة إِلَى أقْصَى مَا يُرَاد بُلُوغه مِنْهَا» . [2] الناصب: المعيى التَّعَب. [3] المعرس: الْمَكَان ينزل فِيهِ المسافرون فِي آخر اللَّيْل، يقفون فِيهِ وَقْفَة للاستراحة ثمَّ يرتحلون. [4] شرجين: نَوْعَيْنِ. والأزمل: الصَّوْت الْمُخْتَلط. والمذكى: الّذي يُوقد النَّار. والحاطب: الّذي يحطب لَهَا. ضرب هَذَا مثلا لنار الْحَرْب. كَمَا قَالَ الآخر: أرى خلل الرماد وميض نَار ... ويوشك أَن يكون لَهَا ضرام فَإِن النَّار بالعودين تذكى ... وَإِن الْحَرْب أَولهَا كَلَام

أُعِيذُكُمْ باللَّه مِنْ شَرِّ صُنْعِكُمْ ... وَشَرِّ تَبَاغِيكُمْ وَدَسِّ الْعَقَارِبِ وَإِظْهَارِ أَخْلَاقٍ وَنَجْوَى سَقِيمَةٍ ... كَوَخْزِ الْأَشَافِي وَقْعُهَا حَقُّ صَائِبِ [1] فَذَكِّرْهُمْ باللَّه أَوَّلَ وَهْلَةٍ ... وَإِحْلَالِ أَحْرَامِ الظِّبَاءِ الشَّوَازِبِ [2] وَقُلْ لَهُمْ وَاَللَّهُ يَحْكُمُ حُكْمَهُ ... ذَرُوا الْحَرْبَ تَذْهَبُ عَنْكُمْ فِي الْمَرَاحِبِ [3] مَتَى تَبْعَثُوهَا تَبْعَثُوهَا ذَمِيمَةً ... هِيَ الْغُولُ لِلْأَقْصَيْنَ أَوْ لِلْأَقَارِبِ [4] تُقَطِّعُ أَرْحَامًا وَتُهْلِكُ أُمَّةً ... وَتَبْرِي السَّدِيفَ مِنْ سَنَامٍ وَغَارِبِ [5] وَتَسْتَبْدِلُوا بِالْأَتْحَمِيَّةِ بَعْدَهَا ... شَلِيلًا وَأَصْدَاءً ثِيَابَ الْمُحَارِبِ [6] وَبِالْمِسْكِ وَالْكَافُورِ غُبْرًا سَوَابِغًا ... كَأَنَّ قَتِيرَيْهَا عُيُونُ الْجَنَادِبِ [7] فَإِيَّاكُمْ وَالْحَرْبَ لَا تَعْلَقَنَّكُمْ ... وَحَوْضًا وَخِيمَ الْمَاءِ مُرَّ الْمَشَارِبِ تَزَيَّنُ لِلْأَقْوَامِ ثُمَّ يَرَوْنَهَا ... بِعَاقِبَةٍ إذْ بَيَّنَتْ، أُمَّ صَاحِبِ [8] تُحَرِّقُ لَا تُشْوِي ضَعِيفًا وَتَنْتَحِي ... ذَوِي الْعِزِّ مِنْكُمْ بِالْحُتُوفِ الصَّوَائِبِ [9] أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ ... فَتَعْتَبِرُوا أَوْ كَانَ فِي حَرْبِ حَاطِبِ [10] وَكَمْ قَدْ أَصَابَتْ مِنْ شَرِيفٍ مُسَوَّدٍ ... طَوِيلِ الْعِمَادِ ضَيْفُهُ غَيْرُ خَائِبِ

_ [1] الأشافي: جمع إشفى، وَهِي المخرز. [2] أحرام الظباء: هِيَ الَّتِي يحرم صيدها فِي الْحرم. يُقَال لمن دخل فِي الشَّهْر الْحَرَام، أَو فِي الْبَلَد الْحَرَام محرم. والشوازب: الضامرة الْبُطُون. أَي إِن بلدكم بلد حرَام تأمن فِيهِ الظباء الشوازب الَّتِي تَأتيه من بعد لتأمن فِيهِ، فَهِيَ شازبة ضامرة من بعد الْمسَافَة، وَإِذا لم تحلوا بالظباء فِيهِ فأحرى أَلا تحلوا بدمائكم. [3] المراحب: الْمَوَاضِع المتسعة. [4] الغول: الْهَلَاك. [5] تبرى: تقطع. والسديف: لحم السنام. وَالْغَارِب: أَعلَى الظّهْر. [6] الأتحمية: ثِيَاب رقاق تصنع بِالْيمن. والشليل: درع قَصِيرَة. والأصداء: جمع صدأ: الْحَدِيد. [7] القتير: حلق الدرْع، شبهها بعيون الْجَرَاد. وَأخذ هَذَا الْمَعْنى التنوخي فَقَالَ: كأثواب الأراقم مزقتها ... فخاطتها بأعينها الْجَرَاد [8] بيّنت: اتضحت. وَأم صَاحب: أَي عجوزا كَأُمّ صَاحب لَك، إِذْ لَا يصحب الرجل إِلَّا رجل فِي سنه. [9] لَا تشوى: لَا تخطئ. وتنتحى: تقصد. [10] سيعرض ابْن إِسْحَاق للْكَلَام على داحس وحاطب بعد الِانْتِهَاء من القصيدة.

عَظِيمِ رَمَادِ النَّارِ يُحْمَدُ أَمْرُهُ ... وَذِي شِيمَةٍ مَحْضٍ كَرِيمٍ الْمَضَارِبِ [1] وَمَاءِ هُرِيقَ فِي الضَّلَالِ [2] كَأَنَّمَا ... أَذَاعَتْ بِهِ رِيحُ الصَّبَا وَالْجَنَائِبِ [3] يُخَبِّرُكُمْ عَنْهَا امْرُؤٌ حَقُّ عَالِمٌ ... بِأَيَّامِهَا وَالْعِلْمُ عِلْمُ التَّجَارِبِ فَبِيعُوا الْحِرَابَ مِلْمُحَارِبِ وَاذْكُرُوا ... حِسَابَكُمْ وَاَللَّهُ خَيْرُ مُحَاسِبِ وَلِيُّ امْرِئٍ فَاخْتَارَ دِينًا فَلَا يَكُنْ ... عَلَيْكُمْ رَقِيبًا غَيْرَ رَبِّ الثَّوَاقِبِ [4] أَقِيمُوا لَنَا دِينًا حَنِيفًا فَأَنْتُمْ ... لَنَا غَايَةٌ قَدْ يُهْتَدَى بِالذَّوَائِبِ [5] وَأَنْتُمْ لِهَذَا النَّاسِ نُورٌ وَعِصْمَةٌ ... تُؤَمُّونَ، وَالْأَحْلَامُ غَيْرُ عَوَازِبِ [6] وَأَنْتُمْ، إذَا مَا حُصِّلَ النَّاسُ، جَوْهَرٌ ... لَكُمْ سُرَّةُ الْبَطْحَاءِ شُمُّ الْأَرَانِبِ [7] تَصُونُونَ أَجْسَادًا كِرَامًا عَتِيقَةً ... مُهَذَّبَةَ الْأَنْسَابِ غَيْرَ أَشَائِبِ [8] تَرَى طَالِبَ الْحَاجَاتِ نَحْوَ بُيُوتِكُمْ ... عَصَائِبَ هَلْكَى تَهْتَدِي بِعَصَائِبِ لَقَدْ عَلِمَ الْأَقْوَامُ أَنَّ سَرَاتَكُمْ ... عَلَى كُلِّ حَالٍ خَيْرُ أَهْلِ الْجَبَاجِبِ [9] وَأَفْضَلُهُ رَأْيًا وَأَعْلَاهُ سُنَّةً ... وَأَقْوَلُهُ لِلْحَقِّ وَسْطَ الْمَوَاكِبِ فَقُومُوا فَصَلُّوا رَبَّكُمْ وَتَمَسَّحُوا ... بِأَرْكَانِ هَذَا الْبَيْتِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ [10] فَعِنْدَكُمْ مِنْهُ بَلَاءٌ وَمَصْدَقٌ ... غَدَاةَ أَبِي يَكْسُومَ هَادِي الْكَتَائِبِ كَتِيبَتُهُ بِالسَّهْلِ تُمْسِي وَرَجْلُهُ ... عَلَى الْقَاذِفَاتِ فِي رُءُوسِ الْمَنَاقِبِ [11]

_ [1] كَذَا فِي الْأُصُول. يُرِيد أَن مضَارب سيوفه غير مذمومة وَلَا رَاجِعَة عَلَيْهِ إِلَّا بالثناء وَالْوَصْف بالمكارم. ويروى الضرائب. والضرائب: الطباع. [2] كَذَا فِي الْأُصُول. ويروى: «فِي الصلال» . والصلال: جمع صلَة، وَهِي الأَرْض الَّتِي لَا تمسك المَاء. [3] أذاعت بِهِ: بددته. والجنائب: جمع جنوب. يُرِيد ريح الشمَال وريح الْجنُوب. [4] الثواقب: النُّجُوم. [5] الذوائب: الأعالي. [6] الأحلام: الْعُقُول. وعوازب: بعيدَة. [7] سرة الشَّيْء: خَيره وَأَعلاهُ. وشم: مُرْتَفعَة. والأرانب: جمع أرنبة، وَهِي الَّتِي فِيهَا ثقب الْألف [8] غير أشائب: غير مختلطة، يعْنى أَنَّهَا خَالِصَة النّسَب. [9] الجباجب: الْمنَازل. وَاحِدهَا جبجبة. [10] صلوا: ادعوا. والأخاشب: أَرَادَ الأخشبين، وهما جبلا مَكَّة، فجمعهما مَعَ مَا حولهما. [11] القاذفات: أعالى الْجبَال. والمناقب: الطّرق فِي أعالى الجبالى، وَاحِدهَا: منقبة.

(حرب داحس) :

فَلَمَّا أَتَاكُمْ نَصْرُ ذِي الْعَرْشِ رَدَّهُمْ ... جُنُودُ الْمَلِيكِ بَيْنَ سَافٍ وَحَاصِبِ [1] فَوَلَّوْا سِرَاعًا هَارِبِينَ وَلَمْ يَؤُبْ ... إلَى أَهْلِهِ مِلْحُبْشِ [2] غَيْرُ عَصَائِبِ فَإِنْ تَهْلِكُوا نَهْلِكْ وَتَهْلِكْ مَوَاسِمٌ ... يُعَاشُ بِهَا، قَوْلُ امْرِئٍ غَيْرِ كَاذِبِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَيْتَهُ: «وَمَاءٌ هُرِيقَ» ، وَبَيْتَهُ: «فَبِيعُوا الْحِرَابَ» ، وَقَوْلَهُ: «وَلِيُّ امْرِئِ فَاخْتَارَ» ، وَقَوْلَهُ: عَلَى الْقَاذِفَاتِ فِي رُءُوسِ الْمَنَاقِبِ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَغَيْرُهُ. (حَرْبٌ دَاحِسً) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ فَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النَّحَوِيُّ: أَنَّ دَاحِسًا فَرَسٌ كَانَ لِقَيْسِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ جَذِيمَةَ بْنِ رَوَاحَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَازِنِ بْنِ قُطَيْعَةَ بْنِ عَبْسِ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ ابْن غَطَفَانَ، أَجْرَاهُ مَعَ فَرَسٍ لِحُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ [3] بْنِ جُؤَيَّةَ بْنِ لَوْذَانِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ فَزَارَةَ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ، يُقَالُ لَهَا: الْغَبْرَاءُ. فَدَسَّ حُذَيْفَةُ قَوْمًا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَضْرِبُوا وَجْهَ دَاحِسٍ إنْ رَأَوْهُ قَدْ جَاءَ سَابِقًا، فَجَاءَ دَاحِسٌ سَابِقًا فَضَرَبُوا وَجْهَهُ، وَجَاءَتْ الْغَبْرَاءُ. فَلَمَّا جَاءَ فَارِسُ دَاحِسٍ أَخْبَرَ قَيْسًا الْخَبَرَ، فَوَثَبَ أَخُوهُ مَالِكُ بْنُ زُهَيْرٍ فَلَطَمَ وَجْهَ الْغَبْرَاءِ، فَقَامَ حَمَلُ بْنُ بَدْرٍ فَلَطَمَ مَالِكًا. ثُمَّ إنَّ أَبَا الْجُنَيْدِبِ الْعَبْسِيَّ لَقِيَ عَوْفَ بْنَ حُذَيْفَةَ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ لَقِيَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ مَالِكًا فَقَتَلَهُ، فَقَالَ حَمَلُ بْنُ بَدْرٍ أَخُو حُذَيْفَةَ ابْن بَدْرٍ:

_ [1] السافي: الّذي أَصَابَهُ الْغُبَار. والحاصب الّذي أَصَابَته الْحَصْبَاء، وَهُوَ على معنى النّسَب، كَمَا قَالُوا: تامر وَلابْن. وَقد يكون السافي: الّذي يثير الْغُبَار، والحاصب: الّذي يثير الْحَصْبَاء، أَي يقتلعها. [2] فِي أ: «ملجيش» . [3] فِي أ: « ... بن عَمْرو بن جؤية ... إِلَخ» .

(حرب حاطب) :

قَتَلْنَا بِعَوْفٍ مَالِكًا وَهُوَ ثَأْرُنَا ... فَإِنْ تَطْلُبُوا مِنَّا سِوَى الْحَقِّ تَنْدَمُوا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ زِيَادٍ الْعَبْسِيُّ: أَفَبَعْدَ مَقْتَلِ مَالِكِ بْنِ زُهَيْرٍ ... تَرْجُو النِّسَاءُ عَوَاقِبَ الْأَطْهَارِ [1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. فَوَقَعَتْ الْحَرْبُ بَيْنَ عَبْسٍ وَفَزَارَةَ، فَقُتِلَ حُذَيْفَةُ بْنُ بَدْرٍ وَأَخُوهُ حَمَلُ بْنُ بَدْرٍ، فَقَالَ قَيْسُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ جَذِيمَةَ يَرْثِي حُذَيْفَةَ، وَجَزِعَ عَلَيْهِ: كَمْ فَارِسٍ يُدْعَى وَلَيْسَ بِفَارِسٍ ... وَعَلَى الْهَبَاءَةِ فَارِسٌ ذُو مَصْدَقِ [2] فَابْكُوا حُذَيْفَةَ لَنْ تُرَثُّوا مِثْلَهُ [3] ... حَتَّى تَبِيدَ قَبَائِلٌ لَمْ تُخْلَقْ وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَقَالَ قَيْسُ (بْنُ) [4] زُهَيْرٍ: عَلَى أَنَّ الْفَتَى حَمَلَ بْنَ بَدْرٍ ... بَغَى وَالظُّلْمُ [5] مَرْتَعُهُ وَخِيمُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ زُهَيْرٍ أَخُو قَيْسِ بْنِ زُهَيْرٍ: تَرَكْتُ عَلَى الْهَبَاءَةِ غَيْرَ فَخْرٍ ... حُذَيْفَةُ عِنْدَهُ قَصْدُ الْعَوَالِي [6] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: أَرْسَلَ قَيْسٌ دَاحِسًا وَالْغَبْرَاءَ، وَأَرْسَلَ حُذَيْفَةُ الْخَطَّارَ وَالْحَنْفَاءَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ الْحَدِيثَيْنِ. وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ مَنَعَنِي مِنْ اسْتِقْصَائِهِ قَطْعُهُ حَدِيثَ سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (حَرْبُ حَاطِبٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: «حَرْبُ حَاطِبٍ» . فَيَعْنِي حَاطِبَ بْنَ الْحَارِثِ

_ [1] الْأَطْهَار: جمع طهر. وَهُوَ كَقَوْل الأخطل: قوم إِذا حَاربُوا شدوا مآزرهم ... دون النِّسَاء وَلَو باتت بأطهار [2] الهباءة: مَوضِع فِي بِلَاد غطفان. [3] لن ترثوا: من الرثاء. وَمن رَوَاهُ: تربوا، (بِضَم التَّاء) فَهُوَ من التربية. وَمن رَوَاهُ: تربوا (بِفَتْح التَّاء) فَمَعْنَاه تصيرونه رَبًّا عَلَيْكُم، أَي أَمِيرا. [4] زِيَادَة عَن أ. [5] فِي أ: «وَالْبَغي» . [6] الْقَصْد: جمع قصدة، وَهِي الْقطعَة المتكسرة. والعوالي: الرماح.

(شعر حكيم بن أمية في صد قومه عن عداوة النبي صلى الله عليه وسلم) :

ابْن قَيْسِ بْنِ هَيْشَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو ابْن عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، كَانَ قَتَلَ يَهُودِيَّا جَارًا لِلْخَزْرَجِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ يَزِيدُ [1] بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَحْمَرَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ- وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: ابْنُ فُسْحُمٍ، وَفُسْحُمٌ [2] أُمُّهُ، وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ- لَيْلًا فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ فَقَتَلُوهُ، فَوَقَعَتْ الْحَرْبُ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَكَانَ الظَّفَرُ لِلْخَزْرَجِ عَلَى الْأَوْسِ، وَقُتِلَ يَوْمئِذٍ سُوَيْدُ بْنُ صَامِتِ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَطِيَّةَ بْنِ حَوْطِ ابْن حَبِيبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، قَتَلَهُ الْمُجَذَّرُ بْنُ [3] ذِيَادٍ الْبَلَوِيُّ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، حَلِيفُ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ خَرَجَ الْمُجَذَّرُ بْنُ ذِيَادٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَرَجَ مَعَهُ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدِ ابْن صَامِتٍ، فَوَجَدَ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْدٍ غِرَّةً [4] مِنْ الْمُجَذَّرِ فَقَتَلَهُ بِأَبِيهِ. وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ كَانَتْ بَيْنَهُمْ حُرُوبٌ مَنَعَنِي مِنْ ذِكْرِهَا وَاسْتِقْصَاءِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا ذَكَرْتُ فِي (حَدِيثِ) [5] حَرْبِ دَاحِسٍ. (شِعْرُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ فِي صَدِّ قَوْمِهِ عَنْ عَدَاوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَكِيمُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْأَوْقَصِ السُّلَمِيُّ، حَلِيفُ بَنِي أُمَيَّةَ وَقَدْ أَسْلَمَ، يُوَرِّعُ [6] قَوْمَهُ عَمَّا أَجَمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ عَدَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ فِيهِمْ شَرِيفًا مُطَاعًا:

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «زيد» . وَهُوَ تَحْرِيف. (رَاجع شرح الْقَامُوس مَادَّة: فسحم) . [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قسحم» بِالْقَافِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَهُوَ تَصْحِيف. (رَاجع شرح الْقَامُوس مَادَّة: فسحم) . [3] ضبط فِي شرح: أَسمَاء أهل بدر للجبرتى المخطوط وَالْمَحْفُوظ بدار الْكتب المصرية (تَحت رقم 1420 تَارِيخ) بِضَم الْمِيم وَفتح الْجِيم وَتَشْديد الذَّال الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة ثمَّ رَاء. وذياد: بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْمُثَنَّاة من تَحت بعْدهَا ألف آخِره دَال مُهْملَة، وَيُقَال فِيهِ ذياد بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمُثَنَّاة. [4] غرَّة: غَفلَة. [5] زِيَادَة عَن أ. [6] يورع: يصرف وَيرد.

ذكر لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه

هَلْ قَائِلٌ قَوْلًا هُوَ [1] الْحَقُّ قَاعِدٌ ... عَلَيْهِ وَهَلْ غَضْبَانُ لِلرُّشْدِ سَامِعُ وَهَلْ سَيِّدٌ تَرْجُو الْعَشِيرَةُ نَفْعَهُ ... لِأَقْصَى الْمَوَالِي وَالْأَقَارِبِ جَامِعُ تَبَرَّأْتُ إلَّا وَجْهَ مَنْ يَمْلِكُ الصِّبَا ... وَأَهْجُرُكُمْ مَا دَامَ مُدْلٍ وَنَازِعُ [2] وَأُسْلِمُ وَجْهِي لِلْإِلَهِ وَمَنْطِقِي ... وَلَوْ رَاعَنِي مِنْ الصَّدِيقِ رَوَائِعُ ذِكْرُ لُقَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْمِهِ (سُفَهَاءُ قُرَيْشٍ وَرَمْيُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسِّحْرِ وَالْجُنُونِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ قُرَيْشًا اشْتَدَّ أَمْرُهُمْ لِلشَّقَاءِ الَّذِي أَصَابَهُمْ فِي عَدَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ أَسْلَمَ مَعَهُ مِنْهُمْ، فَأَغْرَوْا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سُفَهَاءَهُمْ، فَكَذَّبُوهُ وَآذَوْهُ، وَرَمَوْهُ بِالشِّعْرِ وَالسِّحْرِ وَالْكِهَانَةِ وَالْجُنُونِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُظْهِرٌ لِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَسْتَخْفِي بِهِ، مُبَادٍ لَهُمْ بِمَا يَكْرَهُونَ مِنْ عَيْبِ دِينِهِمْ، وَاعْتِزَالِ أَوْثَانِهِمْ، وَفِرَاقِهِ إيَّاهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ. (حَدِيثُ ابْنِ الْعَاصِ عَنْ أَكْثَرِ مَا رَأَى قُرَيْشًا نَالَتْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا أَكْثَرَ مَا رَأَيْتَ قُرَيْشًا أَصَابُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا كَانُوا يُظْهِرُونَ مِنْ عَدَاوَتِهِ؟ قَالَ: حَضَرْتُهُمْ، وَقَدْ اجْتَمَعَ أَشْرَافُهُمْ يَوْمًا فِي [3] الْحِجْرِ، فَذَكَرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَبَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ قَطُّ، سَفَّهَ أَحْلَامَنَا، وَشَتَمَ آبَاءَنَا، وَعَابَ دِينَنَا، وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا، وَسَبَّ آلِهَتَنَا، لَقَدْ صَبَرْنَا مِنْهُ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ، أَوْ كَمَا قَالُوا: فَبَيْنَا هُمْ فِي ذَلِكَ إذْ طَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ يَمْشِي حَتَّى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ طَائِفًا بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا مَرَّ بِهِمْ غَمَزُوهُ [4]

_ [1] كَذَا فِي أوفي سَائِر الْأُصُول: «من الْحق» . [2] المدلي: الْمُرْسل الدَّلْو. والنازع: الجاذب لَهَا. [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: يوافي الْحجر، وَهُوَ تَحْرِيف. [4] غَمَزُوهُ: طعنوا فِيهِ. (19) - سيرة ابْن هِشَام- 1

(بعض ما نال أبا بكر في سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم) :

بِبَعْضِ الْقَوْلِ. قَالَ: فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: ثُمَّ مَضَى، فَلَمَّا مَرَّ بِهِمْ الثَّانِيَةَ غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ الثَّالِثَةَ فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا، فَوَقَفَ، ثُمَّ قَالَ: أَتَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَمَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ [1] . قَالَ: فَأَخَذَتْ الْقَوْمَ كَلِمَتُهُ حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إلَّا كَأَنَّمَا عَلَى رَأْسِهِ طَائِرٌ وَاقِعٌ، حَتَّى إنَّ أَشَدَّهُمْ فِيهِ وَصَاةً [2] قَبْلَ ذَلِكَ لَيَرْفَؤُهُ [3] بِأَحْسَنِ مَا يَجِدُ مِنْ الْقَوْلِ، حَتَّى إنَّهُ لِيَقُولَ: انْصَرِفْ يَا أَبَا الْقَاسِم، فو الله مَا كُنْتَ جَهُولًا. قَالَ: فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إذَا كَانَ الْغَدُ اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ وَأَنَا مَعَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: ذَكَرْتُمْ مَا بَلَغَ مِنْكُمْ، وَمَا بَلَغَكُمْ عَنْهُ، حَتَّى إذَا بَادَاكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ تَرَكْتُمُوهُ. فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ طَلَعَ (عَلَيْهِمْ) [4] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَثَبُوا إلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَأَحَاطُوا بِهِ، يَقُولُونَ: أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا، لِمَا كَانَ يَقُولُ مِنْ عَيْبِ آلِهَتِهِمْ وَدِينِهِمْ، فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ: أَنَا الَّذِي أَقُولُ ذَلِكَ. قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ أَخَذَ بِمِجْمَعِ رِدَائِهِ. قَالَ: فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَهُ، وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ؟ ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَأَشَدُّ مَا رَأَيْتُ قُرَيْشًا نَالُوا مِنْهُ قَطُّ. (بَعْضُ مَا نَالَ أَبَا بَكْرٍ فِي سَبِيلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ، وَحَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهَا قَالَتْ: (لَقَدْ) [4] رَجَعَ أَبُو بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ وَقَدْ صَدَعُوا [5] فَرْقَ [6] رَأْسِهِ، مِمَّا جَبَذُوهُ بِلِحْيَتِهِ وَكَانَ رَجُلًا. كَثِيرَ الشَّعْرِ.

_ [1] كَذَا فِي أ. وَالنِّهَايَة لِابْنِ الْأَثِير (مَادَّة رفأ) . وَلَعَلَّه مجَاز عَن الْهَلَاك. وَمِنْه فِي حَدِيث الْقَضَاء: من تصدى للْقَضَاء وتولاه، فقد تعرض للذبح فليتحذره. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الذَّبِيح» . [2] الوصاة: الْوَصِيَّة. [3] يرفؤه: يهدئه ويسكنه ويرفق بِهِ وَيَدْعُو لَهُ. [4] زِيَادَة عَن أ. [5] صدعوا: شَقوا. [6] الْفرق: حَيْثُ يتفرق الشّعْر من مقدم الْجَبْهَة إِلَى وسط الرَّأْس.

(أشد ما أوذى به الرسول صلى الله عليه وسلم) :

(أَشَدُّ مَا أُوذِيَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ أَشَدَّ مَا لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمًا فَلَمْ يَلْقَهُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ إلَّا كَذَّبَهُ وَآذَاهُ، لَا حُرٌّ وَلَا عَبْدٌ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَنْزِلِهِ، فَتَدَثَّرَ مِنْ شِدَّةِ مَا أَصَابَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ [1] 74: 1- 2. إسْلَامُ حَمْزَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ [2] (أَذَاةُ أَبِي جَهْلٍ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوُقُوفُ حَمْزَةَ عَلَى ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ، كَانَ وَاعِيَةً: أَنَّ أَبَا جَهْلٍ مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الصَّفَا، فَآذَاهُ وَشَتَمَهُ، وَنَالَ مِنْهُ بَعْضَ مَا يَكْرَهُ مِنْ الْعَيْبِ لِدِينِهِ، وَالتَّضْعِيفِ لِأَمْرِهِ، فَلَمْ يُكَلِّمْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَوْلَاةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ

_ [1] قَالَ السهيليّ: «قَالَ بعض أهل الْعلم: فِي تَسْمِيَته إِيَّاه بالمدثر فِي هَذَا الْمقَام ملاطفة وتأنيس، وَمن عَادَة الْعَرَب إِذا قصدت الملاطفة أَن تسمى الْمُخَاطب باسم مُشْتَقّ من الْحَالة الَّتِي هُوَ فِيهَا، كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِحُذَيْفَة: قُم يَا نومان. وَقَوله لعلى بن أَبى طَالب وَقد ترب جنبه قُم أَبَا تُرَاب. فَلَو ناداه سُبْحَانَهُ وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَال من الكرب باسمه، أَو بِالْأَمر الْمُجَرّد من هَذِه الملاطفة لهاله ذَلِك، وَلَكِن لما بُدِئَ بيا أَيهَا المدثر أنس، وَعلم أَن ربه رَاض عَنهُ، أَلا ترَاهُ كَيفَ قَالَ عِنْد مَا لَقِي من أهل الطَّائِف من شدَّة الْبلَاء وَالْكرب مَا لَقِي: رب إِن لم يكن بك غضب على فَلَا أبالى. إِلَى آخر الدُّعَاء، فَكَانَ مَطْلُوبَة رضَا ربه، وَبِه كَانَت تهون عَلَيْهِ الشدائد» . ثمَّ قَالَ: «فان قيل: كَيفَ يَنْتَظِم «يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 74: 1» مَعَ قَوْله: «قُمْ فَأَنْذِرْ 74: 2» ؟ وَمَا الرابط بَين الْمَعْنيين حَتَّى يلتئما فِي قانون البلاغة، ويتشاكلا فِي حكم الفصاحة؟ قُلْنَا: من صفته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، مَا وصف بِهِ نَفسه حِين قَالَ: أَنا النذير الْعُرْيَان. وَهُوَ مثل مَعْرُوف عِنْد الْعَرَب، يُقَال لمن أنذر بِقرب الْعَدو، وَبَالغ فِي الْإِنْذَار: هُوَ النذير الْعُرْيَان. وَذَلِكَ أَن النذير الجاد يجرد ثَوْبه، وَهُوَ يُشِير بِهِ إِذا خَافَ أَن يسْبق الْعَدو صَوته. وَقد قيل: إِن أصل الْمثل لرجل من خثعم، سلبه الْعَدو ثَوْبه، وَقَطعُوا يَده، فَانْطَلق إِلَى قومه نذيرا على تِلْكَ الْحَال، فَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: أَنا النذير الْعُرْيَان أَي مثلي مثل ذَلِك. والنذير بالثياب، مضاد للتعرى، فَكَانَ فِي قَوْله: «يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 74: 1» . مَعَ قَوْله «قُمْ فَأَنْذِرْ 74: 2» ، والنذير الجاد يُسمى الْعُرْيَان، تشاكل بَين، والتئام بديع، وسياقة فِي الْمَعْنى، وجزالة فِي اللَّفْظ» . [2] وَأم حَمْزَة: هَالة بنت أهيب بن عبد منَاف بن زهرَة، وأهيب عَم آمِنَة بنت وهب، تزَوجهَا عبد الْمطلب وَتزَوج ابْنه عبد الله آمِنَة فِي سَاعَة وَاحِدَة، فَولدت هَالة لعبد الْمطلب حَمْزَة، وَولدت آمِنَة لعبد الله رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ أرضعتهما ثويبة.

(إيقاع حمزة بأبي جهل وإسلامه) :

فِي مَسْكَنٍ لَهَا تَسْمَعُ ذَلِكَ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ فَعَمَدَ إلَى نَادٍ [1] مِنْ قُرَيْشٍ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَجَلَسَ مَعَهُمْ. فَلَمْ يَلْبَثْ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ أَقْبَلَ مُتَوَشِّحًا [2] قَوْسَهُ، رَاجِعًا مِنْ قَنْصٍ [3] لَهُ، وَكَانَ صَاحِبَ قَنْصٍ يَرْمِيهِ وَيَخْرُجُ لَهُ، وَكَانَ إذَا رَجَعَ مِنْ قَنْصِهِ لَمْ يَصِلْ إلَى أَهْلِهِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ، وَكَانَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَمُرَّ عَلَى نَادٍ مِنْ قُرَيْشٍ إلَّا وَقَفَ وَسَلَّمَ وَتَحَدَّثَ مَعَهُمْ، وَكَانَ أَعَزَّ فَتًى فِي قُرَيْشٍ، وَأَشَدَّ شَكِيمَةً. فَلَمَّا مَرَّ بِالْمَوْلَاةِ، وَقَدْ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَيْتِهِ، قَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا عُمَارَةَ، لَوْ رَأَيْتَ مَا لَقِيَ ابْنُ أَخِيكَ مُحَمَّدٌ آنِفًا مِنْ أَبِي الْحَكَمِ بن هِشَام: وجنده هَاهُنَا جَالِسًا فَآذَاهُ وَسَبَّهُ، وَبَلَغَ مِنْهُ مَا يَكْرَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ وَلَمْ يُكَلِّمْهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (إيقَاعُ حَمْزَةَ بِأَبِي جَهْلٍ وَإِسْلَامُهُ) : فَاحْتَمَلَ حَمْزَةَ الْغَضَبُ لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ، فَخَرَجَ يَسْعَى وَلَمْ يَقِفْ عَلَى أَحَدٍ، مُعِدًّا لِأَبِي جَهْلٍ إذَا لَقِيَهُ أَنْ يُوقِعَ بِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ نَظَرَ إلَيْهِ جَالِسًا فِي الْقَوْمِ، فَأَقْبَلَ نَحْوَهُ، حَتَّى إذَا قَامَ عَلَى رَأْسِهِ رَفَعَ الْقَوْسَ فَضَرَبَهُ بِهَا فَشَجَّهُ شَجَّةً مُنْكَرَةً، ثُمَّ قَالَ: أَتَشْتِمُهُ وَأَنَا عَلَى دِينِهِ أَقُولُ مَا يَقُولُ؟ فَرُدَّ ذَلِكَ عَلَيَّ إنْ اسْتَطَعْتُ. فَقَامَتْ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ إلَى حَمْزَةَ لِيَنْصُرُوا أَبَا جَهْلٍ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: دَعُوا أَبَا عُمَارَةَ، فَإِنِّي وَاَللَّهِ قَدْ سَبَبْتُ ابْنَ أَخِيهِ سَبًّا قَبِيحًا، وَتَمَّ حَمْزَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى إسْلَامِهِ، وَعَلَى مَا تَابَعَ عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ. فَلَمَّا أَسْلَمَ حَمْزَةُ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَزَّ وَامْتَنَعَ، وَأَنَّ حَمْزَةَ سَيَمْنَعُهُ، فَكَفُّوا عَنْ بَعْضِ مَا كَانُوا يَنَالُونَ [4] مِنْهُ.

_ [1] النادي: مجْلِس الْقَوْم وَقد يُسمى الْقَوْم المجتمعون نَادِيًا، وَمِنْه «فَليدع نَادِيه» . [2] متوشحا: مُتَقَلِّدًا. [3] القنص (بِالْفَتْح وبالتحريك) : الصَّيْد. [4] وَزَاد غير ابْن إِسْحَاق فِي إِسْلَام حَمْزَة أَنه قَالَ: لما احتملنى الْغَضَب وَقلت: أَنا على قَوْله، أدركنى النَّدَم على فِرَاق دين آبَائِي وقومي، وَبت من الشَّك فِي أَمر عَظِيم، لَا أكتحل بنوم، ثمَّ أتيت الْكَعْبَة وتضرعت إِلَى الله سُبْحَانَهُ أَن يشْرَح صَدْرِي للحق، وَيذْهب عَنى الريب، فَمَا استتممت دعائي حَتَّى زاح عَنى الْبَاطِل، وامتلأ قلبِي يَقِينا، فَغَدَوْت إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرته بِمَا كَانَ من أمرى، فَدَعَا

قول عتبة بن ربيعة في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

قَوْلُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا دَارَ بَيْنَ عُتْبَةَ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَكَانَ سَيِّدًا، قَالَ يَوْمًا وَهُوَ جَالِسٌ فِي نَادِي قُرَيْشٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَلَا أَقُومُ إلَى مُحَمَّدٍ فَأُكَلِّمَهُ وَأَعْرِضَ عَلَيْهِ أُمُورًا لَعَلَّهُ يَقْبَلُ بَعْضَهَا فَنُعْطِيهِ أَيَّهَا شَاءَ، وَيَكُفُّ عَنَّا؟ وَذَلِكَ حِينَ أَسْلَمَ حَمْزَةُ، وَرَأَوْا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُونَ وَيَكْثُرُونَ، فَقَالُوا: بَلَى يَا أَبَا الْوَلِيدِ، قُمْ إلَيْهِ فَكَلِّمْهُ، فَقَامَ إلَيْهِ عُتْبَةُ حَتَّى جَلَسَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا بن أَخِي، إنَّكَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ مِنْ السِّطَةِ [1] فِي الْعَشِيرَةِ، وَالْمَكَانِ فِي النَّسَبِ، وَإِنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ قَوْمَكَ بِأَمْرِ عَظِيمٍ فَرَّقْتَ بِهِ جَمَاعَتَهُمْ وَسَفَّهْتَ بِهِ أَحْلَامَهُمْ وَعِبْتَ بِهِ آلِهَتَهُمْ وَدِينَهُمْ وَكَفَّرْتَ بِهِ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِمْ، فَاسْمَعْ مِنِّي أَعْرِضْ عَلَيْكَ أُمُورًا تَنْظُرُ فِيهَا لَعَلَّكَ تَقْبَلُ مِنْهَا [2] بَعْضَهَا. قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ، أَسْمَعْ، قَالَ: يَا بن أَخِي، إنْ كُنْتَ إنَّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ شَرَفًا سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا، حَتَّى لَا نَقْطَعَ أَمْرًا دُونَكَ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ رِئْيًا [3] تَرَاهُ لَا تَسْتَطِيعُ رَدَّهُ عَنْ نَفْسِكَ، طَلَبْنَا لَكَ الطِّبَّ، وَبَذَلْنَا فِيهِ

_ [ () ] لي بِأَن يثبتني الله. وَقَالَ حَمْزَة حِين أسلم أبياتا، مِنْهَا: حمدت الله حِين هدى فُؤَادِي ... إِلَى الْإِسْلَام وَالدّين الحنيف لدين جَاءَ من رب عَزِيز ... خَبِير بالعباد بهم لطيف إِذا تليت رسائله علينا ... تحدر دمع ذِي اللب الحصيف رسائل جَاءَ أَحْمد من هداها ... بآيَات مبينَة الْحُرُوف [1] كَذَا فِي أ. والسطة: الشّرف. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «البسطة» . [2] فِي أ: «منا» . [3] الرئى (بِفَتْح الرَّاء وَكسرهَا) : مَا يتَرَاءَى للْإنْسَان من الْجِنّ.

(ما أشار به عتبة على أصحابه) :

أَمْوَالَنَا حَتَّى نُبْرِئَكَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَ التَّابِعُ [1] عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُدَاوَى مِنْهُ أَوْ كَمَا قَالَ لَهُ. حَتَّى إذَا فَرَغَ عُتْبَةُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِعُ مِنْهُ، قَالَ: أَقَدْ فَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاسْمَعْ مِنِّي، قَالَ: أَفْعَلُ، فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. بَشِيراً وَنَذِيراً، فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ. وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ 41: 0- 5 ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا يَقْرَؤُهَا عَلَيْهِ. فَلَمَّا سَمِعَهَا مِنْهُ عُتْبَةُ، أَنْصَتَ لَهَا، وَأَلْقَى يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا يَسْمَعُ مِنْهُ، ثُمَّ انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى السَّجْدَةِ مِنْهَا، فَسَجَدَ ثُمَّ قَالَ: قَدْ سَمِعْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ مَا سَمِعْتَ، فَأَنْتَ وَذَاكَ. (مَا أَشَارَ بِهِ عُتْبَةُ عَلَى أَصْحَابِهِ) : فَقَامَ عُتْبَةُ إلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: نَحْلِفُ باللَّه لَقَدْ جَاءَكُمْ أَبُو الْوَلِيدِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ. فَلَمَّا جَلَسَ إلَيْهِمْ قَالُوا: مَا وَرَاءَكَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ قَالَ: وَرَائِي أَنِّي قَدْ سَمِعْتُ قَوْلًا وَاَللَّهِ مَا سَمِعْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِالشِّعْرِ، وَلَا بِالسِّحْرِ، وَلَا بِالْكِهَانَةِ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَطِيعُونِي وَاجْعَلُوهَا بِي، وَخَلُّوا بَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ وَبَيْنَ مَا هُوَ فِيهِ فاعتزلوه، فو الله لَيَكُونَنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ، فَإِنْ تُصِبْهُ الْعَرَبُ فَقَدْ كُفِيتُمُوهُ بِغَيْرِكُمْ، وَإِنْ يَظْهَرْ عَلَى الْعَرَبِ فَمُلْكُهُ مُلْكُكُمْ، وَعِزُّهُ عِزُّكُمْ، وَكُنْتُمْ أَسْعَدَ النَّاسِ بِهِ، قَالُوا: سَحَرَكَ وَاَللَّهِ يَا أَبَا الْوَلِيدِ بِلِسَانِهِ، قَالَ: هَذَا رَأْيِي فِيهِ، فَاصْنَعُوا مَا بَدَا لَكُمْ. مَا دَارَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ، وَتَفْسِيرٌ لِسُورَةِ الْكَهْفِ (اسْتِمْرَارُ قُرَيْشٍ عَلَى تَعْذِيبِ مَنْ أَسْلَمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ الْإِسْلَامَ جَعَلَ يَفْشُو بِمَكَّةَ فِي قَبَائِلِ قُرَيْشٍ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَقُرَيْشٌ تَحْبِسُ مَنْ قَدَرَتْ عَلَى حَبْسِهِ، وَتَفْتِنُ مَنْ اسْتَطَاعَتْ

_ [1] التَّابِع: من يتبع النَّاس من الْجِنّ.

(حديث رؤساء قريش مع الرسول صلى الله عليه وسلم) :

فِتْنَتَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ إنَّ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ، كَمَا حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (حَدِيثُ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : اجْتَمَعَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَالنَّضْرُ ابْن الْحَارِثِ (بْنِ كَلَدَةَ) [1] ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَأَبُو جَهْلِ ابْن هِشَامٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَالْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ، وَنَبِيهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ السَّهْمِيَّانِ [2] ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، أَوْ مَنْ اجْتَمَعَ مِنْهُمْ. قَالَ: اجْتَمِعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: ابْعَثُوا إلَى مُحَمَّدٍ فَكَلِّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ حَتَّى تُعْذِرُوا فِيهِ، فَبَعَثُوا إلَيْهِ: إنَّ أَشْرَافَ قَوْمِكَ قَدْ اجْتَمَعُوا لَكَ لِيُكَلِّمُوكَ، فَأْتِهِمْ، فَجَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيعًا، وَهُوَ يَظُنُّ أَنْ قَدْ بَدَا لَهُمْ فِيمَا كَلَّمَهُمْ فِيهِ بَدَاءٌ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَرِيصًا يُحِبُّ رُشْدَهُمْ، وَيَعِزُّ عَلَيْهِ عَنَتُهُمْ [3] ، حَتَّى جَلَسَ إلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، إنَّا قَدْ بَعَثْنَا إلَيْكَ لِنُكَلِّمَكَ، وَإِنَّا وَاَللَّهِ مَا نَعْلَمُ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ أَدْخَلَ عَلَى قَوْمِهِ مِثْلَ مَا أَدْخَلْتَ عَلَى قَوْمِكَ، لَقَدْ شَتَمْتَ الْآبَاءَ، وَعِبْتَ الدِّينَ، وَشَتَمْتَ الْآلِهَةَ، وَسَفَّهْتَ الْأَحْلَامَ، وَفَرَّقْتَ الْجَمَاعَةَ، فَمَا بَقِيَ أَمْرٌ قَبِيحٌ إلَّا قَدْ جِئْتَهُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ- أَوْ كَمَا قَالُوا لَهُ- فَإِنْ كُنْتَ إنَّمَا جِئْتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَطْلُبُ بِهِ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ إنَّمَا تَطْلُبُ بِهِ الشَّرَفَ فِينَا، فَنَحْنُ نُسَوِّدُكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ رِئْيًا تَرَاهُ قَدْ غَلَبَ عَلَيْكَ- وَكَانُوا يُسَمُّونَ التَّابِعَ مِنْ الْجِنِّ رِئْيًا- فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ، بَذَلْنَا لَكَ أَمْوَالَنَا فِي طَلَبِ الطِّبِّ لَكَ حَتَّى نُبْرِئَكَ مِنْهُ، أَوْ نُعْذِرَ فِيكَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: « ... الْحجَّاج والسهميان» . وَهُوَ تَحْرِيف. [3] الْعَنَت: مَا شقّ على الْإِنْسَان فعله.

مَا بِي مَا تَقُولُونَ، مَا جِئْتُ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُبُ أَمْوَالَكُمْ، وَلَا الشَّرَفَ فِيكُمْ، وَلَا الْمُلْكَ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إلَيْكُمْ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ كِتَابًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ لَكُمْ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي، وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ، فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنَّ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرْ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، فَإِنْ كُنْتَ غَيْرَ قَابِلٍ مِنَّا شَيْئًا مِمَّا عَرَضْنَاهُ عَلَيْكَ فَإِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ أَضْيَقَ بَلَدًا، وَلَا أَقَلَّ مَاءً، وَلَا أَشَدَّ عَيْشًا مِنَّا، فَسَلْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ بِمَا بَعَثَكَ بِهِ، فَلْيُسَيِّرْ عَنَّا هَذِهِ الْجِبَالَ الَّتِي قَدْ ضَيَّقَتْ عَلَيْنَا، وَلْيَبْسُطْ لَنَا بِلَادَنَا، وَلْيُفَجِّرْ [1] لَنَا فِيهَا أَنَهَارًا كَأَنْهَارِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَلْيَبْعَثْ لَنَا مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِنَا، وَلْيَكُنْ فِيمَنْ يُبْعَثُ لَنَا مِنْهُمْ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ، فَإِنَّهُ كَانَ شَيْخَ صِدْقٍ، فَنَسْأَلَهُمْ عَمَّا تَقُولُ: أَحَقُّ هُوَ أَمْ بَاطِلٌ، فَإِنْ صَدَّقُوكَ وَصَنَعْتَ مَا سَأَلْنَاكَ صَدَّقْنَاكَ، وَعَرَفْنَا بِهِ مَنْزِلَتَكَ مِنْ اللَّهِ، وَأَنَّهُ بَعَثَكَ رَسُولًا كَمَا تَقُولُ. فَقَالَ لَهُمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: مَا بِهَذَا بُعِثْتُ إلَيْكُمْ، إنَّمَا جِئْتُكُمْ مِنْ اللَّهِ بِمَا بَعَثَنِي بِهِ، وَقَدْ بَلَّغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ إلَيْكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوهُ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي [2] وَبَيْنَكُمْ، قَالُوا: فَإِذَا لَمْ تَفْعَلْ هَذَا لَنَا،

_ [1] فِي أ: «وليخرق» . [2] قَالَ السهيليّ: «وَذكر مَا سَأَلَهُ قومه من الْآيَات وَإِزَالَة الْجبَال عَنْهُم وإنزال الْمَلَائِكَة عَلَيْهِ وَغير ذَلِك جهلا مِنْهُم بحكمة الله تَعَالَى فِي امتحانه الْخلق وتعبدهم بِتَصْدِيق الرُّسُل، وَأَن يكون إِيمَانهم عَن نظر وفكر فِي الْأَدِلَّة فَيَقَع الثَّوَاب على حسب ذَلِك وَلَو كشف الغطاء وَحصل لَهُم الْعلم الضروريّ بطلت الْحِكْمَة الَّتِي من أجلهَا يكون الثَّوَاب وَالْعِقَاب إِذْ لَا يُؤجر الْإِنْسَان على مَا لَيْسَ من كَسبه كَمَا لَا يُؤجر على مَا خلق فِيهِ من لون وَشعر وَنَحْو ذَلِك، وَإِنَّمَا أَعْطَاهُم من الدَّلِيل مَا يَقْتَضِي النّظر فِيهِ الْعلم الكسبي، وَذَلِكَ لَا يحصل إِلَّا بِفعل من أَفعَال الْقلب وَهُوَ النّظر فِي الدَّلِيل وَفِي وَجه دلَالَة المعجزة على صدق الرَّسُول، وَإِلَّا فقد كَانَ قَادِرًا سُبْحَانَهُ أَن يَأْمُرهُم بِكَلَامِهِ يسمعونه ويغنيهم عَن إرْسَال الرُّسُل إِلَيْهِم، وَلكنه سُبْحَانَهُ قسم الْأَمر بَين الدَّاريْنِ فَجعل الْأَمر بِعلم فِي الدُّنْيَا بِنَظَر واستدلال وتفكر وَاعْتِبَار، لِأَنَّهَا دَار تعبد واختبار، وَجعل الْأَمر بِعلم فِي الْآخِرَة بمعاتبة واضطرار لَا يسْتَحق بِهِ ثَوَاب وَلَا جَزَاء، وَإِنَّمَا يكون الْجَزَاء فِيهَا على مَا سبق فِي الدَّار الأولى، حِكْمَة دبرهَا وَقَضِيَّة أحكمها، وَقد قَالَ الله تَعَالَى وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ 17: 59، يُرِيد فِيمَا قَالَ أهل التَّأْوِيل: أَن التَّكْذِيب بِالْآيَاتِ نَحْو مَا سَأَلُوهُ من إِزَالَة الْجبَال عَنْهُم، وإنزال الْمَلَائِكَة يُوجب فِي حكم الله

فَخُذْ لِنَفْسِكَ، سَلْ رَبَّكَ أَنْ يَبْعَثَ مَعَكَ مَلَكًا يُصَدِّقُكَ بِمَا تَقُولُ، وَيُرَاجِعُنَا عَنْكَ وَسَلْهُ فَلْيَجْعَلْ لَكَ جَنَانًا وَقُصُورًا وَكُنُوزًا مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ يُغْنِيكَ بِهَا عَمَّا نَرَاكَ تَبْتَغِي، فَإِنَّكَ تَقُومُ بِالْأَسْوَاقِ كَمَا نَقُومُ، وَتَلْتَمِسُ الْمَعَاشَ كَمَا نَلْتَمِسُهُ، حَتَّى نَعْرِفَ فَضْلَكَ وَمَنْزِلَتَكَ مِنْ رَبِّكَ إنْ كُنْتَ رَسُولًا كَمَا تَزْعُمُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَنَا بِفَاعِلِ، وَمَا أَنَا بِاَلَّذِي يَسْأَلُ رَبَّهُ هَذَا، وَمَا بُعِثْتُ إلَيْكُمْ بِهَذَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي بَشِيرًا وَنَذِيرًا- أَوْ كَمَا قَالَ- فَإِنْ تَقْبَلُوا مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرْ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ قَالُوا: فَأَسْقِطْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا كِسَفًا كَمَا زَعَمْتَ أَنَّ رَبَّكَ إنْ شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّا لَا نُؤْمِنُ لَكَ إلَّا أَنْ تَفْعَلَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَلِكَ إلَى اللَّهِ، إنْ شَاءَ أَنْ يَفْعَلَهُ بِكُمْ فَعَلَ، قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، أَفَمَا عَلِمَ رَبُّكَ أَنَّا سَنَجْلِسُ مَعَكَ وَنَسْأَلُكَ عَمَّا سَأَلْنَاكَ عَنْهُ، وَنَطْلُبُ مِنْكَ مَا نَطْلُبُ، فَيَتَقَدَّمَ إلَيْكَ فَيُعَلِّمَكَ مَا تُرَاجِعُنَا بِهِ، وَيُخْبِرُكَ مَا هُوَ صَانِعٌ فِي ذَلِكَ بِنَا، إذْ لَمْ نَقْبَلْ مِنْكَ مَا جِئْتنَا بِهِ! إنَّهُ قَدْ بَلَغْنَا أَنَّكَ إنَّمَا يُعَلِّمُكَ هَذَا رَجُلٌ بِالْيَمَامَةِ يُقَالُ لَهُ: الرَّحْمَنُ، وَإِنَّا وَاَللَّهِ لَا نُؤْمِنُ بِالرَّحْمَنِ أَبَدًا، فَقَدْ أَعْذَرْنَا إلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، وَإِنَّا وَاَللَّهِ لَا نَتْرُكُكَ وَمَا بَلَغْتَ منّا حَتَّى نملكك، أَوْ تُهْلِكَنَا. وَقَالَ قَائِلُهُمْ: نَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ، وَهِيَ بَنَاتُ اللَّهِ. وَقَالَ قَائِلُهُمْ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَأْتِيَنَا باللَّه وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا.

_ [ () ] أَلا يلبث الْكَافرين بهَا، وَأَن يعاجلهم بالنقمة كَمَا فعل بِقوم صَالح وبآل فِرْعَوْن، فَلَو أَعْطَيْت قُرَيْش مَا سَأَلُوهُ من الْآيَات وجاءهم بِمَا اقترحوا ثمَّ كذبُوا لم يَلْبَثُوا، وَلَكِن الله أكْرم مُحَمَّدًا فِي الْأمة الَّتِي أرْسلهُ إِلَيْهِم، إِذْ قد سبق فِي علمه أَن يكذب بِهِ من يكذب وَيصدق من يصدق، وابتعثه رَحْمَة للْعَالمين بر وَفَاجِر، أما الْبر فرحمته إيَّاهُم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَأما الْفَاجِر فإنّهم أمنُوا من الْخَسْف وَالْغَرق وإرسال حاصب عَلَيْهِم من السَّمَاء، كَذَلِك قَالَ بعض أهل التَّفْسِير فِي قَوْله: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ 21: 107. مَعَ أَنهم لم يسْأَلُوا مَا سَأَلُوا من الْآيَات إِلَّا تعنتا واستهزاء لَا على جِهَة الاسترشاد وَدفع الشَّك، فقد رَأَوْا من دَلَائِل النُّبُوَّة مَا فِيهِ شِفَاء لمن أنصف، قَالَ الله سُبْحَانَهُ: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ 29: 51 الْآيَة. وَفِي هَذَا الْمَعْنى قيل: لَو لم تكن فِيهِ آيَات مبينَة ... كَانَت بداهته تنبيك بالْخبر وَقد ذكر ابْن إِسْحَاق فِي غير هَذِه الرِّوَايَة أَنهم سَأَلُوهُ أَن يَجْعَل لَهُم الصَّفَا ذَهَبا، فهم رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يَدْعُو الله لَهُم فَنزل جِبْرِيل فَقَالَ لَهُم: مَا شِئْتُم، إِن شِئْتُم فعلت مَا سَأَلْتُم، ثمَّ لَا نلبثكم إِن كَذبْتُمْ بعد مُعَاينَة الْآيَة، فَقَالُوا لَا حَاجَة لنا بهَا.

(حديث عبد الله بن أبى أمية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) :

(حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَامَ عَنْهُمْ، وَقَامَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ ابْن أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ- وَهُوَ ابْنُ عَمَّتِهِ، فَهُوَ لِعَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ- فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ. عَرَضَ عَلَيْكَ قَوْمُكَ مَا عَرَضُوا فَلَمْ تَقْبَلْهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوكَ لِأَنْفُسِهِمْ أُمُورًا لِيَعْرِفُوا بِهَا مَنْزِلَتَكَ مِنْ اللَّهِ كَمَا تَقُولُ، وَيُصَدِّقُوكَ وَيَتَّبِعُوكَ فَلَمْ تَفْعَلْ، ثُمَّ سَأَلُوكَ أَنْ تَأْخُذَ لِنَفْسِكَ مَا يَعْرِفُونَ بِهِ فَضْلَكَ عَلَيْهِمْ، وَمَنْزِلَتَكَ مِنْ اللَّهِ، فَلَمْ تَفْعَلْ، ثُمَّ سَأَلُوكَ أَنْ تُعَجِّلَ لَهُمْ بَعْضَ مَا تُخَوِّفُهُمْ بِهِ مِنْ الْعَذَابِ، فَلَمْ تَفْعَلْ- أَوْ كَمَا قَالَ لَهُ- فو الله لَا أُومِنُ بِكَ أَبَدًا حَتَّى تَتَّخِذَ إلَى السَّمَاءِ سُلَّمًا، ثُمَّ تَرْقَى فِيهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إلَيْكَ حَتَّى تَأْتِيَهَا، ثُمَّ تَأْتِي مَعَكَ أَرْبَعَةٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ يَشْهَدُونَ لَكَ أَنَّكَ كَمَا تَقُولُ، وَاَيْمُ اللَّهِ، لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ مَا ظَنَنْتُ أَنِّي أُصَدِّقُكَ [1] ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَهْلِهِ حَزِينًا آسِفًا لِمَا فَاتَهُ مِمَّا كَانَ يَطْمَعُ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ حِينَ دَعَوْهُ، وَلِمَا رَأَى مِنْ مُبَاعَدَتِهِمْ إيَّاهُ. (مَا تَوَعَّدَ بِهِ أَبُو جَهْلٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : فَلَمَّا قَامَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنَّ مُحَمَّدًا قَدْ أَبَى إلَّا مَا تَرَوْنَ مِنْ عَيْبِ دِينِنَا، وَشَتْمِ آبَائِنَا، وَتَسْفِيهِ أَحْلَامنَا، وَشتم آلِهَتنَا، وَإِنِّي أُعَاهِدُ اللَّهَ لَأَجْلِسَنَّ لَهُ غَدًا بِحَجَرٍ مَا أُطِيقُ حَمْلَهُ- أَوْ كَمَا قَالَ- فَإِذَا سَجَدَ فِي صَلَاتِهِ فَضَخْتُ بِهِ رَأْسَهُ، فَأَسْلِمُونِي عِنْدَ ذَلِكَ أَوْ امْنَعُونِي، فَلْيَصْنَعْ بَعْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ مَا بَدَا لَهُمْ، قَالُوا: وَاَللَّهِ لَا نُسْلِمُكَ لِشَيْءِ أَبَدًا، فَامْضِ لِمَا تُرِيدُ. (مَا حَدَثَ لِأَبِي جَهْلٍ حِينَ هَمَّ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو جَهْلٍ، أَخَذَ حَجَرًا كَمَا وَصَفَ، ثُمَّ جَلَسَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُهُ، وَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كَانَ يَغْدُو. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَقِبْلَتُهُ إلَى الشَّامِ، فَكَانَ إذَا صَلَّى صَلَّى بَيْنَ

_ [1] وَقد أسلم أَبُو أُميَّة قبل فتح مَكَّة.

(نصيحة النضر لقريش بالتدبر فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم) :

الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْحَجَرِ [1] الْأَسْوَدِ، وَجَعَلَ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّامِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَقَدْ غَدَتْ قُرَيْشٌ فَجَلَسُوا فِي أَنْدِيَتِهِمْ يَنْتَظِرُونَ مَا أَبُو جَهْلٍ فَاعِلٌ، فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَمَلَ أَبُو جَهْلٍ الْحَجَرَ، ثُمَّ أَقْبَلَ نَحْوَهُ، حَتَّى إذَا دَنَا مِنْهُ رَجَعَ مُنْهَزِمًا مُنْتَقِعًا لَوْنُهُ [2] مَرْعُوبًا قَدْ يَبِسَتْ يَدَاهُ عَلَى حَجَرِهِ، حَتَّى قَذَفَ الْحَجَرَ مِنْ يَدِهِ، وَقَامَتْ إلَيْهِ رِجَالُ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا لَهُ: مَا لَكَ يَا أَبَا الْحَكَمِ؟ قَالَ: قُمْتُ إلَيْهِ لِأَفْعَلَ بِهِ مَا قُلْتُ لَكُمْ الْبَارِحَةَ، فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ عَرَضَ لِي دُونَهُ فَحْلٌ مِنْ الْإِبِلِ، لَا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَامَتهِ، وَلَا مِثْلَ قَصَرَتِهِ [3] وَلَا أَنْيَابِهِ لِفَحْلٍ قَطُّ، فَهَمَّ بِي أَنْ يَأْكُلَنِي [4] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ذَلِكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَوْ دَنَا لَأَخَذَهُ. (نَصِيحَةُ النَّضْرِ لِقُرَيْشِ بِالتَّدَبُّرِ فِيمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ أَبُو جَهْلٍ، قَامَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ ابْن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنَّهُ وَاَللَّهِ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ مَا أَتَيْتُمْ لَهُ بِحِيلَةِ بَعْدُ، قَدْ كَانَ مُحَمَّدٌ فِيكُمْ غُلَامًا حَدَثًا أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ، وَأَصْدَقَكُمْ حَدِيثًا، وَأَعْظَمَكُمْ أَمَانَةً، حَتَّى إذَا رَأَيْتُمْ فِي صُدْغَيْهِ الشَّيْبَ، وَجَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ، قُلْتُمْ

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: « ... بَين الرُّكْنَيْنِ البراني وَالْأسود» . وَقد عرض ابْن بطوطة فِي رحلته فِي الْجُزْء الأول (ص 315 طبع أوربا) للْكَلَام على الْأَركان فَقَالَ: «وَمن عِنْد الْحجر الْأسود مُبْتَدأ الطّواف، وَهُوَ أول الْأَركان الَّتِي يلقاها الطَّائِف، فَإِذا استلمه تقهقر عَنهُ قَلِيلا، وَجعل الْكَعْبَة الشَّرِيفَة عَن يسَاره وَمضى فِي طَوَافه، ثمَّ بعده الرُّكْن الْعِرَاقِيّ وَهُوَ إِلَى جِهَة الشمَال، ثمَّ ألْقى الرُّكْن الشَّامي وَهُوَ إِلَى جِهَة الغرب، ثمَّ يلقى الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَهُوَ إِلَى جِهَة الْمغرب، ثمَّ يعود إِلَى الْحجر الْأسود وَهُوَ إِلَى جِهَة الشرق» . [2] منتقع: متغير. [3] القصرة: أصل الْعُنُق. [4] وروى هَذَا الحَدِيث النَّسَائِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبى هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ أَبُو جهل، وَذكر الحَدِيث « ... فَقَالُوا مَا لَك؟ فَقَالَ: إِن بيني وَبَينه لَخَنْدَقًا من نَار وَهولا وَأَجْنِحَة، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَو دنا لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَة عضوا عضوا» . (رَاجع الرَّوْض) .

(ما كان يؤذى به النضر بن الحارث رسول الله صلى الله عليه وسلم) :

سَاحِرٌ، لَا وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِسَاحِرٍ، لَقَدْ رَأَيْنَا السَّحَرَةَ وَنَفْثَهُمْ وَعَقْدَهُمْ [1] ، وَقُلْتُمْ كَاهِنٌ، لَا وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِكَاهِنٍ، قَدْ رَأَيْنَا الْكَهَنَةَ وَتَخَالُجَهُمْ وَسَمِعْنَا سَجْعَهُمْ، وَقُلْتُمْ شَاعِرٌ، لَا وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِشَاعِرٍ، قَدْ رَأَيْنَا الشِّعْرَ، وَسَمِعْنَا أَصْنَافَهُ كُلَّهَا: هَزَجَهُ وَرَجَزَهُ، وَقُلْتُمْ مَجْنُونٌ، لَا وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ، لَقَدْ رَأَيْنَا الْجُنُونَ فَمَا هُوَ بِخَنْقِهِ، وَلَا وَسْوَسَتِهِ، وَلَا تَخْلِيطِهِ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، فَانْظُرُوا فِي شَأْنِكُمْ، فَإِنَّهُ وَاَللَّهِ لَقَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ. (مَا كَانَ يُؤْذِي بِهِ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : وَكَانَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ، وَمِمَّنْ كَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَنْصِبُ لَهُ الْعَدَاوَةَ، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ الْحِيرَةَ، وَتَعَلَّمَ بِهَا أَحَادِيثَ مُلُوكِ الْفُرْسِ، وَأَحَادِيثَ رُسْتُمَ وَاسْبِنْدِيَارَ [2] ، فَكَانَ إذَا جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا فَذَكَّرَ فِيهِ باللَّه، وَحَذَّرَ قَوْمَهُ مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ الْأُمَمِ مِنْ نِقْمَةِ اللَّهِ، خَلَفَهُ فِي مَجْلِسِهِ إذَا قَامَ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا وَاَللَّهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَحْسَنُ حَدِيثًا مِنْهُ، فَهَلُمَّ إلَيَّ، فَأَنَا أُحَدِّثُكُمْ أَحْسَنَ مِنْ حَدِيثِهِ، ثُمَّ يُحَدِّثُهُمْ عَنْ مُلُوكِ فَارِسَ وَرُسْتُمَ وَاسْبِنْدِيَارَ [2] ، ثمَّ يَقُول: بِمَاذَا مُحَمَّدٌ أَحْسَنُ حَدِيثًا مِنِّي؟. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيمَا بَلَغَنِي: سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ، فِيمَا بَلَغَنِي: نَزَلَ فِيهِ ثَمَانِ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قَالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ 68: 15. وَكُلُّ مَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ الْأَسَاطِيرِ مِنْ الْقُرْآنِ. (أَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ النَّضْرَ وَابْنَ أَبِي مُعَيْطٍ إلَى أَحْبَارِ يَهُودَ يَسْأَلَانِهِمْ عَنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بَعَثُوهُ، وَبَعَثُوا مَعَهُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ إلَى أَحْبَارِ يَهُودَ بِالْمَدِينَةِ، وَقَالُوا لَهُمَا: سَلَاهُمْ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَصِفَا لَهُمْ صِفَتَهُ، وَأَخْبِرَاهُمْ بِقَوْلِهِ، فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأُوَلِ، وَعِنْدَهُمْ عِلْمٌ لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ عِلْمِ

_ [1] العقد: بِفَتْح وَسُكُون، أَو بِضَم فَفتح على أَن يكون جمع عقدَة، وَهِي الَّتِي يعقدها السَّاحر فِي الْخَيط ينْفخ فِيهَا بِشَيْء يَقُوله بِلَا ريق أَو مَعَه. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي م: «إسفنديار» . وَفِي سَائِر الْأُصُول: «اسفندياذ» .

(سؤال قريش له صلى الله عليه وسلم عن أسئلة وإجابته لهم) :

الْأَنْبِيَاءِ، فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ، فَسَأَلَا أَحْبَارَ يَهُودَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَصَفَا لَهُمْ أَمْرَهُ، وَأَخْبَرَاهُمْ بِبَعْضِ قَوْلِهِ، وَقَالَا لَهُمْ: إنَّكُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ، وَقَدْ جِئْنَاكُمْ لِتُخْبِرُونَا عَنْ صَاحِبِنَا هَذَا، فَقَالَتْ لَهُمَا أَحْبَارُ يَهُودَ: سَلُوهُ عَنْ ثَلَاثٍ نَأْمُرُكُمْ بِهِنَّ، فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهِنَّ فَهُوَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالرَّجُلُ مُتَقَوِّلٌ، فَرَوْا فِيهِ رَأْيَكُمْ. سَلُوهُ عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ الْأَوَّلِ مَا كَانَ أَمْرُهُمْ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُمْ حَدِيثٌ عَجَبٌ، وَسَلُوهُ عَنْ رَجُلٍ طَوَّافٍ قَدْ بَلَغَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا مَا كَانَ نَبَؤُهُ، وَسَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ مَا هِيَ؟ فَإِذَا أَخْبَرَكُمْ بِذَلِكَ فَاتَّبِعُوهُ، فَإِنَّهُ نَبِيٌّ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَهُوَ رَجُلٌ مُتَقَوَّلٌ، فَاصْنَعُوا فِي أَمْرِهِ مَا بَدَا لَكُمْ. فَأَقْبَلَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ حَتَّى قَدِمَا مَكَّةَ عَلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، قَدْ جِئْنَاكُمْ بِفَصْلِ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، قَدْ أَخْبَرَنَا أَحْبَارُ يَهُودَ أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ أَمَرُونَا بِهَا، فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ عَنْهَا فَهُوَ نَبِيٌّ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالرَّجُلُ مُتَقَوِّلٌ، فَرَوْا فِيهِ رَأْيَكُمْ. (سُؤَالُ قُرَيْشٍ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَسْئِلَةٍ وَإِجَابَتُهُ لَهُمْ) : فَجَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنَا عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ الْأَوَّلِ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ قِصَّةٌ عَجَبٌ، وَعَنْ رَجُلٍ كَانَ طَوَّافًا قَدْ بَلَغَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَأَخْبِرْنَا عَنْ الرُّوحِ مَا هِيَ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُخْبِرُكُمْ بِمَا سَأَلْتُمْ عَنْهُ غَدًا، وَلَمْ يَسْتَثْنِ [1] ، فَانْصَرَفُوا عَنْهُ. فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- خَمْسَ عَشْرَةَ [2] لَيْلَةً لَا يُحْدِثُ اللَّهُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَحْيًا، وَلَا يَأْتِيهِ جِبْرِيل، حَتَّى أرحف [3] أَهْلُ مَكَّةَ، وَقَالُوا: وَعَدَنَا مُحَمَّدٌ غَدًا، وَالْيَوْمَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، قَدْ أَصْبَحْنَا مِنْهَا لَا يُخْبِرُنَا بِشَيْءِ مِمَّا سَأَلْنَاهُ عَنْهُ، وَحَتَّى أَحْزَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُكْثُ الْوَحْيِ

_ [1] كَذَا فِي أ. يُرِيد: لم يقل: إِن شَاءَ الله. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «لم يسْتَثْن» . [2] وَفِي سير التَّيْمِيّ ومُوسَى بن عقبَة: إِن الْوَحْي إِنَّمَا أَبْطَأَ عَنهُ ثَلَاثَة أَيَّام، ثمَّ جَاءَهُ جِبْرِيل بِسُورَة الْكَهْف. (رَاجع الرَّوْض) . [3] أرجف الْقَوْم: خَاضُوا فِي الْأَخْبَار السَّيئَة، وَذكر الْفِتَن على أَن يوقعوا فِي النَّاس الِاضْطِرَاب من غير أَن يَصح عِنْدهم شَيْء.

(ما أنزل الله في قريش حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فغاب عنه الوحي مدة) :

عَنْهُ، وَشَقَّ عَلَيْهِ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ: ثُمَّ جَاءَهُ جِبْرِيلُ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِسُورَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، فِيهَا مُعَاتَبَتُهُ إيَّاهُ عَلَى حُزْنِهِ عَلَيْهِمْ، وَخَبَرُ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ الْفِتْيَةَ، وَالرَّجُلِ الطَّوَّافِ، وَالرُّوحِ. (مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي قُرَيْشٍ حِينَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَابَ عَنْهُ الْوَحْيُ مُدَّةً) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِجِبْرِيلَ حِينَ جَاءَهُ: لَقَدْ احْتَبَسْتَ عَنِّي يَا جِبْرِيلُ حَتَّى سُؤْتُ ظَنًّا، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ، لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ، وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا 19: 64. فَافْتَتَحَ السُّورَةَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِحَمْدِهِ وَذِكْرِ نُبُوَّةِ رَسُولِهِ، لِمَا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ 18: 1 يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنَّكَ رَسُولٌ مِنِّي: أَيْ تَحْقِيقٌ لِمَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ نُبُوَّتِكَ. وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً 18: 1- 2: أَيْ مُعْتَدِلًا، لَا اخْتِلَافَ فِيهِ. لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ 18: 2: أَيْ عَاجِلَ عُقُوبَتِهِ فِي الدُّنْيَا. وَعَذَابًا أَلِيمًا فِي الْآخِرَةِ: أَيْ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ الَّذِي بَعَثَ رَسُولًا. وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً، ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً 18: 2- 3: أَيْ دَارُ الْخُلْدِ. لَا يَمُوتُونَ فِيهَا الَّذِينَ صَدَّقُوكَ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِمَّا كَذَّبَكَ بِهِ غَيْرُهُمْ، وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرْتهمْ بِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ. وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً 18: 4 يَعْنِي قُرَيْشًا فِي قَوْلِهِمْ: إنَّا نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ، وَهِيَ بَنَاتُ اللَّهِ. مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ 18: 5 الَّذِينَ أَعْظَمُوا فِرَاقَهُمْ وَعَيْبَ دِينِهِمْ. كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ 18: 5: أَيْ لِقَوْلِهِمْ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ. إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً، فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ 18: 5- 6 يَا مُحَمَّدُ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً 18: 6: أَيْ لِحُزْنِهِ عَلَيْهِمْ حِينَ فَاتَهُ مَا كَانَ يَرْجُو مِنْهُمْ: أَيْ لَا تَفْعَلْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَاخِعٌ نَفْسَكَ، أَيْ مُهْلِكٌ نَفْسَكَ، فِيمَا حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ: أَلَا أَيُّهَذَا الْبَاخِعُ الْوَجْدُ نَفْسَهُ ... لِشَيْءٍ نَحَتْهُ عَنْ يَدَيْهِ الْمَقَادِرُ وَجَمْعُهُ: بَاخِعُونَ وَبَخَعَةٌ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: قَدْ بَخَعْتُ

(ما أنزله الله تعالى في قصة أصحاب الكهف) :

لَهُ نُصْحِي وَنَفْسِي، أَيْ جَهَدْتُ لَهُ. إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا 18: 7. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَيْ أَيُّهُمْ أَتْبَعُ لِأَمْرِي، وَأَعْمَلُ بِطَاعَتِي. وَإِنَّا لَجاعِلُونَ مَا عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً 18: 8: أَيْ الْأَرْضِ، وَإِنَّ مَا عَلَيْهَا لَفَانٍ وَزَائِلٌ، وَإِنَّ الْمَرْجِعَ إلَيَّ، فَأَجْزِي كُلًّا بِعَمَلِهِ، فَلَا تَأْسَ وَلَا يَحْزُنْكَ مَا تَسْمَعُ وَتَرَى فِيهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الصَّعِيدُ: الْأَرْضُ، وَجَمْعُهُ: صُعُدٌ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ ظَبْيًا صَغِيرًا: كَأَنَّهُ بِالضُّحَى تَرْمِي الصَّعِيدَ بِهِ ... دَبَّابَةٌ فِي عِظَامِ الرَّأْسِ خُرْطُومُ [1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالصَّعِيدُ (أَيْضًا) : الطَّرِيقُ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: إيَّاكُمْ وَالْقُعُودَ عَلَى الصُّعَدَاتِ. يُرِيدُ الطُّرُقَ. وَالْجُرُزُ: الْأَرْضُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ شَيْئًا، وَجَمْعُهَا: أَجْرَازٌ. وَيُقَالُ: سَنَةٌ جُرُزٌ، وَسُنُونَ أَجْرَازٌ، وَهِيَ الَّتِي لَا يَكُونُ فِيهَا مَطَرٌ، وَتَكُونُ فِيهَا جُدُوبَةٌ وَيُبْسٌ وَشِدَّةٌ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ إبِلا: طوى النحز [2] وَالْأَجْرَازُ مَا فِي بُطُونِهَا ... فَمَا بَقِيَتْ إلَّا الضُّلُوعُ الْجَرَاشِعُ [3] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. (مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ اسْتَقْبَلَ قِصَّةَ الْخَبَرِ فِيمَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ شَأْنِ الْفِتْيَةِ، فَقَالَ: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً 18: 9: أَيْ قَدْ كَانَ مِنْ آيَاتِي فِيمَا وَضَعْتُ عَلَى الْعِبَادِ مِنْ حُجَجِي مَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالرَّقِيمُ: الْكِتَابُ الَّذِي رُقِمَ فِيهِ بِخَبَرِهِمْ [4] ، وَجَمْعُهُ: رُقُمٌ. قَالَ الْعَجَّاجُ:

_ [1] كَذَا فِي أ. والدبابة: الْخمر. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ذُبَابَة» . وَهُوَ تَصْحِيف. والخرطوم: الْخمر أَيْضا. [2] كَذَا فِي أ. والنحز: النخس. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «النَّحْر» . بالراء الْمُهْملَة، وَهُوَ تَصْحِيف. [3] الجراشع: المنتفخة المتسعة، وَاحِدهَا: جرشع. [4] كَمَا قيل بِأَن الرقيم هُوَ اسْم الْجَبَل الّذي كَانَ فِيهِ الْكَهْف، أَو اسْم الْقرْيَة الَّتِي كَانُوا فِيهَا، كَمَا قيل بِأَنَّهُ الدواة، حَكَاهُ ابْن دُرَيْد.

وَمُسْتَقَرُّ الْمُصْحَفِ الْمُرَقَّمِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً. فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً. ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً 18: 10- 12. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ 18: 13: أَيْ بِصِدْقِ الْخَبَرِ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً، وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً، لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً 18: 13- 14: أَيْ لَمْ يُشْرِكُوا بِي كَمَا أَشْرَكْتُمْ بِي مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالشَّطَطُ: الْغُلُوُّ وَمُجَاوَزَةُ الْحَقِّ. قَالَ أَعْشَى بَنِي [1] قَيْسِ ابْن ثَعْلَبَةَ: لَا يَنْتَهُونَ وَلَا يَنْهَى ذَوِي شَطَطٍ ... كَالطَّعْنِ يَذْهَبُ [2] فِيهِ الزَّيْتُ وَالْفَتْلُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ 18: 15. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَيْ بِحُجَّةٍ بَالِغَةٍ. فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً. وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً. وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ، وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ، وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ 18: 15- 17. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَزَاوَرُ: تَمِيلُ، وَهُوَ مِنْ الزُّورِ. وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنِ حَجَرٍ

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بن» . [2] فِي أ: «يهْلك» .

وَإِنِّي زَعِيمٌ [1] إنْ رَجَعْتُ مُمَلَّكًا ... بِسَيْرٍ تَرَى مِنْهُ الْفُرَانِقَ أَزْوَرَا [2] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ أَبُو الزّحف الكليبي [3] يَصِفُ بَلَدًا: جَأْبُ [4] الْمُنَدَّى [5] عَنْ هَوَانَا أَزْوَرُ ... يُنْضِي الْمَطَايَا خِمْسُهُ الْعَشَنْزَرُ [6] وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ [7] فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. وتَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ 18: 17: تُجَاوِزُهُمْ وَتَتْرُكُهُمْ عَنْ شِمَالِهَا. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ: إلَى ظُعْنٍ يَقْرِضْنَ أَقْوَازَ مُشْرِفٍ ... شِمَالًا وَعَنْ أَيْمَانِهِنَّ الْفَوَارِسُ [8] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالْفَجْوَةُ: السَّعَةُ، وَجَمْعُهَا: الْفِجَاءُ. قَالَ الشَّاعِرُ: أَلْبَسْتَ قَوْمَكَ مَخْزَاةً وَمَنْقَصَةً ... حَتَّى أُبِيحُوا وَخَلَّوْا فَجْوَةَ الدَّارِ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ 7: 26 أَيْ فِي الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ عَرَفَ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، مِمَّنْ أَمَرَ هَؤُلَاءِ بِمَسْأَلَتِكَ عَنْهُمْ فِي صِدْقِ نُبُوَّتِكَ بِتَحْقِيقِ الْخَبَرِ عَنْهُمْ. مَنْ يَهْدِ الله فَهُوَ الْمُهْتَدِ، وَمن يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً. وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ، وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ 18: 17- 18. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْوَصِيدُ: الْبَابُ. قَالَ الْعَبْسِيُّ، وَاسْمُهُ عُبَيْدُ بْنُ وَهْبٍ: بِأَرْضٍ فَلَاةٍ لَا يُسَدُّ وَصِيدُهَا ... عَلَيَّ وَمَعْرُوفِي بِهَا غَيْرُ مُنْكَرِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَالْوَصِيدُ (أَيْضًا) : الْفِنَاءُ، وَجَمْعُهُ: وَصَائِدُ، وَوُصُدٌ، وَوُصْدَانُ، وَأُصُدٌ، وَأُصْدَانٌ.

_ [1] فِي لِسَان الْعَرَب (مَادَّة فرنق) : «أذين» . [2] الفرانق: الّذي يسير بالكنب على رجلَيْهِ، وَالْأَزْوَر: المائل. [3] كَذَا فِي أواللسان مَادَّة (عشنزر) ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الْكَلْبِيّ» . [4] كَذَا فِي الْأُصُول. والجأب: الغليظ الجافي. وَفِي لِسَان الْعَرَب «مَادَّة (عشنزر) : «جَدب» . [5] المندى: مرعى الْإِبِل إِذا امْتنعت عَن شرب المَاء. [6] ينضى: يهزل. وَخَمْسَة: هُوَ أَن ترد الْإِبِل المَاء عَن خَمْسَة أَيَّام. والعشنزر: الشَّديد الْخلق. [7] هَذَا على أَنَّهُمَا من مشطور الرجز. [8] الظعن: الْإِبِل الَّتِي عَلَيْهَا الهوادج. وأقواز: جمع قوز، وَهُوَ المستدير من الرمل. ومشرف: مَوضِع. والفوارس (هُنَا) : رمال بِعَينهَا. ويروى: إِلَى ظعن يقرضن أجواز. .. إِلَخ. والأجواز: جمع جوز، وَهُوَ الْوسط. 20- سيرة ابْن هِشَام- 1

(ما أنزل الله تعالى في خبر الرجل الطواف) :

لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً، وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً 18: 18 ... إلَى قَوْلِهِ: قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ 18: 21 أَهْلُ السُّلْطَانِ وَالْمُلْكِ مِنْهُمْ: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً، سَيَقُولُونَ 18: 21- 22 يَعْنِي أَحْبَارَ يَهُودَ الَّذِينَ أَمَرُوهُمْ بِالْمَسْأَلَةِ عَنْهُمْ: ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ، وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ، رَجْماً بِالْغَيْبِ 18: 22: أَيْ لَا عِلْمَ لَهُمْ. وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ، قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ، فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً 18: 22: أَيْ لَا تُكَابِرْهُمْ. وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً 18: 22 فَإِنَّهُمْ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِمْ. وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ [1] اللَّهُ، وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ، وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً 18: 23- 24: أَيْ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءِ سَأَلُوكَ عَنْهُ كَمَا قُلْتُ فِي هَذَا: إنِّي مُخْبِرُكُمْ غَدًا. وَاسْتَثْنِ شِيئَةَ [2] اللَّهِ، وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ، وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي 18: 24 لِخَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمُونِي عَنْهُ رَشَدًا، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَنَا صَانِعٌ فِي ذَلِكَ. وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ [3] وَازْدَادُوا تِسْعاً 18: 25: أَيْ سَيَقُولُونَ ذَلِكَ. قُلِ اللَّهِ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا، لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ، وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً 18: 26 أَيْ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا سَأَلُوكَ عَنْهُ. (مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي خَبَرِ الرَّجُلِ الطَّوَّافِ) : وَقَالَ فِيمَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الرجل الطوّاف: وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ 18: 83

_ [1] فِي الْكَلَام حذف وإضمار تَقْدِيره: وَلا تَقُولَنَّ 18: 23 إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً 18: 23 إِلَّا ذَاكِرًا إِلَّا أَنْ يَشاءَ الله، 18: 24 أَو ناطقا بِأَن يَشَاء الله. [2] كَذَا فِي أور. والشيئة: مصدر شَاءَ يَشَاء. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «مَشِيئَة» . [3] كَانَ الْقيَاس أَن يَقُول «سنة» بَدَلا من: «سِنِين» . وَلَكِن سِنِين هُنَا بدل مِمَّا قبله وَلَيْسَت مُضَافَة. وَفِي الْعُدُول عَن الْإِضَافَة إِلَى الْبَدَل حِكْمَة عَظِيمَة، لِأَنَّهُ لَو قَالَ «سنة» لَكَانَ الْكَلَام كَأَنَّهُ جَوَاب لطائفة وَاحِدَة من النَّاس. وَالنَّاس فيهم طَائِفَتَانِ: طَائِفَة عرفُوا طول لبثهم وَلم يعلمُوا مِقْدَار السنين، فعرفهم أَنَّهَا ثَلَاث مائَة، وَطَائِفَة لم يعرفوا طول لبثهم وَلَا شَيْئا من خبرهم، فَلَمَّا قَالَ ثَلَاث مائَة مُعَرفا للأولين بالمدة الَّتِي شكوا فِيهَا، مُبينًا للآخرين أَن هَذِه الثَّلَاث مائَة سنُون وَلَيْسَت أَيَّامًا وَلَا شهورا. فانتظم الْبَيَان للطائفتين من ذكر الْعدَد. وَجمع الْمَعْدُود وَتبين أَنه بدل، إِذْ الْبَدَل يُرَاد بِهِ تبين مَا قبله. (رَاجع الرَّوْض) .

قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً. إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً 18: 83- 85 حَتَّى انْتَهَى إلَى آخِرِ قِصَّةِ خَبَرِهِ. وَكَانَ مِنْ خَبَرِ ذِي الْقَرْنَيْنِ أَنَّهُ أُوتِيَ مَا لَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ غَيْرُهُ، فَمُدَّتْ لَهُ الْأَسْبَابُ حَتَّى انْتَهَى مِنْ الْبِلَادِ إلَى مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، لَا يَطَأُ أَرْضًا إلَّا سُلِّطَ عَلَى أَهْلِهَا، حَتَّى انْتَهَى مِنْ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إلَى مَا لَيْسَ وَرَاءَهُ شَيْءٌ مِنْ الْخَلْقِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مِنْ يَسُوقُ الْأَحَادِيثَ عَنْ الْأَعَاجِمِ فِيمَا تَوَارَثُوا مِنْ عِلْمِهِ: أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ كَانَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ. اسْمُهُ مَرْزُبَانُ بْنُ مَرْذُبَةَ الْيُونَانِيُّ، مِنْ وَلَدِ يُونَانِ بْنِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُهُ الْإِسْكَنْدَرُ، وَهُوَ الَّذِي بَنَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ فَنُسِبَتْ إلَيْهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ الْكُلَاعِيُّ، وَكَانَ رَجُلًا قَدْ أَدْرَكَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ [1] فَقَالَ: مَلِكٌ مَسَحَ الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِهَا بِالْأَسْبَابِ. وَقَالَ خَالِدٌ: سَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلًا يَقُولُ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ، فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهمّ غَفْرًا، أَمَا رَضِيتُمْ أَنْ تَسَمَّوْا بِالْأَنْبِيَاءِ حَتَّى تَسَمَّيْتُمْ بِالْمَلَائِكَةِ [2] .

_ [1] عقد السهيليّ عَن ذِي القرنين وَالْخلاف فِي اسْمه فصلا طَويلا رَأينَا أَن نمسك عَنهُ إِذْ الْخلاف فِيهِ كثير وَلَا طائل تَحْتَهُ. [2] قَالَ السهيليّ: «وَكَانَ مَذْهَب عمر رَحمَه الله كَرَاهِيَة التسمي بأسماء الْأَنْبِيَاء، فقد أنكر على الْمُغيرَة تكنيته بِأبي عِيسَى، وَأنكر على صُهَيْب تكنيته بِأبي يحيى، فَأخْبرهُ كل وَاحِد مِنْهُمَا أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كناه بذلك فَسكت. وَكَانَ عمر إِنَّمَا كره من ذَلِك الْإِكْثَار، وَأَن يظنّ أَن للْمُسلمين شرفا فِي الِاسْم إِذا سمى باسم نَبِي، أَو أَنه يَنْفَعهُ ذَلِك فِي الْآخِرَة، فَكَأَنَّهُ استشعر من رَعيته هَذَا الْغَرَض أَو نَحوه. وَهُوَ أعلم بِمَا كره من ذَلِك، وَإِلَّا فقد سمى بِمُحَمد طَائِفَة من الصَّحَابَة مِنْهُم أَبُو بكر وعَلى وَطَلْحَة، وَكَانَ لطلْحَة عشرَة من الْوَلَد كل يُسمى باسم نَبِي، مِنْهُم مُوسَى بن طَلْحَة وَعِيسَى، وَإِسْحَاق، وَيَعْقُوب، وَإِبْرَاهِيم، وَمُحَمّد. وَكَانَ للزبير عشرَة كلهم يُسمى باسم شَهِيد، فَقَالَ لَهُ طَلْحَة: أَنا أسميهم بأسماء الْأَنْبِيَاء وَأَنت تسميهم بأسماء الشُّهَدَاء؟ فَقَالَ لَهُ الزبير: فإنّي أطمع أَن يكون بنى شُهَدَاء وَلَا تطمع أَنْت أَن يكون بنوك أَنْبيَاء. وسمى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنه إِبْرَاهِيم. والْآثَار فِي هَذَا الْمَعْنى كَثِيرَة. وَفِي السّنَن لأبى دَاوُد أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سموا بأسماء الْأَنْبِيَاء، وَهَذَا مَحْمُول على الْإِبَاحَة لَا على الْوُجُوب. وَأما التسمي بِمُحَمد، فَفِي مُسْند الْحَارِث عَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: من كَانَ لَهُ ثَلَاثَة من الْوَلَد وَلم يسم أحدهم بِمُحَمد فقد جهل. وَفِي المعيطي عَن مَالك أَنه سُئِلَ عَمَّن اسْمه مُحَمَّد ويكنى أَبَا الْقَاسِم، فَلم ير بِهِ بَأْسا. فَقيل لَهُ: أكنيت ابْنك أَبَا الْقَاسِم واسْمه مُحَمَّد؟ فَقَالَ: مَا كنيته بهَا، وَلَكِن أَهله يكنونه بهَا. وَلم أسمع فِي ذَلِك نهيا وَلَا أرى بذلك بَأْسا، وَهَذَا يدل على أَن مَالِكًا لم يبلغهُ أَو لم يَصح عِنْده

(ما أنزل الله تعالى في أمر الروح) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: اللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ، أَقَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمْ لَا؟ (فَإِنْ كَانَ قَالَهُ) [1] ، فَالْحَقُّ [2] مَا قَالَ. (مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَمْرِ الرُّوحِ) : وَقَالَ تَعَالَى فِيمَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ أَمر الرّوح: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ، قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا 17: 85. (سُؤَالُ يَهُودِ الْمَدِينَةِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا 17: 85.) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدِّثْتُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، قَالَتْ أَحْبَارُ يَهُودَ: يَا مُحَمَّدُ، أَرَأَيْتَ قَوْلَكَ: وَما أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا 17: 85 إيَّانَا تُرِيدُ، أَمْ قَوْمَكَ؟ قَالَ: كُلًّا، قَالُوا: فَإِنَّكَ تَتْلُو فِيمَا جَاءَكَ: أَنَّا قَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاةَ فِيهَا بَيَانُ كُلِّ شَيْءٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّهَا فِي عِلْمِ اللَّهِ قَلِيلٌ، وَعِنْدَكُمْ فِي ذَلِكَ مَا يَكْفِيكُمْ لَوْ أَقَمْتُمُوهُ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِيمَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ ذَلِك: وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 31: 27: أَيْ أَنَّ التَّوْرَاةَ فِي هَذَا مِنْ عِلْمِ اللَّهِ قَلِيلٌ. (مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بِشَأْنِ طَلَبِهِمْ تَسْيِيرَ الْجِبَالِ) : قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِيمَا سَأَلَهُ قَوْمُهُ لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ تَسْيِيرِ الْجِبَالِ،

_ [ () ] حَدِيث النهى عَن ذَلِك، وَقد رَوَاهُ أهل الصَّحِيح فاللَّه أعلم. وَلَعَلَّه بلغه حَدِيث عَائِشَة أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ: مَا الّذي أحل اسمى وَحرم كنيتي؟ وَهَذَا هُوَ النَّاسِخ لحَدِيث النهى. وَالله أعلم. وَكَانَ ابْن سِيرِين يكره لكل أحد أَن يتكنى بِأبي الْقَاسِم، كَانَ اسْمه مُحَمَّدًا أَو لم يكن. وَطَائِفَة إِنَّمَا يكرهونه لمن اسْمه مُحَمَّد. وَفِي المعيطي أَيْضا: أَنه سُئِلَ عَن التَّسْمِيَة بمهدى فكره وَقَالَ وَمَا علمه بِأَنَّهُ مهْدي. وأباح التَّسْمِيَة بالهادي الْهَادِي وَقَالَ: لِأَنَّهُ هُوَ الّذي يهدى إِلَى الطَّرِيق. وَقد قدمنَا كَرَاهِيَة مَالك التسمي بِجِبْرِيل. وَقد ذكر ابْن إِسْحَاق كَرَاهِيَة عمر للتسمى بأسماء الْمَلَائِكَة، وَكره مَالك التسمي بياسين» . [1] زِيَادَة عَن أ. [2] فِي الْأُصُول: «الْحق» .

(ما أنزله الله تعالى ردا على قولهم للرسول صلى الله عليه وسلم: خذ لنفسك) :

وَتَقْطِيعِ الْأَرْضِ، وَبَعْثِ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِمْ مِنْ الْمَوْتَى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ، أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ، أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى، بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً 13: 31: أَيْ لَا أَصْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا شِئْتَ. (مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَدًّا عَلَى قَوْلِهِمْ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذْ لِنَفْسِكَ) : وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ: خُذْ لِنَفْسِكَ، مَا سَأَلُوهُ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ، أَنْ يَجْعَلَ لَهُ جَنَانًا وَقُصُورًا وَكُنُوزًا، وَيَبْعَثَ مَعَهُ مَلَكًا يُصَدِّقُهُ بِمَا يَقُولُ، وَيَرُدُّ عَنْهُ: وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ، وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً، أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ، أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها، وَقال الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا، تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ 25: 7- 10: أَيْ مِنْ أَنْ تَمْشِيَ فِي الْأَسْوَاقِ وَتَلْتَمِسَ الْمَعَاشَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً 25: 10. وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ، وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ، وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً، أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً 25: 20: أَيْ جَعَلْتُ بَعْضَكُمْ لِبَعْضِ بَلَاءً لِتَصْبِرُوا، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَجْعَلَ الدُّنْيَا مَعَ رُسُلِي فَلَا يُخَالَفُوا لَفَعَلْتُ. (مَا أَنْزَلَهُ تَعَالَى رَدًّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي أُمَيَّةَ) : وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِيمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً. أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً. أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً، أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا. أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ، وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ، قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا 17: 90- 93. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْيَنْبُوعُ: مَا نَبَعَ مِنْ الْمَاءِ مِنْ الْأَرْضِ وَغَيْرِهَا، وَجَمْعُهُ

يَنَابِيعُ. قَالَ ابْنُ هَرْمَةَ، وَاسْمُهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ [1] الْفِهْرِيُّ [2] . وَإِذَا هَرَقْتَ بِكُلِّ دَارٍ [3] عَبْرَةً ... نُزِفَ الشُّئُونُ وَدَمْعُكَ الْيَنْبُوعُ [4] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالْكِسَفُ: الْقِطَعُ مِنْ الْعَذَابِ، وَوَاحِدَتُهُ: كِسْفَةٌ، مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ. وَهِيَ أَيْضًا: وَاحِدَةُ الْكِسْفِ. وَالْقَبِيلُ: يَكُونُ مُقَابَلَةً وَمُعَايَنَةً، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا 18: 55: أَيْ عِيَانًا. وَأَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ لِأَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ: أُصَالِحُكُمْ حَتَّى تَبُوءُوا بِمِثْلِهَا ... كَصَرْخَةِ حُبْلَى يَسَّرَتْهَا قَبِيلُهَا يَعْنِي الْقَابِلَةُ، لِأَنَّهَا تُقَابِلُهَا وَتَقْبُلُ وَلَدَهَا. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَيُقَالُ: الْقَبِيلُ: جَمْعُهُ قُبُلٌ، وَهِيَ الْجَمَاعَاتُ، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا 6: 111 فَقُبُلٌ: جَمْعُ قَبِيلٍ، مِثْلُ سُبُلٍ: جَمْعُ سَبِيلٍ، وَسُرُرٍ: جَمْعُ سَرِيرٍ، وَقُمُصٍ: جَمْعُ قَمِيصٍ. وَالْقَبِيلُ (أَيْضًا) : فِي مَثَلٍ مِنْ الْأَمْثَالِ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: مَا يَعْرِفُ قَبِيلًا مِنْ دَبِيرٍ: أَيْ لَا يَعْرِفُ مَا أَقْبَلَ مِمَّا أَدْبَرَ، قَالَ الْكُمَيْتُ ابْن زَيْدٍ: تَفَرَّقَتْ الْأُمُورُ بِوَجْهَتَيْهِمْ ... فَمَا عَرَفُوا الدَّبِيرَ مِنْ الْقَبِيلِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَيُقَالُ: إنَّمَا أُرِيدَ بِهَذَا (الْقَبِيلِ) [5] : الْفَتْلُ، فَمَا فُتِلَ إلَى الذِّرَاعِ فَهُوَ الْقَبِيلُ، وَمَا فُتِلَ إلَى أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ فَهُوَ الدَّبِيرُ، وَهُوَ مِنْ الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ الَّذِي ذَكَرْتُ. وَيُقَالُ: فَتْلُ الْمِغْزَلِ. فَإِذَا فُتِلَ (الْمِغْزَلُ) [5] إلَى الرُّكْبَةِ

_ [1] كَذَا فِي الرَّوْض والأغاني. وَفِي الْأُصُول: «إِبْرَاهِيم بن عبد الله» . [2] كَذَا فِي الْأُصُول. وَابْن هرمة خلجى، قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي الطَّبَقَات: «هُوَ من الخلج من قيس عيلان وَيُقَال إِنَّهُم من قُرَيْش» . وَفِي الأغاني: أَن نسبه ينتهى إِلَى قيس بن الْحَارِث: وَقيس هم الخلج، وَكَانُوا فِي عدوان، ثمَّ انتقلوا إِلَى بنى نصر بن مُعَاوِيَة بن بكر فَلَمَّا اسْتخْلف عمر أَتَوْهُ ليفرض لَهُم فَأنْكر نسبهم، فَلَمَّا تولى عُثْمَان أثبتهم فِي بنى الْحَارِث بن فهر، وَجعل لَهُم ديوانا فسموا الخلج، لأَنهم اختلجوا عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ من عدوان، وَقيل لأَنهم نزلُوا بِموضع فِيهِ خلج من مَاء ونسبوا إِلَيْهِ. [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وَاد» . [4] الشئون: مجاري الدمع. ونزف: ذهب. [5] زِيَادَة عَن أ.

(ما أنزله الله تعالى ردا على قولهم: إنما يعلمك رجل باليمامة) :

فَهُوَ الْقَبِيلُ، وَإِذَا فُتِلَ إلَى الْوَرِكِ فَهُوَ الدَّبِيرُ. وَالْقَبِيلُ (أَيْضًا) : قَوْمُ الرَّجُلِ. وَالزُّخْرُفُ: الذَّهَبُ. وَالْمُزَخْرَفُ: الْمُزَيَّنُ بِالذَّهَبِ. قَالَ الْعَجَّاجُ: مِنْ طَلَلٍ أَمْسَى تَخَالُ الْمُصْحَفَا ... رُسُومَهُ وَالْمُذْهَبَ الْمُزَخْرَفَا [1] وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ [2] فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ، وَيُقَالُ أَيْضًا لِكُلِّ مُزَيَّنٍ: مُزَخْرَفٌ. (مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَدًّا عَلَى قَوْلِهِمْ: إنَّمَا يُعَلِّمُكَ رَجُلٌ بِالْيَمَامَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّا قَدْ بَلَغَنَا أَنَّكَ إنَّمَا يُعَلِّمُكَ رَجُلٌ بِالْيَمَامَةِ، يُقَالُ لَهُ الرَّحْمَنُ [3] ، وَلَنْ نُؤْمِنَ بِهِ أَبَدًا: كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ، قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْهِ مَتابِ 13: 30. (مَا أَنْزَلَهُ تَعَالَى فِي أَبِي جَهْلٍ وَمَا هَمَّ بِهِ) : وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ فِيمَا قَالَ أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَمَا هَمَّ بِهِ: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى، أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى، أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى، أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى، كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ، ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ، فَلْيَدْعُ نادِيَهُ، سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ، كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ 96: 9- 19. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: لَنَسْفَعًا: لَنَجْذِبَنْ وَلَنَأْخُذَنْ. قَالَ الشَّاعِرُ: قَوْمٌ إذَا سَمِعُوا الصُّرَاخَ رَأَيْتَهُمْ ... مِنْ بَيْنِ مُلْجِمِ مُهْرِهِ أَوْ سَافِعِ [4] وَالنَّادِي: الْمَجْلِسُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْقَوْمُ وَيَقْضُونَ [5] فِيهِ أُمُورَهُمْ، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ

_ [1] هَذَا على أَنه من مشطور الرجز. [2] هَذَا على أَنَّهُمَا من مشطور الرجز. [3] كَانَ مُسَيْلمَة بن حبيب الْحَنَفِيّ ثمَّ أحد بنى الدول قد تسمى بالرحمن فِي الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَ من المعمرين. ذكر وثيمة بن مُوسَى أَن مُسَيْلمَة تسمى بالرحمن قبل أَن يُولد عبد الله أَبُو رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [4] الصُّرَاخ: الاستغاثة. والسافع: الْآخِذ بالناصية. [5] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ويقصون» بالصَّاد الْمُهْملَة.

تَعَالَى: وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ 29: 29 وَهُوَ النَّدِيُّ. (قَالَ [1] عَبِيدُ بْنُ الْأَبْرَصِ: اذْهَبْ إلَيْكَ فَإِنِّي مِنْ بَنِي أَسَدٍ ... أَهْلُ النَّدِيِّ وَأَهْلُ الْجُودِ وَالنَّادِي) [2] وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَحْسَنُ نَدِيًّا 19: 73. وَجَمْعُهُ: أَنْدِيَةٌ. فَلْيَدْعُ أَهْلَ نَادِيهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ 12: 82 يُرِيدُ أَهْلَ الْقَرْيَةِ. قَالَ سَلَامَةُ بْنُ جَنْدَلٍ، أَحَدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ: يَوْمَانِ يَوْمُ مَقَامَاتٍ وَأَنْدِيَةٍ ... وَيَوْمُ سَيْرٍ إلَى الْأَعْدَاءِ تَأْوِيبِ [3] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ: لَا مَهَاذِيرَ فِي الندىّ مكاثير ... وَلَا مُصْمِتِينَ بِالْإِفْحَامِ [4] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَيُقَالُ: النَّادِي: الْجُلَسَاءُ. وَالزَّبَانِيَةُ: الْغِلَاظُ الشِّدَادُ، وَهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: خَزَنَةُ النَّارِ. وَالزَّبَانِيَةُ (أَيْضًا) فِي الدُّنْيَا: أَعْوَانُ الرَّجُلِ الَّذِينَ يَخْدُمُونَهُ وَيُعِينُونَهُ، وَالْوَاحِدُ: زِبْنِيَةٌ. قَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى فِي ذَلِكَ: مَطَاعِيمُ فِي الْمَقْرَى مَطَاعِينُ فِي الْوَغَى ... زَبَانِيَةٌ غُلْبٌ عِظَامٌ حُلُومُهَا [5] يَقُولُ: شَدَّادٌ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَقَالَ صَخْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهُذَلِيُّ، وَهُوَ صَخْرُ الْغَيِّ: وَمِنْ كَبِيرٍ [6] نَفَرٌ زَبَانِيَهْ [7]

_ [1] زِيَادَة عَن أ: [2] ويروى: أهل القباب وَأهل الجرد والنادي [3] التأويب: سير النَّهَار كُله. [4] المهاذير: جمع مهذار، وَهُوَ الْكثير الْكَلَام من غير فَائِدَة.. وأصمت: تسْتَعْمل لَازِمَة ومتعدية. والإفحام: انْقِطَاع الرجل عَن الْكَلَام، إِمَّا عيا وَإِمَّا غَلَبَة. [5] الْمقري: من الْقرى، وَهُوَ الطَّعَام الّذي يصنع للضيف. والوغى: الْحَرْب. والغلب: الْغِلَاظ الشداد. [6] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول وَالرَّوْض وَشرح السِّيرَة. وكبير: حَيّ من هُذَيْل، وَهُوَ كَبِير بن طابخة ابْن لحيان بن سعد بن هُذَيْل. وَفِي أَسد أَيْضا: كَبِير بن غنم بن دودان بن أَسد، وَمن ذُريَّته بَنو جحش ابْن رَيَّان بن يعمر بن صبوة بن مرّة بن كَبِير. وَلَعَلَّ الراجز أَرَادَ هَؤُلَاءِ فإنّهم أشهر. وَبَنُو كَبِير أَيْضا: بطن من بنى غامد، وهم من الأزد. وَفِي أ: «كثير» . [7] وَبعده: لَو أَن أصحابى بَنو مُعَاوِيَة ... مَا تركونى للذئاب العادية وَلَا لبرذون أغر الناصية

(ما أنزله تعالى فيما عرضوه عليه، عليه الصلاة والسلام من أموالهم) :

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. (مَا أَنْزَلَهُ تَعَالَى فِيمَا عَرَضُوهُ عَلَيْهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِيمَا عَرَضُوا (عَلَيْهِ) [1] مِنْ أَمْوَالِهِمْ: قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ، إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ 34: 47. (اسْتِكْبَارُ قُرَيْشٍ عَنْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِالرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ، وَعَرَفُوا صِدْقَهُ فِيمَا حَدَّثَ، وَمَوْقِعَ نُبُوَّتِهِ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمِ الْغُيُوبِ حِينَ سَأَلُوهُ عَمَّا سَأَلُوا عَنْهُ، حَالَ الْحَسَدُ مِنْهُمْ لَهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اتِّبَاعِهِ وَتَصْدِيقِهِ، فَعَتَوْا عَلَى اللَّهِ وَتَرَكُوا أَمْرَهُ عِيَانًا، وَلَجُّوا فِيمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ، فَقَالَ قَائِلُهُمْ: لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ، 41: 26 أَيْ اجْعَلُوهُ لَغْوًا وَبَاطِلًا، وَاِتَّخِذُوهُ هُزُوًا لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَهُ بِذَلِكَ، فَإِنَّكُمْ إنْ نَاظَرْتُمُوهُ أَوْ خَاصَمْتُمُوهُ يَوْمًا غَلَبَكُمْ. (تَهَكُّمُ أَبِي جَهْلٍ بِالرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَنْفِيرُ النَّاسِ عَنْهُ) : فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ يَوْمًا وَهُوَ يَهْزَأُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْحَقِّ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أَنَّمَا جُنُودُ اللَّهِ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَكُمْ فِي النَّارِ وَيَحْبِسُونَكُمْ فِيهَا تِسْعَةَ عَشَرَ، وَأَنْتُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ عَدَدًا، وَكَثْرَةً، أَفَيَعْجِزُ [2] كُلُّ ماِئَةِ رَجُلٍ مِنْكُمْ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً، وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا 74: 31 إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ، جَعَلُوا إذَا جَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ يُصَلِّي، يَتَفَرَّقُونَ عَنْهُ، وَيَأْبَوْنَ أَنْ يَسْتَمِعُوا لَهُ، فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ مَا يَتْلُو مِنْ الْقُرْآنِ وَهُوَ يُصَلِّي، اسْتَرَقَ [3] السَّمْعَ دُونَهُمْ فَرَقًا مِنْهُمْ، فَإِنْ رَأَى أَنَّهُمْ

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فيعجز» . [3] فِي أ: «أَتَى سرا واستمع دونهم ... إِلَخ» .

(سبب نزول آية: ولا تجهر 17: 110 ... إلخ) :

قَدْ عَرَفُوا أَنَّهُ يَسْتَمِعُ مِنْهُ ذَهَبَ خَشْيَةَ أَذَاهُمْ فَلَمْ يَسْتَمِعْ، وَإِنْ خَفَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ، فَظَنَّ الَّذِي يَسْتَمِعُ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَمِعُونَ شَيْئًا مِنْ قِرَاءَتِهِ، وَسَمِعَ هُوَ شَيْئًا دُونَهُمْ أَصَاخَ لَهُ يَسْتَمِعُ مِنْهُ. (سَبَبُ نُزُولِ آيَةِ: وَلا تَجْهَرْ 17: 110 ... إلَخْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ، مَوْلَى عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، أَنَّ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَدَّثَهُمْ: إنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها، وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا 17: 110 مِنْ أَجْلِ أُولَئِكَ النَّفَرِ. يَقُولُ: لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ فَيَتَفَرَّقُوا عَنْكَ، وَلَا تُخَافِتْ بِهَا فَلَا يَسْمَعْهَا مَنْ يُحِبُّ أَنْ يَسْمَعَهَا مِمَّنْ يَسْتَرِقُ ذَلِكَ دُونَهُمْ لَعَلَّهُ يَرْعَوِي إلَى بَعْضِ مَا يَسْمَعُ فَيَنْتَفِعَ بِهِ. أَوَّلُ مَنْ جَهَرَ بِالْقُرْآنِ (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَمَا نَالَهُ مِنْ قُرَيْشٍ فِي سَبِيلِ جَهْرِهِ بِالْقُرْآنِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ أَوَّلُ مَنْ جَهَرَ بِالْقُرْآنِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: اجْتَمَعَ يَوْمًا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: وَاَللَّهِ مَا سَمِعَتْ قُرَيْشٌ هَذَا الْقُرْآنَ يُجْهَرُ لَهَا بِهِ قَطُّ، فَمَنْ رَجُلٌ يُسْمِعُهُمُوهُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ [1] : أَنَا، قَالُوا: إنَّا نَخْشَاهُمْ عَلَيْكَ، إنَّمَا نُرِيدُ رَجُلًا لَهُ عَشِيرَةٌ يَمْنَعُونَهُ مِنْ الْقَوْمِ إنْ أَرَادُوهُ، قَالَ: دَعُونِي فَإِنَّ اللَّهَ سَيَمْنَعُنِي. قَالَ: فَغَدَا ابْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى أَتَى الْمَقَامَ فِي الضُّحَى، وَقُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهَا، حَتَّى قَامَ عِنْدَ الْمَقَامِ ثُمَّ قَرَأَ [2] : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 1: 1 رَافِعًا بِهَا صَوْتَهُ الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ 55: 1- 2 قَالَ: ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا يَقْرَؤُهَا. قَالَ: فَتَأَمَّلُوهُ فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: مَاذَا قَالَ

_ [1] هُوَ عبد الله بن مَسْعُود بن عَمْرو بن عُمَيْر، عَم جُبَير بن أَبى جُبَير، أَخُو أَبى عبيد بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ، اسْتشْهد مَعَ أَخِيه فِي الجسر. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فَقَالَ» .

قصة استماع قريش إلى قراءة النبي صلى الله عليه وسلم

ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ؟ قَالَ: ثُمَّ قَالُوا: إنَّهُ لَيَتْلُو بَعْضَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ، فَقَامُوا إلَيْهِ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ فِي وَجْهِهِ، وَجَعَلَ يَقْرَأُ حَتَّى بَلَغَ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنَّ يَبْلُغَ. ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى أَصْحَابِهِ وَقَدْ أَثَّرُوا فِي وَجْهِهِ [1] ، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا الَّذِي خَشِينَا عَلَيْكَ، فَقَالَ: مَا كَانَ أَعْدَاءُ اللَّهِ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْهُمْ الْآنَ، وَلَئِنْ شِئْتُمْ لَأُغَادِيَنَّهُمْ بِمِثْلِهَا غَدًا، قَالُوا: لَا، حَسْبُكَ، قَدْ أَسْمَعْتَهُمْ مَا يَكْرَهُونَ. قِصَّةُ اسْتِمَاعِ قُرَيْشٍ إلَى قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَبُو سُفْيَانَ وَأَبُو جَهْلٍ وَالْأَخْنَسُ، وَحَدِيثُ اسْتِمَاعِهِمْ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ حُدِّثَ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَأَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَالْأَخْنَسَ بْنَ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيِّ، حَلِيفَ بَنِي زُهْرَةَ، خَرَجُوا لَيْلَةً لِيَسْتَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فِي بَيْتِهِ، فَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسًا يَسْتَمِعُ فِيهِ، وَكُلٌّ لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِ صَاحِبِهِ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتَّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا. فَجَمَعَهُمْ الطَّرِيقُ، فَتَلَاوَمُوا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: لَا تَعُودُوا، فَلَوْ رَآكُمْ بَعْضُ سُفَهَائِكُمْ لَأَوْقَعْتُمْ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا. حَتَّى إذَا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ، عَادَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إلَى مَجْلِسِهِ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتَّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا، فَجَمَعَهُمْ الطَّرِيقُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ مِثْلَ مَا قَالُوا أَوَّلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ انْصَرَفُوا. حَتَّى إذَا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ أَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسَهُ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتَّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا، فَجَمَعَهُمْ الطَّرِيقُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: لَا نَبْرَحُ حَتَّى نَتَعَاهَدَ أَلَا نَعُودَ: فَتَعَاهَدُوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا. (ذَهَابُ الْأَخْنَسِ إلَى أَبِي سُفْيَانَ يَسْأَلُهُ عَنْ مَعْنَى مَا سَمِعَ) : فَلَمَّا أَصْبَحَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ أَخَذَ عَصَاهُ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى أَبَا سُفْيَانَ فِي بَيْتِهِ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي يَا أَبَا حَنْظَلَةَ عَنْ رَأْيِكَ فِيمَا سَمِعْتَ مِنْ مُحَمَّدٍ؟ فَقَالَ: يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ وَاَللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ أَشْيَاءَ أَعْرِفُهَا وَأَعْرِفُ مَا يُرَادُ بِهَا، وَسَمِعْتُ أَشْيَاءَ مَا عَرَفْتُ مَعْنَاهَا،

_ [1] فِي أ: «يوجهه» .

(ذهاب الأخنس إلى أبى جهل يسأله عن معنى ما سمع) :

وَلَا مَا يُرَادُ بِهَا، قَالَ الْأَخْنَسُ: وَأَنَا الَّذِي حَلَفْتَ بِهِ (كَذَلِكَ) [1] . (ذَهَابُ الْأَخْنَسِ إلَى أَبِي جَهْلٍ يَسْأَلُهُ عَنْ مَعْنَى مَا سَمِعَ) : قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى أَتَى أَبَا جَهْلٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَكَمِ، مَا رَأْيُكَ فِيمَا سَمِعْتَ مِنْ مُحَمَّدٍ؟ فَقَالَ: مَاذَا سَمِعْتُ، تَنَازَعْنَا نَحْنُ وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ الشَّرَفَ، أَطْعَمُوا فَأَطْعَمْنَا، وَحَمَلُوا فَحَمَلْنَا، وَأَعْطَوْا فَأَعْطَيْنَا، حَتَّى إذَا تَجَاذَيْنَا [1] عَلَى الرَّكْبِ، وَكُنَّا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ، قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ السَّمَاءِ، فَمَتَى نُدْرِكُ مِثْلَ هَذِهِ، وَاَللَّهِ لَا نُؤْمِنُ بِهِ أَبَدًا وَلَا نُصَدِّقُهُ. قَالَ: فَقَامَ عَنْهُ الْأَخْنَسُ وَتَرَكَهُ. (تَعَنُّتُ قُرَيْشٍ فِي عَدَمِ اسْتِمَاعِهِمْ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا أَنْزَلَهُ تَعَالَى) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَلَا عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ، وَدَعَاهُمْ إلَى اللَّهِ، قَالُوا يَهْزَءُونَ بِهِ: (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ 41: 5) [1] لَا نَفْقَهُ مَا تَقُولُ (وَفي آذانِنا وَقْرٌ 41: 5) لَا نَسْمَعُ مَا تَقُولُ (وَمن بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ 41: 5) قَدْ حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ (فَاعْمَلْ 41: 5) بِمَا أَنْتَ عَلَيْهِ (إِنَّنا عامِلُونَ 41: 5) بِمَا نَحْنُ عَلَيْهِ، إنَّا لَا نَفْقَهُ عَنْكَ شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (عَلَيْهِ) [2] فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً 17: 45 [3] ... إلَى قَوْلِهِ وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً 17: 46: أَيْ كَيْفَ فَهِمُوا تَوْحِيدَكَ رَبَّكَ إنْ كُنْتُ جَعَلْتُ عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً، وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا، وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ حِجَابًا بِزَعْمِهِمْ، أَيْ إنِّي لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ. نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ، إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ، وَإِذْ هُمْ نَجْوى، إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً 17: 47: أَيْ ذَلِكَ مَا تَوَاصَوْا بِهِ مِنْ تَرْكِ مَا بَعَثْتُكَ بِهِ إلَيْهِمْ. انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا 17: 48

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] كَذَا فِي أ. وتجاذى: أقعى. وَرُبمَا جعلُوا الجاذى والجائي سَوَاء. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «تحاذينا» بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَهُوَ تَصْحِيف. [3] مسطورا: ساترا.

ذكر عدوان المشركين على المستضعفين ممن أسلم بالأذى والفتنة

: أَيْ أَخْطَئُوا الْمَثَلَ الَّذِي ضَرَبُوا (لَكَ) [1] ، فَلَا يُصِيبُونَ بِهِ هُدًى، وَلَا يَعْتَدِلُ لَهُمْ فِيهِ قَول وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً 17: 49: أَيْ قَدْ جِئْتَ تُخْبِرُنَا أَنَّا سَنُبْعَثُ بَعْدَ مَوْتِنَا إذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا، وَذَلِكَ مَا لَا يَكُونُ. قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً، أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا، قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ 17: 50- 51: أَيْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِمَّا تَعْرِفُونَ، فَلَيْسَ خَلْقُكُمْ مِنْ تُرَابٍ بِأَعَزَّ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ 17: 51 مَا الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ بِهِ؟ فَقَالَ: الْمَوْتُ. ذِكْرُ عُدْوَانِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْتَضْعَفِينَ مِمَّنْ أَسْلَمَ بِالْأَذَى وَالْفِتْنَةِ (قَسْوَةُ قُرَيْشٍ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّهُمْ عَدَوْا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ، وَاتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَوَثَبَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَجَعَلُوا يَحْبِسُونَهُمْ وَيُعَذِّبُونَهُمْ بِالضَّرْبِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ، وَبِرَمْضَاءِ مَكَّةَ إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، مَنْ اُسْتُضْعِفُوا مِنْهُمْ، يَفْتِنُونَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُفْتَنُ مِنْ شِدَّةِ الْبَلَاءِ الَّذِي يُصِيبُهُ، وَمِنْهُمْ مِنْ يَصْلُبُ لَهُمْ، وَيَعْصِمُهُ اللَّهُ مِنْهُمْ. (مَا كَانَ يَلْقَاهُ بِلَالٌ بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَمَا فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي تَخْلِيصِهِ) : وَكَانَ بَلَالٌ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، لِبَعْضِ بَنِي جُمَحٍ، مُوَلَّدًا مِنْ مُوَلَّدِيهِمْ، وَهُوَ بَلَالُ بْنُ رَبَاحٍ، وَكَانَ اسْمُ أُمِّهِ حَمَامَةَ، وَكَانَ صَادِقَ الْإِسْلَامِ طَاهِرَ الْقَلْبِ، وَكَانَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ يُخْرِجُهُ إذَا

_ [1] زِيَادَة عَن أ.

(من أعتقهم أبو بكر مع بلال) :

حَمِيَتْ الظَّهِيرَةُ، فَيَطْرَحَهُ عَلَى ظَهْرِهِ فِي بَطْحَاءِ مَكَّةَ، ثُمَّ يَأْمُرُ بالصّخرة الْعَظِيمَة فتتوضع عَلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: (لَا وَاَللَّهِ) [1] لَا تَزَالُ هَكَذَا حَتَّى تَمُوتَ، أَوْ تَكْفُرَ بِمُحَمَّدِ، وَتَعْبُدَ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، فَيَقُولُ وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْبَلَاءِ: أَحَدٌ أَحَدٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ يَمُرُّ بِهِ وَهُوَ يُعَذَّبُ بِذَلِكَ، وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ، فَيَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ وَاَللَّهِ يَا بِلَالُ، ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَمَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِهِ مِنْ بَنِي جُمَحٍ، فَيَقُولُ أَحْلِفُ باللَّه لَئِنْ قَتَلْتُمُوهُ عَلَى هَذَا لَأَتَّخِذَنَّهُ حَنَانًا [2] ، حَتَّى مَرَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ (ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ) [1] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمًا، وَهُمْ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ بِهِ، وَكَانَتْ دَارُ أَبِي بَكْرٍ فِي بَنِي جُمَحٍ، فَقَالَ لِأُمَيَّةِ بْنِ خَلَفٍ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذَا الْمِسْكِينِ؟ حَتَّى مَتَى؟ قَالَ: أَنْتَ الَّذِي أَفْسَدْتَهُ فَأَنْقِذْهُ مِمَّا تَرَى، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَفْعَلُ، عِنْدِي غُلَامٌ أَسْوَدُ أَجْلَدُ مِنْهُ وَأَقْوَى، عَلَى دِينِكَ، أُعْطِيكَهُ بِهِ، قَالَ: قَدْ قَبِلْتُ فَقَالَ: هُوَ لَكَ. فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غُلَامَهُ ذَلِكَ، وَأَخَذَهُ فَأَعْتَقَهُ (مَنْ أَعْتَقَهُمْ أَبُو بَكْرٍ مَعَ بِلَالٍ) : ثُمَّ أَعْتَقَ مَعَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ إلَى الْمَدِينَةِ سِتَّ رِقَابٍ، بِلَالٌ سَابِعُهُمْ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا، وَقُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا، وَأُمُّ عُبَيْسٍ [3] وَزِنِّيرَةُ [4] ، وَأُصِيبَ بَصَرُهَا حِينَ أَعْتَقَهَا، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مَا أَذْهَبَ بَصَرَهَا إلَّا اللَّاتُ وَالْعُزَّى، فَقَالَتْ: كَذَبُوا وَبَيْتِ اللَّهِ مَا تَضُرُّ اللَّاتُ وَالْعُزَّى وَمَا تَنْفَعَانِ، فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرَهَا. وَأَعْتَقَ النَّهْدِيَّةَ وَبِنْتَهَا، وَكَانَتَا لِامْرَأَةِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، فَمَرَّ بِهِمَا وَقَدْ بَعَثَتْهُمَا

_ [1] زِيَادَة عَن. [2] أَي لأجعلن قَبره مَوضِع حنان: أَي عطف وَرَحْمَة، فأتمسح بِهِ متبركا، كَمَا يتمسح بقبور الصَّالِحين وَالشُّهَدَاء. [3] قَالَ الزرقانى: «وَهِي بِعَين مُهْملَة مَضْمُومَة فنون، وَقيل بموحدة، فتحتية فسين مُهْملَة» . [4] هِيَ بزاى مَكْسُورَة بعْدهَا نون مَكْسُورَة مُشَدّدَة. وَبَعْضهمْ يَقُول فِيهَا: زنبرة بِفَتْح الزاى وَسُكُون النُّون وباء بعْدهَا رَاء. وَلَا تعرف زنبرة فِي النِّسَاء. وَأما فِي الرِّجَال فزنبرة بن زبير بن مَخْزُوم بن صاهلة ابْن كَاهِل، وَابْنه خَالِد بن زنبرة. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .

(لام أبو قحافة ابنه لعتقه من أعتق فرد عليه) :

سَيِّدَتُهُمَا بِطَحِينٍ لَهَا، وَهِيَ تَقُولُ: وَاَللَّهِ لَا أُعْتِقُكُمَا أَبَدًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حِلِّ [1] يَا أُمَّ فُلَانٍ، فَقَالَتْ: حِلَّ، أَنْتَ أَفْسَدْتَهُمَا فَأَعْتِقْهُمَا، قَالَ: فَبِكَمْ هُمَا؟ قَالَتْ: بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُمَا وَهُمَا حُرَّتَانِ، أَرْجِعَا إلَيْهَا طَحِينَهَا، قَالَتَا: أَوَنَفْرُغُ مِنْهُ يَا أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ نَرُدُّهُ إلَيْهَا؟ قَالَ: وَذَلِكَ إنْ شِئْتُمَا. وَمَرَّ بِجَارِيَةِ بَنِي مُؤَمِّلٍ، حَيٌّ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَكَانَتْ مُسْلِمَةً، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُعَذِّبُهَا لِتَتْرُكَ الْإِسْلَامَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ وَهُوَ يَضْرِبُهَا، حَتَّى إذَا مَلَّ قَالَ: إنِّي أَعْتَذِرُ إلَيْكَ، إِنِّي لم أتركك إلَّا مَلَالَةً، فَتَقُولُ: كَذَلِكَ فَعَلَ اللَّهُ بِكَ. فَابْتَاعَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَأَعْتَقَهَا. (لَامَ أَبُو قُحَافَةَ ابْنَهُ لِعِتْقِهِ مِنْ أَعْتَقَ فَرَدَّ عَلَيْهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنْ عَامِرِ [2] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو قُحَافَةَ لِأَبِي بَكْرٍ: يَا بُنَيَّ، إنِّي أَرَاكَ تُعْتِقُ رِقَابًا ضِعَافًا، فَلَوْ أَنَّكَ إذْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ أَعْتَقْتَ رِجَالًا جُلْدًا يَمْنَعُونَكَ وَيَقُومُونَ دُونَكَ؟ قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا أَبَتْ، إنِّي إنَّمَا أُرِيدُ مَا أُرِيدُ [3] ، للَّه (عَزَّ وَجَلَّ) [4] . قَالَ: فَيُتَحَدَّثُ أَنَّهُ مَا نَزَلَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ إلَّا فِيهِ، وَفِيمَا قَالَ لَهُ أَبُوهُ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى 92: 5- 6 ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى وَلَسَوْفَ يَرْضى 92: 19- 21. (تَعْذِيبُ قُرَيْشٍ لَابْنِ يَاسِرٍ، وَتَصْبِيرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ بَنُو مَخْزُومٍ يَخْرُجُونَ بِعَمَّارِ [5] بْنِ يَاسِرٍ، وَبِأَبِيهِ

_ [1] حل: يُرِيد: تحللى من يَمِينك وَاسْتثنى فِيهَا، وَأكْثر مَا تَقوله الْعَرَب بِالنّصب. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «مَا أُرِيد يعْنى للَّه» . وَلَا معنى لهَذِهِ الزِّيَادَة. [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أَبى عَامر» . وَهُوَ تَحْرِيف: (رَاجع تَهْذِيب التَّهْذِيب) . [4] زِيَادَة عَن أ. [5] روى أَن عمارا قَالَ لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقد بلغ منا الْعَذَاب كل مبلغ، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صبرا أَبَا الْيَقظَان، ثمَّ قَالَ: اللَّهمّ لَا تعذب أحدا من آل عمار بالنَّار. وعمار وَالْحُوَيْرِث وعبود بَنو يَاسر. وَمن ولد عمار عبد الله بن سعد، وَهُوَ الْمَقْتُول بالأندلس، قَتله عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة.

(ما كان يعذب به أبو جهل من أسلم) :

وَأُمِّهِ [1] ، وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ إسْلَامٍ، إذَا حَمِيَتْ الظَّهِيرَةُ، يُعَذِّبُونَهُمْ بِرَمْضَاءِ [2] مَكَّةَ، فَيَمُرُّ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ، فِيمَا بَلَغَنِي: صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ، مَوْعِدُكُمْ الْجَنَّةُ. فَأَمَّا أُمُّهُ فَقَتَلُوهَا، وَهِيَ تَأْبَى إلَّا الْإِسْلَامَ. (مَا كَانَ يُعَذِّبُ بِهِ أَبُو جَهْلٍ مَنْ أَسْلَمَ) : وَكَانَ أَبُو جَهْلٍ الْفَاسِقُ الَّذِي يُغْرِي بِهِمْ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، إذَا سَمِعَ بِالرَّجُلِ قَدْ أَسْلَمَ، لَهُ شَرَفٌ وَمَنَعَةٌ، أَنَّبَهُ وَأَخْزَاهُ [3] وَقَالَ: تَرَكْتَ دِينَ أَبِيكَ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، لَنُسَفِّهَنَّ حِلْمَكَ، وَلَنُفَيِّلَنَّ [4] رَأْيَكَ، وَلَنَضَعَنَّ شَرَفَكَ، وَإِنْ كَانَ تَاجِرًا قَالَ: وَاَللَّهِ لَنُكَسِّدَنَّ تِجَارَتَكَ، وَلَنُهْلِكَنَّ مَالَكَ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا ضَرَبَهُ وَأَغْرَى بِهِ. (سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ عُذْرِ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ لِسَبَبِ تَعْذِيبِهِ فَأَجَازَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَبْلُغُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَذَابِ مَا يُعْذَرُونَ بِهِ فِي تَرْكِ دِينِهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاَللَّهِ، إنْ كَانُوا لَيَضْرِبُونَ أَحَدَهُمْ وَيُجِيعُونَهُ وَيُعَطِّشُونَهُ حَتَّى مَا يَقْدِرُ أَنْ يَسْتَوِيَ [5] جَالِسًا مِنْ شِدَّةِ الضُّرِّ الَّذِي نَزَلَ بِهِ، حَتَّى يُعْطِيَهُمْ مَا سَأَلُوهُ مِنْ الْفِتْنَةِ، حَتَّى يَقُولُوا لَهُ، آللَّاتُ وَالْعُزَّى إلَهُكَ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، حَتَّى إنَّ الْجُعَلَ لَيَمُرُّ بِهِمْ، فَيَقُولُونَ لَهُ: أَهَذَا الْجُعَلُ إلَهُكَ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، افْتِدَاءً مِنْهُمْ مِمَّا يَبْلُغُونَ مِنْ جَهْدِهِ.

_ [1] وَاسْمهَا سميَّة: وَهِي بنت خياط، كَانَت مولاة لأبى حُذَيْفَة بن الْمُغيرَة، واسْمه مهشم، وَهُوَ عَم أَبى جهل، وَقد غلط ابْن قُتَيْبَة فِيهَا، فَزعم أَن الْأَزْرَق مولى الْحَارِث بن كلدة خلف عَلَيْهَا بعد يَاسر، فَولدت لَهُ سَلمَة بن الْأَزْرَق، وَالصَّحِيح أَن أم سَلمَة بن الْأَزْرَق سميَّة أُخْرَى، وَهِي أم زِيَاد بن أَبى سُفْيَان لَا أم عمار. [2] الرمضاء: الرمل الحارة من شدَّة حرارة الشَّمْس. [3] فِي الْأُصُول: «أخذاه» . ويروى: «خذله» : أَي ذلله. [4] لنفيلن رَأْيك: أَي لنقبحنه ونخطئنه. [5] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: لَا «وَأَن يَسْتَوِي» وَلَا معنى لَهُ.

(رفض هشام تسليم أخيه لقريش ليقتلوه على إسلامه، وشعره في ذلك) :

(رَفْضُ هِشَامٍ تَسْلِيمَ أَخِيهِ لِقُرَيْشِ لِيَقْتُلُوهُ عَلَى إسْلَامِهِ، وَشِعْرِهِ فِي ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ عُكَاشَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَحْمَدَ أَنَّهُ حُدِّثَ أَنَّ رِجَالًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ مَشَوْا إلَى هِشَامِ بْنِ الْوَلِيدِ، حِينَ أَسْلَمَ أَخُوهُ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ (بْنِ الْمُغِيرَةِ) [1] ، وَكَانُوا قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنْ يَأْخُذُوا فِتْيَةً مِنْهُمْ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا، مِنْهُمْ: سَلَمَةُ بْنُ هِشَامٍ، وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ. قَالَ: فَقَالُوا لَهُ: وَخَشُوا شَرَّهُمْ: إنَّا قَدْ أَرَدْنَا أَنْ نُعَاتِبَ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةِ عَلَى هَذَا الدِّينِ الَّذِي أَحْدَثُوا، فَإِنَّا نَأْمَنُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِهِمْ [2] . قَالَ: هَذَا، فَعَلَيْكُمْ بِهِ، فَعَاتِبُوهُ وَإِيَّاكُمْ وَنَفْسَهُ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ: أَلَا لَا يُقْتَلَنَّ أَخِي عُيَيْسٍ [3] ... فَيَبْقَى بَيْنَنَا أَبَدًا تَلَاحِي احْذَرُوا عَلَى نَفْسِهِ، فَأُقْسِمُ اللَّهَ لَئِنْ قَتَلْتُمُوهُ لَأَقْتُلَنَّ أَشْرَفَكُمْ رَجُلًا. قَالَ: فَقَالُوا: اللَّهمّ الْعَنْهُ، مَنْ يُغَرِّرُ بِهَذَا الحَدِيث [4] ، فو الله لَوْ أُصِيبَ فِي أَيْدِينَا لَقُتِلَ أَشْرَفُنَا رَجُلًا. (قَالَ) [1] ، فَتَرَكُوهُ وَنَزَعُوا عَنْهُ. قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا دَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْهُمْ. ذِكْرُ الْهِجْرَةِ الْأُولَى إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ (إشَارَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ بِالْهِجْرَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [5] : فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُصِيبُ أَصْحَابَهُ مِنْ الْبَلَاءِ، وَمَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْعَافِيَةِ، بِمَكَانِهِ مِنْ اللَّهِ وَمِنْ [6] عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ الْبَلَاءِ، قَالَ لَهُمْ: لَوْ خَرَجْتُمْ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ، وَهِيَ أَرْضُ صِدْقٍ، حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَكُمْ فَرَجًا

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] عبارَة ر هَكَذَا: فَإنَّا لَا نَأْمَن بذلك فِي غَيره. [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عييش» . [4] كَذَا فِي أ. يُرِيد أَي من يلطخ نَفسه بِهِ ويؤذيها. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «يغرر بِهَذَا الْخَبيث» . [5] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، قَالَ حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الْملك بن هِشَام، قَالَ حَدثنَا زِيَاد بن عبد الله البكائي، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق المطلبي، قَالَ ... » . هُوَ ابْتِدَاء الْجُزْء الْخَامِس من السِّيرَة، كَمَا فِي أَبى ذَر. [6] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وَابْن عَمه» وَهُوَ تَحْرِيف. 21- سيرة ابْن هِشَام- 1

(من هاجروا الهجرة الأولى إلى الحبشة) :

مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ. فَخَرَجَ عِنْدَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ، وَفِرَارًا إلَى اللَّهِ بِدِينِهِمْ، فَكَانَتْ أَوَّلَ هِجْرَةٍ كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ. (مَنْ هَاجَرُوا الْهِجْرَةَ الْأُولَى إلَى الْحَبَشَةِ) : وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ ابْن قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ مَعَهُ امْرَأَتُهُ: سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ. وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ: الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ. وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ. وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْن عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ (بْنِ) [1] الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ ابْن يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ: أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ [2] هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ. وَمِنْ بَنِي جُمَحِ بْنِ عَمْرِو [3] بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ: عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ. وَمِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ: عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَلِيفُ آلِ الْخَطَّابِ، مِنْ عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ- (قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: مِنْ عَنَزَةَ ابْن أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ) [4]- مَعَهُ امْرَأَتُهُ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ (بْنِ حُذَافَةَ) [4] بْنِ غَانِمِ (ابْن عَامِرِ) [4] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ. وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ: أَبُو سَبْرَةَ بْنُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ أَبِي قَيْسِ

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وَابْن هِلَال» . وَهُوَ تَحْرِيف. [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عمر» وَهُوَ تَحْرِيف. [4] زِيَادَة عَن أ.

(من خرج إلى أرض الحبشة من بنى هاشم) :

ابْن عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَيُقَالُ: بَلْ أَبُو حَاطِبِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ (بْنِ لُؤَيٍّ) [1] ، وَيُقَالُ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ قَدِمَهَا. وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: سُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ، وَهُوَ سُهَيْلُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ. فَكَانَ هَؤُلَاءِ الْعَشْرَةِ أَوَّلَ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فِيمَا بَلَغَنِي. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَتَتَابَعَ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى اجْتَمَعُوا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَكَانُوا بِهَا، مِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ بِأَهْلِهِ مَعَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ لَا أَهْلَ لَهُ مَعَهُ. (مَنْ خَرَجَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ) : (و) [1] مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ: جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ قُحَافَةَ بْنِ خَثْعَمٍ، وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ، رَجُلٌ. (مَنْ خَرَجَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ) : وَمِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ ابْن أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ رُقَيَّةُ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ ابْن مُحَرِّثِ (بْنِ خُمْلِ) [1] بْنِ شِقِّ بْنِ رَقَبَةَ بْنِ مُخْدِجٍ الْكِنَانِيُّ، وَأَخُوهُ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أَمِينَةُ بِنْتُ خَلَفِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ بْنِ سُبَيْعِ بْنِ جُعْثُمَةَ [2] بْنِ سَعْدِ بْنِ مُلَيْحِ بْنِ عَمْرٍو، مِنْ خُزَاعَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ هُمَيْنَةُ بِنْتُ خَلَفٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ سَعِيدَ بْنَ خَالِدٍ، وَأَمَةَ بِنْتَ خَالِدٍ،

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] فِي الْأُصُول: «خثعمة» . وَقد تقدم الْكَلَام على ذَلِك.

(من هاجر إلى الحبشة من بنى أسد) :

فَتَزَوَّجَ أَمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَمْرُو بْنُ الزُّبَيْرِ، وَخَالِدُ بْنُ الزُّبَيْرِ. (مَنْ هَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي أَسَدٍ) : وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ، مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ صَبِرَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ، وَأَخُوهُ عُبَيْدُ اللَّهِ ابْن جَحْشٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَقَيْسُ ابْن عَبْدِ اللَّهِ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ بَرَكَةُ بِنْتُ يَسَارٍ، مَوْلَاةُ أَبِي سُفْيَانَ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَمُعَيْقِيبُ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ. وَهَؤُلَاءِ آلُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، سَبْعَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُعَيْقِيبُ مِنْ دَوْسٍ. (مَنْ رَحَلَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ ابْن رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ، حَلِيفُ آلِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، رَجُلَانِ. (مَنْ رَحَلَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ) : وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرِ بْنِ وهب بن نسيب بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَازِنِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ، حَلِيفٌ لَهُمْ، رَجُلٌ. (مَنْ رَحَلَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي أَسَدٍ) : وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ: الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ، وَيَزِيدُ بْنُ زَمَعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ ابْن أَسَدٍ. وَعَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ، أَرْبَعَةُ نَفَرٍ. (مَنْ رَحَلَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ قُصَيٍّ) : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ قُصَيٍّ: طُلَيْبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ أَبِي كَبِيرِ [1] بْنِ عَبْدِ (ابْن قُصَيٍّ) [2] ، رَجُلٌ.

_ [1] كَذَا فِي أوشرح السِّيرَة. وَفِي سَائِر الْأُصُول والاستيعاب: «كثير» . [2] زِيَادَة عَن شرح السِّيرَة لأبى ذَر.

(من رحل إلى الحبشة من بنى عبد الدار بن قصي) :

(مَنْ رَحَلَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ) : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، وَسُوَيْبِطُ [1] بْنُ سَعْدِ بْنِ حَرْمَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عُمَيْلَةَ بْنِ السَّبَّاقِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، وَجَهْمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَرْمَلَةَ بِنْتُ عَبْدِ الْأَسْوَدِ بْنِ جُذَيْمَةَ بْنِ أُقَيْشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ بْنِ سُبَيْعِ بْنِ جُعْثُمَةَ [2] بْنِ سَعْدِ بْنِ مُلَيْحِ بْنِ عَمْرٍو، مِنْ خُزَاعَةَ، وَابْنَاهُ عَمْرُو بْنُ جَهْمٍ وَخُزَيْمَةُ [3] بْنُ جَهْمٍ، وَأَبُو الرُّومِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ ابْن عَبْدِ الدَّارِ، وَفِرَاسُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ ابْن عَبْدِ الدَّارِ، خَمْسَةُ نَفَرٍ. (مَنْ رَحَلَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ) : وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ ابْن الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ، وَعَامِرُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبُو وَقَّاصٍ، مَالِكُ بْنُ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ ابْن زُهْرَةَ، وَالْمُطَّلِبُ بْنُ أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْحَارِثِ ابْن زُهْرَةَ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي عَوْفِ بْنِ ضُبَيْرَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُطَّلِبِ. (مَنْ رَحَلَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي هُذَيْلٍ) : وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ هُذَيْلٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شَمْخِ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ صَاهِلَةَ بْنِ كَاهِلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ. وَأَخُوهُ: عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ. (مَنْ رَحَلَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَهْرَاءَ) : وَمِنْ بَهْرَاءَ: الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ ثُمَامَةَ بْنِ مَطْرُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ لُؤَيِّ [4] بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الشَّرِّيدِ

_ [1] كَذَا فِي أوالاستيعاب. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «سويط بن حُرَيْمِلَة» . [2] فِي الْأُصُول: «خثعمة» وَهُوَ تَحْرِيف. وَقد تقدم الْكَلَام على ذَلِك. [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «خُزَيْمَة بنت جِهَة» وَهُوَ تَحْرِيف. [4] فِي الْأُصُول: «ثَوْر» والتصويب عَن شرح السِّيرَة لأبى ذَر الخشنيّ (ص 99 طبع الْقَاهِرَة سنة 1329) .

(من رحل إلى الحبشة من بنى تيم) :

ابْن أَبِي أَهْوَزَ [1] بْنِ أَبِي فَائِشِ بْنِ دُرَيْمِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ أَهْوَدَ [2] بْنِ بَهْرَاءَ بْنِ عَمْرِو ابْن الْحَافِّ بْنِ قُضَاعَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ هَزْلُ بْنُ فَاسِ [3] بْنِ ذَرِّ، وَدُهَيْرُ [4] بْنُ ثَوْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ (بْنِ وَهْبِ) [5] ابْن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ تَبَنَّاهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَحَالَفَهُ سِتَّةُ نَفَرٍ. (مَنْ رَحَلَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي تَيْمٍ) : وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ: الْحَارِثُ بْنُ خَالِدِ بْنِ صَخْرِ بْنِ عَامِرِ (بْنِ عَمْرِو) [5] ابْن كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ رَيْطَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ جَبَلَةَ [6] بْنِ عَامِرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ، وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مُوسَى بْنَ الْحَارِثِ، وَعَائِشَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، وَزَيْنَبَ بِنْتَ الْحَارِثِ، وَفَاطِمَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، وَعَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ، رَجُلَانِ. (مَنْ رَحَلَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ) : وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ: أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ، وَاسْمُ أَبِي سَلَمَةَ عَبْدُ اللَّهِ، وَاسْمُ أُمِّ سَلَمَةَ: هِنْدٌ: وَشَمَّاسُ (بْنُ) [5] عُثْمَانَ بْنِ [7] الشَّرِّيدِ ابْن سُوَيْدِ بْنِ هَرْمِيِّ بْنِ عَامِرِ بْنِ مَخْزُومٍ. (اسْمُ الشَّمَّاسِ وَشَيْءٌ عَنْهُ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ شَمَّاسٍ: عُثْمَانُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ شَمَّاسًا، لِأَنَّ شَمَّاسًا مِنْ

_ [1] فِي الْأُصُول: «بن هزل بن فائش» . والتصويب عَن شرح السِّيرَة. وَقد عرض لهَذَا ابْن هِشَام بعد أسطر. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: أهوذ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة. [3] كَذَا فِي أوفي سَائِر الْأُصُول: «قاش» . [4] قَالَ أَبُو ذَر: «وروى أَيْضا: دهير (بِالتَّصْغِيرِ) . وروى أَيْضا: دهير (بِالْيَاءِ الْمُوَحدَة مَفْتُوحَة) وَالصَّوَاب فِيهِ: دهير بِفَتْح الدَّال وَكسر الْهَاء. [5] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والاستيعاب. وَفِي أ: « ... بن عَامر بن عَمْرو بن كَعْب ... إِلَخ» . [6] كَذَا فِي الِاسْتِيعَاب. وَفِي أَكثر الْأُصُول: «جبيلة» . وَفِي أ: «حبيلة» . [7] كَذَا فِي الِاسْتِيعَاب. وَفِي أَكثر الْأُصُول: « ... بن عبد بن الشريد» .

(من هاجر إلى الحبشة من حلفاء بنى مخزوم) :

الشَّمَامِسَةِ [1] ، قَدِمَ مَكَّةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ جَمِيلًا فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ جَمَالِهِ، فَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَكَانَ خَالَ شَمَّاسٍ: أَنَا آتِيكُمْ بِشَمَّاسِ أَحْسَنَ مِنْهُ، فَجَاءَ بِابْنِ أُخْتِهِ عُثْمَانَ بْنِ عُثْمَانَ، فَسُمِّيَ شَمَّاسًا. فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهَبَّارُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُفْيَانَ، وَهِشَامُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَسَلَمَةُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ. (مَنْ هَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي مَخْزُومٍ) : وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ: مُعَتِّبُ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عَفِيفِ بْنِ كُلَيْبِ ابْن حَبَشِيَّةَ بن سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو، مِنْ خُزَاعَةَ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: عَيْهَامَةُ، ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ حَبَشِيَّةُ بْنُ سَلُولَ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ مُعَتِّبُ بْنُ حَمْرَاءَ. (مَنْ هَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي جُمَحٍ) : وَمِنْ بَنِي جُمَحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ: عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ ابْن وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ، وَابْنُهُ السَّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ، وَأَخَوَاهُ قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَظْعُونٍ، وَحَاطِبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبِ ابْن وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُجَلَّلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَابْنَاهُ: مُحَمَّدُ بْنُ حَاطِبٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ، وَهُمَا لِبِنْتِ الْمُجَلَّلِ، وَأَخُوهُ حَطَّابُ بْنُ الْحَارِثِ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ فُكَيْهَةُ بِنْتُ يَسَارٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ ابْن جُمَحٍ، مَعَهُ ابْنَاهُ جَابِرُ بْنُ سُفْيَانَ، وَجُنَادَةُ بْنُ سُفْيَانَ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ حَسَنَةُ، وَهِيَ أُمُّهُمَا [2] ، وَأَخُوهُمَا مِنْ أُمِّهِمَا شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ، أَحَدُ الْغَوْثِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: شُرَحْبِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَحَدُ الْغَوْثِ بْنِ مُرٍّ، أَخِي تَمِيمِ بْنِ مُرٍّ.

_ [1] الشمامسة: هم الرهبان. لأَنهم يشمسون أنفسهم. يُرِيدُونَ تَعْذِيب النُّفُوس بذلك. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أمهَا» وَهُوَ تَحْرِيف.

(من هاجر إلى الحبشة من بنى سهم) :

(مَنْ هَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي سَهْمٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُثْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ أَهْبَانَ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ، أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا. وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ، خُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ [1] بْنِ سَهْمٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ [1] بْنِ سَهْلٍ، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ سَعْدِ [1] بْنِ سَهْمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْعَاصِ بْنُ وَائِلِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ سَعْدِ [1] بْنِ سَهْمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ [1] بْنِ سَهْمٍ، وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ [2] بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ [1] بْنِ سَهْمٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ [1] بْنِ سَهْمٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ ابْن عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ [1] بْنِ سَهْمٍ، وَمَعْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ [1] ابْن سَهْمٍ، وَبِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ [1] بْنِ سَهْمٍ، وَأَخٌ لَهُ مِنْ أُمِّهِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، يُقَالُ لَهُ: سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو، وَسَعِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ [1] بْنِ سَهْمٍ، وَالسَّائِبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ [1] ابْن سَهْمٍ، وَعُمَيْرُ بْنُ رِئَابِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ مُهَشَّمِ بْنِ سَعْدِ [1] بْنِ سَهْمٍ. وَمَحْمِيَّةُ بْنُ الْجَزَاءِ [3] ، حَلِيفٌ لَهُمْ، مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ، أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا. (مَنْ هَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي عَدِيٍّ) : وَمِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ: مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ حَرْثَانَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيٍّ، وَعُرْوَةُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ حَرْثَانَ ابْن عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيٍّ، وَعَدِيُّ بْنُ نَضْلَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ حَرْثَانَ

_ [1] فِي الْأُصُول: «سعيد. وَهُوَ تَحْرِيف. وَقد تقدم الْكَلَام على ذَلِك فِي هَذَا الْجُزْء. [2] كَذَا فِي أوالاستيعاب. وَفِي سَائِر الْأُصُول: بن قيس بن حذافة بن قيس بن عدي ... إِلَخ. وَالظَّاهِر أَن فِي النّسَب إقحاما. [3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والاستيعاب، وَأسد الغابة: «الْجُزْء» . وَفِي أ: «الْجَزَاء» . قَالَ أَبُو ذَر «ومحمية بن الْجَزَاء، ويروى هُنَا أَيْضا: ابْن الجز بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا وبالزاي الْمُشَدّدَة، والصوب فِيهِ الجز وَالله أعلم» .

(من هاجر إلى الحبشة من بنى عامر) :

ابْن عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيٍّ، وَابْنُهُ النُّعْمَانُ بْنُ عَدِيٍّ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَلِيفٌ لِآلِ الْخَطَّابِ، مِنْ عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ ابْن غَانِمٍ. خَمْسَةُ نَفَرٍ. (مَنْ هَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ) : وَمِنْ بَنِي عَامِرِ [1] بْنِ لُؤَيٍّ: أَبُو سَبْرَةَ بْنُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ ابْن حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ ابْن نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ ابْن عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَسُلَيْطُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ ابْن عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَأَخُوهُ السَّكْرَانُ بْنُ عَمْرٍو، مَعَهُ امْرَأَتُهُ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمَعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَمَالِكُ بْنُ زَمَعَةَ [2] بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ ابْن نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ عَمْرَةُ بِنْتُ السَّعْدِيِّ بْنِ وَقْدَانَ ابْن عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَحَاطِبُ [3] بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَسَعْدُ ابْن خَوْلَةُ، حَلِيفٌ لَهُمْ. ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ مِنْ الْيَمَنِ. (مَنْ هَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَهُوَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ [4] ،

_ [1] ذكر الْمُؤلف فِي ص 345 من هَذَا الْجُزْء من هَاجر من بنى عَامر وَذكر أَبَا سُبْرَة هَذَا. [2] كَذَا فِي أوالاستيعاب. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ربيعَة» . وَهُوَ تَحْرِيف. [3] كَذَا فِي أوالاستيعاب. وَفِي سَائِر الْأُصُول هُنَا، وَفِيمَا تقدم من جَمِيع الْأُصُول: «وَأَبُو حَاطِب» وهما رِوَايَتَانِ فِيهِ. (رَاجع أَسد الغابة) . [4] زِيَادَة عَن أ.

(عدد المهاجرين إلى الحبشة) :

وَسُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ، وَهُوَ سُهَيْلُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ ابْن الْحَارِثِ، وَلَكُنَّ أُمَّهُ غَلَبَتْ عَلَى نَسَبِهِ، فَهُوَ يُنْسَبُ إلَيْهَا، وَهِيَ دَعْدُ بِنْتُ جَحْدَمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ ظَرِبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ، وَكَانَتْ تُدْعَى بَيْضَاءَ، وَعَمْرُو ابْن أَبِي سَرْحِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَعِيَاضُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدَّادِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَيُقَالُ: بَلْ رَبِيعَةُ بْنُ هِلَالِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ضَبَّةَ (بْنِ الْحَارِثِ) [1] ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدَّادِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَعُثْمَانُ [2] ابْن عَبْدِ غَنْمِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدَّادِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ وَسَعْدُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ عَامِرِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ ظَرِبِ بْنِ الْحَارِثِ (بْنِ فِهْرٍ) [1] وَالْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ [3] بْنِ لَقِيطِ بْنِ عَامِرِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ ظَرِبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ. ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ. (عَدَدُ الْمُهَاجِرِينَ إلَى الْحَبَشَةِ) : فَكَانَ جَمِيعُ مَنْ لَحِقَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَهَاجَرَ إلَيْهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، سِوَى أَبْنَائِهِمْ الَّذِينَ خَرَجُوا بِهِمْ مَعَهُمْ صِغَارًا وَوُلِدُوا بِهَا، ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا، إنْ كَانَ عَمَّارُ ابْن يَاسِرٍ فِيهِمْ، وَهُوَ يُشَكُّ فِيهِ. (شِعْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ فِي الْهِجْرَةِ إلَى الْحَبَشَةِ) : وَكَانَ مِمَّا قِيلَ مِنْ الشِّعْرِ فِي الْحَبَشَةِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ ابْن سَعْدِ [4] بْنِ سَهْمٍ، حِينَ أَمِنُوا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَحَمِدُوا جِوَارَ النَّجَاشِيِّ، وَعَبَدُوا اللَّهَ لَا يَخَافُونَ عَلَى ذَلِكَ أَحَدًا، وَقَدْ أَحْسَنَ النَّجَاشِيُّ جِوَارَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِهِ، قَالَ: يَا رَاكِبًا بَلِّغَنْ عَنَّى مُغَلْغِلَةً [5] ... مَنْ كَانَ يَرْجُو بَلَاغَ اللَّهِ وَالدِّينِ

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] كَذَا فِي أوالاستيعاب. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عَمْرو» وَهُوَ تَحْرِيف. [3] كَذَا فِي أوالاستيعاب. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بن فهر بن لَقِيط» . وَفِي النّسَب إقحام. [4] فِي الْأُصُول: «سعيد» . (رَاجع الْحَاشِيَة رقم 8 ص 256 من هَذَا الْجُزْء) . [5] المغلغلة: الرسَالَة ترسل من بلد إِلَى بلد.

كُلُّ امْرِئِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مُضْطَهَدٌ ... بِبَطْنِ مَكَّةَ مَقْهُورٍ وَمَفْتُونِ أَنَّا وَجَدْنَا بِلَادَ اللَّهِ وَاسِعَةً ... تُنْجِي مِنْ الذُّلِّ وَالْمَخْزَاةِ وَالْهُونِ فَلَا تُقِيمُوا عَلَى ذلّ الْحَيَاة وخزى ... فِي الْمَمَاتِ وَعَيْبٍ غَيْرِ مَأْمُونِ إنَّا تَبِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ وَاطَّرَحُوا ... قَوْلَ النَّبِيِّ وَعَالُوا [1] فِي الْمَوَازِينِ فَاجْعَلْ عَذَابَكَ بِالْقَوْمِ [2] الَّذِينَ بَغَوْا ... وَعَائِذًا [3] بِكَ أَنْ يَعْلُوَا [4] فَيُطْغُونِي وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ أَيْضًا، يَذْكُرُ نَفْيَ قُرَيْشٍ إيَّاهُمْ مِنْ بِلَادِهِمْ، وَيُعَاتِبُ بَعْضَ قَوْمِهِ فِي ذَلِكَ: أَبَتْ كَبِدِي، لَا أَكْذِبَنْكَ، قِتَالَهُمْ ... عَلَيَّ وَتَأْبَاهُ عَلَيَّ أَنَامِلِي وَكَيْفَ قِتَالِي مَعْشَرًا أَدَّبُوكُمْ ... عَلَى الْحَقِّ أَنْ لَا تَأْشِبُوهُ بِبَاطِلِ [5] نَفَتْهُمْ عِبَادُ الْجِنِّ مِنْ حُرِّ أَرْضِهِمْ ... فَأَضْحَوْا عَلَى أَمْرٍ شَدِيدِ الْبَلَابِلِ [6] فَإِنْ تَكُ كَانَتْ فِي عَدِيٍّ أَمَانَةٌ ... عَدِيِّ بْنِ سَعْدٍ عَنْ تُقًى أَوْ تَوَاصُلِ فَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنَّ ذَلِكَ فِيكُمْ ... بِحَمْدِ الَّذِي لَا يُطَّبَى بِالْجَعَائِلِ [7] وبدّلت شبلا شل كُلِّ خَبِيثَةٍ ... بِذِي فَجْرٍ مَأْوَى الضِّعَافِ الْأَرَامِلِ [8] وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ أَيْضًا: وَتِلْكَ قُرَيْشٌ تَجْحَدُ اللَّهَ حَقَّهُ ... كَمَا جَحَدَتْ عَادٌ وَمَدْيَنُ وَالْحِجْرُ [9] فَإِنْ أَنَا لَمْ أُبْرِقْ فَلَا يَسَعَنَّنِي ... مِنْ الْأَرْضِ بَرٌّ ذُو فَضَاءٍ وَلَا بَحْرُ [10] بِأَرْضٍ بِهَا عَبَدَ الْإِلَهَ مُحَمَّدٌ ... أُبَيِّنُ مَا فِي النَّفْسِ إذْ بُلِغَ النَّقْرُ [11]

_ [1] عَال فِي الْمِيزَان يعول: خَان. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فِي الْقَوْم» . [3] كَذَا فِي أ. وَنصب «عائذا» على الْفِعْل الْمَتْرُوك إِظْهَاره. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وعائذ» . [4] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «يغلوا» . (بالغين الْمُعْجَمَة) . [5] يأشبه: يخلطه. [6] حر أَرضهم: أَرضهم الْكَرِيمَة. والبلابل: وساوس الأحزان. [7] لَا يطبى: لَا يستمال وَلَا يستدعى. والجعائل: جمع جعَالَة (بِالْفَتْح) وَهِي الرِّشْوَة. [8] الْفجْر: الْعَطاء الْكثير. [9] الْحجر: يُرِيد أهل الْحجر، وهم ثَمُود. [10] أبرق: أهدد. [11] النقر: الْبَحْث عَن الشَّيْء، ويروى: «النَّفر» بِالْفَاءِ.

(شعر عثمان بن مظعون في ذلك) :

فَسُمِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ- يَرْحَمُهُ اللَّهُ- لَبَيْتِهِ الَّذِي قَالَ: «الْمُبْرِقُ» . (شِعْرُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فِي ذَلِكَ) : وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ يُعَاتِبُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ، وَكَانَ يُؤْذِيهِ فِي إسْلَامِهِ، وَكَانَ أُمَيَّةُ شَرِيفًا فِي قَوْمِهِ فِي زَمَانِهِ ذَلِكَ: أَتَيْمَ بْنَ عَمْرٍو لِلَّذِي جَاءَ بِغْضَةً [1] ... وَمِنْ دُونِهِ الشَّرْمَانُ وَالْبَرْكُ أَكْتَعُ [2] أَأَخْرَجْتَنِي مِنْ بَطْنِ مَكَّةَ آمِنًا ... وَأَسْكَنْتنِي فِي صَرْحِ بَيْضَاءَ [3] تَقْذَعُ [4] تَرِيشُ نِبَالًا لَا يُوَاتِيكَ رِيشُهَا [5] ... وَتُبْرَى نِبَالًا رِيشُهَا لَكَ أَجْمَعُ وَحَارَبْتَ أَقْوَامًا كِرَامًا أَعِزَّةً ... وَأَهْلَكْتَ أَقْوَامًا بِهِمْ كُنْتَ تَفْزَعُ [6] سَتَعْلَمُ إنْ نَابَتْكَ يَوْمًا مُلِمَّةٌ ... وَأَسْلَمَكَ الْأَوْبَاشُ مَا كُنْتَ تَصْنَعُ [7] وَتَيْمُ بْنُ عَمْرٍو، الَّذِي يَدْعُو عُثْمَانَ، جُمَحُ، كَانَ اسْمُهُ تَيْمًا [8] .

_ [1] أَرَادَ عجبا للَّذي جَاءَ وَالْعرب تكتفى بِهَذِهِ اللَّام فِي التَّعَجُّب كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: لهَذَا العَبْد الحبشي جَاءَ من أرضه وسمائه إِلَى الأَرْض الَّتِي خلق مِنْهَا. قَالَه فِي عبد حبشِي دفن فِي الْمَدِينَة. وَقَالَ فِي جَنَازَة سعد بن معَاذ وَهُوَ وَاقِف على قَبره وتقهقر، ثمَّ قَالَ: سُبْحَانَ الله! لهَذَا العَبْد الصَّالح ضم عَلَيْهِ الْقَبْر، ثمَّ فرج عَنهُ. [2] قَالَ أَبُو ذَر: والشرمان (بِالْفَتْح) : مَوضِع. وَمن رَوَاهُ الشرمان (بِكَسْر النُّون) فَهُوَ تَثْنِيَة شرم، وَهُوَ لجة الْبَحْر. والبرك: جمَاعَة الْإِبِل الباركة، وَقيل هُوَ اسْم مَوضِع هُنَا، وَهُوَ أشبه. وَقَوله: «والبرك أَكْتَع» هَذِه رِوَايَة غَرِيبَة، لِأَنَّهُ أكد بأكتع دون أَن يتقدمه أجمع. [3] صرح بَيْضَاء، يُرِيد مَدِينَة الْحَبَشَة. وأصل الصرح: الْقصر، يُرِيد أَنه سَاكن عِنْد قصر النَّجَاشِيّ، ويروى: صرح بيطاء (بِفَتْح الْبَاء وَكسرهَا) . والبيطاء: اسْم سفينة. [4] تقذع: تكره، كَأَنَّهُ من أقذعت الشَّيْء: إِذا صادفته قذعا، وَيُقَال أَيْضا: قذعت الرجل إِذا رميته بالفحش. يُرِيد أَن أَرض الْحَبَشَة مقذوعة. ويروى «نقدع» بِالدَّال الْمُهْملَة، وتقدع: تدفع. قَالَ السهيليّ مَا مَعْنَاهُ: وأحسب أَن «صرح بَيْضَاء تقذع» محرفة عَن: «صرح بيطاء تقدع» . [5] ريشها، من رَوَاهُ بِفَتْح الرَّاء، فَهُوَ مصدر راشه يريشه ريشا: إِذا نَفعه وجبره، وَمن رَوَاهُ بِكَسْر الرَّاء فَهُوَ جمع ريشة. [6] تفزع: تغيث وَتَنصر. ويروى: «تقرع» : أَي تضارب. [7] الأوباش: الضُّعَفَاء الداخلون فِي الْقَوْم وَلَيْسوا مِنْهُم. [8] كَذَا فِي أ، ط. وسمى تيم بن عَمْرو جمح، لِأَن أَخَاهُ سهم بن عَمْرو، وَكَانَ اسْمه زيدا، سابقه إِلَى غَايَة فجمح عَنْهَا تيم، فَسمى جمح، ووقف عَلَيْهَا زيد فَقيل: قد سهم زيد فَسمى سَهْما. وَفِي سَائِر الْأُصُول «وتيم بن عَمْرو الّذي كَانَ يدعى عُثْمَان بن جمح» وَهُوَ تَحْرِيف.

إرسال قريش إلى الحبشة في طلب المهاجرين إليها

إرْسَالُ قُرَيْشٍ إلَى الْحَبَشَةِ فِي طَلَبِ الْمُهَاجِرِينَ إلَيْهَا (رَسُولَا قُرَيْشٍ إِلَى النَّجَاشِيِّ لِاسْتِرْدَادِ الْمُهَاجِرِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمِنُوا وَاطْمَأَنُّوا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَأَنَّهُمْ قَدْ أَصَابُوا بِهَا دَارًا وَقَرَارًا، ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ أَنَّ يَبْعَثُوا فِيهِمْ مِنْهُمْ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ جَلْدَيْنِ إلَى النَّجَاشِيِّ، فَيَرُدَّهُمْ عَلَيْهِمْ، لِيَفْتِنُوهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَيُخْرِجُوهُمْ مِنْ دَارِهِمْ، الَّتِي اطْمَأَنُّوا بِهَا وَأَمِنُوا فِيهَا، فَبَعَثُوا عَبْدَ اللَّهِ [1] بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَجَمَعُوا لَهُمَا هَدَايَا لِلنَّجَاشِيِّ وَلِبَطَارِقَتِهِ [2] ، ثُمَّ بَعَثُوهُمَا إلَيْهِ [3] فِيهِمْ. (شِعْرُ أَبِي طَالِبٍ لِلنَّجَاشِيِّ يَحُضُّهُ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ الْمُهَاجِرِينَ) : فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ، حِينَ رَأَى ذَلِكَ مِنْ رَأْيِهِمْ وَمَا بَعَثُوهُمَا فِيهِ، أَبْيَاتًا لِلنَّجَاشِيِّ يَحُضُّهُ عَلَى حُسْنِ جِوَارِهِمْ وَالدَّفْعِ عَنْهُمْ: أَلَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ فِي النَّأْيِ [4] جَعْفَرٌ ... وَعَمْرٌو وَأَعْدَاءُ الْعَدُوِّ الْأَقَارِبُ

_ [1] وَعبد الله بن أَبى ربيعَة هَذَا كَانَ اسْمه بحيرى، فَسَماهُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أسلم عبد الله. وَأَبوهُ: أَبُو ربيعَة ذُو الرمحين، وَفِيه يَقُول ابْن الزبعري: بحيرى بن ذِي الرمحين قرب مجلسى ... وَرَاح علينا فَضله وَهُوَ غَانِم وَاسم أَبى ربيعَة: عَمْرو:، وَقيل حُذَيْفَة. وَأم عبد الله بن أَبى ربيعَة أَسمَاء بنت مخربة التميمية، وَهِي: أم أَبى جهل بن هِشَام. وَعبد الله بن أَبى ربيعَة هَذَا هُوَ وَالِد عمر بن عبد الله بن أَبى ربيعَة الشَّاعِر، ووالد الْحَارِث أَمِير الْبَصْرَة الْمَعْرُوف بالقباع، وَكَانَ فِي أَيَّام عمر واليا على الْجند وَفِي أَيَّام عُثْمَان، فَلَمَّا سمع بحصر عُثْمَان جَاءَهُ لِيَنْصُرهُ فَسقط عَن دَابَّته فَمَاتَ. [2] البطارقة: جمع بطرِيق، وَهُوَ الْقَائِد أَو الحاذق بِالْحَرْبِ. [3] وَيُقَال إِن قُريْشًا بعثت مَعَ ابْن أَبى ربيعَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ، عمَارَة بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة، الّذي عرضته قُرَيْش على أَبى طَالب ليأخذه، وَيدْفَع إِلَيْهِم مُحَمَّدًا ليقتلوه. وَالظَّاهِر أَن إرسالهم إِيَّاه مَعَ عَمْرو كَانَ فِي الْمرة الْأُخْرَى، ويروون فِيهَا: أَن عمرا سَافر بامرأته، فَلَمَّا ركبُوا الْبَحْر، وَكَانَ عمَارَة قد هوى امْرَأَة عَمْرو وهويته، فعزما على دفع عَمْرو فِي الْبَحْر، فدفعاه فَسقط فِيهِ ثمَّ سبح، ونادى أَصْحَاب السَّفِينَة فَأَخَذُوهُ ورفعوه إِلَى السَّفِينَة، وأضمرها عَمْرو فِي نَفسه، وَلم يبدها لعمارة. فَلَمَّا أَتَيَا أَرض الْحَبَشَة مكر بِهِ عَمْرو، فِي حَدِيث طَوِيل ذكره أَبُو الْفرج الْأَصْفَهَانِي فِي كِتَابه الأغاني. [4] النأى: الْبعد.

(حديث أم سلمة عن رسولي قريش مع النجاشي) :

وَهَلْ [1] نَالَتْ أَفْعَالُ النَّجَاشِيِّ جَعْفَرًا ... وَأَصْحَابَهُ أَوْ عَاقَ ذَلِكَ شَاغِبُ [2] تَعَلَّمْ، أَبَيْتَ اللَّعْنَ، أَنَّكَ مَاجِدٌ ... كَرِيمٌ فَلَا يَشْقَى لَدَيْكَ الْمُجَانِبُ [3] تَعَلَّمْ بِأَنَّ اللَّهَ زَادَكَ بَسْطَةً ... وَأَسْبَابَ خَيْرٍ كُلُّهَا بِكَ لَازِبُ [4] وَأَنَّكَ فَيْضٌ ذُو سِجَالٍ غَزِيرَةٍ ... يَنَالُ الْأَعَادِي نَفْعَهَا وَالْأَقَارِبُ [5] (حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ رَسُولَيْ قُرَيْشٍ مَعَ النَّجَاشِيِّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْن الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ زَوْجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: لَمَّا نَزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ، جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ النَّجَاشِيَّ، أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا، وَعَبَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى لَا نُؤْذَى وَلَا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ أَنْ يَبْعَثُوا إلَى النَّجَاشِيِّ فِينَا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ جَلْدَيْنِ، وَأَنْ يُهْدُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَا مِمَّا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا الْأُدْمُ [6] ، فَجَمَعُوا لَهُ أُدْمًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقًا إلَّا أَهْدَوْا لَهُ هَدِيَّةً، ثُمَّ بَعَثُوا بِذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَأَمَرُوهُمَا بِأَمْرِهِمْ، وَقَالُوا لَهُمَا: ادْفَعَا إلَى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ فِيهِمْ، ثُمَّ قَدِّمَا إلَى النَّجَاشِيِّ هَدَايَاهُ، ثُمَّ سَلَاهُ أَنْ يُسَلِّمَهُمْ إلَيْكُمَا قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ. قَالَتْ: فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ، عِنْدَ خَيْرِ جَارٍ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بِطَارِقَتِهِ بِطْرِيقٌ إلَّا دَفَعَا إلَيْهِ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ، وَقَالَا لِكُلِّ بِطْرِيقٍ مِنْهُمْ: إنَّهُ قَدْ ضَوَى [7] إلَى بَلَدِ الْمَلِكِ مِنَّا غِلْمَانٌ

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فَهَل نَالَ أَفعَال» . [2] عَاق: منع. وشاغب: من الشغب، ويروى: شاعب (بِالْعينِ الْمُهْملَة) . والشاعب: المفرق. [3] أَبيت اللَّعْن: هِيَ تَحِيَّة كَانُوا يحيون بهَا الْمُلُوك فِي الْجَاهِلِيَّة، وَمَعْنَاهُ: أَبيت أَن تأتى مَا تذم عَلَيْهِ. وَقيل مَعْنَاهُ: أَبيت أَن تذم من يقصدك. والمجانب: الدَّاخِل فِي حمى الْإِنْسَان المنضوى إِلَى جَانِبه. [4] لازب: لاصق. [5] الْفَيْض: الْجواد. والسجال: العطايا، وَاحِدهَا: سجل، وأصل السّجل: الدَّلْو المملوءة، ثمَّ يستعار للعطية. [6] الْأدم: الْجُلُود، وَهُوَ اسْم جمع. [7] ضوى: لَجأ ولصق وأتى لَيْلًا.

(إحضار النجاشي للمهاجرين، وسؤاله لهم عن دينهم، وجوابهم عن ذلك) :

سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ، وَجَاءُوا بِدِينِ مُبْتَدَعٍ، لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتُمْ، وَقَدْ بَعَثَنَا إلَى الْمَلِكِ فِيهِمْ أَشْرَافَ قَوْمِهِمْ لِيَرُدَّهُمْ إلَيْهِمْ، فَإِذَا كَلَّمْنَا الْمَلِكَ فِيهِمْ، فَأَشِيرُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يُسَلِّمَهُمْ إلَيْنَا وَلَا يُكَلِّمَهُمْ، فَإِنَّ قَوْمَهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا [1] ، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُمَا: نَعَمْ. ثُمَّ إنَّهُمَا قَدَّمَا هَدَايَاهُمَا إلَى النَّجَاشِيِّ فَقَبِلَهَا مِنْهُمَا، ثُمَّ كَلَّمَاهُ فَقَالَا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إنَّهُ قَدْ ضَوَى إلَى بَلَدِكَ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ، وَجَاءُوا بِدِينٍ ابْتَدَعُوهُ، لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ، وَقَدْ بَعَثَنَا إلَيْكَ فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَعْمَامِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ لِتَرُدَّهُمْ إلَيْهِمْ، فَهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ وَعَاتَبُوهُمْ فِيهِ. قَالَتْ: وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَمْرِو ابْن الْعَاصِ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَهُمْ النَّجَاشِيُّ. قَالَتْ: فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ: صَدَقَا أَيُّهَا الْمَلِكُ قَوْمُهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ فَأَسْلِمْهُمْ إلَيْهِمَا فَلْيَرُدَّاهُمْ إلَى بِلَادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ. قَالَتْ: فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ، ثُمَّ قَالَ: لَاهَا اللَّهِ، إذَنْ لَا أُسْلِمُهُمْ إلَيْهِمَا، وَلَا يَكَادُ قَوْمٌ جَاوَرُونِي، وَنَزَلُوا بِلَادِي، وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ، حَتَّى أَدْعُوَهُمْ فَأَسْأَلَهُمْ عَمَّا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولَانِ أَسْلَمْتهمْ إلَيْهِمَا، وَرَدَدْتُهُمْ إلَى قَوْمِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَنَعْتُهُمْ مِنْهُمَا، وَأَحْسَنْتُ جِوَارَهُمْ مَا جَاوَرُونِي. (إِحْضَار النَّجَاشِيّ للمهاجرين، وَسُؤَالُهُ لَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَجَوَابُهُمْ عَنْ ذَلِكَ) : قَالَتْ: ثُمَّ أَرْسَلَ إلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهُمْ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُهُ اجْتَمَعُوا، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: مَا تَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إذَا جِئْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا عَلِمْنَا، وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ. فَلَمَّا جَاءُوا، وَقَدْ دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ [2] ، فَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ سَأَلَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي قَدْ فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ، وَلَمْ تَدْخُلُوا (بِهِ) [3]

_ [1] أَعلَى بهم عينا: أبْصر بهم: اى عينهم وأبصارهم فَوق عين غَيرهم. [2] الأساقفة: عُلَمَاء النَّصَارَى الَّذين يُقِيمُونَ لَهُم دينهم، واحدهم أَسْقُف، وَقد يُقَال بتَشْديد الْفَاء. [3] زِيَادَة عَن أ.

فِي دِينِي، وَلَا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْمِلَلِ؟ قَالَتْ: فَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ) [1] ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ، لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ- قَالَتْ: فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ- فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ، وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ اللَّهِ، فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ، فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا، فَعَذَّبُونَا، وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا، لِيَرُدُّونَا إلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنْ الْخَبَائِثِ، فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَضَيَّقُوا عَلَيْنَا، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا، خَرَجْنَا إلَى بِلَادِكَ، وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ، وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ، قَالَتْ: فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ: «كهيعص 19: 1» . قَالَتْ: فَبَكَى وَاَللَّهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّى اخْضَلَّتْ [2] لِحْيَتُهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُّوا مَصَاحِفَهُمْ، حِينَ سَمِعُوا مَا تَلَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ (لَهُمْ) [1] النَّجَاشِيُّ: إنَّ هَذَا وَاَلَّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى [3] لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ [4] وَاحِدَةٍ، انْطَلِقَا،

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. واخضلت لحيته: ابتلت. وَفِي أ: «حَتَّى أخضل لحيته» : أَي بلها. [3] فِي أ: «مُوسَى» . [4] الْمشكاة: قَالَ فِي لِسَان الْعَرَب: «وَفِي حَدِيث النَّجَاشِيّ: إِنَّمَا يخرج من مشكاة وَاحِدَة. الْمشكاة: الكوة غير النافذة، وَقيل هِيَ الحديدة الَّتِي يعلق عَلَيْهَا الْقنْدِيل» أَرَادَ أَن الْقُرْآن وَالْإِنْجِيل كَلَام الله تَعَالَى، وأنهما من شَيْء وَاحِد.

(مقالة المهاجرين في عيسى عليه السلام عند النجاشي) :

فَلَا وَاَللَّهِ لَا أُسْلِمُهُمْ إلَيْكُمَا، وَلَا يُكَادُونَ [1] . (مَقَالَةُ الْمُهَاجِرِينَ فِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ) : قَالَتْ: فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: وَاَللَّهِ لَآتِيَنَّهُ غَدًا عَنْهُمْ بِمَا أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ [2] . قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي ربيعَة، وَكَانَ أثقى [3] الرَّجُلَيْنِ فِينَا: لَا نَفْعَلُ، فَإِنَّ لَهُمْ أَرْحَامًا، وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا، قَالَ: وَاَللَّهِ لَأُخْبِرَنَّهُ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ عِيسَى بن مَرْيَمَ عَبْدٌ. قَالَتْ: ثُمَّ غَدًا عَلَيْهِ (مِنْ) [4] الْغَدِ فَقَالَ (لَهُ) [4] : أَيُّهَا الْمَلِكُ، إنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى بن مَرْيَمَ قَوْلًا عَظِيمًا، فَأَرْسِلْ إلَيْهِمْ فَسَلْهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ فِيهِ. قَالَتْ: فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ لِيَسْأَلَهُمْ عَنْهُ. قَالَتْ: وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا قَطُّ. فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى بن مَرْيَمَ إذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ؟ قَالُوا: نَقُولُ وَاَللَّهِ مَا قَالَ اللَّهُ، وَمَا جَاءَنَا بِهِ نَبِيُّنَا، كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ. قَالَتْ: فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ، قَالَ لَهُمْ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ قَالَتْ: فَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (يَقُولُ) [4] : هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ. قَالَتْ: فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ بِيَدِهِ إلَى الْأَرْضِ، فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا، ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ مَا عَدَا عِيسَى بن مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ [5] ، قَالَتْ: فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ، فَقَالَ: وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاَللَّهِ، اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ شُيُومٌ بِأَرْضِي- وَالشُّيُومُ [6] : الْآمِنُونَ- مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ سَبَّكُمْ

_ [1] فِي أ: «أكاد» . [2] خضراءهم: شجرتهم الَّتِي مِنْهَا تفرعوا. [3] فِي أ: «أبقى» . [4] زِيَادَة عَن أ. [5] كَذَا فِي أ. وَهَذَا الْعود: مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة: أَي مِقْدَار هَذَا الْعود. يُرِيد أَن قَوْلك لم يعد عِيسَى بن مَرْيَم بِمِقْدَار هَذَا الْعود. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «مَا عدا عِيسَى ابْن مَرْيَم مِمَّا قلت» . [6] قَالَ السهيليّ: «يحْتَمل أَن تكون لَفْظَة حبشية غير مُشْتَقَّة، وَيحْتَمل أَن يكون لَهَا أصل فِي الْعَرَبيَّة، وَأَن تكون من شمت السَّيْف، أَي أغمدته، لِأَن الآمن مغمد عَنهُ السَّيْف أَو لِأَنَّهُ مصون فِي حرز كالسيف فِي غمده. 32- سيرة ابْن هِشَام- 1

(فرح المهاجرين بنصرة النجاشي على عدوه) :

غَرِمَ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ [1] . مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبَرًا مِنْ ذَهَبٍ، وَأَنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ دَبَرًا مِنْ ذَهَبٍ، وَيُقَالُ: فَأَنْتُمْ سُيُومٌ وَالدَّبَرُ: (بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ) : الْجَبْلُ- رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا، فَلَا حَاجَةَ لي بهَا، فو الله مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ. قَالَتْ: فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ، وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ، مَعَ خَيْرِ جَارٍ. (فَرَحُ الْمُهَاجِرِينَ بِنُصْرَةِ النَّجَاشِيِّ عَلَى عدوه) : قَالَت: فو الله إنَّا لِعَلَى ذَلِكَ، إذْ نَزَلَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ الْحَبَشَةِ يُنَازِعُهُ فِي ملكه. قَالَت: فو الله مَا عَلِمْتُنَا حَزِنَّا حُزْنًا قَطُّ كَانَ أَشَدَّ (عَلَيْنَا) [2] مِنْ حُزْنٍ حَزِنَّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ، تَخَوُّفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَيَأْتِي رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا كَانَ النَّجَاشِيُّ يَعْرِفُ مِنْهُ. قَالَتْ: وَسَارَ إلَيْهِ النَّجَاشِيُّ، وَبَيْنَهُمَا عَرْضُ النِّيلِ، قَالَتْ: فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَجُلٌ يَخْرَجُ حَتَّى يَحْضُرَ وَقِيعَةَ الْقَوْمِ ثُمَّ يَأْتِينَا بِالْخَبَرِ؟ قَالَتْ: فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: أَنَا. قَالُوا: فَأَنْتَ. وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنًّا. قَالَتْ: فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ سَبَحَ عَلَيْهَا حَتَّى خَرَجَ إلَى نَاحِيَةِ النِّيلِ الَّتِي بِهَا مُلْتَقَى الْقَوْمِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهُمْ. قَالَتْ: فَدَعَوْنَا اللَّهَ تَعَالَى لِلنَّجَاشِيِّ بِالظُّهُورِ عَلَى عَدُوِّهِ، وَالتَّمْكِينِ لَهُ فِي بِلَاده. قَالَت: فو الله إنَّا لَعَلَى ذَلِكَ مُتَوَقِّعُونَ لِمَا هُوَ كَائِنٌ، إذْ طَلَعَ الزُّبَيْرُ وَهُوَ يَسْعَى، فَلَمَعَ [3] بِثَوْبِهِ وَهُوَ يَقُولُ: أَلَا أَبْشِرُوا، فَقَدْ ظَفِرَ [4] النَّجَاشِيُّ، وَأَهْلَكَ اللَّهُ عَدُوَّهُ، وَمَكَّنَّ لَهُ فِي بِلَاده. قَالَت: فو الله مَا عَلِمْتنَا فَرِحْنَا فَرْحَةً قَطُّ مِثْلَهَا. قَالَتْ: وَرَجَعَ النَّجَاشِيُّ، وَقَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ عَدُوَّهُ، وَمَكَّنَ لَهُ فِي بِلَادِهِ، وَاسْتَوْسَقَ [5] عَلَيْهِ أَمْرُ الْحَبَشَةِ، فَكُنَّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ.

_ [1] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَقد وَردت هَذِه الْعبارَة فِي أمكررة مرَّتَيْنِ فَقَط. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] لمع بِثَوْبِهِ وألمع بِهِ: إِذا رَفعه وحركه ليراه غَيره فَيَجِيء إِلَيْهِ. [4] فِي أ: «ظهر» . [5] كَذَا فِي أد ط. واستوسق: تتَابع وَاسْتمرّ وَاجْتمعَ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «استوثق» .

قصة تملك النجاشي على الحبشة

قِصَّةُ تَمَلُّكِ النَّجَاشِيِّ عَلَى الْحَبَشَةِ (قَتْلُ أَبِي النَّجَاشِيِّ، وَتَوْلِيَةُ عَمِّهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَحَدَّثْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدِيثَ أَبِي بَكْرِ ابْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا قَوْلُهُ: مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ [1] فَأُطِيعَ النَّاسَ فِيهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ حَدَّثَتْنِي أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مَلِكَ قَوْمِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ إلَّا النَّجَاشِيَّ، وَكَانَ لِلنَّجَاشِيِّ عَمٌّ، لَهُ مِنْ صُلْبِهِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ مَمْلَكَةِ الْحَبَشَةِ، فَقَالَتْ الْحَبَشَةُ بَيْنَهَا: لَوْ أَنَّا قَتَلْنَا أَبَا النَّجَاشِيِّ وَمَلَّكْنَا أَخَاهُ فَإِنَّهُ لَا وَلَدَ لَهُ غَيْرَ هَذَا الْغُلَامِ، وَإِنَّ لِأَخِيهِ مِنْ صُلْبِهِ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فَتَوَارَثُوا مُلْكَهُ مِنْ بَعْدِهِ، بَقِيَتْ الْحَبَشَةُ بَعْدَهُ دَهْرًا، فَغَدَوْا عَلَى أَبِي النَّجَاشِيِّ فَقَتَلُوهُ، وَمَلَّكُوا أَخَاهُ، فَمَكَثُوا عَلَى ذَلِكَ حِينًا. (غَلَبَةُ النَّجَاشِيِّ عَمَّهُ عَلَى أَمْرِهِ، وَسَعْيُ الْأَحْبَاشِ لِإِبْعَادِهِ) : وَنَشَأَ النَّجَاشِيُّ مَعَ عَمِّهِ، وَكَانَ لَبِيبًا حَازِمًا مِنْ الرِّجَالِ، فَغَلَبَ عَلَى أَمْرِ عَمِّهِ، وَنَزَلَ مِنْهُ بِكُلِّ مَنْزِلَةٍ، فَلَمَّا رَأَتْ الْحَبَشَةُ مَكَانَهُ (مِنْهُ) [2] قَالَتْ بَيْنَهَا: وَاَللَّهِ لَقَدْ غَلَبَ هَذَا الْفَتَى عَلَى أَمْرِ عَمِّهِ، وَإِنَّا لَنَتَخَوَّفُ أَنْ يُمَلِّكَهُ عَلَيْنَا، وَإِنْ مَلَّكَهُ عَلَيْنَا لَيَقْتُلنَا أَجْمَعِينَ، لَقَدْ عَرَفَ أَنَّا نَحْنُ قَتَلْنَا أَبَاهُ. فَمَشَوْا إلَى عَمِّهِ فَقَالُوا: إمَّا أَنْ تَقْتُلَ هَذَا الْفَتَى، وَإِمَّا أَنْ تُخْرِجَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، فَإِنَّا قَدْ خِفْنَاهُ عَلَى أَنْفُسِنَا، قَالَ: وَيْلَكُمْ! قَتَلْتُ أَبَاهُ بِالْأَمْسِ، وَأَقْتُلهُ الْيَوْمَ! بَلْ أُخْرِجُهُ مِنْ بِلَادِكُمْ. قَالَتْ: فَخَرَجُوا بِهِ إلَى السُّوقِ، فَبَاعُوهُ مِنْ رَجُلٍ مِنْ التُّجَّارِ بِسِتِّ ماِئَةِ دِرْهَمٍ، فَقَذَفَهُ فِي سَفِينَةٍ فَانْطَلَقَ بِهِ، حَتَّى إذَا كَانَ الْعَشِيُّ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، هَاجَتْ سَحَابَةٌ مِنْ سَحَائِبِ الْخَرِيفِ فَخَرَجَ عَمُّهُ يَسْتَمْطِرُ تَحْتَهَا، فَأَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ فَقَتَلَتْهُ. قَالَتْ: فَفَزِعَتْ الْحَبَشَةُ إلَى

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول هُنَا: «فِيهِ» . [2] زِيَادَة عَن أ.

(توليه الملك برضا الحبشة) :

وَلَدِهِ، فَإِذَا هُوَ مُحَمَّقٌ، لَيْسَ فِي وَلَدِهِ خَيْرٌ، فَمَرَجَ عَلَى الْحَبَشَةِ أَمْرُهُمْ [1] . (تَوَلِّيهِ الْمُلْكَ بِرِضَا الْحَبَشَةِ) : فَلَمَّا ضَاقَ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: تَعْلَمُوا وَاَللَّهِ أَنَّ مَلِكَكُمْ الَّذِي لَا يُقِيمُ أَمْرَكُمْ غَيْرُهُ لَلَّذِي بِعْتُمْ غَدْوَةً، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ بِأَمْرِ الْحَبَشَةِ حَاجَةٌ فَأَدْرِكُوهُ (الْآنَ) [2] . قَالَتْ: فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ، وَطَلَبِ الرَّجُلِ الَّذِي بَاعُوهُ مِنْهُ حَتَّى أَدْرَكُوهُ، فَأَخَذُوهُ مِنْهُ، ثُمَّ جَاءُوا بِهِ، فَعَقَدُوا عَلَيْهِ التَّاجَ، وَأَقْعَدُوهُ عَلَى سَرِيرِ الْمُلْكِ، فَمَلَّكُوهُ. (حَدِيثُ التَّاجِرِ الَّذِي ابْتَاعَ النَّجَاشِيَّ) : فَجَاءَهُمْ التَّاجِرُ الَّذِي كَانُوا بَاعُوهُ مِنْهُ، فَقَالَ: إمَّا أَنْ تُعْطُونِي مَالِي، وَإِمَّا أَنْ أُكَلِّمَهُ فِي ذَلِكَ؟ قَالُوا: لَا نُعْطِيكَ شَيْئًا، قَالَ: إذَنْ وَاَللَّهِ أُكَلِّمُهُ، قَالُوا: فَدُونَكَ وَإِيَّاهُ. قَالَتْ: فَجَاءَهُ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، ابْتَعْتُ غُلَامًا مِنْ قَوْمٍ بِالسُّوقِ بِسِتِّ ماِئَةِ دِرْهَمٍ، فَأَسْلَمُوا إلَيَّ غُلَامِي وَأَخَذُوا دَرَاهِمِي، حَتَّى إذَا سِرْتُ بِغُلَامِي أَدْرَكُونِي، فَأَخَذُوا غُلَامِي، وَمَنَعُونِي دَرَاهِمِي. قَالَتْ: فَقَالَ لَهُمْ النَّجَاشِيُّ: لَتُعْطُنَّهُ دَرَاهِمَهُ، أَوْ لَيَضَعَنَّ غُلَامُهُ يَدَهُ فِي يَدِهِ، فَلَيَذْهَبَنَّ بِهِ حَيْثُ شَاءَ، قَالُوا: بَلْ نُعْطِيهِ دَرَاهِمُهُ. قَالَتْ: فَلِذَلِكَ يَقُولُ: مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي رِشْوَةً حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَ النَّاسَ فِيهِ. قَالَتْ: وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا خُبِرَ مِنْ صَلَابَتِهِ فِي دينه، وعدله فِي حُكْمِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ النَّجَاشِيُّ، كَانَ يُتَحَدَّثُ أَنَّهُ لَا يَزَالُ يُرَى عَلَى قَبْرِهِ نُورٌ. خُرُوجُ الْحَبَشَةِ عَلَى النَّجَاشِيِّ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: اجْتَمَعَتْ الْحَبَشَةُ

_ [1] مرج: قلق وَاخْتَلَطَ وَهَذَا يدل على طول الْمدَّة فِي مغيب النَّجَاشِيّ عَنْهُم. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [2] زِيَادَة عَن أ.

فَقَالُوا لِلنَّجَاشِيِّ: إنَّكَ قَدْ فَارَقْتَ دِينَنَا، وَخَرَجُوا عَلَيْهِ. فَأَرْسَلَ إلَى جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ، فَهَيَّأَ لَهُمْ سُفُنًا، وَقَالَ: ارْكَبُوا فِيهَا وَكُونُوا كَمَا أَنْتُمْ، فَإِنْ هُزِمْتُ فَامْضُوا حَتَّى تَلْحَقُوا بِحَيْثُ شِئْتُمْ، وَإِنْ ظَفِرْتُ فَاثْبُتُوا. ثُمَّ عَمَدَ إلَى كِتَابٍ فَكَتَبَ فِيهِ: هُوَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَيَشْهَدُ أَنَّ عِيسَى بن مَرْيَمَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ، ثُمَّ جَعَلَهُ فِي قُبَائِهِ عِنْدَ الْمَنْكِبِ الْأَيْمَنِ، وَخَرَجَ إلَى الْحَبَشَةِ، وَصُفُّوا لَهُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْحَبَشَةِ، أَلَسْتُ أَحَقَّ النَّاسِ بِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَكَيْفَ رَأَيْتُمْ سِيرَتِي فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ سِيرَةٍ، قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ [1] ؟ قَالُوا: فَارَقْتَ دِينَنَا، وَزَعَمْتَ أَنَّ عِيسَى عَبْدٌ، قَالَ: فَمَا تَقُولُونَ أَنْتُمْ فِي عِيسَى؟ قَالُوا: نَقُولُ هُوَ ابْنُ اللَّهِ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ عَلَى قُبَائِهِ: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ، لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَعْنِي [2] مَا كَتَبَ، فَرُضُّوا وَانْصَرَفُوا (عَنْهُ) [3] . فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا مَاتَ النَّجَاشِيُّ صَلَّى عَلَيْهِ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ [4]

_ [1] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فَمَا لكم» . [2] قَالَ السهيليّ فِي التَّعْلِيق على هَذَا الْكتاب: «وَفِيه من الْفِقْه أَنه لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤمنِ أَن يكذب كذبا صراحا، وَلَا أَن يعْطى بِلِسَانِهِ الْكفْر وَإِن أكره، مَا أمكنته الْحِيلَة، وَفِي المعاريض مندوحة عَن الْكَذِب، وَكَذَلِكَ قَالَ أهل الْعلم فِي قَول النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: لَيْسَ بالكاذب. من أصلح بَين اثْنَيْنِ فَقَالَ خيرا. روته أم كُلْثُوم بنت عقبَة، قَالُوا: مَعْنَاهُ أَن يعرض وَلَا يفصح بِالْكَذِبِ، مثل أَن يَقُول: سمعته يسْتَغْفر لَك وَيَدْعُو لَك، وَهُوَ يعْنى أَنه سَمعه يسْتَغْفر للْمُسلمين وَيَدْعُو لَهُم، لِأَن الآخر من جملَة الْمُسلمين، ويحتال فِي التَّعْرِيض مَا اسْتَطَاعَ، وَلَا يختلق الْكَذِب اختلاقا، وَكَذَلِكَ فِي خدعة الْحَرْب، يورى ويكنى وَلَا يختلق الْكَذِب يستحله، بِمَا جَاءَ من إِبَاحَة الْكَذِب فِي خدع الْحَرْب. هَذَا كُله مَا وجد إِلَى الْكِنَايَة سَبِيلا. [3] زِيَادَة عَن. [4] وَكَانَ موت النَّجَاشِيّ فِي رَجَب من سنة تسع، ونعاه رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّاس فِي الْيَوْم الّذي مَاتَ فِيهِ، وَصلى عَلَيْهِ بِالبَقِيعِ، رفع إِلَيْهِ سَرِيره بِأَرْض الْحَبَشَة حَتَّى رَآهُ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ، فصلى عَلَيْهِ، وَتكلم المُنَافِقُونَ، فَقَالُوا: أيصلى على هَذَا العلج؟ فَأنْزل الله تَعَالَى: وَإِنَّ من أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ 3: 199. وَيُقَال: إِن أَبَا نيزر، مولى على بن أَبى طَالب، كَانَ ابْنا للنجاشي نَفسه، وَإِن عليا وجده عِنْد تَاجر بِمَكَّة، فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ وَأعْتقهُ، مُكَافَأَة لما صنع أَبوهُ مَعَ الْمُسلمين. وَيُقَال: إِن الْحَبَشَة مرج عَلَيْهَا أمرهَا بعد النَّجَاشِيّ، وَإِنَّهُم أرْسلُوا وَفْدًا مِنْهُم إِلَى أَبى نيزر وَهُوَ مَعَ على ليملكوه ويتوجوه، وَلم يَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَأبى وَقَالَ: مَا كنت لأطلب الْملك بعد أَن من الله على بِالْإِسْلَامِ، وَكَانَ أَبُو نيزر من أطول النَّاس قامة وَأَحْسَنهمْ

إسلام عمر بن الخطاب رضى الله عنه

إسْلَامُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (اعْتِزَازُ الْمُسْلِمِينَ بِإِسْلَامِ عُمَرَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ عَلَى قُرَيْشٍ، وَلَمْ يُدْرِكُوا مَا طَلَبُوا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَدَّهُمَا النَّجَاشِيُّ بِمَا يَكْرَهُونَ، وَأَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَكَانَ رَجُلًا ذَا شَكِيمَةٍ لَا يُرَامُ مَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ، امْتَنَعَ بِهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِحَمْزَةِ حَتَّى عَازُوا قُرَيْشًا [1] ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَا كُنَّا نَقْدِرُ عَلَى أَنْ نُصَلِّيَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ (بْنُ الْخَطَّابِ) [2] ، فَلَمَّا أَسْلَمَ قَاتَلَ قُرَيْشًا حَتَّى صَلَّى عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، وَكَانَ إسْلَامُ عُمَرَ بَعْدَ خُرُوجِ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْحَبَشَةِ. قَالَ الْبُكَائِيُّ [3] ، قَالَ: حَدَّثَنِي مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ إسْلَامَ عُمَرَ كَانَ فَتْحًا، وَإِنَّ هِجْرَتَهُ كَانَتْ نَصْرًا، وَإِنَّ إمَارَتَهُ كَانَتْ رَحْمَةً، وَلَقَدْ كُنَّا مَا نُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ قَاتَلَ قُرَيْشًا حَتَّى صَلَّى عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ. (حَدِيثُ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إسْلَامِ عُمَرَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَتْ: وَاَللَّهِ إنَّا لَنَتَرَحَّلُ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَقَدْ ذَهَبَ عَامِرٌ فِي بعض حاجاتنا، إِذا

_ [ () ] وَجها، وَلم يكن لَونه كألوان الْحَبَشَة، وَلَكِن إِذا رَأَيْته قلت: هَذَا رجل من الْعَرَب. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [1] عازوا قُريْشًا: غلبوهم. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ ابْن هِشَام ... إِلَخ» .

(حديث آخر عن إسلام عمر) :

أَقْبَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَتَّى وَقَفَ عَلَيَّ وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ- قَالَتْ: وَكُنَّا نَلْقَى مِنْهُ الْبَلَاءَ أَذًى لَنَا وَشِدَّةً عَلَيْنَا- قَالَتْ: فَقَالَ: إنَّهُ لَلِانْطِلَاقُ يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: نَعَمْ وَاَللَّهِ، لَنَخْرُجَنَّ فِي أَرْضِ اللَّهِ، آذَيْتُمُونَا وَقَهَرْتُمُونَا، حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ مَخْرَجًا [1] . قَالَتْ: فَقَالَ: صَحِبَكُمْ اللَّهُ، وَرَأَيْتُ لَهُ رِقَّةً لَمْ أَكُنْ أَرَاهَا، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ أَحْزَنَهُ- فِيمَا أَرَى- خُرُوجُنَا. قَالَتْ: فَجَاءَ عَامِرٌ بِحَاجَتِهِ تِلْكَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتَ عُمَرَ آنِفًا وَرِقَّتَهُ وَحُزْنَهُ عَلَيْنَا. قَالَ: أَطَمِعْتِ فِي إسْلَامِهِ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَلَا يُسْلِمُ الَّذِي رَأَيْتِ حَتَّى يُسْلِمَ حِمَارُ الْخَطَّابِ، قَالَتْ: يَأْسًا مِنْهُ، لِمَا كَانَ يَرَى مِنْ غِلْظَتِهِ وَقَسْوَتِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ. (حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ إسْلَامِ عُمَرَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ إسْلَامُ عُمَرَ فِيمَا بَلَغَنِي أَنَّ أُخْتَهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْخَطَّابِ، وَكَانَتْ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَكَانَتْ قَدْ أَسْلَمَتْ وَأَسْلَمَ بَعْلُهَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَهُمَا مُسْتَخْفِيَانِ بِإِسْلَامِهِمَا مِنْ عُمَرَ، وَكَانَ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّحَّامُ [2] ، رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ قَدْ أَسْلَمَ، وَكَانَ أَيْضًا يَسْتَخْفِي بِإِسْلَامِهِ فَرَقًا مِنْ قَوْمِهِ، وَكَانَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ [3] يَخْتَلِفُ إلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ الْخَطَّابِ يُقْرِئُهَا الْقُرْآنَ، فَخَرَجَ عُمَرُ يَوْمًا مُتَوَشِّحًا سَيْفَهُ يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَهْطًا مِنْ أَصْحَابِهِ قَدْ ذُكِرُوا لَهُ أَنَّهُمْ قَدْ اجْتَمَعُوا فِي بَيْتٍ عِنْدَ الصَّفَا، وَهُمْ قَرِيبٌ مِنْ أَرْبَعِينَ مَا بَيْنَ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمُّهُ حَمْزَةُ

_ [1] فِي أ: «فرجا» . [2] كَذَا فِي أ. وَفِي أَكثر الْأُصُول: « ... النحام من مَكَّة ... إِلَخ» . [3] وَكَانَ خباب تميميا بِالنّسَبِ، كَمَا كَانَ خزاعيا بِالْوَلَاءِ لأم أَنْمَار بنت سِبَاع الْخُزَاعِيّ، وَكَانَ قد وَقع عَلَيْهِ سباء، فاشترته وأعتقته، فولاؤه لَهَا. وَكَانَ أَبوهَا حليفا لعوف بن عبد عَوْف بن عبد الْحَارِث ابْن زهرَة، فَهُوَ زهري بِالْحلف. وَهُوَ ابْن الْأَرَت بن جندلة بن سعد بن خُزَيْمَة بن كَعْب بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم، كَانَ قينا يعْمل السيوف فِي الْجَاهِلِيَّة، وَقد قيل: إِن أمه كَانَت أم سِبَاع الْخُزَاعِيَّة، وَلم يلْحقهُ سباء، وَلكنه انْتَمَى إِلَى حلفاء أمه بنى زهرَة، ويكنى أَبَا عبد الله وَقيل أَبَا يحيى، وَقيل أَبَا مُحَمَّد. مَاتَ بِالْكُوفَةِ سنة تسع وَثَلَاثِينَ بعد مَا شهد صفّين مَعَ على والنهروان. وَقيل: مَاتَ سنة سبع وَثَلَاثِينَ. ذكر أَن عمر بن الْخطاب سَأَلَهُ عَمَّا لَقِي فِي ذَات الله، فكشف ظَهره. فَقَالَ عمر: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ! فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، لقد أوقدت لي نَار، فَمَا أطفأها إِلَّا شحمي.

ابْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ الصِّدِّيقُ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فِي رِجَالٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، مِمَّنْ كَانَ أَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، وَلَمْ يَخْرَجْ فِيمَنْ خَرَجَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَلَقِيَهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: أُرِيدُ مُحَمَّدًا هَذَا الصَّابِئَ، الَّذِي فَرَّقَ أَمْرَ قُرَيْشٍ، وَسَفَّهُ أَحْلَامَهَا، وَعَابَ دِينَهَا، وَسَبَّ آلِهَتَهَا، فَأَقْتُلَهُ، فَقَالَ لَهُ نُعَيْمٌ: وَاَللَّهِ لَقَدْ غَرَّتْكَ نَفْسُكَ مِنْ نَفْسِكَ يَا عُمَرُ، أَتَرَى بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ تَارِكِيكَ تَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَقَدْ قَتَلْتَ مُحَمَّدًا! أَفَلَا تَرْجِعُ إلَى أَهْلِ بَيْتِكَ فَتُقِيمَ أَمْرَهُمْ؟ قَالَ: وَأَيُّ أَهْلِ بَيْتِي؟ قَالَ: خَتَنُكَ وَابْنُ عَمِّكَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو، وَأُخْتُكَ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطَّابِ، فَقَدْ وَاَللَّهِ أَسْلَمَا، وَتَابَعَا مُحَمَّدًا عَلَى دِينِهِ، فَعَلَيْكَ بِهِمَا، قَالَ: فَرَجَعَ عُمَرُ عَامِدًا إلَى أُخْتِهِ وَخَتَنِهِ، وَعِنْدَهُمَا خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ مَعَهُ صَحِيفَةٌ، فِيهَا: «طَه» يُقْرِئُهُمَا إيَّاهَا، فَلَمَّا سَمِعُوا حِسَّ عُمَرَ، تَغَيَّبْ خَبَّابٌ فِي مِخْدَعٍ [1] لَهُمْ، أَوْ فِي بَعْضِ الْبَيْتِ، وَأَخَذَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطَّابِ الصَّحِيفَةَ فَجَعَلَتْهَا تَحْتَ فَخِذِهَا، وَقْدَ سَمِعَ عُمَرُ حِينَ دَنَا إلَى الْبَيْتِ قِرَاءَةَ خَبَّابٍ عَلَيْهِمَا، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: مَا هَذِهِ الْهَيْنَمَةُ [2] الَّتِي سَمِعْتُ؟ قَالَا لَهُ: مَا سَمِعْتَ شَيْئًا، قَالَ: بَلَى وَاَللَّهِ، لَقَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّكُمَا تَابَعْتُمَا مُحَمَّدًا عَلَى دِينِهِ، وَبَطَشَ بِخَتَنِهِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَامَتْ إلَيْهِ أُخْتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطَّابِ لَتَكُفَّهُ عَنْ زَوْجِهَا، فَضَرَبَهَا فَشَجَّهَا، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ قَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ وَخَتَنُهُ: نَعَمْ قَدْ أَسْلَمْنَا وَآمَنَّا باللَّه وَرَسُولِهِ، فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ. فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا بِأُخْتِهِ مِنْ الدَّمِ نَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ، فَاِرْعَوى [3] ، وَقَالَ لِأُخْتِهِ: أَعْطِينِي هَذِهِ الصَّحِيفَةَ الَّتِي سَمِعْتُكُمْ تَقْرَءُونَ آنِفًا أَنْظُرْ مَا هَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ، وَكَانَ عُمَرُ كَاتِبًا، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ، قَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ: إنَّا نَخْشَاكَ عَلَيْهَا، قَالَ: لَا تَخَافِي، وَحَلَفَ لَهَا بِآلِهَتِهِ لَيَرُدَّنَّهَا إذَا قَرَأَهَا إلَيْهَا، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ، طَمِعَتْ فِي إسْلَامِهِ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَخِي، إنَّكَ نَجِسٌ، عَلَى

_ [1] المخدع: الْبَيْت الصَّغِير الّذي يكون دَاخل الْبَيْت الْكَبِير، وتضم ميمه وتفتح: (رَاجع النِّهَايَة لِابْنِ الْأَثِير) . [2] الهينمة: صَوت كَلَام لَا يفهم. [3] ارعوى: رَجَعَ.

شِرْكِكَ، وَإِنَّهُ لَا يَمَسُّهَا إلَّا الطَّاهِرُ [1] ، فَقَامَ عُمَرُ فَاغْتَسَلَ، فَأَعْطَتْهُ الصَّحِيفَةَ، وَفِيهَا: «طَه 20: 1» [2] . فَقَرَأَهَا، فَلَمَّا قَرَأَ مِنْهَا صَدْرًا، قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا الْكَلَامَ وَأَكْرَمَهُ! فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ خَبَّابٌ خَرَجَ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عُمَرُ، وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ خَصَّكَ بِدَعْوَةِ نَبِيَّهُ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ أَمْسِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهمّ أَيِّدْ الْإِسْلَامَ بِأَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ، أَوْ بِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ، فاللَّه اللَّهَ يَا عُمَرُ. فَقَالَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ عُمَرُ: فَدُلَّنِي يَا خَبَّابُ عَلَى مُحَمَّدٍ حَتَّى آتِيَهُ فَأُسْلِمَ، فَقَالَ لَهُ خَبَّابٌ: هُوَ فِي بَيْتٍ عِنْدَ الصَّفَا، مَعَهُ فِيهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَخَذَ عُمَرُ سَيْفَهُ فَتَوَشَّحَهُ، ثُمَّ عَمَدَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَضَرَبَ عَلَيْهِمْ الْبَابَ، فَلَمَّا سَمِعُوا

_ [1] قَالَ السهيليّ عِنْد الْكَلَام على تَطْهِير عمر ليمس الْقُرْآن وَقَول أُخْته لَهُ: «لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ 56: 79» : والمطهرون فِي هَذِه الْآيَة هم الْمَلَائِكَة، وَهُوَ قَول مَالك فِي الْمُوَطَّأ، وَاحْتج بِالْآيَةِ الْأُخْرَى الَّتِي فِي سُورَة عبس وَلَكنهُمْ وَإِن كَانُوا الْمَلَائِكَة، فَفِي وَصفهم بِالطَّهَارَةِ مَقْرُونا بِذكر الْمس مَا يَقْتَضِي أَلا يمسهُ إِلَّا طَاهِر، اقْتِدَاء بِالْمَلَائِكَةِ المطهرين، فقد تعلق الحكم بِصفة التَّطْهِير، وَلكنه حكم مَنْدُوب إِلَيْهِ، وَلَيْسَ مَحْمُولا على الْفَرْض وَإِن كَانَ الْفَرْض فِيهِ أبين مِنْهُ فِي الْآيَة، لِأَنَّهُ جَاءَ بِلَفْظ النهى عَن مَسّه على غير طَهَارَة، وَلَكِن فِي كتاب إِلَى هِرقل بِهَذِهِ الْآيَة: يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ 3: 64 دَلِيل على مَا قُلْنَاهُ. وَقد ذهب دَاوُد وَأَبُو ثَوْر، وَطَائِفَة مِمَّن سلف، مِنْهُم: الحكم بن عتيبة وَحَمَّاد بن أَبى سُلَيْمَان، إِلَى إِبَاحَة مس الْمُصحف على غير طَهَارَة، وَاحْتَجُّوا بِمَا ذكرنَا من كِتَابه إِلَى هِرقل، وَقَالُوا: حَدِيث عَمْرو بن حزم مُرْسل، فَلم يروه حجَّة، والدارقطنيّ قد أسْندهُ من طرق حسان، أقواها رِوَايَة أَبى دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن الزُّهْرِيّ، عَن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، عَن أَبِيه، عَن جد. وَمِمَّا يقوى أَن المطهرين فِي الْآيَة هم الْمَلَائِكَة، أَنه لم يقل: «المتطهرون» ، وَإِنَّمَا قَالَ: «الْمُطَهَّرُونَ 56: 79» . وَفرق مَا بَين المتطهر والمطهر، أَن المتطهر من فعل الطّهُور، وَأدْخل نَفسه فِيهِ، كالمتفقه من يدْخل نَفسه فِي الْفِقْه، وَكَذَلِكَ (المتفعل) فِي أَكثر الْكَلَام. وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ: وَقيس عيلان وَمن تقيسا فالآدميون متطهرون إِذا تطهروا، وَالْمَلَائِكَة خلقَة، والآدميات إِذا تطهرن متطهرات. وَفِي التَّنْزِيل: فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ من حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله 2: 222. والحور الْعين: مطهرات. وَفِي التَّنْزِيل: لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ 2: 25. وَهَذَا فرق بَين، وَقُوَّة لتأويل مَالك رَحمَه الله، وَالْقَوْل عِنْدِي فِي الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه متطهر ومطهر، أما متطهر، فَلِأَنَّهُ بشر آدَمِيّ يغْتَسل من الْجَنَابَة، وَيتَوَضَّأ من الْحَدث، وَأما مطهر فَلِأَنَّهُ قد غسل بَاطِنه، وشق عَن قلبه، وملئ حِكْمَة وإيمانا، فَهُوَ مطهر ومتطهر» . [2] وَفِي رِوَايَة: أَن عمر حِين قَرَأَ فِي الصَّحِيفَة سُورَة «طه» انْتهى مِنْهَا إِلَى قَوْله: لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى 20: 15. فَقَالَ: مَا أطيب هَذَا الْكَلَام وَأحسنه! وَقيل: إِن الصَّحِيفَة كَانَ فِيهَا مَعَ سُورَة طه: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ 81: 1. وَإِن عمر انْتهى فِي قرَاءَتهَا إِلَى قَوْله: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ 81: 14.

(رواية عطاء ومجاهد عن إسلام عمر) :

صَوْتَهُ، قَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ مِنْ خَلَلِ الْبَابِ فَرَآهُ مُتَوَشِّحًا السَّيْفَ، فَرَجَعَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فَزِعٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مُتَوَشِّحًا السَّيْفَ، فَقَالَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: فَأْذَنْ لَهُ، فَإِنْ كَانَ جَاءَ يُرِيدُ خَيْرًا بَذَلْنَاهُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ (جَاءَ) يُرِيدُ شَرًّا قَتَلْنَاهُ بِسَيْفِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْذَنْ لَهُ، فَأَذِنَ لَهُ الرَّجُلُ، وَنَهَضَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَقِيَهُ فِي الْحُجْرَةِ، فَأَخَذَ حُجْزَتَهُ [1] ، أَوْ بِمِجْمَعِ رِدَائِهِ، ثُمَّ جَبَذَهُ (بِهِ) [2] جَبْذَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا بن الخطّاب؟ فو الله مَا أَرَى أَنْ تَنْتَهِيَ حَتَّى يُنْزِلَ اللَّهُ بِكَ قَارِعَةً [3] ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُكَ لِأُومِنَ باللَّه وَبِرَسُولِهِ، وَبِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، قَالَ: فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْبِيرَةً عَرَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عُمَرَ قَدْ أَسْلَمَ. فَتَفَرَّقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَانِهِمْ، وَقَدْ عَزُّوا [4] فِي أَنْفُسِهِمْ حِينَ أَسْلَمَ عُمَرُ مَعَ إسْلَامِ حَمْزَةَ، وَعَرَفُوا أَنَّهُمَا [5] سَيَمْنَعَانِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَنْتَصِفُونَ بِهِمَا مِنْ عَدُوِّهِمْ. فَهَذَا حَدِيثُ الرُّوَاةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ إسْلَامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ أَسْلَمَ. (رِوَايَةُ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ عَنْ إسْلَامِ عُمَرَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ الْمَكِّيُّ، عَنْ أَصْحَابِهِ: عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، أَوْ عَمَّنْ رَوَى ذَلِكَ: أَنَّ إسْلَامَ عُمَرَ فِيمَا تَحَدَّثُوا بِهِ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: كُنْتُ لِلْإِسْلَامِ مُبَاعِدًا، وَكُنْتُ صَاحِبَ خَمْرٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أُحِبُّهَا وَأُسِرُّ بِهَا، وَكَانَ لَنَا مَجْلِسٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ بِالْحَزْوَرَةِ [6] ، عِنْدَ دُورَ آلِ عُمَرَ

_ [1] الحجزة: مَوضِع شدّ الْإِزَار. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] القارعة: الداهية. [4] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وَقد عزما فِي أنفسهم» . [5] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أَنهم» وَلَا يَسْتَقِيم بهَا الْكَلَام. [6] الْحَزْوَرَة بِالْفَتْح ثمَّ السّكُون وَفتح الْوَاو وَرَاء وهاء، والمحدثون يفتحون الرَّاء ويشددون الْوَاو،

ابْن عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ الْمَخْزُومِيِّ، قَالَ: فَخَرَجْتُ لَيْلَةً أُرِيدُ جُلَسَائِي أُولَئِكَ فِي مَجْلِسِهِمْ ذَلِكَ، قَالَ: فَجِئْتهمْ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ مِنْهُمْ أَحَدًا [1] . قَالَ: فَقُلْتُ: لَوْ أَنِّي جِئْتُ فُلَانًا الْخَمَّارَ، وَكَانَ بِمَكَّةَ يَبِيعُ الْخَمْرَ، لَعَلِّي أَجِدُ عِنْدَهُ خَمْرًا فَأَشْرَبَ مِنْهَا. قَالَ: فَخَرَجْتُ فَجِئْتُهُ فَلَمْ أَجِدْهُ. قَالَ: فَقُلْتُ: فَلَوْ أَنِّي جِئْتُ الْكَعْبَةَ فَطُفْتُ بِهَا سَبْعًا أَوْ سَبْعِينَ. قَالَ: فَجِئْتُ الْمَسْجِدَ أُرِيدُ أَنْ أَطُوِّفَ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي، وَكَانَ إذَا صَلَّى اسْتَقْبَلَ الشَّامَ، وَجَعَلَ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّامِ، وَكَانَ مُصَلَّاهُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ: الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ، وَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ. قَالَ: فَقُلْتُ حِينَ رَأَيْتُهُ، وَاَللَّهِ لَوْ أَنِّي اسْتَمَعْتُ لِمُحَمَّدٍ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَسْمَعَ مَا يَقُولُ! (قَالَ) [2] فَقُلْتُ: لَئِنْ دَنَوْتُ مِنْهُ أَسْتَمِعُ مِنْهُ لَأُرَوِّعَنَّهُ، فَجِئْتُ مِنْ قِبَلِ الْحِجْرِ، فَدَخَلْتُ تَحْتَ ثِيَابِهَا، فَجَعَلْتُ أَمْشِي رُوَيْدًا، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، حَتَّى قُمْتُ فِي قِبْلَتِهِ مُسْتَقْبِلَهُ، مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ إلَّا ثِيَابُ الْكَعْبَةِ. قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُ الْقُرْآنَ رَقَّ لَهُ قَلْبِي، فَبَكَيْتُ وَدَخَلَنِي الْإِسْلَامُ، فَلَمْ أَزَلْ قَائِمًا فِي مَكَانِي ذَلِكَ، حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَكَانَ إذَا انْصَرَفَ خَرَجَ عَلَى دَارِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَكَانَتْ طَرِيقَهُ، حَتَّى يَجْزَعَ [3] الْمَسْعَى، ثُمَّ يَسْلُكُ بَيْنَ دَارِ عَبَّاسِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، وَبَيْنَ دَارِ ابْنِ أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ عَوْفٍ الزُّهْرِيِّ، ثُمَّ عَلَى دَارِ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ، حَتَّى يَدْخُلَ بَيْتَهُ. وَكَانَ مَسْكَنُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدَّارِ الرَّقْطَاءِ [4] ، الَّتِي كَانَتْ بِيَدَيْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ. قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَتَبِعْتُهُ حَتَّى إذَا دَخَلَ بَيْنَ دَارِ عَبَّاسٍ، وَدَارِ ابْن أَزْهَرَ، أَدْرَكْتُهُ، فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِسِّي عَرَفَنِي، فَظَنَّ

_ [ () ] وَهُوَ تَصْحِيف: كَانَت سوق مَكَّة، وَقد دخلت فِي الْمَسْجِد لما زيد فِيهِ. وَفِي الحَدِيث: وقف النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحزورة فَقَالَ: يَا بطحاء مَكَّة، مَا أطيبك من بَلْدَة وَأَحَبَّك إِلَى! وَلَوْلَا أَن قومِي أخرجونى مِنْك مَا سكنت غَيْرك. [1] كَذَا فِي أ، ط، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أحد» وَهُوَ تَحْرِيف. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] كَذَا فِي أ. ويجزع الْمَسْعَى: يقطعهُ، يُقَال جزعت الْوَادي: إِذا قطعته. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «حَتَّى يُجِيز على الْمَسْعَى» . [4] الرقطاء: الَّتِي فِيهَا ألوان.

(ذكر قوة عمر في الإسلام وجلده) :

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي إنَّمَا تَبِعْتُهُ لِأُوذِيَهُ فَنَهَمَنِي [1] ، ثُمَّ قَالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا بن الْخَطَّابِ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ: قُلْتُ: (جِئْتُ) [2] لِأُومِنَ باللَّه وَبِرَسُولِهِ، وَبِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ هَدَاكَ اللَّهُ يَا عُمَرُ، ثُمَّ مَسَحَ صَدْرِي، وَدَعَا لِي بِالثَّبَاتِ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَهُ [3] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ. (ذِكْرُ قُوَّةِ عُمَرَ فِي الْإِسْلَامِ وَجَلَدِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ أَبِي عُمَرُ قَالَ: أَيُّ قُرَيْشٍ أَنْقَلُ لِلْحَدِيثِ؟ فَقِيلَ [4] لَهُ: جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ [5]

_ [1] نهمنى: زجرني. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] وَذكر ابْن سنجر زِيَادَة فِي إِسْلَام عمر قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْمُغيرَة قَالَ: حَدثنَا صَفْوَان بن عَمْرو قَالَ: حَدثنِي شُرَيْح بن عبيد قَالَ: قَالَ عمر بن الْخطاب: خرجت أتعرض رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أَن أسلم فَوَجَدته قد سبقني إِلَى الْمَسْجِد، فَقُمْت خَلفه، فَاسْتَفْتَحَ «سُورَة الحاقة» فَجعلت أتعجب من تأليف الْقُرْآن. قَالَ: قلت: هَذَا وَالله شَاعِر كَمَا قَالَت قُرَيْش، فَقَرَأَ: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ 69: 40- 41 قَالَ: قلت كَاهِن علم مَا فِي نَفسِي، فَقَالَ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ 69: 42 إِلَى آخر السُّورَة، قَالَ: فَوَقع الْإِسْلَام فِي قلبِي كل موقع، ويذكرون أَن عمر قَالَ حِين أسلم: الْحَمد الله ذِي الْمَنّ الّذي وَجَبت ... لَهُ علينا أياد مَا لَهَا غير وَقد بدأنا فكذبنا فَقَالَ لنا ... صدق الحَدِيث نَبِي عِنْده الْخَبَر وَقد ظلمت ابْنة الْخطاب ثمَّ هدى ... ربى عَشِيَّة قَالُوا قد صبا عمر وَقد نَدِمت على مَا كَانَ من زلل ... بظلمها حِين تتلى عِنْدهَا السُّور لما دعت رَبهَا ذَا الْعَرْش جاهدة ... والدمع من عينهَا عجلَان يبتدر أيقنت أَن الّذي تَدعُوهُ خَالِقهَا ... فكاد تسبقني من عِبْرَة دُرَر فَقلت اشْهَدْ أَن الله خالقنا ... وَأَن أَحْمد فِينَا الْيَوْم مشتهر نَبِي صدق أَتَى بِالْحَقِّ من ثِقَة ... وافى الْأَمَانَة مَا فِي عوده خور (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [4] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ قيل» . [5] وَجَمِيل هَذَا هُوَ الّذي كَانَ يُقَال لَهُ: ذُو القلبين، وَفِيه نزلت، فِي أحد الْأَقْوَال: مَا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ من قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ 33: 4. وَفِيه قيل: وَكَيف ثرائى بِالْمَدِينَةِ بعد مَا ... قضى وطرا مِنْهَا جميل بن معمر

الْجُمَحِيُّ. قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَغَدَوْتُ أَتْبَعُ أَثَرَهُ، وَأَنْظُرُ مَا يَفْعَلُ، وَأَنَا غُلَامٌ أَعْقِلُ كُلَّ مَا رَأَيْتُ، حَتَّى جَاءَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَعَلِمْتَ يَا جَمِيلُ أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ: وَدَخَلْتُ فِي دِينِ مُحَمَّد؟ قَالَ: فو الله مَا رَاجَعَهُ حَتَّى قَامَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَاتَّبَعَهُ عُمَرُ، وَاتَّبَعْتُ أَبِي، حَتَّى إذَا قَامَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَهُمْ فِي أَنْدِيَتِهِمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ [1] ، أَلَا إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَأَ. قَالَ: (و) [2] يَقُولُ عُمَرُ مِنْ خَلْفِهِ: كَذَبَ، وَلَكِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، وَشَهِدْتُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَثَارُوا إلَيْهِ، فَمَا بَرِحَ يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ حَتَّى قَامَتْ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِهِمْ. قَالَ: وَطَلِحَ [3] ، فَقَعَدَ وَقَامُوا عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ: افْعَلُوا مَا بَدَا لَكُمْ، فَأَحْلِفُ باللَّه أَنْ لَوْ قَدْ كُنَّا ثَلَاثَ ماِئَةِ رَجُلٍ (لَقَدْ) [2] تَرَكْنَاهَا لَكُمْ، أَوْ تَرَكْتُمُوهَا لَنَا، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، إذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ حِبْرَةٌ [4] ، وَقَمِيصٌ مُوَشًّى، حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: صَبَا عُمَرُ، فَقَالَ: فَمَهْ، رَجُلٌ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَمْرًا فَمَاذَا تُرِيدُونَ؟ أَتَرَوْنَ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ يُسْلِمُونَ لَكُمْ صَاحِبَهُمْ هَكَذَا! خَلُّوا عَنْ الرجل. قَالَ: فو الله لَكَأَنَّمَا كَانُوا ثَوْبًا كُشِطَ عَنْهُ. قَالَ: فَقُلْتُ لِأَبِي بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ: يَا أَبَتْ، مَنْ الرَّجُلُ: الَّذِي زَجَرَ الْقَوْمَ عَنْكَ بِمَكَّةَ يَوْمَ أَسْلَمْتُ، وَهُمْ يُقَاتِلُونَكَ؟ فَقَالَ: ذَاكَ، أَيْ بُنَيَّ، الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّهُ قَالَ: يَا أَبَتْ، مَنْ الرَّجُلُ الَّذِي زَجَرَ الْقَوْمَ عَنْكَ (بِمَكَّةَ) [2] يَوْمَ أَسْلَمْتَ، وَهُمْ يُقَاتِلُونَكَ، جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا.

_ [ () ] وَهُوَ الْبَيْت الّذي تغني بِهِ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فِي منزله، وَاسْتَأْذَنَ عمر فَسَمعهُ وَهُوَ يتَغَنَّى وينشد بالركبانية: (وَهُوَ غناء يحدى بِهِ الركاب) . فَلَمَّا دخل عمر قَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن: إِنَّا إِذا خلونا قُلْنَا مَا يَقُول النَّاس فِي بُيُوتهم، وَقد قلب الْمبرد هَذَا الحَدِيث، وَجعل المنشد عمر، والمستأذن عبد الرَّحْمَن، وَفِيمَا ذهب إِلَيْهِ الْمبرد بعد عَن الصَّوَاب. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «حول بَاب الْكَعْبَة» . [2] زِيَادَة عَن أ. [3] طلح: أعيا. [4] الْحبرَة: ضرب من برود الْيمن.

خبر الصحيفة

قَالَ: يَا بُنَيَّ، ذَاكَ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ، لَا جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بَعْضِ آلِ عُمَرَ، أَوْ بَعْضِ أَهْلِهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَمَّا أَسْلَمْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، تَذَكَّرْتُ أَيَّ أَهْلِ مَكَّةَ أَشَدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَاوَةً حَتَّى آتِيَهُ فَأُخْبِرَهُ أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، قَالَ: قُلْتُ: أَبُو جَهْلٍ- وَكَانَ عُمَرُ لِحَنْتَمَةَ بِنْتِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ- قَالَ: فَأَقْبَلْتُ حِينَ أَصْبَحْتُ حَتَّى ضَرَبْتُ عَلَيْهِ بَابَهُ. قَالَ: فَخَرَجَ إلَيَّ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا بِابْنِ أُخْتِي، مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ [1] : جِئْتُ لِأُخْبِرَكَ أَنِّي قَدْ آمَنْتُ باللَّه وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ، وَصَدَّقْتُ بِمَا جَاءَ بِهِ، قَالَ: فَضَرَبَ الْبَابَ فِي وَجْهِي وَقَالَ: قَبَّحَكَ اللَّهُ، وَقَبَّحَ مَا جِئْتَ بِهِ. خَبَرُ الصَّحِيفَةِ (تَحَالُفُ الْكُفَّارِ ضِدَّ الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَزَلُوا بَلَدًا أَصَابُوا بِهِ أَمْنًا وَقَرَارًا، وَأَنَّ النَّجَاشِيَّ قَدْ مَنَعَ مَنْ لَجَأَ إلَيْهِ مِنْهُمْ، وَأَنَّ عُمَرَ قَدْ أَسْلَمَ، فَكَانَ هُوَ وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَجَعَلَ الْإِسْلَامُ يَفْشُو فِي الْقَبَائِلِ، اجْتَمَعُوا وَائْتَمَرُوا (بَيْنَهُمْ) [2] أَنْ يَكْتُبُوا كِتَابًا يَتَعَاقَدُونَ فِيهِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِيَّ الْمُطَّلِبِ، عَلَى أَنْ لَا يُنْكِحُوا إلَيْهِمْ وَلَا يُنْكَحُوهُمْ، وَلَا يَبِيعُوهُمْ شَيْئًا، وَلَا يَبْتَاعُوا مِنْهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا لِذَلِكَ كَتَبُوهُ [3] فِي صَحِيفَةٍ، ثُمَّ تَعَاهَدُوا وَتَوَاثَقُوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ عَلَّقُوا الصَّحِيفَةَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ تَوْكِيدًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ كَاتِبُ الصَّحِيفَةِ مَنْصُورَ بْنَ عِكْرِمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ ابْن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ- فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشُلَّ بَعْضُ أَصَابِعِهِ.

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ قلت ... إِلَخ» . [2] زِيَادَة عَن أ. [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «كتبُوا» .

(تهكم أبى لهب بالرسول صلى الله عليه وسلم، وما أنزل الله فيه) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا فَعَلَتْ ذَلِكَ قُرَيْشٌ انْحَازَتْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ إلَى أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَدَخَلُوا مَعَهُ فِي شِعْبِهِ وَاجْتَمَعُوا إلَيْهِ، وَخَرَجَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَبُو لَهَبٍ، عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إلَى قُرَيْشٍ، فَظَاهَرَهُمْ. (تَهَكُّمُ أَبِي لَهَبٍ بِالرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ أَبَا لَهَبٍ لَقِيَ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، حِينَ فَارَقَ قَوْمَهُ، وَظَاهَرَ عَلَيْهِمْ قُرَيْشًا، فَقَالَ: يَا بِنْتَ عُتْبَةَ، هَلْ نَصَرْتِ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَفَارَقْتِ مَنْ فَارَقَهُمَا وَظَاهَرَ عَلَيْهِمَا [1] ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا يَا أَبَا عُتْبَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدِّثْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي بَعْضِ مَا يَقُولُ: يَعِدُنِي مُحَمَّدٌ أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا، يَزْعُمُ أَنَّهَا كَائِنَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَمَاذَا وَضَعَ فِي يَدَيَّ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَنْفُخُ فِي يَدَيْهِ وَيَقُولُ: تَبًّا لَكُمَا، مَا أَرَى فِيكُمَا شَيْئًا مِمَّا يَقُولُ مُحَمَّدٌ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [2] 111: 1.

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عَلَيْهَا» وَهُوَ تَحْرِيف. [2] قَالَ السهيليّ: «هَذَا الّذي ذكره بن إِسْحَاق يشبه أَن يكون سَببا لذكر الله سُبْحَانَهُ «يَدَيْهِ» حَيْثُ يَقُول: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ 111: 1. وَأما قَوْله «وَتب» . فتفسير مَا جَاءَ فِي الصَّحِيح من رِوَايَة مُجَاهِد وَسَعِيد ابْن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أنزل الله تَعَالَى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ 26: 214. خرج رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الصَّفَا، فَصَعدَ عَلَيْهِ فَهَتَفَ: يَا صَبَاحَاه. فَلَمَّا اجْتَمعُوا إِلَيْهِ قَالَ: أَرَأَيْتُم: لَو أَخْبَرتكُم أَن خيلا تخرج من سفح هَذَا الْجَبَل.، أَكُنْتُم مصدقي؟ قَالُوا: مَا جربنَا عَلَيْك كذبا، قَالَ: «فإنّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ 34: 46» . فَقَالَ أَبُو لَهب: تَبًّا لَك أَلِهَذَا جمعتنَا؟ فَأنْزل الله تَعَالَى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ. وَتَبَّ 111: 1 هَكَذَا قَرَأَ مُجَاهِد وَالْأَعْمَش وَهِي- وَالله أعلم- قِرَاءَة مَأْخُوذَة عَن ابْن مَسْعُود، لِأَن فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود ألفاظا كَثِيرَة تعين على التَّفْسِير. قَالَ مُجَاهِد: لَو كنت قَرَأت قِرَاءَة ابْن مَسْعُود قبل أَن أسأَل ابْن عَبَّاس مَا احتجت أَن أسأله عَن كثير مِمَّا سَأَلته، وَكَذَلِكَ زِيَادَة «قد» فِي هَذِه الْآيَة فسرت أَنه خبر من الله تَعَالَى، وَأَن الْكَلَام لَيْسَ على جِهَة الدُّعَاء كَمَا قَالَ تَعَالَى قاتَلَهُمُ الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ 9: 30 أَي أَنهم أهل أَن يُقَال لَهُم هَذَا. ف تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ 111: 1: لَيْسَ من بَاب «قاتَلَهُمُ الله 9: 30» ، وَلكنه خبر مَحْض بِأَن قد خسر أَهله وَمَاله وَالْيَدَانِ آلَة الْكسْب وَأَهله وَمَاله مِمَّا كسب.، فَقَوله: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ 111: 1. يفسره قَوْله: مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ 111: 2. وَولد الرجل من كَسبه كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث: أَي خسرت يَدَاهُ هَذَا الّذي كسبت. وَقَوله «وَتب» . تَفْسِير: سَيَصْلى نَارا ذاتَ لَهَبٍ 111: 3. أَي قد خسر نَفسه بِدُخُولِهِ النَّار. وَقَول أَبى لَهب تَبًّا لَكمَا، مَا أرى فيكما شَيْئا، يعْنى يَدَيْهِ، سَبَب لنزول «تَبَّتْ يَدا 111: 1» كَمَا تقدم.

(شعر أبى طالب في قريش حين تظاهروا على الرسول صلى الله عليه وسلم) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَبَّتْ: خَسِرَتْ. وَالتَّبَابُ: الْخُسْرَانُ. قَالَ حَبِيبُ بْنُ خُدْرَةَ [1] الْخَارِجِيُّ: أَحَدُ بَنِي هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ: يَا طَيِّبُ إنَّا فِي مَعْشَرٍ ذَهَبَتْ ... مَسْعَاتُهُمْ فِي التَّبَارِ وَالتَّبَبِ [2] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. (شِعْرُ أَبِي طَالِبٍ فِي قُرَيْشٍ حِينَ تَظَاهَرُوا عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ عَلَى ذَلِكَ قُرَيْشٌ، وَصَنَعُوا فِيهِ الَّذِي صَنَعُوا. قَالَ أَبُو طَالِبٍ: أَلَا أَبْلِغَا عَنِّي عَلَى ذَاتِ [3] بَيْنِنَا [4] ... لُؤَيًّا وَخُصَّا مِنْ لُؤَيٍّ بَنِي كَعْبِ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّا وَجَدْنَا مُحَمَّدًا ... نَبِيًّا كَمُوسَى خُطَّ فِي أَوَّلِ الْكُتُبِ وَأَنَّ عَلَيْهِ فِي الْعِبَادِ مَحَبَّةً ... وَلَا خَيْرَ مِمَّنْ خَصَّهُ اللَّهُ بِالْحُبِّ [5]

_ [1] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول، بخاء مُعْجمَة مَضْمُومَة ودال سَاكِنة وَفِي أ: «جدرة» بِالْجِيم وَالدَّال المفتوحتين. ويروى أَيْضا: «جدره» . بجيم مَكْسُورَة ودال سَاكِنة. وَهَذِه كلهَا رِوَايَات فِيهِ. [2] التبار: الْهَلَاك. والتبب كالتباب والتتبيب، وَهِي الْهَلَاك. [3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول، وَفِي م: «ذَات وبيننا» وَهُوَ تَحْرِيف. [4] ذَات بَيْننَا، وَذَات يَده، وَمَا كَانَ نَحوه: صفة لمَحْذُوف مؤنث، كَأَنَّهُ يُرِيد الْحَال الَّتِي هِيَ ذَات بَينهم، كَمَا قَالَ الله سُبْحَانَهُ: وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ 8: 1. فَكَذَلِك إِذا قلت ذَات يَده تُرِيدُ أَمْوَاله أَو مكتسباته. وَكَذَلِكَ إِذا قلت: لَقيته ذَات يَوْم: أَي لقاءة، أَو مرّة ذَات يَوْم. فَلَمَّا حذف الْمَوْصُوف وَبقيت الصّفة صَارَت كالحال. [5] قَالَ السهيليّ فِي التَّعْلِيق على الشّطْر الْأَخير من هَذَا الْبَيْت: «وَهُوَ مُشكل جدا، لِأَن: «لَا» . فِي بَاب التبرئة لَا تنصب مثل هَذَا إِلَّا منونا، تَقول: لَا خيرا من زيد فِي الدَّار، وَلَا شرا من فلَان، وَإِنَّمَا تنصب بِغَيْر تَنْوِين إِذا كَانَ الِاسْم غير مَوْصُول بِمَا بعده كَقَوْلِه تَعَالَى: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ 12: 92. لِأَن «عَلَيْكُم» لَيْسَ من صلَة التثريب، لِأَنَّهُ فِي مَوضِع الْخَبَر. وأشبه مَا يُقَال فِي بَيت أَبى طَالب أَن «خيرا» مخفف من خير (كهين وميت) . وَفِي التَّنْزِيل: خَيْراتٌ حِسانٌ 55: 70. وَهُوَ مخفف من خيرات، وَقَوله: «مِمَّن» . من مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف، كَأَنَّهُ قَالَ: لَا خير أخير مِمَّن خصّه الله. وَخير وأخير: لفظان من جنس وَاحِد، فَحسن الْحَذف استثقالا لتكرار اللَّفْظ. وَفِيه وَجه آخر، وَهُوَ أَن يكون حذف التَّنْوِين مُرَاعَاة لأصل الْكَلِمَة: لِأَن «خيرا من زيد، إِنَّمَا مَعْنَاهُ أخير من زيد» . وَكَذَلِكَ: «شَرّ من فلَان» . إِنَّمَا أَصله أشر، على وزن أفعل، وحذفت الْهمزَة تَخْفِيفًا،. وأفعل لَا ينْصَرف، فَإِذا انحذفت الْهمزَة انْصَرف وَنون، فَإِذا توهمتها غير سَاقِطَة التفاتا إِلَى أصل الْكَلِمَة لم يبعد حذف التَّنْوِين على هَذَا الْوَجْه مَعَ مَا يقويه من ضَرُورَة الشّعْر» .

(تعرض أبى جهل لحكيم بن حزام، وتوسط أبى البختري) :

وَأَنَّ الَّذِي أَلْصَقْتُمْ مِنْ كِتَابكُمْ ... لَكُمْ كَائِنٌ نَحْسًا كَرَاغِيَةِ السَّقْبِ [1] أَفِيقُوا أَفِيقُوا قَبْلَ أَنْ يُحْفَرَ الثَّرَى ... وَيُصْبِحَ مَنْ لَمْ يَجْنِ ذَنْبًا كَذِي الذَّنْبِ وَلَا تَتْبَعُوا أَمْرَ الْوُشَاةِ وَتَقْطَعُوا ... أَوَاصِرَنَا بَعْدَ الْمَوَدَّةِ وَالْقُرْبِ [2] وَتَسْتَجْلِبُوا حَرْبًا عَوَانًا [3] وَرُبَّمَا ... أَمُرُّ عَلَى مَنْ ذَاقَهُ جَلَبُ الْحَرْبِ فَلَسْنَا وَرَبِّ الْبَيْتِ نُسْلِمُ أَحْمَدًا ... لِعَزَّاءِ [4] مَنْ عَضَّ الزَّمَانُ وَلَا كَرْبِ [5] وَلَمَّا تَبِنْ مِنَّا وَمِنْكُمْ سَوَالِفُ [6] ... وَأَيْدٍ أُتِرَّتْ بِالْقَسَاسِيَّةِ الشُّهْبِ [7] بِمُعْتَرَكٍ ضَيْقٍ تَرَى كَسْرَ الْقَنَا ... بِهِ وَالنُّسُورَ الطُّخْمَ يَعْكُفْنَ كَالشَّرْبِ [8] كَأَنَّ مُجَالَ [9] الْخَيْلِ فِي حَجَرَاتِهِ [10] ... وَمَعْمَعَةَ الْأَبْطَالِ مَعْرَكَةُ الْحَرْبِ أَلَيْسَ أَبُونَا هَاشِمٌ شَدَّ أَزْرَهُ ... وَأَوْصَى بَنِيهِ بِالطِّعَانِ وَبِالضَّرْبِ وَلَسْنَا نَمَلُّ الْحَرْبَ حَتَّى تَمَلَّنَا ... وَلَا نَشْتَكِي مَا قَدْ يَنُوبُ مِنْ النَّكْبِ وَلَكِنَّنَا أَهْلُ الْحَفَائِظِ وَالنُّهَى ... إذَا طَارَ أَرْوَاحُ الْكُمَاةِ مِنْ الرُّعْبِ [11] فَأَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، حَتَّى جَهَدُوا لَا يَصِلُ إلَيْهِمْ شَيْءٌ، إلَّا سِرًّا مُسْتَخْفِيًا (بِهِ) [12] مَنْ أَرَادَ صِلَتَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ. (تَعَرُّضُ أَبِي جَهْلٍ لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَتَوَسُّطُ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ) : وَقَدْ كَانَ أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- لَقِيَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ

_ [1] كراغية السقب: هُوَ من الرُّغَاء، وَهُوَ أصوات الْإِبِل. والسقب: ولد النَّاقة، وَأَرَادَ بِهِ هُنَا ولد نَاقَة صَالح عَلَيْهِ السَّلَام. [2] الأواصر: أَسبَاب الْقَرَابَة والمودة. [3] الْحَرْب الْعوَان: الَّتِي قوتل فِيهَا مرَارًا. [4] العزاء: الشدَّة. [5] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وعض الزَّمَان: شدته. وَفِي أ: «عظ الزَّمَان» . والعظ: الشدَّة. [6] السوالف: صفحات الْأَعْنَاق. [7] أترت: قطعت. والقساسية: سيوف تنْسب إِلَى قساس، وَهُوَ جبل لبني أَسد فِيهِ مَعْدن الْحَدِيد. [8] الطخم: السود الرُّءُوس. ويعكفن: يقمن ويلازمن. وَالشرب: الْجَمَاعَة من الْقَوْم يشربون. [9] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ضحال» وَلَا معنى لَهَا. [10] الحجرات: النواحي. [11] الرعب (بِالْفَتْح) : الْوَعيد. [12] زِيَادَة عَن أ. 23- سيرة ابْن هِشَام- 1

ذكر ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه من الأذى

ابْن أَسَدٍ، مَعَهُ غُلَامٌ يَحْمِلُ قَمْحًا يُرِيدُ بِهِ عَمَّتَهُ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ، وَهِيَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ فِي الشِّعْبِ، فَتَعَلَّقَ بِهِ وَقَالَ: أَتَذْهَبُ بِالطَّعَامِ إلَى بَنِي هَاشِمٍ؟ وَاَللَّهِ لَا تَبْرَحُ أَنْتَ وَطَعَامُكَ حَتَّى أفضحك بِمَكَّة. فَجَاءَهُ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ ابْن هَاشِمِ [1] بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسد، فَقَالَ: مَالك وَلَهُ؟ فَقَالَ: يَحْمِلُ الطَّعَامَ إلَى بَنِي هَاشِمٍ، فَقَالَ (لَهُ) [2] أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: طَعَامٌ كَانَ لِعَمَّتِهِ عِنْدَهُ بَعَثَتْ إلَيْهِ (فِيهِ) [2] أَفَتَمْنَعُهُ أَنْ يَأْتِيَهَا بِطَعَامِهَا! خَلِّ سَبِيلَ الرَّجُلِ، فَأَبَى أَبُو جَهْلٍ حَتَّى نَالَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، فَأَخَذَ (لَهُ) [2] أَبُو الْبَخْتَرِيِّ لَحْيَ بَعِيرٍ فَضَرَبَهُ بِهِ فشجّه، ووطئه وطأ شَدِيدًا، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَرِيبٌ يَرَى ذَلِكَ، وَهُمْ يَكْرَهُونَ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ، فَيَشْمَتُوا بِهِمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ يَدْعُو قَوْمَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَسِرًّا وَجَهَارًا، مُبَادِيًا [3] بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَتَّقِي فِيهِ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ. ذِكْرُ مَا لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ الْأَذَى (مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَبِي لَهَبٍ) : فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ حِينَ مَنَعَهُ اللَّهُ مِنْهَا، وَقَامَ عَمُّهُ وَقَوْمُهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِيَّ الْمُطَّلِبِ دُونَهُ، وَحَالُوا بَيْنَهُمْ [4] وَبَيْنَ مَا أَرَادُوا مِنْ الْبَطْشِ بِهِ، يهمزونه ويستهزءون بِهِ وَيُخَاصِمُونَهُ، وَجَعَلَ الْقُرْآنُ يَنْزِلُ فِي قُرَيْشٍ بِأَحْدَاثِهِمْ، وَفِيمَنْ نُصِبَ لِعَدَاوَتِهِ مِنْهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ سُمِّيَ لَنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ فِي عَامَّةِ مَنْ ذُكِرَ اللَّهُ مِنْ الْكُفَّارِ، فَكَانَ مِمَّنْ سُمِّيَ لَنَا مِنْ قُرَيْشٍ مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ عَمُّهُ أَبُو لَهَبِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: هِشَام. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «مناديا» . [4] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بَينه» .

(أم جميل ورد الله كيدها عن الرسول صلى الله عليه وسلم) :

وَامْرَأَتُهُ أُمُّ جَمِيلٍ [1] بِنْتُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ، حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، لِأَنَّهَا كَانَتْ- فِيمَا بَلَغَنِي- تَحْمِلُ الشَّوْكَ فَتَطْرَحَهُ عَلَى طَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ يَمُرُّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ، سَيَصْلى نَارًا ذاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [2] 111: 1- 5. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْجِيدُ: الْعُنُقُ. قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ: يَوْمَ تُبْدَى لَنَا قُتَيْلَةُ عَنْ جِيدٍ ... أَسِيلٍ [3] تُزَيِّنُهُ الْأَطْوَاقُ [4] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَجَمْعُهُ: أَجْيَادٌ. وَالْمَسَدُّ: شَجَرٌ يُدَقُّ كَمَا يُدَقُّ الْكَتَّانُ فَتُفْتَلُ مِنْهُ حِبَالٌ. قَالَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ، وَاسْمُهُ زِيَادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ: مَقْذُوفَةٍ بِدَخِيسِ النَّحْضِ بَازِلُهَا ... لَهُ صَرِيفٌ صَرِيفَ الْقَعْوِ بِالْمَسَدِ [5] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَوَاحِدَتُهُ: مَسَدَةٌ. (أُمُّ جَمِيلٍ وَرَدُّ اللَّهِ كَيْدَهَا عَنْ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَذُكِرَ لِي: أَنَّ أُمَّ جَمِيلٍ: حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، حِينَ سَمِعَتْ

_ [1] وَهِي عمَّة مُعَاوِيَة. [2] لما كنى الله تَعَالَى عَن ذَلِك الشوك بالحطب، والحطب لَا يكون إِلَّا فِي حَبل، من ثمَّ جعل الْحَبل فِي عُنُقهَا ليقابل الْجَزَاء الْفِعْل. [3] جيد أسيل: فِيهِ طول. والأطواق: جمع طوق، وَهِي القلادة. [4] قَالَ السهيليّ فِي التَّعْلِيق على هَذَا الْبَيْت: «وَقَوله: تزينه: أَي نزينه حسنا، وَهَذَا من الْقَصْد فِي الْكَلَام، وَقد أَبى المولدون إِلَّا الغلو فِي هَذَا الْمَعْنى وَأَن يقلبوه. فَقَالَ فِي الحماسة حُسَيْن بن مطير: مبتلة الْأَطْرَاف زانت عقودها ... بِأَحْسَن مِمَّا زينتها عقودها وَقَالَ خَالِد الْقَسرِي لعمر بن عبد الْعَزِيز: وَمن تكن الْخلَافَة زينته فَأَنت زينتها، وَمن تكن شرفته فَأَنت شرفتها، وَأَنت كَمَا قَالَ: وتزيدين أطيب الطّيب طيبا ... أَن تمسيه أَيْن مثلك أَيّنَا وَإِذا الدّرّ زَان حسن وُجُوه ... كَانَ للدر حسن وَجهك زينا فَقَالَ عمر: إِن صَاحبكُم أعْطى مقولا، وَلم يُعْط معقولا» . ثمَّ سَاق السهيليّ أبياتا كَثِيرَة فِي هَذَا الْمَعْنى اجتزأنا مِنْهَا بذلك. [5] الدخيس: اللَّحْم الْكثير. والنحض: اللَّحْم. وبازلها: نابها. والصريف: الصَّوْت. والقعو: الّذي تَدور فِيهِ البكرة، إِذا كَانَ من خشب، فَإِن كَانَ من حَدِيد فَهُوَ الخطاف.

(ذكر ما كان يؤذى به أمية بن خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم) :

مَا نَزَلَ فِيهَا، وَفِي زَوْجِهَا مِنْ الْقُرْآنِ، أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَفِي يَدِهَا فِهْرٌ [1] مِنْ حِجَارَةٍ، فَلَمَّا وَقَفَتْ عَلَيْهِمَا أَخَذَ اللَّهُ بِبَصَرِهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا تَرَى إلَّا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ: أَيْنَ صَاحِبُكَ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ يَهْجُونِي، وَاَللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ لَضَرَبْتُ بِهَذَا الْفِهْرِ فَاهُ، أَمَا وَاَللَّهِ إنِّي لَشَاعِرَةٌ، ثُمَّ قَالَتْ [2] : مُذَمَّمًا عَصَيْنَا ... وَأَمْرَهُ أَبَيْنَا وَدِينَهُ قَلَيْنَا [3] ثُمَّ انْصَرَفَتْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَرَاهَا رَأَتْكَ؟ فَقَالَ: مَا رَأَتْنِي، لَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ بِبَصَرِهَا عَنِّي. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهَا « وَدِينَهُ قَلَيْنَا » عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ قُرَيْشٌ إنَّمَا تُسَمِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُذَمَّمًا، ثُمَّ يَسُبُّونَهُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَلَا تَعْجَبُونَ لِمَا يَصْرِفُ [4] اللَّهُ عَنِّي مِنْ أَذَى قُرَيْشٍ، يَسُبُّونَ وَيَهْجُونَ مُذَمَّمًا، وَأَنَا مُحَمَّدٌ. (ذِكْرُ مَا كَانَ يُؤْذِي بِهِ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ، كَانَ إذَا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَزَهُ وَلَمَزَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ، الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ. يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ. كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ. وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ، نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ. إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ 104: 1- 9. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْهُمَزَةُ: الَّذِي يَشْتُمُ الرَّجُلَ عَلَانِيَةً، وَيَكْسِرُ عَيْنَيْهِ عَلَيْهِ، وَيَغْمِزُ بِهِ. قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:

_ [1] الفهر: حجر على مِقْدَار ملْء الْكَفّ. وَالْمَعْرُوف فِي الفهر التَّأْنِيث، إِلَّا أَنه وَقع هُنَا مذكرا. [2] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فَقَالَت» . [3] قلينا: أبغضنا. [4] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «صرف» .

(ما كان يؤذى به العاص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نزل فيه) :

هَمَزْتُكَ فَاخْتَضَعْتُ لِذُلِّ نَفْسٍ ... بِقَافِيَةٍ تَأَجَّجُ كَالشُّوَاظِ [1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَجَمْعُهُ: هَمَزَاتٌ. وَاللُّمَزَةُ: الَّذِي يَعِيبُ النَّاسَ سِرًّا وَيُؤْذِيهِمْ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ: فِي ظِلِّ عَصْرِي بَاطِلِي وَلَمْزِي [2] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ، وَجَمْعُهُ: لَمَزَاتٌ. (مَا كَانَ يُؤْذِي بِهِ الْعَاصِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا نَزَلَ فِيهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ، كَانَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ، صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَيْنًا بِمَكَّةَ يَعْمَلُ السُّيُوفَ، وَكَانَ قَدْ بَاعَ مِنْ الْعَاصِ ابْن وَائِلٍ سُيُوفًا عَمِلَهَا لَهُ حَتَّى كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مَالٌ، فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ لَهُ يَا خَبَّابُ أَلَيْسَ يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ صَاحِبُكُمْ هَذَا الَّذِي أَنْتَ عَلَى دِينِهِ أَنَّ فِي الْجَنَّةِ مَا ابْتَغَى أَهْلُهَا مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ ثِيَابٍ، أَوْ خَدَمٍ! قَالَ خَبَّابٌ: بَلَى. قَالَ: فَأَنْظِرْنِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَا خَبَّابُ حَتَّى أَرْجِعَ إلَى تِلْكَ الدَّارِ فَأَقْضِيَكَ هُنَالك حقّك، فو الله لَا تَكُونُ أَنْتَ وَصَاحِبُكَ [3] يَا خَبَّابُ آثَرَ عِنْدَ اللَّهِ مِنِّي، وَلَا أَعْظَمَ حَظًّا فِي ذَلِكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقال لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَداً، أَطَّلَعَ الْغَيْبَ 19: 77- 78 ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ، وَيَأْتِينا فَرْداً 19: 80. (مَا كَانَ يُؤْذِي بِهِ أَبُو جَهْلٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا نَزَلَ فِيهِ) : وَلَقِيَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي- فَقَالَ لَهُ: وَاَللَّهِ يَا مُحَمَّدُ، لَتَتْرُكَنَّ سَبَّ آلِهَتِنَا، أَوْ لَنَسُبَّنَّ إلَهَكَ الَّذِي تَعْبُدُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ 6: 108. فَذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّ عَنْ سَبِّ آلِهَتِهِمْ، وَجَعَلَ يَدْعُوهُمْ إلَى اللَّهِ.

_ [1] اختضعت: تذللت. وتأجج: تتوقد. والشواظ: لَهب النَّار. [2] الْبَيْت ال 42 من الأرجوزة ال 23 يمدح بهَا أبان بن الْوَلِيد البَجلِيّ (ديوانه طبع ليبسج. سنة 1903 ص 64) . [3] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وَأَصْحَابك» .

(ما كان يؤذى به النضر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نزل فيه) :

(مَا كَانَ يُؤْذِي بِهِ النَّضْرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا نَزَلَ فِيهِ) : وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ [1] بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ، كَانَ إذَا جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا، فَدَعَا فِيهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وتلا فِيهِ الْقُرْآنَ، وَحَذَّرَ (فِيهِ) [2] قُرَيْشًا مَا أَصَابَ الْأُمَمَ الْخَالِيَةَ، خَلَفَهُ فِي مَجْلِسِهِ إذَا قَامَ، فَحَدَّثَهُمْ عَنْ رُسْتُمَ السِّنْدِيدِ [3] ، وَعَنْ أَسْفِنْدِيَارَ، وَمُلُوكِ فَارِسَ، ثُمَّ يَقُولُ وَاَللَّهِ مَا مُحَمَّدٌ بِأَحْسَنَ حَدِيثًا مِنِّي، وَمَا حَدِيثُهُ إلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، اكْتَتَبَهَا كَمَا اكْتَتَبْتهَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً 25: 5- 6. وَنَزَلَ فِيهِ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قَالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ 68: 15. وَنَزَلَ فِيهِ: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها 45: 7- 8 كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً، فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ 31: 7. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَفَّاكُ: الْكَذَّابُ. وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ، وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ 37: 151- 152. وَقَالَ رُؤْبَةُ (بْنُ الْعَجَّاجِ) [2] مَا لِامْرِئٍ أَفَّكَ قَوْلًا إفْكًا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ [4] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا- فِيمَا بَلَغَنِي- مَعَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فِي الْمَسْجِدِ، فَجَاءَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ حَتَّى جَلَسَ مَعَهُمْ فِي الْمَجْلِسِ، وَفِي الْمَجْلِسِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ، فَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَ لَهُ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، فَكَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَفْحَمَهُ،

_ [1] فِي الْأُصُول: «ابْن كلدة بن عَلْقَمَة» وَهُوَ تَحْرِيف. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] كَذَا فِي شرح السِّيرَة لأبى ذَر. والسنديد (بلغَة فَارس) : طُلُوع الشَّمْس، وهم ينسبون إِلَيْهِ كل جميل. وَفِي الْأُصُول: «الشَّديد» . [4] ديوانه طبعة ليبسج سنة 1903 وَهُوَ الْبَيْت السَّادِس فِي الأرجوزة 44 يعْتَذر فِيهَا إِلَى مَوْلَاهُ، وَيَلُوم حساده.

(مقالة ابن الزبعري، وما أنزل الله فيه) :

ثُمَّ تَلَا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ، لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوها، وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ، لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ، وَهُمْ فِيها لَا يَسْمَعُونَ 21: 98- 100. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَصَبُ جَهَنَّمَ: كُلُّ مَا أُوقِدَتْ بِهِ. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيُّ، وَاسْمُهُ خُوَيْلِدِ بْنُ خَالِدٍ: فَأَطْفِئْ وَلَا تُوقِدْ وَلَا تَكُ مِحْضَأً ... لِنَارِ [1] الْعُدَاةِ أَنْ تَطِيرَ شَكَاتُهَا [2] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَيُرْوَى «وَلَا تَكُ مِحْضَأً [3] » . قَالَ الشَّاعِرُ: حَضَأْتُ لَهُ نَارِي فَأَبْصَرَ [4] ضَوْءَهَا ... وَمَا كَانَ لَوْلَا حَضْأَةِ النَّارِ يَهْتَدِي (مَقَالَةُ ابْنِ الزِّبَعْرَى، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى السَّهْمِيُّ حَتَّى جَلَسَ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزِّبَعْرَى: وَاَللَّهِ مَا قَامَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ لَابْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ آنِفًا وَمَا قَعَدَ، وَقَدْ زَعَمَ مُحَمَّدٌ أَنَّا وَمَا نَعْبُدُ مِنْ آلِهَتِنَا هَذِهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ لَخَصَمْتُهُ، فَسَلُوا مُحَمَّدًا: أَكُلُّ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِي جَهَنَّمَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُ؟ فَنَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ، وَالْيَهُودُ تَعْبُدُ عُزَيْرًا، وَالنَّصَارَى تَعْبُدُ عِيسَى بن مَرْيَمَ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) [5] ، فَعَجِبَ الْوَلِيدُ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْمَجْلِسِ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزِّبَعْرَى، وَرَأَوْا أَنَّهُ قَدْ احْتَجَّ وَخَاصَمَ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الزِّبَعْرَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ) [5] كُلَّ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُعْبَدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَهُوَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُ، إنَّهُمْ إنَّمَا يَعْبُدُونَ الشَّيَاطِينَ، وَمَنْ أَمَرَتْهُمْ بِعِبَادَتِهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى، أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ، لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها، وَهُمْ 21: 101- 102

_ [1] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «لنا العداة» ، وَهُوَ تَحْرِيف. [2] الشكاة: الشدَّة. وَفِي اللِّسَان: « لنار الأعادي أَن تطير شداتها » . [3] المحضأ: الْعود الّذي تحرّك بِهِ النَّار لتلتهب. [4] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فَأَبْصَرت» ، وَلَا يَسْتَقِيم بهَا الْكَلَام. [5] زِيَادَة عَن أ، ط.

فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ 21: 102: أَيْ عِيسَى بن مَرْيَمَ، وَعُزَيْرًا، وَمَنْ عُبِدُوا مِنْ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ الَّذِينَ مَضَوْا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، فَاِتَّخَذَهُمْ مَنْ يَعْبُدُهُمْ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالَةِ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ. وَنَزَلَ فِيمَا يَذْكُرُونَ، أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ، وَأَنَّهَا بَنَاتُ اللَّهِ: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ، بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ. لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ، وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ 21: 26- 27 ... إلَى قَوْلِهِ: وَمن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ، فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ، كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ 21: 29. وَنَزَلَ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ أَمْرِ عِيسَى بن مَرْيَمَ أَنَّهُ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَعَجَبِ الْوَلِيدِ وَمَنْ حَضَرَهُ مِنْ حُجَّتِهِ وَخُصُومَتِهِ: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ 43: 57: أَيْ يَصُدُّونَ عَنْ أَمْرِكَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ [1] ثُمَّ ذَكَرَ عِيسَى بن مَرْيَمَ فَقَالَ: إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ، وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ، وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ، وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ 43: 59- 61: أَيْ مَا وَضَعْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الْآيَاتِ مِنْ إحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَسْقَامِ، فَكَفَى بِهِ دَلِيلًا عَلَى عِلْمِ السَّاعَةِ، يَقُولُ: فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ، هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ 43: 61. (الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ) : (قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ) [2] : وَالْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيُّ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ الْقَوْمِ وَمِمَّنْ يُسْتَمَعُ مِنْهُ، فَكَانَ يُصِيبُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ، هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ 68: 10- 11 ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: زَنِيمٍ 68: 13، وَلَمْ يَقُلْ: «زَنِيمٍ» لِعَيْبِ فِي نَسَبِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَعِيبُ أَحَدًا بِنَسَبِ، وَلَكِنَّهُ حَقَّقَ

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَوْله» . [2] زِيَادَة عَن أ.

(الوليد بن المغيرة، وما أنزل الله تعالى فيه) :

بِذَلِكَ نَعْتَهُ لِيُعْرَفَ. وَالزَّنِيمُ: الْعَدِيدُ [1] لِلْقَوْمِ. وَقَدْ قَالَ الْخَطِيمُ التَّمِيمِيُّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: زَنِيمٌ تَدَاعَاهُ الرِّجَالُ زِيَادَةً ... كَمَا زِيدَ فِي عَرْضِ الْأَدِيمِ الْأَكَارِعُ [2] . (الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ) : وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: أَيُنَزَّلُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأُتْرَكُ وَأَنَا كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيِّدُهَا! وَيُتْرَكُ أَبُو مَسْعُودٍ عَمْرُو بْنُ عُمَيْرٍ الثَّقَفِيُّ سَيِّدُ ثَقِيفٍ، وَنَحْنُ عَظِيمَا الْقَرْيَتَيْنِ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ، فِيمَا بَلَغَنِي: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ 43: 31 ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: مِمَّا يَجْمَعُونَ 43: 32. (أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمَا) : وَأُبَيُّ بْنُ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَكَانَا مُتَصَافِيَيْنِ، حَسَّنَا مَا بَيْنَهُمَا. فَكَانَ عُقْبَةُ قَدْ جَلَسَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعَ مِنْهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أُبَيًّا، فَأَتَى عُقْبَةَ فَقَالَ (لَهُ) [3] : أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّكَ جَالَسْتَ مُحَمَّدًا وَسَمِعْتَ مِنْهُ! [4]- وَجْهِي مِنْ وَجْهِكَ حَرَامٌ أَنْ أُكَلِّمَكَ- وَاسْتَغْلَظَ مِنْ الْيَمِينِ- إنْ أَنْتَ جَلَسْتَ إلَيْهِ أَوْ سَمِعْتَ مِنْهُ، أَوْ لَمْ تَأْتِهِ فَتَتْفُلَ فِي وَجْهِهِ. فَفَعَلَ ذَلِكَ عَدُوُّ اللَّهِ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ لَعَنَهُ اللَّهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا 25: 27 ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لِلْإِنْسانِ خَذُولًا 25: 29. وَمَشَى أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَظْمٍ بَالٍ قَدْ ارْفَتَّ [5] ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ هَذَا بَعْدَ مَا أَرَمَّ [6] ، ثُمَّ فَتَّهُ

_ [1] العديد: من يعد فِي الْقَوْم، وَهُوَ الدعي. [2] الأكارع: جمع كرَاع. والكراع من الْإِنْسَان: مَا دون الرّكْبَة إِلَى الكعب، وَمن الدَّوَابّ: مَا دون الكعب. [3] زِيَادَة عَن أ. [4] فِي الْأُصُول: « ... قَالَ: وَجْهي ... إِلَخ» . [5] أرفت: تحطم وتكسر. [6] أرم: بلَى.

(سبب نزول سورة «قل يا أيها الكافرون» ) :

فِي يَدِهِ [1] ، ثُمَّ نَفَخَهُ فِي الرِّيحِ نَحْوَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، أَنَا أَقُولُ ذَلِكَ، يَبْعَثُهُ اللَّهُ وَإِيَّاكَ بَعْدَ مَا تَكُونَانِ هَكَذَا، ثُمَّ يُدْخِلُكَ اللَّهُ النَّارَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ: من يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا، فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ 36: 78- 80. (سَبَبُ نُزُولِ سُورَةِ «قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ» ) : وَاعْتَرَضَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ- فِيمَا بَلَغَنِي- الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ، وَكَانُوا ذَوِي أَسْنَانٍ فِي قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، هَلُمَّ فَلْنَعْبُدْ مَا تَعْبُدُ، وَتَعْبُدُ مَا نَعْبُدُ، فَنَشْتَرِكُ نَحْنُ وَأَنْتَ فِي الْأَمْرِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي تَعْبُدُ خَيْرًا مِمَّا نَعْبُدُ، كُنَّا قَدْ أَخَذْنَا بِحَظِّنَا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَا نَعْبُدُ خَيْرًا مِمَّا تَعْبُدُ، كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَ بِحَظِّكَ مِنْهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ. وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلا أَنا عابِدٌ مَا عَبَدْتُّمْ. وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ 109: 1- 6 أَيْ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّهَ، إلَّا أَنْ أَعْبُدَ مَا تَعْبُدُونَ، فَلَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ مِنْكُمْ، لَكُمْ دِينُكُمْ جَمِيعًا، وَلِي دِينِي. (أَبُو جَهْلٍ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ) : وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ تَخْوِيفًا بِهَا لَهُمْ، قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ تَدْرُونَ مَا شَجَرَةُ الزَّقُّومِ الَّتِي يُخَوِّفُكُمْ بِهَا مُحَمَّدٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: عَجْوَةُ [2] يَثْرِبَ بِالزُّبْدِ، وَاَللَّهِ لَئِنْ اسْتَمْكَنَّا مِنْهَا لَنَتَزَقَّمَنَّها [3] تَزَقُّمًا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، طَعامُ الْأَثِيمِ، كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ 44: 43- 46: أَيْ لَيْسَ كَمَا يَقُولُ.

_ [1] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بِيَدِهِ» . [2] الْعَجْوَة: ضرب من التَّمْر. [3] تزقم: ابتلع.

(كيف فسر ابن مسعود «المهل» ) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمُهْلُ: كُلُّ شَيْءٍ أَذَبْتُهُ، مِنْ نُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فِيمَا أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ. (كَيْفَ فَسَّرَ ابْنُ مَسْعُودٍ «الْمُهْلَ» ) : وَبَلَغَنَا عَنْ الْحَسَنِ (الْبَصْرِيِّ) [1] أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَالِيًا لِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ عَلَى بَيْتِ مَالِ الْكُوفَةِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ يَوْمًا بِفِضَّةٍ فَأُذِيبَتْ، فَجُعِلَتْ تُلَوَّنُ أَلْوَانًا، فَقَالَ: هَلْ بِالْبَابِ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَأَدْخِلُوهُمْ، فَأُدْخِلُوا فَقَالَ: إنَّ أَدْنَى مَا أَنْتُمْ رَاءُونَ شَبَهًا بِالْمُهْلِ، لَهَذَا [2] . وَقَالَ الشَّاعِرُ: يَسْقِيهِ رَبِّي حَمِيمَ الْمُهْلِ يَجْرَعُهُ ... يَشْوِي الْوُجُوهَ فَهُوَ فِي بَطْنِهِ صِهَرُ [3] وَيُقَالُ: إنَّ الْمُهْلَ: صَدِيدُ الْجَسَدِ. (اسْتِشْهَادٌ فِي تَفْسِيرِ «الْمُهْلِ» بِكَلَامِ لِأَبِي بَكْرٍ) : بَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا حُضِرَ أَمَرَ بِثَوْبَيْنِ لَبِيسَيْنِ يُغْسَلَانِ فَيُكَفَّنُ فِيهِمَا، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: قَدْ أَغْنَاكَ اللَّهُ يَا أَبَتِ عَنْهُمَا، فَاشْتَرِ كَفَنًا، فَقَالَ: إنَّمَا هِيَ سَاعَةٌ حَتَّى يَصِيرَ إلَى الْمُهْلِ. قَالَ الشَّاعِرُ: شَابَ بِالْمَاءِ مِنْهُ مُهْلًا كَرِيهًا ... ثُمَّ عَلَّ الْمُتُونَ بَعْدَ النِّهَالِ [4] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ، وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً 17: 60. (ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَنُزُولُ سُورَةِ «عَبَسَ» ) : وَوَقَفَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَلِّمُهُ، وَقَدْ طَمِعَ فِي إسْلَامِهِ، فَبَيْنَا هُوَ فِي ذَلِكَ، إذْ مَرَّ بِهِ

_ [1] زِيَادَة عَن أ، ط. [2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «إِن أدنى مَا رَأَيْتُمْ رأون شبها بالمهل لهَذَا» . [3] صهر: ذائب. وَقد زَادَت «م» بعد هَذَا الْبَيْت: وَقَالَ عبد الله بن الزبير «بِفَتْح الزاى» الْأَسدي: فَمن عَاشَ مِنْهُم عَاشَ عبدا وَإِن يمت ... فَفِي النَّار يسقى مهلها وصديدها وَهَذَا الْبَيْت فِي قصيدة لَهُ. [4] الْعِلَل: الشّرْب بعد الشّرْب. والمتون: الظُّهُور. والنهال: جمع نهل، وَهُوَ الشّرْب الأول.

ذكر من عاد من أرض الحبشة لما بلغهم إسلام أهل مكة

ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ يَسْتَقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، فَشَقَّ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَضْجَرَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ شَغَلَهُ عَمَّا كَانَ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الْوَلِيدِ، وَمَا طَمِعَ فِيهِ مِنْ إسْلَامِهِ. فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ انْصَرَفَ عَنْهُ عَابِسًا وَتَرَكَهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى 80: 1- 2 ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ، مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ 80: 13- 14 أَيْ إنَّمَا بَعَثْتُكَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، لَمْ أَخُصَّ بِكَ أَحَدًا دُونَ أَحَدٍ، فَلَا تَمْنَعُهُ مِمَّنْ ابْتَغَاهُ، وَلَا تَتَصَدَّيَنَّ بِهِ لِمَنْ لَا يُرِيدُهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ابْنُ أمّ مَكْتُوم، أحدا بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَيُقَالُ: عَمْرٌو. ذِكْرُ مَنْ عَادَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ لَمَّا بَلَغَهُمْ إسْلَامُ أَهْلِ مَكَّةَ (سَبَبُ رُجُوعِ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَلَغَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِينَ خَرَجُوا إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، إسْلَامُ أَهْلِ مَكَّةَ، فَأَقْبَلُوا لِمَا بَلَغَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى إذَا دَنَوْا مِنْ مَكَّةَ، بَلَغَهُمْ أَنَّ مَا كَانُوا تَحَدَّثُوا بِهِ مِنْ إسْلَامِ أَهْلِ مَكَّةَ كَانَ بَاطِلًا، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا بِجِوَارٍ أَوْ مُسْتَخْفِيًا [1] .

_ [1] قَالَ السهيليّ: «وَسبب ذَلِك: أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ سُورَة النَّجْم، فَألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته: أَي فِي تِلَاوَته، عِنْد ذكر اللات والعزى، وَأَنَّهُمْ لَهُم الغرانقة الْعلَا وَأَن شفاعتهم لترتجى. فطار ذَلِك بِمَكَّة، فسر الْمُشْركُونَ وَقَالُوا: قد ذكر آلِهَتنَا بِخَير. فَسجدَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخرهَا، وَسجد الْمُشْركُونَ والمسلمون، وَأنزل الله تَعَالَى: فَيَنْسَخُ الله مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ 22: 52 ... الْآيَة. فَمن هَاهُنَا اتَّصل بهم فِي أَرض الْحَبَشَة أَن قُريْشًا قد أَسْلمُوا. ذكره مُوسَى بن عقبَة وَابْن إِسْحَاق من غير رِوَايَة البكائي، وَأهل الْأُصُول يدْفَعُونَ هَذَا الحَدِيث بِالْحجَّةِ، وَمن صَححهُ قَالَ فِيهِ أقوالا، مِنْهَا أَن الشَّيْطَان قَالَ ذَلِك وأذاعه، وَالرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لم ينْطق بِهِ. وَهَذَا جيد لَوْلَا أَن فِي حَدِيثهمْ أَن جِبْرِيل قَالَ لمُحَمد: مَا أَتَيْتُك بِهَذَا! إِن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهَا من قبل نَفسه، وعنى بهَا الْمَلَائِكَة أَن شفاعتهم لترتجى. وَمِنْهَا:

(من عاد من بنى عبد شمس وحلفائهم) :

(مَنْ عَادَ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَحُلَفَائِهِمْ) : فَكَانَ مِمَّنْ [1] قَدِمَ عَلَيْهِ مَكَّةَ مِنْهُمْ، فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَشَهِدَ مَعَهُ بَدْرًا (وَأُحُدًا) [2] ، وَمَنْ حُبِسَ عَنْهُ حَتَّى فَاتَهُ بَدْرٌ وَغَيْرُهُ، وَمَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ مِنْهُمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ ابْن أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، (وَ) [2] مَعَهُ امْرَأَتُهُ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، (وَ) [2] امْرَأَتُهُ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ (بْنِ عَمْرٍو) [2] . وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ. (مَنْ عَادَ مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ) : وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ، حَلِيفٌ لَهُمْ، مِنْ قَيْسِ (بْنِ) [2] عَيْلَانَ. (مَنْ عَادَ مِنْ بَنِي أَسَدٍ) : وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ: الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ. (مَنْ عَادَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ) : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ، (بْنِ عَبْدِ الدَّارِ) [2] . وَسُوَيْبِطُ بْنُ سَعْدِ بْنِ حَرْمَلَةَ [3] .

_ [ () ] أَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَه حاكيا عَن الْكَفَرَة، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِك، فَقَالَهَا مُتَعَجِّبا من كفرهم. والْحَدِيث على مَا خيلت غير مَقْطُوع بِصِحَّتِهِ، وَالله أعلم» . [1] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «من» . [2] زِيَادَة عَن أ. [3] كَذَا فِي أ، ط، والاستيعاب، وَأسد الغابة، والإصابة. وَهُوَ سويبط بن سعد بن حَرْمَلَة بن مَالك بن عميلة بن السباق بن عبد الدَّار بن قصي بن كلاب الْقرشِي، وَأمه امْرَأَة من خُزَاعَة تسمى هنيدة. وَلَقَد شهد سويبط رضى الله عَنهُ بَدْرًا، وَكَانَ مزاحا يفرط فِي الدعابة، وَله قصَّة ظريفة مَعَ نعيمان وأبى بكر للصديق رضى الله عَنْهُم، وَهِي: أَن أَبَا بكر رضى الله عَنهُ خرج فِي تِجَارَة إِلَى بصرى قبل موت النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعام، وَمَعَهُ نعيمان وسويبط، وَكَانَا قد شَهدا بَدْرًا، وَكَانَ نعيمان على الزَّاد، فَقَالَ لَهُ سويبط: أطعمنى، فَقَالَ: لَا، حَتَّى يَجِيء أَبُو بكر، فَقَالَ: أما وَالله لأغيظنك، فَمروا بِقوم فَقَالَ لَهُم سويبط: تشترون منى عبدا؟ فَقَالُوا: نعم: قَالَ: إِنَّه عبد لَهُ كَلَام، وَهُوَ قَائِل لكم إِنِّي حر، فان

(من عاد من بنى عبد بن قصي) :

(مَنْ عَادَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ قُصَيٍّ) : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ قُصَيٍّ: طُلَيْبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ [1] بْنِ عَبْدٍ. وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ (بْنِ) [2] الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ، وَالْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو. حَلِيفٌ لَهُمْ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ. (مَنْ عَادَ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ وَحُلَفَائِهِمْ) : وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ: أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْن عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَشَمَّاسُ [3]

_ [ () ] كُنْتُم إِذا قَالَ لكم هَذِه الْمقَالة تَرَكْتُمُوهُ، فَلَا تفسدوا على عَبدِي، قَالُوا: بل نشتريه مِنْك، قَالَ: فاشتروه مِنْهُ بِعشر قَلَائِص. قَالَ: فَجَاءُوا فوضعوا فِي عُنُقه عباءة أَو حبلا، فَقَالَ نعيمان: إِن هَذَا يستهزئ بكم، وَإِنِّي حر لست بِعَبْد، قَالُوا: قد أخبرنَا خبرك، فَانْطَلقُوا بِهِ، فجَاء أَبُو بكر رضى الله عَنهُ، فَأخْبرهُ سويبط، فأتبعهم، فَرد عَلَيْهِم القلائص وَأَخذه. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «سويبط بن سعد بن حُرَيْمِلَة» وَهُوَ تَحْرِيف. [1] فِي أ: «طليب بن وهب بن أَبى كَبِير بن عبد» . فِي سَائِر الْأُصُول والاستيعاب: «طليب بن وهب بن أَبى كثير بن عبد» . وَالظَّاهِر أَن كليهمَا محرف عَمَّا أَثْبَتْنَاهُ. قَالَ السهيليّ: وَذكر فيهم طليبا، وَقَالَ فِي نسبه: ابْن أَبى كَبِير بن عبد بن قصي، وَزِيَادَة «أَبى كَبِير» فِي هَذَا الْموضع لَا يُوَافق عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ وجدت فِي حَاشِيَة كتاب الشَّيْخ التَّنْبِيه على هَذَا. وَذكره أَبُو عمر، وَنسبه كَمَا نسبه ابْن إِسْحَاق بِزِيَادَة أَبى كَبِير» . وَقَالَ أَبُو ذَر: «فِي نسب طليب: ابْن وهب بن أَبى كَبِير بن عبد. كَذَا وَقع، وَإِنَّمَا هُوَ ابْن عبد بن قصي» . وَلَقَد شهد طيب بَدْرًا، وَقتل بأجنادين شَهِيدا لَيْسَ لَهُ عقب، وَقيل: قتل باليرموك. وَيُقَال: إِن طليبا لما أسلم فِي دَار الأرقم خرج فَدخل على أمه أروى بنت عبد الْمطلب، فَقَالَ: اتبعت مُحَمَّدًا وَأسْلمت للَّه عز وَجل، فَقَالَت أمه: إِن أَحَق من وازرت وعضدت ابْن خَالك، وَالله لَو كُنَّا نقدر على مَا يقدر عَلَيْهِ الرِّجَال لمنعناه وذببنا عَنهُ» . [2] زِيَادَة عَن أ، ط. والاستيعاب، والإصابة، وَأسد الغابة. [3] وَاسم شماس: عَامر، وشماس: لقب غلب عَلَيْهِ. وَأمه صَفِيَّة بنت ربيعَة بن عبد شمس، وَلَقَد شهد بَدْرًا، وَقتل يَوْم أحد شَهِيدا، وَكَانَ يَوْم قتل ابْن أَربع وَثَلَاثِينَ سنة. وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: مَا وجدت لشماس شبها إِلَّا الْجنَّة. يعْنى مِمَّا يُقَاتل عَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يرْمى ببصره يَمِينا وَلَا شمالا إِلَّا رأى شماسا فِي ذَلِك الْوَجْه يذب بِسَيْفِهِ، حَتَّى غشي رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فترس بِنَفسِهِ دونه حَتَّى قتل، فَحمل إِلَى الْمَدِينَة وَبِه رَمق، فَأدْخل على عَائِشَة رضى الله عَنْهَا، فَقَالَت أم سَلمَة: ابْن عمى يدْخل على غَيْرِي! فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ

(من عاد من بنى جمح) :

ابْن عُثْمَانَ بْنِ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ هَرْمِيِّ بْنِ عَامِرِ بْنِ مَخْزُومٍ. وَسَلَمَةُ [1] بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، حَبَسَهُ عَمُّهُ بِمَكَّةَ، فَلَمْ يَقْدَمْ إلَّا بَعْدَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَالْخَنْدَقِ، وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، هَاجَرَ مَعَهُ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَحِقَ بَهْ أَخَوَاهُ لِأُمِّهِ: أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، فَرَجَعَا بِهِ إلَى مَكَّةَ فَحَبَسَاهُ [2] بِهَا حَتَّى مَضَى بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ: عُمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، يُشَكُّ فِيهِ، أَكَانَ خَرَجَ إلَى الْحَبَشَةِ أَمْ لَا؟ وَمُعَتِّبُ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَامِرٍ مِنْ خُزَاعَةَ. (مَنْ عَادَ مِنْ بَنِي جُمَحٍ) : وَمِنْ بَنِي جُمَحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ: عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ ابْن وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ. وَابْنُهُ السَّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ، وَقُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَظْعُونٍ. (مَنْ عَادَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ) : وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ: خُنَيْسُ [3] بْنُ حُذَافَةَ بْنِ

_ [ () ] وَسلم: احملوه إِلَى أم سَلمَة، فَحمل إِلَيْهَا، فَمَاتَ عِنْدهَا، فَأمر رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَن يرد إِلَى أحد فيدفن هُنَالك كَمَا هُوَ فِي ثِيَابه الَّتِي مَاتَ فِيهَا، بعد أَن مكث يَوْمًا وَلَيْلَة. وَفِي رثائه يَقُول حسان بن ثَابت: اقنى حياءك فِي ستر وَفِي كرم ... فَإِنَّمَا كَانَ شماس من النَّاس قد ذاق حَمْزَة سيف الله فاصطبرى ... كأسا رواء ككأس الْمَرْء شماس [1] كَانَ سَلمَة من خِيَار الصَّحَابَة وفضلائهم، وَكَانَ أحد إخْوَة خَمْسَة: أَبى جهل والْحَارث وَسَلَمَة وَالْعَاص وخَالِد، فَأَما أَبُو جهل وَالْعَاص فقتلا ببدر كَافِرين، وَأسر خَالِد يَوْمئِذٍ، ثمَّ فدى وَمَات كَافِرًا، وَأسلم الْحَارِث وَسَلَمَة، وَكَانَا من خِيَار الْمُسلمين رضى الله عَنْهُمَا. وَكَانَ سَلمَة قديم الْإِسْلَام، وَاحْتبسَ بِمَكَّة، وعذب فِي الله عز وَجل، وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو لَهُ فِي صلَاته، وَقتل يَوْم خرج فِي خلَافَة عمر، وَقيل: بل قتل بأجنادين قبل موت أَبى بكر رضى الله عَنهُ بِأَرْبَع وَعشْرين سَاعَة سنة 13 هـ [2] يذكر فِي ذَلِك أَنَّهُمَا قَالَا لَهُ حَتَّى خدعاه: إِن أمه حَلَفت أَلا يدْخل رَأسهَا دهن وَلَا تَغْتَسِل حَتَّى ترَاهُ، فَرجع مَعَهُمَا، فَأَوْثَقَاهُ رِبَاطًا، وحبساه بِمَكَّة، فَكَانَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو لَهُ. [3] كَانَ خُنَيْس بن حذافة على حَفْصَة زوج النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقد شهد بَدْرًا، ثمَّ شهد أحدا، ونالته ثمَّة جِرَاحَة مَاتَ مِنْهَا بِالْمَدِينَةِ.

(من عاد من بنى عدي) :

قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، حُبِسَ بِمَكَّةَ بَعْدَ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى قَدِمَ بَعْدَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَالْخَنْدَقِ. (مَنْ عَادَ مِنْ بَنِي عَدِيٍّ) : وَمِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ: عَامِرُ [1] بْنُ رَبِيعَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ، مَعَه امْرَأَتُهُ لَيْلَى [2] بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ (بْنِ حُذَافَةَ) [3] بْنِ غَانِمٍ. (مَنْ عَادَ مِنْ بَنِي عَامِرٍ وَحُلَفَائِهِمْ) : وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ: عَبْدُ اللَّهِ [4] بْنُ مَخْرَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ أَبِي قَيْسٍ: وَعَبْدُ اللَّهِ [5] بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ حُبِسَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ، حَتَّى كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، فَانْحَازَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَهِدَ مَعَهُ بَدْرًا، وَأَبُو سَبْرَةَ بْنُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَالسَّكْرَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسٍ، مَاتَ بِمَكَّةَ قَبْلَ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ [1] فِي نسب عَامر هَذَا خلاف، فَمنهمْ من ينْسبهُ إِلَى عنز بن وَائِل، كَمَا ينْسبهُ بَعضهم إِلَى مذْحج فِي الْيمن، إِلَّا أَنه لَا خلاف فِي أَنه حَلِيف للخطاب بن نفَيْل. وَلَقَد شهد بَدْرًا وَسَائِر الْمشَاهد، وَتوفى سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ، وَقيل: سنة ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، كَمَا قيل سنة خمس وَثَلَاثِينَ، بعد قتل عُثْمَان بأيام. [2] يُقَال: إِنَّهَا أول ظَعِينَة دخلت الْمَدِينَة مهاجرة، وَقيل: بل تِلْكَ أم سلمى. [3] زِيَادَة عَن الِاسْتِيعَاب. [4] يكنى عبد الله: أَبَا مُحَمَّد، وَأمه أم نهيك بنت صَفْوَان من بنى مَالك بن كنَانَة، وَلَقَد آخى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَينه وَبَين فَرْوَة بن عمر، وَلَقَد شهد بَدْرًا وَسَائِر الْمشَاهد، وَاسْتشْهدَ يَوْم الْيَمَامَة سنة اثْنَتَيْ عشرَة، وَهُوَ ابْن إِحْدَى وَأَرْبَعين سنة، وَمن وَلَده: نَوْفَل بن مساحق بن عبد الله بن مخرمَة. [5] يكنى عبد الله: أَبَا سُهَيْل، وَكَانَ الّذي حَبسه، هُوَ أَبوهُ، أَخذه عِنْد مَا رَجَعَ من الْحَبَشَة إِلَى مَكَّة، فأوثقه عِنْده، وفتنه فِي دينه. وَلَقَد شهد مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير بدر الْمشَاهد كلهَا، وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة، وَهُوَ أحد الشُّهُود فِي صلح الحديبيّة، وَهُوَ الّذي أَخذ الْأمان لِأَبِيهِ يَوْم الْفَتْح، أَتَى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَبى تؤمنه؟ فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم هُوَ آمن بِأَمَان الْإِلَه، فليظهر، ثمَّ قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن حوله: من رأى سُهَيْل بن عَمْرو فَلَا يشد إِلَيْهِ النّظر، فلعمري إِن سهيلا لَهُ عقل وَشرف. وَلَقَد اسْتشْهد عبد الله يَوْم الْيَمَامَة سنة اثْنَتَيْ عشرَة، وَهُوَ ابْن ثَمَان وَثَلَاثِينَ سنة.

(من عاد من بنى الحارث) :

إلَى الْمَدِينَةِ، فَخَلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَتِهِ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ [1] . وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ: سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ [2] . (مَنْ عَادَ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ) : وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَهُوَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْن الْجَرَّاحِ، وَعَمْرُو [3] بْنُ الْحَارِثِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدَّادٍ، وَسُهَيْلُ [4] بْنُ بَيْضَاءَ، وَهُوَ سُهَيْلُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالٍ [5] ، وَعَمْرُو [6] بْنُ أَبِي سَرْحِ بْنِ رَبِيعَةَ ابْن هِلَالٍ. (عَدَدُ الْعَائِدِينَ مِنْ الْحَبَشَةِ، وَمَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ فِي جِوَارٍ) : فَجَمِيعُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ مَكَّةَ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا. فَكَانَ مَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ بِجِوَارٍ، فِيمَنْ سُمِّيَ لَنَا: عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبٍ الْجُمَحِيُّ، دَخَلَ بِجِوَارِ مِنْ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ [7] ، دَخَلَ بِجِوَارٍ مِنْ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَكَانَ خَالَهُ. وَأُمُّ أَبِي سَلَمَةَ: بَرَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.

_ [1] هَذَا قَول ابْن إِسْحَاق والواقدي. وَأما مُوسَى بن عقبَة وَأَبُو معشر، فَيَقُولَانِ: إِن السَّكْرَان مَاتَ بِالْحَبَشَةِ. [2] كَذَا فِي الْأُصُول. وَفِي الِاسْتِيعَاب: «سعد بن خولى» . قَالَ ابْن عبد الْبر: «سعد بن خولى من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين ذكر إِبْرَاهِيم بن سعد عَن ابْن إِسْحَاق، قَالَ: وَمِمَّنْ شهد بَدْرًا من بنى عَامر بن لؤيّ: سعد بن خولى، حَلِيف لَهُم من أهل الْيمن» . [3] وَيُقَال فِيهِ: عَامر بن الْحَارِث، وَلم يذكرهُ ابْن عقبَة وَلَا أَبُو معشر فِيمَن هَاجر إِلَى أَرض الْحَبَشَة، وَذكره ابْن عقبَة فِي الْبَدْرِيِّينَ. [4] يكنى سُهَيْل: أَبَا أُميَّة، فِيمَا زعم بَعضهم. والبيضاء أمه، الَّتِي كَانَ ينْسب إِلَيْهَا، اسْمهَا: دعد بنت الجحدم، وَلَقَد قدم سُهَيْل على النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقَامَ مَعَه حَتَّى هَاجر، وَمَات بِالْمَدِينَةِ فِي حَيَاة رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة تسع من الْهِجْرَة. [5] وَقيل هُوَ: سُهَيْل بن عَمْرو بن وهب بن ربيعَة بن هِلَال. [6] ويكنى عَمْرو: أَبَا سعيد. وَشهد مَعَ أَخِيه وهب بن أَبى سرح بَدْرًا، وَمَات بِالْمَدِينَةِ سنة ثَلَاثِينَ فِي خلَافَة عُثْمَان. [7] كَذَا فِي أوالاستيعاب. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد بن هِلَال المَخْزُومِي» . 24- سيرة ابْن هِشَام- 1

قصة عثمان بن مظعون في رد جوار الوليد

قِصَّةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فِي رَدِّ جِوَارِ الْوَلِيدِ (تَأَلُّمُهُ لِمَا يُصِيبُ إِخْوَانَهُ فِي اللَّهِ، وَمَا حَدَثَ لَهُ فِي مَجْلِسِ لَبِيدَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَإِنَّ صَالِحَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حَدَّثَنِي عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ عُثْمَانَ، قَالَ: لَمَّا رَأَى عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ مَا فِيهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْبَلَاءِ، وَهُوَ يَغْدُو وَيَرُوحُ فِي أَمَانٍ مِنْ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: وَاَللَّهِ إنَّ غُدُوِّي وَرَوَاحِي آمِنًا بِجِوَارِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَأَصْحَابِي وَأَهْلُ دِينِي يَلْقَوْنَ مِنْ الْبَلَاءِ وَالْأَذَى فِي اللَّهِ مَا لَا يُصِيبُنِي، لَنَقْصٌ كَبِيرٌ فِي نَفْسِي. فَمَشَى إلَى الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ، وَفَّتْ ذِمَّتُكَ، قَدْ رَدَدْتُ إلَيْكَ جِوَارَكَ، فَقَالَ لَهُ: (لِمَ) [1] يَا بن أَخِي؟ لَعَلَّهُ آذَاكَ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِي، قَالَ:: لَا، وَلَكِنِّي أَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ، وَلَا أُرِيدُ أَنْ أَسْتَجِيرَ بِغَيْرِهِ؟ قَالَ: فَانْطَلِقْ إلَى الْمَسْجِدِ، فَارْدُدْ عَلَيَّ جِوَارِي عَلَانِيَةً كَمَا أَجَرْتُكَ عَلَانِيَةً. قَالَ: فَانْطَلَقَا فَخَرَجَا حَتَّى أَتَيَا الْمَسْجِدَ، فَقَالَ الْوَلِيدُ: هَذَا عُثْمَانُ قَدْ جَاءَ يَرُدُّ عَلَيَّ جِوَارِي، قَالَ: صَدَقَ، قَدْ وَجَدْتُهُ وَفِيًّا كَرِيمَ الْجِوَارِ، وَلَكِنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ لَا أَسْتَجِيرَ بِغَيْرِ اللَّهِ، فَقَدْ رَدَدْتُ عَلَيْهِ جِوَارَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ عُثْمَانُ، وَلَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ فِي مَجْلِسٍ مِنْ قُرَيْشٍ يُنْشِدُهُمْ، فَجَلَسَ مَعَهُمْ عُثْمَانُ، فَقَالَ لَبِيدٌ: أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ قَالَ عُثْمَانُ: صَدَقْتَ. قَالَ (لَبِيدٌ) [1] : وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ قَالَ عُثْمَانُ: كَذَبْتَ، نَعِيمُ الْجَنَّةِ لَا يَزُولُ. قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَاَللَّهِ مَا كَانَ يُؤْذَى جَلِيسُكُمْ، فَمَتَى حَدَثَ هَذَا فِيكُمْ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: إنَّ هَذَا سَفِيهٌ فِي سُفَهَاءَ مَعَهُ، قَدْ فَارَقُوا دِينَنَا، فَلَا تَجِدَنَّ فِي نَفْسِكَ مِنْ قَوْلِهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ عُثْمَانُ حَتَّى شَرِيَ [2] أَمْرُهُمَا، فَقَامَ إلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَلَطَمَ عَيْنَهُ فَخَضَّرَهَا [3]

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] شرى: زَاد وَعظم. [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فخصرها» . وَهُوَ تَصْحِيف.

قصة أبى سلمة رضى الله عنه في جواره

وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَرِيبٌ يَرَى مَا بَلَغَ مِنْ عُثْمَانَ، فَقَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ يَا بن أَخِي إنْ كَانَتْ عَيْنُكَ عَمَّا أَصَابَهَا لَغَنِيَّةٌ، لَقَدْ كُنْتَ فِي ذِمَّةٍ مَنِيعَةٍ. قَالَ: يَقُولُ عُثْمَانُ: بَلْ وَاَللَّهِ إنَّ عَيْنِي الصَّحِيحَةَ لَفَقِيرَةٌ إلَى مِثْلِ مَا أَصَابَ أُخْتَهَا فِي اللَّهِ، وَإِنِّي لَفِي جِوَارِ مَنْ هُوَ أَعَزُّ مِنْكَ وَأَقْدَرُ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ: هَلُمَّ يَا بن أَخِي، إنْ شِئْتَ فَعُدْ إلَى جِوَارِكَ، فَقَالَ: لَا. قِصَّةُ أَبِي سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي جِوَارِهِ (ضَجَرُ الْمُشْرِكِينَ بِأَبِي طَالِبٍ لِإِجَارَتِهِ، وَدِفَاعُ أَبِي لَهَبٍ، وَشِعْرُ أَبِي طَالِبٍ فِي ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمَّا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ، فَحَدَّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ لَمَّا اسْتَجَارَ بِأَبِي طَالِبٍ، مَشَى إلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، فَقَالُوا (لَهُ) [1] : يَا أَبَا طَالِبٍ، لَقَدْ [2] مَنَعْتَ مِنَّا ابْنَ أَخِيكَ مُحَمَّدًا، فَمَا لَكَ وَلِصَاحِبِنَا تَمْنَعُهُ مِنَّا؟ قَالَ: إنَّهُ اسْتَجَارَ بِي، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِي، وَإِنْ أَنَا لَمْ أَمْنَعْ ابْنَ أُخْتِي لَمْ أَمْنَعْ ابْنَ أَخِي، فَقَامَ أَبُو لَهَبٍ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَاَللَّهِ لَقَدْ أَكْثَرْتُمْ عَلَى هَذَا الشَّيْخِ، مَا تَزَالُونَ تَوَثَّبُونَ [3] عَلَيْهِ فِي جِوَارِهِ مِنْ بَيْنِ قَوْمِهِ، وَاَللَّهِ لَتَنْتَهُنَّ عَنْهُ أَوْ لَنَقُومَنَّ مَعَهُ فِي كُلِّ مَا قَامَ فِيهِ، حَتَّى يَبْلُغَ مَا أَرَادَ. قَالَ: فَقَالُوا: بَلْ نَنْصَرِفُ عَمَّا تَكْرَهُ يَا أَبَا عُتْبَةَ، وَكَانَ لَهُمْ وَلِيًّا وَنَاصِرًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبْقَوْا عَلَى ذَلِكَ. فَطَمِعَ فِيهِ أَبُو طَالِبٍ حَيْنَ سَمِعَهُ يَقُولُ مَا يَقُولُ، وَرَجَا أَنْ يَقُومَ مَعَهُ فِي شَأْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ يُحَرِّضُ أَبَا لَهَبٍ عَلَى نُصْرَتِهِ وَنُصْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِنَّ امْرَأً أَبُو عُتَيْبَةَ عَمُّهُ ... لَفِي رَوْضَةٍ مَا إنْ يُسَامُ الْمَظَالِمَا [4] أَقُولُ لَهُ، وَأَيْنَ مِنْهُ نَصِيحَتِي ... أَبَا مُعْتِبٍ ثَبِّتْ سَوَادَكَ قَائِمًا [5]

_ [1] زِيَادَة عَن أ: [2] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «هَذَا منعت ... إِلَخ» . [3] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «تتواثبون» . [4] يسأم: يُكَلف. [5] السوَاد (هُنَا) : الشَّخْص.

دخول أبى بكر في جوار ابن الدغنة ورد جواره عليه

وَلَا تَقْبَلَنَّ الدَّهْرَ مَا عِشْت خطة ... تُسَبُّ بِهَا إمَّا هَبَطْتَ الْمَوَاسِمَا وَوَلِّ سَبِيلَ الْعَجْزِ غَيْرَكَ مِنْهُمْ ... فَإِنَّكَ لَمْ تُخْلَقْ عَلَى الْعَجْزِ لَازِمَا وَحَارِبْ فَإِنَّ الْحَرْبَ نُصْفٌ وَلَنْ تَرَى [1] ... أَخَا الْحَرْبِ يُعْطَى الْخَسْفَ حَتَّى يُسَالَمَا وَكَيْفَ وَلَمْ يَجْنُوا عَلَيْكَ عَظِيمَةً ... وَلَمْ يَخْذُلُوكَ غَانِمًا أَوْ مُغَارِمَا جَزَى اللَّهُ عَنَّا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا ... وَتَيْمًا وَمَخْزُومًا عُقُوقًا وَمَأْثَمَا بِتَفْرِيقِهِمْ مِنْ بَعْدِ وُدٍّ وَأُلْفَةٍ ... جَمَاعَتَنَا كَيْمَا يَنَالُوا الْمَحَارِمَا [2] كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ نُبْزَى مُحَمَّدًا ... وَلَمَّا تَرَوْا يَوْمًا لَدَى الشِّعْبِ قَائِمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: نُبْزَى: نُسْلَبُ [3] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَقِيَ مِنْهَا بَيْتٌ تَرَكْنَاهُ. دُخُولُ أَبِي بَكْرٍ فِي جِوَارِ ابْنِ الدُّغُنَّةِ وَرَدُّ جِوَارِهِ عَلَيْهِ (سَبَبُ جِوَارِ ابْنِ الدُّغُنَّةِ لِأَبِي بَكْرٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ ابْن مُسْلِمِ (ابْنِ شِهَابٍ) [4] الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، حِينَ ضَاقَتْ عَلَيْهِ مَكَّةُ وَأَصَابَهُ فِيهَا الْأَذَى، وَرَأَى مِنْ تَظَاهُرِ قُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مَا رَأَى، اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِجْرَةِ فَأَذِنَ لَهُ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا [5] ، حَتَّى إذَا سَارَ مِنْ مَكَّةَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، لَقِيَهُ ابْنُ الدُّغُنَّةِ [6] ، أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الْأَحَابِيشِ.

_ [1] كَذَا فِي أ، ط. وَالنّصف: الْإِنْصَاف. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «نصف مَا ترى» . والمواسم: مَوَاطِن اجْتِمَاعهم فِي الْحَج أَو فِي الْأَسْوَاق الْمَشْهُورَة. [2] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ينَال» . [3] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ. وَفِي اللِّسَان: يبزى مُحَمَّد. قَالَ شمر: مَعْنَاهُ: يقهر ويستذل. وَأَرَادَ: لَا يبزى، [4] زِيَادَة عَن أ. [5] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «مُهَاجرا مَعَه» . وَلَا يَسْتَقِيم الْكَلَام بِهَذِهِ الزِّيَادَة. [6] وَاسم ابْن الدغنة: مَالك، وَقد ضَبطه الْقُسْطَلَانِيّ بِفَتْح الدَّال وَكسر الْغَيْن وَفتح النُّون مُخَفّفَة، الْغَيْن بِضَم الدَّال وَفتح النُّون مُشَدّدَة.

(الأحابيش) :

(الْأَحَابِيشُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْأَحَابِيشُ: بَنُو الْحَارِثِ بْنُ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، وَالْهُونُ ابْن خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ، وَبَنُو الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَحَالَفُوا جَمِيعًا، فَسُمُّوا الْأَحَابِيشَ (لِأَنَّهُمْ تَحَالَفُوا بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ الْأَحْبَشُ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ) [1] لِلْحِلْفِ [2] . وَيُقَالُ: ابْنُ الدُّغَيْنَةِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ (بْنِ الزُّبَيْرِ) [1] ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: فَقَالَ ابْنُ الدُّغُنَّةِ: أَيْنَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي وَآذَوْنِي، وَضَيَّقُوا عَلَيَّ، قَالَ: وَلم؟ فو الله إنَّكَ لَتَزِينُ الْعَشِيرَةَ، وَتُعِينُ عَلَى النَّوَائِبِ، وَتَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ [3] ، ارْجِعْ فَأَنْتَ فِي جِوَارِي. فَرَجَعَ مَعَهُ، حَتَّى إذَا دَخَلَ مَكَّةَ، قَامَ [4] ابْنُ الدُّغُنَّةِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنِّي قَدْ أَجَرْتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ، فَلَا يَعْرِضَنَّ لَهُ أَحَدٌ إلَّا بِخَيْرِ. قَالَتْ: فَكَفُّوا عَنْهُ. (سَبَبُ خُرُوجِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ جِوَارِ ابْنِ الدُّغُنَّةِ) : قَالَتْ: وَكَانَ لِأَبِي بَكْرٍ مَسْجِدٌ عِنْدَ بَابِ دَارِهِ فِي بَنِي جُمَحٍ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا، إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ اسْتَبْكَى. قَالَتْ: فَيَقِفُ عَلَيْهِ الصِّبْيَانُ وَالْعَبِيدُ وَالنِّسَاءُ، يَعْجَبُونَ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ هَيْئَتِهِ. قَالَتْ: فَمَشَى رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى ابْنِ الدُّغُنَّةِ، فَقَالُوا (لَهُ) [1] : يَا بن الدُّغُنَّةِ، إنَّكَ لَمْ تُجِرْ هَذَا الرَّجُلَ لِيُؤْذِيَنَا! إنَّهُ رَجُلٌ إذَا صَلَّى وَقَرَأَ مَا جَاءَ بَهْ مُحَمَّدٌ يَرِقُّ وَيَبْكِي [5] ، وَكَانَتْ لَهُ هَيْئَةٌ وَنَحْوٌ، فَنَحْنُ نَتَخَوَّفُ عَلَى صِبْيَانِنَا وَنِسَائِنَا وَضَعَفَتِنَا أَنْ يَفْتِنَهُمْ، فَأْتِهِ فَمُرْهُ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَلْيَصْنَعْ فِيهِ مَا شَاءَ. قَالَتْ: فَمَشَى ابْنُ الدُّغُنَّةِ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا بَكْرٍ،

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] وَيُقَال: إِنَّهُم تحالفوا عِنْد جبيل يُقَال لَهُ: حبشِي، فاشتق لَهُم مِنْهُ هَذَا الِاسْم. [3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول: أَي تكسب غَيْرك مَا هُوَ مَعْدُوم عِنْده. وَقَالَ ابْن سراج: الْمَعْدُوم هُنَا النفيس. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وتكسب المعدم» . [4] فِي أ: «قَالَ» وَهُوَ تَحْرِيف. [5] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ.

حديث نقض الصحيفة

إنِّي لَمْ أُجِرْكَ لِتُؤْذِيَ قَوْمَكَ، إنَّهُمْ قَدْ كَرِهُوا مَكَانَكَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ، وَتَأَذَّوْا بِذَلِكَ مِنْكَ، فَادْخُلْ بَيْتَكَ، فَاصْنَعْ فِيهِ مَا أَحْبَبْتَ، قَالَ: أَوَأَرُدُّ عَلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَارْدُدْ عَلَيَّ جِوَارِي، قَالَ: قَدْ رَدَدْتُهُ عَلَيْكَ. قَالَتْ [1] : فَقَامَ ابْنُ الدُّغُنَّةِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنَّ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ قَدْ رَدَّ عَلَيَّ جِوَارِي فَشَأْنُكُمْ بِصَاحِبِكُمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: لَقِيَهُ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ، وَهُوَ عَامِدٌ إلَى الْكَعْبَةِ، فَحَثَا عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا. قَالَ: فَمَرَّ بِأَبِي بَكْرٍ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، أَوْ الْعَاصُ [2] بْنُ وَائِلٍ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَلَا تَرَى إلَى مَا يَصْنَعُ هَذَا السَّفِيهُ؟ قَالَ: أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ بِنَفْسِكَ. قَالَ [3] : وَهُوَ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ، مَا أَحْلَمَكَ! أَيْ رَبِّ، مَا أَحْلَمَكَ! أَيْ رَبِّ، مَا أَحْلَمَكَ!. حَدِيثُ نَقْضِ الصَّحِيفَةِ (بَلَاءُ هِشَامِ بْنِ عَمْرٍو فِي نَقْضِ الصَّحِيفَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ فِي مَنْزِلِهِمْ الَّذِي تَعَاقَدَتْ فِيهِ قُرَيْشٌ عَلَيْهِمْ فِي الصَّحِيفَةِ الَّتِي كَتَبُوهَا، ثُمَّ إنَّهُ قَامَ فِي نَقْضِ تِلْكَ الصَّحِيفَةِ الَّتِي تَكَاتَبَتْ فِيهَا قُرَيْشٌ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِيَّ الْمُطَّلِبِ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَلَمْ يُبْلَ فِيهَا أَحَدٌ أَحْسَنَ مِنْ بَلَاءِ هِشَامِ [4] بْنِ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَبِيبِ [5] بْنِ نَصْرِ بْنِ (جَذِيمَةَ) [6] ابْن مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ ابْنَ أَخِي نَضْلَةَ بْنِ هَاشِمِ ابْن عَبْدِ مَنَافٍ لِأُمِّهِ، فَكَانَ هِشَامٌ لِبَنِي هَاشِمٍ [7] وَاصَلًا، وَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِي قَوْمِهِ،

_ [1] فِي الْأُصُول: «قَالَ» . ويلاحظ أَن رَاوِي الْخَبَر هُوَ عَائِشَة. [2] فِي أ: «وَالْعَاص بن وَائِل» . وَلَا يَسْتَقِيم بهَا الْكَلَام. [3] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ. [4] كَذَا فِي أ، ط، والاستيعاب. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «هَاشم» وَهُوَ تَحْرِيف. [5] كَذَا فِي أ، ط، والاستيعاب. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «خبيب» بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة. [6] زِيَادَة عَن أ. [7] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وَكَانَ هَاشم لبني هِشَام» وَهُوَ تَحْرِيف.

(سعى هشام في ضم زهير بن أبى أمية له) :

فَكَانَ- فِيمَا بَلَغَنِي- يَأْتِي بِالْبَعِيرِ، وَبَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ فِي الشِّعْبِ لَيْلًا، قَدْ أَوْقَرَهُ طَعَامًا، حَتَّى إذَا أَقْبَلَ بِهِ فَمَ الشِّعْبِ خَلَعَ خِطَامَهُ مِنْ رَأْسِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ عَلَى جَنْبِهِ، فَيَدْخُلُ الشِّعْبَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَأْتِي بِهِ قَدْ أَوْقَرَهُ بَزًّا [1] ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ. (سَعْيُ هِشَامٍ فِي ضَمِّ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ لَهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّهُ مَشَى إلَى زُهَيْرِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَكَانَتْ أُمُّهُ عَاتِكَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: يَا زُهَيْرُ، أَقَدْ رَضِيتَ أَنْ تَأْكُلَ الطَّعَامَ، وَتَلْبَسَ الثِّيَابَ، وَتَنْكِحَ النِّسَاءَ، وَأَخْوَالُكَ حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ، لَا يُبَاعُونَ وَلَا يُبْتَاعُ مِنْهُمْ، وَلَا يَنْكِحُونَ وَلَا يُنْكَحُ إلَيْهِمْ؟ أَمَا إنِّي أَحْلِفُ باللَّه أَنْ لَوْ كَانُوا أَخْوَالَ أَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ، ثُمَّ دَعَوْتَهُ إلَى (مِثْلِ) [2] مَا دَعَاكَ إلَيْهِ مِنْهُمْ، مَا أَجَابَكَ إلَيْهِ [3] أَبَدًا، قَالَ: وَيْحَكَ يَا هِشَامُ! فَمَاذَا أَصْنَعُ؟ إنَّمَا أَنَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَاَللَّهِ لَوْ كَانَ مَعِي رَجُلٌ آخَرُ لَقُمْتُ فِي نَقْضِهَا حَتَّى أَنْقُضَهَا، قَالَ: قَدْ وَجَدْتَ رَجُلًا قَالَ: فَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: أَنَا، قَالَ لَهُ زُهَيْرٌ: أَبْغِنَا رَجُلًا ثَالِثًا (سَعْيُ هِشَامٍ فِي ضَمِّ الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ لَهُ) : فَذَهَبَ إلَى الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ (بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ) [2] ، فَقَالَ لَهُ: يَا مُطْعِمُ أَقَدْ رَضِيتَ أَنْ يَهْلِكَ بَطْنَانِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَأَنْتَ شَاهِدٌ عَلَى ذَلِكَ، مُوَافِقٌ لِقُرَيْشِ فِيهِ! أَمَا وَاَللَّهِ لَئِنْ أَمْكَنْتُمُوهُمْ مِنْ هَذِهِ لَتَجِدُنَّهُمْ [4] إلَيْهَا مِنْكُمْ سِرَاعًا، قَالَ [5] وَيْحَكَ! فَمَاذَا أَصْنَعُ؟ إنَّمَا أَنَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، قَالَ: قَدْ وَجَدْتَ ثَانِيًا، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: أَنَا، قَالَ: أَبْغِنَا ثَالِثًا، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: زُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: أَبْغِنَا رَابِعًا. (سَعْيُ هِشَامٍ فِي ضَمِّ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ إلَيْهِ) : فَذَهَبَ إلَى الْبَخْتَرِيِّ بْنِ هِشَام، فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِمَّا قَالَ لِلْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ،

_ [1] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول برا قَالَ السهيليّ: «بزا» (بالزاي الْمُعْجَمَة) ، وَفِي غير نُسْخَة الشَّيْخ أَبى بَحر: «برا» ، وَفِي رِوَايَة يُونُس: «بزا أَو برا» على الشَّك من الراويّ» . [2] زِيَادَة عَن أ. [3] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «إِلَيْك» . [4] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «لتجدنها» . [5] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وَقَالَ» وَهُوَ تَحْرِيف.

(سعى هشام في ضم زمعة له) :

فَقَالَ: وَهَلْ مِنْ أَحَدٍ يُعِينُ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: زُهَيْرُ ابْن أَبِي أُمَيَّةَ، وَالْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ، وَأَنَا مَعَكَ، قَالَ: أَبْغِنَا خَامِسًا. (سَعْيُ هِشَامٍ فِي ضَمِّ زَمْعَةَ لَهُ) : فَذَهَبَ إلَى زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، فَكَلَّمَهُ، وَذكر لَهُ قَرَابَتَهُمْ وَحَقَّهُمْ، فَقَالَ لَهُ: وَهَلْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي تَدْعُونِي إلَيْهِ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ سَمَّى لَهُ الْقَوْمَ. (مَا حَدَثَ بَيْنَ هِشَامٍ وَزُمَلَائِهِ، وَبَيْنَ أَبِي جَهْلٍ، حِينَ اعْتَزَمُوا تَمْزِيقَ الصَّحِيفَةِ) : فَاتَّعَدُوا خَطْمَ الْحَجُونِ [1] لَيْلًا بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَاجْتَمَعُوا هُنَالِكَ. فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَتَعَاقَدُوا [2] عَلَى الْقِيَامِ فِي [3] الصَّحِيفَةِ حَتَّى يَنْقُضُوهَا، وَقَالَ زُهَيْرٌ: أَنَا أَبْدَؤُكُمْ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَتَكَلَّمُ. فَلَمَّا أَصْبَحُوا غَدَوْا إلَى أَنْدِيَتِهِمْ، وَغَدَا زُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ عَلَيْهِ حُلَّةٌ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ، أَنَأْكُلُ الطَّعَامَ وَنَلْبَسُ الثِّيَابَ، وَبَنُو هَاشِمٍ هَلْكَى لَا يُبَاعُ وَلَا يُبْتَاعُ مِنْهُمْ، وَاَللَّهِ لَا أَقْعُدُ حَتَّى تُشَقَّ هَذِهِ الصَّحِيفَةُ الْقَاطِعَةُ الظَّالِمَةُ. قَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَكَانَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ: كَذَبْتَ وَاَللَّهِ لَا تُشَقُّ، قَالَ زَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ: أَنْتَ وَاَللَّهِ أَكْذَبُ، مَا رَضِينَا كِتَابَهَا حَيْثُ كُتِبَتْ، قَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: صَدَقَ زَمْعَةُ، لَا نَرْضَى مَا كُتِبَ فِيهَا، وَلَا نُقِرُّ بِهِ، قَالَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ: صَدَقْتُمَا وَكَذَبَ مَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ، نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ مِنْهَا، وَمِمَّا كُتِبَ فِيهَا، قَالَ هِشَامُ ابْن عَمْرٍو نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَذَا أَمْرٌ قُضِيَ بِلَيْلِ، تُشُووِرَ فِيهِ بِغَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ. (قَالَ) [4] : وَأَبُو طَالِبٍ جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَقَامَ الْمُطْعِمُ إلَى الصَّحِيفَةِ لِيَشُقَّهَا، فَوَجَدَ الْأَرَضَةَ قَدْ أَكَلَتْهَا، إلَّا «بِاسْمِكَ اللَّهمّ» .

_ [1] الْحجُون: مَوضِع بِأَعْلَى مَكَّة. وخطمه: مقدمه. [2] فِي أ: «وتعاهدوا» . [3] فِي أ: «فِي أَمر الصَّحِيفَة» . [4] زِيَادَة عَن أ.

(كاتب الصحيفة وشل يده) :

(كَاتِبُ الصَّحِيفَةِ وَشَلُّ يَدِهِ) : وَكَانَ كَاتِبَ الصَّحِيفَةِ مَنْصُورُ [1] بْنُ عِكْرِمَةَ. فَشُلَّتْ يَدُهُ فِيمَا يَزْعُمُونَ. (إخْبَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَكْلِ الْأَرَضَةِ لِلصَّحِيفَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ الْقَوْمِ بَعْدَ ذَلِكَ) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي طَالِبٍ: يَا عَمِّ، إنَّ رَبِّي اللَّهَ قَدْ سَلَّطَ الْأَرَضَةَ عَلَى صَحِيفَةِ قُرَيْشٍ، فَلَمْ تَدَعْ فِيهَا اسْمًا هُوَ للَّه إلَّا أَثْبَتَتْهُ فِيهَا، وَنَفَتْ مِنْهُ الظُّلْمَ وَالْقَطِيعَةَ وَالْبُهْتَانَ، فَقَالَ: أَرَبُّكَ أَخْبَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فو الله مَا يَدْخُلُ عَلَيْكَ أَحَدٌ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنَّ ابْنَ أَخِي أَخْبَرَنِي بِكَذَا وَكَذَا، فَهَلُمَّ صَحِيفَتُكُمْ، فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ ابْنُ أَخِي، فَانْتَهُوا عَنْ قَطِيعَتِنَا، وَانْزِلُوا عَمَّا فِيهَا، وَإِنْ يَكُنْ كَاذِبًا دَفَعْتُ إلَيْكُمْ ابْنَ أَخِي، فَقَالَ الْقَوْمُ: رَضِينَا، فَتَعَاقَدُوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ نَظَرُوا، فَإِذَا هِيَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَزَادَهُمْ ذَلِكَ شَرًّا. فَعِنْدَ ذَلِكَ صَنَعَ الرَّهْطُ مِنْ قُرَيْشٍ فِي نَقْضِ الصَّحِيفَةِ مَا صَنَعُوا [2] . (شِعْرُ أَبِي طَالِبٍ فِي مَدْحِ النَّفَرِ الَّذِينَ نَقَضُوا الصَّحِيفَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا مُزِّقَتْ الصَّحِيفَةُ وَبَطَلَ مَا فِيهَا. قَالَ أَبُو طَالِبٍ، فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ أُولَئِكَ النَّفَرِ الَّذِينَ قَامُوا فِي نَقْضِهَا يَمْدَحُهُمْ:

_ [1] قَالَ السهيليّ: «وللنساب من قُرَيْش فِي كَاتب الصَّحِيفَة قَولَانِ: أَحدهمَا أَن كَاتب الصَّحِيفَة هُوَ بغيض بن عَامر بن هَاشم بن عبد الدَّار، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه مَنْصُور بن عبد شُرَحْبِيل بن هَاشم من بنى عبد الدَّار أَيْضا وَهُوَ خلاف قَول ابْن إِسْحَاق، وَلم يذكر الزبير فِي كَاتب الصَّحِيفَة غير هذَيْن الْقَوْلَيْنِ، والزبيريون أعلم بأنساب قَومهمْ» . [2] يحْكى أَن الْمُؤمنِينَ جهدوا من ضيق الْحصار، حَتَّى إِنَّهُم كَانُوا يَأْكُلُون الْخبط، وورق السمر، حَتَّى إِن أحدهم ليضع كَمَا تضع الشَّاة. وَكَانَ فيهم سعد بن أَبى وَقاص، روى أَنه قَالَ: لقد جعت حَتَّى إِنِّي وطِئت ذَات لَيْلَة على شَيْء رطب، فَوَضَعته فِي فمي وبلعته، وَمَا أدرى مَا هُوَ إِلَى الْآن. وَكَانُوا إِذا قدمت العير مَكَّة، وأتى أحدهم السُّوق ليشترى شَيْئا من الطَّعَام لِعِيَالِهِ، يقوم أَبُو لَهب عَدو الله فَيَقُول: يَا معشر التُّجَّار، غالوا على أَصْحَاب مُحَمَّد حَتَّى لَا يدركوا مَعكُمْ شَيْئا، فقد علمْتُم مَالِي ووفاء ذِمَّتِي، فَأَنا ضَامِن أَن لَا خسار عَلَيْكُم. فيزيدون عَلَيْهِم فِي السّلْعَة قيمتهَا أضعافا، حَتَّى يرجع إِلَى أطفاله، وهم يتضاغون من الْجُوع، وَلَيْسَ فِي يَدَيْهِ شَيْء يُطعمهُمْ بِهِ، وَيَغْدُو التُّجَّار على أَبى لَهب فيربحهم فِيمَا اشْتَروا من الطَّعَام واللباس، حَتَّى جهد الْمُسلمُونَ، وَمن مَعَهم جوعا وعريا» .

أَلَا هَلْ أَتَى بَحْرِيَّنَا صُنْعُ رَبِّنَا ... عَلَى نَأْيِهِمْ وَاَللَّهُ بِالنَّاسِ أَرْوَدُ [1] فَيُخْبِرَهُمْ أَنَّ الصَّحِيفَةَ مُزِّقَتْ ... وَأَنْ كُلُّ مَا لَمْ يَرْضَهُ اللَّهُ مُفْسَدُ تُرَاوِحُهَا إفْكٌ وَسِحْرٌ مُجَمَّعٌ ... وَلَمْ يُلْفَ سِحْرٌ آخِرَ الدَّهْرِ يَصْعَدُ تَدَاعَى لَهَا مَنْ لَيْسَ فِيهَا بِقَرْقَرٍ [2] ... فَطَائِرُهَا فِي رَأْسِهَا يَتَرَدَّدُ [3] وَكَانَتْ كِفَاءً رَقْعَةٌ بِأَثِيمَةٍ ... لِيُقْطَعَ مِنْهَا سَاعِدٌ وَمُقَلَّدُ [4] وَيَظْعَنُ أَهْلُ الْمَكَّتَيْنِ فَيَهْرُبُوا ... فَرَائِصُهُمْ مِنْ خَشْيَةِ الشَّرِّ تُرْعَدُ [5] وَيُتْرَكُ حَرَّاثٌ يُقَلِّبُ أَمْرَهُ ... أَيُتْهِمُ فِيهِمْ [6] عِنْدَ ذَاكَ وَيُنْجِدُ [7] وَتَصْعَدُ بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ كَتِيبَةٌ [8] ... لَهَا حُدُجٌ [9] سَهْمٌ وَقَوْسٌ وَمِرْهَدُ [10] فَمَنْ يَنْشَ [11] مِنْ حُضَّارِ مَكَّةَ عِزُّهُ ... فَعِزَّتُنَا فِي بَطْنِ مَكَّةَ أَتْلَدُ نَشَأْنَا بِهَا وَالنَّاسُ فِيهَا قَلَائِلُ ... فَلَمْ نَنْفَكِكْ نَزْدَادُ خَيْرًا وَنَحْمَدُ [12]

_ [1] البحري (هُنَا) : من كَانَ هَاجر من الْمُسلمين إِلَى الْحَبَشَة فِي الْبَحْر. وأرود: أرْفق. [2] القرقر: اللين السهل. يُرِيد: من لَيْسَ فِيهَا بذليل. وَيجوز أَنه يُرِيد بِهِ: لَيْسَ بِذِي هزل، لِأَن القرقرة: الضحك. [3] يُرِيد حظها من الشؤم وَالشَّر. وَفِي التَّنْزِيل: أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ 17: 13. [4] الْمُقَلّد: الْعُنُق. [5] الفرائص: جمع فريصة، وَهِي بضعَة فِي الْجنب ترْعد إِذا فزع الْإِنْسَان. [6] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فِيهَا» . [7] الحراث: المكتسب. وأتهم: أَتَى تهَامَة، وَهِي مَا انخفض عَن أَرض الْحجاز إِلَى الْبَحْر. وأنجد: أَتَى نجدا، وَهِي مَا ارْتَفع عَن أَرض الْحجاز إِلَى الشرق. [8] الأخشبان: جبلان بِمَكَّة. والكتيبة: الْجَيْش. [9] حدج (بِضَمَّتَيْنِ) : جمع حدج (بِالْكَسْرِ) ، وَهُوَ الْحمل (بِالْكَسْرِ) : أَي أَن يقوم مقَام الْحمل سهم وقوس ومرهد. وَقيل: هُوَ من الحدج بِمَعْنى الحسك، فَجعل السهْم وَغَيره كالحسك. [10] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ، ط: «مزهد» . قَالَ السهيليّ: « ... ومرهد هَكَذَا فِي الأَصْل بالراء وَكسر الْمِيم، فَيحْتَمل أَن يكون من: رهد الثَّوْب: إِذا مزقه، ويعنى بِهِ رمحا أَو سَيْفا، وَيحْتَمل أَن يكون من الرهيد، وَهُوَ الناعم، أَي ينعم صَاحبه بالظفر، أَو ينعم هُوَ بِالريِّ من الدَّم. وَفِي بعض النّسخ (مزهد) بِفَتْح الْمِيم، والزاى، فَإِن صحت الرِّوَايَة بِهِ، فَمَعْنَاه: مزهد فِي الْحَيَاة وحرص على الْمَمَات» . وَقَالَ أَبُو ذَر: «ومرهد: رمح لين. وَمن رَوَاهُ: فرهد، فَمَعْنَاه: الرمْح الّذي إِذا طعن بِهِ وسع الْخرق. وَمن رَوَاهُ: مزهد، بالزاء، فَهُوَ ضَعِيف لَا معنى لَهُ، إِلَّا أَن يُرَاد بِهِ الشدَّة على معنى الِاشْتِقَاق» . [11] كَذَا فِي أ، ط. أَرَادَ: ينشأ، فَحذف الْهمزَة. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ينسى» . بِالسِّين الْمُهْملَة. [12] كَذَا فِي ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فَلم تنفكك تزداد خيرا وتحمد» .

وَنُطْعِمُ حَتَّى يَتْرُكَ النَّاسُ فَضْلَهُمْ ... إذَا جُعِلَتْ أَيْدِي الْمُفِيضِينَ تُرْعَدُ [1] جَزَى اللَّهُ رَهْطًا بِالْحَجُونِ تَبَايَعُوا [2] ... عَلَى مَلَأٍ يُهْدِي لِحَزْمٍ وَيُرْشِدُ قُعُودًا لَدَى خَطْمِ الْحَجُونِ كَأَنَّهُمْ ... مَقَاوِلَةٌ بَلْ هُمْ أَعَزُّ وَأَمْجَدُ [3] أَعَانَ عَلَيْهَا كُلُّ صَقْرٍ كَأَنَّهُ ... إذَا مَا مَشَى فِي رَفْرَفِ الدِّرْعِ أَحْرَدُ [4] جَرِيٌّ عَلَى جُلَّى [5] الْخُطُوبِ كَأَنَّهُ ... شِهَابٌ بِكَفَّيْ قَابِسٍ يَتَوَقَّدُ مِنْ الْأَكْرَمِينَ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ ... إذَا سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ يَتَرَبَّدُ [6] طَوِيلُ النِّجَادِ خَارِجٌ نِصْفُ سَاقِهِ ... عَلَى وَجْهِهِ يُسْقَى الْغَمَامُ وَيُسْعِدُ عَظِيمُ الرَّمَادِ سَيِّدٌ وَابْنُ سَيِّدٍ ... يَحُضُّ عَلَى مَقْرَى الضُّيُوفِ وَيَحْشِدُ [7] وَيَبْنِي لِأَبْنَاءِ الْعَشِيرَةِ صَالِحًا ... إذَا نَحْنُ طُفْنَا فِي الْبِلَادِ وَيَمْهَدُ أَلَظَّ [8] بِهَذَا الصُّلْحِ كُلُّ مُبَرَّأٍ ... عَظِيمِ اللِّوَاءِ أَمْرُهُ ثَمَّ يُحْمَدُ قَضَوْا مَا قَضَوْا فِي لَيْلِهِمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا ... عَلَى مَهَلٍ وَسَائِرُ النَّاسِ رُقَّدُ هُمٌ رَجَعُوا سَهْلَ بْنَ بَيْضَاءَ [9] رَاضِيًا ... وَسُرَّ أَبُو بَكْرٍ بِهَا وَمُحَمَّدُ مَتَى شُرِّكَ الْأَقْوَامُ فِي جُلِّ أَمْرِنَا ... وَكُنَّا قَدِيمًا قَبْلَهَا نُتَوَدَّدُ وَكُنَّا قَدِيمًا لَا نُقِرُّ ظُلَامَةً ... وَنُدْرِكُ مَا شِئْنَا وَلَا نتشدّد

_ [1] المفيضون: الضاربون بقداح الميسر. وَكَانَ لَا يفِيض مَعَهم فِي الميسر إِلَّا سخى، ويسمون من لَا يدْخل مَعَهم فِي ذَلِك: الْبرم. وَقَالَت امْرَأَة لبعلها، وَكَانَ برما بَخِيلًا، ورأته يقرن بضعتين فِي الْأكل: أبرما قرونا! [2] كَذَا فِي ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «تتابعوا» . [3] المقاولة: الْمُلُوك. [4] كَذَا فِي ط. ورفرف الدرْع: مَا فضل مِنْهُ. وأحرد: بطيء الْمَشْي لثقل الدرْع الّذي عَلَيْهِ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: « ... أجرد» (بِالْجِيم) وَهُوَ تَصْحِيف. [5] كَذَا فِي ط، والجلي: الْأَمر الْعَظِيم. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «جلّ» . وَجل الخطوب: معظمها» . [6] سيم: كلف. والخسف: الذل. ويتربد: يتَغَيَّر إِلَى السوَاد. [7] مقرى الضيوف: طعامهم. والقرى: مَا يصنع للضيف من الطَّعَام. [8] ألظ: لزم وألح. [9] سهل هَذَا هُوَ ابْن وهب بن ربيعَة بن هِلَال بن ضبة بن الْحَارِث بن فهر، فَهُوَ يعرف بِابْن الْبَيْضَاء، وَهِي أمه، وَاسْمهَا دعد بنت جحدم بن أُميَّة بن ضرب بن الْحَارِث بن فهر، ولسهل أَخَوان: سُهَيْل، وَصَفوَان، وهم جَمِيعًا بَنو الْبَيْضَاء.

(شعر حسان في رثاء المطعم، وذكر نقضه الصحيفة) :

فيا لقصىّ هَلْ لَكُمْ فِي نُفُوسِكُمْ ... وَهَلْ لَكُمْ فِيمَا يَجِيءُ بَهْ غَدُ فَإِنِّي وَإِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ قَائِلٌ ... لَدَيْكَ الْبَيَانُ لَوْ تَكَلَّمْتَ أَسْوَدُ [1] (شِعْرُ حَسَّانَ فِي رِثَاءِ الْمُطْعِمِ، وَذِكْرُ نَقْضِهِ الصَّحِيفَةَ) : وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: يَبْكِي الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ حِينَ مَاتَ، وَيَذْكُرُ قِيَامَهُ فِي نَقْضِ الصَّحِيفَةِ: أَيَا عَيْنُ [2] فَابْكِي سَيِّدَ الْقَوْمِ [3] وَاسْفَحِي [4] ... بِدَمْعٍ وَإِنْ أَنْزَفْتِهِ فَاسْكُبِي الدَّمَا [5] وَبَكِّي عَظِيمَ الْمَشْعَرَيْنِ كِلَيْهِمَا ... عَلَى النَّاسِ مَعْرُوفًا لَهُ مَا تَكَلَّمَا فَلَوْ كَانَ مَجْدٌ يُخْلَدُ الدَّهْرَ وَاحِدًا ... مِنْ النَّاسِ، أَبْقَى مَجْدُهُ الْيَوْمَ مُطْعِمَا [6] أَجَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا ... عَبِيدَكَ مَا لَبَّى مُهِلٌّ وَأَحْرَمَا فَلَوْ سُئِلَتْ عَنْهُ مَعَدٌّ بِأَسْرِهَا ... وَقَحْطَانُ أَوْ بَاقِي بَقِيَّةِ جُرْهُمَا لَقَالُوا هُوَ الْمُوفِي بِخُفْرَةِ [7] جَارِهِ ... وَذِمَّتِهِ يَوْمًا إذَا مَا تَذَمَّمَا [8] فَمَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ الْمُنِيرَةُ فَوْقَهُمْ ... عَلَى مِثْلِهِ فِيهِمْ أَعَزَّ وَأَعْظَمَا وَآبَى إذَا يَأْبَى وَأَلْيَنَ [9] شِيمَةً ... وَأَنْوَمَ عَنْ جَارٍ إذَا اللَّيْلُ أَظْلَمَا

_ [1] أسود: اسْم جبل كَانَ قد قتل فِيهِ قَتِيل فَلم يعرف قَاتله، فَقَالَ أَوْلِيَاء الْمَقْتُول هَذِه الْمقَالة، فَذَهَبت مثلا. [2] فِي أ، ط: «أعيني أَلا أبكى ... إِلَخ» . [3] فِي أ: «النَّاس» . [4] اسفحى: أسيلى. [5] أنزفته: أنفدته. [6] قَالَ السهيليّ فِي التَّعْلِيق على هَذَا الْبَيْت: «وَهَذَا عِنْد النَّحْوِيين من أقبح الضَّرُورَة، لِأَنَّهُ قدم الْفَاعِل وَهُوَ مُضَاف إِلَى ضمير الْمَفْعُول، فَصَارَ فِي الضَّرُورَة مثل قَوْله: جزى ربه عَنى عدي بن حَاتِم غير أَنه فِي هَذَا الْبَيْت أشبه قَلِيلا، لتقدم ذكر (مطعم) فَكَأَنَّهُ قَالَ: أبقى مجد هَذَا الْمَذْكُور الْمُتَقَدّم ذكره مطعما، وَوضع الظَّاهِر مَوضِع الْمُضمر كَمَا لَو قلت: إِن زيدا ضربت جَارِيَته زيدا، أَي ضربت جَارِيَته إِيَّاه. وَلَا بَأْس بِمثل هَذَا، وَلَا سِيمَا إِذا قصدت قصد التَّعْظِيم وتفخيم ذكر الممدوح، كَمَا قَالَ الشَّاعِر: وَمَا لي أَن أكون أعيب يحيى ... وَيحيى طَاهِر الأثواب بر [7] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والخفرة: الْعَهْد. وَفِي أ: «حُفْرَة» . بِالْحَاء الْمُهْملَة. [8] تذمم: طلب الذِّمَّة، وَهِي الْعَهْد. [9] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وَأعظم» .

(كيف أجار المطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «كِلَيْهِمَا» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. (كَيْفَ أَجَارَ الْمُطْعِمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: «أَجَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ مِنْهُمْ» ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا انْصَرَفَ عَنْ أَهْلِ الطَّائِفِ، وَلَمْ يُجِيبُوهُ إلَى مَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ، مِنْ تَصْدِيقِهِ وَنُصْرَتِهِ، صَارَ إلَى حِرَاءٍ، ثُمَّ بَعَثَ إلَى الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ لِيُجِيرَهُ، فَقَالَ: أَنَا حَلِيفٌ، وَالْحَلِيفُ لَا يُجِيرُ. فَبَعَثَ إلَى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَ: إنَّ بَنِي عَامِرٍ لَا تُجِيرُ عَلَى بَنِي كَعْبٍ. فَبَعَثَ إلَى الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ فَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ، ثُمَّ تَسَلَّحَ الْمُطْعِمُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَخَرَجُوا حَتَّى أَتَوْا الْمَسْجِدَ، ثُمَّ بَعَثَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ اُدْخُلْ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى عِنْدَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى مَنْزِلِهِ. فَذَلِكَ الَّذِي يَعْنِي حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ. (مَدْحُ حَسَّانَ لِهِشَامِ بْنِ عَمْرٍو لِقِيَامِهِ فِي الصَّحِيفَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ (الْأَنْصَارِيُّ) [1] أَيْضًا: يَمْدَحُ هِشَامَ بْنَ عَمْرٍو [2] لِقِيَامِهِ فِي الصَّحِيفَةِ: هَلْ يُوَفِّيَنَّ بَنُو أُمَيَّةَ ذِمَّةً ... عقدا كَمَا أَو فِي جِوَارُ هِشَامِ مِنْ مَعْشَرٍ لَا يَغْدِرُونَ بِجَارِهِمْ ... لِلْحَارِثِ بْنِ حُبَيِّبِ [3] بْنِ سُخَامِ وَإِذَا بَنُو حِسْلٍ أَجَارُوا ذِمَّةً ... أَوْفَوْا وَأَدَّوْا جَارَهُمْ بِسَلَامِ وَكَانَ هِشَامٌ أَحَدَ [4] سُحَامِ [5] (بِالضَّمِّ) [1]

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] وَقد أسلم هِشَام بن عَمْرو هَذَا، وَهُوَ مَعْدُود فِي الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم، وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رجلا فِيمَا ذكرُوا [3] هُوَ حبيب بِالتَّخْفِيفِ، تَصْغِير (حب) . وَجعله حسان تَصْغِير (حبيب) فشدده، وَلَيْسَ هَذَا من بَاب الضَّرُورَة، إِذْ لَا يسوغ أَن يُقَال فِي فَلَيْسَ: فَلَيْسَ، وَلَا فِي كُلَيْب: كُلَيْب، فِي شعر وَلَا فِي غَيره، وَلَكِن لما كَانَ الْحبّ والحبيب بِمَعْنى وَاحِد جعل أَحدهمَا مَكَان الآخر. وَهُوَ حسن فِي الشّعْر وسائغ فِي الْكَلَام. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [4] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أَخا» . [5] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول،: «سخام» . قَالَ السهيليّ: «وَقَوله (ابْن سخام) هُوَ اسْم أمه، وَأكْثر أهل النّسَب يَقُولُونَ فِيهِ (شخام) بشين مُعْجمَة. وألفيت فِي حَاشِيَة كتاب الشَّيْخ أَن أَبَا عُبَيْدَة النسابة وعوانة يَقُولَانِ فِيهِ (سحام) بسين وحاء مهملتين. والّذي فِي الأَصْل من قَول ابْن هِشَام (سخام)

قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: سُخَامٌ [1] . قِصَّةُ إسْلَامِ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ (تَحْذِيرُ قُرَيْشٍ لَهُ مِنْ الِاسْتِمَاعِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى مَا يَرَى مِنْ قَوْمِهِ، يَبْذُلُ لَهُمْ النَّصِيحَةَ، وَيَدْعُوهُمْ إلَى النَّجَاةِ مِمَّا هُمْ فِيهِ. وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ، حِينَ مَنَعَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ، يُحَذِّرُونَهُ النَّاسَ وَمَنْ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَرَبِ. وَكَانَ الطُّفَيْلُ بْنُ [2] عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ يُحَدِّثُ: أَنَّهُ قَدِمَ مَكَّةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا، فَمَشَى إلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانَ الطُّفَيْلُ رَجُلًا شَرِيفًا شَاعِرًا لَبِيبًا، فَقَالُوا لَهُ: يَا طُفَيْلُ، إنَّكَ قَدِمْتَ بِلَادَنَا، وَهَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَدْ أَعْضَلَ [3] بِنَا، وَقَدْ فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا، وَشَتَّتْ أَمْرَنَا، وَإِنَّمَا قَوْلُهُ كَالسِّحْرِ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ أَبِيهِ، وَبَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ أَخِيهِ، وَبَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ، وَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْكَ وَعَلَى قَوْمِكَ مَا قَدْ دَخَلَ عَلَيْنَا، فَلَا تُكَلِّمَنَّهُ وَلَا تَسْمَعَنَّ مِنْهُ شَيْئًا. (اسْتِمَاعُهُ لِقَوْلِ قُرَيْشٍ، ثُمَّ عُدُولُهُ وَسَمَاعُهُ مِنَ الرَّسُول) : قَالَ: فو الله مَا زَالُوا بِي حَتَّى أَجْمَعْتُ أَنْ لَا أَسْمَعَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا أُكَلِّمَهُ، حَتَّى حَشَوْتُ فِي أُذُنَيَّ حِينَ غَدَوْتُ إلَى الْمَسْجِدِ كُرْسُفًا [4] فَرَقًا مِنْ أَنْ يَبْلُغَنِي شَيْءٌ مِنْ قَوْلِهِ، وَأَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أَسْمَعَهُ. قَالَ: فَغَدَوْتُ إلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ. قَالَ: فَقُمْتُ مِنْهُ قَرِيبًا، فَأَبَى اللَّهُ إلَّا أَنْ يُسْمِعَنِي بَعْضَ قَوْلِهِ. قَالَ: فَسَمِعْتُ كَلَامًا حَسَنًا. قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفسِي:

_ [ () ] بسين مُهْملَة وخاء مُعْجمَة. وَلَفظ (شخام) من شخم الطَّعَام: إِذا تَغَيَّرت رَائِحَته. قَالَه أَبُو حنيفَة» . [1] فِي ط: «شخام» . [2] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أَبُو عَمْرو» . وعَلى هَذِه الرِّوَايَة، فَهُوَ مكنى بِابْنِهِ عَمْرو. [3] أعضل: اشْتَدَّ أمره. [4] الكرسف: الْقطن.

(التقاؤه بالرسول وقبوله الدعوة) :

وَا ثكل أُمِّي، وَاَللَّهِ إنِّي لَرَجُلٌ لَبِيبٌ شَاعِرٌ مَا يَخْفَى عَلَيَّ الْحَسَنُ مِنْ الْقَبِيحِ، فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَسْمَعَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ مَا يَقُولُ! فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَأْتِي بَهْ حَسَنًا قَبِلْتُهُ، وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا تَرَكْتُهُ. (الْتِقَاؤُهُ بِالرَّسُولِ وَقَبُولُهُ الدَّعْوَةَ) : قَالَ: فَمَكَثْتُ حَتَّى انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَيْتِهِ فَاتَّبَعْتُهُ، حَتَّى إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ، إنَّ قَوْمَكَ قَدْ قَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا، للَّذي قَالُوا، فو الله مَا بَرِحُوا يُخَوِّفُونَنِي أَمْرَكَ حَتَّى سَدَدْتُ أُذُنَيَّ بِكُرْسُفٍ لِئَلَّا أَسْمَعَ قَوْلَكَ، ثُمَّ أَبَى اللَّهُ إلَّا أَنْ يُسْمِعَنِي قَوْلَكَ، فَسَمِعْتُهُ قَوْلًا حَسَنًا، فَاعْرِضْ عَلَيَّ أَمْرَكَ. قَالَ: فَعَرَضَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيَّ الْقُرْآنَ، فَلَا وَاَللَّهِ مَا سَمِعْتُ قَوْلًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَلَا أَمْرًا أَعْدَلَ مِنْهُ. قَالَ: فَأَسْلَمْتُ وَشَهِدْتُ شَهَادَةَ الْحَقِّ، وَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إنِّي امْرُؤٌ مُطَاعٌ فِي قَوْمِي، وَأَنَا رَاجِعٌ إلَيْهِمْ، وَدَاعِيهمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لِي آيَةً تَكُونُ لِي عَوْنًا عَلَيْهِمْ فِيمَا أَدْعُوهُمْ إلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهمّ اجْعَلْ لَهُ آيَةً. (الْآيَةُ الَّتِي جُعِلَتْ لَهُ) : قَالَ: فَخَرَجْتُ إلَى قَوْمِي، حَتَّى إذَا كُنْتُ بِثَنِيَّةٍ [1] تُطْلِعُنِي عَلَى الْحَاضِرِ [2] وَقَعَ نُورٌ بَيْنَ عَيْنَيَّ مِثْلُ الْمِصْبَاحِ، فَقُلْتُ: اللَّهمّ فِي غَيْرِ وَجْهِي، إنِّي أَخْشَى، أَنْ يَظُنُّوا أَنَّهَا مُثْلَةٌ وَقَعَتْ فِي وَجْهِي لِفِرَاقِي دِينَهُمْ. قَالَ: فَتَحَوَّلَ فَوَقَعَ فِي رَأْسِ سَوْطِي. قَالَ: فَجَعَلَ الْحَاضِرُ يَتَرَاءَوْنَ ذَلِكَ النُّورَ فِي سَوْطِي كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلَّقِ، وَأَنَا أَهْبِطُ إلَيْهِمْ مِنْ الثَّنِيَّةِ، قَالَ: حَتَّى جِئْتُهُمْ فَأَصْبَحْتُ فِيهِمْ. (دَعْوَتُهُ أَبَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ) : قَالَ: فَلَمَّا نَزَلْتُ أَتَانِي أَبِي، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، قَالَ: فَقُلْتُ: إلَيْكَ عَنِّي يَا أَبَتِ، فَلَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي، قَالَ: وَلِمَ يَا بُنَيَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَسْلَمْتُ وَتَابَعْت دِينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، فَدِينِي دِينُكَ، قَالَ:

_ [1] الثَّنية: الفرجة بَين الجبلين. [2] الْحَاضِر: الْقَوْم النازلون على المَاء.

(دعوته زوجه إلى الإسلام) :

فَقُلْتُ: فَاذْهَبْ فَاغْتَسِلْ وَطَهِّرْ ثِيَابَكَ، ثُمَّ تَعَالَ حَتَّى أُعَلِّمَكَ مَا عُلِّمْتُ. قَالَ: فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ، وَطَهَّرَ ثِيَابَهُ. قَالَ: ثُمَّ جَاءَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، فَأَسْلَمَ. (دَعْوَتُهُ زَوْجَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ) : (قَالَ) [1] : ثُمَّ أَتَتْنِي صَاحِبَتِي، فَقُلْتُ: إلَيْكَ عَنِّي، فَلَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي، قَالَتْ: لِمَ؟ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، قَالَ: (قُلْتُ: قَدْ) [2] فَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ الْإِسْلَامُ، وَتَابَعْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَدِينِي دِينُكَ، قَالَ: قُلْتُ: فَاذْهَبِي إلَى حِنَا ذِي الشَّرَى- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: حِمَى [3] ذِي الشَّرَى- فَتَطَهَّرِي مِنْهُ. (قَالَ) [4] : وَكَانَ ذُو الشَّرَى صَنَمًا لِدَوْسٍ، وَكَانَ الْحِمَى حِمَى حَمَوْهُ لَهُ، (وَ) [4] بِهِ وَشَلٌ [5] مِنْ مَاءٍ يَهْبِطُ مِنْ جَبَلٍ. قَالَ: فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَتَخْشَى عَلَى الصَّبِيَّةِ مِنْ ذِي الشَّرَى شَيْئًا، قَالَ: قُلْتُ: لَا، أَنَا ضَامِنٌ لِذَلِكَ، فَذَهَبَتْ فَاغْتَسَلَتْ، ثُمَّ جَاءَتْ فَعَرَضْتُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ، فَأَسْلَمَتْ. (دَعْوَتُهُ قَوْمَهِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَمَا كَانَ مِنْهُمْ، وَلِحَاقُهُمْ بِالرَّسُولِ) : ثُمَّ دَعَوْتُ دَوْسًا إلَى الْإِسْلَامِ، فَأَبْطَئُوا عَلَيَّ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إنَّهُ قَدْ غَلَبَنِي على دوس الزّنا [6] ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: اللَّهمّ اهْدِ دَوْسًا، ارْجِعْ إلَى قَوْمِكَ فَادْعُهُمْ وَارْفُقْ بِهِمْ. قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ بِأَرْضِ دَوْسٍ أَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَضَى بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ، ثُمَّ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] زِيَادَة عَن أ، ط. [3] قَالَ السهيليّ: «فَإِن صحت رِوَايَة ابْن إِسْحَاق فالنون قد تبدل من الْمِيم كَمَا قَالُوا: حلان وحلام، للجدى، وَيجوز أَن يكون من حنوت الْعود، وَمن محنية الْوَادي، وَهُوَ مَا انحنى مِنْهُ. [4] زِيَادَة عَن أ، ط. [5] الوشل: المَاء الْقَلِيل. [6] الزِّنَا: لَهو مَعَ شغل قلب وبصر.

(ذهابه إلى ذي الكفين ليحرقه، وشعره في ذلك) :

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ أَسْلَمَ مَعِي مِنْ قَوْمِي، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرِ، حَتَّى نَزَلْتُ الْمَدِينَةَ بِسَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ بَيْتًا مِنْ دَوْسٍ، ثُمَّ لَحِقْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرِ، فَأَسْهَمَ لَنَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ. (ذَهَابُهُ إِلَى ذِي الْكَفَّيْنِ ليحرقه، وشعره فِي ذَلِك) : ثُمَّ لَمْ أَزَلْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إذَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَكَّةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْعَثْنِي إلَى ذِي الْكَفَّيْنِ، صَنَمِ عَمْرِو بْنِ حُمَمَةَ حَتَّى أُحْرِقَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَخَرَجَ إلَيْهِ، فَجَعَلَ طُفَيْلٌ يُوقِدُ عَلَيْهِ النَّارَ وَيَقُولُ: يَا ذَا الْكَفَّيْنِ لَسْتُ مِنْ عُبَّادِكَا [1] ... مِيلَادُنَا أَقْدَمُ مِنْ مِيلَادِكَا إنِّي حَشَوْتُ النَّارَ فِي فُؤَادِكَا (جِهَادُهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ قَبْضِ الرَّسُولِ، ثُمَّ رُؤْيَاهُ وَمَقْتَلُهُ) : قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا ارْتَدَّتْ الْعَرَبُ، خَرَجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَسَارَ مَعَهُمْ حَتَّى فَرَغُوا مِنْ طُلَيْحَةَ، وَمِنْ أَرْضِ نَجْدٍ كُلِّهَا. ثُمَّ سَارَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْيَمَامَةِ، وَمَعَهُ ابْنُهُ عَمْرُو بْنُ الطُّفَيْلِ، فَرَأَى رُؤْيَا وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْيَمَامَةِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: إنِّي قَدْ رَأَيْتُ رُؤْيَا فَاعْبُرُوهَا لِي، رَأَيْتُ أَنَّ رَأْسِي حُلِقَ، وَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ فَمِي طَائِرٌ، وَأَنَّهُ لَقِيَتْنِي امْرَأَةٌ فَأَدْخَلَتْنِي فِي فَرْجِهَا، وَأَرَى ابْنِي يَطْلُبُنِي حَثِيثًا، ثُمَّ رَأَيْتُهُ حُبِسَ عَنِّي، قَالُوا: خَيْرًا، قَالَ: أَمَّا أَنَا وَاَللَّهِ فَقَدْ أَوَّلْتُهَا، قَالُوا: مَاذَا؟ قَالَ: أَمَّا حَلْقُ رَأْسِي فَوَضْعُهُ، وَأَمَّا الطَّائِرُ الَّذِي خَرَجَ مِنْ فَمِي فَرُوحِي، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتِي أَدَخَلَتْنِي فَرْجَهَا فَالْأَرْضُ تُحْفَرُ لِي، فَأُغَيَّبُ فِيهَا، وَأَمَّا طَلَبُ ابْنِي إيَّايَ ثُمَّ حَبْسُهُ عَنِّي، فَإِنِّي أُرَاهُ سَيَجْهَدُ أَنْ يُصِيبَهُ مَا أَصَابَنِي. فَقُتِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ شَهِيدًا بِالْيَمَامَةِ، وَجُرِحَ ابْنُهُ جِرَاحَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ اسْتَبَلَّ [2] مِنْهَا، ثُمَّ قُتِلَ عَامَ الْيَرْمُوكِ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَهِيدًا.

_ [1] قَالَ السهيليّ: قَوْله: « يَا ذَا الْكَفَّيْنِ لست من عبادكا » أَرَادَ: الْكَفَّيْنِ (بِالتَّشْدِيدِ) فَخفف للضَّرُورَة. [2] استبل: أَفَاق وشفى. 25- سيرة ابْن هِشَام- 1

أمر أعشى بنى قيس بن ثعلبة

أَمْرُ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ (شِعْرُهُ فِي مَدْحِ الرَّسُولِ عِنْدَ مَقْدَمِهِ عَلَيْهِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي خَلَّادُ بْنُ قُرَّةَ بْنِ خَالِدِ السَّدُوسِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ مَشَايِخِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ ابْن عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ، فَقَالَ يَمْدَحُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ تَغْتَمِضْ عَيْنَاكَ لَيْلَةَ أَرْمَدَا ... وَبِتَّ كَمَا بَاتَ السَّلِيمُ مُسَهَّدَا [1] وَمَا ذَاكَ مِنْ عِشْقِ النِّسَاءِ وَإِنَّمَا ... تَنَاسَيْتَ قَبْلَ الْيَوْمِ صُحْبَةَ [2] مَهْدَدَا [3] وَلَكِنْ أَرَى الدَّهْرَ الَّذِي هُوَ خَائِنٌ ... إذَا أَصْلَحَتْ كَفَّايَ عَادَ فَأَفْسَدَا كُهُولًا وَشُبَّانًا فَقَدْتُ وَثَرْوَةً ... فَلِلَّهِ هَذَا الدَّهْرُ كَيْفَ تَرَدَّدَا وَمَا زِلْتُ أَبْغِي الْمَالَ مُذْ أَنَا يَافِعٌ ... وَلِيدًا وَكَهْلًا حِينَ شِبْتُ وَأَمْرَدَا [4] وَأَبْتَذِلُ الْعِيسَ الْمَرَاقِيلَ تَغْتَلِي ... مَسَافَةَ مَا بَيْنَ النُّجَيْرِ فَصَرْخَدَا [5] أَلَا أَيُّهَذَا السَّائِلِي أَيْنَ يَمَّمَتْ ... فَإِنَّ لَهَا فِي أَهْلِ يَثْرِبَ مَوْعِدَا [6] فَإِنْ تَسْأَلِي عَنِّي فَيَا رُبَّ سَائِلٍ ... حَفِيٍّ عَنْ الْأَعْشَى بِهِ حَيْثُ أَصْعَدَا [7] أَجَدَّتْ بِرِجْلَيْهَا النَّجَاءَ وَرَاجَعَتْ ... يَدَاهَا خِنَافًا لَيِّنًا غَيْرَ أَحْرَدَا [8]

_ [1] الأرمد: الّذي يشتكي عَيْنَيْهِ من الرمد. والسليم: الملدوغ. والمسهد: الّذي منع من النّوم. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول، وَشرح قصيدة الْأَعْشَى (المخطوط وَالْمَحْفُوظ بدار الْكتب المصرية برقم 1736 أدب) : «خلة» وَكَذَلِكَ فِي شرح للسيرة لأبى ذَر صفحة 110. [3] مهدد: اسْم امْرَأَة، وَهُوَ بِفَتْح الْمِيم، ووزنه: فعلل. [4] اليافع: الّذي قَارب الِاحْتِلَام. [5] العيس: الْإِبِل الْبيض تخالطها حمرَة. والمراقيل: من الإرقال، وَهُوَ السرعة فِي السّير. وتغتلى: يزِيد بَعْضهَا على بعض فِي السّير. والنجير: مَوضِع فِي حَضرمَوْت من الْيمن. وصرخد: مَوضِع بالجزيرة. [6] يممت: قصدت. [7] أصعد: ذهب. [8] النَّجَاء: السرعة. والخناف: أَن تلوي يَديهَا فِي السّير من النشاط. والأحرد: الّذي لَا ينبعث فِي الْمَشْي ويعتقل.

وَفِيهَا إذَا مَا هَجَّرَتْ عَجْرَفِيَّةٌ ... إذَا خِلْتُ حِرْبَاءَ الظَّهِيرَةِ أَصْيَدَا [1] وَآلَيْتُ لَا آوِي [2] لَهَا مِنْ كَلَالَةٍ ... وَلَا مِنْ حَفًى [3] حَتَّى تُلَاقِي مُحَمَّدَا مَتَى مَا تُنَاخِي عِنْدَ بَابِ ابْنِ هَاشِمٍ ... تُرَاحِي وَتَلْقَيْ مِنْ فَوَاضِلِهِ نَدَى [4] نَبِيًّا يَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَذِكْرُهُ ... أَغَارَ لَعَمْرِي فِي الْبِلَادِ وَأَنْجَدَا [5] لَهُ صَدَقَاتٌ مَا تُغِبُّ وَنَائِلٌ ... وَلَيْسَ عَطَاءُ الْيَوْمِ مَانِعَهُ غَدَا [6] أَجِدَّكَ لَمْ تَسْمَعْ وَصَاةَ مُحَمَّدٍ ... نَبِيِّ الْإِلَهِ حَيْثُ أَوْصَى وَأَشْهَدَا إذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادِ مَنْ الْتَقَى ... وَلَاقَيْتَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَنْ قَدْ تَزَوَّدَا نَدِمْتَ عَلَى أَنْ لَا تَكُونَ كَمِثْلِهِ ... فَتُرْصِدَ لِلْأَمْرِ [7] الَّذِي كَانَ أَرْصَدَا [8] فَإِيَّاكَ وَالْمَيْتَاتِ لَا تَقْرَبَنَّهَا ... وَلَا تَأْخُذَنْ سَهْمًا حَدِيدًا لِتُفْصِدَا وَذَا النُّصَبَ [9] الْمَنْصُوبَ لَا تَنْسُكَنَّهُ ... وَلَا تَعْبُدْ الْأَوْثَانَ وَاَللَّهَ فَاعْبُدَا [10]

_ [1] هجرت: مشت فِي الهاجرة، وَهِي القائلة. والحرباء: دويبة أكبر من العظاءة يَدُور بِوَجْهِهِ مَعَ الشَّمْس حَيْثُ دارت. والأصيد: المائل الْعُنُق تكبرا أَو من دَاء أَصَابَهُ. وَلما كَانَ الحرباء يَدُور بِوَجْهِهِ مَعَ الشَّمْس كَيفَ دارت كَانَ فِي وسط السَّمَاء فِي أول الزَّوَال كالأصيد، وَذَلِكَ أحر مَا تكون الرمضاء. يصف نَاقَته بالنشاط وَقُوَّة الْمَشْي فِي ذَلِك الْوَقْت. [2] لَا آوى: لَا أشْفق وَلَا أرْحم. ويروى: لَا أرثى، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. [3] ويروى: «وجى» ، وَهُوَ بِمَعْنى الحفي. [4] كَذَا فِي الْأُصُول. والندى: الْجُود. ويروى: «يدا» . وَالْيَد: النِّعْمَة. [5] أغار: بلغ الْغَوْر، وَهُوَ مَا انخفض من الأَرْض. وأنجد: بلغ النجد، وَهُوَ مَا ارْتَفع من الأَرْض. [6] أَي لَيْسَ الْعَطاء الّذي يُعْطِيهِ الْيَوْم مَانِعا لَهُ غَدا من أَن يُعْطِيهِ، فالهاء عَائِدَة على الممدوح، فَلَو كَانَت عَائِدَة على الْعَطاء لقَالَ: وَلَيْسَ عَطاء الْيَوْم مانعه هُوَ، بإبراز الضَّمِير الْفَاعِل، لِأَن الصّفة إِذا جرت على غير من هِيَ لَهُ برز الضَّمِير الْمُسْتَتر بِخِلَاف الْفِعْل. وَلَو «نصب الْعَطاء» لجَاز على إِضْمَار الْفِعْل الْمَتْرُوك إِظْهَاره، لِأَنَّهُ من بَاب اشْتِغَال الْفِعْل عَن الْمَفْعُول بضميره، وَيكون اسْم لَيْسَ على هَذَا مضمرا فِيهَا عَائِدًا على النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [7] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «للْمَوْت» . [8] أرصد: أعد. [9] كَذَا فِي أ، ط، وَشرح قصيدة الْأَعْشَى. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وَلَا النصب» . [10] وقف على النُّون الْخَفِيفَة بِالْألف هُنَا، وَفِي غير هَذَا من الْأَفْعَال الْآتِيَة، وَقد قيل إِنَّه لم يرد النُّون الْخَفِيفَة، وَإِنَّمَا خَاطب الْوَاحِد بخطاب الِاثْنَيْنِ.

(رجوعه لما علم بتحريم الرسول للخمر، وموته) :

وَلَا تَقْرَبَنَّ حُرَّةً [1] كَانَ سِرُّهَا ... عَلَيْكَ حَرَامًا فَانْكِحَنْ أَوْ تَأَبَّدَا [2] وَذَا الرَّحِمِ الْقُرْبَى فَلَا تَقْطَعَنَّهُ ... لِعَاقِبَةِ وَلَا الْأَسِيرَ الْمُقَيَّدَا وَسَبِّحْ عَلَى حِينِ الْعَشِيَّاتِ وَالضُّحَى ... وَلَا تَحْمَدْ الشَّيْطَانَ وَاَللَّهَ فَاحْمَدَا وَلَا تَسْخَرًا مِنْ بَائِسٍ ذِي ضَرَارَةٍ [3] ... وَلَا تَحْسَبَنَّ الْمَالَ لِلْمَرْءِ مُخْلِدَا (رُجُوعُهُ لَمَّا عَلِمَ بِتَحْرِيمِ الرَّسُولِ لِلْخَمْرِ، وَمَوْتُهُ) : فَلَمَّا كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، اعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَمْرِهِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ جَاءَ يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُسْلِمَ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا بَصِيرٍ، إنَّهُ يُحَرِّمُ الزِّنَا، فَقَالَ الْأَعْشَى: وَاَللَّهِ إنَّ ذَلِكَ لَأَمْرٌ مَا لِي فِيهِ مِنْ أَرَبٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا بَصِيرٍ، فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ الْخَمْرَ، فَقَالَ الْأَعْشَى: أمّا هَذِه فو الله إنَّ فِي النَّفْسِ مِنْهَا لَعُلَالَاتٍ، وَلَكِنِّي مُنْصَرِفٌ فَأَتَرَوَّى مِنْهَا عَامِي هَذَا، ثُمَّ آتِيهِ فَأُسْلِمُ. فَانْصَرَفَ فَمَاتَ فِي عَامِهِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَعُدْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [4] . (ذُلُّ أَبِي جَهْلٍ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ مَعَ عَدَاوَتِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبُغْضِهِ إيَّاهُ، وَشِدَّتِهِ عَلَيْهِ، يُذِلُّهُ اللَّهُ لَهُ إذَا رَآهُ.

_ [1] فِي ط: «جَارة» . [2] السِّرّ: النِّكَاح. وتأبد: تعزب وَبعد عَن النِّسَاء. [3] ذُو ضرارة: مُضْطَر. ويروى: ذُو ضَرُورَة. كَمَا يرْوى: ذُو ضراعة. [4] قَالَ السهيليّ: «وَهَذِه غَفلَة من ابْن هِشَام وَمن قَالَ بقوله، فَإِن النَّاس مجمعون على أَن الْخمر لم ينزل تَحْرِيمهَا إِلَّا بِالْمَدِينَةِ بعد أَن مَضَت بدر وَأحد، وَحرمت فِي سُورَة الْمَائِدَة، وَهِي من آخر مَا نزل. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من ذَلِك قصَّة حَمْزَة حِين شربهَا وغنته الْقَيْنَتَانِ. فَإِن صَحَّ خبر الْأَعْشَى، وَمَا ذكر لَهُ فِي الْخمر، فَلم يكن هَذَا بِمَكَّة، وَإِنَّمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَيكون الْقَائِل لَهُ: «أما علمت أَنه يحرم الْخمر» من الْمُنَافِقين أَو من الْيَهُود. وَفِي القصيدة مَا يدل على هَذَا، وَهُوَ قَوْله: فَإِن لَهَا فِي أهل يثرب موعدا وَقد ألفيت للقالى رِوَايَة عَن أَبى حَاتِم عَن أَبى عُبَيْدَة، قَالَ: لَقِي الْأَعْشَى عَامر بن الطُّفَيْل فِي بِلَاد قيس، وَهُوَ مقبل إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذكر لَهُ أَنه يحرم الْخمر فَرجع. فَهَذَا أولى بِالصَّوَابِ» .

أمر الإراشي الذي باع أبا جهل إبله

أَمْرُ الْإِرَاشِيِّ الَّذِي بَاعَ أَبَا جَهْلٍ إبِلَهُ (مُمَاطَلَةُ أَبِي جَهْلٍ لَهُ، وَاسْتِنْجَادُهُ بِقُرَيْشِ، وَاسْتِخْفَافُهُمْ بِالرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيُّ، وَكَانَ وَاعِيَةً، قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ إرَاشٍ [1]- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: إرَاشَةَ [2]- بِإِبِلِ لَهُ مَكَّةَ، فَابْتَاعَهَا مِنْهُ أَبُو جَهْلٍ، فَمَطَلَهُ بِأَثْمَانِهَا. فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيُّ حَتَّى وَقَفَ عَلَى نَادٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ جَالِسٌ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَنْ رَجُلٌ يُؤَدِّينِي [3] عَلَى أَبِي [4] الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ، فَإِنِّي رَجُلٌ غَرِيبٌ، ابْنُ سَبِيلٍ، وَقَدْ غَلَبَنِي عَلَى حَقِّي؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ: أَتَرَى ذَلِكَ الرَّجُلَ الْجَالِسَ- لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ يَهْزَءُونَ بِهِ لِمَا يَعْلَمُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي جَهْلٍ مِنْ الْعَدَاوَةِ- اذْهَبْ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّيكَ عَلَيْهِ. (إنْصَافُ الرَّسُولِ لَهُ مِنْ أَبِي جَهْلٍ) : فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيُّ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إنَّ أَبَا الْحَكَمِ بْنَ هِشَامٍ قَدْ غَلَبَنِي عَلَى حَقٍّ لِي قِبَلَهُ، وَأَنَا (رَجُلٌ) [5] غَرِيبٌ ابْنُ سَبِيلٍ، وَقَدْ سَأَلْتُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ عَنْ رَجُلٍ يُؤَدِّينِي عَلَيْهِ، يَأْخُذُ لِي حَقِّي مِنْهُ، فَأَشَارُوا لِي إلَيْكَ، فَخُذْ لِي حَقِّي مِنْهُ، يَرْحَمُكَ اللَّهُ، قَالَ: انْطَلِقْ إلَيْهِ، وَقَامَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامَ مَعَهُ. قَالُوا لِرَجُلِ مِمَّنْ مَعَهُمْ: اتْبَعْهُ، فَانْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُ. قَالَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَهُ فَضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ.

_ [1] إراش هُوَ ابْن الْغَوْث، أَو ابْن عَمْرو بن الْغَوْث بن نبت بن مَالك بن زيد بن كهلان بن سبإ، وَهُوَ وَالِد أَنْمَار الّذي ولد بجيلة وخثعم. [2] قَالَ السهيليّ: «وإراشة، الّذي ذكر ابْن هِشَام: بطن من خثعم، وإراشة مَذْكُورَة فِي العماليق فِي نسب فِرْعَوْن صَاحب مصر، وَفِي بلَى أَيْضا بَنو إراشة» . [3] يؤدينى: يُعِيننِي على أَخذ حَقي. [4] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أَبَا» وَهُوَ تَحْرِيف. [5] زِيَادَة عَن أ، ط.

(ما رواه أبو جهل عن سبب خوفه من الرسول) :

فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، فَاخْرُجْ إلَيَّ، فَخَرَجَ إلَيْهِ، وَمَا فِي وَجْهِهِ مِنْ رَائِحَةٍ [1] ، قَدْ اُنْتُقِعَ [2] لَوْنُهُ، فَقَالَ: أَعْطِ هَذَا الرَّجُلَ حَقَّهُ، قَالَ: نَعَمْ، لَا تَبْرَحْ حَتَّى أُعْطِيَهُ الَّذِي لَهُ، قَالَ: فَدَخَلَ، فَخَرَجَ إلَيْهِ بِحَقِّهِ، فَدَفَعَهُ إلَيْهِ. (قَالَ) [3] : ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ لِلْإِرَاشِيِّ: الْحَقْ بِشَأْنِكَ، فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيُّ حَتَّى وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، فَقَالَ: جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، فَقَدْ وَاَللَّهِ أَخَذَ لِي حَقِّي. (مَا رَوَاهُ أَبُو جَهْلٍ عَنْ سَبَبِ خَوْفِهِ مِنْ الرَّسُولِ) : قَالَ: وَجَاءَ الرَّجُلُ الَّذِي بَعَثُوا مَعَهُ، فَقَالُوا: وَيْحَكَ! مَاذَا رَأَيْتُ؟ قَالَ: عَجَبًا مِنْ الْعَجَبِ، وَاَللَّهِ مَا هُوَ إلَّا أَنْ ضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ، فَخَرَجَ إلَيْهِ وَمَا مَعَهُ رُوحُهُ فَقَالَ لَهُ: أَعْطِ هَذَا حَقَّهُ، فَقَالَ: نَعَمْ، لَا تَبْرَحْ حَتَّى أُخْرِجَ إلَيْهِ حَقَّهُ، فَدَخَلَ فَخَرَجَ إلَيْهِ بِحَقِّهِ، فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ. قَالَ: ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَبُو جَهْلٍ أَنْ جَاءَ، فَقَالُوا (لَهُ) [3] وَيْلَكَ! مَا لَكَ؟ وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَنَعْتُ قَطُّ! قَالَ: وَيْحَكُمْ، وَاَللَّهِ مَا هُوَ إلَّا أَنْ ضَرَبَ عَلَيَّ بَابِي، وَسَمِعْتُ صَوْتَهُ، فَمُلِئَتْ رُعْبًا، ثُمَّ خَرَجْتُ إلَيْهِ، وَإِنَّ فَوْقَ رَأْسِهِ لَفَحْلًا مِنْ الْإِبِلِ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَامَتِهِ، وَلَا قَصَرَتِهِ [4] ، وَلَا أَنْيَابِهِ لِفَحْلٍ قَطُّ، وَاَللَّهِ لَوْ أَبَيْتُ لَأَكَلَنِي. أَمْرُ رُكَانَةَ الْمُطَّلِبِيِّ وَمُصَارَعَتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (غَلَبَةُ النَّبِيِّ لَهُ، وَآيَةُ الشَّجْرَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، قَالَ: كَانَ رُكَانَةُ [5]

_ [1] أَي بَقِيَّة روح، فَكَأَن مَعْنَاهُ: روح بَاقِيَة، فَلذَلِك جَاءَ بِهِ على وزن فاعلة. وَالدَّلِيل على أَنه أَرَادَ معنى الرّوح، وَإِن جَاءَ بِهِ على بِنَاء فاعلة، مَا جَاءَ فِي آخر الحَدِيث: خرج إِلَى وَمَا عِنْده روحه. وَقيل يُرِيد: مَا فِي وَجهه قَطْرَة من دم. [2] انتقع لَونه: تغير. ويروى: امتقع، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. [3] زِيَادَة عَن أ. [4] القصرة: أصل الْعُنُق. [5] توفى ركَانَة فِي خلَافَة مُعَاوِيَة، وَهُوَ الّذي طلق امْرَأَته الْبَتَّةَ، فَسَأَلَهُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أمر وفد النصارى الذين أسلموا

ابْن عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَشَدَّ قُرَيْشٍ، فَخَلَا يَوْمًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ شِعَابِ مَكَّةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رُكَانَةُ، أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ وَتَقْبَلُ مَا أَدْعُوكَ إلَيْهِ؟ قَالَ: إنِّي لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي تَقُولُ حَقٌّ لَاتَّبَعْتُكَ، فَقَالَ (لَهُ) [1] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفَرَأَيْتَ إنْ صَرَعْتُكَ، أَتَعْلَمُ أَنَّ مَا أَقُولُ حَقٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَقُمْ حَتْي أُصَارِعَكَ. قَالَ: فَقَامَ إلَيْهِ رُكَانَةُ يُصَارِعُهُ، فَلَمَّا بَطَشَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَضْجَعَهُ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: عُدْ يَا مُحَمَّدُ، فَعَادَ فَصَرَعَهُ، فَقَالَ- يَا مُحَمَّدُ، وَاَللَّهِ إنَّ هَذَا لَلْعَجْبُ، أَتَصْرَعُنِي! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ إنْ شِئْتَ أَنْ أُرِيَكَهُ، إنْ اتَّقَيْتَ اللَّهَ وَاتَّبَعْتَ أَمْرِي، قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: أَدْعُو لَكَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ الَّتِي تَرَى فَتَأْتِينِي، قَالَ: اُدْعُهَا، فَدَعَاهَا، فَأَقْبَلَتْ حَتَّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَقَالَ لَهَا: ارْجِعِي إلَى مَكَانِكَ. قَالَ: فَرَجَعَتْ إلَى مَكَانِهَا. قَالَ: فَذَهَبَ رُكَانَةُ إلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، سَاحِرُوا بِصَاحِبِكُمْ أهل الأَرْض، فو الله مَا رَأَيْتُ أَسْحَرَ مِنْهُ قَطُّ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِاَلَّذِي رَأَى وَاَلَّذِي صَنَعَ. أَمْرُ وَفْدِ النَّصَارَى الَّذِينَ أَسْلَمُوا (مُحَاوَلَةُ أَبِي جَهْلٍ رَدَّهَمُ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَإِخْفَاقِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِمَكَّةَ، عِشْرُونَ رَجُلًا أَوْ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ النَّصَارَى، حِينَ بَلَغَهُمْ خَبَرُهُ مِنْ الْحَبَشَةِ، فَوَجَدُوهُ فِي الْمَسْجِدِ، فَجَلَسُوا إلَيْهِ وَكَلَّمُوهُ وَسَأَلُوهُ، وَرِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي أَنْدِيَتِهِمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ مَسْأَلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا أَرَادُوا، دَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَلَا عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ. فَلَمَّا سَمِعُوا

_ [ () ] عَن نِيَّته. فَقَالَ: إِنَّمَا أردْت وَاحِدَة، فَردهَا عَلَيْهِ. وَمن حَدِيثه عَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ: «إِن لكل دين خلقا وَخلق هَذَا الدَّين الْحيَاء» . ولابنه يزِيد بن ركَانَة صُحْبَة أَيْضا. [1] زِيَادَة عَن أ، ط.

(مواطنهم وما نزل فيهم من القرآن) :

الْقُرْآنَ فَاضَتْ أَعَيْنُهُمْ مِنْ الدَّمْعِ، ثُمَّ اسْتَجَابُوا للَّه [1] ، وَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ، وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا كَانَ يُوصَفُ لَهُمْ فِي كِتَابِهِمْ مِنْ أَمْرِهِ. فَلَمَّا قَامُوا عَنْهُ اعْتَرَضَهُمْ أَبُو جَهْلِ ابْن هِشَامٍ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا لَهُمْ: خَيَّبَكُمْ اللَّهُ مِنْ رَكْبٍ! بَعَثَكُمْ مَنْ وَرَاءَكُمْ مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ تَرْتَادُونَ لَهُمْ لِتَأْتُوهُمْ بِخَبَرِ الرَّجُلِ، فَلَمْ تَطْمَئِنَّ مَجَالِسُكُمْ عِنْدَهُ، حَتَّى فَارَقْتُمْ دِينَكُمْ وَصَدَّقْتُمُوهُ بِمَا قَالَ، مَا نَعْلَمُ رَكْبًا أَحْمَقَ مِنْكُمْ. أَوْ كَمَا قَالُوا. فَقَالُوا لَهُمْ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، لَا نُجَاهِلُكُمْ، لَنَا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، وَلَكُمْ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ، لَمْ نَأْلُ أَنْفُسَنَا خَيْرًا [2] . (مَوَاطِنُهُمْ وَمَا نَزَلَ فِيهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ) : وَيُقَالُ: إنَّ النَّفَرَ مِنْ النَّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ، فاللَّه أَعْلَمُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ. فَيُقَالُ- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- فِيهِمْ نَزَلَتْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ. وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ، إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا، إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ 28: 52- 53 ... إلَى قَوْلِهِ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ 28: 55. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ سَأَلْتُ ابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ عَنْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ فِيمَنْ أُنْزِلْنَ فَقَالَ لِي: مَا أَسْمَعُ مِنْ عُلَمَائِنَا أَنَّهُنَّ أُنْزِلْنَ فِي النَّجَاشِيِّ وَأَصْحَابِهِ. وَالْآيَةُ مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ مِنْ قَوْلِهِ: ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً، وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ 5: 82 ... إلَى قَوْلِهِ: فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ 5: 83. (تَهَكُّمُ الْمُشْرِكِينَ بِمَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَنُزُولُ آيَاتٍ فِي ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ، فَجَلَسَ إلَيْهِ الْمُسْتَضْعَفُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ: خَبَّابٌ، وَعَمَّارٌ، وَأَبُو فَكِيهَةَ يَسَارٌ مَوْلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ مُحَرِّثٍ، وَصُهَيْبٌ، وَأَشْبَاهُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، هَزِئَتْ بِهِمْ قُرَيْشٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ:: هَؤُلَاءِ أَصْحَابُهُ كَمَا تَرَوْنَ، أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا بِالْهُدَى وَالْحَقِّ! لَوْ كَانَ مَا جَاءَ بَهْ مُحَمَّدٌ خَيْرًا مَا سَبَقَنَا هَؤُلَاءِ إلَيْهِ،

_ [1] فِي أ: «ثمَّ اسْتَجَابُوا لَهُ» . [2] أَي نقصرها عَن بُلُوغ الْخَيْر. يُقَال: مَا ألوت أَن أَفعلهُ كَذَا وَكَذَا أَي مَا قصرت.

(ادعاء المشركين على النبي بتعليم جبر له، وما أنزل الله في ذلك) :

وَمَا خَصَّهُمْ اللَّهُ بِهِ دُونَنَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ، مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ، وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ، وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا، أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ. وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا، فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ 6: 52- 54 (ادِّعَاءُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى النَّبِيِّ بِتَعْلِيمِ جَبْرٍ لَهُ، وَمَا أَنَزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ) : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي- كَثِيرًا مَا يَجْلِسُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ إلَى مَبْيَعَةِ غُلَامٍ نَصْرَانِيٍّ، يُقَالُ لَهُ: جَبْرٌ، عَبْدٌ لِبَنِي الْحَضْرَمِيِّ، فَكَانُوا يَقُولُونَ: وَاَللَّهِ مَا يُعَلِّمُ مُحَمَّدًا كَثِيرًا مِمَّا يَأْتِي بَهْ إلَّا جَبْرٌ النَّصْرَانِيُّ، غُلَامُ بَنِي الْحَضْرَمِيِّ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ، وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ 16: 103. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُلْحِدُونَ إلَيْهِ: يَمِيلُونَ إلَيْهِ. وَالْإِلْحَادُ: الْمَيْلُ عَنْ الْحَقِّ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ: إذَا تَبِعَ الضَّحَّاكَ كُلُّ مُلْحِدٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَعْنِي الضَّحَّاكَ الْخَارِجِيَّ، وَهَذَا الْبَيْت فِي أُرْجُوزَةٌ لَهُ. نُزُولُ سُورَةِ الْكَوْثَرِ (مَقَالَةُ الْعَاصِ فِي الرَّسُولِ، وَنُزُولُ سُورَةِ الْكَوْثَرِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ- فِيمَا بَلَغَنِي- إذَا ذُكِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: دَعُوهُ، فَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ أَبْتَرُ لَا عَقِبَ لَهُ، لَوْ مَاتَ لَانْقَطَعَ ذِكْرُهُ وَاسْتَرَحْتُمْ مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ 108: 1 مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. وَالْكَوْثَرُ: الْعَظِيمُ.

(صاحبا ملحوب والرداع) :

(صَاحِبَا مَلْحُوبٍ وَالرِّدَاعِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ الْكِلَابِيُّ: وَصَاحِبُ مَلْحُوبٍ [1] فُجِعْنَا بِيَوْمِهِ [2] ... وَعِنْدَ الرِّدَاعِ [3] بَيْتُ آخِرَ كَوْثَرِ يَقُولُ: عَظِيمٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَصَاحِبُ مَلْحُوبٍ: عَوْفُ بْنُ الْأَحْوَصِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ، مَاتَ بِمَلْحُوبِ. وَقَوْلُهُ: « وَعِنْدَ الرِّدَاعِ بَيْتُ آخِرَ كَوْثَرِ » : يَعْنِي شُرَيْحَ بْنَ الْأَحْوَصِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ [4] ، مَاتَ بِالرِّدَاعِ. وَكَوْثَرٌ: أَرَادَ: الْكَثِيرَ. وَلَفْظُهُ مُشْتَقٌّ مِنْ لَفْظِ الْكَثِيرِ. قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ يَمْدَحُ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ: وَأَنْتَ كَثِيرٌ يَا بْنَ مَرْوَانَ طَيِّبٌ ... وَكَانَ أَبُوكَ ابْنُ الْعَقَائِلِ كَوْثَرَا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي عَائِذٍ الْهُذَلِيُّ يَصِفُ حِمَارَ وَحْشٍ: يُحَامِي الْحَقِيقَ إذَا مَا احْتَدَمْنَ ... وحَمْحَمْنَ فِي كَوْثَرٍ كَالْجِلَالْ [5] يَعْنِي بِالْكَوْثَرِ: الْغُبَارَ الْكَثِيرَ، شَبَّهَهُ لِكَثْرَتِهِ عَلَيْهِ بِالْجِلَالِ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكَوْثَرِ مَا هُوَ؟ فَأَجَابَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرٍو- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو [6]

_ [1] ملحوب: اسْم مَاء لبني أَسد بن خُزَيْمَة، وَقيل: قَرْيَة لبني عبد الله بن الدول بن حنيفَة بِالْيَمَامَةِ. [2] فِي مُعْجم الْبلدَانِ عِنْد الْكَلَام على «ملحوب» و «رداع» : بِمَوْتِهِ. وَكَذَلِكَ فِي اللِّسَان. [3] الرداع: مَاء لبني الْأَعْرَج بن كَعْب. [4] ذهب ياقوت فِي مُعْجَمه عِنْد الْكَلَام على «الرداع» إِلَى أَن الّذي مَاتَ بالرداع هُوَ عَوْف. [5] كَذَا ورد هَذَا الْبَيْت فِي لِسَان الْعَرَب (مَادَّة كثر) . والحقيق: حُرْمَة الْإِنْسَان وَمَا يحميه، وَيُرِيد بِهِ هُنَا أتانه. والجلال: جمع جلّ (بِالضَّمِّ وَالْفَتْح) ، وَهُوَ مَا تلبسه الدَّابَّة لتصان بِهِ. وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي الأَصْل: يحمى الْحقيق، إِذا مَا احتدمن ... حمحم فِي كوثر كالجلال واحتدمن: أسر عَن الجرى فأكثرته. [6] فِي الْأُصُول: «جَعْفَر بن جَعْفَر بن عَمْرو بن عَمْرو بن أُميَّة الضمريّ» وَالْمَعْرُوف أَن جَعْفَر بن عَمْرو الّذي يرْوى عَنهُ ابْن إِسْحَاق هُوَ هَذَا الّذي أَثْبَتْنَاهُ والّذي كَانَت وَفَاته سنة 96 هـ. وبعيد أَن يكون مَا ذهبت إِلَيْهِ الْأُصُول صَحِيحا، إِذْ لَو صَحَّ هَذَا لكَانَتْ وَفَاة جَعْفَر الّذي ذهبت إِلَيْهِ الْأُصُول فِي حُدُود سنة 200 أَي بعد وَفَاة ابْن إِسْحَاق، وَيظْهر أَن مَا زَاد فِي النّسَب جَاءَ مقحما من النساخ. (رَاجع الْأَنْسَاب للسمعاني والطبري وتهذيب التَّهْذِيب وتراجم رجال) .

نزول وقالوا لولا أنزل عليه ملك 6: 8

ابْن أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ أَخِي مُحَمَّدِ (بْنِ مُسْلِمِ) [1] بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ؟ قَالَ: نَهْرٌ كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ إلَى أَيْلَةَ [2] ، آنِيَتُهُ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ، تَرِدُهُ طُيُورٌ لَهَا أَعْنَاقٌ كَأَعْنَاقِ الْإِبِلِ. قَالَ: يَقُولُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنَّهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَنَاعِمَةٌ، قَالَ: آكِلُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ سَمِعْتُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَا يَظْمَأُ أَبَدًا. نُزُولُ وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ 6: 8 (مَقَالَةُ زَمْعَةَ وَصَحْبِهِ، وَنُزُولُ هَذِهِ الْآيَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ إلَى الْإِسْلَامِ، وَكَلَّمَهُمْ فَأَبْلَغَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ (لَهُ) [3] زَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ، وَأُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ: لَوْ جُعِلَ مَعَكَ يَا مُحَمَّدُ مَلَكٌ يُحَدِّثُ عَنْكَ النَّاسَ وَيُرَى [4] مَعَكَ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ، وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ، وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا، وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ 6: 8- 9. نُزُولُ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ 6: 10 (مَقَالَةُ الْوَلِيدِ وَصَحْبِهِ، وَنُزُولُ هَذِهِ الْآيَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي- بِالْوَلِيدِ

_ [1] زِيَادَة عَن أ، ط. [2] أَيْلَة: هِيَ الْعقبَة الْآن. [3] زِيَادَة عَن أ. [4] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ويروى» .

ذكر الإسراء والمعراج

ابْن الْمُغِيرَةِ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَبِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، فَهَمَزُوهُ [1] وَاسْتَهْزَءُوا بِهِ، فَغَاظَهُ ذَلِكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ، فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ 6: 10 ذِكْرُ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيِّ قَالَ: ثُمَّ أُسْرِيَ [2] بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ مِنْ إيلِيَاء [3] ، وَقَدْ فَشَا الْإِسْلَامُ بِمَكَّةَ فِي قُرَيْشٍ، وَفِي الْقَبَائِلِ كُلِّهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: كَانَ مِنْ الْحَدِيثِ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ مَسْرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ (الْبَصْرِيِّ) ، وَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأُمِّ هَانِئِ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، مَا اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، كُلٌّ يُحَدِّثُ عَنْهُ بَعْضَ مَا ذُكِرَ مِنْ أَمْرِهِ حِينَ أُسْرِيَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ فِي مَسْرَاهُ، وَمَا ذُكِرَ عَنْهُ بَلَاءٌ وَتَمْحِيصٌ، وَأَمْرٌ مِنْ أَمْرِ

_ [1] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فَغَمَزُوهُ وهمزوه ... إِلَخ» . [2] قَالَ السهيليّ: «اتّفقت الروَاة على تَسْمِيَته إسراء وَلم يسمه أحد مِنْهُم «سرى» وَإِن كَانَ أهل اللُّغَة قد قَالُوا: سرى وَأسرى، بِمَعْنى وَاحِد، فَدلَّ على أَن أهل اللُّغَة لم يحققوا الْعبارَة، وَذَلِكَ أَن الْقُرَّاء لم يَخْتَلِفُوا فِي التِّلَاوَة من قَوْله: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ 17: 1. وَلم يقل: سرى، وَقَالَ: اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ 89: 4. وَلم يقل: «يسرى» فَدلَّ على أَن «السّري» من «سريت» إِذا سرت لَيْلًا وَهِي مُؤَنّثَة تَقول: طَالَتْ سراك اللَّيْلَة والاسراء مُتَعَدٍّ فِي الْمَعْنى، وَلَكِن حذف مَفْعُوله كثيرا حَتَّى ظن أهل اللُّغَة أَنَّهُمَا بِمَعْنى وَاحِد لما رأوهما غير متعديين إِلَى مفعول فِي اللَّفْظ، وَإِنَّمَا «أَسْرى بِعَبْدِهِ 17: 1» : أَي جعل الْبراق يسرى كَمَا تَقول: أمضيته أَي جعلته يمضى. لَكِن كثر حذف الْمَفْعُول لقُوَّة الدّلَالَة عَلَيْهِ أَو للاستغناء عَن ذكره، إِذْ الْمَقْصُود بالْخبر ذكر مُحَمَّد لَا ذكر الدَّابَّة الَّتِي سَارَتْ بِهِ، وَجَاز فِي قصَّة لوط عَلَيْهِ السَّلَام أَن يُقَال لَهُ: «فَأسر بأهلك» أَي سر بهم، وَأَن يقْرَأ: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ 11: 81 بِالْقطعِ، أَي فَأسر بهم مَا يتحملون عَلَيْهِ من دَابَّة أَو نَحْوهَا، وَلم يتَصَوَّر ذَلِك فِي السّري بالنبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ لَا يجوز أَن يُقَال: «سرى بِعَبْدِهِ» بِوَجْه من الْوُجُوه، فَلذَلِك لم تأت التِّلَاوَة إِلَّا بِوَجْه وَاحِد فِي هَذِه الْقِصَّة» . [3] إيلياء (بِكَسْر أَوله وَاللَّام وياء وَألف ممدودة) : مَدِينَة بَيت الْمُقَدّس.

(رواية عبد الله بن مسعود عن مسراه صلى الله عليه وسلم) :

اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) [1] فِي قُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، فِيهِ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَهُدًى وَرَحْمَةٌ وَثَبَاتٌ لِمَنْ آمَنَ وَصَدَّقَ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى يَقِينٍ، فَأَسْرَى بَهْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَيْفَ شَاءَ، لِيُرِيَهُ مِنْ آيَاتِهِ مَا أَرَادَ، حَتَّى عَايَنَ مَا عَايَنَ مِنْ أَمْرِهِ وَسُلْطَانِهِ الْعَظِيمِ، وَقُدْرَتِهِ الَّتِي يَصْنَعُ بِهَا مَا يُرِيدُ. (رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ مَسْرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ- فِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُ- يَقُولُ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبُرَاقِ- وَهِيَ الدَّابَّةُ الَّتِي كَانَتْ تُحْمَلُ عَلَيْهَا الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ، تَضَعُ حَافِرَهَا فِي مُنْتَهَى طَرْفِهَا- فَحُمِلَ عَلَيْهَا، ثُمَّ خَرَجَ بِهِ صَاحِبُهُ، يَرَى الْآيَاتِ فِيمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى انْتَهَى إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَوَجَدَ فِيهِ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ وَمُوسَى وَعِيسَى فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ قَدْ جُمِعُوا لَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ. ثُمَّ أُتِيَ بِثَلَاثَةِ آنِيَةٍ، إنَاءٌ فِيهِ لَبَنٌ، وَإِنَاءٌ فِيهِ خَمْرٌ، وَإِنَاءٌ فِيهِ مَاءٌ. (قَالَ) [1] . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَسَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ حِينَ عُرِضَتْ عَلَيَّ: إنْ أَخَذَ الْمَاءَ غَرِقَ وَغَرِقَتْ أُمَّتُهُ، وَإِنْ أَخَذَ الْخَمْرَ غَوَى وَغَوَتْ أُمَّتُهُ، وَإِنْ أَخَذَ اللَّبَنَ هُدِيَ وَهُدِيَتْ أُمَّتُهُ. قَالَ: فَأَخَذْتُ إنَاءَ اللَّبَنِ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ، فَقَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: هُدِيتَ وَهُدِيَتْ أُمَّتُكَ يَا مُحَمَّدُ. (حَدِيثُ الْحَسَنِ عَنْ مَسْرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدِّثْتُ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ، إذْ جَاءَنِي جِبْرِيلُ، فَهَمَزَنِي بِقَدَمِهِ، فَجَلَسْتُ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، فَعُدْتُ إلَى مَضْجَعِي، فَجَاءَنِي الثَّانِيَةَ فَهَمَزَنِي بِقَدَمِهِ، فَجَلَسْتُ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، فَعُدْتُ إلَى مَضْجَعِي، فَجَاءَنِي الثَّالِثَةَ فَهَمَزَنِي بِقَدَمِهِ، فَجَلَسْتُ، فَأَخَذَ بِعَضُدِي، فَقُمْتُ مَعَهُ، فَخَرَجَ (بِي) [1] إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَإِذَا دَابَّةٌ أَبْيَضُ، بَيْنَ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، فِي فَخِذَيْهِ جَنَاحَانِ يَحْفِزُ [2] بِهِمَا رِجْلَيْهِ، يَضَعُ يَدَهُ فِي مُنْتَهَى طَرْفِهِ، فَحَمَلَنِي عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ مَعِي لَا يَفُوتُنِي وَلَا أَفُوتُهُ.

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] يحفز: يدْفع.

(حديث قتادة عن مسراه صلى الله عليه وسلم) :

(حَدِيثُ قَتَادَةَ عَنْ مَسْرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدِّثْتُ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ لِأَرْكَبَهُ شَمَسَ [1] ، فَوَضَعَ جِبْرِيلُ يَدَهُ عَلَى مَعْرَفَتِهِ [2] ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تَسْتَحِي يَا بُرَاقُ [3] مِمَّا تصنع، فو الله مَا رَكِبَكَ عَبْدٌ للَّه قَبْلَ مُحَمَّدٍ أَكْرَمُ عَلَيْهِ [4] مِنْهُ. قَالَ: فَاسْتَحْيَا حَتَّى ارْفَضَّ [5] عَرَقًا، ثُمَّ قَرَّ حَتَّى رَكِبْتُهُ (عَوْدٌ إلَى حَدِيثِ الْحَسَنِ، عَنْ مَسْرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَبَبُ تَسْمِيَةِ أَبِي بَكْرٍ: الصِّدِّيقَ) : قَالَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ: فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَضَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَهُ، حَتَّى انْتَهَى بِهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَوَجَدَ فِيهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، فَأَمَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهِمْ، ثُمَّ أُتِيَ بِإِنَاءَيْنِ، فِي أَحَدِهِمَا خَمْرٌ، وَفِي الْآخَرِ لَبَنٌ. قَالَ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَاءَ اللَّبَنِ، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَتَرَكَ إنَاءَ الْخَمْرِ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: هُدِيتَ لِلْفِطْرَةِ، وَهُدِيَتْ أُمَّتُكَ يَا مُحَمَّدُ، وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْخَمْرُ. ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ. فَقَالَ أَكْثَرُ النَّاسِ: هَذَا وَاَللَّهِ الْإِمْرُ [6] الْبَيِّنُ، وَاَللَّهِ إنَّ الْعِيرَ لَتُطْرَدُ، شَهْرًا مِنْ مَكَّةَ إلَى الشَّامِ مُدْبِرَةً، وَشَهْرًا مُقْبِلَةً، أَفَيَذْهَبُ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَرْجِعُ إلَى مَكَّةَ! قَالَ: فَارْتَدَّ كَثِيرٌ مِمَّنْ كَانَ أَسْلَمَ، وَذَهَبَ النَّاسُ إلَى أَبِي بَكْرٍ،

_ [1] يُقَال: شمس الْفرس: إِذا لم يُمكن أحدا من ظَهره وَلَا من الإسراج والإلجام، وَلَا يكَاد يسْتَقرّ. [2] الْمعرفَة: اللَّحْم الّذي ينْبت عَلَيْهِ شعر الْعرف. [3] قَالَ السهيليّ فِي التَّعْلِيق على شماس الْبراق وَقَول جِبْرِيل لَهُ: أما تَسْتَحي ... إِلَخ «فقد قيل فِي نفرته مَا قَالَ ابْن بطال فِي شرح الْجَامِع الصَّحِيح، قَالَ: كَانَ ذَلِك لبعد عهد الْبراق بالأنبياء وَطول الفترة بَين عِيسَى وَمُحَمّد عَلَيْهِمَا السَّلَام. وروى غَيره فِي ذَلِك سَببا آخر، قَالَ فِي رِوَايَته فِي حَدِيث الْإِسْرَاء: قَالَ جِبْرِيل لمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حِين شمس بِهِ الْبراق: لَعَلَّك يَا مُحَمَّد مسست الصَّفْرَاء الْيَوْم فَأخْبرهُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه مَا مَسهَا إِلَّا أَنه مر بهَا، فَقَالَ: تَبًّا لمن يعبدك من دون الله، وَمَا مَسهَا إِلَّا لذَلِك» . والصفراء: صنم بعضه من ذهب، كسرهَا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْفَتْح. [4] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «على الله» . [5] ارْفض: سَالَ وترشش. [6] الإمر (بِكَسْر الْهمزَة) : العجيب الْمُنكر.

(حديث عائشة عن مسراه صلى الله عليه وسلم) :

فَقَالُوا لَهُ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ فِي صَاحِبِكَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَصَلَّى فِيهِ وَرَجَعَ إلَى مَكَّةَ. قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ أَبُو بَكْرٍ: إنَّكُمْ تَكْذِبُونَ عَلَيْهِ، فَقَالُوا بَلَى، هَا هُوَ ذَاكَ فِي الْمَسْجِدِ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاَللَّهِ لَئِنْ كَانَ قَالَهُ لَقَدْ صَدَقَ، فَمَا يُعْجِبُكُمْ من ذَلِك! فو الله إنَّهُ لَيُخْبِرُنِي أَنَّ الْخَبَرَ لَيَأْتِيهِ (مِنْ اللَّهِ) [1] مِنْ السَّمَاءِ إلَى الْأَرْضِ فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَأُصَدِّقُهُ، فَهَذَا أَبْعَدُ [2] مِمَّا تَعْجَبُونَ مِنْهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَحَدَّثْتَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ أَنَّكَ جِئْتَ بَيْتَ [3] الْمَقْدِسِ هَذِهِ اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَصِفْهُ لِي، فَإِنِّي قَدْ جِئْتُهُ- قَالَ الْحَسَنُ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَرُفِعَ لِي حَتَّى نَظَرْتُ إلَيْهِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصِفُهُ لِأَبِي بَكْرٍ، وَيَقُولُ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ، أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، كَلَمَّا وَصَفَ لَهُ مِنْهُ شَيْئًا، قَالَ: صَدَقْتَ، أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، حَتَّى (إذَا) [1] انْتَهَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ: وَأَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، فَيَوْمَئِذٍ سَمَّاهُ الصِّدِّيقَ. قَالَ الْحَسَنُ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَنْ ارْتَدَّ عَنْ إسْلَامِهِ لِذَلِكَ: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ، وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ، وَنُخَوِّفُهُمْ، فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً 17: 60. فَهَذَا حَدِيثُ الْحَسَنِ عَنْ مَسْرَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَا دَخَلَ فِيهِ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ. (حَدِيثُ عَائِشَةَ عَنْ مَسْرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ: مَا فُقِدَ جَسَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَسْرَى بِرُوحِهِ.

_ [1] زِيَادَة عَن أ، ط. [2] فِي ط: «أعجب» . [3] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أتيت الْمُقَدّس» .

(حديث معاوية عن مسراه صلى الله عليه وسلم) :

(حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ عَنْ مَسْرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ مَسْرَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَانَتْ رُؤْيَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى صَادِقَةً. (جَوَازُ أَنْ يَكُونَ الْإِسْرَاءُ رُؤْيَا) : فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا، لِقَوْلِ الْحَسَنِ: إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ، قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ 17: 60، وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْخَبَرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إذْ قَالَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ 37: 102 ثُمَّ مَضَى عَلَى ذَلِكَ. فَعَرَفْتُ أَنَّ الْوَحْيَ مِنْ اللَّهِ يَأْتِي الْأَنْبِيَاءَ أَيْقَاظًا وَنِيَامًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي- يَقُولُ: تَنَامُ عَيْنَايَ وَقَلْبِي يَقْظَانُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ قَدْ جَاءَهُ، وَعَايَنَ فِيهِ مَا عَايَنَ، مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، عَلَى أَيِّ حَالَيْهِ كَانَ: نَائِمًا، أَوْ يَقْظَانَ، كُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ وَصِدْقٌ. (وَصْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَعَمَ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ لِأَصْحَابِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى حِينَ رَآهُمْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَقَالَ: أَمَّا إبْرَاهِيمُ، فَلَمْ أَرَ رَجُلًا أَشْبَهَ (قَطُّ) [1] بِصَاحِبِكُمْ، وَلَا صَاحِبُكُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنْهُ، وَأَمَّا مُوسَى فَرَجُلٌ آدَمُ طَوِيلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ أَقْنَى [2] كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ [3] ، وَأَمَّا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، فَرَجُلٌ أَحْمَرُ، بَيْنَ الْقَصِيرِ وَالطَّوِيلِ، سَبْطُ الشَّعَرِ، كَثِيرُ خِيلَانِ [4] الْوَجْهِ، كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ [5] ، تَخَالُ رَأْسَهُ يَقْطُرُ مَاءً، وَلَيْسَ بِهِ مَاءٌ، أَشْبَهُ رِجَالِكُمْ بِهِ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ.

_ [1] زِيَادَة عَن ط. [2] الضَّرْب من الرِّجَال: الْخَفِيف اللَّحْم. والجعد: المتكسر الشّعْر، والأقنى: الْمُرْتَفع قَصَبَة الْأنف. [3] شنُوءَة، قَبيلَة من الأزد. [4] الخيلان: جمع خَال، وَهُوَ الشامة السَّوْدَاء. [5] الديماس (بِالْفَتْح وَيكسر) : الْحمام.

(وصف على لرسول الله صلى الله عليه وسلم) :

(وَصْفُ عَلِيٍّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَتْ صِفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا- ذَكَرَ عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، إذَا نَعَتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ [1] ، وَلَا الْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ. وَكَانَ رَبْعَةً مِنْ الْقَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ [2] وَلَا السَّبِطِ، كَانَ جَعْدًا رَجِلًا [3] ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ [4] وَلَا الْمُكَلْثَمِ [5] ، وَكَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبًا، أَدْعَجَ [6] الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبَ [7] الْأَشْفَارِ، جَلِيلَ الْمُشَاشِ [8] وَالْكَتَدِ [9] ، دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ [10] ، أَجْرَدَ [11] شَثْنِ [12] الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، إذَا مَشَى تَقَلَّعَ [13] ، كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ [14] ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [15] خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، أَجْوَدُ النَّاسِ كَفًّا، وَأَجْرَأُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً [16] ، وَأَوْفَى النَّاسِ ذِمَّةً [17] ، وَأَلْيَنُهُمْ

_ [1] كَذَا فِي الْأُصُول، ويروى: «الممعط» بِالْعينِ الْمُهْملَة، والممغط والممعط: الممتد. وَقيل: الممعط (بِالْعينِ الْمُهْملَة) : المضطرب الْخلق. [2] القطط: الشَّديد جعودة الشّعْر. [3] رجلا: مسرح الشّعْر. [4] المطهم: الْعَظِيم الْجِسْم. [5] المكلثم: المستدير الْوَجْه فِي صغر. [6] الأدعج: الْأسود الْعَينَيْنِ. [7] أهدب الأشفار: طويلها. [8] المشاش: عِظَام رُءُوس المفاصل. [9] الكتد (بِفتْحَتَيْنِ وبفتح فَكسر) : مَا بَين الْكَتِفَيْنِ. [10] المسربة: الشّعْر الّذي يَمْتَد من الصَّدْر إِلَى السُّرَّة. [11] الأجرد: الْقَلِيل شعر الْجِسْم. [12] الشثن: الغليظ. [13] تقلع: لم يثبت قَدَمَيْهِ. [14] الصبب: مَا انحدر من الأَرْض. [15] زِيَادَة عَن أ، ط. [16] أصل اللهجة: طرف اللِّسَان، ويكنى بِصدق اللهجة عَن الصدْق. [17] الذِّمَّة: الْعَهْد. 26- سيرة ابْن هِشَام- 1

(حديث أم هانئ عن مسراه صلى الله عليه وسلم) :

عَرِيكَةً [1] ، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً [2] هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ أَحَبَّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ عَنْ مَسْرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ أُمِّ هَانِئِ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَاسْمُهَا هِنْدٌ، فِي مَسْرَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: مَا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا وَهُوَ فِي بَيْتِي، نَامَ [3] عِنْدِي تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي بَيْتِي، فَصَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ نَامَ وَنِمْنَا، فَلَمَّا كَانَ قُبَيْلَ الْفَجْرِ أَهَبَّنَا [4] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، قَالَ: يَا أُمَّ هَانِئٍ، لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَكُمْ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ كَمَا رَأَيْتِ بِهَذَا الْوَادِي، ثُمَّ جِئْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَصَلَّيْتُ فِيهِ، ثُمَّ قَدْ صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْغَدَاةِ مَعَكُمْ الْآنَ كَمَا تَرَيْنَ، ثُمَّ قَامَ لِيَخْرُجَ، فَأَخَذْتُ بِطَرَفِ رِدَائِهِ، فَتَكَشَّفَ عَنْ بَطْنِهِ كَأَنَّهُ قُبْطِيَّةٌ [5] مَطْوِيَّةٌ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَا تُحَدِّثْ بِهَذَا النَّاسَ فَيُكَذِّبُوكَ وَيُؤْذُوكَ، قَالَ: وَاَللَّهِ لِأُحَدِّثَنَّهُمُوهُ. قَالَتْ: فَقُلْتُ لِجَارِيَةٍ لِي حَبَشِيَّةٍ: وَيْحَكَ اتْبَعِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَسْمَعِي مَا يَقُولُ لِلنَّاسِ، وَمَا يَقُولُونَ لَهُ. فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى النَّاسِ أَخْبَرَهُمْ، فَعَجِبُوا وَقَالُوا: مَا آيَةُ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَإِنَّا لَمْ نَسْمَعْ بِمِثْلِ هَذَا قَطُّ، قَالَ: آيَةُ ذَلِكَ أَنِّي مَرَرْتُ بِعِيرِ بَنِي فُلَانٍ بِوَادِي كَذَا وَكَذَا، فَأَنْفَرَهُمْ حسّ الدابّة، فندلّهم بَعِيرٌ، فَدَلَلْتُهُمْ عَلَيْهِ، وَأَنَا مُوَجَّهٌ إلَى الشَّامِ. ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى إذَا كُنْتُ بِضَجَنَانَ [6] مَرَرْتُ بِعِيرِ بَنِي فُلَانٍ، فَوَجَدْتُ الْقَوْمَ نِيَامًا، وَلَهُمْ إنَاءٌ فِيهِ مَاءٌ قَدْ غَطَّوْا عَلَيْهِ بِشَيْءِ، فَكَشَفْتُ غِطَاءَهُ وَشَرِبْتُ مَا فِيهِ،

_ [1] العريكة (فِي الأَصْل) : لحم ظهر الْبَعِير، فَإِذا لانت سهل ركُوبه. يُرِيد أَنه أحْسنهم معاشرة. [2] بديهة: ابْتِدَاء. [3] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «نَائِم» . [4] أهبنا: أيقظنا. [5] الْقبْطِيَّة (بِالضَّمِّ وتكسر) : ثِيَاب من كتَّان تنسج بِمصْر منسوبة إِلَى القبط على غير قِيَاس. [6] ضجنَان (بِالتَّحْرِيكِ) : جبل بِنَاحِيَة تهَامَة، وَيُقَال: هُوَ على بريد من مَكَّة. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: بَين ضجنَان وَمَكَّة خَمْسَة وَعِشْرُونَ ميلًا.

قصة المعراج

ثُمَّ غَطَّيْتُ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ عِيرَهُمْ الْآنَ يَصُوبُ [1] مِنْ الْبَيْضَاءِ [2] ، ثَنِيَّةِ التَّنْعِيمِ [3] ، يَقْدُمُهَا جَمَلٌ أَوْرَقُ [4] ، عَلَيْهِ غِرَارَتَانِ، إحْدَاهُمَا سَوْدَاءُ، وَالْأُخْرَى بَرْقَاءُ [5] . قَالَتْ: فَابْتَدَرَ الْقَوْمُ الثَّنِيَّةَ فَلَمْ يَلْقَهُمْ أَوَّلُ مِنْ [6] الْجَمَلِ كَمَا وَصَفَ لَهُمْ، وَسَأَلُوهُمْ عَنْ الْإِنَاءِ، فَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّهُمْ وَضَعُوهُ مَمْلُوءًا مَاءً ثُمَّ غَطَّوْهُ، وَأَنَّهُمْ هَبُّوا فَوَجَدُوهُ مُغَطًّى كَمَا غَطَّوْهُ، وَلَمْ يَجِدُوا فِيهِ مَاءً. وَسَأَلُوا الْآخَرِينَ وَهُمْ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: صَدَقَ وَاَللَّهِ، لَقَدْ أُنْفِرْنَا فِي الْوَادِي الَّذِي ذَكَرَ، وَنَدَّ لَنَا بَعِيرٌ، فَسَمِعْنَا صَوْتَ رَجُلٍ يَدْعُونَا إلَيْهِ، حَتَّى أَخَذْنَاهُ. قِصَّةُ الْمِعْرَاجِ (حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ عَنِ الْمِعْرَاجِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَمَّا فَرَغْتُ مِمَّا كَانَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أُتِيَ بِالْمِعْرَاجِ، وَلَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَهُوَ الَّذِي يَمُدُّ إلَيْهِ مَيِّتُكُمْ عَيْنَيْهِ إذَا حُضِرَ، فَأَصْعَدَنِي صَاحِبِي فِيهِ، حَتَّى انْتَهَى بِي إلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ، يُقَالُ لَهُ: بَابُ الْحَفَظَةِ، عَلَيْهِ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، يُقَالُ لَهُ: إسْمَاعِيلُ، تَحْتَ يَدَيْهِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَلَكٍ، تَحْتَ يَدَيْ كُلِّ مَلَكٍ مِنْهُمْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَلَكٍ- قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلَّا هُوَ- فَلَمَّا دُخِلَ بِي، قَالَ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: (هَذَا) [7] مُحَمَّدُ. قَالَ: أَوَقَدْ بُعِثَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَدَعَا لِي بِخَيْرِ: وَقَالَهُ.

_ [1] يصوب: ينزل من عل. [2] الْبَيْضَاء: عقبَة قرب مَكَّة تهبطك إِلَى فخ، وَأَنت مقبل من الْمَدِينَة تُرِيدُ مَكَّة، أَسْفَل مَكَّة من قبل ذِي طوى. [3] التَّنْعِيم: مَوضِع بِمَكَّة فِي الْجَبَل، وَهُوَ بَين مَكَّة وسرف على فرسخين من مَكَّة. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) [4] الأورق: الّذي لَونه بَين الغبرة والسواد. [5] البرقاء: الَّتِي فِيهَا ألوان مُخْتَلفَة. [6] يُرِيد أَن الْجمل كَانَ أول مَا لَقِيَهُمْ. [7] زِيَادَة عَن أ.

(عدم ضحك خازن النار للرسول صلى الله عليه وسلم) :

(عَدَمُ ضَحِكِ خَازِنِ النَّارِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: تَلَقَّتْنِي الْمَلَائِكَةُ حِينَ دَخَلْتُ السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَلَمْ يَلْقَنِي مَلَكٌ إلَّا ضَاحِكًا مُسْتَبْشِرًا، يَقُولُ خَيْرًا وَيَدْعُو بِهِ، حَتَّى لَقِيَنِي مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالُوا، وَدَعَا بِمِثْلِ مَا دَعَوْا بِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَضْحَكْ، وَلَمْ أَرَ مِنْهُ مِنْ الْبِشْرِ مِثْلَ مَا رَأَيْتُ مِنْ غَيْرِهِ، فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا الْمَلَكُ الَّذِي قَالَ لِي كَمَا قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ وَلَمْ يَضْحَكْ (إلَيَّ) ، وَلَمْ أَرَ مِنْهُ مِنْ الْبِشْرِ مِثْلَ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْهُمْ [1] ؟ قَالَ: فَقَالَ لِي جِبْرِيلُ: أَمَا إنَّهُ لَوْ ضَحِكَ إلَى أَحَدٍ كَانَ قَبْلَكَ، أَوْ كَانَ ضَاحِكًا إلَى أَحَدٍ بَعْدَكَ، لَضَحِكَ إلَيْكَ، وَلَكِنَّهُ لَا يَضْحَكُ، هَذَا مَالِكٌ خَازِنُ [2] النَّارِ [3] . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ، وَهُوَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَكَانِ الَّذِي وُصِفَ لَكُمْ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ 81: 21: أَلَا تَأْمُرُهُ أَنْ يُرِيَنِي النَّارَ؟ فَقَالَ: بَلَى، يَا مَالِكُ، أَرِ مُحَمَّدًا النَّارَ. قَالَ: فَكَشَفَ عَنْهَا غِطَاءَهَا، فَفَارَتْ وَارْتَفَعَتْ، حَتَّى ظَنَنْتُ لَتَأْخُذَنَّ مَا أَرَى. قَالَ: فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ: يَا جِبْرِيلُ، مُرْهُ فَلْيَرُدَّهَا إلَى مَكَانِهَا. قَالَ: فَأَمَرَهُ، فَقَالَ لَهَا: اُخْبِي [4] ، فَرَجَعَتْ إلَى مَكَانِهَا الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ. فَمَا شَبَّهْتُ رُجُوعَهَا إلَّا وُقُوعَ الظِّلِّ. حَتَّى إذَا دَخَلَتْ مِنْ حَيْثُ خَرَجَتْ رَدَّ عَلَيْهَا غِطَاءَهَا.

_ [1] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «من غَيره» . [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «صَاحب» . [3] قَالَ السهيليّ بعد ذكر هَذَا الْخَبَر وَعدم ضحك مَالك إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَذَلِكَ أَنه لم يضْحك لأحد قبله، وَلَا هُوَ ضَاحِك لأحد، ومصداق هَذَا فِي كتاب الله تَعَالَى، قَالَ الله سُبْحَانَهُ: عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ 66: 6. وهم موكلون بغضب الله تَعَالَى، فالغضب لَا يزايلهم أبدا. وَفِي هَذَا الحَدِيث مُعَارضَة للْحَدِيث الّذي فِي صفة مِيكَائِيل، أَنه مَا ضحك مُنْذُ خلق الله جَهَنَّم، وَكَذَلِكَ يُعَارضهُ مَا خرج الدارقطنيّ أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَسم فِي الصَّلَاة، فَلَمَّا انْصَرف سُئِلَ عَن ذَلِك، فَقَالَ: رَأَيْت مِيكَائِيل رَاجعا من طلب الْقَوْم وعَلى جناحيه الْغُبَار، فَضَحِك إِلَى، فتبسمت إِلَيْهِ. وَإِذا صَحَّ الحديثان فَوجه الْجمع بَينهمَا أَن يكون: لم يضْحك مُنْذُ خلق الله النَّار إِلَى هَذِه الْمدَّة الَّتِي ضحك فِيهَا لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيكون الحَدِيث عَاما يُرَاد بِهِ الْخُصُوص، أَو يكون الحَدِيث الأول حدث بِهِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل هَذَا الحَدِيث الْأَخير، ثمَّ حدث بِمَا حدث بِهِ من ضحكه إِلَيْهِ» [4] خبت النَّار: زَاد لهيبها.

(عود إلى حديث الخدري عن المعراج) :

(عَوْدٌ إلَى حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ عَنْ الْمِعْرَاجِ) : (وَ) [1] قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: إنَّ [2] رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَمَّا دَخَلْتُ السَّمَاءَ الدُّنْيَا، رَأَيْتُ بِهَا رَجُلًا جَالِسًا تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ، فَيَقُولُ لِبَعْضِهَا إذَا عُرِضَتْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَيُسَرُّ بِهِ، وَيَقُولُ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ خَرَجَتْ مِنْ جَسَدٍ طَيِّبٍ، وَيَقُولُ لِبَعْضِهَا إذَا عُرِضَتْ عَلَيْهِ: أُفٍّ، وَيَعْبِسُ بِوَجْهِهِ وَيَقُولُ:: رُوحٌ خَبِيثَةٌ خَرَجَتْ مِنْ جَسَدٍ خَبِيثٍ. قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ، تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهِ، فَإِذَا مَرَّتْ بِهِ رُوحُ الْمُؤْمِنِ مِنْهُمْ سُرَّ بِهَا. وَقَالَ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ خَرَجَتْ مِنْ جَسَدٍ طَيِّبٍ. وَإِذَا مَرَّتْ بَهْ رُوحُ الْكَافِرِ مِنْهُمْ أَفَّفَ [3] مِنْهَا وَكَرِهَهَا، وَسَاءَ ذَلِكَ، وَقَالَ: روح خبيثة خرجت مِنْ جَسَدٍ خَبِيثٍ. (صِفَةُ أَكَلَةِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى) : قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُ رِجَالًا لَهُمْ مَشَافِرُ كَمَشَافِرِ [4] الْإِبِلِ، فِي أَيْدِيهمْ قِطَعٌ مِنْ نَارٍ كَالْأَفْهَارِ [5] ، يَقْذِفُونَهَا فِي أَفْوَاهِهِمْ، فَتَخْرُجُ مِنْ أَدْبَارِهِمْ. فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أَكَلَةُ أَمْوَالِ الْيَتَامَى ظُلْمًا. (صِفَةُ أَكَلَةِ الرِّبَا) : قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُ رِجَالًا لَهُمْ بُطُونٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهَا قَطُّ بِسَبِيلِ آلِ فِرْعَوْنَ [6] ، يَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ كَالْإِبِلِ الْمَهْيُومَةِ [7] حِينَ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ، يَطَئُونَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْ مَكَانِهِمْ ذَلِكَ. قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أَكَلَةُ الرِّبَا.

_ [1] زِيَادَة عَن: أ. [2] كَذَا فِي ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عَن» . [3] كَذَا فِي أ، ط: وأفف: قَالَ أُفٍّ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أنف» . [4] المشافر: جمع مشفر. ومشفر الْإِبِل: شفته. [5] الأفهار: جمع فهر، وَهُوَ حجر على مِقْدَار ملْء الْكَفّ [6] خص آل فِرْعَوْن، لأَنهم أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة. قَالَ تَعَالَى أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ 40: 46. [7] المهيومة: العطاش. وَكَانَ قِيَاس هَذَا الْوَصْف أَلا يُقَال فِيهِ (مهيومة) كَمَا لَا يُقَال معطوشة، إِنَّمَا يُقَال: هائم وهيمان، وَقد يُقَال: هيوم، وَيجمع على هيم. وَلَكِن جَاءَ فِي الحَدِيث (مهيومة) كَأَنَّهُ شَيْء فعل بِهِ، كالمجمومة والمختونة.

(صفة الزناة) :

(صِفَةُ الزُّنَاةِ) : قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُ رِجَالًا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لَحْمٌ ثَمِينٌ طَيِّبٌ، إلَى جَنْبِهِ لَحْمٌ غَثٌّ مُنْتِنٌ، يَأْكُلُونَ مِنْ الْغَثِّ [1] الْمُنْتِنِ، وَيَتْرُكُونَ السَّمِينَ الطَّيِّبَ. قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتْرُكُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنْ النِّسَاءِ، وَيَذْهَبُونَ إلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْهُنَّ. (صِفَةُ النِّسَاءِ اللَّاتِي يُدْخِلْنَ عَلَى الْأَزْوَاجِ مَا لَيْسَ مِنْهُمْ) : قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُ نِسَاءً مُعَلَّقَاتٍ بِثُدِيِّهِنَّ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ اللَّاتِي أَدْخَلْنَ عَلَى الرِّجَالِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرٍو [2] ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، فَأَكَلَ حَرَائِبَهُمْ [3] ، وَاطَّلَعَ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ. (عَوْدٌ إلَى حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ عَنْ الْمِعْرَاجِ) : ثُمَّ رَجَعَ إلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: ثُمَّ أَصْعَدَنِي إلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَإِذَا فِيهَا ابْنَا [4] الْخَالَةِ: عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، وَيَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، قَالَ: ثُمَّ أَصْعَدَنِي إلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ صُورَتُهُ كَصُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَذَا [5] يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَخُوكَ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ. قَالَ: ثُمَّ أَصْعَدَنِي إلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ فَسَأَلْتُهُ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: هَذَا إدْرِيسُ- قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا- قَالَ: ثُمَّ أَصْعَدَنِي إلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ

_ [1] الغث: الضَّعِيف المهزول. [2] هُوَ جَعْفَر بن عَمْرو بن أُميَّة الضمريّ الْمدنِي، وَهُوَ أَخُو عبد الْملك بن مَرْوَان من الرضَاعَة، روى عَن أَبِيه ووحش بن حَرْب وَأنس. وَعنهُ أَبُو سَلمَة وَأَبُو قلَابَة وَسليمَان بن يسَار وَأَخُوهُ الزبْرِقَان وَغَيرهم، وَمَات جَعْفَر فِي خلَافَة الْوَلِيد. (رَاجع تَهْذِيب التَّهْذِيب وتراجم رجال) . [3] الحرائب: جمع حريبة، وَهِي المَال. يُرِيد أَن الْوَلَد إِذا كَانَ لغير رشدة نسب إِلَى الّذي ولد على فرَاشه فيأكل من مَاله صَغِيرا، وَينظر إِلَى بَنَاته من غير أمه، وَإِلَى أخواته ولسن بعمات لَهُ، وَإِلَى أمه وَلَيْسَت بجدة لَهُ، وَهَذَا فَسَاد كَبِير. [4] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ابْن» . وَهُوَ تَحْرِيف. [5] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «هُوَ» .

(مشورة موسى على الرسول عليهما السلام في شأن تخفيف الصلاة) :

فَإِذَا فِيهَا كَهْلٌ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، عَظِيمُ الْعُثْنُونِ [1] ، لَمْ أَرَ كَهْلًا أَجْمَلَ مِنْهُ، قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الْمُحَبَّبُ فِي قَوْمِهِ هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ. قَالَ: ثُمَّ أَصْعَدَنِي إلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ آدَمُ [2] طَوِيلٌ أَقْنَى [3] ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَخُوكَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ. ثُمَّ أَصْعَدَنِي إلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَإِذَا فِيهَا كَهْلٌ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ إلَى بَابِ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، لَا يَرْجِعُونَ فِيهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. لَمْ أَرَ رَجُلًا أَشْبَهَ بِصَاحِبِكُمْ، وَلَا صَاحِبُكُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنْهُ، قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَبُوكَ إبْرَاهِيمُ. قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ بِي الْجَنَّةَ، فَرَأَيْتُ فِيهَا جَارِيَةً لَعْسَاءَ [4] ، فَسَأَلْتهَا: لِمَنْ أَنْتِ؟ وَقَدْ أَعْجَبَتْنِي حِينَ رَأَيْتُهَا، فَقَالَتْ: لِزَيْدِ ابْن حَارِثَةَ، فَبَشَّرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ حَدِيثِ (عَبْدِ اللَّهِ) [5] بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا بَلَغَنِي: أَنَّ جِبْرِيلَ لَمْ يَصْعَدْ بِهِ إلَى سَمَاءٍ مِنْ السَّمَوَاتِ إلَّا قَالُوا لَهُ حِينَ يَسْتَأْذِنُ فِي دُخُولِهَا: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُونَ: أَوَقَدْ بُعِثَ [6] ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُونَ: حَيَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَخٍ وَصَاحِبٍ! حَتَّى انْتَهَى بِهِ إلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، ثُمَّ انْتَهَى بِهِ إلَى رَبِّهِ، فَفَرَضَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ. (مَشُورَةُ مُوسَى عَلَى الرَّسُولِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فِي شَأْنِ تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ) : (قَالَ) [5] : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَقْبَلْتُ رَاجِعًا، فَلَمَّا مَرَرْتُ بِمُوسَى (بْنِ) [5] عِمْرَانَ، وَنِعْمَ الصَّاحِبُ كَانَ لَكُمْ، سَأَلَنِي كَمْ فُرِضَ عَلَيْكَ مِنْ الصَّلَاةِ؟ فَقُلْتُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، فَقَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ ثَقِيلَةٌ، وَإِنَّ أُمَّتَكَ ضَعِيفَةٌ، فَارْجِعْ إلَى رَبِّكَ، فَاسْأَلْهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكَ وَعَنْ أُمَّتِكَ. فَرَجَعْتُ فَسَأَلْتُ

_ [1] العثنون: اللِّحْيَة. [2] الآدم: الْأسود. [3] الأقنى: مَا ارْتَفع أَعلَى أَنفه واحدودب وَسطه وسبغ طرفه. [4] اللعس فِي الشفاه: حمرَة تضرب إِلَى السوَاد. [5] زِيَادَة عَن أ. [6] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أوقد بعث إِلَيْهِ ... إِلَخ» .

كفاية الله أمر المستهزءين

رَبِّي أَنْ يُخَفِّفَ عَنِّي وَعَنْ أُمَّتِي، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا. ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، فَرَجَعْتُ فَسَأَلْتُ رَبِّي [1] ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا. ثُمَّ انْصَرَفْتُ [2] فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، فَرَجَعْتُ فَسَأَلْتُهُ [3] فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا. ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَقُولُ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، كُلَّمَا رَجَعْتُ إلَيْهِ، قَالَ: فَارْجِعْ [4] فَاسْأَلْ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إلَى أَنْ وَضَعَ ذَلِكَ عَنِّي، إلَّا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. ثُمَّ رَجَعْتُ إلَى مُوسَى، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: قَدْ رَاجَعْتُ رَبِّي وَسَأَلْتُهُ، حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ، فَمَا أَنَا بِفَاعِلِ. فَمَنْ أَدَّاهُنَّ مِنْكُمْ إيمَانًا بِهِنَّ، وَاحْتِسَابًا لَهُنَّ، كَانَ لَهُ أَجْرُ خَمْسِينَ صَلَاةً (مَكْتُوبَةً) [5] . كِفَايَةُ الله أَمر المستهزءين قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى صَابِرًا مُحْتَسِبًا، مُؤَدِّيًا إلَى قَوْمِهِ النَّصِيحَةَ عَلَى مَا يَلْقَى مِنْهُمْ مِنْ التَّكْذِيبِ وَالْأَذَى (وَالِاسْتِهْزَاءِ) [5] . وَكَانَ عُظَمَاء المستهزءين، كَمَا حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ [6] ، عَنْ عُرْوَةَ [7] بْنِ الزُّبَيْرِ، خَمْسَةَ نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَكَانُوا ذَوِي أَسْنَانٍ وَشَرَفٍ فِي قَومهمْ.

_ [1] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فَسَأَلت ربى أَن يُخَفف عَنى، وَعَن أمتى. .. إِلَخ» . [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «رجعت» . [3] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فَسَأَلت ربى. .. إِلَخ» . [4] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فَارْجِع إِلَيْهِ فسل رَبك. .. إِلَخ» وَهُوَ تَحْرِيف. [5] زِيَادَة عَن أ. [6] هُوَ يزِيد بن رُومَان الْأَسدي أَبُو روح الْمدنِي مولى آل الزبير. روى عَن ابْن الزبير، وَأنس، وَعبيد الله وَسَالم ابْني عبد الله بن عمر وَغَيرهم. وَعنهُ هِشَام بن عُرْوَة، وَعبيد الله بن عمر، وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار وَغَيرهم، وَتوفى يزِيد سنة 103 هـ، وَكَانَ عَالما كثير الحَدِيث ثِقَة. (رَاجع تَهْذِيب التَّهْذِيب) . [7] هُوَ عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام بن خويلد بن أَسد، روى عَن أَبِيه وأخيه عبد الله وَأمه أَسمَاء وَغَيرهم، وَعنهُ أَوْلَاده: عبد الله، وَعُثْمَان، وَهِشَام، وَمُحَمّد، وَيحيى، وَابْن ابْنه عمر بن عبد الله بن عُرْوَة وَغَيرهم. مَاتَ سنة 99، وَقيل سنة 101 هـ، وَكَانَ عمره إِذْ ذَاك 67 سنة.

(المستهزءون بالرسول من بنى أسد) :

(المستهزءون بِالرَّسُولِ مِنْ بَنِي أَسَدٍ) : مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ: الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ أَبُو زَمَعَةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي- قَدْ دَعَا عَلَيْهِ لِمَا كَانَ يَبْلُغُهُ مِنْ أَذَاهُ وَاسْتِهْزَائِهِ بِهِ، فَقَالَ: اللَّهمّ أَعْمِ بَصَرَهُ، وأثكله وَلَده. (المستهزءون بِالرَّسُولِ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ) : وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ: الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ ابْن زهرَة. (المستهزءون بِالرَّسُولِ مِنْ مَخْزُومٍ) : وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ابْن مَخْزُوم. (المستهزءون بِالرَّسُولِ مِنْ سَهْمٍ) : وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ: الْعَاصُ بْنُ وَائِلِ بْنِ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْعَاصُ بْنُ وَائِل بن هَاشم بْنِ سُعَيْدِ بن سهم. (المستهزءون بِالرَّسُولِ مِنْ خُزَاعَةَ) : وَمِنْ بَنِي خُزَاعَةَ: الْحَارِثُ بْنُ الطُّلَاطِلَةِ [1] بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ (لُؤَيِّ بْنِ) [2] مَلَكَانَ [3] . فَلَمَّا تَمَادَوْا فِي الشَّرِّ، وَأَكْثَرُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاسْتِهْزَاءَ، أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ 15: 94- 96.

_ [1] الطُّلَاطِلَة (لُغَة) : الداهية، وَهِي اسْم أمه، قَالَ ذَلِك أَبُو الْوَلِيد الوقشى، وَنَقله عَنهُ ابْن إِسْحَاق، وَخَالَفَهُمَا ابْن الْكَلْبِيّ فِي اسْمه فَقَالَ: هُوَ الْحَارِث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم. والّذي فِي السِّيرَة الشامية: أَن اسْمه مَالك، وَأَن الطُّلَاطِلَة أَبوهُ. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] ملكان: هُوَ بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام، أَو بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون اللَّام. وَقيل: إِنَّه لَيْسَ فِي النَّاس ملكان (بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام) إِلَّا ملكان بن جرم بن ربان، وملكان بن عباد بن عِيَاض، وَغَيرهمَا ملكان بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون اللَّام، وَزَاد بَعضهم ملكان (بِفَتْح الْمِيم) فِي خُزَاعَة (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .

(ما أصاب المستهزءين) :

(مَا أصَاب المستهزءين) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ، فَقَامَ وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى جَنْبِهِ، فَمَرَّ بَهْ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ، فَرَمَى فِي وَجْهِهِ بِوَرَقَةِ خَضْرَاءَ، فَعَمِيَ. وَمَرَّ بَهْ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ.، فَأَشَارَ إلَى بَطْنِهِ، فَاسْتَسْقَى (بَطْنُهُ) [1] فَمَاتَ مِنْهُ حَبَنًا [2] . وَمَرَّ بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، فَأَشَارَ إلَى أَثَرِ جُرْحٍ بِأَسْفَلِ كَعْبِ رِجْلِهِ، كَانَ أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِسِنِينَ [3] ، وَهُوَ يَجُرُّ سَبَلَهُ [4] ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلِ مِنْ خُزَاعَةَ وَهُوَ يَرِيشُ نَبْلًا لَهُ، فَتَعَلَّقَ سَهْمٌ مِنْ نَبْلِهِ بِإِزَارِهِ، فَخَدَشَ فِي رِجْلِهِ ذَلِكَ الْخَدْشَ، وَلَيْسَ بِشَيْءِ، فَانْتَقَضَ [5] بِهِ فَقَتَلَهُ. وَمَرَّ بَهْ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ، فَأَشَارَ إلَى أَخْمَصِ [6] رِجْلِهِ وَخَرَجَ عَلَى حِمَارٍ لَهُ يُرِيدُ الطَّائِفَ، فَرَبَضَ بِهِ عَلَى شُبَارِقَةٍ [7] ، فَدَخَلَتْ فِي أَخْمَصِ رِجْلِهِ شَوْكَةٌ فَقَتَلَتْهُ. وَمَرَّ بِهِ الْحَارِثُ بْنُ الطُّلَاطِلَةِ، فَأَشَارَ إلَى رَأْسِهِ، فَامْتَخَضَ [8] قَيْحًا، فَقَتَلَهُ. قِصَّةُ أَبِي أُزَيْهِرٍ الدَّوْسِيِّ (وُصَاتُهُ لِبَنِيهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا حَضَرَتْ الْوَلِيدَ الْوَفَاةُ دَعَا بَنِيهِ، وَكَانُوا ثَلَاثَةً: هِشَامَ ابْن الْوَلِيدِ، وَالْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَقَالَ لَهُمْ: أَيْ بَنِيَّ، أُوصِيكُمْ بِثَلَاثِ، فَلَا تُضَيِّعُوا فِيهِنَّ: دَمِي فِي خُزَاعَةَ فَلَا تَطُلُّنَّهُ [9] ، وَاَللَّهِ إنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُمْ

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والحبن (محركة) : انتفاخ الْبَطن من دَاء. وَفِي أ: «حنبا» . [3] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ. [4] السبل: فضول الثِّيَاب. [5] انْتقض الْجرْح: إِذا تجدّد بعد مَا بري. [6] الأخمص من بَاطِن الْقدَم: مَا لم يصب الأَرْض. [7] الشبارقة: شَجَرَة عالية، وَفِي طبعة بِهَامِش الرَّوْض الْأنف: شبْرقَة. [8] كَذَا فِي أ، ط: أَي أَن الْقَيْح تحرّك فِي رَأسه وانتشر. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فامتحض» بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَهُوَ تَصْحِيف. [9] طل الدَّم وأطله: هدره، فَلم يثأر بِهِ.

(مطالبة بنى مخزوم خزاعة بدم أبى أزيهر) :

مِنْهُ بُرَآءُ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُسَبُّوا بِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ، وَرِبَايَ فِي ثَقِيفٍ، فَلَا تَدَعُوهُ حَتَّى تَأْخُذُوهُ، وَعُقْرِي [1] عِنْدَ أَبِي أُزَيْهِرٍ، فَلَا يَفُوتَنَّكُمْ بِهِ. وَكَانَ أَبُو أُزَيْهِرٍ قَدْ زَوَّجَهُ بِنْتًا، ثُمَّ أَمْسَكَهَا عَنْهُ، فَلَمْ يُدْخِلْهَا عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ. (مُطَالَبَةُ بَنِي مَخْزُومٍ خُزَاعَةَ بِدَمِ أَبِي أُزَيْهِرٍ) : فَلَمَّا هَلَكَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَثَبَتْ بَنُو مَخْزُومٍ عَلَى خُزَاعَةَ يَطْلُبُونَ مِنْهُمْ عَقْلَ [2] الْوَلِيدِ، وَقَالُوا: إنَّمَا قَتَلَهُ سَهْمُ صَاحِبِكُمْ- وَكَانَ لِبَنِي كَعْبٍ حِلْفٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ- فَأَبَتْ عَلَيْهِمْ خُزَاعَةُ ذَلِكَ، حَتَّى تَقَاوَلُوا أَشْعَارًا، وَغَلُظَ بَيْنَهُمْ الْأَمْرُ- وَكَانَ الَّذِي أَصَابَ الْوَلِيدَ سَهْمُهُ رَجُلًا مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو، مِنْ خُزَاعَةَ- فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الله بن عمر بْنِ مَخْزُومٍ: إنِّي زَعِيمٌ أَنْ تَسِيرُوا فَتَهْرُبُوا ... وَأَنْ تَتْرُكُوا الظَّهْرَانَ تَعْوِي ثَعَالِبُهُ [3] وَأَنْ تَتْرُكُوا مَاءً بِجِزْعَةِ أَطْرِقَا ... وَأَنْ تَسْأَلُوا: أَيُّ الْأَرَاكِ أَطَايِبُهُ؟ [4] فَإِنَّا أَنَاسٌ لَا تُطَلُّ [5] دِمَاؤُنَا ... وَلَا يَتَعَالَى [6] صَاعِدًا مَنْ نُحَارِبُهُ وَكَانَتْ الظَّهْرَانُ وَالْأَرَاكُ مَنَازِلَ بَنِي كَعْبٍ، مِنْ خُزَاعَةَ. فَأَجَابَهُ الْجَوْنُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ، أَخُو بَنِي كَعْبِ بْنِ عَمْرِو الْخُزَاعِيِّ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا نُؤْتِي الْوَلِيدَ ظُلَامَةً ... وَلَمَّا تَرَوْا يَوْمًا تَزُولُ كَواكِبُهْ وَيُصْرَعُ مِنْكُمْ مُسْمِنٌ بَعْدَ مُسْمِنٍ ... وَتُفْتَحُ بَعْدَ الْمَوْتِ قَسْرًا مَشَارِبُهْ [7]

_ [1] الْعقر (بِضَم الْعين) : دِيَة الْفرج الْمَغْصُوب. [2] كَذَا فِي أ. وَالْعقل: الدِّيَة. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «العفل» ، بِالْفَاءِ وَهُوَ تَصْحِيف. [3] الزعيم (هُنَا) : الضَّامِن، والظهران: وَاد قرب مَكَّة. [4] الجزعة والجزع: مُعظم الْوَادي، وَقيل: مَا انثنى مِنْهُ. وأطرقا: اسْم علم لموْضِع، سمى بِفعل الْأَمر للاثنين، فَهُوَ محكي لَا يعرب. [5] طل دَمه (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول) : هدر وَلم يثأر بِهِ. [6] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «يتعاطى» . [7] كَذَا ورد هَذَا الْبَيْت فِي أ. والمسمن: السمين، وَأَرَادَ بِهِ هُنَا الظَّاهِر فِي النَّاس. والمشارب: جمع مشربَة، وَهِي الغرفة. وَفِي سَائِر الْأُصُول: ويسرع مِنْكُم مسمن عِنْد مسمن ... وَيفتح بعد الْمَوْت قسرا مشاربه وَهُوَ ظَاهر التحريف، وقسرا: قهرا.

إذَا مَا أَكَلْتُمْ خُبْزَكُمْ وَخَزِيرَكُمْ [1] ... فَكُلُّكُمْ بَاكِي الْوَلِيدِ وَنَادِبُهْ ثُمَّ إنَّ النَّاسَ تَرَادُّوا وَعَرَفُوا أَنَّمَا يَخْشَى الْقَوْمُ السُّبَّةَ، فَأَعْطَتْهُمْ خُزَاعَةُ بَعْضَ الْعَقْلِ، وَانْصَرَفُوا عَنْ بَعْضٍ. فَلَمَّا اصْطَلَحَ الْقَوْمُ قَالَ الْجَوْنُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ: وَقَائِلَةٍ لَمَّا اصْطَلَحْنَا تَعَجُّبًا ... لِمَا قَدْ حَمَلْنَا لِلْوَلِيدِ وَقَائِلِ أَلَمْ تُقْسِمُوا تُؤْتُوا [2] الْوَلِيدَ ظُلَامَةً ... وَلَمَّا تَرَوْا يَوْمًا كَثِيرَ الْبَلَابِلِ [3] فَنَحْنُ خَلَطْنَا الْحَرْبَ بِالسِّلْمِ فَاسْتَوَتْ ... فَأَمَّ هَوَاهُ آمِنًا كُلُّ رَاحِلِ ثُمَّ لَمْ يَنْتَهِ الْجَوْنُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ حَتَّى افْتَخَرَ بِقَتْلِ الْوَلِيدِ، وَذَكَرَ أَنَّهُمْ أَصَابُوهُ، وَكَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا. فَلَحِقَ بِالْوَلِيدِ [4] (وَ) [5] بِوَلَدِهِ وَقَوْمِهِ مِنْ ذَلِكَ مَا حَذَّرَهُ [6] ، فَقَالَ الْجَوْنُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ: أَلَا زَعَمَ الْمُغِيرَةُ أَنَّ كَعْبًا ... بِمَكَّةَ مِنْهُمْ قَدْرٌ كَثِيرُ [7] فَلَا تَفْخَرْ مُغِيرَةُ أَنْ تَرَاهَا ... بِهَا يَمْشِي الْمُعَلْهَجُ وَالْمَهِيرُ [8] بِهَا آبَاؤُنَا وَبِهَا وُلِدْنَا ... كَمَا أَرْسَى بِمَثْبَتِهِ ثَبِيرُ [9] وَمَا قَالَ الْمُغِيرَةُ ذَاكَ إلَّا ... لِيَعْلَمَ شَأْنَنَا أَوْ يَسْتَثِيرُ فَإِنَّ دَمَ الْوَلِيدِ يُطَلُّ إنَّا ... نَطُلُّ دِمَاءً أَنْتَ بِهَا خَبِيرُ كَسَاهُ الْفَاتِكُ الْمَيْمُونُ سَهْمًا ... زُعَافًا وَهْوَ مُمْتَلِئٌ بَهِيرُ [10]

_ [1] الخزير: شبه عصيدة بِلَحْم، وَبلا لحم، وَقيل: هِيَ حساء يتَّخذ بشحم، أَو هِيَ مرقة من بلالة النخالة. [2] يُرِيد: أَن تُؤْتوا، وَمَعْنَاهُ: أَن لَا تُؤْتوا. كَمَا جَاءَ فِي التَّنْزِيل: يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا 4: 176. [3] البلابل: وساوس الأحزان. [4] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الْوَلِيد» . [5] زِيَادَة عَن أ. [6] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «مَا حذر» . [7] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «كَبِير» . [8] المعلهج: المطعون فِي نسبه، كَأَنَّهُ منحوت من أصلين، من «العلج» لِأَن الْأمة علجة، وَمن اللهج» كَأَن واطئ الْأمة قد لهج بهَا. والمهير: الصَّحِيح النّسَب يُرِيد أَن أمه حرَّة تزوجت بِمهْر. [9] ثبير: جبل بِمَكَّة. [10] الذعاف: السم، أَو سم السَّاعَة. والبهير: الْمُنْقَطع النَّفس، من البهر بِضَم الْبَاء.

(مقتل أبى أزيهر وثورة بنى عبد مناف لذلك) :

فَخَرَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مُسْلَحِبًّا ... كَأَنَّهُ عِنْدَ وَجْبَتِهِ بَعِيرُ [1] سَيَكْفِينِي مِطَالَ أَبِي هِشَامٍ ... صِغَارٌ جَعْدَةُ الْأَوْبَارِ خُورُ [2] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتًا وَاحِدًا أُقْذِعَ فِيهِ [3] . (مَقْتَلُ أَبِي أُزَيْهِرٍ وَثَوْرَةُ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لِذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ عَدَا هِشَامُ بْنُ الْوَلِيدِ عَلَى أَبِي أُزَيْهِرٍ، وَهُوَ بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ وَكَانَتْ عِنْدَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ (عَاتِكَةُ) [4] بِنْتُ أَبِي أُزَيْهِرٍ، وَكَانَ أَبُو أُزَيْهِرٍ رَجُلًا شَرِيفًا فِي قَوْمِهِ- فَقَتَلَهُ بِعُقْرِ الْوَلِيدِ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، لِوَصِيَّةِ أَبِيهِ إيَّاهُ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ وَمَضَى بَدْرٌ، وَأُصِيبَ بَهْ مَنْ أُصِيبَ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَخَرَجَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، فَجَمَعَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ بِذِي الْمَجَازِ، فَقَالَ النَّاس: أَخْفَر [5] أَبُو سُفْيَانَ فِي صِهْرِهِ، فَهُوَ ثَائِرٌ بِهِ. فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو سُفْيَانَ بِاَلَّذِي صَنَعَ ابْنُهُ يَزِيدُ- وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ رَجُلًا حَلِيمًا مُنْكَرًا [6] ، يُحِبُّ قَوْمَهُ حُبًّا شَدِيدًا- انْحَطَّ سَرِيعًا إلَى مَكَّةَ، وَخَشِيَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ قُرَيْشٍ حَدَثٌ فِي أَبِي أُزَيْهِرٍ، فَأَتَى ابْنَهُ وَهُوَ فِي الْحَدِيدِ، فِي قَوْمِهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَالْمُطَيِّبِينَ، فَأَخَذَ الرُّمْحَ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ عَلَى رَأْسِهِ ضَرْبَةً هَدَّهُ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ لَهُ، قَبَّحَكَ اللَّهُ! أَتُرِيدُ أَنْ تَضْرِبَ قُرَيْشًا بَعْضَهُمْ بِبَعْضِ فِي رَجُلٍ مِنْ دَوْسٍ. سَنُؤْتِيهِمْ الْعَقْلَ إنْ قَبِلُوهُ، وَأَطْفَأَ ذَلِكَ الْأَمْرَ. فَانْبَعَثَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُحَرِّضُ فِي دَمِ أَبِي أُزَيْهِرٍ، وَيُعَيِّرُ أَبَا سُفْيَانَ خُفْرَتَهُ وَيُجْبِنُهُ، فَقَالَ:

_ [1] المسلحب: الممتد. والوجبة: السقطة. [2] الخور: الغزار اللَّبن. [3] أقذع: أفحش فِي الْمقَال. [4] زِيَادَة عَن أ. [5] الخفر: الْغدر، وَنقض الْعَهْد. [6] رجل مُنكر: أَي داهية فطن.

(مطالبة خالد بربا أبيه، وما نزل في ذلك) :

غَدَا أَهْلُ ضَوْجَيْ ذِي الْمَجَازِ كِلَيْهِمَا ... وَجَارَ ابْنُ حَرْبٍ بِالْمُغَمَّسِ مَا يَغْدُو [1] وَلَمْ يَمْنَعْ الْعَيْرُ الضَّرُوطُ ذِمَارَهُ ... وَمَا مَنَعَتْ مَخْزَاةَ وَالِدِهَا هِنْدُ [2] كَسَاكَ هِشَامُ بْنُ الْوَلِيدِ ثِيَابَهُ ... فَأَبْلِ وَأَخْلِفْ مِثْلَهَا جُدُدًا بَعْدُ قَضَى وَطَرًا مِنْهُ فَأَصْبَحَ مَاجِدًا ... وَأَصْبَحْتَ رَخْوًا مَا تُخِبُّ وَمَا تَعْدُو [3] فَلَوْ أَنَّ أَشْيَاخًا بِبَدْرٍ تَشَاهَدُوا ... لَبَلَّ نِعَالَ الْقَوْمِ مُعْتَبِطٌ وَرْدُ [4] فَلَمَّا بَلَغَ أَبَا سُفْيَانَ قَوْلُ حَسَّانَ قَالَ: يُرِيدُ حَسَّانُ أَنْ يَضْرِبَ بَعْضَنَا بِبَعْضِ فِي رَجُلٍ مِنْ دَوْسٍ! بِئْسَ وَاَللَّهِ مَا ظَنَّ! (مُطَالَبَةُ خَالِدٍ بِرِبَا أَبِيهِ، وَمَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ) : وَلَمَّا أَسْلَمَ أَهْلُ الطَّائِفِ كَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي رِبَا الْوَلِيدِ، الَّذِي كَانَ فِي ثَقِيفٍ، لِمَا كَانَ أَبُوهُ أَوْصَاهُ بِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ مِنْ تَحْرِيمِ مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا بِأَيْدِي النَّاسِ نَزَلْنَ فِي ذَلِكَ مِنْ طَلَبِ خَالِدٍ الرِّبَا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ، وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 2: 278 إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ فِيهَا. (ثَوْرَةُ دَوْسٍ لِلْأَخْذِ بِثَأْرِ أَبِي أُزَيْهِرٍ، وَحَدِيثُ أُمِّ غَيْلَانَ) : وَلَمْ يَكُنْ فِي أَبِي أُزَيْهِرٍ ثَأْرٌ نَعْلَمُهُ، حَتَّى حَجَزَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ النَّاسِ، إلَّا أَنَّ ضِرَارَ بْنَ الْخَطَّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ الْفِهْرِيَّ خَرَجَ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى أَرْضِ دَوْسٍ، فَنَزَلُوا عَلَى امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ غَيْلَانَ، مَوْلَاةٌ لِدَوْسٍ، وَكَانَتْ تَمْشُطُ النِّسَاءَ، وَتُجَهِّزُ الْعَرَائِسَ، فَأَرَادَتْ دَوْسٌ قَتْلَهُمْ بِأَبِي أُزَيْهِرٍ، فَقَامَتْ دُونَهُمْ أُمُّ غَيْلَانَ وَنِسْوَةٌ مَعَهَا، حَتَّى مَنَعَتْهُمْ، فَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي ذَلِكَ:

_ [1] الضوج: جَانب الْوَادي وَمَا انعطف مِنْهُ. والمغمس: مَوضِع بطرِيق الطَّائِف، فِيهِ قبر أَبى رِغَال دَلِيل أَبْرَهَة. [2] العير: الْحمار. والذمار: مَا تحق حمايته. وَهِنْد: هِيَ بنت أَبى سُفْيَان. وَقد ورد هَذَا الْبَيْت فِي أ، ط بعد الْبَيْت الأول. وَورد فِي سَائِر الْأُصُول فِي آخر الأبيات. [3] تخب: من الخبب: وَهُوَ ضرب من السّير. [4] يعْنى بالمعتبط الْورْد: الدَّم العبيط، وَهُوَ الطري.

(أم جميل وعمر بن الخطاب) :

جَزَى اللَّهُ عَنَّا أُمَّ غَيْلَانَ صَالِحًا ... وَنِسْوَتَهَا إذْ هُنَّ شُعْثٌ [1] عَوَاطِلُ فَهُنَّ دَفَعْنَ الْمَوْتَ بَعْدَ اقْتِرَابِهِ ... وَقَدْ بَرَزَتْ لِلثَّائِرِينَ الْمَقَاتِلُ دَعَتْ دَعْوَةً دَوْسًا فَسَالَتْ شِعَابُهَا [2] ... بِعِزٍّ وَأَدَّتْهَا الشَّرَاجُ [3] الْقَوَابِلُ [4] وَعَمْرًا جًزًاهُ اللهُ خَيْرًا فَمَا وَنَى ... وَمَا بَردَتْ مِنْهُ لَدَيَّ الْمَفَاصِلُ فَجَرَّدْتُ سَيْفِي ثُمَّ قُمْتُ بِنَصْلِهِ ... وَعَنْ أَيِّ نَفْسٍ بَعْدَ نَفْسِي أُقَاتِلُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَّ الَّتِي قَامَتْ دُونَ ضِرَارٍ أُمُّ جَمِيلٍ، وَيُقَالُ أُمُّ غَيْلَانَ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أُمُّ غَيْلَانَ قَامَتْ مَعَ أُمِّ جَمِيلٍ فِيمَنْ قَامَ دُونَهُ. (أُمُّ جَمِيلٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) : فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَتَتْهُ أُمُّ جَمِيلٍ، وَهِيَ تُرَى أَنَّهُ أَخُوهُ: فَلَمَّا انْتَسَبَتْ لَهُ عَرَفَ الْقِصَّةَ، فَقَالَ: إنِّي لَسْتُ بِأَخِيهِ إلَّا فِي الْإِسْلَامِ، وَهُوَ غَازٍ، وَقَدْ عَرَفْتُ مِنَّتَكَ عَلَيْهِ، فَأَعْطَاهَا عَلَى أَنَّهَا ابْنَةُ سَبِيلٍ. (ضِرَارٌ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) : قَالَ الرَّاوِي: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ ضِرَارٌ لَحِقَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ بِعَرْضِ الرُّمْحِ وَيَقُولُ: اُنْجُ يَا بن الْخَطَّابِ لَا أَقْتُلُكَ، فَكَانَ عُمَرُ يَعْرِفُهَا لَهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ [5] . وَفَاةُ أَبِي طَالب وَخَدِيجَة (صَبر الرَّسُول على إِيذَاء الْمُشْركين) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ النَّفَرُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ [1] الشعث: المتغبرات الشُّعُور. والعواطل: اللَّاتِي لَا حلى عليهنّ. [2] الشعاب: جمع شعب، وَهِي مسيل المَاء فِي الْحرَّة (عَن أَبى ذَر) . [3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والشراج: جمع شرج، وَهُوَ مسيل مَاء من الْحرَّة إِلَى السهل، وَفِي أ: السراج» بِالسِّين الْمُهْملَة، وَهُوَ تَصْحِيف. [4] القوابل: الَّتِي تقَابل بَعْضهَا بَعْضًا. [5] هَذِه الْعبارَة من قَوْله: قَالَ ابْن هِشَام إِلَى قَوْله: «بعد إِسْلَامه» سَاقِطَة فِي أ.

(طمع المشركين في الرسول بعد وفاة أبى طالب وخديجة) :

فِي بَيْتِهِ: أَبَا [1] لَهَبٍ، وَالْحَكَمَ بْنَ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وَعَدِيَّ بْنَ حَمْرَاءَ الثَّقَفِيَّ، وَابْنَ الْأَصْدَاءِ الْهُذَلِيَّ، وَكَانُوا جِيرَانَهُ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ- فِيمَا ذُكِرَ لِي- يَطْرَحُ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِمَ الشَّاةِ وَهُوَ يُصَلِّي، وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَطْرَحُهَا فِي بُرْمَتِهِ [2] إذَا نُصِبَتْ لَهُ، حَتَّى اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِجْرًا [3] يَسْتَتِرُ بِهِ مِنْهُمْ إذَا صَلَّى، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا طَرَحُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ الْأَذَى، كَمَا حَدَّثَنِي عُمَرُ ابْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، يَخْرُجُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعُودِ، فَيَقِفُ بِهِ عَلَى بَابِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَيُّ جِوَارٍ هَذَا! ثُمَّ يُلْقِيهِ فِي الطَّرِيقِ. (طَمَعُ الْمُشْرِكِينَ فِي الرَّسُولِ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ وَخَدِيجَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ وَأَبَا طَالِبٍ هَلَكَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ، فَتَتَابَعَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَصَائِبُ بِهُلْكِ خَدِيجَةَ، وَكَانَتْ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ عَلَى الْإِسْلَامِ، يَشْكُو إلَيْهَا، وَبِهُلْكِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ لَهُ عَضُدًا وَحِرْزًا فِي أَمْرِهِ، وَمَنَعَةً وَنَاصِرًا عَلَى قَوْمِهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ مُهَاجَرِهِ إلَى الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ. فَلَمَّا هَلَكَ أَبُو طَالِبٍ، نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَذَى مَا لَمْ تَكُنْ تَطْمَعُ بِهِ فِي حَيَاةِ أَبِي طَالِبٍ، حَتَّى اعْتَرَضَهُ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ، فَنَثَرَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا نَثَرَ ذَلِكَ السَّفِيهُ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ التُّرَابَ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَهُ وَالتُّرَابُ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَامَتْ إلَيْهِ إحْدَى بَنَاتِهِ، فَجَعَلَتْ تَغْسِلُ عَنْهُ التُّرَابَ وَهِيَ تَبْكِي، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهَا: لَا تَبْكِي يَا بُنَيَّةِ، فَإِنَّ اللَّهَ مَانِعٌ أَبَاكَ. قَالَ: وَيَقُولُ بَيْنَ ذَلِكَ: مَا نَالَتْ مِنِّي قُرَيْشٌ شَيْئًا أَكْرَهُهُ، حَتَّى مَاتَ أَبُو طَالِبٍ.

_ [1] كَذَا فِي ط، وَفِي سَائِر الْأُصُول «أَبُو» . [2] البرمة: الْقدر من الْحجر. [3] الْحجر: كل مَا حجرته من حَائِط.

(المشركون عند أبى طالب لما ثقل به المرض، يطلبون عهدا بينهم وبين الرسول) :

(الْمُشْرِكُونَ عِنْدَ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا ثَقُلَ بِهِ الْمَرَضُ، يَطْلُبُونَ عَهْدًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا اشْتَكَى أَبُو طَالِبٍ، وَبَلَغَ قُرَيْشًا [1] ثِقَلُهُ، قَالَتْ قُرَيْشٌ بَعْضُهَا لِبَعْضِ: إنَّ حَمْزَةَ وَعُمَرَ قَدْ أَسْلَمَا، وَقَدْ فَشَا أَمْرُ مُحَمَّدٍ فِي قَبَائِلِ قُرَيْشٍ كُلِّهَا، فَانْطَلِقُوا بِنَا إلَى أَبِي طَالِبٍ، فَلْيَأْخُذْ لَنَا عَلَى ابْنِ أَخِيهِ، وَلْيُعْطِهِ مِنَّا، وَاَللَّهِ مَا نَأْمَنُ أَنْ يَبْتَزُّونَا [2] أَمْرَنَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ (بْنِ عَبَّاسٍ) [3] عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَشَوْا إلَى أَبِي طَالِبٍ فَكَلَّمُوهُ، وَهُمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِ: عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فِي رِجَالٍ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ، إنَّكَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى، وَتَخَوَّفْنَا عَلَيْكَ، وَقَدْ عَلِمْتَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَادْعُهُ، فَخُذْ لَهُ مِنَّا، وَخُذْ لَنَا مِنْهُ، لِيَكُفَّ عَنَّا، وَنَكُفَّ عَنْهُ، وَلِيَدَعَنَا وَدِينَنَا، وَنَدَعَهُ وَدِينَهُ، فَبَعَثَ إلَيْهِ أَبُو طَالِبٍ، فَجَاءَهُ، فَقَالَ: يَا بن أَخِي: هَؤُلَاءِ أَشْرَافُ قَوْمِكَ، قَدْ اجْتَمَعُوا لَكَ، لِيُعْطُوكَ، وَلِيَأْخُذُوا مِنْكَ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ [4] ، كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تُعْطُونِيهَا تَمْلِكُونَ بِهَا الْعَرَبَ، وَتَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: نَعَمْ وَأَبِيكَ، وَعَشْرَ كَلِمَاتٍ، قَالَ: تَقُولُونَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَتَخْلَعُونَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ. قَالَ: فَصَفَّقُوا بِأَيْدِيهِمْ، ثُمَّ قَالُوا: أَتُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ أَنْ تَجْعَلَ الْآلِهَةَ إلَهًا وَاحِدًا، إنَّ أَمْرَكَ لَعَجَبٌ! (قَالَ) [5] : ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: إنَّهُ وَاَللَّهِ مَا هَذَا الرَّجُلُ بِمُعْطِيكُمْ شَيْئًا مِمَّا تُرِيدُونَ، فَانْطَلِقُوا وَامْضُوا عَلَى دِينِ آبَائِكُمْ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ. قَالَ: ثُمَّ تَفَرَّقُوا.

_ [1] فِي م: «قُرَيْش» وَهُوَ تَحْرِيف. [2] ابتزه أمره: سلبه إِيَّاه وغلبه عَلَيْهِ. [3] زِيَادَة عَن أ. [4] فِي م، ر: «يَا عَم» . [5] زِيَادَة عَن أ، ط. 27- سيرة ابْن هِشَام- 1

(طمع الرسول في إسلام أبى طالب، وحديث ذلك) :

(طَمَعُ الرَّسُولِ فِي إسْلَامِ أَبِي طَالِبٍ، وَحَدِيثُ ذَلِكَ) : فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاَللَّهِ يَا بن أَخِي، مَا رَأَيْتُكَ سَأَلْتَهُمْ شَطَطًا، قَالَ: فَلَمَّا قَالَهَا أَبُو طَالِبٍ طَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إسْلَامِهِ، فَجَعَلَ يَقُولُ لَهُ: أَيْ عَمِّ، فَأَنْتَ فَقُلْهَا أَسْتَحِلَّ لَكَ بِهَا الشَّفَاعَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ: فَلَمَّا رَأَى حِرْصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، قَالَ: يَا بن أَخِي، وَاَللَّهِ لَوْلَا مَخَافَةُ السُّبَّةِ عَلَيْكَ وَعَلَى بَنِي أَبِيكَ مِنْ بَعْدِي، وَأَنْ تَظُنَّ قُرَيْشٌ أَنِّي إنَّمَا قُلْتهَا جَزَعًا مِنْ الْمَوْتِ لَقُلْتهَا، لَا أَقُولُهَا إلَّا لِأَسُرَّكَ بِهَا. قَالَ: فَلَمَّا تَقَارَبَ مِنْ أَبِي طَالِبٍ الْمَوْتُ قَالَ: نَظَرَ الْعَبَّاسُ إلَيْهِ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، قَالَ: فَأَصْغَى إلَيْهِ بِأُذُنِهِ، قَالَ: فَقَالَ يَا بن أَخِي، وَاَللَّهِ لَقَدْ قَالَ أَخِي الْكَلِمَةَ الَّتِي أَمَرْتَهُ أَنْ يَقُولَهَا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمْ أَسْمَعْ [1] . (مَا نَزَلَ فِيمَنْ طَلَبُوا الْعَهْدَ عَلَى الرَّسُولِ عِنْدَ أَبِي طَالِبٍ) : قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الرَّهْطِ الَّذِينَ كَانُوا اجْتَمَعُوا إلَيْهِ، وَقَالَ لَهُمْ مَا قَالَ، وَرَدُّوا عَلَيْهِ مَا رَدُّوا: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ، بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ 38: 1- 2 ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً، إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ. وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ، إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرادُ. مَا سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ 38: 5- 7

_ [1] شَهَادَة الْعَبَّاس لأبى طَالب لَو أَدَّاهَا بعد مَا أسلم لكَانَتْ مَقْبُولَة، وَلم يرد بقوله «لم أسمع» ، لِأَن الشَّاهِد الْعدْل إِذا قَالَ: سَمِعت، وَقَالَ من هُوَ أعدل مِنْهُ: لم أسمع، أَخذ بقوله من أثبت السماع، لِأَن عدم السماع يحْتَمل أسبابا منعت الشَّاهِد من السّمع، وَلَكِن الْعَبَّاس شهد بذلك قبل أَن يسلم. مَعَ أَن الصَّحِيح من الْأَثر قد أثبت لأبى طَالب الْوَفَاة على الْكفْر والشرك، وَأثبت نزُول هَذِه الْآيَة فِيهِ: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ 9: 113. وَثَبت فِي الصَّحِيح أَيْضا أَن الْعَبَّاس قَالَ لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِن أَبَا طَالب كَانَ يحوطك وينصرك ويغضب لَك، فَهَل يَنْفَعهُ ذَلِك؟ قَالَ: نعم، وجدته فِي غَمَرَات من النَّار، فَأَخْرَجته إِلَى ضحضاح. وَفِي الصَّحِيح أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل على أَبى طَالب عِنْد مَوته وَعِنْده أَبُو جهل وَعبد الله ابْن أَبى أُميَّة، فَقَالَ: يَا عَم، قل: لَا إِلَه إِلَّا الله، كلمة أشهد لَك بهَا عِنْد الله، فَقَالَ أَبُو جهل وَابْن أَبى أُميَّة: أترغب عَن مِلَّة عبد الْمطلب، فَقَالَ: أَنا على مِلَّة عبد الْمطلب. وَظَاهر الحَدِيث يَقْتَضِي أَن عبد الْمطلب مَاتَ على الشّرك. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .

سعى الرسول إلى ثقيف يطلب النصرة

يَعْنُونَ النَّصَارَى، لِقَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ 5: 73- إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ 38: 7 ثُمَّ هَلَكَ أَبُو طَالِبٍ. سَعْيُ الرَّسُولِ إلَى ثَقِيفٍ يَطْلُبُ النُّصْرَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا هَلَكَ أَبُو طَالِبٍ نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَذَى مَا لَمْ تَكُنْ تَنَالُ مِنْهُ فِي حَيَاةِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الطَّائِفِ، يَلْتَمِسُ النُّصْرَةَ مِنْ ثَقِيفٍ، وَالْمَنَعَةَ بِهِمْ مِنْ قَوْمِهِ، وَرَجَاءَ أَنْ يَقْبَلُوا مِنْهُ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ وَحْدَهُ. (نُزُولُ الرَّسُولِ بِثَلَاثَةِ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَتَحْرِيضُهُمْ عَلَيْهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: لَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الطَّائِفِ، عَمَدَ إلَى نَفَرٍ مِنْ ثَقِيفٍ، هُمْ يَوْمَئِذٍ سَادَةُ ثَقِيفٍ وَأَشْرَافُهُمْ، وَهُمْ إخْوَةٌ ثَلَاثَةٌ: عَبْدُ يَالَيْلَ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ، وَمَسْعُودُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ، وَحَبِيبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُقْدَةَ بْنِ غِيرَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ ثَقِيفٍ، وَعِنْدَ أَحَدِهِمْ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي جُمَحٍ، فَجَلَسَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَاهُمْ إلَى اللَّهِ، وَكَلَّمَهُمْ بِمَا جَاءَهُمْ لَهُ مِنْ نُصْرَتِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَالْقِيَامِ مَعَهُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمْ: هُوَ يَمْرُطُ [1] ثِيَابَ الْكَعْبَةِ إنْ كَانَ اللَّهُ أَرْسَلَكَ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَا وَجَدَ اللَّهُ أَحَدًا يُرْسِلُهُ غَيْرَكَ! وَقَالَ الثَّالِثُ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا. لَئِنْ كُنْتَ رَسُولًا مِنْ اللَّهِ كَمَا تَقُولُ، لَأَنْتَ أَعْظَمُ خَطَرًا مِنْ أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ الْكَلَامَ، وَلَئِنْ كُنْتَ تَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ، مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أُكَلِّمَكَ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِمْ وَقَدْ يئس من خبر ثَقِيفٍ، وَقَدْ قَالَ لَهُمْ- فِيمَا ذُكِرَ لِي-: إذَا فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ فَاكْتُمُوا عَنِّي، وَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْلُغَ قَوْمَهُ عَنْهُ، فَيُذْئِرَهُمْ [2] ذَلِكَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ عَبِيدُ بْنُ الْأَبْرَصِ:

_ [1] يمرطه: أَي يَنْزعهُ ويرمى بِهِ. [2] يذئرهم عَلَيْهِ: يثيرهم عَلَيْهِ ويجرئهم.

(توجهه صلى الله عليه وسلم إلى ربه بالشكوى) :

وَلَقَدْ أَتَانِي عَنْ تَمِيمٍ أَنَّهُمْ ... ذَئِرُوا لِقَتْلَى عَامِرٍ وَتَعَصَّبُوا [1] فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَأَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ وَعَبِيدَهُمْ، يَسُبُّونَهُ وَيَصِيحُونَ بِهِ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، وَأَلْجَئُوهُ إلَى حَائِطٍ [2] لِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَهُمَا فِيهِ، وَرَجَعَ عَنْهُ مِنْ سُفَهَاءِ ثَقِيفٍ مَنْ كَانَ يَتْبَعُهُ، فَعَمَدَ إلَى ظِلِّ حَبَلَةٍ [3] مِنْ عِنَبٍ، فَجَلَسَ فِيهِ. وَابْنَا رَبِيعَةَ يَنْظُرَانِ إلَيْهِ، وَيَرَيَانِ مَا لَقِيَ مِنْ سُفَهَاءِ أَهْلِ الطَّائِفِ، وَقَدْ لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا ذُكِرَ لِي- الْمَرْأَةَ الَّتِي مِنْ بَنِي جُمَحٍ، فَقَالَ لَهَا: مَاذَا لَقِينَا مِنْ أَحْمَائِكَ [4] ؟ (تَوَجُّهُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى رَبِّهِ بِالشَّكْوَى) : فَلَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ- فِيمَا ذُكِرَ لِي-: اللَّهمّ إلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَأَنْتَ رَبِّي، إلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي [5] ؟ أَمْ إلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ [6] ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَكَ، أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ سُخْطُكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِكَ.

_ [1] فِي ط: «وتغضبوا» . [2] الْحَائِط: الْبُسْتَان. [3] الحبلة: شَجَرَة الْعِنَب، أَو قضبانها. [4] هِيَ الْمَرْأَة الَّتِي ذكر أَنَّهَا عِنْد وَاحِد من النَّفر الثَّلَاثَة الثقفيين الَّذين نزل بهم الرَّسُول والأحماء: أقَارِب الزَّوْج. [5] تجهمه: استقبله بِوَجْه كريه. [6] الْوَجْه، إِذا جَاءَ ذكره فِي الْكتاب وَالسّنة، فَهُوَ يَنْقَسِم فِي الذّكر إِلَى موطنين: موطن تقرب واسترضاء بِعَمَل، كَقَوْلِه تَعَالَى: يُرِيدُونَ وَجْهَهُ 6: 52، وَكَقَوْلِه: إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ 92: 20، فالمطلوب فِي هَذَا الموطن رِضَاهُ وقبوله للْعَمَل، وإقباله على العَبْد الْعَامِل، وَأَصله أَن من رضى عَنْك أقبل عَلَيْك، وَمن غضب عَلَيْك أعرض عَنْك، وَلم يَرك وَجهه. والموطن الثَّانِي من مَوَاطِن ذكر الْوَجْه يُرَاد بِهِ مَا ظهر إِلَى الْقُلُوب والبصائر من أَوْصَاف جَلَاله ومجده، كَقَوْلِه تَعَالَى: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ 55: 27. وَالْوَجْه لُغَة: مَا ظهر من الشَّيْء معقولا كَانَ أَو محسوسا. أما النُّور فعبارة عَن الظُّهُور وانكشاف الْحَقَائِق الإلهية. وَبِه أشرقت الظُّلُمَات، أَي أشرقت محالها، وَهِي الْقُلُوب الَّتِي كَانَت فِيهَا ظلمات الْجَهَالَة والشكوك. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .

(قصة عداس النصراني معه صلى الله عليه وسلم) :

(قِصَّةُ عَدَّاسٍ النَّصْرَانِيِّ مَعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ: فَلَمَّا رَآهُ ابْنَا رَبِيعَةَ، عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ، وَمَا لَقِيَ، تَحَرَّكَتْ لَهُ رَحِمُهُمَا [1] ، فَدَعَوْا غُلَامًا لَهُمَا نَصْرَانِيًّا، يُقَالُ لَهُ عَدَّاسٌ، فَقَالَا لَهُ: خُذْ قِطْفًا (مِنْ هَذَا) [2] الْعِنَبِ، فَضَعْهُ فِي هَذَا الطَّبَقِ، ثُمَّ اذْهَبْ بِهِ إلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَقُلْ لَهُ يَأْكُلُ مِنْهُ. فَفَعَلَ عَدَّاسٌ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهِ حَتَّى وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: كُلْ، فَلَمَّا وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ يَدَهُ، قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ، ثُمَّ أَكَلَ، فَنَظَرَ عَدَّاسٌ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ إنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ هَذِهِ الْبِلَادِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمِنْ أَهْلِ أَيِّ الْبِلَادِ أَنْتَ يَا عَدَّاسُ، وَمَا دِينُكَ؟ قَالَ: نَصْرَانِيٌّ، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نِينَوَى [2] ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ قَرْيَةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ يُونُسَ بْنِ مَتَّى، فَقَالَ لَهُ عَدَّاسٌ: وَمَا يُدْرِيكَ مَا يُونُسُ بْنُ مَتَّى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ أَخِي، كَانَ نَبِيًّا وَأَنَا نَبِيٌّ، فَأَكَبَّ عَدَّاسٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ رَأْسَهُ وَيَدَيْهِ وَقَدَمَيْهِ [3] . قَالَ: يَقُولُ ابْنَا رَبِيعَةَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَمَّا غُلَامُكَ فَقَدْ أَفْسَدَهُ عَلَيْكَ. فَلَمَّا جَاءَهُمَا عَدَّاسٌ، قَالَا لَهُ: وَيْلَكَ يَا عدّاس! مَا لَك تُقَبِّلُ رَأْسَ هَذَا الرَّجُلِ وَيَدَيْهِ وَقَدَمَيْهِ؟ قَالَ: يَا سَيِّدِي مَا فِي الْأَرْضِ شَيْءٌ خَيْرٌ مِنْ هَذَا، لَقَدْ أَخْبَرَنِي بِأَمْرِ مَا يَعْلَمُهُ إلَّا نَبِيٌّ، قَالَا لَهُ: وَيْحَكَ يَا عَدَّاسُ، لَا يَصْرِفَنَّكَ عَنْ دِينِكَ، فَإِنَّ دِينَكَ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ. (أَمْرُ الْجِنِّ الَّذِينَ اسْتَمَعُوا لَهُ وَآمَنُوا بِهِ) : قَالَ: ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ الطَّائِفِ رَاجِعًا إلَى مَكَّةَ،

_ [1] الرَّحِم: الصِّلَة والقرابة. [2] زِيَادَة عَن أ، ط. [3] قَالَ السهيليّ: «وَزَاد التَّيْمِيّ فِيهَا: أَن عداسا حِين سَمعه يذكر ابْن مَتى، قَالَ: وَالله لقد خرجت مِنْهَا- يعْنى نِينَوَى- وَمَا فِيهَا عشرَة يعْرفُونَ مَا مَتى، فَمن أَيْن عرفت أَنْت مَتى، وَأَنت أمى وَفِي أمة أُميَّة؟ فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ أخى، إِلَى آخر الْقِصَّة.

عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل

حِينَ يَئِسَ مِنْ خَيْرِ ثَقِيفٍ، حَتَّى إذَا كَانَ بِنَخْلَةَ [1] قَامَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يُصَلِّي، فَمَرَّ بِهِ النَّفَرُ مِنْ الْجِنِّ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَهُمْ- فِيمَا ذُكِرَ لِي- سَبْعَةُ نَفَرٍ مِنْ جِنِّ أَهْلِ نَصِيبِينَ [2] ، فَاسْتَمَعُوا لَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَلَّوْا إلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، قَدْ آمَنُوا وَأَجَابُوا إلَى مَا سَمِعُوا. فَقَصَّ اللَّهُ خَبَرَهُمْ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ 46: 29 ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ 46: 31. وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ 72: 1 ... إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ مِنْ خَبَرِهِمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ. عَرْضُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ عَلَى الْقَبَائِلِ (عَرْضُ الرَّسُولِ نَفْسَهُ عَلَى الْعَرَبِ فِي مَوَاسِمِهِمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، وَقَوْمُهُ أَشَدُّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِهِ وَفِرَاقِ دِينِهِ، إلَّا قَلِيلًا مُسْتَضْعَفِينَ، مِمَّن آمن بِهِ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ فِي الْمَوَاسِمِ، إذَا كَانَتْ، عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ يَدْعُوهُمْ إلَى اللَّهِ، وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَيَسْأَلُهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ وَيَمْنَعُوهُ حَتَّى يُبَيِّنَ (لَهُمْ) [3] اللَّهُ مَا بَعَثَهُ بِهِ [4] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مِنْ أَصْحَابِنَا، مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ [5] عَنْ

_ [1] نَخْلَة: أحد واديين على لَيْلَة من مَكَّة، يُقَال لأَحَدهمَا نَخْلَة الشامية، وَللْآخر نَخْلَة اليمانية. [2] نَصِيبين: قَاعِدَة ديار ربيعَة. [3] زِيَادَة عَن أ. [4] فِي أ: «لَهُ» . [5] هُوَ زيد بن أسلم الْعَدوي أَبُو أُسَامَة. وَيُقَال أَبُو عبد الله الْمدنِي النقير، مولى عمر. روى عَن أَبِيه وَابْن عمر وأبى هُرَيْرَة وَعَائِشَة وَجَابِر وَرَبِيعَة هَذَا وَغَيرهم. وَعنهُ أَوْلَاده الثَّلَاثَة أُسَامَة وَعبد الله وَعبد الرَّحْمَن أَو مَالك وَابْن عجلَان وَغَيرهم. (رَاجع تَهْذِيب التَّهْذِيب) .

رَبِيعَةَ بْنِ عَبَّادٍ الدِّيلِيِّ [1] ، أَوْ مَنْ [2] حَدَّثَهُ أَبُو الزِّنَادِ عَنْهُ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: رَبِيعَةُ ابْن عَبَّادٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ [3] عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ عَبَّادٍ، يُحَدِّثُهُ أَبِي، قَالَ: إنِّي لَغُلَامٌ شَابٌّ مَعَ أَبِي بِمِنًى، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقِفُ عَلَى مَنَازِلِ الْقَبَائِلِ مِنْ الْعَرَبِ، فَيَقُولُ: يَا بَنِي فُلَانٍ، إنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ، يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَخْلَعُوا مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَنْدَادِ، وَأَنْ تُؤْمِنُوا بِي، وَتُصَدِّقُوا بِي، وَتَمْنَعُونِي، حَتَّى أُبَيِّنَ عَنْ اللَّهِ مَا بَعَثَنِي بِهِ. قَالَ: وَخَلْفَهُ رَجُلٌ أَحْوَلُ وَضِيءٌ، لَهُ غَدِيرَتَانِ [4] عَلَيْهِ حُلَّةٌ عَدَنِيَّةٌ. فَإِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا دَعَا إلَيْهِ، قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ: يَا بَنِي فُلَانٍ، إنَّ هَذَا إنَّمَا يَدْعُوكُمْ أَنْ تَسْلُخُوا اللَّاتَ وَالْعُزَّى مِنْ أَعْنَاقِكُمْ، وَحَلْفَاءَكُمْ مِنْ الْجِنِّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ أُقَيْشٍ [5] ، إلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالَةِ، فَلَا تُطِيعُوهُ، وَلَا تَسْمَعُوا مِنْهُ. قَالَ: فَقُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ، مَنْ هَذَا الَّذِي يَتْبَعُهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا يَقُولُ؟ قَالَ: هَذَا عَمُّهُ عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَبُو لَهَبٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ النَّابِغَةُ:

_ [1] كَذَا فِي تَهْذِيب التَّهْذِيب فِي تَرْجَمَة زيد بن أسلم، وتراجم رجال ص 65. وَفِي الْأُصُول «الدؤَلِي» وَهِي رِوَايَة فِيهِ. وَعباد. بِكَسْر الْمُهْملَة، وخفة الْمُوَحدَة. (كَذَا فِي الْمَوَاهِب) وَفِي كنَانَة بن خُزَيْمَة الديل (بِكَسْر الدَّال وَسُكُون الْيَاء) ابْن بكر بن عبد مَنَاة، رَهْط أَبى الْأسود الديليّ، واسْمه ظَالِم بن عَمْرو، وَقيل: هم ثَلَاثَة: الدول بن حنيفَة (سَاكن الْوَاو) والديل فِي عبد الْقَيْس (سَاكن الْيَاء) ، والدؤل فِي كنَانَة رَهْط أَبى الْأسود، (الْوَاو مَهْمُوزَة) وَقيل: فِي عبد الْقَيْس: أَيْضا: الديل بن عَمْرو بن وَدِيعَة بن أفصى، وَفِي الأزد: الديل بن هداد بن زيد مَنَاة بن حجر، وَفِي تغلب وَفِي ربيعَة أَيْضا. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وَمن» . [3] هُوَ الْحُسَيْن بن عبد الله بن عبيد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أَبُو عبد الله الْهَاشِمِي الْمدنِي. روى عَن ربيعَة هَذَا وَعِكْرِمَة، وروى عَنهُ غير ابْن إِسْحَاق، ابْن عجلَان، وَابْن جريج وَابْن الْمُبَارك وَغَيرهم. وَتوفى الْحُسَيْن سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَة. (رَاجع تراجم رجال) . [4] الغديرة: الذؤابة من الشّعْر. [5] إِلَى هَذَا الْحَيّ من الْجِنّ «بنى أقيش» تنْسب الْإِبِل الأقيشية، وَهِي غير عتاق تنفر من كل شَيْء.

(عرض الرسول نفسه على بنى كلب) :

كَأَنَّكَ مِنْ جِمَالِ بَنِي أُقَيْشٍ ... يُقَعْقَعُ خَلْفَ [1] رِجْلَيْهِ بِشَنِّ [2] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ: أَنَّهُ أَتَى كِنْدَةَ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَفِيهِمْ سَيِّدٌ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: مُلَيْحٌ، فَدَعَاهُمْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ. (عَرْضُ الرَّسُولِ نَفْسَهُ عَلَى بَنِي كَلْبٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُصَيْنٍ: أَنَّهُ أَتَى كَلْبًا فِي مَنَازِلِهِمْ، إلَى بَطْنٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَبْدِ اللَّهِ، فَدَعَاهُمْ إلَى اللَّهِ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، حَتَّى إنَّهُ لَيَقُولُ لَهُمْ: يَا بَنِي عَبْدِ اللَّهِ، إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَحْسَنَ اسْمَ أَبِيكُمْ، فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ. (عَرْضُ الرَّسُولِ نَفْسَهُ عَلَى بَنِي حَنِيفَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بَنِي حَنِيفَةَ [3] فِي مَنَازِلِهِمْ، فَدَعَاهُمْ إلَى اللَّهِ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الْعَرَبِ أَقْبَحَ عَلَيْهِ رَدًّا مِنْهُمْ. (عَرْضُ الرَّسُولِ نَفْسَهُ عَلَى بَنِي عَامِرٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ أَتَى بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، فَدَعَاهُمْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ- يُقَالُ لَهُ: بَيْحَرَةُ ابْن فِرَاسٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فِرَاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ (الْخَيْرِ) [4] بْنِ قُشَيْرِ ابْن كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ-: وَاَللَّهِ، لَوْ أَنِّي أَخَذْتُ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ، لَأَكَلْتُ بِهِ الْعَرَبَ، ثُمَّ قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ نَحْنُ بَايَعْنَاكَ [5] عَلَى أَمْرِكَ، ثُمَّ

_ [1] ويروى: «بَين» . [2] الشن: الْقرْبَة الْخلق. وَالْجمع: شنان. يُشِير إِلَى أَنه يُحَرك هَذَا الْجلد الْيَابِس لِلْإِبِلِ لتفزع. وَمِنْه الْمثل: «فلَان لَا يقعقع لَهُ بالشنان» : أَي لَا يخدع وَلَا يروع. [3] وَاسم حنيفَة: أَثَال بن لجيم (على التصغير) ابْن صَعب بن على بن بكر بن وَائِل، وسمى: حنيفَة، لحنف كَانَ فِي رجلَيْهِ (أَي اعوجاج) ، وَقيل: بل حنيفَة أمّهم، وَهِي بنت كَاهِل بن أَسد، عرفُوا بهَا، وهم أهل الْيَمَامَة وَأَصْحَاب مُسَيْلمَة الْكذَّاب. [4] زِيَادَة عَن أ، ط. [5] كَذَا فِي أ: وَفِي سَائِر الْأُصُول: «تابعناك» .

(عرض الرسول نفسه على العرب في المواسم) :

أَظْهَرَكَ اللَّهُ عَلَى مَنْ خَالَفَكَ، أَيَكُونُ لَنَا الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِكَ؟ قَالَ: الْأَمْرُ إلَى اللَّهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ: أَفَتُهْدَفُ [1] نَحُورُنَا لِلْعَرَبِ دُونَكَ، فَإِذَا أَظْهَرَكَ اللَّهُ كَانَ الْأَمْرُ لِغَيْرِنَا! لَا حَاجَةَ لَنَا بِأَمْرِكَ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ. فَلَمَّا صَدَرَ النَّاسُ رَجَعَتْ بَنُو عَامِرٍ إلَى شَيْخٍ لَهُمْ، قَدْ كَانَتْ أَدْرَكَتْهُ السِّنُّ، حَتَّى لَا يَقْدِرَ أَنْ يُوَافِيَ مَعَهُمْ الْمَوَاسِمَ، فَكَانُوا إذَا رَجَعُوا إلَيْهِ حَدَّثُوهُ بِمَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْمَوْسِمِ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ الْعَامَ سَأَلَهُمْ عَمَّا كَانَ فِي مَوْسِمِهِمْ، فَقَالُوا: جَاءَنَا فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، يَدْعُونَا إلَى أَنْ نَمْنَعَهُ وَنَقُومَ مَعَهُ، وَنَخْرُجَ بِهِ إلَى بِلَادِنَا. قَالَ: فَوَضَعَ الشَّيْخُ يَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا بَنِي عَامِرٍ، هَلْ لَهَا مِنْ تَلَافٍ، هَلْ لِذُنَابَاهَا مِنْ مَطْلَبٍ [2] ، وَاَلَّذِي نَفْسُ فُلَانٍ بِيَدِهِ، مَا تَقَوَّلَهَا إسْمَاعِيلِيٌّ [3] قَطُّ، وَإِنَّهَا لَحَقٌّ، فَأَيْنَ رَأْيُكُمْ كَانَ عَنْكُمْ. (عَرْضُ الرَّسُولِ نَفْسَهُ عَلَى الْعَرَبِ فِي الْمَوَاسِمِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ، كُلَّمَا اجْتَمَعَ لَهُ النَّاسُ بِالْمَوْسِمِ أَتَاهُمْ يَدْعُو الْقَبَائِلَ إلَى اللَّهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ، وَيَعْرِضُ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ اللَّهِ مِنْ الْهُدَى وَالرَّحْمَةِ، وَهُوَ لَا يَسْمَعُ بِقَادِمِ يَقْدَمُ مَكَّةَ مِنْ الْعَرَبِ، لَهُ اسْمٌ وَشَرَفٌ، إلَّا تَصَدَّى لَهُ، فَدَعَاهُ إلَى اللَّهِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِ مَا عِنْدَهُ. (سُوَيْدُ بْنُ صَامِتٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ، ثُمَّ الظَّفَرِيُّ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: قَدِمَ سُوَيْدُ بْنُ [4] صَامِتٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا،

_ [1] تهدف: أَي تصير هدفا يرْمى. [2] هَذَا مثل يضْرب لما فَاتَ. وَأَصله من «ذنابى الطَّائِر» إِذا أفلت من الحبالة فطلبت الْأَخْذ. [3] أَي مَا ادّعى النُّبُوَّة كَاذِبًا أحد من بنى إِسْمَاعِيل [4] هُوَ سُوَيْد بن الصَّامِت بن حوط بن حبيب بن عَوْف بن عَمْرو بن عَوْف بن مَالك بن الْأَوْس، وَأمه ليلى بنت عَمْرو النجارية، أُخْت سلمى بنت عَمْرو، أم عبد الْمطلب بن هَاشم. فَهُوَ على هَذَا ابْن خَالَة عبد الْمطلب. وَبنت سُوَيْد، هِيَ أم عَاتِكَة، أُخْت سعيد بن زيد، امْرَأَة عمر بن الْخطاب، فَهُوَ جدها لأمها، وَاسم أمهَا زَيْنَب، وَقيل: جليسة بنت سُوَيْد (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .

وَكَانَ سُوَيْدُ إنَّمَا يُسَمِّيهِ قَوْمُهُ فِيهِمْ: الْكَامِلَ، لِجَلَدِهِ وَشِعْرِهِ وَشَرَفِهِ وَنَسَبِهِ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: أَلَا رُبَّ مَنْ تَدْعُو صَدِيقًا وَلَوْ تَرَى ... مَقَالَتَهُ بِالْغَيْبِ سَاءَكَ مَا يَفْرِي [1] مَقَالَتُهُ كَالشَّهْدِ مَا كَانَ شَاهِدًا ... وَبِالْغَيْبِ مَأْثُورٌ عَلَى ثُغْرَةِ النَّحْرِ [2] يَسُرُّكَ بَادِيهِ وَتَحْتَ أَدِيَمِهِ ... نَمِيمَةُ غِشٍّ تَبْتَرِي عَقَبَ الظَّهْرِ [3] تُبِينُ لَكَ الْعَيْنَانِ مَا هُوَ كَاتِمٌ ... مِنْ الْغِلِّ وَالْبَغْضَاءِ بِالنَّظَرِ الشَّزْرِ فَرِشْنِي بِخَيْرٍ طَالَمَا قَدْ بَرَيْتنِي [4] ... فَخَيْرُ [5] الْمَوَالِي مَنْ يَرِيشُ وَلَا يَبْرِي وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: وَنَافَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، ثُمَّ أَحَدَ بَنِي زِعْبِ [6] بن مَالك مائَة نَاقَةٍ، إلَى كَاهِنَةٍ مِنْ كُهَّانِ الْعَرَبِ، فَقَضَتْ لَهُ. فَانْصَرَفَ عَنْهَا هُوَ وَالسُّلَمِيُّ، لَيْسَ مَعَهُمَا غَيْرُهَا، فَلَمَّا فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا الطَّرِيق، قَالَ: مَا لي، يَا أَخَا بَنِي سُلَيْمٍ قَالَ: أَبْعَثُ إلَيْكَ بِهِ، قَالَ: فَمَنْ لِي بِذَلِكَ إذَا فُتَّنِي بِهِ؟ قَالَ: أَنَا، قَالَ: كَلَّا، وَاَلَّذِي نَفْسُ سُوَيْدٍ بِيَدِهِ، لَا تُفَارِقَنِّي حَتَّى أُوتَى بِمَالِي، فَاِتَّخَذَا [7] فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ، ثُمَّ أَوْثَقَهُ رِبَاطًا، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ إلَى دَارِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ حَتَّى بَعَثَتْ إلَيْهِ سُلَيْمٌ بِاَلَّذِي لَهُ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ: لَا تَحْسَبَنِّي يَا بْنَ زِعْبِ بْنِ مَالِكٍ ... كَمَنْ كُنْتَ تُرْدِي بِالْغُيُوبِ وَتَخْتِلُ [8] تَحَوَّلْتَ قِرْنًا إذْ صُرِعْتَ بِعِزَّةٍ [9] ... كَذَلِكَ إِنَّ الْحَازِمَ الْمُتَحَوِّلُ

_ [1] يفرى: يختلق. [2] الْمَأْثُور: السَّيْف الْمُوشى. [3] تبترى: تقطع. وعقب الظّهْر (بِالتَّحْرِيكِ) : عصبه. [4] راشه: أَي قواه. وبراه: أَي أضعفه. [5] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وَخير» . [6] قَالَ أَبُو ذَر فِي الْكَلَام على «زعب» : «وَقع هُنَا بالروايات الثَّلَاث، بِفَتْح الزاى وَضمّهَا وَكسرهَا، الْعين مُهْملَة، وزغب، بالزاي الْمَكْسُورَة والغين الْمُعْجَمَة، قَيده الدارقطنيّ، وَذكر أَن الطَّبَرِيّ حَكَاهُ كَذَلِك» . [7] اتخذا: أَخذ كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه فِي قتال أَو نَحوه. [8] يردى: يهْلك. ويختل: يخدع. [9] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بغرة» .

إسلام إياس بن معاذ وقصة أبى الحيسر

ضَرَبْتُ بِهِ إِبْطَ «الشَّمَالِ فَلَمْ يَزَلْ ... عَلَى كُلِّ حَالٍ خَدُّهُ هُوَ أَسْفَلُ فِي أَشْعَارٍ كَثِيرَةٍ كَانَ يَقُولُهَا. فَتَصَدَّى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ بِهِ، فَدَعَاهُ إلَى اللَّهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُ سُوَيْدٌ: فَلَعَلَّ الَّذِي مَعَكَ مِثْلُ الَّذِي مَعِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا الَّذِي مَعَكَ؟ قَالَ: مَجَلَّةُ [1] لُقْمَانَ [2]- يَعْنِي حِكْمَةَ لُقْمَانَ- فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اعْرِضْهَا عَلَيَّ، فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: إنَّ هَذَا لَكَلَامٌ حَسَنٌ، وَاَلَّذِي مَعِي أَفَضْلُ مِنْ هَذَا، قُرْآنٌ أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ، هُوَ هُدًى وَنُورٌ. فَتَلَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، وَدَعَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ، وَقَالَ: إنَّ هَذَا لَقَوْلٌ حَسَنٌ. ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى قَوْمِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ قتلته الْخَزْرَج، فان كَانَ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ لَيَقُولُونَ: إنَّا لَنَرَاهُ قَدْ قُتِلَ وَهُوَ مُسْلِمٌ. وَكَانَ قَتْلُهُ قَبْلَ يَوْمِ بُعَاثٍ [3] . إسْلَامُ إيَاسِ بْنِ مُعَاذٍ وَقِصَّةُ أَبِي الْحَيْسَرِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو الْحَيْسَرِ، أَنَسُ بْنُ رَافِعٍ، مَكَّةَ وَمَعَهُ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فِيهِمْ إيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ، يَلْتَمِسُونَ الْحِلْفَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى قَوْمِهِمْ مِنْ الْخَزْرَجِ، سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُمْ فَجَلَسَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: هَلْ لَكُمْ فِي خَيْرٍ مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ؟ فَقَالُوا لَهُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي إلَى الْعِبَادِ، أَدْعُوهُمْ إلَى أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ الْكِتَابَ. قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ لَهُمْ الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ. قَالَ: فَقَالَ إيَاسُ

_ [1] الْمجلة: الصَّحِيفَة وَفِي رِوَايَة: حِكْمَة. [2] قَالَ السهيليّ: «ولقمان كَانَ نوبيا من أهل أَيْلَة، وَهُوَ لُقْمَان بن عنقاء بن سرُور، فِيمَا ذكرُوا، وَابْنه الّذي ذكر فِي الْقُرْآن هُوَ ثاران، فِيمَا ذكر الزّجاج وَغَيره، وَقد قيل فِي اسْمه غير ذَلِك، وَلَيْسَ بلقمان بن عَاد الْحِمْيَرِي» وَالله أعلم. [3] بُعَاث (بِالْعينِ الْمُهْملَة، ويروى بالغين الْمُعْجَمَة أَيْضا) : مَوضِع كَانَت فِيهِ حَرْب بَين الْأَوْس والخزرج.

بدء إسلام الأنصار

ابْن مُعَاذٍ، وَكَانَ غُلَامًا حَدَثًا: أَيْ قَوْمِ، هَذَا وَاَللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ. قَالَ: فَيَأْخُذُ أَبُو الْحَيْسَرِ، أَنَسُ بْنُ رَافِعٍ، حَفْنَةً مِنْ تُرَابِ الْبَطْحَاءِ، فَضَرَبَ بِهَا وَجْهَ إيَاسِ ابْن مُعَاذٍ، وَقَالَ: دَعْنَا مِنْكَ، فَلَعَمْرِي لَقَدْ جِئْنَا لِغَيْرِ هَذَا. قَالَ: فَصَمَتَ إيَاسٌ، وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ، وَانْصَرَفُوا إلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ وَقْعَةُ بُعَاثٍ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ. قَالَ: ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ إيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ أَنْ هَلَكَ. قَالَ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ: فَأَخْبَرَنِي مَنْ حَضَرَهُ مِنْ قَوْمِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ: أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَسْمَعُونَهُ يُهَلِّلُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُكَبِّرُهُ وَيَحْمَدُهُ وَيُسَبِّحُهُ حَتَّى مَاتَ، فَمَا كَانُوا يَشُكُّونَ أَنْ قَدْ مَاتَ مُسْلِمًا، لَقَدْ كَانَ اسْتَشْعَرَ الْإِسْلَامَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، حِينَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا سَمِعَ. بَدْءُ إسْلَامِ الْأَنْصَارِ (رَسُولُ اللَّهِ وَرَهْطٌ مِنْ الْخَزْرَجِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إظْهَارَ دِينِهِ، وَإِعْزَازَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْجَازَ مَوْعِدِهِ لَهُ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوْسِمِ الَّذِي لَقِيَهُ فِيهِ النَّفَرُ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَعَرَضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ، كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ. فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ لَقِيَ رَهْطًا مِنْ الْخَزْرَجِ أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ خَيْرًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: لَمَّا لَقِيَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُمْ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَفَرٌ مِنْ الْخَزْرَجِ، قَالَ: أَمِنْ مَوَالِي يَهُودَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَفَلَا تَجْلِسُونَ أُكَلِّمُكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى. فَجَلَسُوا مَعَهُ، فَدَعَاهُمْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ. قَالَ: وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ بِهِمْ [1] فِي الْإِسْلَامِ، أَنَّ يَهُودَ كَانُوا مَعَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ، وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَعِلْمٍ، وَكَانُوا هُمْ أَهْلَ شِرْكٍ وَأَصْحَابَ أَوْثَانٍ، وَكَانُوا قَدْ غَزَوْهُمْ [2] بِبِلَادِهِمْ، فَكَانُوا إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ قَالُوا لَهُمْ: إنَّ

_ [1] كَذَا فِي ط، فِي أ: «مِمَّا صنع الله بِهِ فِي الْإِسْلَام» ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «مِمَّا صنع الله لَهُم بِهِ فِي الْإِسْلَام» . [2] كَذَا فِي الْأُصُول ولعلها محرفة عَن «عزوهم» بتَشْديد الزاى أَي غلبوهم.

(أسماء الرهط الخزرجيين الذين التقوا بالرسول عند العقبة) :

نَبِيًّا مَبْعُوثٌ الْآنَ، قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ، نَتَّبِعُهُ فَنَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ. فَلَمَّا كَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُولَئِكَ النَّفَرَ، وَدَعَاهُمْ إلَى اللَّهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: يَا قَوْمِ، تَعْلَمُوا وَاَللَّهِ إنَّهُ لَلنَّبِيُّ الَّذِي تَوَعَّدَكُمْ بِهِ يَهُودُ، فَلَا تَسْبِقُنَّكُمْ إلَيْهِ. فَأَجَابُوهُ فِيمَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ، بِأَنْ صَدَّقُوهُ وَقَبِلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَقَالُوا: إنَّا قَدْ تَرَكْنَا قَوْمَنَا، وَلَا قَوْمَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَةِ وَالشَّرِّ مَا بَيْنَهُمْ، فَعَسَى أَنْ يَجْمَعَهُمْ اللَّهُ بِكَ، فَسَنَقْدَمُ عَلَيْهِمْ، فَنَدْعُوهُمْ إلَى أَمْرِكَ، وَتَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الَّذِي أَجَبْنَاكَ إلَيْهِ مِنْ هَذَا الدِّينِ، فَإِنْ يَجْمَعْهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَا رَجُلَ أَعَزُّ مِنْكَ. ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعِينَ إلَى بِلَادِهِمْ، وَقَدْ آمَنُوا وَصَدَّقُوا. (أَسَمَاءُ الرَّهْطِ الْخَزْرَجِيِّينَ الَّذِينَ الْتَقَوْا بِالرَّسُولِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهُمْ- فِيمَا ذُكِرَ لِي-: سِتَّةُ نَفَرٍ مِنْ الْخَزْرَجِ، مِنْهُمْ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ- وَهُوَ تَيْمُ اللَّهِ- ثُمَّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ: أَسْعَدُ [1] بْنُ زُرَارَةَ بْنِ عُدَسَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ، وَعَوْفُ [2] بْنُ الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَعَفْرَاءُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ [3] بْنِ غَنْمِ ابْن مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ ابْن غَضْبِ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ: رَافِعُ [4] بْنُ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ.

_ [1] كَانَ أسعد نَقِيبًا، شهد الْعقبَة الأولى وَالثَّانيَِة، وَبَايع فيهمَا. وَيُقَال: إِنَّه أول من بَايع النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْعقبَة. وَمَات قبل بدر، أَخَذته الذبْحَة وَالْمَسْجِد يبْنى، فكواه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَات فِي تِلْكَ الْأَيَّام. (رَاجع الِاسْتِيعَاب) [2] شهد عَوْف بَدْرًا مَعَ أَخَوَيْهِ معَاذ ومعوذ. وَقتل هُوَ ومعوذ شهيدين يَوْم بدر (رَاجع الِاسْتِيعَاب) [3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والاستيعاب وَفِي أ: «وعفراء ابْنة عبيد بن ثَعْلَبَة بن غنم» [4] يكنى رَافع: أَبَا مَالك، وَقيل: أَبُو رِفَاعَة. وَهُوَ نقيب بَدْرِي، شهد الْعقبَة الأولى وَالثَّانيَِة،

قَالَ [1] ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَامِرُ بْنُ الْأَزْرَقِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي سَلِمَةَ [2] بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ [3] ابْن جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ: قُطْبَةُ [4] ابْن عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ سَوَادِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمْرُو بْنُ سَوَادٍ، وَلَيْسَ لِسَوَادٍ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ: غَنْمٌ [5] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ: عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ [6] بْنِ نَابِي بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ. وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ: جَابِرُ [7] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْن رِئَابِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ. فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ إلَى قَوْمِهِمْ ذَكَرُوا لَهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَوْهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى فَشَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إلَّا وَفِيهَا ذِكْرٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

_ [ () ] وَشهد بَدْرًا. وَلم يذكرهُ ابْن إِسْحَاق فِي الْبَدْرِيِّينَ. وَذكر فيهم ولديه رِفَاعَة وخلادا. (رَاجع الِاسْتِيعَاب) [1] مَكَان هَذِه الْعبارَة فِي أ، ط: بعد كلمة «الْخَزْرَج» وَقبل كلمة «رَافع» [2] سَلمَة: بِكَسْر اللَّام، كَمَا ذكر السهيليّ. وَالنِّسْبَة إِلَيْهِم: سلمى (بِالْفَتْح) [3] كَذَا فِي أ، وَالرَّوْض الْأنف، وَفِي جَمِيع الْأُصُول فِيمَا سَيَأْتِي وَلَا يعرف فِي الْعَرَب تزيد (بِالتَّاءِ) إِلَّا هَذَا. وتزيد بن الحاف بن قضاعة، وهم الَّذين تنْسب إِلَيْهِم الثِّيَاب التزيدية. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «يزِيد» بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة، وَهُوَ تَصْحِيف [4] وَيُقَال: قُطْبَة بن عَمْرو. ويكنى أَبَا زيد. شهد الْعقبَة الأولى وَالثَّانيَِة وبدرا وأحدا والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَت مَعَه راية بنى سَلمَة يَوْم الْفَتْح. وجرح يَوْم أحد تسع جراحات. وَتوفى زمن عُثْمَان رضى الله عَنهُ. (رَاجع الِاسْتِيعَاب) [5] تقدم عَن ابْن إِسْحَاق فِي سِيَاق قبيل «قُطْبَة» مَا يُؤَيّد مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن هِشَام [6] شهد «عقبَة» بَدْرًا بعد شُهُوده الْعقبَة الأولى، ثمَّ شهد أحدا فَأعْلم بعصابة خضراء فِي مغْفرَة. وَلَقَد شهد الخَنْدَق وَسَائِر الْمشَاهد. وَقتل يَوْم الْيَمَامَة شَهِيدا. (رَاجع الِاسْتِيعَاب) [7] شهد جَابر بَدْرًا وأحدا وَالْخَنْدَق وَسَائِر الْمشَاهد مَعَ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَهُوَ أول من أسلم من الْأَنْصَار قبل الْعقبَة الأولى بعام. (رَاجع الِاسْتِيعَاب) وَجَابِر هَذَا غير جَابر بن عبد الله بن عَمْرو بن حرَام الْأنْصَارِيّ الصَّحَابِيّ ابْن الصَّحَابِيّ (الزرقانى على الْمَوَاهِب)

العقبة الأولى ومصعب بن عمير

الْعَقَبَةُ الْأُولَى وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ حَتَّى إذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ وَافَى الْمَوْسِمَ مِنْ الْأَنْصَارِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَلَقَوْهُ بِالْعَقَبَةِ. (قَالَ) [1] : وَهِيَ الْعَقَبَةُ الْأُولَى، فَبَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَيْعَةِ النِّسَاءِ [2] ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ الْحَرْبُ. (رِجَالُ الْعَقَبَةِ الْأُولَى مِنْ بَنِي النَّجَّارِ) : مِنْهُمْ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ: أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ بْنِ عُدَسَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ، وَعَوْفٌ، وَمُعَاذٌ، ابْنَا الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ. (رِجَالُ الْعَقَبَةِ الْأُولَى مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ) : وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ [3] بْنِ عَامِرٍ: رَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ، وَذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ مُخْلِدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ذَكْوَانُ، مُهَاجِرِيٌّ أَنْصَارِيٌّ. (رِجَالُ الْعَقَبَةِ الْأُولَى مِنْ بَنِي عَوْفٍ) : وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ عَوْفِ [4] بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَهُمْ الْقَوَاقِلُ [5] : عُبَادَةُ بْنُ [6] الصَّامِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ أَصْرَمَ [7]

_ [1] زِيَادَة عَن أ [2] قد ذكر الله تَعَالَى بيعَة النِّسَاء فِي الْقُرْآن، فَقَالَ: يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً 60: 12 فَأَرَادَ ببيعة النِّسَاء أَنهم لم يبايعوه على الْقِتَال. وَكَانَت مبايعته للنِّسَاء أَنه يَأْخُذ عليهنّ الْعَهْد والميثاق. فَإِذا أقررن بألسنتهن، قَالَ: قد بايعتكن. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) [3] فِي أهنا: «وَمن بنى عَامر بن زُرَيْق» [4] فِي أ: «ثمَّ من بنى غنم بن عَوْف بن الْخَزْرَج» [5] سيعرض ابْن هِشَام لتفسير كلمة «القواقل» بعد قَلِيل [6] يكنى عبَادَة: أَبَا الْوَلِيد. وَأمه: قُرَّة الْعين بنت عبَادَة بن نَضْلَة بن مَالك بن العجلان وَكَانَ عبَادَة نَقِيبًا شهد الْعقبَة الأولى وَالثَّانيَِة وَالثَّالِثَة وَشهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا. ثمَّ وَجهه عمر إِلَى الشَّام قَاضِيا ومعلما، فَأَقَامَ بحمص ثمَّ انْتقل إِلَى فلسطين وَمَات بهَا وَدفن بِبَيْت الْمُقَدّس، وقبره مَعْرُوف بهَا إِلَى الْيَوْم. وَفِي وَفَاته أَقْوَال أُخْرَى. (رَاجع الِاسْتِيعَاب) [7] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والاستيعاب، وَفِي أ: «أحرم»

(مقالة ابن هشام في اسم القواقل) :

ابْن فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَزْمَةَ [1] ابْن أَصْرَمَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَمَّارَةَ [2] ، مِنْ بَنِي غُصَيْنَةَ، مِنْ بَلِيٍّ، حَلِيفٌ لَهُمْ. (مَقَالَةُ ابْنِ هِشَامٍ فِي اسْمِ الْقَوَاقِلِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُمْ الْقَوَاقِلُ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا اسْتَجَارَ بِهِمْ الرَّجُلُ دَفَعُوا لَهُ سَهْمًا، وَقَالُوا لَهُ: قَوْقِلْ بِهِ بِيَثْرِبَ حَيْثُ شِئْتَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْقَوْقَلَةُ: ضَرْبٌ مِنْ الْمَشْيِ. (رِجَالُ الْعَقَبَةِ مِنْ بَنِي سَالِمٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ: الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ [3] بْنِ نَضَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ. (رِجَالُ الْعَقَبَةِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، بِلَامِ مَكْسُورَةٍ) : وَمِنْ بَنِي سَلِمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَلِمَةَ: عُقْبَةُ بْنُ [4] عَامِرِ بْنِ نَابِي بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ. (رِجَالُ الْعَقَبَةِ مِنْ بَنِي سَوَادٍ) : وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ قُطْبَةُ بْنُ [5] عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ ابْن عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ سَوَادِ.

_ [1] قَالَ الطَّبَرِيّ: خزمة (بِفَتْح الزاى) فِيمَا ذكر الدارقطنيّ. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق وَابْن الْكَلْبِيّ: خزمة (بِسُكُون الزاى) وَهُوَ الصَّوَاب. قَالَ أَبُو عمر: لَيْسَ فِي الْأَنْصَار خزمة، بِالتَّحْرِيكِ عَن الِاسْتِيعَاب [2] عمَارَة: هُوَ بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْمِيم. (رَاجع الِاسْتِيعَاب) [3] شهد الْعَبَّاس بيعَة العقبتين، وَأقَام مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة حَتَّى هَاجر إِلَى الْمَدِينَة، فَكَانَ يُقَال لَهُ: مُهَاجِرِي أنصارى: قتل يَوْم أحد شَهِيدا، وَلم يشْهد بَدْرًا (عَن الِاسْتِيعَاب) [4] رَاجع التَّعْرِيف بِهِ فِي الْحَاشِيَة (رقم 6 ص 430) [5] رَاجع التَّعْرِيف بِهِ فِي الْحَاشِيَة (رقم 4 ص 430)

(رجال العقبة من الأوس) :

(رِجَالُ الْعَقَبَةِ مِنْ الْأَوْسِ) : وَشَهِدَهَا مِنْ الْأَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ: أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ، وَاسْمُهُ مَالِكٌ [1] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: التَّيِّهَانُ: يُخَفَّفُ وَيُثَقَّلُ، كَقَوْلِهِ مَيْتٌ وَمَيِّتٌ. (رِجَالُ الْعَقَبَةِ الْأُولَى مِنْ بَنِي عَمْرٍو) : وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ: عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ [2] . (عَهْدُ الرَّسُولِ عَلَى مُبَايِعِي الْعَقَبَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ (أَبِي) [3] مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُسَيْلَةَ الصَّنَابِحِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ حَضَرَ الْعَقَبَةَ الْأُولَى، وَكُنَّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فَبَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَيْعَةِ النِّسَاءِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْتَرَضَ الْحَرْبُ، عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ باللَّه شَيْئًا، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا، وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانِ نَفْتَرِيهِ مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا، وَلَا نَعْصِيَهُ فِي مَعْرُوفٍ. فَإِنْ وَفَّيْتُمْ فَلَكُمْ الْجَنَّةُ. وَإِنْ غَشِيتُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأَمْرُكُمْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنْ شَاءَ عَذَّبَ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ.

_ [1] هُوَ مَالك بن التيهَان بن مَالك بن عبيد بن عَمْرو بن عبد الأعلم بن عَامر، أَبُو الْهَيْثَم الْبلوى، من بلَى ابْن الحاف بن قضاعة حَلِيف بنى عبد الْأَشْهَل، شهد بيعَة الْعقبَة الأولى وَالثَّانيَِة، وَكَانَ أحد السِّتَّة الَّذين لقوا قبل ذَلِك رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعقبَةِ. قيل: إِنَّه هُوَ أول من بَايع النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْعقبَة، شهد بَدْرًا وأحدا والمشاهد كلهَا. وَتوفى فِي خلَافَة عمر سنة عشْرين أَو إِحْدَى وَعشْرين، وَقيل بل قتل يَوْم صفّين مَعَ على سنة سبع وَثَلَاثِينَ. وَقيل: بل بَقِي حَتَّى مَاتَ بعْدهَا بِيَسِير. (رَاجع الرَّوْض الْأنف، والاستيعاب) [2] هُوَ عويم بن سَاعِدَة بن عائش بن قيس بن النُّعْمَان بن زيد بن أُميَّة بن زيد بن مَالك بن عَوْف بن عَمْرو بن عَوْف، ويكنى: أَبَا عبد الرَّحْمَن. وَكَانَ ابْن إِسْحَاق يَقُول فِي نسبه: عويم بن سَاعِدَة بن صلجعة، وَأَنه من بلَى بن عَمْرو بن الحاف بن قضاعة. حَلِيف لبني أُميَّة بن زيد، وَلم يذكر ذَلِك غَيره شهد عويم- على قَول الْوَاقِدِيّ- العقبتين جَمِيعًا، وَشهد بَدْرًا وأحدا وَالْخَنْدَق. وَمَات فِي حَيَاة رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقيل: بل مَاتَ فِي خلَافَة عمر بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ ابْن خمس أَو سِتّ وَسِتِّينَ سنة. (عَن الِاسْتِيعَاب) [3] زِيَادَة عَن أ 28- سيرة ابْن هِشَام- 1

(إرسال الرسول مصعبا مع وفد العقبة) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَائِذِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَوْلَانِيِّ أَبِي إدْرِيسَ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ الْأُولَى عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ باللَّه شَيْئًا، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا، وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانِ نَفْتَرِيهِ مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا، وَلَا نَعْصِيَهُ فِي مَعْرُوفٍ، فَإِنْ وَفَيْتُمْ فَلَكُمْ الْجَنَّةُ، وَإِنْ غَشِيتُمْ مِنْ ذَلِكَ (شَيْئًا) [1] فَأُخِذْتُمْ بِحَدِّهِ فِي الدُّنْيَا، فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَإِنْ سُتِرْتُمْ عَلَيْهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَأَمْرُكُمْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إنْ شَاءَ عَذَّبَ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ. (إرْسَالُ الرَّسُولِ مُصْعَبًا مَعَ وَفْدِ الْعَقَبَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُ الْقَوْمُ، بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ مُصْعَبَ [2] بْنَ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ [3] بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقْرِئَهُمْ الْقُرْآنَ، وَيُعَلِّمَهُمْ الْإِسْلَامَ، وَيُفَقِّهَهُمْ فِي الدِّينِ، فَكَانَ يُسَمَّى الْمُقْرِئَ بِالْمَدِينَةِ: مُصْعَبٌ. وَكَانَ مَنْزِلُهُ [4] عَلَى أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ عُدَسَ، أَبِي أُمَامَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ، وَذَلِكَ

_ [1] زِيَادَة عَن أ [2] يكنى مُصعب: أَبَا عبد الله، وَكَانَ من جلة الصَّحَابَة وفضلائهم، هَاجر إِلَى الْحَبَشَة فِي أول من هَاجر إِلَيْهَا. ثمَّ شهد بَدْرًا. وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بَعثه إِلَى الْمَدِينَة قبل الْهِجْرَة بعد الْعقبَة الثَّانِيَة، يُقْرِئهُمْ الْقُرْآن، ويفقههم فِي الدَّين، وَكَانَ مُصعب بن عُمَيْر فَتى مَكَّة شبَابًا وجمالا وتيها. وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكرهُ وَيَقُول: مَا رَأَيْت بِمَكَّة أحسن لمة، وَلَا أرق حلَّة، وَلَا أنعم نعْمَة من مُصعب بن عُمَيْر. وَقتل مُصعب يَوْم أحد شَهِيدا، قَتله ابْن قميئة اللَّيْثِيّ، وَلم يخْتَلف أهل السّير فِي أَن راية رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَت مَعَ مُصعب يَوْم بدر وَأحد، ثمَّ إِنَّه لما قتل يَوْم أحد أَخذهَا على بن أَبى طَالب. (رَاجع الِاسْتِيعَاب وَالرَّوْض الْأنف) [3] فِي أ: «هِشَام» . وَهُوَ تَحْرِيف [4] قَالَ السهيليّ عِنْد الْكَلَام على: «وَكَانَ منزله ... إِلَخ» . منزل: (بِفَتْح الزاى) ، وَكَذَلِكَ كل مَا وَقع فِي هَذَا الْبَاب من منزل فلَان على فلَان، فَهُوَ بِالْفَتْح، لِأَنَّهُ أَرَادَ الْمصدر وَلم يرد الْمَكَان، وَكَذَلِكَ قَيده الشَّيْخ أَبُو بَحر (بِفَتْح الزاى)

أول جمعة أقيمت بالمدينة

أَنَّ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ كَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَؤُمَّهُ بَعْضٌ. أَوَّلُ جُمُعَةٍ أَقِيمَتْ بِالْمَدِينَةِ (أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَإِقَامَةُ أَوَّلِ جُمُعَةٍ بِالْمَدِينَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ قَائِدَ أَبِي، كَعْبِ ابْن مَالِكٍ، حِينَ ذَهَبَ بَصَرُهُ، فَكُنْتُ إذَا خَرَجْتُ بِهِ إلَى الْجُمُعَةِ، فَسَمِعَ الْأَذَانَ بِهَا صَلَّى عَلَى أَبِي أُمَامَةَ، أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ. قَالَ: فَمَكَثَ حِينًا عَلَى ذَلِكَ: لَا يَسْمَعُ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ إلَّا صَلَّى عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ. قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاَللَّهِ إنَّ هَذَا بِي لَعَجْزٌ، أَلَّا أَسْأَلَهُ مَا لَهُ إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ صَلَّى عَلَى أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ؟ قَالَ: فَخَرَجْتُ بِهِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ كَمَا كُنْتُ أَخْرُجُ، فَلَمَّا سَمِعَ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ صَلَّى عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَتِ، مَا لَكَ إذَا سَمِعْتَ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ صَلَّيْتَ عَلَى أَبِي أُمَامَةَ؟ قَالَ: فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، كَانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَّعَ بِنَا بِالْمَدِينَةِ فِي هَزْمِ النَّبِيتِ [1] ، مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ، يُقَالُ لَهُ: نَقِيعُ الْخَضَمَاتِ، قَالَ قُلْتُ: وَكَمْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ رَجُلًا. (أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَإِسْلَامُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُعَيْقِبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ خَرَجَ بِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ يُرِيدُ بِهِ دَارَ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَدَارَ بَنِي ظَفَرٍ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنَ خَالَةِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَدَخَلَ بِهِ حَائِطًا مِنْ حَوَائِطِ بَنِي ظَفَرٍ. - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ ظَفَرٍ كَعْبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو

_ [1] قَالَ السهيليّ: هزم النبيت: جبل على بريد من الْمَدِينَة، وَأنكر ياقوت أَن يكون «هزم النبيت» جبلا، لِأَن «الهزم» لُغَة: المطمئن من الأَرْض، وَاسْتحْسن نصا ذكر عَن بعض أهل المغاربة، وَقَالَ: إِن صَحَّ فَهُوَ الْمعول عَلَيْهِ، وَهُوَ: «جمع بِنَا فِي هزم بنى النبيت من حرَّة بنى بياضة فِي نَقِيع يُقَال لَهُ: نَقِيع الْخضمات»

ابْن مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ- قَالَا: عَلَى بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا: بِئْرُ مَرَقٍ [1] ، فَجَلَسَا فِي الْحَائِطِ، وَاجْتَمَعَ إلَيْهِمَا رِجَالٌ مِمَّنْ أَسْلَمَ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، يَوْمَئِذٍ سَيِّدَا قَوْمِهِمَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَكِلَاهُمَا مُشْرِكٌ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، فَلَمَّا سَمِعَا بِهِ قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ لِأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ: لَا أَبَا لَكَ، انْطَلِقْ إلَى هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدْ أَتَيَا دَارَيْنَا لِيُسَفِّهَا ضُعَفَاءَنَا، فَازْجُرْهُمَا وَانْهَهُمَا عَنْ أَنْ يَأْتِيَا دَارَيْنَا، فَإِنَّهُ لَوْلَا أَنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ مِنِّي حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُ كَفَيْتُكَ ذَلِكَ، هُوَ ابْنُ خَالَتِي، وَلَا أَجِدُ عَلَيْهِ مُقَدَّمًا، قَالَ: فَأَخَذَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ حَرْبَتَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ إلَيْهِمَا، فَلَمَّا رَآهُ أَسْعَدُ ابْن زُرَارَةَ، قَالَ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ: هَذَا سَيِّدُ قَوْمِهِ قَدْ جَاءَكَ، فَاصْدُقْ اللَّهَ فِيهِ، قَالَ مُصْعَبٌ: إنْ يَجْلِسْ أُكَلِّمْهُ. قَالَ: فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا مُتَشَتِّمًا، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمَا إلَيْنَا تُسَفِّهَانِ ضُعَفَاءَنَا؟ اعْتَزِلَانَا إنْ كَانَتْ لَكُمَا بِأَنْفُسِكُمَا حَاجَةٌ، فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ: أَوَتَجْلِسُ فَتَسْمَعَ، فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرًا قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَرِهْتَهُ كُفَّ عَنْكَ مَا تَكْرَهُ؟ قَالَ: أَنْصَفْتَ، ثُمَّ رَكَزَ حَرْبَتَهُ وَجَلَسَ إلَيْهِمَا، فَكَلَّمَهُ مُصْعَبٌ بِالْإِسْلَامِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فَقَالَا: فِيمَا يُذْكَرُ عَنْهُمَا: وَاَللَّهِ لَعَرَفْنَا فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي إشْرَاقِهِ وَتَسَهُّلِهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا الْكَلَامَ وَأَجْمَلَهُ! كَيْفَ تَصْنَعُونَ إذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا فِي هَذَا الدِّينِ؟ قَالَا لَهُ: تَغْتَسِلُ فَتَطَّهَّرُ وَتُطَهِّرُ ثَوْبَيْكَ، ثُمَّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقِّ، ثُمَّ تُصَلِّي. فَقَامَ فَاغْتَسَلَ وَطَهَّرَ ثَوْبَيْهِ، وَتَشَهَّدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: إنَّ وَرَائِي رَجُلًا إنْ اتَّبَعَكُمَا لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِهِ، وَسَأُرْسِلُهُ إلَيْكُمَا الْآنَ، سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، ثُمَّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ وَانْصَرَفَ إلَى سَعْدٍ وَقَوْمِهِ وَهُمْ جُلُوسٌ فِي نَادِيهِمْ، فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُقْبِلًا، قَالَ: أَحْلِفُ باللَّه لَقَدْ جَاءَكُمْ أُسَيْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى النَّادِي قَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: كلّمت الرجلَيْن، فو الله مَا رَأَيْتُ بِهِمَا بَأْسًا، وَقَدْ نَهَيْتُهُمَا، فَقَالَا: نَفْعَلُ مَا أَحْبَبْتَ، وَقَدْ حُدِّثْتُ أَنَّ بَنِي حَارِثَةَ قَدْ خَرَجُوا إلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ لِيَقْتُلُوهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَدْ عَرَفُوا أَنَّهُ ابْنُ خَالَتِكَ، لِيُخْفِرُوكَ [2] . قَالَ: فَقَامَ سَعْدٌ مُغْضَبًا مُبَادِرًا، تَخَوُّفًا لِلَّذِي ذُكِرَ لَهُ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ، فَأَخَذَ الْحَرْبَةَ

_ [1] قَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ: «بِئْر مرق: بِالْمَدِينَةِ، ذكر فِي الْهِجْرَة، ويروى بِسُكُون الرَّاء» [2] كَذَا فِي أ. والإخفار: نقض الْعَهْد والغدر.. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ليحقروك»

مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَرَاكَ أَغْنَيْتَ شَيْئًا، ثُمَّ خَرَجَ إلَيْهِمَا، فَلَمَّا رَآهُمَا سَعْدٌ مُطْمَئِنَّيْنِ، عَرَفَ سَعْدٌ أَنَّ أُسَيْدًا إنَّمَا أَرَادَ مِنْهُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمَا، فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا مُتَشَتِّمًا، ثُمَّ قَالَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ، (أَمَا وَاَللَّهِ) [1] ، لَوْلَا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ مِنْ الْقَرَابَةِ مَا رُمْتَ هَذَا مِنِّي، أَتَغْشَانَا فِي دَارَيْنَا بِمَا نَكْرَهُ- وَقَدْ قَالَ أَسْعَدُ ابْن زُرَارَةَ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ: أَيْ مُصْعَبُ، جَاءَكَ وَاَللَّهِ سَيِّدُ مَنْ وَرَاءَهُ مِنْ قَوْمِهِ، إنْ يَتَّبِعْكَ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْكَ مِنْهُمْ اثْنَانِ- قَالَ: فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ: أَوَتَقْعُدُ فَتَسْمَعَ، فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرًا وَرَغِبْتَ فِيهِ قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَرِهْتَهُ عَزَلْنَا عَنْكَ مَا تَكْرَهُ؟ قَالَ سَعْدٌ: أَنْصَفْتَ. ثُمَّ رَكَزَ الْحَرْبَةَ وَجَلَسَ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، قَالَا: فَعَرَفْنَا وَاَللَّهِ فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، لِإِشْرَاقِهِ وَتَسَهُّلِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: كَيْفَ تَصْنَعُونَ إذَا أَنْتُمْ أَسْلَمْتُمْ وَدَخَلْتُمْ فِي هَذَا الدِّينِ؟ قَالَا: تَغْتَسِلُ فَتَطَّهَّرُ وَتُطَهِّرُ ثَوْبَيْكَ، ثُمَّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقِّ، ثُمَّ تُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: فَقَامَ فَاغْتَسَلَ وَطَهَّرَ ثَوْبَيْهِ، وَتَشَهَّدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ، ثُمَّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ، فَأَقْبَلَ عَامِدًا إلَى نَادِي قَوْمِهِ وَمَعَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ. قَالَ: فَلَمَّا رَآهُ قَوْمُهُ مُقْبِلًا، قَالُوا: نَحْلِفُ باللَّه لَقَدْ رَجَعَ إلَيْكُمْ سَعْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، كَيْفَ تَعْلَمُونَ أَمْرِي فِيكُمْ؟ قَالُوا: سَيِّدُنَا (وَأَوْصَلُنَا) [1] وَأَفْضَلُنَا رَأْيًا، وَأَيْمَنُنَا نَقِيبَةً، قَالَ: فَإِنَّ كَلَامَ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ عَلَيَّ حَرَامٌ حَتَّى تُؤْمِنُوا باللَّه وبرسوله [2] . قَالَا: فو الله مَا أَمْسَى فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إلَّا مُسْلِمًا وَمُسْلِمَةً، وَرَجَعَ أَسْعَدُ وَمُصْعَبٌ إلَى مَنْزِلِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ يَدْعُو النَّاسَ إلَى الْإِسْلَامِ، حَتَّى لَمْ تَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إلَّا وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مُسْلِمُونَ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ دَارِ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَخَطْمَةَ وَوَائِلٍ وَوَاقِفٍ، وَتِلْكَ أَوْسُ اللَّهِ، وَهُمْ مِنْ الْأَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ، وَهُوَ صَيْفِيٌّ، وَكَانَ شَاعِرًا لَهُمْ قَائِدًا يَسْتَمِعُونَ مِنْهُ وَيُطِيعُونَهُ، فَوَقَفَ بِهِمْ عَنْ

_ [1] زِيَادَة عَن أ، ط [2] كَذَا فِي أ: «قَالَ» وَفِي م، ر. وَفِي ط: «وَرَسُوله فو الله» .

أمر العقبة الثانية

الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَضَى بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ، وَقَالَ فِيمَا رَأَى مِنْ الْإِسْلَامِ، وَمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ: أَرَبَّ النَّاسِ أَشْيَاءُ أَلَمَّتْ ... يُلَفُّ الصَّعْبُ مِنْهَا بِالذَّلُولِ أَرَبَّ النَّاسِ أَمَّا إذْ ضَلِلْنَا ... فَيَسِّرْنَا لِمَعْرُوفِ السَّبِيلِ فَلَوْلَا رَبُّنَا كُنَّا يَهُودًا ... وَمَا دِينُ الْيَهُودِ بِذِي شُكُولِ [1] وَلَوْلَا رَبُّنَا كُنَّا نَصَارَى ... مَعَ الرُّهْبَانِ فِي جَبَلِ الْجَلِيلِ [2] وَلَكِنَّا خُلِقْنَا إذْ خُلِقْنَا ... حَنِيفًا دِينُنَا عَنْ كُلِّ جِيلِ نَسُوقُ الْهَدْيَ تَرْسُفُ مُذْعِنَاتٍ ... مُكَشِّفَةَ الْمَنَاكِبِ فِي الْجُلُولِ [3] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي قَوْلَهُ: فَلَوْلَا رَبُّنَا، وَقَوْلَهُ: لَوْلَا رَبُّنَا، وَقَوْلَهُ: مُكَشِّفَةَ الْمَنَاكِبِ فِي الْجُلُولِ، رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، أَوْ مِنْ خُزَاعَةَ. أَمْرُ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ (مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَالْعَقَبَةُ الثَّانِيَةُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ، وَخَرَجَ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ [4] الْمُسْلِمِينَ إلَى الْمَوْسِمِ مَعَ حَجَّاجِ قَوْمِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، حَتَّى قَدِمُوا مَكَّةَ، فَوَاعَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَقَبَةَ، مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، حِينَ أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ مَا أَرَادَ مِنْ كَرَامَتِهِ، وَالنَّصْرِ لِنَبِيِّهِ، وَإِعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَإِذْلَالِ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ.

_ [1] الشكول: جمع شكل، وشكل الشَّيْء (بِالْفَتْح) : مثله. فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن دين الْيَهُود بدع فَلَيْسَ لَهُ شكول: أَي لَيْسَ لَهُ نَظِير فِي الْحَقَائِق، وَلَا مثيل يعضده من الْأَمر الْمَعْرُوف المقبول، وَقد قَالَ الطَّائِي: وَقلت أخى قَالُوا أَخ من قرَابَة ... فَقلت لَهُم إِن الشكول أقَارِب قريبي فِي رَأْيِي وديني ومذهبي ... وَإِن باعدتنا فِي الخطوب الْمُنَاسب [2] كَذَا فِي أ، ط. والجليل: جبل بِالشَّام مَعْرُوف، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الْخَلِيل» بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَهُوَ تَصْحِيف. [3] ترسف: تمشى مَشى الْمُقَيد. ومذعنات: منقادات. والجلول جمع جلّ (بِالضَّمِّ وبالفتح) ، وَهُوَ مَا تلبسه الدَّابَّة لتصان بِهِ. [4] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «إِلَى» وَهُوَ تَحْرِيف.

(البراء بن معرور وصلاته إلى الكعبة) :

(الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ وَصَلَاتُهُ إلَى الْكَعْبَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، أَنَّ أَخَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ الْأَنْصَارِ، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ كَعْبًا حَدَّثَهُ، وَكَانَ كَعْبٌ مِمَّنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا، قَالَ: خَرَجْنَا فِي حُجَّاجِ قَوْمِنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ صَلَّيْنَا وَفَقِهْنَا، وَمَعَنَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ [1] ، سَيِّدُنَا وَكَبِيرُنَا، فَلَمَّا وَجَّهْنَا [2] لِسَفَرِنَا، وَخَرَجْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ، قَالَ الْبَرَاءُ لَنَا: يَا هَؤُلَاءِ، إنِّي قَدْ رَأَيْت رَأيا، فو الله مَا أَدْرِي، أَتُوَافِقُونَنِي عَلَيْهِ، أَمْ لَا؟ قَالَ: قُلْنَا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: قَدْ رَأَيْتُ أَنْ لَا أَدَعَ هَذِهِ الْبَنِيَّةَ مِنِّي بِظَهْرٍ، يَعْنِي الْكَعْبَةَ، وَأَنْ أُصَلِّيَ إلَيْهَا. قَالَ: فَقُلْنَا، وَاَللَّهِ مَا بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إلَّا إلَى الشَّامِ [3] ، وَمَا نُرِيدُ أَنْ نُخَالِفَهُ. قَالَ: فَقَالَ: إنِّي لَمُصَلٍّ إلَيْهَا. قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: لَكِنَّا لَا نَفْعَلُ. قَالَ: فَكُنَّا إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ صَلَّيْنَا إلَى الشَّامِ، وَصَلَّى إلَى الْكَعْبَةِ، حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ. قَالَ: وَقَدْ كُنَّا عِبْنَا عَلَيْهِ مَا صَنَعَ، وَأَبَى إلَّا الْإِقَامَةَ عَلَى ذَلِكَ. فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ لِي: يَا بن أَخِي، انْطَلِقْ بِنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى نَسْأَلَهُ عَمَّا صَنَعْتُ فِي سَفَرِي هَذَا، فَإِنَّهُ وَاَللَّهِ لَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ خِلَافِكُمْ إيَّايَ فِيهِ. قَالَ: فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنَّا لَا نَعْرِفُهُ، وَلَمْ نَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَقِينَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفَانِهِ؟ فَقُلْنَا: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفَانِ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّهُ؟ قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ- قَالَ: وَقَدْ كُنَّا نَعْرِفُ الْعَبَّاسَ، كَانَ لَا يَزَالُ يَقْدَمُ عَلَيْنَا تَاجِرًا- قَالَ: فَإِذَا دَخَلْتُمَا الْمَسْجِدَ فَهُوَ الرَّجُلُ الْجَالِسُ مَعَ الْعَبَّاسِ. قَالَ: فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ فَإِذَا الْعَبَّاسُ جَالِسٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ مَعَهُ، فَسَلَّمْنَا ثُمَّ

_ [1] يكنى الْبَراء بن معْرور: أَبَا بشر، بِابْنِهِ بشر. وَهُوَ الّذي أكل مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشَّاة المسمومة، فَمَاتَ. ومعرور: اسْم أَبِيه. وَمَعْنَاهُ: مَقْصُود، يُقَال: عره واعتره: إِذا قَصده. والبراء هَذَا، مِمَّن صلى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قَبره بعد مَوته. [2] وجهنا: اتجهنا. [3] يعْنى بَيت الْمُقَدّس.

(إسلام عبد الله بن عمرو) :

جَلَسْنَا إلَيْهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ: هَلْ تَعْرِفُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ يَا أَبَا الْفَضْلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، هَذَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، سَيِّدُ قَوْمِهِ، وَهَذَا كَعْبُ (بْنُ) [1] مَالك. قَالَ: فو الله مَا أَنْسَى قَوْلَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لشاعر؟ قَالَ: نَعَمْ. (قَالَ) [1] : فَقَالَ (لَهُ) [1] الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إنِّي خَرَجْتُ فِي سَفَرِي هَذَا، وَقَدْ هَدَانِي اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ، فَرَأَيْتُ أَنْ لَا أَجْعَلَ هَذِهِ الْبَنِيَّةَ مِنِّي بِظَهْرٍ، فَصَلَّيْتُ إلَيْهَا، وَقَدْ خَالَفَنِي أَصْحَابِي فِي ذَلِكَ، حَتَّى وَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَمَاذَا تَرَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (قَدْ) [1] كُنْتَ عَلَى قِبْلَةٍ لَوْ صَبَرْتَ [2] عَلَيْهَا. قَالَ: فَرَجَعَ الْبَرَاءُ إلَى قِبْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلَّى مَعَنَا إلَى الشَّامِ. قَالَ: وَأَهْلُهُ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ صَلَّى إلَى الْكَعْبَةِ حَتَّى مَاتَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ [3] كَمَا قَالُوا، نَحْنُ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ عَوْنُ بْنُ أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ: وَمِنَّا الْمُصَلِّي أَوَّلَ النَّاسِ مُقْبِلًا ... عَلَى كَعْبَةِ الرَّحْمَنِ بَيْنَ الْمَشَاعِرِ يَعْنِي الْبَرَاءَ بْنَ مَعْرُورٍ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. (إسْلَامُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ كَعْبٍ، أَنَّ أَخَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ، قَالَ كَعْبٌ: ثُمَّ خَرَجْنَا إلَى الْحَجِّ، وَوَاعَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَقَبَةِ مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. قَالَ: فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنْ الْحَجِّ، وَكَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَاعَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا، وَمَعَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو

_ [1] زِيَادَة عَن أ، ط. [2] قَالَ السهيليّ فِي التَّعْلِيق على هَذَا الحَدِيث «قَوْله: لَو صبرت عَلَيْهَا، إِنَّه لم يَأْمُرهُ بِإِعَادَة مَا قد صلى، لِأَنَّهُ كَانَ متأولا وَفِي الحَدِيث دَلِيل على أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يصلى بِمَكَّة إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس. وَقَالَت طَائِفَة: مَا صلى إِلَى بَيت الْمُقَدّس إِلَّا مذ قدم الْمَدِينَة سَبْعَة عشر شهرا أَو سِتَّة عشر شهرا فعلى هَذَا يكون فِي الْقبْلَة نسخان: نسخ سنة بِسنة وَنسخ سنة بقرآن. وَقد بَين حَدِيث ابْن عَبَّاس منشأ الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، فروى عَنهُ من طرق صِحَاح: أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذا صلى بِمَكَّة اسْتقْبل بَيت الْمُقَدّس، وَجعل الْكَعْبَة بَينه وَبَين بَيت الْمُقَدّس، فَلَمَّا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يتحَرَّى الْقبْلَتَيْنِ جَمِيعًا لم يبن توجهه إِلَى بَيت الْمُقَدّس للنَّاس حَتَّى خرج من مَكَّة» . [3] فِي أ: «وَلَيْسَ كَذَلِك نَحن ... إِلَخ» .

(العباس يتوثق للنبي عليه الصلاة والسلام) :

ابْن حرَام أَبُو جَابِرٌ، سَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا، وَشَرِيفٌ مِنْ أَشْرَافِنَا [1] ، أَخَذْنَاهُ مَعَنَا، وَكُنَّا نَكْتُمُ مَنْ مَعَنَا مِنْ قَوْمِنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَمْرَنَا، فَكَلَّمْنَاهُ وَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا جَابِرٍ، إنَّكَ سَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا، وَشَرِيفٌ مِنْ أَشْرَافِنَا، وَإِنَّا نَرْغَبُ بِكَ عَمَّا أَنْتَ فِيهِ أَنْ تَكُونَ حَطَبًا لِلنَّارِ غَدًا، ثُمَّ دَعَوْنَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ، وَأَخْبَرْنَاهُ بِمِيعَادِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّانَا الْعَقَبَةَ. قَالَ: فَأَسْلَمَ وَشَهِدَ مَعَنَا الْعَقَبَةَ، وَكَانَ نَقِيبًا. قَالَ: فَنِمْنَا تَلِكَ اللَّيْلَةَ مَعَ قَوْمِنَا فِي رِحَالِنَا، حَتَّى إذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ خَرَجْنَا مِنْ رِحَالِنَا لِمَعَادِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَتَسَلَّلُ تَسَلُّلَ الْقَطَا مُسْتَخْفِينَ، حَتَّى اجْتَمَعْنَا فِي الشِّعْبِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ، وَنَحْنُ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا، وَمَعَنَا امْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِنَا: نُسَيْبَةُ [2] بِنْتُ كَعْبٍ، أُمُّ عُمَارَةَ، إحْدَى نِسَاءِ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَابِي، إحْدَى نِسَاءِ بَنِي سَلِمَةَ، وَهِيَ أُمُّ مَنِيعٍ. (الْعَبَّاسُ يَتَوَثَّقُ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) : قَالَ: فَاجْتَمَعْنَا فِي الشِّعْبِ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى جَاءَنَا وَمَعَهُ (عَمُّهُ) [3] الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، إلَّا أَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَحْضُرَ أَمْرَ ابْنِ أَخِيهِ وَيَتَوَثَّقَ لَهُ. فَلَمَّا جَلَسَ كَانَ أَوَّلَ [4] مُتَكَلِّمٍ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ- قَالَ: وَكَانَتْ الْعَرَبُ إنَّمَا يُسَمُّونَ هَذَا الْحَيَّ مِنْ الْأَنْصَارِ: الْخَزْرَجَ، خَزْرَجَهَا وَأَوْسَهَا-: إنَّ مُحَمَّدًا مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ وَقَدْ مَنَعْنَاهُ مِنْ قَوْمِنَا، مِمَّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِنَا فِيهِ، فَهُوَ فِي عِزٍّ مِنْ قَوْمِهِ وَمَنَعَةٍ فِي بَلَدِهِ، وَإِنَّهُ قَدْ أَبَى إلَّا الِانْحِيَازَ إلَيْكُمْ، وَاللُّحُوقَ بِكُمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ وَافُونَ لَهُ بِمَا دَعَوْتُمُوهُ إلَيْهِ، وَمَانِعُوهُ مِمَّنْ خَالَفَهُ، فَأَنْتُمْ وَمَا تَحَمَّلْتُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ

_ [1] الْعبارَة «وشريف من أشرافنا» سَاقِطَة فِي أ. [2] هِيَ امْرَأَة زيد بن عَاصِم، وَقد شهِدت بيعَة الْعقبَة وبيعة الرضْوَان، كَمَا شهِدت يَوْم الْيَمَامَة وباشرت الْقِتَال بِنَفسِهَا. وشاركت ابْنهَا عبد الله فِي قتل مُسَيْلمَة، فَقطعت يَدهَا. وجرحت اثنى عشر جرحا، ثمَّ عاشت بعد ذَلِك دهرا. ويروى أَنَّهَا قَالَت لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أرى كل شَيْء إِلَّا للرِّجَال، وَمَا أرى للنِّسَاء شَيْئا! فَأنْزل الله تَعَالَى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ 33: 35 ... الْآيَة. [3] زِيَادَة عَن أ، ط. [4] فِي أ: «أول من تكلم» .

(عهد الرسول عليه الصلاة والسلام على الأنصار) :

كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ مُسْلِمُوهُ وَخَاذِلُوهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ بِهِ إلَيْكُمْ، فَمِنْ الْآنَ فَدَعُوهُ، فَإِنَّهُ فِي عِزٍّ وَمَنَعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ وَبَلَدِهِ. قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْتُ، فَتَكَلَّمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَخُذْ لِنَفْسِكَ وَلِرَبِّكَ مَا أَحْبَبْتُ. (عَهْدُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْأَنْصَارِ) : قَالَ: فَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَلَا الْقُرْآنَ، وَدَعَا إلَى اللَّهِ، وَرَغَّبَ فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ قَالَ أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ. قَالَ: فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ، وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ (نَبِيًّا) [1] ، لَنَمْنَعَنَّكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا [2] ، فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَنَحْنُ وَاَللَّهِ أَبْنَاءُ [3] الْحُرُوبِ، وَأَهْلُ الْحَلْقَةِ [4] ، وَرِثْنَاهَا كَابِرًا (عَنْ كَابِرٍ) [1] . قَالَ: فَاعْتَرَضَ الْقَوْلَ، وَالْبَرَاءُ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ [5] ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرِّجَالِ حِبَالًا، وَإِنَّا قَاطِعُوهَا- يَعْنِي الْيَهُودَ- فَهَلْ عَسَيْتَ إنْ نَحْنُ فَعَلْنَا ذَلِكَ ثُمَّ أَظْهَرَكَ اللَّهُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى قَوْمِكَ وَتَدَعَنَا؟ قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: بَلْ الدَّمَ الدَّمَ، وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ [6] ، أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنِّي، أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ، وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ.

_ [1] زِيَادَة عَن أ، ط. [2] أزرنا، أَي نِسَاءَنَا. وَالْمَرْأَة قد يكنى عَنْهَا بالإزار، كَمَا يكنى أَيْضا بالإزار عَن النَّفس، وَيجْعَل الثَّوْب عبارَة عَن لابسه. قَالَ الشَّاعِر: رَمَوْهَا بأثواب خفاف فَلَا ترى ... لَهَا شبها إِلَّا النعام المنفرا وعَلى هَذَا يَصح أَن يحمل قَول الْبَراء على إِرَادَة الْمَعْنيين جَمِيعًا. [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أهل» . [4] الْحلقَة، أَي السِّلَاح. [5] التيهَان: يرْوى بتَشْديد الْيَاء وتخفيفها. [6] قَالَ ابْن قُتَيْبَة: كَانَت الْعَرَب تَقول عِنْد عقد الْحلف والجوار: دمي دمك، وهدمي هدمك: أَي مَا هدمت من الدِّمَاء هدمته أَنا. ويروى أَيْضا: بل اللدم اللدم، وَالْهدم الْهدم. وَأنْشد: ثمَّ الحقي بهدمى ولدمى فاللدم: جمع لادم، وهم أَهله الَّذين يلتدمون عَلَيْهِ إِذا مَاتَ، وَهُوَ من لدمت صدرها، إِذا ضَربته

أسماء النقباء الاثني عشر وتمام خبر العقبة

قَالَ ابْن هِشَام: وَيُقَال: الْهَدْمَ [1] الْهَدْمَ: (يَعْنِي الْحُرْمَةَ) [2] . أَيْ ذِمَّتِي ذِمَّتُكُمْ [3] ، وَحُرْمَتِي حُرْمَتُكُمْ [4] . قَالَ كَعْبُ (بْنُ مَالِكٍ) [2] : وَقَدْ (كَانَ) [2] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْرِجُوا إلَيَّ مِنْكُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، لِيَكُونُوا عَلَى قَوْمِهِمْ بِمَا فِيهِمْ. فَأَخْرَجُوا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، تِسْعَةً مِنْ الْخَزْرَجِ، وَثَلَاثَةً مِنْ الْأَوْسِ. أَسَمَاءُ النُّقَبَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَتَمَامُ خَبَرِ الْعَقَبَةِ (نُقَبَاءُ الْخَزْرَجِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مِنْ الْخَزْرَجِ- فِيمَا حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْن إسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيِّ-: أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ بْنُ عُدَسَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَهُوَ تَيْمُ اللَّهِ [5] بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ، وَسَعْدُ ابْن الرَّبِيعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ ابْن الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ [6] بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ ابْن عَمْرِو بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ (الْأَكْبَرِ) [7] بْنِ مَالِكٍ (الْأَغَرِّ) [7] بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ ابْن الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَادِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَرَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ ابْن زُرَيْقِ [8] بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَالْبَرَاءُ

_ [1] الْهدم (بِالْفَتْح) : الْمصدر: (وبالتحريك) كل مَا تهدم. [2] زِيَادَة عَن أ، ط. [3] فِي أ: «يَقُول: حرمتي حرمتكم، وَدمِي دمكم» . [4] قَالَ السهيليّ: «وَإِنَّمَا كنى ابْن هِشَام عَن حُرْمَة الرجل وَأَهله «بالهدم» ، لأَنهم كَانُوا أهل نجعة وارتحال، وَلَهُم بيُوت يستخفونها يَوْم ظعنهم، فَكلما ظعنوا هدموها. وَالْهدم: بِمَعْنى المهدوم. ثمَّ جعلُوا الْهدم، وَهُوَ الْبَيْت المهدوم، عبارَة عَمَّا حوى. [5] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والطبري. وَفِي أ «تيم الله بن عَمْرو ... إِلَخ» . [6] كَذَا فِي الِاسْتِيعَاب. وَفِي أ. «وَعبد الله بن رَوَاحَة بن امْرِئ الْقَيْس بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن امْرِئ الْقَيْس بن مَالك ... إِلَخ» ، وَقد سَقَطت «ابْن ثَعْلَبَة» الأولى، من سَائِر الْأُصُول. [7] زِيَادَة عَن الِاسْتِيعَاب. [8] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: « ... ابْن عَامر بن زُرَيْق بن عَامر بن زُرَيْق ... إِلَخ» .

(نقباء الأوس) :

ابْن مَعْرُورِ بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَعُبَادَةُ ابْن الصَّامِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ غَنْمُ بْنُ عَوْفٍ، أَخُو سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي حَزِيمَةَ [1] بْنِ ثَعْلَبَةَ ابْن طَرِيفِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خُنَيْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ- قَالَ [2] ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: ابْنُ خُنَيْسٍ [3] . (نُقَبَاءُ الْأَوْسِ) : وَمِنْ الْأَوْسِ: أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرِ بْنِ سِمَاكِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ رَافِعِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ ابْن زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَسَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ النَّحَّاطِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ السَّلْمِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ وَرِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زُبَيْرِ [4] بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو ابْن عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ.

_ [1] فِي الْأُصُول والاستيعاب: «خُزَيْمَة» بخاء مُعْجمَة مَضْمُومَة وزاي مَفْتُوحَة، والتصويب عَن أَبى ذَر، فقد ضَبطه بالعبارة بِالْحَاء الْمُهْملَة الْمَفْتُوحَة والزاى الْمَكْسُورَة. وَزَاد ابْن عبد الْبر فِيهِ رِوَايَة، يُقَال: «وَيُقَال: ابْن أَبى حليمة» . [2] هَذِه الْعبارَة: «قَالَ ابْن هِشَام ... خُنَيْس» سَاقِطَة فِي أ. [3] فِي م: «خنيش» . [4] كَذَا فِي أ، ط، والاستيعاب. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «زنير» .

(شعر كعب في حصر النقباء) :

(شِعْرُ كَعْبٍ فِي حَصْرِ النُّقَبَاءِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَعُدُّونَ فِيهِمْ أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التَّيِّهَانِ، وَلَا يَعُدُّونَ رِفَاعَةَ. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يَذْكُرُهُمْ، فِيمَا أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ: أَبْلِغْ أُبَيًّا أَنَّهُ فَالَ رَأْيُهُ ... وَحَانَ غَدَاةَ الشِّعْبِ وَالْحَيْنُ وَاقِعُ [1] أَبَى اللَّهُ مَا مَنَّتْكَ نَفْسُكَ إنَّهُ ... بِمِرْصَادِ أَمْرِ النَّاسِ رَاءٍ وَسَامِعُ وَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ أَنْ قَدْ بَدَا لَنَا ... بِأَحْمَدَ نُورٌ مِنْ هُدَى اللَّهِ سَاطِعُ فَلَا تَرْغَبَنْ [2] فِي حَشْدِ أَمْرٍ تُرِيدُهُ ... وَأَلِّبْ وَجَمِّعْ كُلَّ مَا أَنْتَ جَامِعُ وَدُونَكَ فَاعْلُمْ أَنَّ نَقْضَ عُهُودِنَا ... أَبَاهُ عَلَيْكَ الرَّهْطُ حِينَ تَتَابَعُوا [3] أَبَاهُ الْبَرَاءُ وَابْنُ عَمْرٍو كِلَاهُمَا ... وَأَسْعَدُ يَأْبَاهُ عَلَيْكَ وَرَافِعُ وَسَعْدٌ أَبَاهُ السَّاعِدِيُّ وَمُنْذِرٌ ... لِأَنْفِكَ إنْ حَاوَلْتَ ذَلِكَ جَادِعُ [4] وَمَا ابْنُ رَبِيعٍ إنْ تَنَاوَلْتَ عَهْدَهُ ... بِمُسْلِمِهِ لَا يَطْمَعَنْ ثَمَّ طَامِعُ وَأَيْضًا فَلَا يُعْطِيكَهُ ابْنُ رَوَاحَةَ ... وَإِخْفَارُهُ مِنْ دُونِهِ السُّمُّ نَاقِعُ [5] وَفَاءً بِهِ وَالْقَوْقَلِيُّ بْنُ صَامِتٍ ... بِمَنْدُوحَةِ عَمَّا تُحَاوِلُ يَافِعُ [6] أَبُو هَيْثَمٍ أَيْضًا وَفِيٌّ بِمِثْلِهَا ... وَفَاءً بِمَا أَعْطَى مِنْ الْعَهْدِ خَانِعُ [7] وَمَا ابْنُ حُضَيْرٍ إنْ أَرَدْتَ بِمَطْمَعِ ... فَهَلْ أَنْتَ عَنْ أُحْمُوقَةِ الْغَيِّ نَازِعُ وَسَعْدٌ أَخُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَإِنَّهُ ... ضَرُوحٌ لِمَا حَاوَلْتَ مِلْأَمْرِ مَانِعُ [8] أُولَاكَ نُجُومٌ لَا يُغِبُّكَ مِنْهُمْ ... عَلَيْكَ بِنَحْسٍ فِي دُجَى اللَّيْلِ طَالِعُ فَذَكَرَ كَعْبٌ فِيهِمْ «أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التَّيِّهَانِ» وَلَمْ يَذْكُرْ «رِفَاعَةَ» .

_ [1] فال: بَطل. [2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي ط: «فَلَا ترعين» : أَي فَلَا تبقين، يُقَال: مَا أرعى عَلَيْهِ: أَي مَا أبقى عَلَيْهِ. [3] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «تبايعوا» . [4] جادع: قَاطع. [5] الإخفار: نقض الْعَهْد. [6] اليافع: الْموضع الْمُرْتَفع. ويروى: «باقع» : أَي بعيد. [7] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والخانع: الْمقر المتذلل. وَفِي ط: «خَالع» . [8] ضروح: أَي مَانع ودافع عَن نَفسه.

(كلمة العباس بن عبادة في الخزرج قبل المبايعة) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنُّقَبَاءِ: أَنْتُمْ عَلَى قَوْمِكُمْ بِمَا فِيهِمْ كُفَلَاءُ، كَكَفَالَةِ الْحَوَارِيِّينَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَأَنَا كَفِيلٌ عَلَى قَوْمِي- يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ [1]- قَالُوا: نَعَمْ. (كَلِمَةُ الْعَبَّاسِ بْنِ عُبَادَةَ فِي الْخَزْرَجِ قَبْلَ الْمُبَايَعَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا اجْتَمَعُوا لِبَيْعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ الْأَنْصَارِيُّ، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ، هَلْ تَدْرُونَ عَلَامَ تُبَايِعُونَ هَذَا الرَّجُلَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: إنَّكُمْ تُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ مِنْ النَّاسِ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ إذَا نُهِكَتْ أَمْوَالُكُمْ مُصِيبَةً، وَأَشْرَافُكُمْ قَتْلًا أَسْلَمْتُمُوهُ، فَمِنْ الْآنَ، فَهُوَ وَاَللَّهِ إنْ فَعَلْتُمْ خِزْيُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ وَافُونَ لَهُ بِمَا دَعَوْتُمُوهُ إلَيْهِ عَلَى نَهْكَةِ [2] الْأَمْوَالِ، وَقَتْلِ الْأَشْرَافِ، فَخُذُوهُ، فَهُوَ وَاَللَّهِ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالُوا: فَإِنَّا نَأْخُذُهُ عَلَى مُصِيبَةِ الْأَمْوَالِ، وَقَتْلِ الْأَشْرَافِ، فَمَا لَنَا بِذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ نَحْنُ وَفَّيْنَا (بِذَلِكَ) [3] ؟ قَالَ: الْجَنَّةُ. قَالُوا: اُبْسُطْ يَدَكَ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعُوهُ. وَأَمَّا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا قَالَ ذَلِكَ الْعَبَّاسُ إلَّا لِيَشُدَّ الْعَقْدَ [4] لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَعْنَاقِهِمْ. وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: مَا قَالَ ذَلِكَ الْعَبَّاسُ إلَّا لِيُؤَخِّرَ الْقَوْمَ تَلِكَ اللَّيْلَةَ، رَجَاءَ أَنْ يَحْضُرَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ، فَيَكُونَ أَقْوَى لِأَمْرِ الْقَوْمِ. فاللَّه أَعْلَمُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ. (نَسَبُ سَلُولَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَلُولُ: امْرَأَةٌ مِنْ خُزَاعَةَ، وَهِيَ أُمُّ أُبَيِّ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ

_ [1] هَذِه الْجُمْلَة: «يعْنى الْمُسلمين» سَاقِطَة فِي أ. [2] نهكة الْأَمْوَال: نَقصهَا. [3] زِيَادَة عَن أ. [4] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الْعقل» وَهُوَ تَحْرِيف.

(أول من ضرب على يد الرسول في بيعة العقبة الثانية) :

(أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ عَلَى يَدِ الرَّسُولِ فِي بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَنُو النَّجَّارِ يَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ، أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ، كَانَ أَوَّلَ مَنْ ضَرَبَ عَلَى يَدِهِ، وَبَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَقُولُونَ: بَلْ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَمَّا مَعْبَدُ [1] بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فَحَدَّثَنِي فِي حَدِيثِهِ، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ ضَرَبَ عَلَى يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، ثُمَّ بَايَعَ بَعْدُ [2] الْقَوْمُ. (تَنْفِيرُ الشَّيْطَانِ لِمَنْ بَايَعَ فِي الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ) : فَلَمَّا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرَخَ الشَّيْطَانُ مِنْ رَأْسِ الْعَقَبَةِ بِأَنْفَذِ صَوْتٍ سَمِعْتُهُ قَطُّ: يَا أَهْلَ الْجُبَاجِبِ- وَالْجُبَاجِبُ: الْمَنَازِلُ [3]- هَلْ لَكُمْ فِي مُذَمَّمٍ [4] وَالصُّبَاةُ [5] مَعَهُ، قَدْ اجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِكُمْ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا أَزَبُّ [6] الْعَقَبَةِ، هَذَا ابْنُ أَزْيَبَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ ابْنُ أُزَيْبٍ [7]- أَتَسْمَعُ [8] أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ، أَمَا وَاَللَّهِ لَأَفْرُغَنَّ لَكَ. (اسْتِعْجَالُ الْمُبَايِعِينَ لِلْإِذْنِ بِالْحَرْبِ) : قَالَ: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْفَضُّوا [9] إلَى رِحَالِكُمْ. قَالَ:

_ [1] كَذَا فِي ط. وَفِي أ: «قَالَ ابْن إِسْحَاق: فَحَدثني معبد بن كَعْب فِي حَدِيثه ... إِلَخ» . وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ ابْن إِسْحَاق: قَالَ الزُّهْرِيّ: حَدثنِي معبد بن كَعْب بن مَالك، فَحَدثني فِي حَدِيثه ... إِلَخ» [2] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ، ط. [3] الْمنَازل: منَازِل منى. وأصل إِطْلَاق «الجباجب» على الْمنَازل، مَأْخُوذ من أَن الأوعية من الْأدم، كالزنبيل وَنَحْوه، تسمى: جبجبة، فَجعل الْخيام والمنازل لأَهْلهَا كالأوعية. [4] المذمم: المذموم جدا. [5] الصباة: جمع صابى، وَهُوَ الصَّابِئ (بِالْهَمْز) . وَكَانَ يُقَال للرجل إِذا أسلم فِي زمن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صابئ» . وَقد وَردت هَذِه الْكَلِمَة فِي الْأُصُول محرفة. [6] أزب الْعقبَة: اسْم شَيْطَان، ويروى بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الزاى. والأرب: الْقصير أَيْضا [7] فِي هَامِش الأَصْل: أزيب (الأولى) : بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الزاى وَفتح الْيَاء (وَالثَّانيَِة) بِضَم الْهمزَة وَفتح الزاى وَسُكُون الْيَاء، كَمَا ضبط كَذَلِك فِي بعض النّسخ» . إِلَّا أَن هَذِه الصِّيغَة الثَّانِيَة لم ينص عَلَيْهَا فِي كتب اللُّغَة. [8] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول. «اسْتمع» . [9] ارفضوا: تفَرقُوا.

(غدو قريش على الأنصار في شأن البيعة) :

فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ: وَاَللَّهِ الَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ: إنْ شِئْتَ لَنَمِيلَنَّ [1] عَلَى أَهْلِ مِنًى غَدًا بِأَسْيَافِنَا؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمْ نُؤْمَرْ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ ارْجِعُوا إلَى رِحَالِكُمْ. قَالَ: فَرَجَعْنَا إلَى مَضَاجِعِنَا، فَنِمْنَا عَلَيْهَا حَتَّى أَصْبَحْنَا. (غُدُوُّ قُرَيْشٍ عَلَى الْأَنْصَارِ فِي شَأْنِ الْبَيْعَةِ) : (قَالَ) [2] : فَلَمَّا أَصْبَحْنَا غَدَتْ عَلَيْنَا جُلَّةُ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَاءُونَا فِي مَنَازِلِنَا، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ، إنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّكُمْ قَدْ جِئْتُمْ إلَى صَاحِبِنَا هَذَا تَسْتَخْرِجُونَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، وَتُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِنَا، وَإِنَّهُ وَاَللَّهِ مَا مِنْ حَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ أَبْغَضُ إلَيْنَا، أَنْ تَنْشَبَ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، مِنْكُمْ. قَالَ: فَانْبَعَثَ مَنْ هُنَاكَ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِنَا يَحْلِفُونَ باللَّه مَا كَانَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ، وَمَا عَلِمْنَاهُ. قَالَ: وَقَدْ صَدَقُوا، لَمْ يَعْلَمُوهُ. قَالَ: وَبَعْضُنَا يَنْظُرُ إلَى بَعْضٍ. قَالَ: ثُمَّ قَامَ الْقَوْمُ، وَفِيهِمْ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ، وَعَلَيْهِ نَعْلَانِ لَهُ جَدِيدَانِ [3] . قَالَ فَقُلْتُ لَهُ كَلِمَةً- كَأَنِّي أُرِيدُ أَنْ أَشْرَكَ الْقَوْمَ بِهَا فِيمَا قَالُوا-: يَا أَبَا جَابِرٍ، أَمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَّخِذَ، وَأَنْتَ سَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا، مِثْلَ نَعْلَيْ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ؟ قَالَ: فَسَمِعَهَا الْحَارِثُ، فَخَلَعَهُمَا مِنْ رِجْلَيْهِ ثُمَّ رَمَى بِهِمَا إلَيَّ، وَقَالَ: وَاَللَّهِ لِتَنْتَعِلَنَّهُمَا. قَالَ: يَقُولُ: أَبُو جَابِرٍ: مَهْ، أَحْفَظْتَ [4] وَاَللَّهِ الْفَتَى، فَارْدُدْ إلَيْهِ نَعْلَيْهِ. قَالَ: قُلْتُ: وَاَللَّهِ لَا أَرُدُّهُمَا [5] ، فَأْلٌ وَاَللَّهِ صَالِحٌ، لَئِنْ صَدَقَ الْفَأْلُ لَأَسْلُبَنَّهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُمْ أَتَوْا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ

_ [1] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «لتميلن» بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «جديدتان» قَالَ السهيليّ: « ... والنعل مُؤَنّثَة، وَلَكِن لَا يُقَال: جَدِيدَة فِي الفصيح من الْكَلَام، وَإِنَّمَا يُقَال: ملحفة جَدِيد، لِأَنَّهَا فِي معنى مجدودة، أَي مَقْطُوعَة فَهِيَ من بَاب: كف خضيب، وَامْرَأَة قَتِيل. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَمن قَالَ: جَدِيدَة، فَإِنَّمَا أَرَادَ معنى حَدِيثَة. أَرَادَ سِيبَوَيْهٍ أَن حَدِيثَة بِمَعْنى حَادِثَة، وكل فعيل بِمَعْنى فَاعل يدْخلهُ التَّاء فِي الْمُؤَنَّث» . [4] أحفظت: أغضبت. [5] فِي أ: «قَالَ» . وَهُوَ تَصْحِيف.

(خروج قريش في طلب الأنصار) :

ابْن سَلُولَ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ كَعْبٌ مِنْ الْقَوْلِ، فَقَالَ لَهُمْ: (وَاَللَّهِ) [1] إنَّ هَذَا الْأَمْرَ جَسِيمٌ، مَا كَانَ قَوْمِي لِيَتَفَوَّتُوا [2] عَلَيَّ بِمِثْلِ هَذَا، وَمَا عَلِمْتُهُ كَانَ. قَالَ: فَانْصَرَفُوا عَنْهُ. (خُرُوجُ قُرَيْشٍ فِي طَلَبِ الْأَنْصَارِ) : قَالَ: وَنَفَرَ النَّاسُ مِنْ مِنًى، فَتَنَطَّسَ [3] الْقَوْمُ الْخَبَرَ، فَوَجَدُوهُ قَدْ كَانَ، وَخَرَجُوا فِي طَلَبِ الْقَوْمِ، فَأَدْرَكُوا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بِأَذَاخِرَ [4] ، وَالْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو، أَخَا بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَكِلَاهُمَا كَانَ نَقِيبًا. فَأَمَّا الْمُنْذِرُ فَأَعْجَزَ الْقَوْمَ، وَأَمَّا سَعْدٌ فَأَخَذُوهُ، فَرَبَطُوا يَدَيْهِ إلَى عُنُقِهِ بِنِسْعِ [5] رَحْلِهِ، ثُمَّ أَقْبَلُوا بِهِ حَتَّى أَدْخَلُوهُ مَكَّةَ يَضْرِبُونَهُ، وَيَجْذِبُونَهُ بِجُمَّتِهِ [6] ، وَكَانَ ذَا شَعَرٍ كَثِيرٍ. (خَلَاصُ ابْنِ عُبَادَةَ مِنْ أَسْرِ قُرَيْشٍ، وَمَا قِيلَ فِي ذَلِكَ مِنْ شِعْرٍ) : قَالَ سعد: فو الله إنِّي لَفِي أَيْدِيهمْ إذْ طَلَعَ عَلَيَّ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ رَجُلٌ وَضِيءٌ أَبْيَضُ، شَعْشَاعٌ، حُلْوٌ مِنْ الرِّجَالِ [7] . قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: إنْ يَكُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْقَوْمِ خَيْرٌ، فَعِنْدَ هَذَا، قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي رَفَعَ يَدَهُ فَلَكَمَنِي [8] لَكْمَةً شَدِيدَةً. قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَا وَاَللَّهِ

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] تفوت عَلَيْهِ بِكَذَا: فَاتَهُ بِهِ. [3] تنطس الْقَوْم الْخَبَر: أَي أَكْثرُوا الْبَحْث عَنهُ. والتنطس: تدقيق النّظر. قَالَ الراجز: وَقد أكون عِنْدهَا نقريسا ... طِبًّا بأدواء النسا نطيسا [4] قَالَ ياقوت: «أذاخر (بِالْفَتْح وَالْخَاء الْمُعْجَمَة مَكْسُورَة) قَالَ ابْن إِسْحَاق: لما وصل رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّة عَام الْفَتْح دخل من أذاخر، حَتَّى نزل بِأَعْلَى مَكَّة، وَضربت هُنَاكَ قُبَّته» . [5] النسع: الشرَاك الّذي يشد بِهِ الرحل. [6] الجمة: مُجْتَمع شعر الرَّأْس، وَهِي أَكثر من الوفرة، وَالْجمع: جمم. [7] كَذَا فِي أ. وَقد زَادَت سَائِر الْأُصُول بَين كلمتي «الرِّجَال» و «قَالَ» الْعبارَة الْآتِيَة: قَالَ ابْن هِشَام: الشعشاع الطَّوِيل الْحسن. قَالَ رؤبة: يمطوه من شعشاع غير مودن يعْنى: عنق الْبَعِير غير قصير، يَقُول: مودن الْيَد، أَي نَاقص الْيَد. يمطوه من السّير شعشاع حُلْو من الرِّجَال» . [8] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. واللكم: الضَّرْب بِجمع الْكَفّ. وَفِي أ: «لطمني» . 29- سيرة ابْن هِشَام- 1

مَا عِنْدَهُمْ بَعْدَ هَذَا مِنْ خير. قَالَ: فو الله إنِّي لَفِي أَيْدِيهِمْ يَسْحَبُونَنِي إذْ أَوَى [1] لِي رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُمْ، فَقَالَ وَيْحَكَ! أَمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ قُرَيْشٍ جِوَارٌ وَلَا عَهْدٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، وَاَللَّهِ، لَقَدْ كُنْتُ أُجِيرُ لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ ابْن نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ تِجَارَةً [2] ، وَأَمْنَعُهُمْ مِمَّنْ أَرَادَ ظُلْمَهُمْ بِبِلَادِي، وَلِلْحَارِثِ ابْن حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، قَالَ: وَيْحَكَ! فَاهْتِفْ بِاسْمِ الرَّجُلَيْنِ، وَاذْكُرْ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمَا. قَالَ: فَفَعَلْتُ، وَخَرَجَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إلَيْهِمَا، فَوَجَدَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ لَهُمَا: إنَّ رَجُلًا مِنْ الْخَزْرَجِ الْآنَ يُضْرَبُ بِالْأَبْطَحِ وَيَهْتِفُ [3] بِكُمَا، وَيَذْكُرُ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَكُمَا جِوَارًا، قَالَا: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَا: صَدَقَ وَاَللَّهِ، إنْ كَانَ لَيُجِيرُ لَنَا تِجَارَنَا، وَيَمْنَعُهُمْ أَنْ يُظْلَمُوا بِبَلَدِهِ. قَالَ: فَجَاءَا فَخَلَّصَا سَعْدًا مِنْ أَيْدِيهِمْ، فَانْطَلَقَ. وَكَانَ الَّذِي لَكَمَ [4] سَعْدًا، سُهَيْلَ بن عَمْرو، أَخُو [5] بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ الرَّجُلُ الَّذِي أَوَى إلَيْهِ، أَبَا الْبَخْتَرِيِّ بْنَ هِشَامٍ [6] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَوَّلُ شِعْرٍ قِيلَ فِي الْهِجْرَةِ بَيْتَيْنِ، قَالَهُمَا ضِرَارُ [7] بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ، أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ (فَقَالَ) : تَدَارَكْتَ سَعْدًا [8] عَنْوَةً فَأَخَذْتَهُ

_ [1] أَوَى لَهُ: رَحمَه ورق لَهُ. قَالَ الشَّاعِر: « لَو أننى استأويته مَا أَوَى ليا » [2] كَذَا فِي أ، ط. والتجار (بِكَسْر فَفتح، وبضم التَّاء مَعَ تَشْدِيد الْجِيم وَفتحهَا) : جمع تَاجر. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «تِجَارَة» وَهُوَ تَحْرِيف. [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ليهتف» . [4] فِي أ: «لطم» . [5] فِي أ: «أحد» . [6] فِي أ: «هَاشم» . [7] كَانَ ضرار شَاعِر قُرَيْش وفارسها، وَلم يكن فِي قُرَيْش أشعر مِنْهُ، ثمَّ ابْن الزبعري. وَكَانَ جد ضرار، وَهُوَ مرداس، رَئِيس بنى محَارب بن فهر فِي الْجَاهِلِيَّة، يسير فيهم بالرباع، وَهُوَ ربع الْغَنِيمَة، وَكَانَ أَبوهُ أَيَّام الْفجار رَئِيس بنى محَارب بن فهر. وَأسلم ضرار عَام الْفَتْح. [8] فِي الرَّوْض الْأنف: «عَمْرو» وَقَالَ السهيليّ فِي التَّعْلِيق عَلَيْهِ: يعْنى «بعمر» : عَمْرو بن خُنَيْس وَالِد الْمُنْذر. يَقُول: لست إِلَيْهِ وَلَا إِلَى ابْنه الْمُنْذر، أَي أَنْت أقل من ذَلِك.

وَكَانَ شِفَاءً لَوْ تَدَارَكْتَ مُنْذِرَا [1] ... وَلَوْ نِلْتُهُ طُلَّتْ هُنَاكَ جِرَاحُهُ [2] وَكَانَتْ حَرِيًّا أَنْ يُهَانَ وَيُهْدَرَا [3] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: وَكَانَ حَقِيقًا أَنْ يُهَانَ وَيُهْدَرَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِيهِمَا [4] فَقَالَ: لَسْتَ إلَى سَعْدٍ وَلَا الْمَرْءِ مُنْذِرٍ ... إذَا مَا مَطَايَا الْقَوْمِ أَصْبَحْنَ ضُمَّرَا فَلَوْلَا أَبُو وَهْبٍ لَمَرَّتْ قَصَائِدٌ ... عَلَى شَرَفِ الْبَرْقَاءِ يَهْوِينَ حُسَّرًا [5] أَتَفْخُرُ بِالْكَتَّانِ لَمَّا لَبِسْتَهُ ... وَقَدْ تَلْبَسُ الْأَنْبَاطُ رَيْطًا مُقَصَّرَا [6] فَلَا تَكُ كَالْوَسْنَانِ يَحْلُمُ أَنَّهُ ... بِقَرْيَةِ كِسْرَى أَوْ بِقَرْيَةِ قَيْصَرَا [7] وَلَا تَكُ كَالثَّكْلَى وَكَانَتْ بِمَعْزِلٍ ... عَنْ الثُّكْلِ لَوْ كَانَ الْفُؤَادُ تَفَكَّرَا [8] وَلَا تَكُ كَالشَّاةِ الَّتِي كَانَ حتفها ... بِحَفر ذِرَاعَيْهَا فَلَمْ تَرْضَ مَحْفَرَا [9] وَلَا تَكُ كَالْعَاوِي فَأَقْبَلَ نَحْرَهُ ... وَلَمْ يَخْشَهُ، سَهْمًا مِنْ النَّبْلِ مُضْمَرَا [10]

_ [1] عنْوَة: قسرا وقهرا. وَيُرِيد «الْمُنْذر» الْمُنْذر بن عَمْرو الّذي تقدم ذكره مَعَ سعد بن عبَادَة، والّذي أعجز الْقَوْم فَلم يلحقوه. يلومهما لتخليصهما سَعْدا، ويتمنى أَن لَو كَانَ سعيهما لطلب الْمُنْذر واللحاق بِهِ، لَا إِلَى تَخْلِيص سعد. [2] يُقَال: طل دَمه (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول وبالبناء للمعلوم، وَالْأول أَكثر) : إِذا هدر وَلم يثأر بِهِ. [3] فِي أ: وَكَانَ جراحا أَن تهان وتهدرا [4] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ. [5] قَالَ ياقوت: «البرقاء فِي الْبَادِيَة. قَالَ الراجز: « يتْرك بالبرقاء شَيخا قد ثلب » أَي سَاءَ جِسْمه وهزل. وحسرا: أضناها الإعياء. [6] الأنباط: قوم من الْعَجم. والريط: الملاحف الْبيض، الْوَاحِدَة: ريطة. [7] الْوَسْنَان: النَّائِم. وكسرى: لقب ملك الْفرس، وَقَيْصَر: لقب ملك الرّوم. [8] الثكلى: الَّتِي فقدت وَلَدهَا. [9] يُشِير بِهَذَا الْبَيْت إِلَى الْمثل الْقَدِيم فِيمَن أثار على نَفسه شرا: كالباحث عَن المدية. وَأنْشد أَبُو عُثْمَان عَمْرو بن بَحر: وَكَانَ يجير النَّاس من سيف مَالك ... فَأصْبح يبغى نَفسه من يجيرها وَكَانَ كعنز السوء قَامَت بظلفها ... إِلَى مدية تَحت التُّرَاب تثيرها [10] فِي ديوَان حسان طبع أوربا: فَلَا تَكُ كالغاوى ... إِلَخ

قصة صنم عمرو بن الجموح

فَإِنَّا وَمَنْ يُهْدِي الْقَصَائِدَ نَحْوَنَا ... كَمُسْتَبْضِعٍ تَمْرًا إلَى أَرْضِ [1] خَيْبَرَا [2] قِصَّةُ صَنَمِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ (عُدْوَانُ قَوْمِ عَمْرٍو عَلَى صَنَمِهِ) : فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ بِهَا، وَفِي قَوْمِهِمْ بَقَايَا مِنْ شُيُوخٍ لَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ مِنْ الشِّرْكِ، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ ابْن كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ، وَكَانَ ابْنُهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرٍو شَهِدَ الْعَقَبَةَ، وَبَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ سَيِّدًا مِنْ سَادَاتِ بَنِي سَلِمَةَ، وَشَرِيفًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَكَانَ قَدْ اتَّخَذَ فِي دَارِهِ صَنَمًا مِنْ خَشَبٍ، يُقَالُ لَهُ: مَنَاةُ [3] ، كَمَا كَانَتْ الْأَشْرَافُ يَصْنَعُونَ، تَتَّخِذُهُ إلَهًا تُعَظِّمُهُ وَتُطَهِّرُهُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ فِتْيَانُ بَنِي سَلِمَةَ: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَابْنُهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو (بْنِ الْجَمُوحِ) [4] ، فِي فِتْيَانٍ مِنْهُمْ مِمَّنْ أَسْلَمَ وَشَهِدَ الْعَقَبَةَ، كَانُوا يُدْلِجُونَ بِاللَّيْلِ عَلَى صَنَمِ عَمْرٍو ذَلِكَ، فَيَحْمِلُونَهُ فَيَطْرَحُونَهُ فِي بَعْضِ حُفَرِ بَنِي سَلِمَةَ، وَفِيهَا عِذَرُ [5] النَّاسِ، مُنَكَّسًا عَلَى رَأْسِهِ، فَإِذَا أَصْبَحَ عَمْرٌو، قَالَ: وَيْلَكُمْ! مَنْ عَدَا عَلَى آلِهَتِنَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: ثُمَّ يَغْدُو يَلْتَمِسُهُ، حَتَّى إذَا وَجَدَهُ غَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ وَطَيَّبَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكَ لَأُخْزِيَنَّهُ. فَإِذَا أَمْسَى وَنَامَ عَمْرٌو، عَدَوْا [6] عَلَيْهِ، فَفَعَلُوا بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيَغْدُو فَيَجِدُهُ فِي مِثْلِ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْأَذَى، فَيَغْسِلُهُ وَيُطَهِّرُهُ وَيُطَيِّبُهُ، ثُمَّ يَعْدُونَ عَلَيْهِ إذَا أَمْسَى، فَيَفْعَلُونَ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ،

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أهل» . [2] يُشِير بالشطر الثَّانِي إِلَى الْمثل الْمَعْرُوف: كمستبضع التَّمْر إِلَى خَيْبَر. وخيبر: موطن التَّمْر. وَفِي معنى هَذَا الْبَيْت يَقُول النَّابِغَة الجعديّ: وَإِن امْرأ أهْدى إِلَيْك قصيدة ... كمستبضع تَمرا إِلَى أَرض خيبرا [3] مَنَاة: مَأْخُوذ من قَوْلك: منيت الدَّم وَغَيره، إِذا صببته، لِأَن الدِّمَاء كَانَت تمنى عِنْده، تقربا إِلَيْهِ، وَمِنْه سميت الْأَصْنَام الدمى. [4] زِيَادَة عَن أ. [5] الْعذر: جمع عذرة، وَهِي فضلات النَّاس. [6] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «غدوا» بالغين الْمُعْجَمَة.

(إسلام عمرو، وشعره في ذلك) :

اسْتَخْرَجَهُ مِنْ حَيْثُ أَلْقَوْهُ يَوْمًا، فَغَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ وَطَيَّبَهُ، ثُمَّ جَاءَ بِسَيْفِهِ فَعَلَّقَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إنِّي وَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ مَنْ يَصْنَعُ بِكَ مَا تَرَى، فَإِنْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ فَامْتَنِعْ، فَهَذَا السَّيْفُ مَعَكَ. فَلَمَّا أَمْسَى وَنَامَ عَمْرٌو، عَدَوْا عَلَيْهِ، فَأَخَذُوا السَّيْفَ مِنْ عُنُقِهِ، ثُمَّ أَخَذُوا كَلْبًا مَيِّتًا فَقَرَنُوهُ بِهِ بِحَبْلِ، ثُمَّ أَلْقَوْهُ فِي بِئْرٍ مِنْ آبَارِ بَنِي سَلِمَةَ، فِيهَا عِذَرٌ مِنْ عِذَرِ النَّاسِ، ثُمَّ غَدَا عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ فَلَمْ يَجِدْهُ فِي مَكَانِهِ الَّذِي كَانَ بِهِ. (إسْلَامُ عَمْرٍو، وَشِعْرُهُ فِي ذَلِكَ) : فَخَرَجَ يَتْبَعُهُ حَتَّى وَجَدَهُ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ مُنَكَّسًا مَقْرُونًا بِكَلْبِ مَيِّتٍ، فَلَمَّا رَآهُ وَأَبْصَرَ شَأْنَهُ، وَكَلَّمَهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ (رِجَالِ) [1] قَوْمِهِ، فَأَسْلَمَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُ. فَقَالَ حِينَ أَسْلَمَ وَعَرَفَ مِنْ اللَّهِ مَا عَرَفَ، وَهُوَ يَذْكُرُ صَنَمَهُ ذَلِكَ وَمَا أَبْصَرَ مِنْ أَمْرِهِ، وَيَشْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى الَّذِي أَنْقَذَهُ مِمَّا كَانَ فِيهِ مِنْ الْعَمَى وَالضَّلَالَةِ: وَاَللَّهِ لَوْ كُنْتَ إلَهًا لَمْ تَكُنْ ... أَنْتَ وَكَلْبٌ وَسْطَ بِئْرٍ فِي قَرَنْ [2] أُفٍّ لِمَلْقَاكَ إلَهًا مُسْتَدَنْ [3] ... الْآنَ فَتَّشْنَاكَ عَنْ سُوءِ الْغَبَنْ [4] الْحَمْدُ للَّه الْعَلِيِّ ذِي المِنَنْ ... الْوَاهِبِ الرَّزَّاقِ دَيَّانِ الدِّيَنْ [5] هُوَ الَّذِي أَنْقَذَنِي مِنْ قَبْلِ أَنْ ... أَكُونَ فِي ظُلْمَةِ قَبْرٍ مُرْتَهَنْ بِأَحْمَدَ الْمَهْدِيِّ النَّبِيِّ الْمُرْتَهِنْ [6]

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] الْقرن: الْحَبل. [3] قَالَ أَبُو ذَر: «مستدن: ذليل مستعبد» . وَقَالَ السهيليّ: «مستدن، من السدَانَة، وَهِي خدمَة الْبَيْت وتعظيمه» . [4] الْغبن: السَّفه. [5] قَالَ السهيليّ فِي الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت: وَقَوله «ديان الدَّين» ، الدَّين: جمع دينة، وَهِي الْعَادة، وَيُقَال لَهَا: دين (أَيْضا) . وَقَالَ ابْن الطثرية، واسْمه يزِيد: أرى سَبْعَة يسعون للوصل كلهم ... لَهُ عِنْد ليلى دينة يستدينها فألقيت سهمي بَينهم حِين أوخشوا ... فَمَا صَار لي فِي الْقسم إِلَّا ثمينها وَيجوز أَن يكون أَرَادَ «بِالدّينِ» : الْأَدْيَان، أَي هُوَ ديان أهل الْأَدْيَان، وَلَكِن جمعهَا على الدَّين، لِأَنَّهَا ملل وَنحل، كَمَا قَالُوا فِي جمع «الْحرَّة» حرائر، لِأَنَّهُنَّ فِي معنى الكرائم والعقائل، وَكَذَلِكَ مرائر الشّجر، وَإِن كَانَت الْوَاحِدَة مرّة، وَلكنهَا فِي معنى فعيلة، لِأَنَّهَا عسيرة فِي الذَّوْق، وشديدة على الْأكل، وكريهة إِلَيْهِ» . [6] هَذَا الشّطْر سَاقِط فِي أ، ط.

شروط البيعة في العقبة الأخيرة

شُرُوطُ الْبَيْعَةِ فِي الْعَقَبَةِ الْأَخِيرَةِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ [1] بَيْعَةَ الْحَرْبِ، حِينَ أَذِنَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [2] فِي الْقِتَالِ شُرُوطًا سِوَى شَرْطِهِ عَلَيْهِمْ فِي الْعَقَبَةِ الْأُولَى، كَانَتْ الْأُولَى عَلَى بَيْعَةِ النِّسَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَرْبِ، فَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِيهَا، وَبَايَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَقَبَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى حَرْبِ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، أَخَذَ لِنَفْسِهِ وَاشْتَرَطَ عَلَى الْقَوْمِ لِرَبِّهِ، وَجَعَلَ لَهُمْ عَلَى الْوَفَاءِ بِذَلِكَ الْجَنَّةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِيهِ الْوَلِيدِ، عَنْ جَدِّهِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَكَانَ أَحَدَ النُّقَبَاءِ، قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الْحَرْبِ- وَكَانَ عُبَادَةُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِينَ بَايَعُوهُ فِي الْعَقَبَةِ الْأُولَى عَلَى بَيْعَةِ النِّسَاءِ- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي عُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَمَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ. أَسَمَاءُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ (عَدَدُهُمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهَذَا تَسْمِيَةُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ، وَبَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَكَانُوا ثَلَاثَةً وَسَبْعِينَ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ. (مَنْ شَهِدَهَا مِنْ الْأَوْسِ ابْنُ حَارِثَةَ وَبَنِيَّ عَبْدِ الْأَشْهَلِ) : شَهِدَهَا مِنْ الْأَوْس بن حَارِثَة بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ابْنِ جُشَمَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ [3] مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ أُسَيْدُ [4]

_ [1] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وَكَانَ» . [2] زِيَادَة عَن أ، ط. [3] فِي أهنا «عَمْرو بن عَامر ... إِلَخ» . وَهُوَ تَحْرِيف. [4] يكنى أسيد: أَبَا عِيسَى، وَقيل غير ذَلِك. أسلم قبل سعد بن معَاذ على يَد مُصعب بن عُمَيْر، وجرح

(من شهدها من بنى حارثة بن الحارث) :

ابْن حُضَيْرِ بْنِ سِمَاكِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ رَافِعِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ، نَقِيبٌ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا. وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ، وَاسْمُهُ [1] مَالِكٌ، شَهِدَ بَدْرًا. وَسَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشِ بْنِ زِغْبَةَ [2] بْنِ زَعُورَاءَ [3] بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ [4] ، شَهِدَ بَدْرًا، ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَيُقَالُ: ابْنُ زَعَوْرَاءَ (بِفَتْحِ الْعَيْنِ) . (مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ: ظُهَيْرُ [5] بْنُ رَافِعِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُشَمَ بْنِ حَارِثَةَ. وَأَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ [6] ، وَاسْمُهُ هَانِئُ بْنِ نِيَارِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ [7] بْنِ كِلَابِ بْنِ دُهْمَانَ بْنِ غَنْمِ ابْن ذُبْيَانَ بْنِ هُمَيْمِ بْنِ كَامِلِ [8] بْنِ ذُهْلِ بْنِ هَنِيِّ [9] . بْنِ بَلِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافِّ بْنِ قُضَاعَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ، شَهِدَ بَدْرًا [10] . وَنُهَيْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، مِنْ بَنِي نَابِي بْنِ مَجْدَعَةَ ابْن حَارِثَةَ، (بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ) [11] ، (ثُمَّ

_ [ () ] يَوْم أحد سبع جراحات، وَثَبت مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين انْكَشَفَ النَّاس، وَكَانَت وَفَاته فِي شعْبَان سنة 20 هـ، وَقيل: إِحْدَى وَعشْرين. [1] هُوَ مَالك بن التيهَان بن مَالك بن عبيد بن عمر بن عبد الأعلم، أَبُو الْهَيْثَم الْبلوى، من بلَى بن الحاف ابْن قضاعة. ثمَّ الْأنْصَارِيّ، حَلِيف بنى عبد الْأَشْهَل، شهد بَدْرًا وأحدا والمشاهد كلهَا، وَتوفى فِي خلَافَة عمر بِالْمَدِينَةِ سنة 20 هـ، وَقيل غير ذَلِك. [2] كَذَا فِي أ، والاستيعاب والقاموس (مَادَّة وقش) . وَفِي سَائِر الْأُصُول: «زعبة» بِالْعينِ الْمُهْملَة، وَهُوَ تَصْحِيف. [3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والاستيعاب. وَفِي أ: «زعوار» . [4] وَأم سَلمَة: سلمى بنت سَلمَة بن خَالِد بن عدي، أنصارية حارثية. ويكنى سَلمَة: أَبَا عَوْف، شهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا، وَاسْتَعْملهُ عمر رضى الله عَنهُ على الْيَمَامَة، وَتوفى سنة خمس وَأَرْبَعين. [5] هُوَ عَم رَافع بن خديج، ووالد أسيد بن ظهير. لم يشْهد بَدْرًا، وَشهد أحدا وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد هُوَ وَأَخُوهُ مظهر بن رَافع. [6] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول، والاستيعاب. والقاموس (مَادَّة نير) . وَفِي م: «دِينَار» وَهُوَ تَحْرِيف. [7] فِي أ: «عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم بن ذهل بن هميم بن كَاهِل بن ذهل» . [8] كَذَا فِي الِاسْتِيعَاب، وَفِي الْأُصُول: «كَاهِل» . [9] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ذهني» . [10] وَشهد هَانِئ أَيْضا سَائِر الْمشَاهد، وَمَات سنة خمس وَأَرْبَعين، وَقيل: سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين. [11] زِيَادَة عَن أ.

(من شهدها من بنى عمرو بن عوف) :

مِنْ آلِ السَّوَّافِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَابِي بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ) [1] . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. (مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ) : وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ: سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ النَّحَّاطِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ السَّلْمِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ ابْن مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، نَقِيبٌ، شَهِدَ بَدْرًا، فَقُتِلَ بِهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِيدًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَنَسَبَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَهُوَ مِنْ بَنِي غَنْمِ ابْن السَّلْمِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَتْ دَعْوَةُ الرَّجُلِ فِي الْقَوْمِ، وَيَكُونُ فِيهِمْ فَيُنْسَبُ إلَيْهِمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَرِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرَ [2] بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيَّةَ [3] بْنِ زَيْدِ ابْن مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرٍو، نَقِيبٌ، شَهِدَ بَدْرًا. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النُّعْمَانِ ابْن أُمَيَّةَ بْنِ الْبُرَكِ- وَاسْمُ الْبُرَكِ: امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو (بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ) [4]- شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا أَمِيرًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرُّمَاةِ، وَيُقَالُ: أُمَيَّةُ بْنُ الْبَرْكِ [5] ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَعْنُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْجَدِّ [6] بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ (حَارِثَةَ) [4] بْنِ ضُبَيْعَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيٍّ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ، وَمَشَاهِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّهَا، قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ. خَمْسَةُ نَفَرٍ. فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ مِنْ الْأَوْسِ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا. (مَنْ شَهِدَهَا مِنْ الْخَزْرَجِ بْنُ حَارِثَةَ) : وَشَهِدَهَا مِنْ الْخَزْرَجِ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، وَهُوَ تَيْمُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ: أَبُو أَيُّوبَ، وَهُوَ خَالِدُ بْنُ زَيْدِ

_ [1] زِيَادَة عَن أ، ط. [2] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي م: «زنير» . وَفِي الِاسْتِيعَاب: «زبير» . [3] فِي م: «ابْن أَبى أُميَّة» . [4] زِيَادَة عَن أ: [5] فِي هَامِش م: «البرك (الأولى) بِضَم الْبَاء وَفتح الرَّاء، (وَالثَّانيَِة) بِفَتْح الْبَاء وَسُكُون الرَّاء» . [6] فِي أ: «الْحل» ، وَهُوَ تَحْرِيف.

(من شهدها من بنى عمرو بن مبذول) :

ابْن كُلَيْبِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ، وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا، مَاتَ بِأَرْضِ الرُّومِ غَازِيًا فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ. وَمُعَاذُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ، وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا، وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ. وَأَخُوهُ عَوْفُ [1] بْنُ الْحَارِثِ، شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ بِهِ شَهِيدًا، وَهُوَ (لِعَفْرَاءَ. وَأَخُوهُ مُعَوَّذُ بْنُ الْحَارِثِ، شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ بِهِ شَهِيدًا) [2] ، وَهُوَ الَّذِي قَتَلَ أَبَا جَهْلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَهُوَ لِعَفْرَاءَ- وَيُقَالُ: رِفَاعَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَعُمَارَةُ بْنُ حَزْمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ. شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ، وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا، قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَأَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ بْنِ عُدَسَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ ابْن غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، نَقِيبٌ، مَاتَ قَبْلَ بَدْرٍ وَمَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبْنَى، وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ. سِتَّةُ نَفَرٍ. (مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ) : وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ- وَمَبْذُولٌ: عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ-: سَهْلُ ابْن عَتِيكِ بْنِ نُعْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكِ بْنِ عَمْرٍو، شَهِدَ بَدْرًا. رَجُلٌ. (مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ) : وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَهُمْ بَنُو حُدَيْلَةَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حُدَيْلَةُ: بِنْتُ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةِ [3] بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ ابْن الْخَزْرَجِ- أَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ (بْنِ النَّجَّارِ) [2] ، شَهِدَ بَدْرًا [4] . وَأَبُو طَلْحَةَ، وَهُوَ زَيْدُ [5] بْنُ سَهْلِ

_ [1] وَيُقَال فِيهِ: عوذ (بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة) . [2] زِيَادَة عَن أ. [3] فِي م: «زيد الله» . [4] وَقتل أَوْس يَوْم أحد شَهِيدا، وَهُوَ أَخُو حسان بن ثَابت الشَّاعِر. [5] وَهُوَ ربيب أنس بن مَالك، وَكَانَت وَفَاته سنة إِحْدَى وَخمسين.

(من شهدها من بنى مازن بن النجار) :

ابْن الْأَسْوَدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ (بْنِ النَّجَّارِ) [1] شَهِدَ بَدْرًا. رَجُلَانِ. (مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ) : وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ، قَيْسُ بْنُ أَبِي صَعْصَعَةَ، وَاسْمُ أَبِي صَعْصَعَةَ: عَمْرُو بْنُ زَيْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ، شَهِدَ بَدْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهُ عَلَى السَّاقَةِ يَوْمئِذٍ. وَعَمْرُو بْنُ غُزَيَّةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ [2] خَنْسَاءَ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ. رَجُلَانِ. فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا. (تَصْوِيبُ نَسَبِ عَمْرِو بْنِ غُزَيَّةَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمْرُو بْنُ غُزَيَّةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَنْسَاءَ، هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ، إنَّمَا هُوَ غُزَيَّةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطِيَّةَ بْنِ خَنْسَاءَ. (مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَلْحارثِ بْنِ الْخَزْرَجِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَلْحارثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ بْنِ مَالِكٍ (الْأَغَرِّ) [3] بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ، نَقِيبٌ، شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا. وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ ابْن أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ بْنِ مَالِكِ (الْأَغَرِّ) [3] بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ ابْن الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ، شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ (ابْنِ ثَعْلَبَةَ) [3] بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ (الْأَكْبَرِ) [3] بْنِ مَالِكِ (الْأَغَرِّ) [3] بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ، نَقِيبٌ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَمَشَاهِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّهَا، إلَّا الْفَتْحَ وَمَا بَعْدَهُ، وَقُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ شَهِيدًا أَمِيرًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَبَشِيرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ خِلَاسِ [4] بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ، أَبُو النُّعْمَانِ

_ [1] زِيَادَة عَن أ: [2] فِي أ: «بن ثَعْلَبَة بن عَطِيَّة ... إِلَخ» . [3] زِيَادَة عَن الِاسْتِيعَاب. [4] كَذَا فِي الِاسْتِيعَاب، وَفِي أَكثر الْأُصُول: «جلاس» بِالْجِيم. وَقد سقط فِي أمعظم هَذَا السَّنَد.

(من شهدها من بنى بياضة بن عامر) :

ابْن بَشِيرٍ، شَهِدَ بَدْرًا [1] . وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ [2] بْنِ زَيْدِ (مَنَاةِ) [3] ابْن الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ [4] ، شَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ الَّذِي أُرِيَ النِّدَاءَ لِلصَّلَاةِ، فَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِ [5] . وَخَلَّادُ بْنُ سُوِيدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو ابْن حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ بْنِ مَالِكِ (الْأَغَرِّ) [6] بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ [4] ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ، وَقُتِلَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ شَهِيدًا، طُرِحَتْ عَلَيْهِ رَحَى مِنْ أُطُمٍ مِنْ أُطَامِهَا فَشَدَخَتْهُ شَدْخًا شَدِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يَذْكُرُونَ-: إنَّ لَهُ لَأَجْرَ شَهِيدَيْنِ. وَعُقْبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَسِيرَةَ ابْن عُسَيْرةَ بْنِ جَدَارَةَ [7] بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ (بْنِ الْخَزْرَجِ) [3] ، وَهُوَ أَبُو مَسْعُودٍ وَكَانَ أَحْدَثَ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ سِنًّا، (مَاتَ فِي أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ) [8] ، لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا. سَبْعَةُ نَفَرٍ. (مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي بَيَاضَةَ بْنِ عَامِرٍ) : وَمِنْ بَنِي بَياضَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ (بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ) [8] : زِيَادُ بْنُ لَبِيَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ أُمَيَّةَ ابْن بَيَاضَةَ، شَهِدَ بَدْرًا [9] . وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ وَذْفَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ، شَهِدَ بَدْرًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: وَدْفَةُ [10] .

_ [1] وَشهد بشير أحدا والمشاهد بعْدهَا، وَيُقَال: إِنَّه هُوَ أول من بَايع أَبَا بكر الصّديق يَوْم السَّقِيفَة من الْأَنْصَار، وَقيل وَهُوَ مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد بِعَين التَّمْر فِي خلَافَة أَبى بكر. [2] كَذَا فِي الِاسْتِيعَاب، وَفِي الْأُصُول «عبد ربه» . [3] زِيَادَة عَن أ. [4] فِي م: «ابْن الْخَزْرَج بن الْحَارِث» . [5] وَتوفى عبد الله بِالْمَدِينَةِ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ. [6] زِيَادَة عَن الِاسْتِيعَاب. [7] جدارة، هُوَ بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا، وَقَيده الدارقطنيّ بِكَسْر الْجِيم، ويروى «خدارة» بخاء مُعْجمَة مَضْمُومَة، وَهُوَ أَخُو خدرة الّذي ينْسب إِلَيْهِ أَبُو سعيد الخدريّ. [8] زِيَادَة عَن م. [9] وَشهد زِيَاد أَيْضا أحدا وَالْخَنْدَق والمشاهد كلهَا، وَاسْتَعْملهُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حَضرمَوْت. وَمَات زِيَاد فِي خلَافَة مُعَاوِيَة. [10] كَذَا فِي الْأُصُول. وَفِي الِاسْتِيعَاب: «ودفة» قَالَ السهيليّ فِي الْكَلَام على «وذفة» : «وَذكر فِي بنى بياضة: عَمْرو بن وذقة، بذال مُعْجمَة. وَقَالَ ابْن هِشَام: ودفة: بدال مُهْملَة، وَهُوَ الْأَصَح ...

(من شهدها من بنى زريق) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقٍ: وَخَالِدُ بْنُ قِيسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ [1] بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ، شَهِدَ بَدْرًا. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. (مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ) : وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ ابْن الْخَزْرَجِ: رَافِعُ [2] بْنُ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ، نَقِيبٌ. وَذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قِيسِ بْنِ خَلْدَةَ بْنِ مُخَلَّدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ، وَكَانَ خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مَعَهُ بِمَكَّةَ وَهَاجَرَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ: مُهَاجِرِيٌّ أَنْصَارِيٌّ، شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا. وَعَبَّادُ [3] بْنُ قِيسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ خَلْدَةَ [4] بْنِ مُخَلَّدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ، شَهِدَ بَدْرًا. وَالْحَارِثُ بْنُ قِيسِ بْنِ خَالِدِ [5] بْنِ مُخَلَّدِ [6] بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ، وَهُوَ أَبُو خَالِدٍ [6] شَهِدَ بَدْرًا. أَرْبَعَةُ نَفَرٍ. (مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي سَلِمَةَ بْنِ سَعْدٍ) : وَمِنْ بَنِي سَلِمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ: الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورِ ابْن صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ غَنْمٍ، نَقِيبٌ، وَهُوَ الَّذِي تَزْعُمُ

_ [ () ] وَعمر بن ودفة هَذَا هُوَ البياضي الّذي روى عَنهُ مَالك فِي كتاب الصَّلَاة وَلم يسمعهُ» . وَقَالَ أَبُو ذَر: «ذكره ابْن إِسْحَاق» : وذفة، أعنى بذال مُعْجمَة. قَالَ ابْن هِشَام: وَيُقَال: ودفة، يعْنى بدال مُهْملَة. وَمن رَوَاهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، فَهُوَ من: توذف فِي مشيته إِذا تبختر، وَيُقَال: إِذا أسْرع، وَمن رَوَاهُ بِالدَّال الْمُهْملَة فَهُوَ من ودفت الشحمة: إِذا قطرت، واستودفتها أَنا، وبالدال الْمُهْملَة ذكره صَاحب كتاب الْعين، قَالَ: ودفة: اسْم رجل. وَقَالَ ابْن الظريف: ودف الْمَطَر، وَغَيره ودفا قطر، وَقد قَالُوا أَيْضا: وذف (بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة) بذلك الْمَعْنى» . [1] فِي الِاسْتِيعَاب: «الْجعلَان» . [2] يكنى رَافع: أَبَا مَالك، وَقد قتل يَوْم أحد شَهِيدا. [3] فِي أ: «عبَادَة» ، وَهُوَ تَحْرِيف. [4] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «خَالِد» . [5] كَذَا فِي أ، ط، والاستيعاب. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «خلدَة» . [6] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ.

بَنُو سَلَمَةَ أَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ ضَرَبَ عَلَى يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَطَ لَهُ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ قَبْلَ مَقْدِمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ. وَابْنُهُ بِشْرُ بْنُ الْبَراء بن معزور، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَمَاتَ بِخَيْبَرٍ مِنْ أَكْلَةٍ أَكَلَهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ الشَّاةِ الَّتِي سُمَّ فِيهَا- وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَيْنَ سَأَلَ بَنِي سَلَمَةَ: مَنْ سَيِّدُكُمْ يَا بَنِي سَلِمَةَ؟ فَقَالُوا: الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ، عَلَى بُخْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَيُّ دَاءٍ أَكْبَرُ مِنْ الْبُخْلِ! سَيِّدُ بَنِي سَلِمَةَ الْأَبْيَضُ الْجَعْدُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ [1]-. وَسِنَانُ بْنُ صَيْفَى بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ، شَهِدَ بَدْرًا، (وَقُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ شَهِيدًا) [2] . وَالطُّفَيْلُ [3] بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانَ بْنِ عُبَيْدٍ، شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ شَهِيدًا. وَمَعْقِلُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَرْحِ ابْن خُنَاسِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ، [4] شَهِدَ بَدْرًا. و (أَخُوهُ) [2] يَزِيدُ بْنُ الْمُنْذِرِ، شَهِدَ بَدْرًا. وَمَسْعُودُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سُبَيْعِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ. وَالضَّحَّاكُ ابْن حَارِثَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، شَهِدَ بَدْرًا، وَيَزِيدُ بْنُ حَرَامِ [5] بْنِ سُبَيْعِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ. وَجُبَارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانَ بْنِ عُبَيْدٍ، شَهِدَ بَدْرًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: جَبَّارُ [6] بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خُنَاسٍ [7] .

_ [1] وروى عَن الزُّهْرِيّ وعامر الشّعبِيّ أَنَّهُمَا قَالَا فِي هَذَا الحَدِيث عَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بل سيدكم عَمْرو بن الجموح» . وَقَالَ شَاعِر الْأَنْصَار فِي ذَلِك: وَقَالَ رَسُول الله وَالْحق قَوْله ... لمن قَالَ منا: من تَعدونَ سيدا فَقَالُوا لَهُ جد بن قيس على الَّتِي ... نبخله فِينَا وَمَا كَانَ أسودا فسود عَمْرو بن الجموح لجوده ... وَحقّ لعَمْرو عندنَا أَن يسودا [2] زِيَادَة عَن أ. [3] وَيُقَال: هُوَ الطُّفَيْل بن مَالك بن النُّعْمَان ... إِلَخ. [4] فِي الْأُصُول هُنَا: «عبد» (رَاجع الِاسْتِيعَاب) . [5] كَذَا فِي الِاسْتِيعَاب. وَفِي الْأُصُول: «خذام» . [6] فِي هَامِش م: «جَبَّار (هُنَا) : بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة، وَضبط الأول بِضَم الْجِيم وَتَخْفِيف الْمُوَحدَة» . [7] لَعَلَّه «خُنَيْس» . (رَاجع الِاسْتِيعَاب) .

(من شهدها من بنى سواد بن غنم) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالطُّفَيْلُ [1] بْنُ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ، شَهِدَ بَدْرًا. أَحَدَ [2] عَشَرَ رَجُلًا. (مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمٍ) : وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ، ثُمَّ مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ سَوَادٍ: كَعْبُ [3] بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ كَعْبٍ. رَجُلٌ. (مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ سَوَادٍ) : وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ: سُلَيْمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حُدَيْدَةَ ابْن عَمْرِو بْنِ غَنْمٍ، شَهِدَ بَدْرًا. وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ [4] بْنِ حُدَيْدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمٍ [5] ، شَهِدَ بَدْرًا. و (أَخُوهُ) [6] يَزِيدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حُدَيْدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمٍ، وَهُوَ أَبُو الْمُنْذِرِ، شَهِدَ بَدْرًا. وَأَبُو الْيَسَرِ، وَاسْمُهُ كَعْبُ [7] بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَمْرِو ابْن غَنْمٍ، شَهِدَ بَدْرًا [8] . وَصَيْفِيُّ بْنُ سَوَادِ بْنِ عَبَّادِ [9] بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمٍ خَمْسَةُ نَفَرٍ. (تَصْوِيبُ اسْمِ صَيْفِيٍّ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: صَيْفِيُّ بْنُ أَسْوَدَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ سَوَادٍ، وَلَيْسَ لِسَوَادٍ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ: غَنْمٌ.

_ [1] تقدم فِي الْكَلَام على بنى سَلمَة اسْم الطُّفَيْل بن النُّعْمَان، وَذكر هُنَا باسم الطُّفَيْل بن مَالك بن النُّعْمَان. وَقد ذكر ابْن عبد الْبر أَنَّهُمَا شخص وَاحِد. [2] فِي م: «إِحْدَى» وَهُوَ تَحْرِيف. [3] وَلم يشْهد كَعْب بَدْرًا، وَشهد أحدا والمشاهد كلهَا حاشا تَبُوك، وَتوفى فِي زمن مُعَاوِيَة سنة 50 هـ. [4] وَيُقَال: «عَمْرو» . [5] سَاق ابْن عبد الْبر نسب قُطْبَة هَذَا نقلا عَن ابْن إِسْحَاق فَقَالَ: هُوَ قُطْبَة بن عَامر بن حَدِيدَة بن عمر ابْن سَواد بن غنم بن كَعْب بن سَلمَة الخزرجي. [6] زِيَادَة عَن أ. [7] فِي الِاسْتِيعَاب: «كَعْب بن عمر بن عباد بن عمر بن سَواد» . [8] وَمَات كَعْب بِالْمَدِينَةِ سنة 55 هـ. [9] فِي م: «عَبَّاس» ، وَهُوَ تَحْرِيف.

(من شهدها من بنى نابي بن عمرو) :

(مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي نَابِي بْنِ عَمْرٍو) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي نَابِي بْنِ عَمْرِو بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ: ثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَابِي [1] ، شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ بِالْخَنْدَقِ شَهِيدًا. وَعَمْرُو ابْن غَنَمَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَابِي، وَعَبْسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَابِي، شَهِدَ بَدْرًا. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ قُضَاعَةَ. وَخَالِدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَابِي. خَمْسَةُ نَفَرٍ. (مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَرَامٍ، نَقِيبٌ، شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا، وَابْنُهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَمَعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ يَزِيدَ [2] بْنِ حَرَامٍ، شَهِدَ بَدْرًا [3] . وَثَابِتُ بْنُ الْجِذْعِ- وَالْجِذْعُ: ثَعْلَبَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَرَامٍ- شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ بِالطَّائِفِ شَهِيدًا. وَعُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ [4] بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَرَامٍ، شَهِدَ بَدْرًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ لَبْدَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَدِيجُ [5] بْنُ سَلَامَةَ بْنِ أَوْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْفُرَافِرِ [6] ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيٍّ. وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَوْسِ بْنِ عَائِذِ [7] بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَدَّى [8] بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَسَدٍ، وَيُقَالُ: أَسَدُ بْنُ سَارِدَةَ

_ [1] كَذَا فِي الْأُصُول وَأسد الغابة. وَفِي الِاسْتِيعَاب: «هَانِئ» . [2] كَذَا فِي الِاسْتِيعَاب. وَفِي الْأُصُول: «زيد» . [3] وَمَات معَاذ فِي خلَافَة عُثْمَان رضى الله عَنهُ. [4] كَذَا فِي أوالاستيعاب. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ثَعْلَبَة بن زيد بن الْحَارِث» . [5] خديج، بخاء منقوطة مَفْتُوحَة، ودال مَكْسُورَة، كَذَا ذكره الدارقطنيّ وَغَيره. وَذكر الطَّبَرِيّ وَقَالَ: شهد الْعقبَة وَلم يشْهد بَدْرًا. وَقَالَ: يكنى أَبَا رشيد. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [6] الفرافر، يرْوى بِالْفَاءِ وَالْقَاف، قَيده الدارقطنيّ لَا غير (رَاجع شرح السِّيرَة لأبى ذَر) . [7] كَذَا فِي الِاسْتِيعَاب. وَفِي الْأُصُول: «عَائِد بن عدي بن كَعْب» . [8] كَذَا فِي الرَّوْض الْأنف، وَفِي أ: «أذن» . وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أد» وَهُوَ تَحْرِيف. قَالَ

(تصويب نسب خديج بن سلامة) :

ابْن تَزِيدَ [1] بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ فِي بَنِي سَلَمَةَ، شَهِدَ بَدْرًا، وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا وَمَاتَ بِعِمْوَاسَ [2] ، عَامَ الطَّاعُونِ بِالشَّامِ، فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا ادَّعَتْهُ بَنُو سَلَمَةَ أَنَّهُ كَانَ أَخَا سَهْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَدِّ بْنِ قِيسِ بْنِ صَخْرِ ابْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ لِأُمِّهِ. سَبْعَةُ نَفَرٍ. (تَصْوِيبُ نَسَبِ خَدِيجِ بْنِ سَلَامَةَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَوْسٌ: ابْنُ عَبَّادِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُذَنِ [3] بْنِ سَعْدٍ. (مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو ابْن عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ بْنِ قِيسِ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ ابْن غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، نَقِيبٌ، شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ غَنْمُ بْنُ عَوْفٍ، أَخُو سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ ابْن الْخَزْرَجِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعِجْلَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَ مِمَّنْ خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ، فَأَقَامَ مَعَهُ بِهَا، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ [4] : مُهَاجِرِيٌّ أَنْصَارِيٌّ، وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا.

_ [ () ] السهيليّ: «وَذكر معَاذ بن جبل وَنسبه إِلَى أدّى بن سعد بن على، أخى سَلمَة. وَقد انقرض عقب أدّى، وَآخر من مَاتَ مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن معَاذ بن جبل. وَقد يُقَال فِي أدّى (أَيْضا) أذن، فِي غير رِوَايَة ابْن إِسْحَاق وَابْن هِشَام» . [1] فِي الِاسْتِيعَاب: «يزِيد» . [2] عمواس (بِكَسْر أَوله وَسُكُون الثَّانِي، أَو بِفَتْح أَوله وثانيه) : كورة بفلسطين بِالْقربِ من بَيت الْمُقَدّس. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [3] فِي الْأُصُول: هُنَا «أدّى» وَمَا أَثْبَتْنَاهُ أصوب، تمشيا مَعَ مَا سقناه عَن السهيليّ فِي الْحَاشِيَة الأولى من هَذِه الصفحة. [4] فِي م: «لَهَا» ، وَهُوَ تَحْرِيف.

(من شهدها من بنى سالم بن غنم) :

وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ [1] يَزِيدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَزَمَةَ [2] بْنِ أَصْرَمَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَمَّارَةَ [3] ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي غُصَيْنَةَ [4] مِنْ بَلِيٍّ. وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ لَبْدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ. أَرْبَعَةُ نَفَرٍ، وَهُمْ الْقَوَاقِلُ [5] . (مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ) : وَمِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَهُمْ بَنُو الْحُبُلِيِّ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْحُبُلِيُّ [6] : سَالِمُ بْنُ غَنْمِ بْنِ عَوْفٍ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ «الْحُبُلِيَّ- لِعِظَمِ بَطْنِهِ-: رِفَاعَةُ ابْن عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ، شَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ أَبُو الْوَلِيدِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: رِفَاعَةُ: ابْنُ مَالِكٍ، وَمَالِكٌ: ابْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْن مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ جُشَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ كِلْدَةَ بْنِ الْجَعْدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ ابْن عَمْرِو بْنِ عَدِيِّ بْنِ جُشَمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ بُهْثَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَطَفانَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قِيسِ بْنِ عَيْلَانَ، حَلِيفٌ لَهُمْ، شَهِدَ بَدْرًا، وَكَانَ مِمَّنْ خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرًا مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ: مُهَاجِرِيٌّ أَنْصَارِيٌّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: رَجُلَانِ.

_ [1] فِي م: «وَأَبُو عبد الرَّحْمَن بن يزِيد» ، وَهُوَ تَحْرِيف. [2] خزمة، هُوَ بِسُكُون الزاى عِنْد ابْن إِسْحَاق وَابْن الْكَلْبِيّ، وبتحريكها عِنْد الطَّبَرِيّ، وَهُوَ الصَّوَاب. (رَاجع الرَّوْض الْأنف والاستيعاب) . [3] عمَارَة، هِيَ بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْمِيم، وَلَا يعرف «عمَارَة» فِي الْعَرَب إِلَّا هَذَا، كَمَا لَا يعرف «عمَارَة» بِكَسْر الْعين إِلَّا أَبى بن عمَارَة الّذي يرْوى حَدِيثا فِي الْمسْح على الْخُفَّيْنِ، وَقد قيل فِيهِ: عمَارَة بِضَم الْعين. وَأما مَا سوى هذَيْن فعمارة بِالضَّمِّ. (رَاجع الرَّوْض، ومختلف الْقَبَائِل ومختلفها والمشتبه للذهبى) . [4] فِي أ: «عصينة» بِالْعينِ الْمُهْملَة. [5] قد تقدم الْكَلَام على القواقل فِي هَذَا الْجُزْء. [6] قَالَ السهيليّ: «وَذكر بنى الحبلى، وَالنّسب إِلَيْهِم: حُبْلَى، بِضَم الْحَاء وَالْبَاء، قَالَه سِيبَوَيْهٍ على غير قِيَاس النّسَب، وتوهم بعض من ألف فِي الْعَرَبيَّة أَن سِيبَوَيْهٍ قَالَ فِيهِ: حُبْلَى، بِفَتْح الْبَاء لما ذكره مَعَ جذمي فِي النّسَب إِلَى «جذيمة» . وَلم يذكرهُ سِيبَوَيْهٍ مَعَه لِأَنَّهُ على وَزنه، وَلَكِن لِأَنَّهُ شَاذ مثله فِي الْقيَاس الّذي ذَكرْنَاهُ عَن سِيبَوَيْهٍ من تقيده بِالضَّمِّ، ذكره أَبُو على القالي فِي البارع. وَقَالَ: هَكَذَا تقيد فِي النّسخ الصَّحِيحَة من سِيبَوَيْهٍ، فَدلَّ هَذَا كُله على غلط من نسب إِلَى سِيبَوَيْهٍ أَنه فتح الْبَاء» . 30- سيرة ابْن هِشَام- 1

(من شهدها من بنى ساعدة بن كعب) :

(مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي خُزَيْمَةَ [1] بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ طَرِيفِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ، نَقِيبٌ [2] وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خُنَيْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَبْدِ وُدَّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ ابْن جُشَمِ [3] بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ، نَقِيبٌ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا، وَقُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ أَمِيرًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُقَالُ لَهُ: أَعْنَقَ لِيَمُوتَ [4] . رَجُلَانِ. (قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الْمُنْذِرُ: ابْنُ عَمْرِو بْنِ خَنْشٍ) [5] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا وَامْرَأَتَانِ مِنْهُمْ، يُزْعِمُونَ أَنَّهُمَا قَدْ بَايَعَتَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَافِحُ النِّسَاءَ، إنَّمَا كَانَ يَأْخُذُ عَلَيْهِنَّ، فَإِذَا أَقْرَرْنَ، قَالَ: اذْهَبْنَ فَقَدْ بَايَعَتْكُنَّ. (مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ) : وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ: نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ مِنْ مَبْذُولِ ابْن عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ، وَهِيَ أُمُّ عِمَارَةَ، كَانَتْ شَهِدَتْ الْحَرْبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَهِدَتْ مَعَهَا أُخْتُهَا. وَزَوْجُهَا زَيْدُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ كَعْبٍ. وَابْنَاهَا: حَبِيبُ [6] بْنُ زَيْدِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، وَابْنُهَا حَبِيبٌ [6] الَّذِي أَخَذَهُ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ الْحَنَفِيُّ، صَاحِبُ الْيَمَامَةِ، فَجَعَلَ يَقُولُ لَهُ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: أَفَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: لَا أَسْمَعُ، فَجَعَلَ يُقَطِّعُهُ عُضْوًا عُضْوًا حَتَّى مَاتَ فِي يَدِهِ، لَا يَزِيدُهُ عَلَى ذَلِكَ، إذَا ذُكِرَ لَهُ

_ [1] وَيُقَال: ابْن أَبى حليمة. [2] مَاتَ سعد بحوران من أَرض الشَّام لِسنتَيْنِ وَنصف مضتا من خلَافَة عمر، وَقيل بل مَاتَ فِي خلَافَة أَبى بكر سنة إِحْدَى عشرَة. [3] فِي الِاسْتِيعَاب: «ابْن ثَعْلَبَة بن الْخَزْرَج» . [4] وَقيل: «المعنق للْمَوْت» . رَاجع الِاسْتِيعَاب والإعناق: ضرب من السّير السَّرِيع. [5] زِيَادَة عَن أ. [6] فِي م: «خبيب» بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، وَهُوَ تَصْحِيف.

(من شهدها من بنى سلمة) :

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمَنَ بِهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَإِذَا ذُكِرَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ قَالَ: لَا أَسْمَعُ- فَخَرَجَتْ إلَى الْيَمَامَةِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَبَاشَرَتْ الْحَرْبَ بِنَفْسِهَا. حَتَّى قَتَلَ اللَّهُ مُسَيْلِمَةَ، وَرَجَعَتْ. وَبِهَا اثْنَا عَشَرَ جُرْحًا، مِنْ بَيْنِ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ. (مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي سَلِمَةَ) : وَمِنْ بَنِي سَلَمَةَ: أُمُّ مَنِيعٍ، وَاسْمُهَا: أَسَمَاءُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَابِي بْنِ عَمْرِو بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ. نُزُولُ الْأَمْرِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِتَالِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ ابْن عَبْدِ اللَّهِ الْبُكَائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيِّ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الْحَرْبِ وَلَمْ تُحَلَّلْ لَهُ الدِّمَاءُ، إنَّمَا يُؤْمَرُ بِالدُّعَاءِ إلَى اللَّهِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْأَذَى، وَالصُّفْحِ عَنْ الْجَاهِلِ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ اضْطَهَدَتْ مَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى فَتَنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَنَفَوْهُمْ مِنْ بِلَادِهِمْ، فَهُمْ مِنْ بَيْنِ مَفْتُونٍ فِي دِينِهِ، وَمِنْ بَيْنِ مُعَذَّبٍ فِي أَيْدِيهِمْ، وَبَيْنِ هَارِبٍ فِي الْبِلَادِ فِرَارًا مِنْهُمْ، مِنْهُمْ مَنْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ بِالْمَدِينَةِ، وَفِي كُلٍّ وَجْهٌ، فَلَمَّا عَتَتْ قُرَيْشٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَدُّوا عَلَيْهِ مَا أَرَادَهُمْ بِهِ مِنْ الْكَرَامَةِ، وَكَذَّبُوا نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَذَّبُوا وَنَفَوْا مَنْ عَبَدَهُ وَوَحَّدَهُ وَصَدَّقَ نَبِيَّهُ، وَاعْتَصَمَ بِدِينِهِ، أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِتَالِ وَالِانْتِصَارِ مِمَّنْ ظَلَمَهُمْ وَبَغَى عَلَيْهِمْ، فَكَانَتْ أَوَّلُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ فِي إذْنِهِ لَهُ فِي الْحَرْبِ، وَإِحْلَالِهِ لَهُ الدِّمَاءَ وَالْقِتَالَ، لِمَنْ بَغَى عَلَيْهِمْ، فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ، قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ، وَآتَوُا

(إذنه صلى الله عليه وسلم لمسلمى مكة بالهجرة) :

الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ 22: 39- 41-: أَيْ أَنِّي إنَّمَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ الْقِتَالَ لِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَنْبٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ، إلَّا أَنَّ يَعْبُدُوا اللَّهَ، وَأَنَّهُمْ إذَا ظَهَرُوا أَقامُوا الصَّلاةَ، وَآتَوُا الزَّكاةَ، وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ 22: 41 [1] ، يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ أَنَزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِ: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ 2: 193: أَيْ حَتَّى لَا يُفْتَنَ مُؤْمِنٌ عَنْ دِينِهِ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ 2: 193: أَيْ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ، لَا يَعْبُدُ مَعَهُ غَيْرُهُ. (إذْنُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُسْلِمِي مَكَّةَ بِالْهِجْرَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَرْبِ، وَبَايَعَهُ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالنُّصْرَةِ لَهُ وَلِمَنْ اتَّبَعَهُ، وَأَوَى إلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قَوْمِهِ، وَمَنْ مَعَهُ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، بِالْخُرُوجِ إلَى الْمَدِينَةِ وَالْهِجْرَةِ إلَيْهَا، وَاللُّحُوقِ بِإِخْوَانِهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَعَلَ لَكُمْ إخْوَانًا وَدَارًا تَأْمَنُونَ بِهَا. فَخَرَجُوا أَرْسَالًا [2] ، وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ يَنْتَظِرُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبُّهُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ، وَالْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ. ذِكْرُ الْمُهَاجِرِينَ إلَى الْمَدِينَةِ (هِجْرَةُ أَبِي سَلَمَةَ وَزَوْجُهُ، وَحَدِيثُهَا عَمَّا لَقِيَا) : فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَاسْمُهُ: عَبْدُ اللَّهِ، هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ بَيْعَةِ أَصْحَابِ الْعَقَبَةِ بِسَنَةٍ، وَكَانَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا آذَتْهُ قُرَيْشٌ وَبَلَغَهُ إسْلَامُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَنْصَارِ، خَرَجَ إلَى الْمَدِينَةِ مُهَاجِرًا.

_ [1] الْعبارَة من قَوْله «أَي أَنى» إِلَى هُنَا سَاقِطَة فِي أ. [2] أَرْسَالًا: جمَاعَة فِي إِثْر جمَاعَة.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ابْن أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: لَمَّا أَجْمَعَ أَبُو سَلَمَةَ الْخُرُوجَ إلَى الْمَدِينَةِ رَحَلَ لِي بَعِيرَهُ ثُمَّ حَمَلَنِي عَلَيْهِ، وَحَمَلَ مَعِي ابْنِي سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ فِي حِجْرِي، ثُمَّ خَرَجَ بِي يَقُودُ بِي بَعِيرَهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ رِجَالُ بَنِي الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَامُوا إلَيْهِ، فَقَالُوا هَذِهِ نَفْسُكَ غَلَبْتنَا عَلَيْهَا، أَرَأَيْتَ صَاحِبَتَكَ هَذِهِ؟ عَلَامَ نَتْرُكُكَ تَسِيرُ بِهَا فِي الْبِلَادِ؟ قَالَتْ: فَنَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذُونِي مِنْهُ. قَالَتْ: وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ، رَهْطُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالُوا: لَا وَاَللَّهِ، لَا نَتْرُكُ ابْنَنَا عِنْدَهَا إذْ نَزَعْتُمُوهَا مِنْ صَاحِبِنَا. قَالَتْ: فَتَجَاذَبُوا بَنِي سَلِمَةَ بَيْنَهُمْ حَتَّى خَلَعُوا يَدَهُ، وَانْطَلَقَ بِهِ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ، وَحَبَسَنِي بَنُو الْمُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ، وَانْطَلَقَ زَوْجِي أَبُو سَلَمَةَ إلَى الْمَدِينَةِ. قَالَتْ: فَفَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي وَبَيْنَ ابْنِي. قَالَتْ: فَكُنْتُ أَخْرُجُ كُلَّ غَدَاةٍ فَأَجْلِسُ بِالْأَبْطُحِ، فَمَا أَزَالُ أَبْكِي، حَتَّى أَمْسَى سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا حَتَّى مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمِّي، أَحَدُ بَنِي الْمُغِيرَةِ، فَرَأَى مَا بِي فَرَحِمَنِي فَقَالَ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ: أَلَا تُخْرِجُونَ [1] هَذِهِ الْمِسْكِينَةَ، فَرَّقْتُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا! قَالَتْ: فَقَالُوا لِي: الْحَقِي بِزَوْجِكَ إنْ شِئْتِ. قَالَتْ: وَرَدَّ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ إلَيَّ عِنْدَ ذَلِكَ ابْنِي. قَالَتْ: فَارْتَحَلْتُ بَعِيرِي ثُمَّ أَخَذْتُ ابْنِي فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِي، ثُمَّ خَرَجْتُ أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ. قَالَتْ: وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: أَتَبَلَّغُ بِمَنْ لَقِيتُ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيَّ زَوْجِي، حَتَّى إذَا كُنْتُ بِالتَّنْعِيمِ [2] لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَقَالَ لِي: إلَى أَيْنَ يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ. قَالَ: أَوَمَا مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: لَا وَاَللَّهِ، إلَّا اللَّهُ وَبُنَيَّ هَذَا. قَالَ: وَاَللَّهِ مَا لَكَ مِنْ مَتْرَكٍ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْبَعِيرِ، فَانْطَلَقَ مَعِي يهوى بى، فو الله مَا صَحِبْتُ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ قَطُّ، أَرَى أَنَّهُ كَانَ أَكْرَمَ مِنْهُ، كَانَ إذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَنَاخَ بِي، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي، حَتَّى إذَا نَزَلْتُ اسْتَأْخَرَ بِبَعِيرِي، فَحَطَّ عَنْهُ، ثُمَّ قَيَّدَهُ فِي الشَّجَرَةِ، ثُمَّ تَنَحَّى

_ [1] فِي الْأُصُول: «أَلا تخرجُونَ من هَذِه ... إِلَخ» . [2] التَّنْعِيم: مَوضِع بَين مَكَّة وسرف، على فرسخين من مَكَّة.

(هجرة عامر وزوجه وهجرة بنى جحش) :

(عَنِّي) [1] إلَى شَجَرَةٍ، فَاضْطَجَعَ تَحْتَهَا، فَإِذَا دَنَا الرَّوَاحُ، قَامَ إلَى بَعِيرِي فَقَدَّمَهُ فَرَحَلَهُ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي، وَقَالَ: ارْكَبِي. فَإِذَا رَكِبْتُ وَاسْتَوَيْتُ عَلَى بَعِيرِي أَتَى فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ، فَقَادَهُ، حَتَّى يَنْزِلَ بِي. فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِي حَتَّى أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا نَظَرَ إلَى قَرْيَةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ، قَالَ: زَوْجُكَ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ- وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ بِهَا نَازِلًا- فَادْخُلِيهَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى مَكَّةَ. قَالَ: فَكَانَتْ تَقُولُ [2] : وَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ فِي الْإِسْلَامِ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ آلَ أَبِي سَلَمَةَ، وَمَا رَأَيْتُ صَاحِبًا قَطُّ كَانَ أَكْرَمَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ [3] . (هِجْرَةُ عَامِرٍ وَزَوْجُهُ وَهِجْرَةُ بَنِي جَحْشٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَهَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ بَعْدَ أَبِي سَلَمَةَ: عَامِرُ ابْن رَبِيعَةَ، حَلِيفُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ بْنِ غَانِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ. ثُمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ صَبْرَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَثِيرِ [4] بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، حَلِيفُ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، احْتَمَلَ بِأَهْلِهِ وَبِأَخِيهِ عَبْدِ بْنِ جَحْشٍ، وَهُوَ أَبُو أَحْمَدَ- وَكَانَ أَبُو أَحْمَدَ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ، وَكَانَ يَطُوفُ مَكَّةَ، أَعْلَاهَا وَأَسْفَلَهَا، بِغَيْرِ قَائِدٍ، وَكَانَ شَاعِرًا، وَكَانَتْ عِنْدَهُ الفرعة بنت أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أُمَيْمَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ- فَغُلِّقَتْ دَارُ بَنِي جَحْشٍ [5] هِجْرَةً، فَمَرَّ بِهَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ. وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَهِيَ دَارُ أَبَانَ

_ [1] زِيَادَة عَن ط. [2] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ، ط. [3] قد كَانَ عُثْمَان يَوْم هجرته بِأم سَلمَة على الْكفْر، وَإِنَّمَا أسلم فِي هدنة الحديبيّة، وَهَاجَر قبل الْفَتْح مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد، وَقتل يَوْم أحد إخْوَته مسافع وكلاب والْحَارث وأبوهم، وَقتل عَمه عُثْمَان بن أَبى طَلْحَة أَيْضا يَوْم أحد كَافِرًا، وَبِيَدِهِ كَانَت مَفَاتِيح الْكَعْبَة. وَدفعهَا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام الْفَتْح إِلَى عُثْمَان بن طَلْحَة بن أَبى طَلْحَة وَإِلَى عَمه شيبَة بن عُثْمَان بن أَبى طَلْحَة، وَهُوَ جد بنى شيبَة، حجبة الْكَعْبَة. وَاسم أَبى طَلْحَة، جدهم: عبد الله بن عبد الْعُزَّى. وَقتل عُثْمَان رَحمَه الله شَهِيدا بأجنادين فِي أول خلَافَة عمر. [4] كَذَا فِي ط، والاستيعاب. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «كَبِير» . [5] قَالَ السهيليّ فِي ذكر بنى جحش غير من ذكر ابْن إِسْحَاق: «وَزَيْنَب بنت جحش أم الْمُؤمنِينَ،

ابْن عُثْمَانَ الْيَوْمَ الَّتِي بِالرَّدْمِ [1] ، وَهُمْ مُصْعِدُونَ إلَى أَعَلَى مَكَّةَ، فَنَظَرَ إلَيْهَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ تَخْفِقُ أَبْوَابُهَا يَبَابًا [2] ، لَيْسَ فِيهَا سَاكِنٌ، فَلَمَّا رَآهَا كَذَلِكَ تَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ، ثُمَّ قَالَ: وَكُلُّ دَارٍ وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهَا ... يَوْمًا سَتُدْرِكُهَا النَّكْبَاءُ وَالُحُوبُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْت لأبى دؤاد الْإِيَادِيِّ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالُحُوبُ: التَّوَجُّعُ، (وَهُوَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الْحَاجَةُ، وَيُقَالُ: الْحُوبُ: الْإِثْمُ) [3] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ قَالَ عُتْبَةُ (بْنُ رَبِيعَةَ) [3] : أَصْبَحَتْ دَارُ بَنِي جَحْشٍ خَلَاءً مِنْ أَهْلِهَا! فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَمَا تَبْكِي عَلَيْهِ مِنْ قُلِّ بْنِ قُلٍّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْقُلُّ: الْوَاحِدُ. قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ: كُلُّ بَنِي حُرَّةٍ مُصِيرُهُمْ ... قُلُّ وَإِنْ أَكْثَرَتْ مِنْ الْعَدَدِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ قَالَ: هَذَا عَمَلُ ابْنِ أَخِي هَذَا، فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا، وَشَتَّتْ أَمْرَنَا وَقَطَعَ بَيْنَنَا. فَكَانَ مَنْزِلُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ، وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ،

_ [ () ] الَّتِي كَانَت عِنْد زيد بن حَارِثَة، وَنزلت فِيهَا: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها 33: 37. وَأم حبيب بنت جحش الَّتِي كَانَت تستحاض، وَكَانَت تَحت عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَحمْنَة بنت جحش، الَّتِي كَانَت تَحت مُصعب بن عُمَيْر، وَكَانَت تستحاض أَيْضا. وَقد روى أَن زَيْنَب استحيضت أَيْضا. وَوَقع فِي الْمُوَطَّأ «أَن زَيْنَب بنت جحش الَّتِي كَانَت تَحت عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَكَانَت تستحاض وَلم تَكُ قطّ زَيْنَب عِنْد عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف، وَلَا قَالَه أحد، والغلط لَا يسلم مِنْهُ بشر. وَإِنَّمَا كَانَت تَحت عبد الرَّحْمَن أُخْتهَا أم حبيب، وَيُقَال فِيهَا: أم حَبِيبَة، غير أَن شَيخنَا أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن نجاح أخبرنى أَن أم حبيب كَانَ اسْمهَا: زَيْنَب، فهما زينبان، غلبت على إِحْدَاهمَا الكنية، فعلى هَذَا لَا يكون فِي حَدِيث الْمُوَطَّأ وهم وَلَا غلط، وَالله أعلم. وَكَانَ اسْم زَيْنَب بنت جحش: برة، سَمَّاهَا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زَيْنَب، وَكَذَلِكَ زَيْنَب بنت أم سَلمَة ربيبته عَلَيْهِ السَّلَام، كَانَ اسْمهَا: برة، فسماها: «زَيْنَب» . كَأَنَّهُ كره أَن تزكّى الْمَرْأَة نَفسهَا بِهَذَا الِاسْم. وَكَانَ اسْم «جحش بن رِئَاب» : «برة» . (بِضَم الْبَاء) ، فَقَالَت زَيْنَب لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُول الله، لَا غيرت اسْم أَبى، فان الْبرة صَغِيرَة؟ فَقيل: إِن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: لَو أَبوك مُسلما لَسَمَّيْته باسم من أسمائنا أهل الْبَيْت، ولكنى قد سميته: جحشا، والجحش أكبر من الْبرة» . وَقد فَاتَ السهيليّ فِيمَا استدركه أَن ابْن إِسْحَاق ذكر هَؤُلَاءِ بعد قَلِيل. [1] الرَّدْم: مَوضِع بِمَكَّة. [2] اليباب: القفر. [3] زِيَادَة عَن أ.

(هجرة قوم شتى) :

وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، وَأَخِيهِ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ، عَلَى مُبْشَرِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زُنْبُرٍ بقُباءٍ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، ثُمَّ قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ أَرْسَالًا [1] ، وَكَانَ بَنُو غَنْمِ ابْنِ دُودَانَ أَهْلَ إسْلَامٍ، قَدْ أَوْعَبُوا [2] إلَى الْمَدِينَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِجْرَة رِجَالهمْ ونساءهم: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، وَأَخُوهُ أَبُو أَحْمَدَ ابْن جَحْشٍ، وَعُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، وَشُجَاعٌ، وَعُقْبَةٌ، ابْنَا وَهْبٍ، وَأَرْبَدُ ابْن حُمَيِّرَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ ابْنُ حُمَيْرَةَ [3] . (هِجْرَةُ قَوْمٍ شَتَّى) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمُنْقِذُ بْنُ نُبَاتَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ، وَمُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ، وَقَيْسُ بْنُ جَابِرٍ، وَعَمْرُو بْنُ مِحْصَنٍ، وَمَالِكُ بْنُ عَمْرٍو، وَصَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَثَقْفُ [4] بْنُ عَمْرٍو، وَرَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَتَمَّامُ بْنُ عُبَيْدَةَ، وَسَخْبَرَةُ بْنُ عُبَيْدَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ. (هِجْرَةُ نِسَائِهِمْ) : وَمِنْ نِسَائِهِمْ: زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَأُمُّ حَبِيبٍ بِنْتُ جَحْشٍ، وَجُذَامَةُ بِنْتُ جَنْدَلٍ، وَأُمُّ قَيْسٍ بِنْتُ مُحْصَنٍ، وَأُمُّ حَبِيبٍ بِنْتُ ثُمَامَةَ، وَآمِنَةُ [5] بِنْتُ رُقَيْشٍ، وَسَخْبَرَةُ بِنْتُ تَمِيمٍ، وحَمْنةُ بِنْتُ جَحْشٍ. (شِعْرُ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ فِي هِجْرَةِ بَنِي أَسَدٍ) : وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، وَهُوَ يَذْكُرُ هِجْرَةَ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ قَوْمِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِيعَابُهُمْ فِي ذَلِكَ حَيْنَ دُعُوا إلَى الْهِجْرَةِ: وَلَوْ حَلَفَتْ بَيْنَ الصَّفَا أُمُّ أَحُمَدٍ ... وَمَرْوَتِهَا باللَّه بَرَّتْ يَمِينُهَا

_ [1] أَرْسَالًا: جمَاعَة إِثْر جمَاعَة. [2] يُقَال: جَاءُوا موعبين: إِذا جمعُوا مَا اسْتَطَاعُوا من جمع. [3] كَذَا فِي الْأُصُول، وَقد ضبط بالشكل فِي (أ) الْمرة الأولى بِضَم الْحَاء وَتَشْديد الْيَاء مَكْسُورَة، وَفِي الثَّانِيَة بِضَم الْحَاء وَإِسْكَان الْيَاء وَفتح ثَانِيهمَا، وَهُوَ فِي الِاسْتِيعَاب: «أَرْبَد بن حمير» . [4] كَذَا فِي أوالاستيعاب. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ثَقِيف» . [5] قَالَ أَبُو ذَر: «قَالَ الأقشى: صَوَابه: أُمَيْمَة» .

لَنَحْنُ الْأُلَى كُنَّا بِهَا ثُمَّ لَمْ نَزَلْ ... بِمَكَّةَ حَتَّى عَادَ غَثًّا سَمِينُهَا بِهَا خَيَّمَتْ غَنْمُ بْنُ دُودَانَ وَابْتَنَتْ ... وَمَا [1] إنْ غَدَتْ غَنْمُ وَخَفَّ قَطِينُهَا [2] إلَى اللَّهِ تَغْدُو بَيْنَ مَثْنَى وَوَاحِدٍ ... وَدِينُ رَسُولِ اللَّهِ بِالْحَقِّ دِينُهَا وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ أَيْضًا: لَمَّا رَأَتْنِي أُمُّ أَحْمَدَ غَادِيًا ... بِذِمَّةِ مَنْ أَخْشَى بِغَيْبٍ وَأَرْهَبُ [3] تَقُولُ: فَإِمَّا كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا ... فَيَمِّمْ بِنَا الْبُلْدَانَ ولتَنْأَ يَثْرِبَ [4] فَقُلْتُ لَهَا: بَلْ يَثْرِبُ الْيَوْمَ وَجْهُنَا [5] ... وَمَا يَشإِ الرَّحْمَنُ فَالْعَبْدُ يَرْكَبُ إلَى اللَّهِ وَجْهِي وَالرَّسُولِ وَمَنْ يُقِمْ ... إلَى اللَّهِ يَوْمًا وَجْهَهُ لَا يُخَيَّبُ فَكَمْ قَدْ تَرَكْنَا مِنْ حَمِيمٍ مُنَاصِحٍ ... وَنَاصِحَةٍ تَبْكِي بِدَمْعٍ وَتَنْدُبُ تَرَى أَنَّ وِتْرًا [6] نَأْيُنَا عَنْ بِلَادِنَا [7] ... وَنَحْنُ نَرَى أَنَّ الرَّغَائِبَ نَطْلُبُ دَعَوْتُ بَنِي غَنْمٍ لِحَقْنِ دِمَائِهِمْ ... وَلِلْحَقِّ لَمَّا لَاحَ لِلنَّاسِ مَلْحَبُ [8] أَجَابُوا بِحَمْدِ اللَّهِ لَمَّا دَعَاهُمْ ... إلَى الْحَقِّ دَاعٍ وَالنَّجَاحُ [9] فَأَوْعَبُوا [10] وَكُنَّا وَأَصْحَابًا لَنَا فَارَقُوا الْهُدَى ... أَعَانُوا عَلَيْنَا بِالسِّلَاحِ وأجْلَبوا [11] كَفَوْجَيْنِ: أَمَّا مِنْهُمَا فَمُوَفَّقٌ ... عَلَى الْحَقِّ مَهْدِيٌّ، وَفَوْجٌ مُعَذَّبُ [12] طَغَوْا وَتَمَنَّوْا كِذْبَةً وَأَزَلَّهُمْ ... عَنْ الْحَقِّ إبْلِيسُ فَخَابُوا وَخُيِّبُوا

_ [1] فِي أ: «وَمِنْهَا غَدَتْ» . [2] القطين: الْقَوْم المقيمون. [3] الذِّمَّة: الْعَهْد. [4] يمم: قصد. وتنأى: تبعد. [5] فِي أ، ط: « فَقلت لَهَا يثرب منا مَظَنَّة » [6] الْوتر: طلب الثأر. [7] فِي أ: «بلادها» . [8] ملحب: طَرِيق بَين وَاضح. [9] فِي أ: «النُّحَاة» . [10] أوعبوا: اجْتَمعُوا وكثروا. [11] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول، وَفِي أ: «فأحلبوا» . وَمن رَوَاهُ بِالْجِيم، فَمَعْنَاه: صاحوا. وَمن رَوَاهُ بِالْحَاء الْمُهْملَة، فَمَعْنَاه: أعانوا. [12] الفوج: الْجَمَاعَة من النَّاس.

هجرة عمر وقصة عياش معه

وَرِعْنَا إلَى قَوْلِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ... فَطَابَ وُلَاةُ الْحَقِّ مِنَّا وطُيِّبوا [1] نَمُتُّ بِأَرْحَامٍ إلَيْهِمْ قَرِيبَةٍ ... وَلَا قُرْبَ بِالْأَرْحَامِ إذْ لَا نُقَرَّبُ [2] فَأَيُّ ابْنِ أُخْتٍ بَعْدَنَا يَأْمَنَنَّكُمْ ... وَأَيَّةُ صِهْرٍ بَعْدَ صِهْرِي تُرْقَبُ سَتَعْلَمُ يَوْمًا أَيُّنَا إذْ تُزَايِلُوا ... وَزُيِّلَ أَمْرُ النَّاسِ لِلْحَقِّ أَصْوَبُ [3] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «وَلْتَنْأَ يَثْرِبَ» ، وَقَوْلُهُ «إذْ لَا نَقْرَبُ» ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: «إذْ» إذَا، كَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ 34: 31. قَالَ أَبُو النَّجْمِ الْعِجْلِيُّ: ثُمَّ جَزَاهُ اللَّهُ عَنَّا إذْ جَزَى ... جَنَّاتِ عَدْنٍ فِي الْعَلَالِيِّ وَالْعُلَا هِجْرَةُ عُمَرَ وَقِصَّةُ عَيَّاشٍ مَعَهُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيُّ، حَتَّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ. فَحَدَّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: اتَّعَدْتُ، لَمَّا أَرَدْنَا الْهِجْرَةَ إلَى الْمَدِينَةِ، أَنَا وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ التَّناضِبَ [4] مِنْ أَضَاةِ [5] بَنِي غِفَارٍ، فَوْقَ سَرِفٍ [6] ، وَقُلْنَا: أَيُّنَا لَمْ يُصْبِحْ عِنْدَهَا فَقَدْ حُبِسَ فَلْيَمْضِ صَاحِبَاهُ. قَالَ: فَأَصْبَحْتُ أَنَا وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ عِنْدَ التَّنَاضُبِ، وَحُبِسَ عَنَّا هِشَامٌ، وَفُتِنَ فَافْتُتِنَ. (تَغْرِيرُ أَبِي جَهْلٍ وَالْحَارِثِ بِعَيَّاشٍ) : فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ نَزَلْنَا فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ، وَخَرَجَ أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ

_ [1] ورعنا: أَي رَجعْنَا. [2] نمت: نتقرب. [3] تزايلوا: تفَرقُوا. [4] قَالَ أَبُو ذَر: «التَّنَاضِب» ، يُقَال: هُوَ اسْم مَوضِع، وَمن رَوَاهُ بِالْكَسْرِ، فَهُوَ جمع تنضب وَهُوَ شجر، واحدته تنضبة، وَقَيده الوقشى: «التَّنَاضِب» ، بِكَسْر الضَّاد. كَمَا ذكرنَا. [5] أضاة بنى غفار: على عشرَة أَمْيَال من مَكَّة. [6] سرف: مَوضِع على سِتَّة أَمْيَال من مَكَّة. (رَاجع شرح السِّيرَة لأبى ذَر، ومعجم الْبلدَانِ، ومعجم مَا استعجم للبكرى) .

(كتاب عمر إلى هشام بن العاصي) :

وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ إلَى عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَكَانَ ابْنَ عَمِّهِمَا وَأَخَاهُمَا لِأُمِّهِمَا، حَتَّى قَدِمَا عَلَيْنَا الْمَدِينَةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، فَكَلَّمَاهُ وَقَالَا: إنَّ أُمَّكَ قَدْ نَذَرَتْ أَنْ لَا يَمَسَّ رَأْسَهَا مُشْطٌ حَتَّى تَرَاكَ، وَلَا تَسْتَظِلَّ مِنْ شَمْسٍ حَتَّى تَرَاكَ، فَرَقَّ لَهَا، فَقُلْتُ لَهُ: يَا عَيَّاشُ، إنَّهُ وَاَللَّهِ إنْ يُرِيدَكَ الْقَوْمُ إلَّا لِيَفْتِنُوكَ عَنْ دينك فَاحْذَرْهُمْ، فو الله لَوْ قَدْ آذَى أُمَّكَ الْقَمْلُ لَامْتَشَطَتْ، وَلَوْ قَدْ اشْتَدَّ عَلَيْهَا حَرُّ مَكَّةَ لَاسْتَظَلَّتْ. قَالَ: فَقَالَ: أَبَرُّ قَسَمَ أُمِّي، وَلِي هُنَالِكَ مَالٌ فَآخُذُهُ. قَالَ: فَقُلْتُ: وَاَللَّهِ إنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالًا، فَلَكَ نِصْفُ مَالِي وَلَا تَذْهَبْ مَعَهُمَا. قَالَ: فَأَبَى عَلَيَّ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمَا، فَلَمَّا أَبَى إلَّا ذَلِكَ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَمَّا إذْ قَدْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ، فَخُذْ نَاقَتِي هَذِهِ، فَإِنَّهَا نَاقَةٌ نَجِيبَةٌ ذَلُولٌ، فَالْزَمْ ظَهْرَهَا، فَإِنْ رَابَكَ مِنْ الْقَوْمِ رَيْبٌ، فَانْجُ عَلَيْهَا. فَخَرَجَ عَلَيْهَا مَعَهُمَا، حَتَّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: يَا بن أَخِي، وَاَللَّهِ لَقَدْ اسْتَغْلَظْتُ بَعِيرِي هَذَا، أَفَلَا تُعْقِبَنِي عَلَى نَاقَتِكَ هَذِهِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَأَنَاخَ، وَأَنَاخَا لِيَتَحَوَّلَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَوْا بِالْأَرْضِ عَدَوْا عَلَيْهِ، فَأَوْثَقَاهُ وَرَبَطَاهُ، ثُمَّ دَخَلَا بِهِ مَكَّةَ، وَفَتَنَاهُ فَافْتُتِنَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي بِهِ بَعْضُ آلِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: أَنَّهُمَا حَيْنَ دَخَلَا بِهِ مَكَّةَ دَخَلَا بِهِ نَهَارًا مُوثَقًا، ثُمَّ قَالَا: يَا أَهْلَ مَكَّةَ، هَكَذَا فَافْعَلُوا بِسُفَهَائِكُمْ، كَمَا فَعَلْنَا بِسَفِيهِنَا هَذَا. (كِتَابُ عُمَرَ إلَى هِشَامِ بْنِ الْعَاصِي) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ، قَالَ: فَكُنَّا نَقُولُ: مَا اللَّهُ بِقَابِلٍ مِمَّنْ اُفْتُتِنَ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا وَلَا تَوْبَةً، قَوْمٌ عَرَفُوا اللَّهَ، ثُمَّ رَجَعُوا إلَى الْكُفْرِ لِبَلَاءٍ أَصَابَهُمْ! قَالَ: وَكَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ. فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ، وَفِي قَوْلِنَا وَقَوْلِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ: قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ

(خروج الوليد بن الوليد إلى مكة في أمر عياش وهشام) :

ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ. وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ 39: 53- 55. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فَكَتَبْتهَا بِيَدِي فِي صَحِيفَةٍ، وَبَعَثْتُ بِهَا إلَى هِشَامِ بْنِ الْعَاصِي قَالَ: فَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِي: فَلَمَّا أَتَتْنِي جَعَلْتُ أَقْرَؤُهَا بِذِي طُوًى [1] ، أُصَعِّدُ بِهَا فِيهِ وَأُصَوِّبُ وَلَا أَفْهَمُهَا، حَتَّى قُلْتُ: اللَّهمّ فَهِّمْنِيهَا. قَالَ: فَأَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى فِي قَلْبِي أَنَّهَا إنَّمَا أُنْزِلَتْ فِينَا، وَفِيمَا كُنَّا نَقُولُ فِي أَنْفُسِنَا وَيُقَالُ فِينَا. قَالَ: فَرَجَعْتُ إلَى بَعِيرِي، فَجَلَسْتُ عَلَيْهِ، فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ. (خُرُوجُ الْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ إلَى مَكَّةَ فِي أَمْرِ عَيَّاشٍ وَهِشَامٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ: مَنْ لِي بِعَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَهِشَامِ بْنِ الْعَاصِي؟ فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: أَنَا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِهِمَا، فَخَرَجَ إلَى مَكَّةَ، فَقَدِمَهَا مُسْتَخْفِيًا، فَلَقِيَ امْرَأَةً تَحْمِلُ طَعَامًا، فَقَالَ لَهَا: أَيْنَ تُرِيدِينَ يَا أَمَةَ اللَّهِ؟ قَالَتْ: أُرِيدُ هَذَيْنِ الْمَحْبُوسَيْنِ- تَعْنِيهِمَا- فَتَبِعَهَا حَتَّى عَرَفَ مَوْضِعَهُمَا، وَكَانَا مَحْبُوسَيْنِ فِي بَيْتٍ لَا سَقْفَ لَهُ، فَلَمَّا أَمْسَى تَسَوَّرَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ أَخَذَ مَرْوَةَ [2] فَوَضَعَهَا تَحْتَ قَيْدَيْهِمَا، ثُمَّ ضَرَبَهُمَا بِسَيْفِهِ فَقَطَعَهُمَا، فَكَانَ يُقَالُ لِسَيْفِهِ: «ذُو الْمَرْوَةِ» لِذَلِكَ، ثُمَّ حَمَلَهُمَا عَلَى بَعِيرِهِ، وَسَاقَ بِهِمَا، فَعَثَرَ فَدَمِيَتْ أُصْبُعُهُ، فَقَالَ: هَلْ أَنْتِ إلَّا أُصْبُعٌ دَمَيْتِ ... وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقَيْتِ ثُمَّ قَدِمَ بِهِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ. مَنَازِلُ الْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ (مَنْزِلُ عُمَرَ وَأَخِيهِ وَابْنَا سُرَاقَةَ وَبَنُو الْبَكِيرِ وَغَيْرِهِمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَنَزَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَيْنَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَمَنْ لَحِقَ بِهِ مِنْ أَهْلِهِ وَقَوْمِهِ، وَأَخُوهُ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَمْرٌو وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا سُرَاقَةَ بْنِ الْمُعْتَمِرِ وَخُنَيْسُ

_ [1] ذُو طوى (مَقْصُورا) : مَوضِع بِأَسْفَل مَكَّة. [2] الْمَرْوَة: الْحجر.

(منزل طلحة وصهيب) :

ابْن حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ- وَكَانَ صِهْرَهُ عَلَى ابْنَتِهِ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ، فَخَلَفَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ- وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ، حَلِيفٌ لَهُمْ، وَخَوْلِيُّ بْنُ أَبِي خَوْلِيٍّ، وَمَالِكُ بْنُ أَبِي خَوْلِيٍّ، حَلِيفَانِ لَهُمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو خَوْلِيٍّ: مِنْ بَنِي عِجْلِ بْنِ لُجَيْمِ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ ابْن وَائِلٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَنُو الْبُكَيْرِ أَرْبَعَتُهُمْ: إيَاسُ بْنُ الْبُكَيْرِ، وَعَاقِلُ بْنُ الْبُكَيْرِ، وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ، وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ، وَحُلَفَاؤُهُمْ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ، عَلَى رِفَاعَةَ ابْن عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرٍ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ، وَقَدْ كَانَ مَنْزِلُ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ مَعَهُ عَلَيْهِ حَيْنَ قَدِمَا الْمَدِينَةَ. (مَنْزِلُ طَلْحَةَ وَصُهَيْبٍ) : ثُمَّ تَتَابَعَ الْمُهَاجِرُونَ، فَنَزَلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ، وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ عَلَى خُبَيْبِ [1] بْنِ إِسَافٍ [2] ، أَخِي بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بِالسُّنْحِ [3] . وَيُقَالُ [4] : بَلْ نَزَلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَلَى أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ، أَخِي بَنِي النَّجَّارِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذُكِرَ لِي عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ صُهَيْبًا حَيْنَ أَرَادَ الْهِجْرَةَ قَالَ لَهُ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: أَتَيْتنَا صُعْلُوكًا حَقِيرًا، فَكَثُرَ مَالُكَ عِنْدَنَا، وَبَلَغْتَ الَّذِي بَلَغْتَ، ثُمَّ تُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ بِمَالِكَ وَنَفْسِكَ، وَاَللَّهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ صُهَيْبٌ: أَرَأَيْتُمْ إنْ جَعَلْتُ لَكُمْ مَالِي أَتُخْلُونَ سَبِيلِي؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي جَعَلْتُ لَكُمْ مَالِي. قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: رَبِحَ صُهَيْبٌ، رَبِحَ صُهَيْبٌ.

_ [1] خبيب هَذَا هُوَ الّذي خلف على بنت خَارِجَة بعد أَبى بكر الصّديق، وَاسْمهَا حَبِيبَة. وَمَات خبيب فِي خلَافَة عُثْمَان، وَهُوَ جد خبيب بن عبد الرَّحْمَن الّذي يرْوى عَنهُ مَالك فِي موطئِهِ. [2] وَيُقَال فِيهِ: يسَاف، بياء مَفْتُوحَة فِي رِوَايَة الْكتاب. وَهُوَ ابْن عتبَة، وَلم يكن حِين نزُول الْمُهَاجِرين عَلَيْهِ مُسلما، بل أخر إِسْلَامه حَتَّى خرج رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بدر. (عَن الِاسْتِيعَاب) [3] هِيَ بعوالي الْمَدِينَة، وَبَينهَا وَبَين منزل النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميل. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [4] وزادت (م) قبل هَذِه الْكَلِمَة. قَالَ ابْن هِشَام: «وَيُقَال: يسَاف، فِيمَا أخبرنى عَنهُ ابْن إِسْحَاق»

(منزل حمزة وزيد وأبى مرثد وابنه وأنسة وأبى كبشة) :

(مَنْزِلُ حَمْزَةَ وَزَيْدٍ وَأَبِي مَرْثَدٍ وَابْنِهِ وَأَنَسَةَ وَأَبِي كَبْشَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَنَزَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَأَبُو مَرْثَدٍ كَنَّازُ بْنُ حِصْنٍ. - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ، ابْنُ حُصَيْنٍ- وَابْنُهُ مَرْثَدٌ الْغَنَوِيَّانِ، حَلِيفَا حَمْزَةَ ابْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَنَسَةُ [1] ، وَأَبُو كَبْشَةَ [2] ، مَوْلِيَّا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى كُلْثُومِ بْنِ هِدْمٍ، أَخِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ [3] : وَيُقَالُ: بَلْ نَزَلُوا عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ، وَيُقَالُ: بَلْ نَزَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ، أَخِي بَنِي النَّجَّارِ. كُلُّ ذَلِكَ يُقَالُ : (مَنْزِلُ عُبَيْدَةَ وَأَخِيهِ الطَّفِيلِ وَغَيْرِهِمَا) : وَنَزَلَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، وَأَخُوهُ الطُّفَيْلُ بْنُ الْحَارِثِ، وَالْحُصَيْنُ ابْن الْحَارِثِ، وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، وَسُوَيْبِطُ بْنُ سَعْدِ بْنِ حُرَيْمِلَةَ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَطُلَيْبُ بْنُ عُمَيْرٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ بْنِ قُصَيٍّ، وَخَبَّابٌ [4] ، مَوْلَى عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ، عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، أَخِي بَلْعِجْلَانَ بقُباءٍ.

_ [1] كَانَ أنسة من مولدِي السراة، ويكنى أَبَا مسروح، وَقيل: أَبَا مشروح، شهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَات فِي خلَافَة أَبى بكر. [2] أصل أَبى كَبْشَة من فَارس، وَيُقَال: بل هُوَ مولد من مولدِي أَرض دوس، وَاسم أَبى كَبْشَة: سليم، وَقد شهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَات فِي خلَافَة عمر فِي الْيَوْم الّذي ولد فِيهِ عُرْوَة بن الزبير. وَأما الّذي كَانَت كفار قُرَيْش تذكره، وتنسب النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ وَتقول: قَالَ ابْن أَبى كَبْشَة، وَفعل ابْن أَبى كَبْشَة، فَقيل فِيهِ أَقْوَال، قيل: إِنَّهَا كنية أَبِيه لأمه، وهب بن عبد منَاف، وَقيل: كنية أَبِيه من الرضَاعَة الْحَارِث بن عبد الْعُزَّى، وَقيل: إِن سلمى أُخْت عبد الْمطلب كَانَ يكنى أَبوهَا: أَبَا كَبْشَة، وَهُوَ عَمْرو بن لبيد. وَأشهر من هَذِه الْأَقْوَال كلهَا عِنْد النَّاس، أَنهم شبهوه بِرَجُل كَانَ يعبد الشعرى وَحده دون الْعَرَب، فنسبوه إِلَيْهِ لِخُرُوجِهِ عَن دين قومه. [3] قبَاء: على فَرسَخ من الْمَدِينَة. [4] قَالَ أَبُو ذَر: «وخباب، مولى عتبَة، كَذَا وَقع هُنَا بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء، وروى أَيْضا: حباب، بحاء مُهْملَة مَضْمُومَة وباء مُخَفّفَة. وخباب، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة وَالْبَاء الْمُشَدّدَة، قَيده الدارقطنيّ» .

(منزل عبد الرحمن بن عوف) :

(مَنْزِلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) : وَنَزَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي رِجَالٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ أَخِي بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فِي دَارِ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ. (مَنْزِلُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو سَبْرَةَ) : وَنَزَلَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَأَبُو سَبْرَةَ بْنُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، عَلَى مُنْذِرِ ابْن مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ بِالْعُصْبَةِ، دَارِ بَنِي جَحْجَبَى. (مَنْزِلُ مُصْعَبٍ) : وَنَزَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ عَلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ النُّعْمَانِ، أَخِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ. (مَنْزِلُ أَبِي حُذَيْفَةَ وعُتْبَةَ) : وَنَزَلَ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ سَائِبَةٌ [1] ، لِثُبَيْتَةَ [2] بِنْتِ يَعَارِ [3] بْنِ زَيْدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، سَيَّبْتُهُ فَانْقَطَعَ إلَى أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَتَبَنَّاهُ، فَقِيلَ: سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَيُقَالُ: كَانَتْ ثُبَيْتَةُ بِنْتُ يَعَارَ تَحْتَ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ، فَأَعْتَقَتْ سَالِمًا سَائِبَةً. فَقِيلَ: سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَنَزَلَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ عَلَى عَبَّادِ بْنِ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فِي دَارِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ. (مَنْزِلُ عُثْمَانَ) : وَنَزَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَى أَوْسِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ، أَخِي حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ فِي دَارِ بَنِي النَّجَّارِ، فَلِذَلِكَ كَانَ حَسَّانٌ يُحِبُّ عُثْمَانَ وَيَبْكِيهِ حَيْنَ قُتِلَ.

_ [1] سائبة: أَي لَا وَلَاء عَلَيْهِ لأحد. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول «نبيتة» وَهِي رِوَايَة أُخْرَى فِيهَا. (رَاجع الْقَامُوس وَشَرحه مادتي ثَبت وَنبت) . كَمَا قيل فِيهَا: عمْرَة، وسلمى. [3] وَيُقَال فِيهَا أَيْضا: «بنت تعار» .

هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم

وَكَانَ يُقَالُ: نَزَلَ الْأَعْزَابُ [1] مِنْ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَزَبًا، فاللَّه أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ. هِجْرَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَأَخُّرُ عَلِيٍّ وَأَبِي بَكْرٍ فِي الْهِجْرَةِ) : وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي الْهِجْرَةِ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ مَعَهُ بِمَكَّةَ أَحَدٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ إلَّا مَنْ حُبِسَ أَوْ فُتِنَ، إلَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ كَثِيرًا مَا يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِجْرَةِ، فَيَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَعْجَلْ لَعَلَّ اللَّهَ يَجْعَلُ لَكَ صَاحِبًا، فَيَطْمَعُ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَكُونَهُ. (اجْتِمَاعُ الْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَتَشَاوُرُهُمْ فِي أَمْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَارَتْ لَهُ شِيعَةٌ وَأَصْحَابٌ مِنْ غَيْرِهِمْ بِغَيْرِ بَلَدِهِمْ، وَرَأَوْا خُرُوجَ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ إلَيْهِمْ، عَرَفُوا أَنَّهُمْ قَدْ نَزَلُوا دَارًا، وَأَصَابُوا مِنْهُمْ مَنَعَةً، فَحَذِرُوا خُرُوجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ، وَعَرَفُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَجَمَعَ لِحَرْبِهِمْ. فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ النَّدْوَةِ- وَهِيَ دَارُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ الَّتِي كَانَتْ قُرَيْشٌ لَا تَقْضِي أَمْرًا إلَّا فِيهَا- يَتَشَاوَرُونَ فِيهَا مَا يَصْنَعُونَ فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَيْنَ خَافُوهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جُبَيْرٍ [2] أَبِي الْحَجَّاجِ، وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا أَجَمَعُوا لِذَلِكَ، وَاتَّعَدُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ لِيَتَشَاوَرُوا فِيهَا فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَدَوْا فِي الْيَوْمِ الَّذِي اتَّعَدُوا لَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يُسَمَّى يَوْمَ الزَّحْمَةِ، فَاعْتَرَضَهُمْ إبْلِيسُ فِي هَيْئَةِ شَيْخٍ جَلِيلٍ، [3]

_ [1] فِي الْأُصُول: «العزاب» . والتصويب عَن شرح السِّيرَة لأبى ذَر. [2] كَذَا فِي أ، وَشرح السِّيرَة لأبى ذَر. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «حبر» ، وَهُوَ تَحْرِيف. [3] جليل، أَي حسن، يُقَال: جلّ الرجل، وجلت الْمَرْأَة: إِذا أَسِنَت. قَالَ الشَّاعِر: «وَمَا حظها إِن قيل عزت وجلت »

عَلَيْهِ بَتْلَةٌ [1] ، فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الدَّارِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ وَاقِفًا عَلَى بَابِهَا، قَالُوا: مَنْ الشَّيْخُ؟ قَالَ: شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ [2] سَمِعَ بِاَلَّذِي اتَّعَدْتُمْ لَهُ، فَحَضَرَ مَعَكُمْ لِيَسْمَعَ مَا تَقُولُونَ، وَعَسَى أَنْ لَا يُعْدِمَكُمْ مِنْهُ رَأْيًا وَنُصْحًا، قَالُوا: أَجَلْ، فَادْخُلْ، فَدَخَلَ مَعَهُمْ، وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهَا أَشْرَافُ قُرَيْشٍ، مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ: عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ ابْن رَبِيعَةَ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ. وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ، وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعَمٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ. وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ: النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كِلْدَةَ. وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى: أَبُو الْبَخْتَرِيِّ ابْن هِشَامٍ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ. وَمِنْ بَنِي سَهْمٍ: نُبَيْهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ، وَمِنْ بَنِي جُمَحٍ: أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا يُعَدُّ مِنْ قُرَيْشٍ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ، فَإِنَّا وَاَللَّهِ مَا نَأْمَنُهُ عَلَى الْوُثُوبِ عَلَيْنَا فِيمَنْ قَدْ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِنَا، فَأَجْمِعُوا فِيهِ رَأْيًا. قَالَ: فَتَشَاوَرُوا ثُمَّ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: احْبِسُوهُ فِي الْحَدِيدِ، وَأَغْلِقُوا عَلَيْهِ بَابًا، ثُمَّ تَرَبَّصُوا بِهِ مَا أَصَابَ أَشْبَاهَهُ مِنْ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ، زُهَيْرًا وَالنَّابِغَةَ، وَمَنْ مَضَى مِنْهُمْ، مِنْ هَذَا الْمَوْتِ، حَتَّى يُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُمْ [3] ، فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: لَا وَاَللَّهِ، مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ. وَاَللَّهِ لَئِنْ حَبَسْتُمُوهُ كَمَا تَقُولُونَ لَيَخْرُجَنَّ أَمْرُهُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ الَّذِي أَغْلَقْتُمْ

_ [1] فِي أ «بت» . والبتلة والبت: الكساء الغليظ. [2] قَالَ السهيليّ ... وَإِنَّمَا قَالَ لَهُم: إِنِّي من أهل نجد، فِيمَا ذكر بعض أهل السِّيرَة، لأَنهم قَالُوا: لَا يدخلن مَعكُمْ فِي الْمُشَاورَة أحد من أهل تهَامَة، لِأَن هواهم مَعَ مُحَمَّد، فَلذَلِك تمثل لَهُم فِي صُورَة شيخ نجدى. وَقد ذكر فِي خبر بُنيان الْكَعْبَة أَنه تمثل فِي صُورَة شيخ نجدى أَيْضا، حِين حكمُوا لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمر الرُّكْن من يرفعهُ، فصاح الشَّيْخ النجدي: يَا معشر قُرَيْش، أقد رَضِيتُمْ أَن يَلِيهِ هَذَا الْغُلَام دون أشرافكم وذوى أسنانكم؟ فان صَحَّ هَذَا الْخَبَر فلمعنى آخر تمثل نجديا، وَذَلِكَ أَن نجدا مِنْهَا يطلع قرن الشَّيْطَان كَمَا قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين قيل لَهُ: وَفِي نجدنا يَا رَسُول الله قَالَ: هُنَاكَ الزلازل والفتن، وَمِنْهَا يطلع قرن الشَّيْطَان. فَلم يُبَارك عَلَيْهَا كَمَا بَارك على الْيمن وَالشَّام وَغَيرهَا. وَحَدِيثه الآخر: أَنه نظر إِلَى الْمشرق، فَقَالَ: إِن الْفِتْنَة هَاهُنَا، من حَيْثُ يطلع قرن الشَّيْطَان. وَفِي حَدِيث ابْن عمر: أَنه حِين قَالَ هَذَا الْكَلَام وقف عِنْد بَاب عَائِشَة وَنظر إِلَى الْمشرق فقاله. وَفِي وُقُوفه عِنْد بَاب عَائِشَة نَاظرا إِلَى الْمشرق يحذر من الْفِتَن وفكر فِي خُرُوجهَا إِلَى الْمشرق عِنْد وُقُوع الْفِتْنَة نفهم من الْإِشَارَة، واضمم إِلَى هَذَا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حِين ذكر نزُول الْفِتَن: «أيقظوا صَوَاحِب الْحجر» . [3] كَانَ صَاحب هَذَا الرأى والمشير بِهِ أَبَا البخْترِي بن هِشَام. 31- سيرة ابْن هِشَام- 1

(خروج النبي صلى الله عليه وسلم واستخلافه عليا على فراشه) :

دُونَهُ إلَى أَصْحَابِهِ، فَلَأَوْشَكُوا أَنْ يَثِبُوا عَلَيْكُمْ، فَيَنْزِعُوهُ مِنْ أَيْدِيكُمْ، ثُمَّ يُكَاثِرُوكُمْ بِهِ، حَتَّى يَغْلِبُوكُمْ عَلَى أَمْرِكُمْ، مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ، فَانْظُرُوا فِي غَيْرِهِ، فَتَشَاوَرُوا. ثُمَّ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: نُخْرِجُهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، فَنَنْفِيهِ مِنْ بِلَادِنَا، فَإِذَا أخرج عنّا فو الله مَا نُبَالِي أَيْنَ ذَهَبَ، وَلَا حَيْثُ وَقَعَ، إذَا غَابَ عَنَّا وَفَرَغْنَا مِنْهُ، فَأَصْلَحْنَا أَمْرَنَا وَأَلْفَتْنَا كَمَا كَانَتْ [1] . فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: لَا وَاَللَّهِ، مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ، أَلَمْ تَرَوْا حُسْنَ حَدِيثِهِ، وَحَلَاوَةَ مَنْطِقِهِ، وَغَلَبَتِهِ عَلَى قُلُوبِ الرِّجَالِ بِمَا يَأْتِي بِهِ، وَاَللَّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ مَا أَمِنْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَى حَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ، فَيَغْلِبَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَحَدِيثِهِ حَتَّى يُتَابِعُوهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسِيرُ بِهِمْ إلَيْكُمْ حَتَّى يَطَأَكُمْ بِهِمْ فِي بِلَادِكُمْ، فَيَأْخُذَ أَمْرَكُمْ مِنْ أَيْدِيكُمْ، ثُمَّ يَفْعَلَ بِكَمْ مَا أَرَادَ، دَبِّرُوا [2] فِيهِ رَأْيًا غَيْرَ هَذَا. قَالَ: فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ: وَاَللَّهِ إنَّ لِي فِيهِ لَرَأْيًا مَا أَرَاكُمْ وَقَعْتُمْ عَلَيْهِ بَعْدُ، قَالُوا: وَمَا هُوَ يَا أَبَا الْحَكَمِ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ نَأْخُذَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ فَتًى شَابًّا جَلِيدًا نَسِيبًا وَسِيطًا [3] فِينَا، ثُمَّ نُعْطِي كُلَّ فَتًى مِنْهُمْ سَيْفًا صَارِمًا، ثُمَّ يَعْمِدُوا إلَيْهِ، فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَيَقْتُلُوهُ، فَنَسْتَرِيحَ مِنْهُ. فَإِنَّهُمْ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ تَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ جَمِيعًا، فَلَمْ يَقْدِرْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى حَرْبِ قَوْمِهِمْ جَمِيعًا، فَرَضُوا مِنَّا بِالْعَقْلِ، فَعَقَلْنَاهُ لَهُمْ. قَالَ: فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: الْقَوْلُ مَا قَالَ الرَّجُلُ، هَذَا الرَّأْيُ الَّذِي لَا رَأْيَ غَيْرُهُ، فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ مُجْمِعُونَ لَهُ. (خُرُوجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتِخْلَافُهُ عَلِيًّا عَلَى فِرَاشِهِ) : فَأَتَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السِّلَامُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لَا تَبِتْ هَذِهِ اللَّيْلَةَ عَلَى فِرَاشِكَ الَّذِي كُنْتَ تَبِيتُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَتْ عَتَمَةٌ مِنْ اللَّيْلِ اجْتَمَعُوا عَلَى بَابِهِ يَرْصُدُونَهُ مَتَى يَنَامُ، فَيَثِبُونَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَانَهُمْ، قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: نَمْ عَلَى فِرَاشِي وَتَسَجَّ [4] بِبُرْدِي هَذَا

_ [1] صَاحب هَذَا الرأى أَبُو الْأسود ربيعَة بن عَامر، أحد بنى عَامر بن لؤيّ. [2] فِي أ: «أديروا» . [3] الْوَسِيط: الشريف فِي قومه. [4] تسجى بِالثَّوْبِ: غطى بِهِ جسده وَوَجهه.

الْحَضْرَمِيِّ الْأَخْضَرِ، فَنَمْ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَنْ يَخْلُصَ إلَيْكَ شَيْءٌ تَكْرَهُهُ مِنْهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ فِي بُرْدِهِ ذَلِكَ إذَا نَامَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعُوا لَهُ، وَفِيهِمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ وَهُمْ عَلَى بَابِهِ: إنَّ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّكُمْ إنْ تَابَعْتُمُوهُ عَلَى أَمْرِهِ، كُنْتُمْ مُلُوكَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، ثُمَّ بُعِثْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ، فَجُعِلَتْ لَكُمْ جِنَانٌ كَجِنَانِ الْأُرْدُنِّ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ لَهُ فِيكُمْ ذَبْحٌ، ثُمَّ بُعِثْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ، ثُمَّ جُعِلَتْ لَكُمْ نَارٌ تُحْرَقُونَ فِيهَا. قَالَ: وَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ أَنَا أَقُولُ ذَلِكَ، أَنْتَ أَحَدُهُمْ. وَأَخَذَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَبْصَارِهِمْ عَنْهُ، فَلَا يَرَوْنَهُ، فَجَعَلَ يَنْثُرُ ذَلِكَ التُّرَابَ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَهُوَ يَتْلُو هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ مِنْ يس: يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ 36: 1- 5 ... إلَى قَوْلِهِ: فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ 36: 9 حَتَّى فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إلَّا وَقَدْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى حَيْثُ أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ، فَأَتَاهُمْ آتٍ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ، فَقَالَ: مَا تَنْتَظِرُونَ هَاهُنَا؟ قَالُوا: مُحَمَّدًا، قَالَ: خَيَّبَكُمْ اللَّهُ! قَدْ وَاَللَّهِ خَرَجَ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ مَا تَرَكَ مِنْكُمْ رَجُلًا إلَّا وَقَدْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا، وَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، أَفَمَا تَرَوْنَ مَا بِكُمْ؟ قَالَ: فَوَضَعَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، فَإِذَا عَلَيْهِ تُرَابٌ، ثُمَّ جَعَلُوا يَتَطَلَّعُونَ فَيَرَوْنَ عَلِيًّا عَلَى الْفِرَاشِ مُتَسَجِّيًا بِبُرْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُونَ: وَاَللَّهِ إنَّ هَذَا لَمُحَمَّدٌ نَائِمًا، عَلَيْهِ بُرْدُهُ. فَلَمْ يَبْرَحُوا كَذَلِكَ حَتَّى أَصْبَحُوا [1] فَقَامَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ الْفِرَاشِ فَقَالُوا: وَاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ صَدَقَنَا الَّذِي حَدَّثَنَا.

_ [1] قَالَ السهيليّ: «وَذكر بعض أهل التَّفْسِير السَّبَب الْمَانِع لَهُم من التقحم عَلَيْهِ فِي الدَّار مَعَ قصر الْجِدَار وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا جَاءُوا لقَتله، فَذكر فِي الْخَبَر أَنهم هموا بالولوج عَلَيْهِ، فصاحت امْرَأَة من الدَّار، فَقَالَ بَعضهم لبَعض: وَالله إِنَّهَا للسبة فِي الْعَرَب أَن يتحدث عَنَّا أَنا تسورنا الْحِيطَان على بَنَات الْعم، وهتكنا ستر حرمتنا، فَهَذَا هُوَ الّذي أقامهم بِالْبَابِ. أَصْبحُوا ينتظرون خُرُوجه، ثمَّ طمست أَبْصَارهم على من خرج» .

(ما نزل من القرآن في تربص المشركين بالنبي) :

(مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي تَرَبُّصِ الْمُشْرِكِينَ بِالنَّبِيِّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَمَا كَانُوا أَجْمَعُوا لَهُ: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ، وَالله خَيْرُ الْماكِرِينَ 8: 30، وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ. قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ 52: 30- 31. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمَنُونُ: الْمَوْتُ. وَرَيْبُ الْمَنُونِ: مَا يَرِيبُ وَيَعْرِصُ مِنْهَا. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الهُذَليُّ: أَمِنْ الْمَنُونِ وَرَيْبِهَا تَتَوَجَّعُ ... وَالدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ فِي الْهِجْرَةِ. (طَمَعُ أَبِي بَكْرٍ فِي أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ النَّبِيِّ فِي الْهِجْرَةِ، وَمَا أَعَدَّ لِذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلًا ذَا مَالٍ، فَكَانَ حَيْنَ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِجْرَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَعْجَلْ، لَعَلَّ اللَّهَ يَجِدُ لَكَ صَاحِبًا، قَدْ طَمِعَ بِأَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنَّمَا يَعْنِي نَفْسَهُ، حَيْنَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَابْتَاعَ رَاحِلَتَيْنِ، فَاحْتَبَسَهُمَا فِي دَارِهِ، يَعْلِفُهُمَا إعْدَادًا لِذَلِكَ. (حَدِيثُ هِجْرَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ لَا يُخْطِئُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ أَحَدَ طَرَفَيْ النَّهَارِ، إمَّا بُكْرَةً، وَإِمَّا عَشِيَّةً، حَتَّى إذَا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي أُذِنَ فِيهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِجْرَةِ، وَالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ مِنْ بَيْنِ ظَهْرَيْ قَوْمِهِ، أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَاجِرَةِ، فِي سَاعَةٍ كَانَ لَا يَأْتِي فِيهَا. قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: مَا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ السَّاعَةَ إلَّا لِأَمْرٍ حَدَثَ. قَالَتْ: فَلَمَّا دَخَلَ، تَأَخَّرَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ سَرِيرِهِ، فَجَلَسَ رَسُولُ

(من كان يعلم بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم) :

اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ إلَّا أَنَا وَأُخْتِي أَسَمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْرِجْ عَنِّي مَنْ عِنْدَكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّمَا هُمَا ابْنَتَايَ [1] ، وَمَا ذَاكَ؟ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي! فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ وَالْهِجْرَةِ. قَالَتْ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصُّحْبَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الصُّحْبَة. قَالَت: فو الله مَا شَعُرْتُ قَطُّ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَحَدًا يَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ، حَتَّى رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ يَبْكِي يَوْمئِذٍ، ثُمَّ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إنَّ هَاتَيْنِ رَاحِلَتَانِ قَدْ كُنْتُ أَعْدَدْتهمَا لِهَذَا. فَاسْتَأْجَرَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَرْقَطِ- رَجُلًا مِنْ بَنِي الدُّئَلِ بْنِ بَكْرٍ، وَكَانَتْ أُمُّهُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ مُشْرِكًا- يَدُلُّهُمَا عَلَى الطَّرِيقِ، فَدَفَعَا إلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، فَكَانَتَا عِنْدَهُ يَرْعَاهُمَا لِمِيعَادِهِمَا. (مَنْ كَانَ يَعْلَمُ بِهِجْرَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمْ يَعْلَمْ فِيمَا بَلَغَنِي، بِخُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ، حَيْنَ خَرَجَ، إلَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَآلُ أَبِي بَكْرٍ. أَمَا عَلِيٌّ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي- أَخْبَرَهُ بِخُرُوجِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَخَلَّفَ بَعْدَهُ بِمَكَّةَ، حَتَّى يُؤَدِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَدَائِعَ، الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ لِلنَّاسِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِمَكَّةَ أَحَدٌ عِنْدَهُ شَيْءٌ يُخْشَى عَلَيْهِ إلَّا وَضَعَهُ عِنْدَهُ، لِمَا يُعْلَمُ مِنْ صِدْقِهِ وَأَمَانَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (قِصَّةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي الْغَارِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُرُوجَ، أَتَى أَبَا بَكْرِ ابْن أَبِي قُحَافَةَ، فَخَرَجَا مِنْ خَوْخَةٍ لِأَبِي بَكْرٍ فِي ظَهْرِ بَيْتِهِ، ثُمَّ عَمَدَ إلَى غَارٍ بِثَوْرٍ- جَبَلٍ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ- فَدَخَلَاهُ، وَأَمَرَ أَبُو بَكْرٍ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَسَمَّعَ لَهُمَا مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهِمَا نَهَارَهُ، ثُمَّ يَأْتِيهِمَا إذَا أَمْسَى بِمَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ الْخَبَرِ، وَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ مَوْلَاهُ أَنْ يَرْعَى غَنَمَهُ نَهَارَهُ، ثُمَّ يُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا، يَأْتِيهِمَا إذَا أَمْسَى فِي الْغَارِ. وَكَانَتْ أَسَمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ تَأْتِيهِمَا مِنْ الطَّعَامِ إذَا أَمْسَتْ بِمَا يُصْلِحُهُمَا.

_ [1] فِي جَامع البُخَارِيّ: «إِنَّمَا هم أهلك» . وَقد كَانَ أَبُو بكر أنكح عَائِشَة من رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل ذَلِك.

(ابنا أبى بكر وابن فهيرة يقومون بشئون الرسول وصاحبه وهما في الغار) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيَّ قَالَ: انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ إلَى الْغَارِ لَيْلًا، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَسَ الْغَارَ، لِيَنْظُرَ أَفِيهِ سَبُعٌ أَوْ حَيَّةٌ، يَقِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ. (ابْنَا أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ فهَيْرَة يقومُونَ بشئون الرَّسُولِ وَصَاحِبِهِ وَهُمَا فِي الْغَارِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ ثَلَاثًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ فِيهِ حِين فقدوه مائَة نَاقَةٍ، لِمَنْ يَرُدُّهُ عَلَيْهِمْ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ يَكُونُ فِي قُرَيْشٍ نَهَارَهُ مَعَهُمْ، يَسْمَعُ مَا يَأْتَمِرُونَ بِهِ، وَمَا يَقُولُونَ فِي شَأْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ يَأْتِيهِمَا إذَا أَمْسَى فَيُخْبِرُهُمَا الْخَبَرَ. وَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَرْعَى فِي رَعْيَانِ أَهْلِ مَكَّةَ، فَإِذَا أَمْسَى أَرَاحَ عَلَيْهِمَا غَنَمَ أَبِي بَكْرٍ، فَاحْتَلَبَا وَذَبَحَا، فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ غَدَا مِنْ عِنْدِهِمَا إلَى مَكَّةَ، اتَّبَعَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ أَثَرَهُ بِالْغَنَمِ حَتَّى يُعَفِّي عَلَيْهِ، حَتَّى إذَا مَضَتْ الثَّلَاثُ، وَسَكَنَ عَنْهُمَا النَّاسُ أَتَاهُمَا صَاحِبُهُمَا الَّذِي اسْتَأْجَرَاهُ بِبَعِيرَيْهِمَا وَبَعِيرٍ لَهُ، وَأَتَتْهُمَا أَسَمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رضى الله عَنْهُمَا بِسُفْرَتِهِمَا، وَنَسِيَتْ أَنْ تَجْعَلَ لَهَا عِصَامًا فَلَمَّا ارْتَحَلَا ذَهَبَتْ لِتُعَلِّقَ السُّفْرَةَ، فَإِذَا لَيْسَ لَهَا عِصَامٌ، [1] فَتَحِلُّ نِطَاقَهَا فَتَجْعَلُهُ عِصَامًا، ثُمَّ عَلَّقَتْهَا بِهِ. (سَبَبُ تَسْمِيَةِ أَسْمَاءَ بِذَاتِ النِّطَاقِ) : فَكَانَ يُقَالُ لِأَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ: ذَاتُ النِّطَاقِ، لِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَسَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ. وَتَفْسِيرُهُ: أَنَّهَا لَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تُعَلِّقَ السُّفْرَةَ شَقَّتْ نِطَاقَهَا بِاثْنَيْنِ، فَعَلَّقَتْ السُّفْرَةَ بِوَاحِدٍ، وَانْتَطَقَتْ بِالْآخَرِ. (أَبُو بَكْرٍ يُقَدِّمُ رَاحِلَةً لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا قَرَّبَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الرَّاحِلَتَيْنِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدَّمَ لَهُ أَفَضْلَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: ارْكَبْ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي،

_ [1] العصام: الْحَبل أَو شبهه يشد على فَم المزادة وَنَحْوهَا ليحفظ بَاقِيهَا أَو تعلق مِنْهَا فِي وتد وَنَحْوه.

(ضرب أبى جهل لأسماء) :

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنِّي لَا أَرْكَبُ بَعِيرًا لَيْسَ لِي، قَالَ: فَهِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ مَا الثَّمَنُ الَّذِي ابْتَعْتهَا بِهِ؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: قَدْ أَخَذْتهَا بِهِ، قَالَ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ [1] . فَرَكِبَا وَانْطَلَقَا وَأَرْدَفَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ مَوْلَاهُ خَلْفَهُ، لِيَخْدِمَهُمَا فِي الطَّرِيقِ. (ضَرْبُ أَبِي جَهْلٍ لِأَسْمَاءِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحُدِّثْتُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَتَانَا نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ أَبُو جَهْلِ ابْن هِشَامٍ، فَوَقَفُوا عَلَى بَابِ أَبِي بَكْرٍ، فَخَرَجْتُ إلَيْهِمْ، فَقَالُوا: أَيْنَ أَبُوكَ يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: لَا أَدْرِي وَاَللَّهِ أَيْنَ أَبِي؟ قَالَتْ: فَرَفَعَ أَبُو جَهْلٍ يَدَهُ، وَكَانَ فَاحِشًا خَبِيثًا، فَلَطَمَ خَدِّي لَطْمَةً طُرِحَ مِنْهَا قُرْطِي. (خَبَرُ الْهَاتِفِ مِنْ الْجِنِّ عَنْ طَرِيقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هِجْرَتِهِ) : قَالَتْ: ثُمَّ انْصَرَفُوا. فَمَكَثْنَا ثَلَاثَ لَيَالٍ. وَمَا نَدْرِي أَيْنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ الْجِنِّ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، يَتَغَنَّى بِأَبْيَاتٍ مِنْ شَعَرِ غِنَاءِ الْعَرَبِ، وَإِنَّ النَّاسَ لَيَتْبَعُونَهُ، يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ وَمَا يَرَوْنَهُ، حَتَّى خَرَجَ مِنْ أَعَلَى مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ: جَزَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ حَلَّا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ هُمَا نَزَلَا بِالْبَرِّ ثُمَّ تَرَوَّحَا ... فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدٍ لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَكَانُ فَتَاتِهِمْ ... وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنَيْنِ بِمَرْصَدِ [2] (نَسَبُ أُمِّ مَعْبَدٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أُمُّ مَعْبَدٍ [3] بِنْتُ كَعْبٍ، امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي كَعْبٍ، مِنْ خُزَاعَةَ.

_ [1] إِنَّمَا لم يقبل رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاحِلَة مِنْهُ إِلَّا بِثمنِهَا رَغْبَة مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي استكمال فضل الْهِجْرَة، وَأَن تكون الْهِجْرَة وَالْجهَاد على أتم أحوالهما. [2] ويروى أَن حسان بن ثَابت لما بلغه شعر الجنى وَمَا هتف بِهِ فِي مَكَّة قَالَ أبياتا، مطْلعهَا: لقد خَابَ قوم غَابَ عَنْهُم نَبِيّهم ... وَقد سر من يسرى إِلَيْهِم ويغتدى [3] وَاسم أم معبد: عَاتِكَة بنت خَالِد. ويحكى أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر على خيمتها هُوَ وَأَبُو بكر وَمولى أَبى بكر عَامر بن فهَيْرَة وَدَلِيلهمَا، وَكَانَت أم معبد بَرزَة جلدَة تختبئ بِفنَاء الْقبَّة، ثمَّ

(أبو قحافة وأسماء بعد هجرة أبى بكر) :

وَقَوْلُهُ «حلا خَيْمَتي» ، و «هما نَزَلَا بِالْبَرِّ ثُمَّ تَرَوَّحَا» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَلَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَهُ، عَرَفْنَا حَيْثُ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ وَجْهَهُ إلَى الْمَدِينَةِ وَكَانُوا أَرْبَعَةً: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَامِرُ ابْن فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْقَطَ دَلِيلُهُمَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ. (أَبُو قُحَافَةَ وَأَسْمَاءُ بَعْدَ هِجْرَةِ أَبِي بَكْرٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ أَبَاهُ عَبَّادًا حَدَّثَهُ عَنْ جَدَّتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مَعَهُ، احْتَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَالَهُ كُلَّهُ، وَمَعَهُ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ سِتَّةُ آلَافٍ، فَانْطَلَقَ بِهَا مَعَهُ. قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيْنَا جَدِّي أَبُو قُحَافَةَ، وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنِّي لَا أَرَاهُ قَدْ فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ مَعَ نَفْسِهِ. قَالَتْ: قُلْتُ: كَلَّا يَا أَبَتِ! إنَّهُ قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْرًا كَثِيرًا. قَالَتْ: فَأَخَذْتُ أَحْجَارًا فَوَضَعْتهَا فِي كُوَّةٍ فِي الْبَيْتِ الَّذِي كَانَ أَبِي يَضَعُ مَالَهُ فِيهَا، ثُمَّ وَضَعْتُ عَلَيْهَا ثَوْبًا، ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ، ضَعْ يَدَكَ عَلَى هَذَا الْمَالِ. قَالَتْ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ، إذَا كَانَ تَرَكَ لَكُمْ هَذَا فَقَدْ أَحْسَنَ، وَفِي هَذَا بَلَاغٌ لَكُمْ. وَلَا وَاَللَّهِ مَا تَرَكَ لَنَا شَيْئًا وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أُسَكِّنَ الشَّيْخَ بِذَلِكَ.

_ [ () ] تسقى وَتطعم، فَسَأَلُوهَا لَحْمًا وَتَمْرًا يشترونه مِنْهَا، فَلم يُصِيبُوا عِنْدهَا شَيْئا، وَكَانَ الْقَوْم مُرْمِلِينَ مُسنَّتَيْنِ، فَنظر رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَاة بِكَسْر الْخَيْمَة، فَقَالَ: مَا هَذِه الشَّاة يَا أم معبد؟ قَالَت: شَاة خلفهَا الْجهد عَن الْغنم، فَقَالَ: هَل بهَا من لبن؟ قَالَت: هِيَ أجهد من ذَلِك، قَالَ: أَتَأْذَنِينَ لي أَن أَحْلَبَهَا؟ قَالَت: بِأبي أَنْت وأمى! إِن رَأَيْت بهَا حَلبًا فاحلبها. فَدَعَا بهَا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمسح بِيَدِهِ ضرْعهَا، فَسمى الله تَعَالَى، ودعا لَهَا فِي شَأْنهَا، فتفاجت عَلَيْهِ، وَدرت واجترت، ودعا بِإِنَاء يريض الرَّهْط، فَحلبَ فِيهِ ثَجًّا، حَتَّى علاهُ لَبنهَا، ثمَّ سَقَاهَا حَتَّى رويت، وَسَقَى أَصْحَابه حَتَّى رووا، وَشرب آخِرهم، ثمَّ أراضوا، ثمَّ صب فِيهِ ثَانِيًا بعد بَدْء حَتَّى مَلأ الْإِنَاء، ثمَّ غَادَرَهُ عِنْدهَا، ثمَّ بَايَعَهَا على الْإِسْلَام، ثمَّ ارتحلوا عَنْهَا. فَمَا لَبِثت حَتَّى جَاءَ زَوجهَا أَبُو معبد يَسُوق أَعْنُزًا عِجَافًا، فَلَمَّا رأى أَبُو معبد اللَّبن عجب وَقَالَ: من أَيْن لَك هَذَا يَا أم معبد؟ وَالشَّاة عَازِب حِيَال، وَلَا حَلُوب فِي الْبَيْت؟ قَالَت: لَا وَالله، إِلَّا أَنه مر بِنَا رجل مبارك، من حَاله كَذَا وَكَذَا، قَالَ: صَفيه يَا أم معبد، فوصفته لَهُ فِي كَلَام طَوِيل، كُله الْحق، قَالَ أَبُو معبد: هَذَا وَالله صَاحب قُرَيْش، الّذي ذكر لنا من أمره مَا ذكر بِمَكَّة، لقد هَمَمْت أَن أَصْحَبهُ، وَلَأَفْعَلَن إِن وجدت إِلَى ذَلِك سَبِيلا.

(سراقة وركوبه في أثر الرسول صلى الله عليه وسلم) :

(سُرَاقَةُ وَرُكُوبُهُ فِي أَثَرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ حَدَّثَهُ. عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ [1] ، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ مُهَاجِرًا إلَى الْمَدِينَةِ، جَعَلَتْ قُرَيْش فِيهِ مائَة نَاقَةٍ لِمَنْ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ. قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي نَادِي قَوْمِي إذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَّا، حَتَّى وَقَفَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَكْبَهُ ثَلَاثَةً مَرُّوا عَلَيَّ آنِفًا، إنِّي لَأَرَاهُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَالَ: فَأَوْمَأْتُ إلَيْهِ بِعَيْنِي: أَنْ اُسْكُتْ، ثُمَّ قُلْتُ: إنَّمَا هُمْ بَنُو فُلَانٍ، يَبْتَغُونَ ضَالَّةً لَهُمْ، قَالَ: لَعَلَّهُ، ثُمَّ سَكَتَ. قَالَ: ثُمَّ مَكَثْتُ قَلِيلًا، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ بَيْتِي، ثُمَّ أَمَرْتُ بِفَرَسِي، فَقُيِّدَ لِي إلَى بَطْنِ الْوَادِي، وَأَمَرْتُ بِسِلَاحِي، فَأُخْرِجَ لِي مِنْ دُبُرِ حُجْرَتِي، ثُمَّ أَخَذْتُ قِدَاحِي الَّتِي أَسَتَقْسِمُ بِهَا، ثُمَّ انْطَلَقْتُ، فَلَبِسْتُ لَأْمَتِي [2] ، ثُمَّ أَخَرَجْتُ قِدَاحِي، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا، فَخَرَجَ السَّهْمُ الَّذِي أَكْرَهُ «لَا يَضُرُّهُ» [3] . قَالَ: وَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ أَرُدَّهُ عَلَى قُرَيْش، فآخذ الْمِائَة النَّاقَةِ. قَالَ: فَرَكِبْتُ عَلَى أَثَرِهِ، فَبَيْنَمَا فَرَسِي يَشْتَدُّ بِي عَثَرَ بِي، فَسَقَطْتُ عَنْهُ. قَالَ: فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: ثُمَّ أَخَرَجْتُ قِدَاحِي فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا، فَخَرَجَ السَّهْمُ الَّذِي أَكْرَهُ «لَا يَضُرُّهُ» . قَالَ: فَأَبَيْتُ إلَّا أَنْ أَتَّبِعَهُ. قَالَ: فَرَكِبْتُ فِي أَثَرِهِ، فَبَيْنَا فَرَسِي يَشْتَدُّ بِي، عَثَرَ بِي، فَسَقَطْتُ عَنْهُ. قَالَ: فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟، قَالَ: ثُمَّ أَخَرَجْتُ قِدَاحِي فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا فَخَرَجَ السَّهْمُ الَّذِي أَكْرَهُ «لَا يَضُرُّهُ» ، قَالَ: فَأَبَيْتُ إلَّا أَنْ أَتَّبِعَهُ، فَرَكِبْتُ فِي أَثَرِهِ. فَلَمَّا بَدَا لِي الْقَوْمُ وَرَأَيْتهمْ، عَثَرَ بِي فَرَسِي، فَذَهَبَتْ يَدَاهُ فِي الْأَرْضِ، وَسَقَطْتُ عَنْهُ، ثُمَّ انْتَزَعَ يَدَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ، وَتَبِعَهُمَا دُخَانٌ كَالْإِعْصَارِ [4] . قَالَ: فَعَرَفْتُ حَيْنَ رَأَيْتُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ مُنِعَ مِنِّي، وَأَنَّهُ ظَاهِرٌ. قَالَ: فَنَادَيْتُ الْقَوْمَ: فَقُلْتُ: أَنَا سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ: انظرونى أكلمكم، فو الله لَا أَرَيْبُكُمْ، وَلَا يَأْتِيكُمْ مِنِّي شَيْءٌ

_ [1] وينتهى نسب سراقَة إِلَى بنى مُدْلِج، وهم بَنو مُدْلِج بن مرّة بن تيم بن عبد منَاف بن كنَانَة. (رَاجع المقتضب، والمعارف، والاستيعاب، وَالرَّوْض) . [2] اللأمة: الدرْع وَالسِّلَاح. [3] لَا يضرّهُ: أَي السهْم الْمَكْتُوب فِيهِ هَذِه الْكَلِمَة. [4] الإعصار: ريح مَعهَا غُبَار.

(إسلام سراقة) :

تَكْرَهُونَهُ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ: قُلْ لَهُ: وَمَا تَبْتَغِي مِنَّا؟ قَالَ: فَقَالَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: قُلْتُ: تَكْتُبُ لِي كِتَابًا يَكُونُ آيَةً بَيْنِي وَبَيْنَكَ. قَالَ: اُكْتُبْ لَهُ يَا أَبَا بَكْرٍ. (إسْلَامُ سُرَاقَةَ) : (قَالَ) [1] : فَكَتَبَ لِي كِتَابًا فِي عَظْمٍ، أَوْ فِي رُقْعَةٍ، أَوْ فِي خَزَفَةٍ، ثُمَّ أَلْقَاهُ إلَيَّ، فَأَخَذَتْهُ، فَجَعَلْتُهُ فِي كِنَانَتِي، ثُمَّ رَجَعْتُ [2] ، فَسَكَتُّ فَلَمْ أَذْكُرْ شَيْئًا مِمَّا كَانَ حَتَّى إذَا كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَرَغَ مِنْ حُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ، خَرَجْتُ وَمَعِي الْكِتَابَ لَأَلْقَاهُ، فَلَقِيتُهُ بِالْجِعْرَانَةِ [3] . قَالَ: فَدَخَلْتُ فِي كَتِيبَةٍ مِنْ خَيْلِ الْأَنْصَارِ. قَالَ: فَجَعَلُوا يَقْرَعُونَنِي بِالرِّمَاحِ وَيَقُولُونَ: إلَيْكَ (إلَيْكَ) [1] ، مَاذَا تُرِيدُ؟ قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ، وَاَللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى سَاقِهِ فِي غَرْزِهِ [4] كَأَنَّهَا جُمَّارَةٌ. قَالَ: فَرَفَعْتُ يَدِي بِالْكِتَابِ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا كِتَابُكَ (لِي) [1] ، أَنَا سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَوْمُ وَفَاءٍ وَبِرٍّ، ادْنُهْ. قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَأَسْلَمْتُ. ثُمَّ تَذَكَّرْتُ شَيْئًا أَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَمَا أَذْكُرُهُ، إلَّا أَنِّي قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الضَّالَّةُ مِنْ الْإِبِلِ تَغْشَى حِيَاضِي، وَقَدْ مَلَأْتهَا لِإِبِلِي، هَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ فِي أَنْ أَسْقِيَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرَّى أَجْرٌ. قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ إلَى قَوْمِي، فَسُقْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَتِي.

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] ويحكى أَن أَبَا جهل لَام سراقَة حِين رَجَعَ بِلَا شَيْء، فَقَالَ سراقَة: أَبَا حكم وَالله لَو كنت شَاهدا ... لأمر جوادي إِذْ تَسُوخ قوائمه علمت وَلم تشكك بِأَن مُحَمَّدًا ... رَسُول ببرهان فَمن ذَا يقاومه عَلَيْك بكف الْقَوْم عَنهُ فاننى ... أرى أمره يَوْمًا ستبدو معالمه بِأَمْر يود النَّاس فِيهِ بأسرهم ... بِأَن جَمِيع النَّاس طرا يسالمه (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [3] الْجِعِرَّانَة (بِكَسْر أَوله، وَقيل: بِكَسْر عينه، وَتَشْديد رائه) : مَاء بَين الطَّائِف وَمَكَّة، وَهِي إِلَى مَكَّة أقرب. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [4] الغرز للرحل: بِمَنْزِلَة الركاب للسرج.

(تصويب نسب عبد الرحمن الجعشمى) :

(تَصْوِيبُ نَسَبِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُعْشُمِيِّ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ. (طَرِيقُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هِجْرَتِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا خَرَجَ بِهِمَا دَلِيلُهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْقَطَ، سَلَكَ بِهِمَا أَسْفَلَ مَكَّةَ، ثُمَّ مَضَى بِهِمَا عَلَى السَّاحِلِ، حَتَّى عَارَضَ الطَّرِيقَ أَسْفَلَ مِنْ عُسْفَانَ، ثُمَّ سَلَكَ بِهِمَا عَلَى أَسْفَلِ أَمَجَ، ثُمَّ اسْتَجَازَ بِهِمَا، حَتَّى عَارَضَ بِهِمَا الطَّرِيقَ، بَعْدَ أَنْ أَجَازَ قُدَيْدًا، ثُمَّ أَجَازَ بِهِمَا مِنْ مَكَانِهِ ذَلِكَ، فَسَلَكَ بِهِمَا الْخَرَّارَ، ثُمَّ سَلَكَ بِهِمَا ثَنِيَّةَ الْمَرَّةِ، ثُمَّ سَلَكَ بِهِمَا لِقْفا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ، لَفْتَا. قَالَ مَعْقِلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الْهُذَلِيُّ: نَزِيعًا مُحْلِبًا مِنْ أَهْلِ لَفْتٍ ... لِحَيٍّ بَيْنَ أَثْلَةَ وَالنِّحَامِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَجَازَ بِهِمَا مَدْلَجَةَ لِقْفٍ ثُمَّ اسْتَبْطَنَ بِهِمَا مَدْلَجَةَ مَحَاجَّ- وَيُقَالُ: مِجَاجٍ [1] ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- ثُمَّ سَلَكَ بِهِمَا مَرْجِحَ مَحَاجَّ، ثُمَّ تَبَطَّنَ بِهِمَا مَرْجِحَ مِنْ ذِي الْغَضْوَيْنِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الْعُضْوَيْنِ- ثُمَّ بَطْنَ ذِي كَشْرٍ [2] ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِمَا عَلَى الْجَدَاجِدِ، ثُمَّ عَلَى الْأَجْرَدِ، ثُمَّ سَلَكَ بِهِمَا ذَا سَلَمٍ، مِنْ بَطْنِ أَعْدَاءِ مَدْلِجَةٍ تِعْهِنِ [3] ، ثُمَّ عَلَى الْعَبَابِيدِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الْعَبَابِيبُ، وَيُقَالُ: الْعِثْيَانَةَ. يُرِيدُ: الْعَبَابِيبَ-. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَجَازَ بِهِمَا الْفَاجَّةَ، وَيُقَالُ: الْقَاحَّةُ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمَّ هَبَطَ بِهِمَا الْعَرْجَ، وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْهِمَا بَعْضُ ظَهْرِهِمْ، فَحَمَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ، يُقَالُ لَهُ: أَوْسُ بْنُ حُجْرٍ، عَلَى جَمَلٍ لَهُ- يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الرِّدَاءِ- إلَى الْمَدِينَةِ، وَبَعَثَ مَعَهُ غُلَامًا لَهُ، يُقَالُ لَهُ:

_ [1] قَالَ ياقوت، وَقد ذكر هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ: «وَالصَّحِيح عندنَا فِيهِ غير مَا روياه، جَاءَ فِي شعر ذكره الزبير بن بكار، وَهُوَ مجاح، بِفَتْح الْمِيم ثمَّ جِيم وَآخره حاء. وَالشعر هُوَ: لعن الله بطن لقف مسيلا ... ومجاحا وَمَا أحب مجاحا لقِيت نَاقَتي بِهِ وبلقف ... بَلَدا مجدبا وأرضا شحاحا [2] فِي الْأُصُول: «كشد» ، وَهُوَ تَحْرِيف. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [3] تعهن: اسْم عين مَاء على ثَلَاثَة أَمْيَال من السقيا بَين مَكَّة وَالْمَدينَة.

(قدومه صلى الله عليه وسلم قباء) :

مَسْعُودُ بْنُ هُنَيْدَةَ، ثُمَّ خَرَجَ بِهِمَا دَلِيلُهُمَا مِنْ الْعَرَجِ، فَسَلَكَ بِهِمَا ثَنِيَّةَ الْعَائِرِ، عَنْ يَمِينِ رَكُوبَةٍ- وَيُقَالُ. ثَنِيَّةُ الْغَائِرِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- حَتَّى هَبَطَ بِهِمَا بَطْنَ رِئْمٍ، ثُمَّ قَدِمَ بِهِمَا قُبَاءٍ، عَلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، حِينَ اشْتَدَّ الضَّحَاءُ، وَكَادَتْ الشَّمْسُ تَعْتَدِلُ. (قُدُومُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبَاءَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ سَاعِدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: لَمَّا سَمِعْنَا بِمَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، وَتَوَكَّفْنَا [1] قُدُومَهُ، كُنَّا نَخْرُجُ إذَا صَلَّيْنَا الصُّبْحَ، إلَى ظَاهِرِ حَرَّتِنَا نَنْتَظِرُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فو اللَّهِ مَا نَبْرَحُ حَتَّى تَغْلِبَنَا الشَّمْسُ عَلَى الظِّلَالِ فَإِذَا لَمْ نَجِدْ ظِلًّا دَخَلْنَا، وَذَلِكَ فِي أَيَّامٍ حَارَّةٍ. حَتَّى إذَا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَلَسْنَا كَمَا كُنَّا نَجْلِسُ، حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ ظِلٌّ دَخَلْنَا بُيُوتَنَا، وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْنَ دَخَلْنَا الْبُيُوتَ، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ رَآهُ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ، وَقَدْ رَأَى مَا كُنَّا نَصْنَعُ، وَأَنَّا نَنْتَظِرُ قُدُومَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا، فَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا بَنِي قَيْلَةَ [2] ، هَذَا جَدُّكُمْ قَدْ جَاءَ. قَالَ: فَخَرَجْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي ظِلِّ نَخْلَةٍ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مِثْلِ سِنِّهِ، وَأَكْثَرُنَا لَمْ يَكُنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَرَكِبَهُ النَّاسُ [3] وَمَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، حَتَّى زَالَ الظِّلُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَأَظَلَّهُ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفْنَاهُ عِنْدَ ذَلِكَ [4] .

_ [1] توكفنا قدومه: استشعرناه وانتظرناه. [2] بَنو قيلة، هم الْأَنْصَار، وقيلة: اسْم جدة كَانَت لَهُم. [3] رَكبه النَّاس: أَي ازدحموا عَلَيْهِ. [4] كَانَ قدوم رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة يَوْم الِاثْنَيْنِ لاثنى عشرَة من ربيع الأول، وَقيل: قدمهَا لثمان خلون من ربيع الأول. كَمَا قيل: إِن خُرُوجه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من الْغَار كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ أول يَوْم من ربيع الأول.

(منازله صلى الله عليه وسلم بقباء) :

(مَنَازِلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقُباءٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- عَلَى كُلْثُومِ [1] بْنِ هِدْمٍ، أَخِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي عُبَيْدٍ: وَيُقَالُ: بَلْ نَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ. وَيَقُولُ مَنْ يَذْكُرُ أَنَّهُ نَزَلَ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ هِدْمٍ: إنَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِ كُلْثُومِ بْنِ هِدْمٍ جَلَسَ لِلنَّاسِ فِي بَيْتِ سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ. وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَزَبًا لَا أَهْلَ لَهُ، وَكَانَ مَنْزِلُ الْأَعْزَابِ [2] مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، فَمِنْ هُنَالِكَ يُقَالُ: نَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ، وَكَانَ يُقَالُ لِبَيْتِ سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ: بَيْتُ الْأَعْزَابِ. فاللَّه أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ، كُلًّا قَدْ سَمِعْنَا. (مَنْزِلُ أَبِي بَكْرٍ بقُباءٍ) : وَنَزَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى خُبَيْبِ بْنِ إِسَافٍ، أَحَدِ بَنِي الْحَارِثِ الْخَزْرَجَ بِالسُّنْحِ. وَيَقُولُ قَائِلٌ: كَانَ مَنْزِلُهُ عَلَى خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ، أَخِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ. (مَنْزِلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بقُباءٍ) : وَأَقَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السِّلَامُ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَأَيَّامِهَا، حَتَّى أَدَّى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَدَائِعَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ لِلنَّاسِ، حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْهَا، لَحِقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ مَعَهُ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ هِدْمٍ. (ابْنُ حُنَيْفٍ وَتَكْسِيرُهُ الْأَصْنَامَ) : فَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَإِنَّمَا كَانَتْ إقَامَتُهُ بقُباءٍ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ يَقُولُ: كَانَتْ بقُباءٍ امْرَأَةٌ لَا زَوْجَ لَهَا، مُسْلِمَةٌ. قَالَ: فَرَأَيْتُ إنْسَانًا يَأْتِيهَا مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَيَضْرِبُ عَلَيْهَا بَابَهَا، فَتَخْرَجُ إلَيْهِ فَيُعْطِيَهَا شَيْئًا مَعَهُ فَتَأْخُذَهُ. قَالَ: فَاسْتَرَبْتُ

_ [1] هُوَ كُلْثُوم بن الْهدم بن امْرِئ الْقَيْس بن الْحَارِث بن زيد بن مَالك بن عَوْف بن عَمْرو بن عَوْف بن مَالك بن الْأَوْس، وَكَانَ شَيخا كَبِيرا، مَاتَ بعد قدوم رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة بِيَسِير، وَهُوَ أول من مَاتَ من الْأَنْصَار بعد قدوم النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ مَاتَ بعده أسعد بن زُرَارَة بأيام. وَكَانَ كُلْثُوم يكنى أَبَا قيس. (رَاجع الِاسْتِيعَاب: وَالرَّوْض) . [2] فِي الْأُصُول: «العزاب» ، وَهُوَ تَحْرِيف.

(بناء مسجد قباء) :

بِشَأْنِهِ، فَقُلْتُ لَهَا: يَا أَمَةَ اللَّهِ، مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي يَضْرِبُ عَلَيْكَ بَابَكَ كُلَّ لَيْلَةٍ، فَتَخْرُجِينَ إلَيْهِ فَيُعْطِيَكَ شَيْئًا لَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَأَنْتِ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ لَا زَوْجَ لَكَ؟ قَالَتْ: هَذَا سَهْلُ بْنُ حُنَيْفِ بْنِ وَاهِبٍ، قَدْ عَرَفَ أَنِّي امْرَأَةٌ لَا أَحَدَ لِي، فَإِذَا أَمْسَى عَدَا عَلَى أَوْثَانِ قَوْمِهِ فَكَسَّرَهَا، ثُمَّ جَاءَنِي بِهَا، فَقَالَ: احْتَطِبِي بِهَذَا، فَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَأْثُرُ [1] ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، حَتَّى هَلَكَ عِنْدَهُ بِالْعِرَاقِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي هَذَا، مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، هِنْدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (بِنَاءُ مَسْجِدِ قُبَاءٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقُباءٍ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، وَأَسَّسَ مَسْجِدَهُ [2] (خُرُوجُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُبَاءٍ وَسَفَرُهُ إلَى الْمَدِينَةِ) : ثُمَّ أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يُزْعِمُونَ أَنَّهُ مَكَثَ فِيهِمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فاللَّه أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ. فَأَدْرَكَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، فَصَلَّاهَا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي فِي بَطْنِ الْوَادِي، وَادِي رَانُونَاءَ [3] ، فَكَانَتْ أَوَّلَ جُمُعَةٍ صَلَّاهَا بِالْمَدِينَةِ. (اعْتِرَاضُ الْقَبَائِلِ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبْغِي نُزُولَهُ عِنْدَهَا) : فَأَتَاهُ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَالِمِ ابْن عَوْفٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ. أَقِمْ عِنْدَنَا فِي الْعَدَدِ وَالْعِدَّةِ وَالْمَنَعَةِ، قَالَ: خَلُّوا سَبِيلَهَا، فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، لِنَاقَتِهِ: فَخَلُّوا سَبِيلهَا، فَانْطَلَقَتْ حَتَّى إذَا وَازَنَتْ دَارَ بَنِي بَيَّاضَةَ، تَلَقَّاهُ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ، وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو، فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي بَيَّاضَةَ

_ [1] يأثر ذَلِك: يحدث بِهِ. [2] ذكر أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أول من وضع حجرا فِي قبلته، ثمَّ جَاءَ أَبُو بكر بِحجر فَوَضعه إِلَى حجر رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ أَخذ النَّاس فِي الْبُنيان. وَكَانَ مَسْجِد قبَاء أول مَسْجِد بنى فِي الْإِسْلَام. [3] فِي غير سيرة ابْن إِسْحَاق: أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بهم فِي بطن الْوَادي فِي بنى سَالم. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ عِنْد الْكَلَام على رَانُونَاء) .

(مبرك ناقته صلى الله عليه وسلم بدار بنى مالك بن النجار) :

فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلُمَّ إلَيْنَا، إلَى الْعَدَدِ وَالْعِدَّةِ وَالْمَنَعَةِ، قَالَ: خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا. فَانْطَلَقَتْ، حَتَّى إذَا مَرَّتْ بِدَارِ بَنِي سَاعِدَةَ، اعْتَرَضَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلُمَّ إلَيْنَا إلَى الْعَدَدِ وَالْعِدَّةِ وَالْمَنَعَةِ، قَالَ: خَلُّوا سَبِيلَهَا، فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا، فَانْطَلَقَتْ، حَتَّى إذَا وَازَنَتْ دَارَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، اعْتَرَضَهُ سَعْدُ ابْن الرَّبِيعِ، وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ ابْن الْخَزْرَجِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلُمَّ إلَيْنَا إلَى الْعَدَدِ وَالْعِدَّةِ وَالْمَنَعَةِ قَالَ: خَلُّوا سَبِيلَهَا، فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا. فَانْطَلَقَتْ، حَتَّى إذَا مَرَّتْ بِدَارِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، وَهُمْ أَخْوَالُهُ دِنْيَا- أُمُّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، سَلْمَى بِنْتُ عَمْرٍو، إحْدَى نِسَائِهِمْ- اعْتَرَضَهُ سَلِيطُ بْنُ قَيْسٍ، وَأَبُو سَلِيطٍ، أُسَيْرَةُ بْنُ أَبِي خَارِجَةَ، فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلُمَّ إلَى أَخْوَالِكَ، إلَى الْعَدَدِ وَالْعِدَّةِ وَالْمَنَعَةِ، قَالَ: خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا، فَانْطَلَقَتْ. (مَبْرَكَ نَاقَتهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَارِ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ) : حَتَّى إذَا أَتَتْ دَارَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، بَرَكَتْ عَلَى بَابِ مَسْجِدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَوْمئِذٍ مِرْبَدٌ [1] لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَهُمَا فِي حِجْرِ مُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ، سَهْلٍ وَسُهَيْلٍ ابْنَيْ عَمْرٍو. فَلَمَّا بَرَكَتْ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا لَمْ يَنْزِلْ، وَثَبَتَ فَسَارَتْ غَيْرَ بِعِيدٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ لَهَا زِمَامَهَا لَا يَثْنِيهَا بِهِ، ثُمَّ الْتَفَتَتْ إلَى خَلْفِهَا، فَرَجَعَتْ إلَى مَبْرَكِهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَبَرَكَتْ فِيهِ، ثُمَّ تَحَلْحَلَتْ وَزَمَّتْ [2] وَوَضَعَتْ

_ [1] المربد: الْموضع الّذي يجفف فِيهِ التَّمْر. [2] قَالَ السهيليّ عِنْد الْكَلَام على معنى (تحلحلت) : وَفَسرهُ ابْن قُتَيْبَة على «تلحلح» : أَي لزم مَكَانَهُ وَلم يبرح، وَأنْشد: أنَاس إِذا قيل انفروا قد أتيتم ... أَقَامُوا على أثقالهم وتلحلحوا قَالَ: وَأما تحلحل (بِتَقْدِيم الْحَاء على اللَّام) فَمَعْنَاه: زَالَ عَن مَوْضِعه. وَهَذَا الّذي قَالَه قوى من جِهَة الِاشْتِقَاق، فَإِن (التلحلح) يشبه أَن يكون من: لححت عينه: إِذا التصقت، وَهُوَ ابْن عمى لحا. وَأما (التحلحل) فاشتقاقه من الْحل، والانحلال بَين، لِأَنَّهُ انفكاك شَيْء من شَيْء. وَلَكِن الرِّوَايَة فِي سيرة ابْن

(بناء مسجد المدينة ومساكنه صلى الله عليه وسلم) :

جِرَانَهَا [1] ، فَنَزَلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2] ، فَاحْتَمَلَ أَبُو أَيُّوبَ خَالِدُ ابْن زَيْدٍ رَحْلَهُ، فَوَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ، وَنَزَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَأَلَ عَنْ الْمِرْبَدِ لِمَنْ هُوَ؟ فَقَالَ لَهُ مَعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ: هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِسَهْلٍ وَسُهَيْلٍ ابْنَيْ عَمْرٍو [3] ، وَهُمَا يَتِيمَانِ لِي، وَسَأُرْضِيهِمَا مِنْهُ، فَاِتَّخِذْهُ مَسْجِدًا. (بِنَاءُ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَمَسَاكِنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ: فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْنَى مَسْجِدًا، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي أَيُّوبَ حَتَّى بَنَى مَسْجِدَهُ وَمَسَاكِنَهُ، فَعَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُرَغِّبَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْعَمَلِ فِيهِ، فَعَمِلَ فِيهِ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، وَدَأَبُوا فِيهِ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: لَئِنْ قَعَدْنَا وَالنَّبِيُّ يَعْمَلُ ... لَذَاكَ مِنَّا الْعَمَلُ الْمُضَلِّلُ وَارْتَجَزَ الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ يَبْنُونَهُ يَقُولُونَ: لَا عَيْشَ إلَّا عَيْشَ الْآخِرَهْ ... اللَّهمّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا كَلَامٌ وَلَيْسَ بِرَجَزٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا عَيْشَ إلَّا عَيْشَ الْآخِرَةِ، اللَّهمّ ارْحَمْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. (إخْبَارُ الرَّسُولِ لِعَمَّارٍ بِقَتْلِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ لَهُ) : قَالَ: فَدَخَلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَقَدْ أَثْقَلُوهُ بِاللَّبِنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،

_ [ () ] إِسْحَاق (تحلحلت) بِتَقْدِيم الْحَاء على اللَّام، وَهُوَ خلاف الْمَعْنى، إِلَّا أَن يكون مقلوبا من (تلحلحت) فَيكون مَعْنَاهُ: لصقت بموضعها وأقامت، على الْمَعْنى الّذي فسره بِهِ ابْن قُتَيْبَة فِي (تلحلحت) . وَقَالَ أَبُو ذَر: «تحلحلت: مَعْنَاهُ: تحركت وانزجرت» . يُقَال: رزمت النَّاقة رزوما، وَذَلِكَ إِذا أَقَامَت من الكلال. [1] الجران: مَا يُصِيب الأَرْض من صدر النَّاقة وباطن حلقها. [2] وَيُقَال: إِن النَّاقة لما أَلْقَت بِجِرَانِهَا فِي دَار بنى النجار جعل رجل من بنى سَلمَة، وَهُوَ جَبَّار بن صَخْر، ينخسها رَجَاء أَن تقوم فتبرك فِي دَار بنى سَلمَة، فَلم تفعل. [3] سهل وَسُهيْل، هما ابْنا رَافع بن عَمْرو بن أَبى عَمْرو بن عبيد بن ثَعْلَبَة بن غنم بن مَالك بن النجار. وَقد شهد سُهَيْل بَدْرًا والمشاهد كلهَا، وَمَات فِي خلَافَة عمر، وَلم يشْهد سهل بَدْرًا وَشهد غَيرهَا، وَمَات قبل أَخِيه سُهَيْل.

(ارتجاز على بن أبى طالب في بناء المسجد) :

قَتَلُونِي، يَحْمِلُونَ عَلَيَّ مَا لَا يَحْمِلُونَ. قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْفُضُ وَفْرَتَهُ بِيَدِهِ، وَكَانَ رَجُلًا جَعْدًا، وَهُوَ يَقُولُ: وَيْحَ ابْنَ سُمَيَّةَ، لَيْسُوا بِاَلَّذِينَ يَقْتُلُونَكَ، إنَّمَا تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ. (ارْتِجَازُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ) : وَارْتَجَزَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمئِذٍ: لَا يَسْتَوِي مَنْ يَعْمُرُ الْمَسَاجِدَا ... يَدْأَبُ فِيهِ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَمَنْ يُرَى عَنْ الْغُبَارِ حَائِدًا [1] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَأَلْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ، عَنْ هَذَا الرَّجَزِ، فَقَالُوا: بَلَغَنَا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ارْتَجَزَ بِهِ، فَلَا يُدْرَى: أَهُوَ قَائِلُهُ أَمْ غَيْرُهُ. (مَا كَانَ بَيْنَ عَمَّارٍ وَأَحَدِ الصَّحَابَةِ مِنْ مُشَادَّةٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَخَذَهَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَجَعَلَ يَرْتَجِزُ بِهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَلَمَّا أَكْثَرَ، ظَنَّ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إنَّمَا يُعَرِّضُ بِهِ، فِيمَا حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِي، عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَقَدْ سَمَّى ابْنُ إسْحَاقَ الرَّجُلَ [2] . (وَصَاةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَمَّارٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُ مَا تَقُولُ مُنْذُ الْيَوْمِ يَا بن سُمَيَّةَ، وَاَللَّهِ إنِّي لَأُرَانِي سَأَعْرِضُ هَذِهِ الْعَصَا لِأَنْفِكَ. قَالَ: وَفِي يَدِهِ عَصًا. قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: مَا لَهُمْ وَلِعَمَّارٍ، يَدْعُوهُمْ إلَى الْجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إلَى النَّارِ، إنَّ عَمَّارًا جِلْدَةٌ مَا بَيْنَ عَيْنِيَّ وَأَنْفِي، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ مِنْ الرَّجُلِ فَلَمْ يُسْتَبْقَ فَاجْتَنِبُوهُ.

_ [1] حائدا: مائلا. [2] قَالَ السهيليّ: «وَقد سمى ابْن إِسْحَاق الرجل، وَكره ابْن هِشَام أَن يُسَمِّيه كي لَا يذكر أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكروه، فَلَا يَنْبَغِي أبدا الْبَحْث عَن اسْمه» . وَقَالَ أَبُو ذَر: «وَقد سمى ابْن إِسْحَاق الرجل فَقَالَ: إِن هَذَا الرجل هُوَ عُثْمَان بن عَفَّان رضى الله عَنهُ» وَفِي الْمَوَاهِب اللدنية: أَنه عُثْمَان بن مَظْعُون. 32- سيرة ابْن هِشَام- 1

(من بنى أول مسجد) :

(مَنْ بَنَى أَوَّلَ مَسْجِدٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ سُفْيَانُ بْنُ عُييْنَةَ عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: إنَّ أَوَّلَ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ [1] . (مَنْزِلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِ أَبِي أَيُّوبَ، وَشَيْءٌ مِنْ أَدَبِهِ فِي ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ أَبِي أَيُّوبَ، حَتَّى بُنِيَ لَهُ مَسْجِدُهُ وَمَسَاكِنُهُ [2] ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى مَسَاكِنِهِ مِنْ بَيْتِ أَبِي أَيُّوبَ [3] ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَرِضْوَانُهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ اليَزَنيِّ، عَنْ أَبِي رُهْمٍ السَّمَاعِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي، نَزَلَ فِي السُّفْلِ، وَأَنَا وَأُمُّ أَيُّوبَ فِي الْعُلْوِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إنِّي لَأَكْرَهُ وَأُعْظِمُ أَنْ أَكُونَ فَوْقَكَ، وَتَكُونَ تَحْتِي، فَاظْهَرْ أَنْتَ فَكُنْ فِي الْعُلْوِ، وَنَنْزِلَ نَحْنُ فَنَكُونَ فِي السُّفْلِ، فَقَالَ: يَا أَبَا أَيُّوبَ، إنَّ أَرْفَقَ بِنَا وَبِمَنْ يَغْشَانَا، أَنْ نَكُونَ فِي سُفْلِ الْبَيْتِ. قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُفْلِهِ، وَكُنَّا فَوْقَهُ فِي الْمَسْكَنِ،

_ [1] يعْنى بِهَذَا الحَدِيث مَسْجِد قبَاء، لِأَن عمارا هُوَ الّذي أَشَارَ على النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببنيانه، وَهُوَ جمع الْحِجَارَة لَهُ، فَلَمَّا أسسه رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استتم بُنْيَانه عمار. (انْظُر الرَّوْض) . [2] كَانَت بيوته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تِسْعَة، بَعْضهَا من جريد مطين بالطين وسقفها جريد، وَبَعضهَا من حِجَارَة مرصوصة بَعْضهَا فَوق بعض مسقفة بِالْجَرِيدِ أَيْضا. وَقَالَ الْحسن بن أَبى الْحسن: كنت أَدخل بيُوت النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَنا غُلَام مراهق، فأنال السّقف بيَدي. وَكَانَت حجره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أكسية من شعر مربوطة فِي خشب عرعر. وَفِي تَارِيخ البُخَارِيّ: أَن بَابه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يقرع بالأظافر: أَي لَا حلق لَهُ. وَلما توفيت أَزوَاجه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خلطت الْبيُوت وَالْحجر بِالْمَسْجِدِ، وَذَلِكَ فِي زمن عبد الْملك، فَلَمَّا ورد كِتَابه بذلك ضج أهل الْمَدِينَة بالبكاء كَيَوْم وَفَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَكَانَ سَرِيره خشبات مشدودة بالليف بِيعَتْ زمن بنى أُميَّة، فاشتراها رجل بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم. [3] وَقد صَار منزل أَبى أَيُّوب هَذَا بعده إِلَى أَفْلح، مولى أَبى أَيُّوب، فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ، بعد مَا خرب وتثلمت حيطانه، الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام بِأَلف دِينَار، ثمَّ أصلحه الْمُغيرَة، وَتصدق بِهِ على أهل بَيت من فُقَرَاء الْمَدِينَة.

(تلاحق المهاجرين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة) :

فَلَقَدْ انْكَسَرَ حُبٌّ [1] لَنَا فِيهِ مَاءٌ فَقُمْتُ أَنَا وَأُمُّ أَيُّوبَ بِقَطِيفَةٍ لَنَا، مَا لَنَا لِحَافٌ غَيْرَهَا، نُنَشِّفُ بِهَا الْمَاءَ، تَخَوُّفًا أَنْ يَقْطُرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ شَيْءٌ فَيُؤْذِيَهُ. قَالَ: وَكُنَّا نَصْنَعُ لَهُ الْعَشَاءَ، ثُمَّ نَبْعَثُ بِهِ إلَيْهِ، فَإِذَا رَدَّ عَلَيْنَا فَضْلَهُ تَيَمَّمْتُ أَنَا وَأُمُّ أَيُّوبَ مَوْضِعَ يَدِهِ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نَبْتَغِي بِذَلِكَ الْبَرَكَةَ، حَتَّى بَعَثْنَا إلَيْهِ لَيْلَةً بِعَشَائِهِ وَقَدْ جَعَلْنَا لَهُ بَصَلًا أَوْ ثُومًا، فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ أَرَ لِيَدِهِ فِيهِ أَثَرًا. قَالَ: فَجِئْتُهُ فَزِعًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، رَدَدْتَ عَشَاءَكَ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ مَوْضِعَ يَدِكَ، وَكُنْتَ إذَا رَدَدْتُهُ عَلَيْنَا، تَيَمَّمْتُ أَنَا وَأُمُّ أَيُّوبَ مَوْضِعَ يَدِكَ، نَبْتَغِي بِذَلِكَ الْبَرَكَةَ، قَالَ: إنِّي وَجَدْتُ فِيهِ رِيحَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، وَأَنَا رَجُلٌ أُنَاجِي، فَأَمَّا أَنْتُمْ فَكُلُوهُ. قَالَ: فَأَكَلْنَاهُ، وَلَمْ نَصْنَعْ لَهُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ [2] بَعْدُ. (تَلَاحُقُ الْمُهَاجِرِينَ إلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَتَلَاحَقَ الْمُهَاجِرُونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَبْقَ بِمَكَّةَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، إلَّا مَفْتُونٌ أَوْ مَحْبُوسٌ، وَلَمْ يُوعَبْ أَهْلُ هِجْرَةٍ مِنْ مَكَّةَ بِأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ إلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَهْلُ دُورٍ مُسَمَّوْنَ: بَنُو مَظْعُونٍ مِنْ بَنِي جُمَحٍ، وَبَنُو جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، حُلَفَاءُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَبَنُو الْبُكَيْرِ، مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ، حُلَفَاءُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَإِنَّ دُورَهُمْ غُلِّقَتْ بِمَكَّةَ هِجْرَةً، لَيْسَ فِيهَا سَاكِنٌ. (عُدْوَانُ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى دَارِ بَنِي جَحْشٍ، وَالْقِصَّةُ فِي ذَلِكَ) : وَلَمَّا خَرَجَ بَنُو جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ مِنْ دَارِهِمْ، عَدَا عَلَيْهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَبَاعَهَا مِنْ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، أَخِي بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، فَلَمَّا بَلَغَ بَنِي جَحْشٍ مَا صَنَعَ أَبُو سُفْيَانَ بِدَارِهِمْ، ذَكَرَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا تَرْضَى يَا عَبْدَ اللَّهِ أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ بِهَا دَارًا خَيْرًا مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكَ لَكَ. فَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ

_ [1] الْحبّ: الجرة، أَو الضخمة مِنْهَا. [2] وَفِي هَذَا يرْوى: إِن الْمَلَائِكَة تتأذى بِمَا يتَأَذَّى بِهِ الْإِنْس.

(انتشار الإسلام ومن بقي على شركه) :

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، كَلَّمَهُ أَبُو أَحْمَدَ [1] فِي دَارِهِمْ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّاسُ لِأَبِي أَحْمَدَ: يَا أَبَا أَحْمَدَ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ أَنْ تَرْجِعُوا فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِكُمْ أُصِيبَ مِنْكُمْ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَمْسَكَ عَنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ: أَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنْ ... أَمْرٍ عَوَاقِبُهُ نَدَامَهْ دَارَ ابْنِ عَمِّكَ بِعْتَهَا ... تَقْضِي بِهَا عَنْكَ الْغَرَامَهْ وَحَلِيفُكُمْ باللَّه ... رَبِّ النَّاسِ مُجْتَهَدُ الْقَسَامَهْ اذْهَبْ بِهَا، اذْهَبْ بِهَا ... طُوِّقْتَهَا طَوْقَ الْحَمَامَهْ [2] (انْتِشَارُ الْإِسْلَامَ وَمَنْ بَقِيَ عَلَى شِرْكِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ إذْ قَدِمَهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، إلَى صَفَرٍ مِنْ السَّنَةِ الدَّاخِلَةِ، حَتَّى بُنِيَ لَهُ فِيهَا مَسْجِدُهُ وَمَسَاكِنُهُ، وَاسْتَجْمَعَ لَهُ إسْلَامُ هَذَا الْحَيِّ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَلَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إلَّا أَسْلَمَ أَهْلُهَا، إلَّا مَا كَانَ مِنْ خَطْمَةَ، وَوَاقِفٍ، وَوَائِلٍ، وَأُمَيَّةَ، وَتِلْكَ أَوْسُ اللَّهِ، وَهُمْ حَيٌّ مِنْ الْأَوْسِ، فَإِنَّهُمْ أَقَامُوا عَلَى شِرْكِهِمْ. (أَوَّلُ خُطَبِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) : وَكَانَتْ أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ- نَعُوذُ باللَّه أَنْ نَقُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ أَنَّهُ قَامَ فِيهِمْ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، فَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ. تَعَلَّمُنَّ وَاَللَّهِ لَيُصْعَقَنَّ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لَيَدَعَنَّ غَنَمَهُ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ رَبُّهُ، وَلَيْسَ لَهُ تَرْجُمَانٌ وَلَا حَاجِبٌ يَحْجُبُهُ دُونَهُ: أَلَمْ يَأْتِكَ رَسُولِي فَبَلَّغَكَ، وَآتَيْتُكَ مَالًا وَأَفْضَلْتُ [3] عَلَيْكَ؟ فَمَا قَدَّمْتَ

_ [1] اسْم أَبى أَحْمد هَذَا: عبد، وَقيل: ثُمَامَة، وَالْأول أصح. وَكَانَت عِنْده الفارعة بنت أَبى سُفْيَان، وَبِهَذَا السَّبَب تطرق أَبُو سُفْيَان إِلَى بيع دَار بنى جحش، إِذْ كَانَت بنته فيهم. وَقد مَاتَ أَبُو أَحْمد بعد أُخْته زَيْنَب أم الْمُؤمنِينَ فِي خلَافَة عمر. [2] جعله كطوق الْحَمَامَة: لِأَن طوقها لَا يفارقها، وَلَا تلقيه عَن نَفسهَا أبدا. [3] ويروى: ألم أوتك مَالا، وجعلتك تربع وتدسع: أَي تَأْخُذ المرباع، وتعطى من تشَاء.

(خطبته الثانية صلى الله عليه وسلم) :

لِنَفْسِكَ؟ فَلَيَنْظُرَنَّ يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَا يَرَى شَيْئًا، ثُمَّ لَيَنْظُرَنَّ قُدَّامَهُ فَلَا يَرَى غَيْرَ جَهَنَّمَ. فَمَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقِيَ وَجْهَهُ مِنْ النَّارِ وَلَوْ بِشِقٍّ مِنْ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، فَإِنَّ بِهَا تُجْزَى الْحَسَنَةُ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، إلَى سَبْعِ ماِئَةِ ضَعْفٍ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. (خُطْبَتُهُ الثَّانِيَةُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: إنَّ الْحَمْدَ للَّه، أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ، نَعُوذُ باللَّه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهِ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. إنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَيَّنَهُ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَدْخَلَهُ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْكُفْرِ، وَاخْتَارَهُ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ أَحَادِيثِ النَّاسِ، إنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَأَبْلَغُهُ، أَحِبُّوا مَا أَحَبَّ اللَّهُ، أَحِبُّوا اللَّهَ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَلَا تَمَلُّوا كَلَامَ اللَّهِ وَذِكْرَهُ، وَلَا تَقْسُ عَنْهُ قُلُوبُكُمْ، فَإِنَّهُ مِنْ كُلِّ مَا يَخْلُقُ اللَّهُ يَخْتَارُ وَيَصْطَفِي، قَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ خِيرَتَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ، وَمُصْطَفَاهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَالصَّالِحَ مِنْ الْحَدِيثِ، وَمِنْ كُلِّ مَا أُوتِيَ النَّاسُ [1] الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، فَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتَّقُوهُ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَاصْدُقُوا اللَّهَ صَالِحَ مَا تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ، وَتَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ بَيْنَكُمْ، إنَّ اللَّهَ يَغْضَبُ أَنْ يُنْكَثَ عَهْدُهُ، وَالسِّلَامُ عَلَيْكُمْ. (كِتَابُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمُوَادَعَةُ يَهُودَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَادَعَ فِيهِ يَهُودَ وَعَاهَدَهُمْ، وَأَقَرَّهُمْ عَلَى دِينِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَشَرَطَ لَهُمْ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَثْرِبَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ، فَلَحِقَ بِهِمْ، وَجَاهَدَ مَعَهُمْ، إنَّهُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النَّاسِ، الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ [2] يَتَعَاقَلُونَ،

_ [1] فِي م، ر: «من الْحَلَال» . [2] الربعة: الْحَال الَّتِي جَاءَ الْإِسْلَام وهم عَلَيْهَا.

بَيْنَهُمْ، وَهُمْ يَفْدُونَ عَانِيَهُمْ [1] بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَنُو عَوْفٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ [2] الْأُولَى، كُلُّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا [1] بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَنُو سَاعِدَةَ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَنُو الْحَارِثِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَنُو جُشَمٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلِهِمْ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَنُو النَّجَّارِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَنُو النَّبِيتِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَنُو الْأَوْسِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَتْرُكُونَ مُفْرَحًا [3] بَيْنَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ بِالْمَعْرُوفِ فِي فِدَاءٍ أَوْ عَقْلٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمُفْرَحُ: الْمُثْقَلُ بِالدَّيْنِ وَالْكَثِيرُ الْعِيَالِ. قَالَ الشَّاعِرُ: إذَا أَنْتَ لم تَبْرَح تؤدّى أَمَانَةً ... وَتَحْمِلُ أُخْرَى أَفْرَحَتْكَ الْوَدَائِعُ [4] وَأَنْ لَا يُحَالِفَ مُؤْمِنٌ مَوْلَى مُؤْمِنٍ دُونَهُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ عَلَى مَنْ بَغَى مِنْهُمْ، أَوْ ابْتَغَى دَسِيعَةَ [5] ظُلْمٍ، أَوْ إثْمٍ، أَوْ عُدْوَانٍ، أَوْ فَسَادٍ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِ جَمِيعًا، وَلَوْ كَانَ وَلَدَ أَحَدِهِمْ، وَلَا يَقْتُلُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنًا فِي كَافِرٍ، وَلَا يَنْصُرُ كَافِرًا عَلَى مُؤْمِنٍ، وَإِنَّ ذِمَّةَ اللَّهِ وَاحِدَةٌ، يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ

_ [1] العاني: الْأَسير. [2] المعاقل: الدِّيات، الْوَاحِدَة: معقلة. [3] ويروى: «مفرجا» وَهُوَ بِمَعْنى المفرح بِالْحَاء الْمُهْملَة. [4] هَذَا الْبَيْت من شعر لبيهس العذري. [5] الدسيعة: الْعَظِيمَة، وَهِي فِي الأَصْل: مَا يخرج من حلق الْبَعِير إِذا رغا. وَأَرَادَ بهَا هَاهُنَا: مَا ينَال عَنْهُم من ظلم.

مَوَالِي بَعْضٍ دُونَ النَّاسِ، وَإِنَّهُ مَنْ تَبِعَنَا مِنْ يَهُودَ فَإِنَّ لَهُ النَّصْرَ وَالْأُسْوَةَ، غَيْرَ مَظْلُومِينَ وَلَا مُتَنَاصَرِينَ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّ سِلْمَ الْمُؤْمِنِينَ وَاحِدَةٌ، لَا يُسَالَمُ مُؤْمِنٌ دُونَ مُؤْمِنٍ فِي قِتَالٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إلَّا عَلَى سَوَاءٍ وَعَدْلٍ بَيْنَهُمْ، وَإِنَّ كُلَّ غَازِيَةٍ غَزَتْ مَعَنَا يُعْقِبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَإِن الْمُؤمنِينَ يبيء بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِمَا نَالَ دِمَاءَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ عَلَى أَحْسَنِ هُدًى وَأَقْوَمِهِ، وَإِنَّهُ لَا يُجِيرُ مُشْرِكٌ مَالًا لقريش وَلَا نفسا، وَلَا يَحُولُ دُونَهُ عَلَى مُؤْمِنٍ، وَإِنَّهُ مَنْ اعْتَبَطَ [1] مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوَدٌ بِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى وَلِيُّ الْمَقْتُولِ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ كَافَّةٌ، وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ إلَّا قِيَامٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَقَرَّ بِمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، وَآمَنَ باللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، أَنْ يَنْصُرَ مُحْدِثًا وَلَا يُؤْوِيهِ، وَأَنَّهُ مَنْ نَصَرَهُ أَوْ آوَاهُ، فَإِنَّ عَلَيْهِ لَعْنَةَ اللَّهِ وَغَضَبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، وَإِنَّكُمْ مَهْمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ، فَإِنَّ مَرَدَّهُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ الْيَهُودَ يُنْفِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا مُحَارَبِينَ، وَإِنَّ يَهُودَ بَنِي عَوْفٍ أُمَّةٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ، وَلِلْمُسْلِمَيْنِ دِينُهُمْ، مَوَالِيهِمْ وَأَنْفُسُهُمْ، إلَّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ، فَإِنَّهُ لَا يُوتِغُ [2] إلَّا نَفْسَهُ، وَأَهْلَ بَيْتِهِ، وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي النَّجَّارِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي الْحَارِثِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي سَاعِدَةَ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي جُشَمٍ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي الْأَوْسِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، إلَّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ، فَإِنَّهُ لَا يُوتِغُ إلَّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ، وَإِنَّ جَفْنَةَ بَطْنٌ مِنْ ثَعْلَبَةَ كَأَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّ لِبَنِي الشَّطِيبَةِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، وَإِنَّ الْبِرَّ دُونَ الْإِثْمِ، وَإِنَّ مَوَالِيَ ثَعْلَبَةَ كَأَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّ بِطَانَةَ [3] يَهُودَ كَأَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّهُ لَا يَخْرَجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّهُ لَا يُنْحَجَزُ عَلَى ثَأْرٍ جُرْحٌ، وَإِنَّهُ مَنْ فَتَكَ فَبِنَفْسِهِ فَتَكَ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ، إلَّا مِنْ ظَلَمَ، وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى أَبَرِّ هَذَا [4] ، وَإِنَّ عَلَى الْيَهُودِ نَفَقَتَهُمْ

_ [1] اعتبطه: أَي قَتله بِلَا جِنَايَة مِنْهُ توجب قَتله. [2] يوتغ: يهْلك. [3] بطانة الرجل: خاصته وَأهل بَيته. [4] على أبر هَذَا: أَي على الرِّضَا بِهِ.

المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ نَفَقَتَهُمْ، وَإِنَّ بَيْنَهُمْ النَّصْرَ عَلَى مَنْ حَارَبَ أَهْلَ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، وَإِنَّ بَيْنَهُمْ النُّصْحَ وَالنَّصِيحَةَ، وَالْبِرَّ دُونَ الْإِثْمِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَأْثَمْ امْرُؤٌ بِحَلِيفِهِ، وَإِنَّ النَّصْرَ لِلْمَظْلُومِ، وَإِنَّ الْيَهُودَ يُنْفِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا مُحَارَبِينَ، وَإِنَّ يَثْرِبَ حَرَامٌ جَوْفُهَا لِأَهْلِ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، وَإِنَّ الْجَارَ كَالنَّفْسِ غَيْرَ مُضَارٍّ وَلَا آثِمٌ، وَإِنَّهُ لَا تُجَارُ حُرْمَةٌ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهَا، وَإِنَّهُ مَا كَانَ بَيْنَ أَهْلِ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ مِنْ حَدَثٍ أَوْ اشْتِجَارٍ يُخَافُ فَسَادُهُ، فَإِنَّ مَرَدَّهُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى أَتْقَى مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ وَأَبَرِّهِ [1] ، وَإِنَّهُ لَا تُجَارُ قُرَيْشٌ وَلَا مَنْ نَصَرَهَا، وَإِنَّ بَيْنَهُمْ النَّصْرَ عَلَى مَنْ دَهَمَ يَثْرِبَ، وَإِذَا دُعُوا إلَى صُلْحٍ يُصَالِحُونَهُ وَيَلْبَسُونَهُ، فَإِنَّهُمْ يُصَالِحُونَهُ وَيَلْبَسُونَهُ، وَإِنَّهُمْ إذَا دُعُوا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، إلَّا مَنْ حَارَبَ فِي الدِّينِ، عَلَى كُلِّ أُنَاسٍ حِصَّتُهُمْ مِنْ جَانِبِهِمْ الَّذِي قِبَلَهُمْ، وَإِنَّ يَهُودَ الْأَوْسِ، مَوَالِيَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ، عَلَى مِثْلِ مَا لِأَهْلِ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. مَعَ الْبِرِّ الْمَحْضِ؟ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: مَعَ الْبِرِّ الْمُحْسِنُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. [2] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِنَّ الْبِرَّ دُونَ الْإِثْمِ، لَا يَكْسِبُ كَاسِبٌ إلَّا عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى أَصْدَقِ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ وَأَبَرِّهِ، وَإِنَّهُ لَا يَحُولُ هَذَا الْكِتَابُ دُونَ ظَالِمٍ وَآثِمٍ، وَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ آمِنٌ، وَمَنْ قَعَدَ آمِنٌ بِالْمَدِينَةِ، إلَّا مَنْ ظَلَمَ أَوْ أَثِمَ، وَإِنَّ اللَّهَ جَارٌ لِمَنْ بَرَّ وَاتَّقَى، وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [3] . الْمُؤَاخَاةُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ (مَنْ آخَى بَيْنَهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ

_ [1] أَي أَن الله وَحزبه الْمُؤمنِينَ على الرِّضَا بِهِ. [2] فِي م، ر: «الْحسن» . [3] يُقَال: إِن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب هَذَا الْكتاب قبل أَن تفرض الْجِزْيَة، وَإِذ كَانَ الْإِسْلَام ضَعِيفا، وَكَانَ للْيَهُود إِذْ ذَاك نصيب فِي الْمغنم إِذا قَاتلُوا مَعَ الْمُسلمين، كَمَا شَرط عَلَيْهِم فِي هَذَا الْكتاب النَّفَقَة مَعَهم فِي الحروب. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .

وَالْأَنْصَارِ، فَقَالَ- فِيمَا بَلَغَنَا، وَنَعُوذُ باللَّه أَنْ نَقُولَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُقَلْ-: تَآخَوْا فِي اللَّهِ أَخَوَيْنِ أَخَوَيْنِ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: هَذَا أَخِي [1] . فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ، وَإِمَامَ الْمُتَّقِينَ، وَرَسُولَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الَّذِي لَيْسَ لَهُ خَطِيرٌ [2] وَلَا نَظِيرٌ مِنْ الْعِبَادِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَخَوَيْنِ، وَكَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَسَدُ اللَّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخَوَيْنِ، وَإِلَيْهِ أَوْصَى حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُدٍ حَيْنَ حَضَرَهُ الْقِتَالُ إنْ حَدَثَ بِهِ حَادِثُ الْمَوْتِ، وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ذُو الْجَنَاحَيْنِ، الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ، وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، أَخَوَيْنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمئِذٍ غَائِبًا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، وَخَارِجَةُ بْنُ زُهَيْرٍ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، أَخَوَيْنِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ أَخَوَيْنِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ النُّعْمَانِ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، أَخَوَيْنِ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسَعْدُ ابْن الرَّبِيعِ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، أَخَوَيْنِ. وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَسَلَامَةُ ابْن سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، أَخَوَيْنِ. وَيُقَالُ: بَلْ الزُّبَيْرُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، حَلِيفُ، بَنِي زُهْرَةَ، أَخَوَيْنِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَأَوْسُ ابْن ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ، أَخُو بَنِي النَّجَّارِ، أَخَوَيْنِ. وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَكَعْبُ ابْن مَالِكٍ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، أَخَوَيْنِ. وَسَعْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وأُبَيُّ

_ [1] قَالَ السهيليّ: «آخى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَين أَصْحَابه حِين نزلُوا بِالْمَدِينَةِ، ليذْهب عَنْهُم وَحْشَة الغربة، ويؤنسهم من مُفَارقَة الْأَهْل وَالْعشيرَة، ويشد أزر بَعضهم بِبَعْض. فَلَمَّا عز الْإِسْلَام، وَاجْتمعَ الشمل، وَذَهَبت الوحشة، أنزل الله سُبْحَانَهُ: «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ الله 8: 75» : أعنى فِي الْمِيرَاث. ثمَّ جعل الْمُؤمنِينَ كلهم إخْوَة فَقَالَ: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ 49: 10» : يعْنى فِي التوادد، وشمول الدعْوَة. [2] الخطير: النظير والمثل.

ابْن كَعْبٍ، أَخُو بَنِي النَّجَّارِ: أَخَوَيْنِ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ، وَأَبُو أَيُّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ، أَخُو بَنِي النَّجَّارِ: أَخَوَيْنِ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ: أَخَوَيْنِ. وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، أَخُو بَنِي عَبْدِ عَبْسٍ، حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ: أَخَوَيْنِ. وَيُقَالُ: ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، خَطِيبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: أَخَوَيْنِ. وَأَبُو ذَرٍّ، وَهُوَ بُرَيْرُ بْنُ جُنَادَةَ الْغِفَارِيُّ، الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، الْمُعْنِقُ [1] لِيَمُوتَ، أَخُو بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ: أَخَوَيْنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَسَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: أَبُو ذَرٍّ: جُنْدَبُ [2] ابْن جُنَادَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ [3] ، حَلِيفُ بَنِي أَسَدِ [4] بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، أَخَوَيْنِ، وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، عُوَيْمِرُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، أَخَوَيْنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عُوَيْمِرُ بْنُ عَامِرٍ، وَيُقَالُ: عُوَيْمِرُ بْنُ زَيْدٍ [5] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبِلَالٌ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو رُوَيْحَةَ [6] ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخَثْعَمِيُّ، ثُمَّ أَحَدُ

_ [1] أَي أَن الْمنية أسرعت بِهِ وساقته للْمَوْت. [2] هَذَا هُوَ الْأَكْثَر وَالأَصَح. وَفِي اسْمه خلاف كثير. [3] اسْم أَبى بلتعة: عَمْرو بن أَشد بن معَاذ. والبلتعة، من قَوْلهم: تبتلع الرجل: إِذا تظرف. [4] وَيُقَال: إِنَّه لم يكن حليفا لبني أَسد، بل كَانَ عبدا لِعبيد الله بن حميد بن زُهَيْر بن أَسد بن عبد الْعُزَّى، كَمَا قيل إِنَّه كَانَ من مذْحج، وَالْأَشْهر أَنه من لخم بن عدي. (رَاجع الرَّوْض) . [5] وَقيل: هُوَ عُوَيْمِر بن مَالك بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن قيس بن أُميَّة، من بلحارث بن الْخَزْرَج، وَأمه محبَّة بنت وَاقد بن عَمْرو بن الإطنابة، وَامْرَأَته أم الدَّرْدَاء، اسْمهَا خيرة بنت أَبى حدرة. وَقد مَاتَ أَبُو الدَّرْدَاء بِدِمَشْق سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَقيل سنة أَربع وَثَلَاثِينَ. [6] ويروى أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عقد لأبى رويحة هَذَا لِوَاء عَام الْفَتْح، وَأمره أَن يُنَادى: من دخل تَحت لِوَاء أَبى رويحة فَهُوَ آمن.

(بلال يوصى بديوانه لأبى رويحة) :

الْفَزَعِ [1] ، أَخَوَيْنِ. فَهَؤُلَاءِ مَنْ سُمِّيَ لَنَا، مِمَّنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِ. (بِلَالٌ يُوصِي بِدِيوَانِهِ لِأَبِي رُوَيْحَةَ) : فَلَمَّا دَوَّنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الدَّوَاوِينَ بِالشَّامِ، وَكَانَ بِلَالٌ قَدْ خَرَجَ إلَى الشَّامِ، فَأَقَامَ بِهَا مُجَاهِدًا، فَقَالَ عُمَرُ لِبِلَالٍ: إلَى مَنْ تَجْعَلُ دِيوَانَكَ يَا بِلَالُ؟ قَالَ: مَعَ أَبِي رُوَيْحَةَ، لَا أُفَارِقُهُ أَبَدًا، لِلْأُخُوَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَدَ بَيْنَهُ وَبَيْنِي، فَضَمَّ إلَيْهِ، وَضُمَّ دِيوَانُ الْحَبَشَةِ إلَى خَثْعَمَ، لِمَكَانِ بِلَالٍ مِنْهُمْ، فَهُوَ فِي خَثْعَمَ إلَى هَذَا الْيَوْمِ بِالشَّامِ. أَبُو أُمَامَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهَلَكَ فِي تِلْكَ الْأَشْهُرِ أَبُو أُمَامَةَ، أَسَعْدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَالْمَسْجِدُ يُبْنَى، أَخَذَتْهُ الذِّبْحَةُ أَوْ الشَّهْقَةُ. (مَوْتُهُ وَمَا قَالَهُ الْيَهُودُ فِي ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: بِئْسَ الْمَيِّتُ أَبُو أُمَامَةَ، لَيَهُودُ وَمُنَافِقِي الْعَرَبِ يَقُولُونَ: لَوْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ يَمُتْ صَاحِبُهُ، وَلَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي وَلَا لِصَاحِبِي مِنْ اللَّهِ شَيْئًا. (بِمَوْتِهِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقِيبًا لِبَنِي النَّجَّارِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ: أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ أَبُو أُمَامَةَ، أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، اجْتَمَعَتْ بَنُو النَّجَّارِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَبُو أُمَامَةَ نَقِيبَهُمْ، فَقَالُوا لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ هَذَا قَدْ كَانَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ، فَاجْعَلْ مِنَّا رَجُلًا مَكَانَهُ يُقِيمُ مِنْ أَمْرِنَا مَا كَانَ يُقِيمُ، فَقَالَ

_ [1] الْفَزع (هَذَا) : بِفَتْح الزاى، وينتهى نسبه إِلَى خثعم، وَأما الْفَزع (بسكونها) فَهُوَ الْفَزع بن عبد الله بن ربيعَة، وَكَذَلِكَ الْفَزع فِي خُزَاعَة وَفِي كلب. (رَاجع مؤتلف الْقَبَائِل ومختلفها لِابْنِ حبيب، وَالرَّوْض الْأنف) .

خبر الأذان

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ: أَنْتُمْ أَخْوَالِي، وَأَنَا بِمَا فِيكُمْ، وَأَنَا نَقِيبُكُمْ، وَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخُصَّ بِهَا بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ. فَكَانَ مِنْ فَضْلِ بَنِي النَّجَّارِ الَّذِي يَعُدُّونَ عَلَى قَوْمِهِمْ، أَنْ كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نقيبهم. خبر الْأَذَان (التَّفْكِيرُ فِي اتِّخَاذِ بُوقٍ أَوْ نَاقُوسٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، وَاجْتَمَعَ إلَيْهِ إخْوَانُهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، وَاجْتَمَعَ أَمْرُ الْأَنْصَارِ، اسْتَحْكَمَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ، فَقَامَتْ الصَّلَاةُ، وَفُرِضَتْ الزَّكَاةُ وَالصِّيَامُ، وَقَامَتْ الْحُدُودُ، وَفُرِضَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَتَبَوَّأَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ هُمْ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ. وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْنَ قَدِمَهَا إنَّمَا يَجْتَمِعُ النَّاسُ إلَيْهِ لِلصَّلَاةِ لِحِينِ مَوَاقِيتِهَا، بِغَيْرِ دَعْوَةٍ، فَهَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْنَ قَدِمَهَا أَنْ يَجْعَلَ بُوقًا كَبُوقِ يَهُودَ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِهِ لِصَلَاتِهِمْ، ثُمَّ كَرِهَهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِالنَّاقُوسِ، فَنُحِتَ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلْمُسْلِمَيْنِ لِلصَّلَاةِ. (رُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي الْأَذَانِ) : فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، إذْ رَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، النِّدَاءَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُ طَافَ بِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ طَائِفٌ: مَرَّ بِي رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَتَبِيعُ هَذَا النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيِّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيِّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيِّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيِّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ.

(تعليم بلال الأذان) :

(تَعْلِيمُ بِلَالٍ الْأَذَانَ) : فَلَمَّا أَخْبَرَ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٍّ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِهَا عَلَيْهِ، فَلْيُؤَذِّنْ بِهَا، فَإِنَّهُ أَنْدَى [1] صَوْتًا مِنْكَ. فَلَمَّا أَذَّنَ بِهَا بِلَالٌ سَمِعَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ. (رُؤْيَا عُمَرُ فِي الْأَذَانِ، وَسَبْقُ الْوَحْيِ بِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: ائْتَمَرَ [2] النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ بِالنَّاقُوسِ لِلِاجْتِمَاعِ لِلصَّلَاةِ، فَبَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ خَشَبَتَيْنِ لِلنَّاقُوسِ، إذْ رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْمَنَامِ: لَا تَجْعَلُوا النَّاقُوسَ، بَلْ أَذِّنُوا لِلصَّلَاةِ. فَذَهَبَ عُمَرُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخْبِرَهُ بِاَلَّذِي رَأَى، وَقَدْ جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ بِذَلِكَ، فَمَا رَاعَ عُمَرُ إلَّا بِلَالٌ يُؤَذِّنُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْنَ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ: قَدْ سَبَقَكَ بِذَلِكَ الْوَحْيُ. (مَا كَانَ يَقُولُهُ بِلَالٌ قَبْلَ الْأَذَانِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، قَالَتْ: كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، فَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ عَلَيْهِ لِلْفَجْرِ كُلَّ غَدَاةٍ، فَيَأْتِي بِسَحَرٍ، فَيَجْلِسُ عَلَى الْبَيْتِ يَنْتَظِرُ الْفَجْرَ، فَإِذَا رَآهُ تَمَطَّى، ثُمَّ قَالَ: اللَّهمّ إنِّي أَحَمْدُكَ وَأَسْتَعِينُكَ عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ يُقِيمُوا عَلَى دِينِكَ. قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا عَلِمْتُهُ كَانَ يَتْرُكُهَا لَيْلَةً وَاحِدَةً.

_ [1] اندى: أنفذ وَأبْعد. [2] ائتمر: تشَاور.

أبو قيس بن أبى أنس

أَبُو قَيْسِ بْنُ أَبِي أَنَسٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا اطْمَأَنَّتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارُهُ، وَأَظْهَرَ اللَّهُ بِهَا دِينَهُ، وَسَرَّهُ بِمَا جَمَعَ إلَيْهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ، قَالَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ، أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ. (نَسَبُهُ) : - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو قَيْسٍ، صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسِ بْنِ صِرْمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ. (إِسْلَامُهُ وَشَيْءٌ مِنْ شِعْرِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَجُلًا قَدْ تَرَهَّبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَبِسَ الْمُسُوحَ، وَفَارَقَ الْأَوْثَانَ، وَاغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَتَطَهَّرَ مِنْ الْحَائِضِ مِنْ النِّسَاءِ، وَهَمَّ بِالنَّصْرَانِيَّةِ، ثُمَّ أَمْسَكَ عَنْهَا، وَدَخَلَ بَيْتًا لَهُ، فَاِتَّخَذَهُ مَسْجِدًا لَا تَدْخُلُهُ عَلَيْهِ فِيهِ طَامِثٌ وَلَا جُنُبٌ، وَقَالَ: أَعْبُدُ رَبَّ إبْرَاهِيمَ، حَيْنَ فَارَقَ الْأَوْثَانَ وَكَرِهَهَا، حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَكَانَ قَوَّالًا بِالْحَقِّ مُعَظِّمًا للَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي جَاهِلِيَّتِهِ، يَقُولُ أَشْعَارًا فِي ذَلِكَ حِسَانًا- وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: يَقُولُ أَبُو قَيْسٍ وَأَصْبَحَ غَادِيًا: ... أَلَا مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ وَصَاتَى فَافْعَلُوا فَأُوصِيكُمْ باللَّه وَالْبِرِّ وَالتُّقَى ... وَأَعْرَاضِكُمْ، وَالْبِرُّ باللَّه أَوَّلُ وَإِنْ قَوْمُكُمْ سَادُوا فَلَا تَحْسُدُنَّهُمْ ... وَإِنْ كُنْتُم أهل الرِّئَاسَة فَاعْدِلُوا وَإِنْ نَزَلَتْ إحْدَى الدَّوَاهِي بِقَوْمِكُمْ ... فَأَنْفُسَكُمْ دُونَ الْعَشِيرَةِ فَاجْعَلُوا وَإِنْ نَابَ غُرْمٌ فَادِحٌ فَارْفُقُوهُمْ ... وَمَا حَمَّلُوكُمْ فِي الْمُلِمَّاتِ فَاحْمِلُوا [1] وَإِنْ أَنْتُمْ أَمْعَرْتُمْ [2] فَتَعَفَّفُوا ... وَإِنْ كَانَ فَضْلُ الْخَيْرِ فِيكُمْ فَأَفْضِلُوا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: وَإِنْ نَابَ أَمْرٌ فَادِحٌ فَارْفِدُوهُمْ

_ [1] الفادح: المثقل، يُقَال: فدحه الْأَمر: إِذا أثقله. والملمات: النَّوَازِل. [2] أمعرتم: افتقرتم. ويروى: «أمعزتم» بالزاي. وأمعزتم: أَي أَصَابَتْكُم شدَّة.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةَ أَيْضًا: سَبِّحُوا اللَّهَ شَرْقَ كُلِّ صَبَاحٍ ... طَلَعَتْ شَمْسُهُ وَكُلِّ هِلَالِ [1] عَالِمَ السِّرِّ وَالْبَيَانِ لَدَيْنَا ... لَيْسَ مَا قَالَ رَبُّنَا بِضَلَالِ وَلَهُ الطَّيْرُ تَسْتَرِيدُ وَتَأْوِي ... فِي وُكُورٍ مِنْ آمِنَاتِ الْجِبَالِ [2] وَلَهُ الْوَحْشُ بِالْفَلَاةِ تَرَاهَا ... فِي حِقَافٍ وَفِي ظِلَالِ الرِّمَالِ [3] وَلَهُ هَوَّدَتْ يَهُودُ وَدَانَتْ ... كُلَّ دِينٍ إذَا ذَكَرْتَ عُضَالِ [4] وَلَهُ شَمَّسَ النَّصَارَى وَقَامُوا ... كُلَّ عِيدٍ لِرَبِّهِمْ وَاحْتِفَالِ [5] وَلَهُ الرَّاهِبُ الْحَبِيسُ تَرَاهُ ... رَهْنَ بُوْسٍ وَكَانَ نَاعِمَ بَالِ [6] يَا بَنِيَّ الْأَرْحَامَ لَا تَقْطَعُوهَا ... وَصِلُوهَا قَصِيرَةً مِنْ طِوَالِ [7] وَاتَّقُوا اللَّهَ فِي ضِعَافِ الْيَتَامَى ... رُبَّمَا يُسْتَحَلُّ غَيْرُ الْحَلَالِ وَاعْلَمُوا أَنَّ لِلْيَتِيمِ وَلِيًّا ... عَالِمًا يَهْتَدِي بِغَيْرِ السُّؤَالِ ثُمَّ مَالَ الْيَتِيمِ لَا تَأْكُلُوهُ ... إنَّ مَالَ الْيَتِيمِ يَرْعَاهُ وَالِي يَا بَنِيَّ، التُّخُومَ لَا تَخْزِلُوهَا ... إنَّ خَزْلَ التُّخُومِ ذُو عُقَّالِ [8] يَا بَنِيَّ الْأَيَّامَ لَا تَأْمَنُوهَا ... وَاحْذَرُوا مَكْرَهَا وَمَرَّ اللَّيَالِي

_ [1] الشرق هُنَا: طُلُوع الشَّمْس، أَو الضَّوْء. [2] تستريد: تذْهب وَترجع. والوكور: جمع وكر، وَهُوَ عش الطَّائِر. [3] الحقاف: جمع حقف، وَهُوَ الكدس المستدير من الرمل. [4] هودت: أَي ثَابت وَرجعت. [5] شمس: نعْبد. [6] الحبيس: الّذي حبس نَفسه عَن اللَّذَّات. [7] صلوها قَصِيرَة من طوال: أَي صلوا قصرهَا من طولكم، أَي كونُوا أَنْتُم طوَالًا بالصلة وَالْبر إِن قصرت هِيَ. وَفِي الحَدِيث: «أَسْرَعكُنَّ لُحُوقا بى أَطْوَلكُنَّ يدا» أَرَادَ الطول بِالصَّدَقَةِ وَالْبر. أَو يُرِيد بهَا مدح قومه بِأَن أرحامهم قَصِيرَة النّسَب، وَلكنهَا من قوم طوال، كَمَا قَالَ: أحب من النسوان كل طَوِيلَة ... لَهَا نسب فِي الصَّالِحين قصير وَالنّسب الْقصير، أَن تَقول: أَنا ابْن فلَان، فَيعرف، وَتلك صفة الْأَشْرَاف، وَمن لَيْسَ بشريف لَا يعرف حَتَّى تأتى بِنِسْبَة طَوِيلَة يبلغ بهَا رَأس الْقَبِيلَة. [8] التخوم: الْحُدُود بَين الْأَرْضين. وتخزلوها: تقطعوها. والعقال: مَا يمْنَع الرجل من الْمَشْي ويعقلها، يُرِيد أَن الظُّلم يخلف صَاحبه ويعقله عَن السباق.

وَاعْلَمُوا أَنَّ مرّها لنفاد ... الْخلق مَا كَانَ مِنْ جَدِيدٍ وَبَالِي وَاجْمَعُوا أَمْرَكُمْ على البرّ والتّقوى ... وَتَرْكِ الْخَنَا وَأَخْذِ الْحَلَالِ وَقَالَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ أَيْضًا، يَذْكُرُ مَا أَكْرَمَهُمْ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَمَا خَصَّهُمْ اللَّهُ بِهِ مِنْ نُزُولِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ: ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ حِجَّةً ... يُذَكِّرُ لَوْ يَلْقَى صَدِيقًا مُوَاتِيَا [1] وَيَعْرِضُ فِي أَهْلِ الْمَوَاسِمِ نَفْسَهُ ... فَلَمْ ير من يؤوى وَلَمْ يَرَ دَاعِيَا فَلَمَّا أَتَانَا أَظْهَرَ اللَّهُ دِينَهُ ... فَأَصْبَحَ مَسْرُورًا بطِيبةَ رَاضِيَا وَأَلْفَى صِدِّيقًا وَاطْمَأَنَّتْ بِهِ النَّوَى ... وَكَانَ لَهُ عَوْنًا مِنْ اللَّهِ بَادِيَا يَقُصُّ لَنَا مَا قَالَ نُوحٌ لِقَوْمِهِ ... وَمَا قَالَ مُوسَى إذْ أَجَابَ الْمُنَادِيَا فَأَصْبَحَ لَا يَخْشَى مِنْ النَّاسِ وَاحِدًا ... قَرِيبًا وَلَا يَخْشَى مِنْ النَّاسِ نَائِيَا [2] بَذَلْنَا لَهُ الْأَمْوَالَ مِنْ حِلِّ [3] مَالِنَا ... وَأَنْفُسَنَا عِنْدَ الْوَغَى والتَّآسِيا [4] وَنَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... وَنَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ أَفْضَلُ هَادِيَا نُعَادِي الَّذِي عَادَى مِنْ النَّاسِ كلِّهُمْ ... جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ الْحَبِيبَ الْمُصَافِيَا أَقُولُ إذَا أَدْعُوكَ فِي كُلِّ بَيْعَةٍ: ... تَبَارَكْتَ قَدْ أَكْثَرْتُ لِاسْمِكَ دَاعِيَا [5] أَقُولُ إذَا جَاوَزْتُ أَرْضًا مَخُوفَةً ... حَنانَيْكَ لَا تُظْهِرْ عَلَيَّ الْأَعَادِيَا [6] فَطَأْ مُعْرِضًا إنَّ الْحُتُوفَ كَثِيرَةٌ ... وَإِنَّكَ لَا تُبْقِي لنَفسك [7] بَاقِيا [8] فو الله مَا يَدْرِي الْفَتَى كَيْفَ يَتَّقِي ... إذَا هُوَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ اللَّهُ وَاقِيَا وَلَا تَحْفِلُ النَّخْلُ الْمُعِيمَةُ رَبَّهَا ... إذَا أَصبَحت ريّا وأصبحت ثَاوِيَا [9]

_ [1] ثوى: أَقَامَ. ومواتيا: مُوَافقا. [2] نَائِيا: بَعيدا. [3] فِي أ: «جلّ» . [4] الوغى: الْحَرْب. والتآسي: التعاون. [5] يُرِيد «بالبيعة» : الْمَسْجِد. وَهِي فِي الأَصْل: متعبد النَّصَارَى. [6] حنانيك: أَي تحننا بعد تَحَنن، والتحنن: الرأفة وَالرَّحْمَة. [7] فِي أ: «بِنَفْسِك» . [8] فطأ معرضًا: أَي متسعا. والحتوف: أَسبَاب الْمَوْت وأنواعه. [9] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والمعيمة: العاطشة. وَفِي أ: «المقيمة» وريا: مروية. وثاويا: مُقيما. ويروى: «تاويا» : أَي هَالكا.

الأعداء من يهود

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْبَيْتُ الَّذِي أَوَّلُهُ: فَطَأْ مُعْرِضًا إنَّ الْحُتُوفَ كَثِيرَةٌ وَالْبَيْتُ الّذي يَلِيهِ: فو الله مَا يَدْرِي الْفَتَى كَيْفَ يَتَّقِي لِأَفْنُونَ [1] التَّغْلِبِيِّ، وَهُوَ صُرَيْمُ بْنُ مَعْشَرٍ، فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. الْأَعْدَاءُ مِنْ يَهُودَ (سَبَب عداوتهم للْمُسلمين) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَنَصَبَتْ عِنْدَ ذَلِكَ أَحْبَارُ يَهُودَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَدَاوَةَ، بَغْيًا وَحَسَدًا وَضِغْنًا، لِمَا خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْعَرَبَ مِنْ أَخْذِهِ رَسُولَهُ مِنْهُمْ، وَانْضَافَ إلَيْهِمْ رِجَالٌ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، مِمَّنْ كَانَ عَسِيَ [2] عَلَى جَاهِلِيَّتِهِ فَكَانُوا أَهْلَ نِفَاقٍ عَلَى دِينِ آبَائِهِمْ مِنْ الشِّرْكِ وَالتَّكْذِيبِ بِالْبَعْثِ، إلَّا أَنَّ الْإِسْلَامَ قَهَرَهُمْ بِظُهُورِهِ وَاجْتِمَاعِ قَوْمِهِمْ عَلَيْهِ، فَظَهَرُوا بِالْإِسْلَامِ، وَاِتَّخَذُوهُ جُنَّةً مِنْ الْقَتْلِ وَنَافَقُوا فِي السِّرِّ، وَكَانَ هَوَاهُمْ مَعَ يَهُودَ، لِتَكْذِيبِهِمْ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجُحُودِهِمْ الْإِسْلَامَ. وَكَانَتْ أَحْبَارُ يَهُودَ هُمْ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَعَنَّتُونَهُ [3] ، وَيَأْتُونَهُ بِاللَّبْسِ، لِيَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، فَكَانَ الْقُرْآنُ يَنْزِلُ فِيهِمْ فِيمَا يَسْأَلُونَ عَنْهُ، إلَّا قَلِيلًا مِنْ الْمَسَائِلِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسْأَلُونَ عَنْهَا.

_ [1] وَسبب قَول أفنون لهذين الْبَيْتَيْنِ أَنه خرج فِي ركب فَمروا بِرَبْوَةٍ تعرف بالإلهة، وَكَانَ الكاهن قبل ذَلِك قد حَدثهُ أَنه يَمُوت بهَا، فَمر بهَا فِي ذَلِك الركب، فَلَمَّا أشرفوا عَلَيْهَا وَأعلم باسمها كره الْمُرُور بهَا، وأبى أَصْحَابه إِلَّا أَن يمروا بهَا، وَقَالُوا لَهُ: لَا تنزل عِنْدهَا، وَلَكِن تجوزها سعيا، فَلَمَّا دنا مِنْهَا بَركت نَاقَته على حَيَّة، فَنزل لينْظر، فنهشته الْحَيَّة فَمَاتَ، فقبره هُنَالك. وَعند مَا أحس الْمَوْت، قَالَ هذَيْن الْبَيْتَيْنِ، وبعدهما: كفى حزنا أَن يرحل الركب غدْوَة ... وأترك فِي جنب الإلهة ثاويا [2] عَسى: أَي بَقِي. [3] يتعنتونه: يشقون عَلَيْهِ. 33- سيرة ابْن هِشَام- 1

(الأعداء من بنى النضير) :

(الْأَعْدَاءُ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ) : مِنْهُمْ: حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَأَخَوَاهُ أَبُو يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ، وَجُدَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَسَلَّامُ بْنُ مُشْكِمٍ، وَكِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَسَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ [1] ، أَبُو رَافِعٍ الْأَعْوَرُ، وَهُوَ الَّذِي قَتَلَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرٍ- وَالرَّبِيعُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَعَمْرُو بْنُ جَحَّاشٍ، وَكَعْبُ ابْن الْأَشْرَفِ، وَهُوَ مِنْ طيِّئ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي نَبْهَانَ، وَأُمُّهُ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ عَمْرٍو، حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَكَرْدَمُ بْنُ قَيْسٍ، حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، فَهَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ. (مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ) : وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ ابْنُ الفِطْيَوْنِ [2] : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَّا [3] الْأَعْوَرُ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْحِجَازِ فِي زَمَانِهِ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِالتَّوْرَاةِ مِنْهُ، وَابْنُ صَلُوبا، وَمُخَيْرِيقٌ، وَكَانَ حَبْرَهُمْ، أَسْلَمَ. (مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ) : وَمِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ: زَيْدُ بْنُ اللَّصِيتِ- وَيُقَالُ: ابْنُ اللُّصَيتِ [4]- فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَسَعْدُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَمَحْمُودُ بْنُ سَيْحَانَ، وَعُزَيْزُ بْنُ أَبِي عُزَيْزٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَيْفٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: ابْنُ ضَيْفٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسُوَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ، وَرِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ، وَفِنْحَاصُ، وَأَشْيَعُ، وَنُعْمَانُ بْنُ أضَا، وَبَحْرِيُّ بْنُ عَمْرٍو، وَشَأْسُ بْنُ عَدِيٍّ، وَشَأْسُ ابْن قَيْسٍ، وَزَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ، وَنُعْمَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَسُكَيْنُ بْنُ أَبِي سُكَيْنٍ، وَعَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ، وَنُعْمَانُ بْنُ أَبِي أَوْفَى، أَبُو أَنَسٍ، وَمَحْمُودُ بْنُ دَحْيَةَ، وَمَالِكُ ابْن صَيْفٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: ابْنُ ضَيْفٍ.

_ [1] وزادت أ. بعد هَذِه الْكَلِمَة وَقبل قَوْله: «أَبُو رَافع» : «وَأَخُوهُ سَلام بن الرّبيع. قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَهُوَ» . [2] قَالَ السهيليّ: «الفطيون: كلمة عبرانية، وَهِي تطلق على كل من ولى أَمر الْيَهُود وملكهم» . [3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ «صورى» ، وَهُوَ تَحْرِيف. (رَاجع الْقَامُوس مَادَّة صور) . [4] فِي أهنا: «اللصيب» فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَقد ضبطا بالقلم فِيهَا على صِيغَة التصغير.

(من بنى قريظة) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَعْبُ بْنُ رَاشِدٍ، وَعَازِرٌ، وَرَافِعُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، وَخَالِدٌ وَأَزَارُ بْنُ أَبِي أَزَارٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: آزِرُ بْنُ آزِرُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَرَافِعُ بْنُ حَارِثَةَ، وَرَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ، وَرَافِعُ بْنُ خَارِجَةَ، وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ، وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامِ بْنِ الْحَارِثِ، وَكَانَ حَبْرَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ، وَكَانَ اسْمُهُ الْحُصَيْنُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ. فَهَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ. (مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ) : وَمِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ: الزُّبَيْرُ بْنُ بَاطَا بْنُ وَهْبٍ، وَعَزَّالُ بْنُ شَمْوِيلٍ [1] ، وَكَعْبُ ابْن أَسَدٍ، وَهُوَ صَاحِبُ عَقْدِ بَنِي قُرَيْظَةَ الَّذِي نُقِضَ عَامَ الْأَحْزَابِ، وَشَمْويِلُ بْنُ زَيْدٍ، وَجَبَلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُكَيْنَةَ، وَالنَّحَّامُ بْنُ زَيْدٍ، وَقَرْدَمُ بْنُ كَعْبٍ، وَوَهْبُ ابْن زَيْدٍ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نَافِعٍ، وَأَبُو نَافِعٍ، وَعَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ، وَكَرْدَمُ بْنُ زَيْدٍ، وَأُسَامَةُ بْنُ حَبِيبٍ، وَرَافِعُ بْنُ رُمَيْلَةَ، وَجَبَلُ بْنُ أَبِي قُشَيْرٍ، وَوَهْبُ بْنُ يَهُوذَا، فَهَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ. (مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ) : وَمِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ، وَهُوَ الَّذِي أَخَّذَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ [2] .

_ [1] كَذَا فِي أ، والطبري. وَفِي سَائِر الْأُصُول «سموال» . [2] أَخذ، من الأخذة، وَهِي ضرب من السحر. قَالَ السهيليّ: «وَهَذَا الحَدِيث مَشْهُور عِنْد النَّاس ثَابت عِنْد أهل الحَدِيث، غير أَنى لم أجد فِي الْكتب الْمَشْهُورَة كم لبث رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك السحر حَتَّى شفى مِنْهُ. ثمَّ وَقعت على الْبَيَان فِي جَامع معمر بن رَاشد. روى معمر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: سحر رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة، يخيل إِلَيْهِ أَنه يفعل الْفِعْل وَهُوَ لَا يَفْعَله. وَقد طعنت الْمُعْتَزلَة فِي هَذَا الحَدِيث، وَطَوَائِف من أهل الْبدع، وَقَالُوا: لَا يجوز على الْأَنْبِيَاء أَن يسحروا، وَلَو جَازَ أَن يسحروا لجَاز أَن يجنوا. وَنزع بَعضهم بقوله عز وَجل: وَالله يَعْصِمُكَ من النَّاسِ 5: 67. والْحَدِيث ثَابت خرجه أهل الصَّحِيح وَلَا مطْعن فِيهِ من جِهَة النَّقْل، وَلَا من جِهَة الْعقل، لِأَن الْعِصْمَة إِنَّمَا وَجَبت لَهُم فِي عُقُولهمْ وأديانهم وَأما أبدانهم فإنّهم يبتلون فِيهَا، ويخلص إِلَيْهِم بالجراحة وَالضَّرْب والسموم وَالْقَتْل. والأخذة الَّتِي أَخذهَا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هَذَا الْفَنّ إِنَّمَا كَانَت فِي بعض جوارحه دون بعض»

(من بنى حارثة) :

(مِنْ بَنِي حَارِثَةَ) : وَمِنْ يَهُودِ بَنِي حَارِثَةَ: كِنَانَةُ بْنُ صُورِيَّا. (مِنْ بَنِي عَمْرٍو) : وَمِنْ يَهُودِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: قَرْدَمُ بْنُ عَمْرٍو. (مِنْ بَنِي النَّجَّارِ) : وَمِنْ يَهُودِ بَنِي النَّجَّارِ: سِلْسِلَةُ بْنُ بَرْهَامَ. فَهَؤُلَاءِ أَحْبَارُ الْيَهُودِ، أَهْلُ الشُّرُورِ وَالْعَدَاوَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةِ، وَالنَّصْبُ لِأَمْرِ الْإِسْلَامِ الشُّرُورَ لِيُطْفِئُوهُ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ [1] وَمُخَيْرِيقٍ. إسْلَامُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ (كَيْفَ أَسْلَمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، كَمَا حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِهِ عَنْهُ وَعَنْ إسْلَامِهِ حَيْنَ أَسْلَمَ، وَكَانَ حَبْرًا عَالِمًا، قَالَ: لَمَّا سَمِعْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفْتُ صِفَتَهُ وَاسْمَهُ وَزَمَانَهُ الّذي كنّا تتوكّف [2] لَهُ، فَكُنْتُ مُسِرًّا لِذَلِكَ، صَامِتًا عَلَيْهِ، حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا نَزَلَ بقُباءٍ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، أَقْبَلَ رَجُلٌ حَتَّى أَخْبَرَ بِقُدُومِهِ، وَأَنَا فِي رَأْسِ نَخْلَةٍ لِي أَعَمَلُ فِيهَا، وعمتي خالدة بنت الْحَارِثِ تَحْتِي جَالِسَةٌ، فَلَمَّا سَمِعْتُ الْخَبَرَ بِقُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرْتُ، فَقَالَتْ لِي عَمَّتِي، حَيْنَ سَمِعَتْ تَكْبِيرِي: خَيَّبَكَ اللَّهُ، وَاَللَّهِ لَوْ كُنْتَ سَمِعْتَ بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ قَادِمًا مَا زِدْتَ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: أَيْ عَمَّةُ، هُوَ وَاَللَّهِ أَخُو مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَعَلَى دِينِهِ، بُعِثَ

_ [1] قَالَ السهيليّ: «سَلام، هُوَ بتَخْفِيف اللَّام، وَلَا يُوجد من اسْمه سَلام بِالتَّخْفِيفِ فِي الْمُسلمين، لِأَن السَّلَام من أَسمَاء الله، فَيُقَال: عبد السَّلَام. وَيُقَال: سَلام (بِالتَّشْدِيدِ) ، وَهُوَ كثير، وَإِنَّمَا سَلام (بِالتَّخْفِيفِ) فِي الْيَهُود، وَهُوَ وَالِد عبد الله بن سَلام» . [2] نتوكف: نترقب ونتوقع.

(قومه يكذبونه ولا يتبعونه) :

بِمَا بُعِثَ بِهِ. قَالَ: فَقَالَتْ: أَيْ ابْنَ أَخِي، أَهُوَ النَّبِيُّ الَّذِي كُنَّا نُخْبَرُ أَنَّهُ يُبْعَثُ مَعَ نَفْسِ السَّاعَةِ [1] ؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: نَعَمْ. قَالَ: فَقَالَتْ: فَذَاكَ إِذا. قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ إلَى أَهْلِ بَيْتِي، فَأَمَرْتُهُمْ فَأَسْلَمُوا. (قَوْمُهُ يُكَذِّبُونَهُ وَلَا يَتَّبِعُونَهُ) : قَالَ: وَكَتَمْتُ إسْلَامِي مِنْ يَهُودَ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ يَهُودَ قَوْمٌ بُهْتٌ [2] ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تُدْخِلَنِي فِي بَعْضِ بُيُوتِكَ، وَتُغَيِّبَنِي عَنْهُمْ، ثُمَّ تَسْأَلُهُمْ عَنِّي، حَتَّى يُخْبِرُوكَ كَيْفَ أَنَا فِيهِمْ، قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي، فَإِنَّهُمْ إنْ عَلِمُوا بِهِ بَهَتُونِي وَعَابُونِي. قَالَ: فَأَدْخَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ بُيُوتِهِ، وَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَكَلَّمُوهُ وَسَاءَلُوهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّ رَجُلٍ الْحُصَيْنُ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ؟ قَالُوا: سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَحَبْرُنَا وَعَالِمُنَا. قَالَ: فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ قَوْلِهِمْ خَرَجْتُ عَلَيْهِمْ، فَقُلْتُ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، اتَّقُوا اللَّهَ وَاقْبَلُوا مَا جَاءَكُم بِهِ، فو الله إنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ إنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ، تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ بِاسْمِهِ وَصِفَتِهِ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُومِنُ بِهِ وَأُصَدِّقُهُ وَأَعْرِفُهُ، فَقَالُوا: كَذَبْتَ ثُمَّ وَقَعُوا بِي، قَالَ: فَقُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَمْ أُخْبِرْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّهُمْ قَوْمٌ بُهْتٌ، أَهْلُ غَدْرٍ وَكَذِبٍ وَفُجُورٍ! قَالَ: فَأَظْهَرْتُ إسْلَامِي وَإِسْلَامُ أَهْلِ بَيْتِي، وَأَسْلَمَتْ عَمَّتِي خَالِدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، فَحَسُنَ إسْلَامُهَا.

_ [1] قَالَ السهيليّ: هَذَا الْكَلَام فِي معنى قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: إِنِّي لأجد نفس السَّاعَة بَين كَتِفي. وَفِي معنى قَوْله: نَذِير لكم بَين يَدي عَذَاب شَدِيد. وَمن كَانَ بَين يَدي طَالبه فَنَفْس الطَّالِب بَين كَتفيهِ. وَكَأن النَّفس فِي هَذَا الحَدِيث عبارَة عَن الْفِتَن المؤذنة بِقِيَام السَّاعَة، وَكَانَ بدؤها حِين ولى أمته ظَهره خَارِجا من بَين ظهرانيهم إِلَى الله تَعَالَى، أَلا ترَاهُ يَقُول فِي حَدِيث آخر: أَنا أَمَان لأمتى، فَإِذا ذهبت أَتَى أمتى مَا يوعدون. فَكَانَت بعده الْفِتْنَة ثمَّ الْهَرج الْمُتَّصِل بِيَوْم الْقِيَامَة. وَنَحْو من هَذَا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: «بعثت أَنا والساعة كهاتين» يعْنى السبابَة وَالْوُسْطَى. [2] البهت: الْبَاطِل.

حديث مخيريق

حَدِيثُ مُخَيْرِيقٍ (إِسْلَامُهُ وَمَوْتُهُ وَوُصَاتُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ مُخَيْرِيقٍ، وَكَانَ حَبْرًا عَالِمًا، وَكَانَ رَجُلًا غَنِيًّا كَثِيرَ الْأَمْوَالِ مِنْ النَّخْلِ، وَكَانَ يَعْرِفُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِفَتِهِ، وَمَا يَجِدُ فِي عِلْمِهِ، وَغَلَبَ عَلَيْهِ إلْفُ دِينِهِ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وَكَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ السَّبْتِ، قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، وَاَللَّهِ إنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّ نَصْرَ مُحَمَّدٍ عَلَيْكُمْ لَحَقٌّ. قَالُوا: إنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ السَّبْتِ، قَالَ: لَا سَبْتَ لَكُمْ. ثُمَّ أَخَذَ سِلَاحَهُ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُحُدٍ، وَعَهِدَ إلَى مَنْ وَرَاءَهُ مِنْ قَوْمِهِ: إنْ قُتِلْتُ هَذَا الْيَوْمَ، فَأَمْوَالِي لِمُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَصْنَعُ فِيهَا مَا أَرَاهُ اللَّهُ. فَلَمَّا اقْتَتَلَ النَّاسُ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي- يَقُولُ: مخيريق خير [1] يهود. وَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْوَالَهُ، فَعَامَّةُ صَدَقَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا. شَهَادَةٌ عَنْ صَفِيَّةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَحَبَّ وَلَدِ

_ [1] قَالَ السهيليّ: «ومخيريق مُسلم، وَلَا يجوز أَن يُقَال فِي مُسلم: هُوَ خير النَّصَارَى وَلَا خير الْيَهُود، لِأَن أفعل من كَذَا، إِذا أضيف فَهُوَ بعض مَا أضيف إِلَيْهِ. فَإِن قيل: وَكَيف جَازَ هَذَا؟ قُلْنَا: لِأَنَّهُ قَالَ: خير يهود، وَلم يقل: خير الْيَهُود. ويهود اسْم علم كثمود، يُقَال: إِنَّهُم نسبوا إِلَى يهوذ ابْن يَعْقُوب، ثمَّ عربت الذَّال دَالا. فَإِذا قلت الْيَهُود بِالْألف وَاللَّام، احْتمل وَجْهَيْن: النّسَب وَالدّين، الّذي هُوَ الْيَهُودِيَّة، أما النّسَب فعلى حد قَوْلهم التيم فِي التيميين، وَأما الدَّين، فعلى حد قَوْلك: النَّصَارَى وَالْمَجُوس، أعنى أَنَّهَا صفة لَا أَنَّهَا نسب إِلَى أَب. وَفِي الْقُرْآن لفظ ثَالِث لَا يتَصَوَّر فِيهِ إِلَّا معنى وَاحِد، وَهُوَ الدَّين دون النّسَب، وَهُوَ قَوْله سُبْحَانَهُ: وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى 2: 135 بِحَذْف الْيَاء، وَلم يقل: «كونُوا يهود» لِأَنَّهُ أَرَادَ التهود، وَهُوَ التدين بدينهم.

من اجتمع إلى يهود من منافقي الأنصار

أَبِي إلَيْهِ، وَإِلَى عَمِّي أَبِي يَاسِرٍ، لَمْ أَلْقَهُمَا قَطُّ مَعَ وَلَدٍ لَهُمَا إلَّا أَخَذَانِي دُونَهُ. قَالَتْ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَنَزَلَ قُبَاءَ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، غَدَا عَلَيْهِ أَبِي، حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَعَمِّي أَبُو يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ، مُغَلِّسَيْنِ. قَالَتْ: فَلَمْ يَرْجِعَا حَتَّى كَانَا مَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. قَالَتْ: فَأَتَيَا كَالَّيْنِ كَسْلَانَيْنِ سَاقِطَيْنِ يَمْشِيَانِ الْهُوَيْنَى. قَالَتْ: فَهَشِشْتُ إلَيْهِمَا كَمَا كنت أصنع، فو الله مَا الْتَفَتَ إلَيَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، مَعَ مَا بِهِمَا مِنْ الْغَمِّ. قَالَتْ: وَسَمِعْتُ عَمِّي أَبَا يَاسِرٍ، وَهُوَ يَقُولُ لِأَبِي حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاَللَّهِ، قَالَ: أَتَعْرِفُهُ وَتُثْبِتُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا فِي نَفْسِكَ مِنْهُ؟ قَالَ: عَدَاوَتُهُ وَاَللَّهِ مَا بَقِيتُ. مِنْ اجْتَمَعَ إلَى يَهُودَ مِنْ مُنَافِقِي الْأَنْصَارِ (مِنْ بَنِي عَمْرٍو) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمَّنْ انْضَافَ إلَى يَهُودَ، مِمَّنْ سُمِّيَ لَنَا مِنْ الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مِنْ الْأَوْسِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي لَوْذَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: زُوَيُّ بْنُ الْحَارِثِ. (من بنى حبيب) : وَمن بنى حبيب بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: جُلَاسُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ، وَأَخُوهُ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ. (شَيْءٌ عَنْ جُلَاسَ) : وَجُلَاسُ الَّذِي قَالَ- وَكَانَ مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ- لَئِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ صَادِقًا لَنَحْنُ شَرٌّ مِنْ الْحُمُرِ. فَرَفَعَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ، أَحَدُهُمْ، وَكَانَ فِي حِجْرِ جُلَاسَ، خَلَفَ جُلَاسَ عَلَى أُمِّهِ بَعْدَ أَبِيهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ: وَاَللَّهِ يَا جُلَاسُ، إنَّكَ لَأَحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ، وَأَحْسَنُهُمْ عِنْدِي يَدًا، وَأَعَزُّهُمْ عَلَيَّ أَنْ يُصِيبَهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ، وَلَقَدْ قُلْتَ مَقَالَةً لَئِنْ رَفَعْتُهَا عَلَيْكَ لَأَفْضَحَنَّكَ، وَلَئِنْ صَمَتُّ عَلَيْهَا

(شيء عن الحارث بن سويد) :

لَيَهْلِكَنَّ دِينِي، وَلَإِحْدَاهُمَا أَيْسَرُ عَلَيَّ مِنْ الْأُخْرَى. ثُمَّ مَشَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ لَهُ مَا قَالَ جُلَاسُ، فَحَلَفَ جُلَاسُ باللَّه لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ كَذَبَ عَلَيَّ عُمَيْرٌ، وَمَا قُلْتُ مَا قَالَ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا، وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ، وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا، وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ، وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ 9: 74. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَلِيمُ: الْمُوجِعُ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ إبِلًا: وَتَرْفَعُ مِنْ صُدُورِ شَمَرْدَلَاتٍ ... يَصُكُّ وُجُوهَهَا وَهَجٌ [1] أَلِيمُ [2] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمُوا أَنَّهُ تَابَ فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ، حَتَّى عُرِفَ مِنْهُ الْخَيْرُ وَالْإِسْلَامُ. (شَيْءٌ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ) : وَأَخُوهُ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ، الَّذِي قَتَلَ الْمُجَذَّرَ بْنَ ذِيَادٍ الْبَلَوِيَّ، وَقَيْسَ بْنَ زَيْدٍ، أَحَدَ بَنِي ضُبَيْعَةَ، يَوْمَ أُحُدٍ. خَرَجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مُنَافِقًا، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ عَدَا عَلَيْهِمَا، فَقَتَلَهُمَا ثُمَّ لَحِقَ بِقُرَيْشٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ الْمُجَذَّرُ بْنُ ذِيَادٍ قَتَلَ سُوَيْدَ بْنَ صَامِتٍ فِي بَعْضِ الْحُرُوبِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ طَلَبَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ غُرَّةَ الْمُجَذَّرِ بْنِ ذِيَادٍ، لِيَقْتُلهُ بِأَبِيهِ، فَقَتَلَهُ وَحْدَهُ، وَسَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ قَيْسَ بْنَ زَيْدٍ، أَنَّ ابْنَ إسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي قَتْلَى أُحُدٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ، قَتَلَ سُوَيْدَ بْنَ صَامِتٍ مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ غِيلَةً، فِي غَيْرِ حَرْبٍ، رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ قَبْلَ يَوْمِ بُعَاثٍ.

_ [1] الشمردلات (هُنَا) : الْإِبِل الطوَال. والوهج: شدَّة الْحر. [2] فِي لِسَان الْعَرَب (مَادَّة ألم) : «خدودها» .

(من بنى ضبيعة) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- قَدْ أَمَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِقَتْلِهِ إنْ هُوَ ظَفِرَ بِهِ، فَفَاتَهُ، فَكَانَ بِمَكَّةَ، ثُمَّ بَعَثَ إلَى أَخِيهِ جُلَاسَ يَطْلُبُ التَّوْبَةَ، لِيَرْجِعَ إلَى قَوْمِهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِ- فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ-: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ، وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ، وَالله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 3: 86 إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. (مِنْ بَنِي ضَبِيعَةَ) : وَمِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: بِجَادُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرٍ. (مِنْ بَنِي لَوْذَانَ) : وَمِنْ بَنِي لَوْذَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: نَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الشَّيْطَانِ، فَلْيَنْظُرْ إلَى نَبْتَلَ بْنِ الْحَارِثِ، وَكَانَ رَجُلًا جَسِيمًا أَذْلَمَ [1] ثَائِرَ [2] شَعْرِ الرَّأْسِ أَحْمَرَ. الْعَيْنَيْنِ أَسْفَعَ [3] الْخَدَّيْنِ وَكَانَ يَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَدَّثُ إلَيْهِ فَيَسْمَعُ مِنْهُ، ثُمَّ يَنْقُلُ حَدِيثَهُ إلَى الْمُنَافِقِينَ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ: إنَّمَا مُحَمَّدٌ أُذُنٌ، مَنْ حَدَّثَهُ شَيْئًا صَدَّقَهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ، قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ 9: 61. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ رِجَالِ بَلْعِجْلَانَ أَنَّهُ حُدِّثَ: أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السِّلَامُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ إنَّهُ يَجْلِسُ إلَيْكَ رَجُلٌ أَذْلَمُ، ثَائِرُ شَعْرِ الرَّأْسِ، أَسْفَعُ الْخَدَّيْنِ أَحْمَرُ الْعَيْنَيْنِ، كَأَنَّهُمَا قِدْرَانِ مِنْ صُفْرٍ، كَبِدُهُ

_ [1] الأذلم: الْأسود الطَّوِيل، وَيُقَال: هُوَ المسترخى الشفتين. [2] ثَائِر شعر الرَّأْس: أَي مُرْتَفعَة منتزه. [3] السفعة: حمرَة تضرب إِلَى السوَاد.

(من بنى ضبيعة) :

أَغْلَظُ مِنْ كَبِدِ الْحِمَارِ، يَنْقُلُ حَدِيثَكَ إلَى الْمُنَافِقِينَ، فَاحْذَرْهُ. وَكَانَتْ تِلْكَ صِفَّةُ نَبْتَلِ بْنِ الْحَارِثِ، فِيمَا يَذْكُرُونَ. (مِنْ بَنِي ضَبِيعَةَ) : وَمِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ [1] : أَبُو حَبِيبَةَ بْنُ الْأَزْعَرِ، وَكَانَ مِمَّنْ بَنَى مَسْجِدَ الضِّرَارِ وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ، وَمُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، وَهُمَا اللَّذَانِ عَاهَدَا اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ، إلَخْ الْقِصَّةِ. وَمُعَتِّبٌ الَّذِي قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ 3: 154 ... يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا 3: 154 إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. وَهُوَ الَّذِي قَالَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: كَانَ مُحَمَّدٌ يَعِدُنَا أَنْ نَأْكُلَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَأَحَدُنَا لَا يَأْمَنُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْغَائِطِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً 33: 12 وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ. (مُعَتِّبٌ وَابْنَا حَاطِبٍ بَدْرِيُّونَ وَلَيْسُوا مُنَافِقِينَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، وَثَعْلَبَةُ وَالْحَارِثُ ابْنَا حَاطِبٍ، وَهُمْ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَلَيْسُوا مِنْ الْمُنَافِقِينَ فِيمَا ذَكَرَ لِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ نَسَبَ ابْنُ إسْحَاقَ ثَعْلَبَةَ وَالْحَارِثَ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ فِي أَسْمَاءِ أَهْلِ بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبَّادُ بْنُ حُنَيْفٍ، أَخُو سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَبَحْزَجُ، وَهُمْ مِمَّنْ كَانَ بَنَى مَسْجِدَ الضِّرَارِ، وَعَمْرُو بْنُ خِذَامٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَبْتَلَ. (مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ) : وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: جَارِيَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ الْعَطَّافِ، وَابْنَاهُ: زَيْدٌ وَمُجَمَّعٌ، ابْنَا جَارِيَةَ، وَهُمْ مِمَّنْ اتَّخَذَ مَسْجِدَ الضِّرَارِ. وَكَانَ مُجَمَّعٌ غُلَامًا حَدَثًا قَدْ جَمَعَ مِنْ الْقُرْآنِ أَكْثَرَهُ، وَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فِيهِ، ثُمَّ إنَّهُ لَمَّا أُخْرِبَ الْمَسْجِدُ، وَذَهَبَ

_ [1] لَعَلَّه غير ضبيعة بن زيد، الّذي تقدم.

(من بنى أمية) :

رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، كَانُوا يُصَلُّونَ بِبَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فِي مَسْجِدِهِمْ، وَكَانَ زَمَانُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، كُلِّمَ فِي مُجَمَّعٍ لِيُصَلِّيَ بِهِمْ، فَقَالَ: لَا، أَوَلَيْسَ بِإِمَامِ الْمُنَافِقِينَ فِي مَسْجِدِ الضِّرَارِ؟ فَقَالَ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، مَا عَلِمْتُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَلَكِنِّي كُنْتُ غُلَامًا قَارِئًا لِلْقُرْآنِ، وَكَانُوا لَا قُرْآنَ مَعَهُمْ، فَقَدَّمُونِي أُصَلِّي بِهِمْ، وَمَا أَرَى أَمْرَهُمْ، إلَّا عَلَى أَحْسَنِ مَا ذَكَرُوا. فَزَعَمُوا أَنَّ عُمَرَ تَرَكَهُ فَصَلَّى بِقَوْمِهِ. (مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ) : وَمِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ: وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَهُوَ مِمَّنْ بَنَى مَسْجِدَ الضِّرَارِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ: إنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ 9: 65 ... إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. (مِنْ بَنِي عُبَيْدٍ) : وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ: خِذَامُ بْنُ خَالِدٍ، وَهُوَ الَّذِي أُخْرِجَ مَسْجِدُ الضِّرَارِ مِنْ دَارِهِ، وَبِشْرٌ وَرَافِعٌ، ابْنَا زَيْدٍ [1] . (مِنْ بَنِي النَّبِيتِ) : وَمِنْ بَنِي النَّبِيتِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: النَّبِيتُ: عَمْرُو بْنُ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ: مِرْبَعُ بْنُ قَيْظِيٍّ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْنَ أَجَازَ فِي حَائِطِهِ [2] وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِدٌ إلَى أُحُدٍ: لَا أُحِلُّ لَكَ يَا مُحَمَّدُ، إنْ كُنْتَ نَبِيًّا، أَنْ تَمُرَّ فِي حَائِطِي، وَأَخَذَ فِي يَدِهِ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي لَا أُصِيبُ بِهَذَا التُّرَابِ غَيْرَكَ لَرَمَيْتُكَ بِهِ، فَابْتَدَرَهُ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهُ، فَهَذَا الْأَعْمَى، أَعْمَى الْقَلْبِ، أَعْمَى الْبَصِيرَةِ. فَضَرَبَهُ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ، أَخُو

_ [1] فِي م، ر: «قَالَ ابْن هِشَام: وَبشر وَرَافِع ... إِلَخ» . [2] الْحَائِط: الْبُسْتَان.

(من بنى ظفر) :

بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ بِالْقَوْسِ فَشَجَّهُ، وَأَخُوهُ أَوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ، فَأْذَنْ لَنَا فَلْنَرْجِعْ إلَيْهَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً 33: 13. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَوْرَةٌ، أَيْ مُعْوَرَةٌ لِلْعَدُوِّ وَضَائِعَةٌ، وَجَمْعُهَا: عَوْرَاتٌ. قَالَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ: مَتَى تَلْقَهُمْ لَا تَلْقَ لِلْبَيْتِ عَوْرَةً ... وَلَا الْجَارَ مَحْرُومًا وَلَا الْأَمْرَ ضَائِعًا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَالْعَوْرَةُ (أَيْضًا) : عَوْرَةُ الرَّجُلِ، وَهِيَ حُرْمَتُهُ. وَالْعَوْرَةُ (أَيْضًا) السَّوْأَةُ. (مِنْ بَنِي ظُفَرَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي ظَفَرٍ، وَاسْمُ ظَفَرٍ: كَعْبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ حَاطِبُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ رَافِعٍ، وَكَانَ شَيْخًا جَسِيمًا قَدْ عَسَا [1] فِي جَاهِلِيَّتِهِ وَكَانَ لَهُ ابْنٌ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ. يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ حَاطِبٍ أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى أَثَبَتَتْهُ الْجِرَاحَاتُ، فَحُمِلَ إلَى دَارِ بَنِي ظَفَرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ إلَيْهِ مَنْ بِهَا مِنْ رِجَالِ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَائِهِمْ وَهُوَ بِالْمَوْتِ فَجَعَلُوا يَقُولُونَ أَبْشِرْ يَا بن حَاطِبٍ بِالْجَنَّةِ. قَالَ فَنَجَمَ [2] نِفَاقُهُ حِينَئِذٍ، فَجَعَلَ يَقُولُ أَبُوهُ أَجَلْ جَنَّةٌ وَاَللَّهِ مِنْ حَرْمَلٍ، غَرَرْتُمْ وَاَللَّهِ هَذَا الْمِسْكِينُ مِنْ نَفْسِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبُشَيْرُ [3] بْنُ أُبَيْرِقٍ، وَهُوَ أَبُو طُعْمَةَ، سَارِقُ الدِّرْعَيْنِ، الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً [4] 4: 107، وَقُزْمَانُ: حَلِيفٌ لَهُمْ.

_ [1] عسا: أسن وَولى. [2] نجم: ظهر. [3] قَالَ أَبُو ذَر: كَذَا وَقع هُنَا (بشير) بِفَتْح الْبَاء. وَقَالَ الدارقطنيّ: إِنَّمَا هُوَ (بشير) بِضَم الْبَاء. [4] وقصة ذَلِك: أَن بنى أُبَيْرِق، وَكَانُوا ثَلَاثَة: بشير ومبشر وَبشر، نقبوا مشربَة، أَو نقبها بشر وَحده، وَكَانَت الْمشْربَة لِرفَاعَة بن زيد، وسرقوا أدراعا لَهُ وَطَعَامًا، فعثر على ذَلِك، فجَاء ابْن أَخِيه قَتَادَة بن النُّعْمَان يشكوهم إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجَاء أسيد بن عُرْوَة بن أُبَيْرِق إِلَى رَسُول

(من بنى عبد الأشهل) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ [1] : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: إنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى قَتَلَ بِضْعَةَ [2] نَفَرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَأَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَاتُ، فَحُمِلَ إلَى دَارِ بَنِي ظَفَرٍ، فَقَالَ لَهُ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: أَبْشِرْ يَا قُزْمَانُ، فَقَدْ أَبْلَيْتَ الْيَوْمَ، وَقَدْ أَصَابَكَ مَا تَرَى فِي الله. قَالَ: بِمَاذَا أبشر، فو اللَّهِ مَا قَاتَلْتُ إلَّا حَمِيَّةً عَنْ قَوْمِي، فَلَمَّا اشْتَدَّتْ بِهِ جِرَاحَاتُهُ وَآذَتْهُ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، فَقَطَعَ بِهِ رَوَاهِشَ [3] يَدِهِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ. (مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمْ يَكُنْ فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ مُنَافِقٌ وَلَا مُنَافِقَةٌ يَعْلَمُ، إلَّا أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ ثَابِتٍ، أَحَدِ بَنِي كَعْبٍ، رَهْطِ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ، قَدْ كَانَ يُتَّهَمُ بِالنِّفَاقِ وَحُبِّ يَهُودَ. قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: مَنْ مُبْلِغُ الضَّحَّاكَ أَنَّ عُرُوقَهُ ... أَعْيَتْ عَلَى الْإِسْلَامِ أَنْ تَتَمَجَّدَا

_ [ () ] الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن هَؤُلَاءِ عَمدُوا إِلَى أهل بَيت، هم أهل صَلَاح وَدين فأبنوهم بِالسَّرقَةِ، ورموهم بهَا من غير بَيِّنَة، وَجعل يُجَادِل عَنْهُم حَتَّى غضب رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قَتَادَة وَرِفَاعَة، فَأنْزل الله تَعَالَى: وَلا تُجادِلْ 4: 107 الْآيَة، وَأنزل الله تَعَالَى: وَمن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً 4: 112، وَكَانَ البريء الّذي رَمَوْهُ بِالسَّرقَةِ لبيد بن سهل، قَالُوا: مَا سرقناه، وَإِنَّمَا سَرقه لبيد بن سهل، فبرأه الله. فَلَمَّا أنزل الله تَعَالَى مَا أنزل هرب ابْن أُبَيْرِق السَّارِق إِلَى مَكَّة، وَنزل على سلافة بنت سعد بن شهيب، فَقَالَ فِيهَا حسان بن ثَابت: وَمَا سَارِق الدرعين إِذْ كنت ذَاكِرًا ... بِذِي كرم بَين الرِّجَال أوادعه وَقد أنزلته بنت سعد فَأَصْبَحت ... ينازعها جَار استها وتنازعه ظننتم بِأَن يخفى الّذي قد صَنَعْتُم ... وَفِيكُمْ نَبِي عِنْده الْوَحْي وَاضعه فَقَالَت: إِنَّمَا أهديت لي شعر حسان، وَأخذت رَحْله، وطرحته خَارج الْمنزل، فهرب إِلَى خَيْبَر، ثمَّ إِنَّه نقب بَيْتا ذَات لَيْلَة، فَسقط الْحَائِط عَلَيْهِ فَمَاتَ. [1] عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة بن النُّعْمَان الْأنْصَارِيّ الظفري أَبُو عَمْرو الْمدنِي. وَثَّقَهُ ابْن معِين وَابْن سعد وَقَالَ: كَانَ لَهُ علم بالسيرة توفى، سنة عشْرين وَمِائَة، أَو سبع وَعشْرين أَو تسع وَعشْرين. [2] فِي أ: «تِسْعَة» . [3] الرواهش: عصب ظَاهر الْيَد وعروق فِي بطن الذِّرَاع «التَّاج» .

(من الخزرج) :

أَتُحِبُّ يُهْدَانَ الْحِجَازِ وَدِينَهُمْ ... كِبْدَ الْحِمَارِ، وَلَا تُحِبُّ مُحَمَّدًا دِينًا لَعَمْرِي لَا يُوَافِقُ دِينَنَا ... مَا اسْتَنَّ آلٌ فِي الْفَضَاءِ وَخَوَّدَا وَكَانَ جُلَاسُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ صَامِتٍ قَبْلَ تَوْبَتِهِ- فِيمَا بَلَغَنِي- وَمُعَتِّبُ ابْن قُشَيْرٍ، وَرَافِعُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِشْرٌ، وَكَانُوا يُدْعَوْنَ بِالْإِسْلَامِ، فَدَعَاهُمْ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي خُصُومَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَوْهُمْ إلَى الْكُهَّانِ، حُكَّامُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً 4: 60 ... إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. (مِنَ الْخَزْرَجِ) : وَمِنْ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ: رَافِعُ بْنُ وَدِيعَةَ، وَزَيْدُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، وَقَيْسُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ. (مِنْ بَنِي جُشَمَ) : وَمِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، ائْذَنْ لِي، وَلَا تَفْتِنِّي. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي، وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ... 9: 49. إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. (مِنْ بَنِي عَوْفٍ) : وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ، وَكَانَ رَأْسَ الْمُنَافِقِينَ وَإِلَيْهِ يَجْتَمِعُونَ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ: لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ. وَفِي قَوْلِهِ ذَلِكَ، نَزَلَتْ سُورَةُ الْمُنَافِقِينَ بِأَسْرِهَا. وَفِيهِ وَفِي وَدِيعَةَ- رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَوْفٍ- وَمَالِكِ بْنِ أَبِي قَوْقَلَ، وَسُوَيْدٍ، وَدَاعِسٌ، وَهُمْ مِنْ رَهْطِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ. فَهَؤُلَاءِ النَّفَرُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَدُسُّونَ إلَى بَنِي النَّضِيرِ حَيْنَ حَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَن اثبتوا، فو الله لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا

من أسلم من أحبار يهود نفاقا

أَبَدًا، وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً، وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ، وَالله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ 59: 11، ثُمَّ الْقِصَّةُ مِنْ السُّورَةِ حَتَّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ: كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ، فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ 59: 16. مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ نِفَاقًا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [1] : وَكَانَ مِمَّنْ تَعَوَّذَ بِالْإِسْلَامِ، وَدَخَلَ فِيهِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَظْهَرَهُ وَهُوَ مُنَافِقٌ، مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ. (مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ) : مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ: سَعْدُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَزَيْدُ بْنُ اللُّصَيْتِ، وَنُعْمَانُ بْنُ أَوْفَى بْنُ عَمْرٍو، وَعُثْمَانُ بْنُ أَوْفَى. وَزَيْدُ بْنُ اللُّصَيْتِ، الَّذِي قَاتَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ، حَيْنَ ضَلَّتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ يَأْتِيهِ خَبَرُ السَّمَاءِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَاءَهُ الْخَبَرُ بِمَا قَالَ عَدُوُّ اللَّهِ فِي رَحْلِهِ، وَدَلَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَتِهِ «إنَّ قَائِلًا قَالَ: يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ يَأْتِيهِ خَبَرُ السَّمَاءِ، وَلَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ؟ وَإِنِّي وَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ إلَّا مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ، وَقَدْ دَلَّنِي اللَّهُ عَلَيْهَا، فَهِيَ فِي هَذَا الشِّعْبِ، قَدْ حَبَسَتْهَا شَجَرَةٌ بِزِمَامِهَا، فَذَهَبَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَوَجَدُوهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَمَا وَصَفَ. وَرَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنَا- حَيْنَ مَاتَ: قَدْ مَاتَ الْيَوْمَ عَظِيمٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُنَافِقِينَ، وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْنَ

_ [1] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الْملك ابْن هِشَام، قَالَ: حَدثنَا زِيَاد بن عبد الله البكائي، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق المطلبي قَالَ» .

(طرد المنافقين من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم) :

هَبَّتْ عَلَيْهِ الرِّيحُ، وَهُوَ قَافِلٌ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَاشْتَدَّتْ عَلَيْهِ حَتَّى أَشْفَقَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَخَافُوا، فَإِنَّمَا هَبَّتْ لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْكُفَّارِ. فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ مَاتَ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي هَبَّتْ فِيهِ الرِّيحُ. وَسِلْسِلَةَ ابْن بِرْهامٍ. وَكِنَانَةَ بْنَ صُورِيَّا. (طَرْدُ الْمُنَافِقِينَ مِنْ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ يَحْضُرُونَ الْمَسْجِدَ فَيَسْتَمِعُونَ أَحَادِيثَ الْمُسلمين، ويسخرون ويستهزءون بِدِينِهِمْ، فَاجْتَمَعَ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ مِنْهُمْ نَاسٌ، فَرَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَدَّثُونَ بَيْنَهُمْ، خَافِضِي أَصْوَاتَهُمْ، قَدْ لَصِقَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، فَأَمَرَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخْرِجُوا مِنْ الْمَسْجِدِ إخْرَاجًا عَنِيفًا، فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ، خَالِدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ كُلَيْب، إِلَى عمر بْنِ قَيْسٍ، أَحَدِ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ- كَانَ صَاحِبَ آلِهَتِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَذَ بِرِجْلِهِ فَسَحَبَهُ، حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ يَقُولُ: أَتُخْرِجُنِي يَا أَبَا أَيُّوبَ مِنْ مِرْبَدِ بَنِي ثَعْلَبَةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ أَبُو أَيُّوبَ أَيْضًا إلَى رَافِعِ بْنِ وَدِيعَةَ، أَحَدِ بَنِي النَّجَّارِ فَلَبَّبَهُ بِرِدَائِهِ ثمَ نَتَرَهُ [1] نَتْرًا شَدِيدًا، وَلَطَمَ وَجْهَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَأَبُو أَيُّوبَ يَقُولُ لَهُ: أُفٍّ لَكَ مُنَافِقًا خَبِيثًا: أَدْرَاجَكَ يَا مُنَافِقُ مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَيْ ارْجِعْ مِنْ الطَّرِيقِ الَّتِي جِئْتَ مِنْهَا. قَالَ الشَّاعِرُ: فَوَلَّى وَأَدْبَرَ أَدْرَاجَهُ ... وَقَدْ بَاءَ بِالظُّلْمِ مَنْ كَانَ ثَمَّ [2] وَقَامَ عِمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ إلَى زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ رَجُلًا طَوِيلَ اللِّحْيَةِ، فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَادَهُ بِهَا قَوْدًا عَنِيفًا حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ جَمَعَ عِمَارَةُ يَدَيْهِ فَلَدَمَهُ بِهِمَا فِي صَدْرِهِ لَدْمَةً خَرَّ مِنْهَا. قَالَ: يَقُولُ: خَدَشْتَنِي يَا عِمَارَةُ، قَالَ:

_ [1] نتره: جذبه. [2] هَذِه الْعبارَة من قَوْله: قَالَ ابْن هِشَام، إِلَى آخر الْبَيْت، سَاقِطَة فِي أ.

أَبْعَدَكَ اللَّهُ يَا مُنَافِقُ، فَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ مِنْ الْعَذَابِ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا تَقْرَبَنَّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اللَّدْمُ: الضَّرْبُ بِبَطْنِ الْكَفِّ. قَالَ تَمِيمُ بْنُ أُبَيِّ بْنِ مُقْبِلٍ: وَلِلْفُؤَادِ وَجِيبٌ تَحْتَ أَبْهَرِهِ ... لَدْمَ الْوَلِيدِ وَرَاءَ الْغَيْبِ بِالْحَجَرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْغَيْبُ: مَا انْخَفَضَ مِنْ الْأَرْضِ. وَالْأَبْهَرُ: عِرْقُ الْقَلْبِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَامَ أَبُو مُحَمَّدٍ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، كَانَ بَدْرِيًّا، وَأَبُو مُحَمَّدٍ مَسْعُودُ بْنُ أَوْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَصْرَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ إلَى قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ، وَكَانَ قَيْسٌ غُلَامًا شَابًّا، وَكَانَ لَا يُعْلَمُ فِي الْمُنَافِقِينَ شَابٌّ غَيْرُهُ، فَجَعَلَ يَدْفَعُ فِي قَفَاهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ. وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَلْخُدْرَةَ [1] بْنِ الْخَزْرَجِ، رَهْطِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، حَيْنَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِ الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو، وَكَانَ ذَا جُمَّةٍ، فَأَخَذَ بِجُمَّتِهِ فَسَحَبَهُ بِهَا سَحْبًا عَنِيفًا، عَلَى مَا مَرَّ بِهِ مِنْ الْأَرْضِ، حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ. قَالَ: يَقُولُ الْمُنَافِقُ: لَقَدْ أَغْلَظْتَ يَا بن الْحَارِثِ، فَقَالَ لَهُ، إنَّكَ أَهْلٌ لِذَلِكَ، أَيْ عَدُوُّ اللَّهِ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ، فَلَا تَقْرَبَنَّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّكَ نَجِسٌ. وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إلَى أَخِيهِ زُوَيِّ بْنِ الْحَارِثِ، فَأَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ إخْرَاجًا عَنِيفًا، وَأَفَّفَ [2] مِنْهُ، وَقَالَ: غَلَبَ عَلَيْكَ الشَّيْطَانُ وَأَمْرُهُ. فَهَؤُلَاءِ مَنْ حَضَرَ الْمَسْجِدَ يَوْمئِذٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِهِمْ.

_ [1] بلخدرة، يُرِيد بنى الخدرة: وَقد ذكر أَبُو ذَر فِيهِ رِوَايَة أُخْرَى على أَنَّهَا فِي الأَصْل، فَقَالَ: «وَقَامَ رجل من بلبجرة، صَوَابه: من بلأبجر، يُرِيد بنى الأبجر، فَحذف، كَمَا يُقَال فِي بنى الْحَارِث: بلحارث. وَقد يخرج مَا ذكر على نقل الْحَرَكَة. وَرَوَاهُ بَعضهم بلخدرة، يُرِيد بنى الخدرة» . [2] أفف مِنْهُ، أَي قَالَ لَهُ: أُفٍّ. 34- سيرة ابْن هِشَام- 1

ما نزل من البقرة في المنافقين ويهود

مَا نَزَلَ مِنْ الْبَقَرَةِ فِي الْمُنَافِقِينَ وَيَهُودَ (مَا نَزَلَ فِي الْأَحْبَارِ) : فَفِي هَؤُلَاءِ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ، وَالْمُنَافِقِينَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، نَزَلَ صَدْرُ سُورَةِ الْبَقَرَة إِلَى الْمِائَة مِنْهَا- فِيمَا بَلَغَنِي- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ: الم ذلِكَ الْكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ 2: 1- 2، أَيْ لَا شَكَّ فِيهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَةَ [1] الْهُذَلِيُّ: فَقَالُوا عَهِدْنَا الْقَوْمَ قَدْ حَصَرُوا بِهِ ... فَلَا رَيْبَ أَنْ قَدْ كَانَ ثَمَّ لَحِيمُ [2] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَالرَّيْبُ (أَيْضًا) : الرِّيبَةُ. قَالَ خَالِدُ بْنُ زُهَيْرٍ الْهُذَلِيُّ: كَأَنَّنِي أَرْبِبُهُ بِرَيْبٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمِنْهُمْ مَنْ يرويهِ: كأننى أريته بِرَيْبٍ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ [3] لَهُ. وَهُوَ ابْنُ أَخِي أَبِي ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيُّ. هُدىً لِلْمُتَّقِينَ 2: 2، أَيْ الَّذِينَ يَحْذَرُونَ مِنْ اللَّهِ عُقُوبَتَهُ فِي تَرْكِ مَا يَعْرِفُونَ مِنْ الْهُدَى، وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ بِالتَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَهُمْ مِنْهُ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ 2: 3 أَيْ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ بِفَرْضِهَا، وَيُؤْتَوْنَ الزَّكَاةَ احْتِسَابًا لَهَا. وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ 2: 4، أَيْ يُصَدِّقُونَكَ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا جَاءَ بِهِ مَنْ قَبْلُكَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ، لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمْ، وَلَا يَجْحَدُونَ مَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ رَبِّهِمْ. وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ 2: 4، أَيْ بِالْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْحِسَابِ

_ [1] فِي م، «جؤبة» ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَهُوَ تَصْحِيف. [2] حصروا بِهِ: أَحدقُوا. ولحيم: أَي قَتِيل. [3] وَقد قَالَهَا خَالِد حِين اتهمه أَبُو ذُؤَيْب بامرأته، والأبيات هِيَ: يَا قوم مَا لي وَأَبا ذُؤَيْب ... كنت إِذا أَتَيْته من غيب يشم عطفي ويبر ثوبي ... كأننى أريته بريب

(ما نزل في منافقي الأوس والخزرج) :

وَالْمِيزَانِ، أَيْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا كَانَ مِنْ قَبْلِكَ، وَبِمَا جَاءَكَ مِنْ رَبِّكَ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ 2: 5، أَيْ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِمْ وَاسْتِقَامَةٍ عَلَى مَا جَاءَهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 2: 5، أَيْ الَّذِينَ أَدْرَكُوا مَا طَلَبُوا وَنَجَوْا مِنْ شَرِّ مَا مِنْهُ هَرَبُوا. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا 2: 6، أَيْ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ، وَإِنْ قَالُوا إنَّا قَدْ آمَنَّا بِمَا جَاءَنَا قَبْلَكَ سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ 2: 6، أَيْ أَنَّهُمْ قَدْ كَفَرُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ ذِكْرِكَ، وَجَحَدُوا مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاقُ لَكَ، فَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكَ وَبِمَا عِنْدَهُمْ، مِمَّا جَاءَهُمْ بِهِ غَيْرُكَ، فَكَيْفَ يَسْتَمِعُونَ مِنْكَ إنْذَارًا أَوْ تَحْذِيرًا، وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِكَ. خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ 2: 7، أَيْ عَنْ الْهُدَى أَنْ يُصِيبُوهُ أَبَدًا، يَعْنِي بِمَا كَذَّبُوكَ بِهِ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ رَبِّكَ حَتَّى يُؤْمِنُوا بِهِ، وَإِنْ آمَنُوا بِكُلِّ مَا كَانَ قَبْلَكَ، وَلَهُمْ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِكَ عَذَابٌ عَظِيمٌ. فَهَذَا فِي الْأَحْبَارِ مِنْ يَهُودَ، فِيمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ الْحَقِّ بَعْدَ مُعْرِفَتِهِ. (مَا نَزَلَ فِي مُنَافِقِي الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ) : وَمن النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ 2: 8 يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَمَنْ كَانَ عَلَى أَمْرِهِمْ. يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ. فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ 2: 9- 10، أَيْ شَكٌّ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً 2: 10، أَيْ شَكًّا وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ، قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ 2: 10- 11، أَيْ إنَّمَا نُرِيدُ الْإِصْلَاحَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لَا يَشْعُرُونَ. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ، قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لَا يَعْلَمُونَ. وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا، وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ 2: 12- 14 مِنْ يَهُودَ، الَّذِينَ يَأْمُرُونَهُمْ بِالتَّكْذِيبِ بِالْحَقِّ، وَخِلَافِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ 2: 14، أَيْ إنَّا عَلَى مِثْلِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ. إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ 2: 14: أَيْ إنَّمَا نَسْتَهْزِئُ بِالْقَوْمِ، وَنَلْعَبُ بِهِمْ. يَقُولُ

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ 2: 15. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَعْمَهُونَ: يَحَارُونَ. تَقُولُ الْعَرَبُ: رَجُلٌ عَمِهٌ وَعَامِهٌ: أَيْ حَيَرَانُ قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ يَصِفُ بَلَدًا: أَعْمَى الْهُدَى بِالْجَاهِلِينَ الْعُمَّهِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. فَالْعُمَّهُ: جَمْعُ عَامِهٍ، وَأَمَّا عَمِهٌ، فَجَمْعُهُ: عَمِهُونَ. وَالْمَرْأَةُ: عَمِهَةٌ وَعَمْهَاءُ. أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى 2: 16: أَيْ الْكُفْرِ بِالْإِيمَانِ فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ 2: 16. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا، فَقَالَ تَعَالَى كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لَا يُبْصِرُونَ 2: 17 أَيْ لَا يُبْصِرُونَ الْحَقَّ وَيَقُولُونَ بِهِ حَتَّى إذَا خَرَجُوا بِهِ مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ أَطْفَئُوهُ بِكُفْرِهِمْ بِهِ وَنِفَاقِهِمْ فِيهِ، فَتَرَكَهُمْ اللَّهُ فِي ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ هُدًى، وَلَا يَسْتَقِيمُونَ عَلَى حَقٍّ. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ 2: 18: أَيْ لَا يَرْجِعُونَ إلَى الْهُدَى، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ عَنْ الْخَيْرِ، لَا يَرْجِعُونَ إلَى خَيْرٍ وَلَا يُصِيبُونَ نَجَاةً مَا كَانُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ، وَالله مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ 2: 19. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الصَّيِّبُ: الْمَطَرُ، وَهُوَ مِنْ صَابَ يَصُوبُ، مِثْلُ قَوْلِهِمْ: السَّيِّدُ، مَنْ سَادَ يَسُودُ، وَالْمَيِّتُ: مَنْ مَاتَ يَمُوتُ، وَجَمْعُهُ: صَيَائِبُ. قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبَدَةَ، أَحَدُ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ: كَأَنَّهُمْ صابت عَلَيْهِم حابة ... صَوَاعِقُهَا لِطَيْرِهِنَّ دَبِيبُ وَفِيهَا: فَلَا تَعْدِلِي بَيْنِي وَبَيْنَ مُغَمَّرٍ [1] ... سَقَتْكَ رَوَايَا الْمُزْنِ حَيْثُ تَصُوبُ

_ [1] المغمر: الّذي لم يجرب الْأُمُور.

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَيْ هُمْ مِنْ ظُلْمَةِ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْحَذَرِ مِنْ الْقَتْلِ، مِنْ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْخِلَافِ وَالتَّخَوُّفِ لَكُمْ، عَلَى مِثْلِ مَا وُصِفَ، مِنْ الَّذِي هُوَ (فِي) [1] ظُلْمَةِ الصَّيِّبِ، يَجْعَلُ أَصَابِعَهُ فِي أُذُنِيهِ مِنْ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ. يَقُولُ [2] : وَاَللَّهُ مُنْزِلُ ذَلِكَ بِهِمْ مِنْ النِّقْمَةِ، أَيْ هُوَ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ 2: 20: أَيْ لِشِدَّةِ ضَوْءِ الْحَقِّ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ، وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا 2: 20، أَيْ يَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَيَتَكَلَّمُونَ بِهِ، فَهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ بِهِ عَلَى اسْتِقَامَةٍ، فَإِذَا ارْتَكَسُوا مِنْهُ فِي الْكُفْرِ قَامُوا مُتَحَيِّرِينَ. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ 2: 20، أَيْ لِمَا تَرَكُوا مِنْ الْحَقِّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 2: 20. ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ 2: 21، لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، مِنْ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، أَيْ وَحِّدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً، وَالسَّماءَ بِناءً، وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ، فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ 2: 21- 22. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَنْدَادُ: الْأَمْثَالُ، وَأَحَدُهُمْ نِدٌّ. قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ: أَحْمَدُ اللَّهَ فَلَا نِدَّ لَهُ ... بِيَدَيْهِ الْخَيْرُ مَا شَاءَ فَعَلَ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قصيدة لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَيْ لَا تُشْرِكُوا باللَّه غَيْرَهُ مِنْ الْأَنْدَادِ الَّتِي لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا رَبَّ لَكُمْ يَرْزُقكُمْ غَيْرُهُ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ الَّذِي يَدْعُوكُمْ إلَيْهِ الرَّسُولُ مِنْ تَوْحِيدِهِ هُوَ الْحَقُّ لَا شَكَّ فِيهِ. وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا 2: 23 أَيْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ، فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ 2: 23،

_ [1] زِيَادَة عَن أ، ط. [2] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «يَقُول الله وَالله ... إِلَخ» .

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

أَيْ مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ أَعْوَانِكُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا 2: 23- 24 فَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ الْحَقُّ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ 2: 24، أَيْ لِمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ. ثُمَّ رَغَّبَهُمْ وَحَذَّرَهُمْ نُقْضَ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا جَاءَهُمْ، وَذَكَرَ لَهُمْ بَدْءَ خَلْقِهِمْ حَيْنَ خَلَقَهُمْ، وَشَأْنَ أَبِيهِمْ آدَمَ عَلَيْهِ السِّلَامُ وَأَمْرَهُ، وَكَيْفَ صَنَعَ بِهِ حَيْنَ خَالَفَ عَنْ طَاعَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا بَنِي إِسْرائِيلَ 2: 40 لِلْأَحْبَارِ مِنْ يَهُودَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ 2: 40. أَيْ بَلَائِي عِنْدَكُمْ وَعِنْدَ آبَائِكُمْ، لَمَّا كَانَ نَجَّاهُمْ بِهِ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي 2: 40 الَّذِي أَخَذْتُ فِي أَعْنَاقِكُمْ لِنَبِيِّي أَحْمَدَ إذَا جَاءَكُمْ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ 2: 40 أُنْجِزْ لَكُمْ مَا وَعَدْتُكُمْ عَلَى تَصْدِيقِهِ وَاتِّبَاعِهِ بِوَضْعِ مَا كَانَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْآصَارِ وَالْأَغْلَالِ الَّتِي كَانَتْ فِي أَعْنَاقِكُمْ بِذُنُوبِكُمْ الَّتِي كَانَتْ مِنْ أَحْدَاثِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ 2: 40 أَيْ أَنْ أُنْزِلَ بِكُمْ مَا أَنَزَلْتُ بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ آبَائِكُمْ مِنْ النِّقْمَاتِ الَّتِي قَدْ عَرَفْتُمْ، مِنْ الْمَسْخِ وَغَيْرِهِ. وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ، وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ 2: 41 وَعِنْدَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ فِيهِ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِكُمْ وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ. وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ، وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ 2: 41- 42، أَيْ لَا تَكْتُمُوا مَا عِنْدَكُمْ مِنْ الْمُعْرِفَةِ بِرَسُولِي وَبِمَا جَاءَ بِهِ، وَأَنْتُمْ تَجِدُونَهُ عِنْدَكُمْ فِيمَا تَعْلَمُونَ مِنْ الْكُتُبِ الَّتِي بِأَيْدِيكُمْ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ 2: 44، أَيْ أَتَنْهَوْنَ النَّاسَ عَنْ الْكُفْرِ بِمَا عِنْدَكُمْ مِنْ النُّبُوَّةِ وَالْعَهْدِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَتَتْرُكُونَ أَنَفْسَكُمْ، أَيْ وَأَنْتُمْ تَكْفُرُونَ بِمَا فِيهَا مِنْ عَهْدِي إلَيْكُمْ فِي تَصْدِيقِ رَسُولِي، وَتَنْقُضُونَ مِيثَاقِي، وَتَجْحَدُونَ مَا تَعْلَمُونَ مِنْ كِتَابِي. ثُمَّ عَدَّدَ عَلَيْهِمْ أَحْدَاثَهُمْ، فَذَكَرَ لَهُمْ الْعِجْلَ وَمَا صَنَعُوا فِيهِ، وَتَوْبَتَهُ عَلَيْهِمْ، وَإِقَالَتَهُ إيَّاهُمْ، ثُمَّ قَوْلَهُمْ: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً 4: 153. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: جَهْرَةً، أَيْ ظَاهِرًا لَنَا لَا شَيْءَ يَسْتُرهُ عَنَّا. قَالَ أَبُو الْأَخْزَرِ الْحَمَانِيُّ، وَاسْمُهُ قُتَيْبَةُ:

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

يَجْهَرُ أَجْوَافَ الْمِيَاهِ السَّدُمِ [1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. يَجْهَرُ: يَقُولُ: يُظْهِرُ الْمَاءَ، وَيَكْشِفُ عَنْهُ مَا يَسْتُرُهُ مِنْ الرَّمْلِ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَخْذَ الصَّاعِقَةِ إيَّاهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ لِغِرَّتِهِمْ، ثُمَّ إحْيَاءَهُ إيَّاهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، وَتَظْلِيلَهُ عَلَيْهِمْ الْغَمَامَ، وَإِنْزَالَهُ عَلَيْهِمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، وَقَوْلُهُ لَهُمْ: ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ 2: 58، أَيْ قُولُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ أَحُطُّ بِهِ ذُنُوبَكُمْ عَنْكُمْ، وَتَبْدِيلَهُمْ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ اسْتِهْزَاءً بِأَمْرِهِ، وَإِقَالَتَهُ إيَّاهُمْ ذَلِكَ بَعْدَ هُزْئِهِمْ. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمَنُّ: شَيْءٌ كَانَ يَسْقُطُ فِي السَّحَرِ عَلَى شَجَرِهِمْ، فَيَجْتَنُونَهُ حُلْوًا مِثْلَ الْعَسَلِ، فَيَشْرَبُونَهُ وَيَأْكُلُونَهُ. قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ: لَوْ أُطْعِمُوا الْمَنَّ وَالسَّلْوَى مَكَانَهُمْ ... مَا أَبْصَرَ النَّاسُ طُعْمًا فِيهُمُ نَجَعَا [2] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالسَّلْوَى: طَيْرٌ، وَاحِدَتُهَا: سَلْوَاةٌ، وَيُقَالُ: إنَّهَا السُّمَانِيُّ، وَيُقَالُ لِلْعَسَلِ (أَيْضًا) : السَّلْوَى. وَقَالَ خَالِدُ بْنُ زُهَيْرٍ الْهُذَلِيُّ: وَقَاسَمَهَا باللَّه حَقًّا لَأَنْتُمْ ... أَلَذُّ مِنْ السَّلْوَى إذَا مَا نَشُورُهَا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ [3] . وَحِطَّةٌ: أَيْ حُطَّ عَنَّا ذُنُوبَنَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ تَبْدِيلِهِمْ ذَلِكَ، كَمَا حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ صَالح مولى التّوأمة بِنْتِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: دَخَلُوا الْبَابَ الَّذِي أُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا مِنْهُ سُجَّدًا يَزْحَفُونَ، وَهُمْ يَقُولُونَ حِنْطٌ فِي شَعِيرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: حِنْطَةٌ فِي شَعِيرَةٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاسْتِسْقَاءَ مُوسَى لِقَوْمِهِ، وَأَمْرَهُ (إيَّاهُ) [4] أَنْ يَضْرِبَ بِعَصَاهُ

_ [1] الْمِيَاه السدم: الْقَدِيمَة الْعَهْد بالواردة، حَتَّى كَادَت تندفن. [2] نجع: نفع. [3] الْعبارَة من قَوْله «والسلوى» إِلَى قَوْله «فِي قصيدة لَهُ» سَاقِطَة فِي أ. [4] زِيَادَة عَن أ، ط.

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

الْحَجَرَ، فَانْفَجَرَتْ لَهُمْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشَرَةَ عَيْنًا، لِكُلِّ سِبْطٍ [1] عَيْنٌ يَشْرَبُونَ مِنْهَا، قَدْ عَلِمَ كُلُّ سِبْطٍ عَيْنَهُ الَّتِي مِنْهَا يَشْرَبُ، وَقَوْلَهُمْ لِمُوسَى عَلَيْهِ السِّلَامُ: لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ، فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها 2: 61. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْفُوَمُ: الْحِنْطَةُ. قَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيُّ: فَوْقَ شِيزَى مِثْلِ الْجَوَابِي عَلَيْهَا ... قِطَعٌ كَالْوَذِيلِ فِي نقى قوم [2] (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْوَذِيلُ: قِطَعُ الْفِضَّةِ (وَالْفُوَمُ: الْقَمْحُ) [3] ، وَاحِدَتُهُ: فُومَةٌ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَعَدَسِها وَبَصَلِها قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ. اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ 2: 61. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَرَفْعَهُ الطُّورَ فَوْقَهُمْ لِيَأْخُذُوا مَا أُوتُوا، وَالْمَسْخَ الَّذِي كَانَ فِيهِمْ، إذْ جَعَلَهُمْ قِرَدَةً بِأَحْدَاثِهِمْ، وَالْبَقَرَةَ الَّتِي أَرَاهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا الْعِبْرَةَ فِي الْقَتِيلِ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ، حَتَّى بَيَّنَ اللَّهُ لَهُمْ أَمْرَهُ، بَعْدَ التَّرَدُّدِ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صِفَّةِ الْبَقَرَةِ، وَقَسْوَةَ قُلُوبِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى كَانَتْ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدَّ قَسْوَةً. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ، وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ، وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ 2: 74، أَيْ وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَأَلْيَنُ مِنْ قُلُوبِكُمْ عَمَّا تَدْعُونَ إلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ 2: 74. ثُمَّ قَالَ لِمُحَمَّدِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يُؤَيِّسُهُمْ مِنْهُمْ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ 2: 75

_ [1] الأسباط فِي بنى إِسْحَاق، كالقبائل فِي بنى إِسْمَاعِيل. [2] الشيزى: جفان تصنع من خشب يُقَال لَهُ: الشيز وَهُوَ خشب أسود والجوابى: جمع جابية. وَهِي الْحِيَاض يجبى فِيهَا المَاء، أَي يجمع. [3] زِيَادَة عَن ط.

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ 2: 75، وَلَيْسَ قَوْلُهُ يَسْمَعُونَ التَّوْرَاةَ، أَنَّ كُلَّهُمْ قَدْ سَمِعَهَا، وَلَكِنَّهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ، أَيْ خَاصَّةٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [1] ، فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ: قَالُوا لِمُوسَى: يَا مُوسَى، قَدْ حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ رُؤْيَةِ اللَّهِ، فَأَسْمِعْنَا كَلَامَهُ حَيْنَ يُكَلِّمُكَ، فَطَلَبَ ذَلِكَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ رَبِّهِ، فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ، مُرْهُمْ فَلْيَطَّهَّرُوا، أَوْ لِيُطَهِّرُوا ثِيَابَهُمْ، وَلْيَصُومُوا، فَفَعَلُوا. ثُمَّ خَرَجَ بِهِمْ حَتَّى أَتَى بِهِمْ الطُّورَ، فَلَمَّا غَشِيَهُمْ الْغَمَامُ أَمَرَهُمْ مُوسَى فَوَقَعُوا سُجَّدًا، وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ، فَسَمِعُوا كَلَامَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، يَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ، حَتَّى عَقَلُوا عَنْهُ مَا سَمِعُوا، ثُمَّ انْصَرَفَ بِهِمْ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ حَرَّفَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَقَالُوا، حَيْنَ قَالَ مُوسَى لِبَنِي إسْرَائِيلَ: إنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَكُمْ بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ ذَلِكَ الْفَرِيقُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إنَّمَا قَالَ كَذَا وَكَذَا، خِلَافًا لِمَا قَالَ اللَّهُ لَهُمْ، فَهُمْ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا 2: 14، أَيْ بِصَاحِبِكُمْ [2] رَسُولِ اللَّهِ، وَلَكِنَّهُ إلَيْكُمْ خَاصَّةً. وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا 2: 76: لَا تُحَدِّثُوا الْعَرَبَ بِهَذَا، فَإِنَّكُمْ قَدْ كُنْتُمْ تَسْتَفْتِحُونَ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ فِيهِمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا، وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ 2: 76، أَيْ تُقِرُّونَ بِأَنَّهُ نَبِيٌّ، وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّهُ قَدْ أُخِذَ لَهُ الْمِيثَاقُ عَلَيْكُمْ بِاتِّبَاعِهِ، وَهُوَ يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ النَّبِيُّ الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِرُ وَنَجِدُ فِي كِتَابِنَا، اجْحَدُوهُ وَلَا تُقِرُّوا لَهُمْ بِهِ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ، وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ 2: 77- 78. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ: إلَّا أَمَانِيَّ: إلَّا قِرَاءَةً، لِأَنَّ الْأُمِّيَّ: الَّذِي

_ [1] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ. [2] فِي م، ر: «أَي أَن صَاحبكُم ... إِلَخ» .

(دعوى اليهود قلة العذاب في الآخرة، ورد الله عليهم) :

يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ. يَقُولُ: لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلَّا (أَنَّهُمْ) [1] يَقْرَءُونَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [2] : عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَيُونُسَ أَنَّهُمَا تَأَوَّلَا ذَلِكَ عَنْ الْعَرَبِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ النَّحْوِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: تَمَنَّى، فِي مَعْنَى قَرَأَ. وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ 22: 52. قَالَ: وَأَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النَّحْوِيُّ: تَمَنَّى كِتَابَ اللَّهِ أَوَّلَ لَيْلِهِ ... وَآخِرَهُ وَافَى حِمَامُ الْمَقَادِرِ وَأَنْشَدَنِي أَيْضًا: تَمَنَّى كِتَابَ اللَّهِ فِي اللَّيْلِ خَالِيًا ... تَمَنِّيَ دَاوُدَ الزَّبُورَ عَلَى رِسْلِ وَوَاحِدَةُ الْأَمَانِيِّ: أُمْنِيَّةٌ. وَالْأَمَانِيُّ (أَيْضًا) : أَنْ يَتَمَنَّى الرَّجُلُ الْمَالَ أَوْ غَيْرَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ 2: 78: أَيْ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ وَلَا يَدْرُونَ مَا فِيهِ، وَهُمْ يَجْحَدُونَ نُبُوَّتَكَ بِالظَّنِّ. وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً، قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ 2: 80. (دَعْوَى الْيَهُودَ قِلَّةَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ، وَرَدُّ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَوْلًى لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ ابْن جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَالْيَهُودُ تَقُولُ: إنَّمَا مُدَّةُ الدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا يُعَذِّبُ اللَّهُ [3] النَّاسَ فِي النَّارِ بِكُلِّ أَلْفِ سَنَةٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا يَوْمًا وَاحِدًا فِي النَّارِ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ سَبْعَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ يَنْقَطِعُ الْعَذَابُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً. قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ 2: 80

_ [1] زِيَادَة عَن أ، ط. [2] كَذَا فِي أ. وَقد وَردت هَذِه الْعبارَة مضطربة فِي سَائِر الْأُصُول. [3] فِي ط: «وَإِنَّمَا يعذب النَّاس ... إِلَخ» .

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ. بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ 2: 80- 81. أَيْ مَنْ عَمِلَ بِمِثْلِ أَعْمَالِكُمْ، وَكَفَرَ بِمِثْلِ مَا كَفَرْتُمْ بِهِ، يُحِيطُ كُفْرُهُ بِمَا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ حَسَنَةٍ، فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ 2: 81 أَيْ خُلْدٌ أَبَدًا. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ 2: 82: أَيْ مَنْ آمَنَ بِمَا كَفَرْتُمْ بِهِ، وَعَمِلَ بِمَا تَرَكْتُمْ مِنْ دِينِهِ، فَلَهُمْ الْجَنَّةُ خَالِدِينَ فِيهَا، يُخْبِرُهُمْ أَنَّ الثَّوَابَ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ مُقِيمٌ عَلَى أَهْلِهِ أَبَدًا، لَا انْقِطَاعَ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ قَالَ (اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ) [1] يُؤَنِّبُهُمْ: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ 2: 83، أَيْ مِيثَاقَكُمْ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ، وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً، وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ، وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ، ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ 2: 83، أَيْ تَرَكْتُمْ ذَلِكَ كُلَّهُ لَيْسَ بِالتَّنَقُّصِ. وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ 2: 84 (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَسْفِكُونَ: تَصُبُّونَ. تَقُولُ الْعَرَبُ: سَفَكَ دَمَهُ، أَيْ صَبَّهُ، وَسَفَكَ الزِّقَّ، أَيْ هَرَاقَهُ. قَالَ الشَّاعِرُ: وَكُنَّا إذَا مَا الضَّيْفُ حَلَّ بِأَرْضِنَا ... سَفَكْنَا دِمَاءَ الْبُدْنِ فِي تُرْبَةِ الْحَالِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَعْنِي «بِالْحَالِ» : الطِّينِ الَّذِي يُخَالِطُهُ الرَّمْلُ، وَهُوَ الَّذِي تَقُولُ لَهُ الْعَرَبُ: السَّهْلَةُ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ [2] : أَنَّ جِبْرِيلَ لَمَّا قَالَ فِرْعَوْنُ: آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ 10: 90 أَخَذَ مِنْ حَالِ الْبَحْرِ [3] (وَحَمَأَتِهِ) [4] ، فَضَرَبَ بِهِ وَجْهَ فِرْعَوْنَ. (وَالْحَالُ: مِثْلُ الْحَمْأَةِ) [5] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [6] : وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ 2: 84.

_ [1] زِيَادَة عَن ط. [2] فِي أ، ط: «وَفِي الحَدِيث» . [3] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الأَرْض» . [4] زِيَادَة عَن أ، ط. [5] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ. [6] زِيَادَة عَن ط.

عَلَى أَنَّ هَذَا حَقٌّ مِنْ مِيثَاقِي عَلَيْكُمْ، ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ، وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ، تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ 2: 85، أَيْ أَهْلَ الشِّرْكِ، حَتَّى يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ مَعَهُمْ، وَيُخْرِجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ مَعَهُمْ. وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ 2: 85 وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ فِي دِينِكُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ 2: 85: فِي كِتَابِكُمْ إِخْراجُهُمْ، أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ 2: 85، (أَيْ) [1] أَتُفَادُونَهُمْ مُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ، وَتُخْرِجُونَهُمْ كُفَّارًا بِذَلِكَ. فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ، وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ، فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ، وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ 2: 85- 86. فَأَنَّبَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ، وَقَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ سَفْكَ دِمَائِهِمْ، وَافْتَرَضَ عَلَيْهِمْ فِيهَا فِدَاءَ أَسْرَاهُمْ. فَكَانُوا فَرِيقَيْنِ، مِنْهُمْ بَنُو قَيْنُقَاعَ وَلَفُّهُمْ [2] ، حُلَفَاءُ الْخَزْرَجِ، وَالنَّضِيرُ وَقُرَيْظَةَ وَلَفُّهُمْ، حُلَفَاءُ الْأَوْسِ. فَكَانُوا إذَا كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ حَرْبٌ. خَرَجَتْ بَنُو قَيْنُقَاعَ مَعَ الْخَزْرَجِ وَخَرَجَتْ النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ مَعَ الْأَوْسِ يُظَاهِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ حُلَفَاءَهُ عَلَى إخْوَانِهِ، حَتَّى يَتَسَافَكُوا دِمَاءَهُمْ بَيْنَهُمْ، وَبِأَيْدِيهِمْ التَّوْرَاةُ يَعْرِفُونَ فِيهَا مَا عَلَيْهِمْ وَمَا لَهُمْ، وَالْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ أَهْلُ شِرْكٍ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ: لَا يَعْرِفُونَ جَنَّةً وَلَا نَارًا، وَلَا بَعْثًا وَلَا قِيَامَةً، وَلَا كِتَابًا، وَلَا حَلَالًا وَلَا حَرَامًا، فَإِذَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا [3] افْتَدَوْا أُسَارَاهُمْ [4] تَصْدِيقًا لِمَا فِي التَّوْرَاةِ، وَأَخَذَ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، يَفْتَدِي بَنُو قَيْنُقَاعَ مَنْ [5] كَانَ مِنْ أَسْرَاهُمْ فِي أَيَدِي الْأَوْسِ وَتَفْتَدِي النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ مَا فِي أَيَدِي الْخَزْرَجِ مِنْهُمْ. وَيُطِلُّونَ [6] مَا أَصَابُوا مِنْ

_ [1] زِيَادَة عَن ط. [2] لفهم: أَي من عد فيهم. [3] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ، ط. [4] فِي م: «أسارهم» وَهُوَ تَحْرِيف. [5] كَذَا فِي ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «مَا» . [6] يطلون: يبطلون.

الدِّمَاءِ، وَقَتْلَى مَنْ قُتِلُوا مِنْهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ، مُظَاهَرَةً لِأَهْلِ الشِّرْكِ عَلَيْهِمْ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ حَيْنَ أَنَّبَهُمْ [1] بِذَلِكَ: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ 2: 85، أَيْ تُفَادِيهِ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ وَتَقْتُلُهُ، وَفِي حُكْمِ التَّوْرَاةِ أَنْ لَا تَفْعَلَ، تَقْتُلُهُ وَتُخْرِجُهُ مِنْ دَارِهِ وَتُظَاهِرُ عَلَيْهِ مَنْ يُشْرِكُ باللَّه، وَيَعْبُدُ الْأَوْثَانَ مِنْ دُونِهِ، ابْتِغَاءَ عَرَضِ الدُّنْيَا. فَفِي ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ مَعَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ- فِيمَا بَلَغَنِي- نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ، وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ 2: 87، أَيْ الْآيَاتُ الَّتِي وُضِعَتْ [2] عَلَى يَدَيْهِ، مِنْ إحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَخَلْقِهِ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَإِبْرَاءِ الْأَسْقَامِ، وَالْخَبَرِ بِكَثِيرٍ مِنْ الْغُيُوبِ مِمَّا يَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِهِمْ، وَمَا رَدَّ عَلَيْهِمْ مِنْ [3] التَّوْرَاةِ مَعَ الْإِنْجِيلِ، الَّذِي أَحْدَثَ اللَّهُ إلَيْهِ. ثُمَّ ذَكَرَ كُفْرَهُمْ بِذَلِكَ كُلِّهِ، فَقَالَ: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ، فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ 2: 87، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ 2: 88: فِي أَكِنَّةٍ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ. وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ 2: 88- 89. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالَ: قَالُوا: فِينَا وَاَللَّهِ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ، كُنَّا قَدْ عَلَوْنَاهُمْ ظَهْرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَنَحْنُ أَهْلُ شِرْكٍ وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَكَانُوا يَقُولُونَ لَنَا: إنَّ نَبِيًّا يُبْعَثُ الْآنَ نَتَّبِعُهُ قَدْ أَظَلَّ زَمَانَهُ، نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ. فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرَيْشٍ فَاتَّبَعْنَاهُ كَفَرُوا بِهِ. يَقُولُ اللَّهُ:

_ [1] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أنبأهم» ، وَلَا يَسْتَقِيم بهَا الْكَلَام. [2] كَذَا فِي ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وضع» . [3] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «مَعَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل» .

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ. بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ 2: 89- 90، أَيْ أَنْ جَعَلَهُ فِي غَيرهم فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ 2: 90. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبَاءُوا بِغَضَبٍ: أَيْ اعْتَرَفُوا بِهِ وَاحْتَمَلُوهُ. قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ: أُصَالِحُكُمْ حَتَّى تَبُوءُوا بِمِثْلِهَا ... كَصَرْخَةِ حُبْلَى يَسَّرَتْهَا قَبِيلُهَا [1] (قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَسَّرَتْهَا: أَجَلَسَتْهَا لِلْوِلَادَةِ) [2] . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَالْغَضَبُ عَلَى الْغَضَبِ لِغَضَبِهِ عَلَيْهِمْ فِيمَا كَانُوا ضَيَّعُوا مِنْ التَّوْرَاةِ، وَهِيَ مَعَهُمْ، وَغَضَبٌ بِكُفْرِهِمْ بِهَذَا النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَحْدَثَ اللَّهُ إلَيْهِمْ. ثُمَّ أَنَّبَهُمْ بِرَفْعِ الطُّورِ عَلَيْهِمْ، وَاِتِّخَاذِهِمْ الْعِجْلَ إلَهًا دُونَ رَبِّهِمْ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ، فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ 2: 94، أَيْ اُدْعُوا بِالْمَوْتِ عَلَى أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ أَكْذَبُ عِنْدَ اللَّهِ، فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ 2: 95، أَيْ بِعِلْمِهِمْ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ بِكَ، وَالْكُفْرِ بِذَلِكَ [3] ، فَيُقَالُ: لَوْ تَمَنَّوْهُ يَوْمَ قَالَ ذَلِكَ لَهُمْ مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ يَهُودِيٌّ إلَّا مَاتَ. ثُمَّ ذَكَرَ رَغْبَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَطُولَ الْعُمْرِ، فَقَالَ تَعَالَى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ 2: 96 الْيَهُودَ وَمن الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ 2: 96،

_ [1] الْقَبِيل: الْقَابِلَة. [2] زِيَادَة عَن ط. [3] كَذَا فِي أ. وَفِي ط: «بك» . وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فَذَلِك» .

(سؤال اليهود الرسول، وإجابته لهم عليه الصلاة والسلام) :

أَيْ مَا هُوَ بِمُنْجِيهِ مِنْ الْعَذَابِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكَ لَا يَرْجُو بَعْثًا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهُوَ يُحِبُّ طُولَ الْحَيَاةِ، وَأَنَّ الْيَهُودِيَّ قَدْ عَرَفَ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخِزْيِ بِمَا ضَيَّعَ مِمَّا عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ. ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ 2: 97. (سُؤَالُ الْيَهُودِ الرَّسُولَ، وَإِجَابَتُهُ لَهُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ (عَبْدِ) [1] الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكِّيُّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ الْأَشْعَرِيِّ: أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ جَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنَا عَنْ أَرْبَعٍ نَسْأَلُكَ عَنْهُنَّ، فَإِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ اتَّبَعْنَاكَ وَصَدَّقْنَاكَ، وَآمَنَّا بِكَ. قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ لَئِنْ أَنَا أَخْبَرْتُكُمْ بِذَلِكَ لَتُصَدِّقُنَّنِي، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَاسْأَلُوا عَمَّا بَدَا لَكُمْ، قَالُوا: فَأَخْبِرْنَا كَيْفَ يُشْبِهُ الْوَلَدُ أُمَّهُ، وَإِنَّمَا النُّطْفَةُ مِنْ الرَّجُلِ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُنْشِدُكُمْ باللَّه وَبِأَيَّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ نُطْفَةَ الرَّجُلِ بَيْضَاءُ غَلِيظَةٌ، وَنُطْفَةَ الْمَرْأَةِ صَفْرَاءُ رَقِيقَةٌ، فَأَيَّتُهُمَا عَلَتْ صَاحِبَتَهَا كَانَ لَهَا الشَّبَهُ؟ قَالُوا: اللَّهمّ نَعَمْ، قَالُوا: فَأَخْبِرْنَا كَيْفَ نَوْمُكَ؟ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ باللَّه وَبِأَيَّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ نَوْمَ الَّذِي تَزْعُمُونَ أَنِّي لَسْتُ بِهِ تَنَامُ عَيْنُهُ وَقَلْبُهُ يَقْظَانُ؟ فَقَالُوا: اللَّهمّ نَعَمْ، قَالَ: فَكَذَلِكَ نَوْمِي، تَنَامُ عَيْنِيَّ وَقَلْبِي يَقْظَانُ، قَالُوا: فَأَخْبِرْنَا عَمَّا حَرَّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ؟ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ باللَّه وَبِأَيَّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَانَ أَحَبُّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إلَيْهِ أَلْبَانَ الْإِبِلِ وَلُحُومَهَا، وَأَنَّهُ اشْتَكَى شَكْوَى، فَعَافَاهُ اللَّهُ مِنْهَا، فَحَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ أَحَبَّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إلَيْهِ شُكْرًا للَّه، فَحَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ لُحُومَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا؟ قَالُوا: اللَّهمّ نَعَمْ، قَالُوا: فَأَخْبِرْنَا عَنْ الرُّوحِ؟ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ باللَّه وَبِأَيَّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ، هَلْ تَعْلَمُونَهُ جِبْرِيلُ، وَهُوَ الَّذِي يَأْتِينِي؟ قَالُوا: اللَّهمّ نَعَمْ، وَلَكِنَّهُ يَا مُحَمَّدُ لَنَا عَدُوٌّ، وَهُوَ مَلَكٌ، إنَّمَا يَأْتِي بِالشِّدَّةِ وَبِسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاتَّبَعْنَاكَ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا 2: 97

_ [1] زِيَادَة عَن ط.

(إنكار اليهود نبوة داود عليه السلام، ورد الله عليهم) :

لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ 2: 97 ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ. وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ 2: 100- 102، أَيْ السِّحْرُ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ 2: 102. (إنْكَارُ الْيَهُودِ نُبُوَّةَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَرَدُّ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي- لَمَّا ذَكَرَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ فِي الْمُرْسَلِينَ، قَالَ بَعْضُ أَحْبَارِهِمْ: أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ مُحَمَّدٍ، يَزْعُمُ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ كَانَ نَبِيًّا، وَاَللَّهِ مَا كَانَ إلَّا سَاحِرًا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا 2: 102، أَيْ بِاتِّبَاعِهِمْ السِّحْرَ وَعَمَلِهِمْ بِهِ. وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ 2: 102. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الَّذِي حَرَّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ زَائِدَتَا الْكَبِدِ وَالْكُلْيَتَانِ وَالشَّحْمَ، إلَّا مَا كَانَ عَلَى الظَّهْرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ يُقَرَّبُ لِلْقُرْبَانِ، فَتَأْكُلَهُ النَّارُ. (كِتَابُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ، فِيمَا حَدَّثَنِي مَوْلًى لِآلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَاحِبِ مُوسَى وَأَخِيهِ، وَالْمُصَدِّقُ لِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى: أَلَا إنَّ اللَّهَ قَدْ قَالَ لَكُمْ يَا مَعْشَرَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ، وَإِنَّكُمْ لَتَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ، تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً، سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، ذلِكَ

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً 48: 29. وَإِنِّي أَنْشُدُكُمْ باللَّه، وَأَنْشُدُكُمْ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ، وَأَنْشُدُكُمْ بِاَلَّذِي أَطْعَمَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ أَسْبَاطِكُمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، وَأَنْشُدُكُمْ بِاَلَّذِي أَيْبَسَ الْبَحْرَ لِآبَائِكُمْ حَتَّى أَنَجَاهُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ، إلَّا أَخْبَرْتُمُونِي: هَلْ تَجِدُونَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِمُحَمِّدٍ؟ فَإِنْ كُنْتُمْ لَا تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ فَلَا كُرْهَ عَلَيْكُمْ. قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الْغَيِّ 2: 256- فَأَدْعُوكُمْ إلَى اللَّهِ وَإِلَى نَبِيِّهِ. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْن هِشَام: شطوه: فِرَاخُهُ، وَوَاحِدَتُهُ: شِطْأَةٌ. تَقُولُ الْعَرَبُ: قَدْ أَشْطَأَ الزَّرْعُ، إذَا أَخْرَجَ فِرَاخَهُ. وَآزَرَهُ: عَاوَنَهُ، فَصَارَ الَّذِي قَبْلَهُ مِثْلَ الْأُمَّهَاتِ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ حُجْرٍ الْكِنْدِيُّ: بمَحْنِيَةٍ قَدْ آزَرَ الضَّالَّ نَبْتُهَا ... مَجَرَّ جُيُوشٍ غَانِمِينَ وَخُيَّبِ [1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ مَالِكٍ الْأَرْقَطُ، أَحَدُ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ ابْن زَيْدِ مَنَاةَ: زَرْعًا وَقَضْبًا مُؤْزَرَ النَّبَاتِ [2] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ، وَسُوقُهُ (غَيْرُ مَهْمُوزٍ) : جَمْعُ سَاقٍ، لِسَاقِ [3] الشَّجَرَةِ. (مَا نَزَلَ فِي أَبِي يَاسِرٍ وَأَخِيهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، بِخَاصَّةٍ مِنْ الْأَحْبَارِ وَكُفَّارِ يَهُودَ، الَّذِي كَانُوا يَسْأَلُونَهُ وَيَتَعَنَّتُونَهُ لِيَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ- فِيمَا ذُكِرَ لِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِئَابٍ- أَنَّ أَبَا يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَتْلُو فَاتِحَةَ الْبَقَرَةِ: الم ذلِكَ الْكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ 2: 1- 2.

_ [1] المحنية: مَا انحنى من الْوَادي وانعطف. والضال: شجر يشبه السدر تعْمل مِنْهُ القسي. [2] القضب: الفصفصة الرّطبَة. [3] فِي أ: «كساق» . 35- سيرة ابْن هِشَام- 1

فَأَتَى أَخَاهُ حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ فِي رِجَالٍ مِنْ يَهُودَ، فَقَالَ: تَعْلَمُوا وَاَللَّهِ، لَقَدْ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَتْلُو فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ: الم ذلِكَ الْكِتابُ 2: 1- 2، فَقَالُوا: أَنْتَ سَمِعْتَهُ؟ فَقَالَ: نعم فمثنى حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ فِي أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ يَهُودَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، أَلَمْ يُذْكَرْ لَنَا أَنَّكَ تَتْلُو فِيمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ: الم ذلِكَ الْكِتابُ 2: 1- 2؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلَى، قَالُوا: أَجَاءَكَ بِهَا جِبْرِيلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: لَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ قَبْلَكَ أَنْبِيَاءَ، مَا نَعْلَمُهُ بَيَّنَ لِنَبِيٍّ مِنْهُمْ مَا مُدَّةُ مُلْكِهِ، وَمَا أَكْلُ [1] أُمَّتِهِ غَيْرَكَ، فَقَالَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَأَقْبَلَ عَلَى مَنْ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُمْ: الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ، وَاللَّامُ ثَلَاثُونَ، وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ، فَهَذِهِ إحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَةً، أَفَتَدْخُلُونَ فِي دِينٍ إنَّمَا مُدَّةُ مُلْكِهِ وَأَكْلُ أُمَّتِهِ إحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَةً؟ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ مَعَ هَذَا غَيْرُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَاذَا؟ قَالَ: المص 7: 1. قَالَ: هَذِهِ وَاَللَّهِ أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ، الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ وَاللَّامُ ثَلَاثُونَ، وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ، وَالصَّادُ تِسْعُونَ [2] ، فَهَذِهِ إِحْدَى وستّون [3] وَمِائَة سَنَةٍ، هَلْ مَعَ هَذَا يَا مُحَمَّدُ غَيْرُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ الر 10: 1. قَالَ: هَذِهِ وَاَللَّهِ أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ، الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ، وَاللَّامُ ثَلَاثُونَ، وَالرَّاءُ مِائَتَانِ، فَهَذِهِ إِحْدَى وَثَلَاثُونَ ومائتان، هَلْ مَعَ هَذَا غَيْرُهُ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: نَعَمْ المر 13: 1. قَالَ: هَذِهِ وَاَللَّهِ أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ، الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ، وَاللَّامُ ثَلَاثُونَ، وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ، وَالرَّاءُ مِائَتَانِ، فَهَذِهِ إِحْدَى وَسَبْعُونَ وَمِائَتَا سَنَةٍ، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ لُبِّسَ عَلَيْنَا أَمْرُكَ يَا مُحَمَّدُ، حَتَّى مَا نَدْرِي أَقَلِيلًا أُعْطِيتَ أَمْ كَثِيرًا؟ ثُمَّ قَامُوا عَنْهُ، فَقَالَ أَبُو يَاسِرٍ لِأَخِيهِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَلِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْأَحْبَارِ: مَا يُدْرِيكُمْ لَعَلَّهُ قَدْ جُمِعَ هَذَا كُلُّهُ لِمُحَمَّدٍ، إحْدَى وَسَبْعُونَ، وَإِحْدَى وَسِتُّونَ وَمِئَةً، وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ ومائتان، وَإِحْدَى وَسَبْعُونَ وَمِئَتَانِ، فَذَلِكَ سَبْعُ مِئَةٍ وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً [4] ، فَقَالُوا: لَقَدْ تَشَابَهَ عَلَيْنَا أَمْرُهُ. فَيَزْعُمُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ

_ [1] الْأكل (بِالضَّمِّ) : الرزق وَالطَّعَام. وَيُرِيد «بِأَكْل أمته» : طول مدتهم. [2] فِي أ: «سِتُّونَ» ، وَهُوَ خطأ. [3] فِي أ: «إِحْدَى وَثَلَاثُونَ» ، وَهُوَ خطأ مبْنى على التَّقْدِير السَّابِق للصاد. [4] فِي أ: «وَأَرْبع سِنِين» ، وَهُوَ خطأ أَيْضا.

(كفر اليهود به صلى الله عليه وسلم بعد استفتاحهم به، وما نزل في ذلك) :

الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِيهِمْ: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ، وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ 3: 7. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ سَمِعْتُ مَنْ لَا أَتَّهِمُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ: أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ إنَّمَا أُنْزِلْنَ فِي أَهْلِ نَجْرَانَ، حَيْنَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ عَنْ عِيسَى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّهُ قَدْ سَمِعَ: أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ إنَّمَا أُنْزِلْنَ فِي نَفَرٍ مِنْ يَهُودَ، وَلَمْ يُفَسِّرْ ذَلِكَ لِي. فاللَّه أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ. (كُفْرُ الْيَهُودِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ اسْتِفْتَاحِهِمْ بِهِ، وَمَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ ابْن جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ يَهُودَ كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ، فَلَمَّا بَعَثَهُ اللَّهُ مِنْ الْعَرَبِ كَفَرُوا بِهِ، وَجَحَدُوا مَا كَانُوا يَقُولُونَ فِيهِ. فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ. وَبِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، اتَّقُوا اللَّهَ وَأَسْلِمُوا، فَقَدْ كُنْتُمْ تَسْتَفْتِحُونَ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ وَنَحْنُ أَهْلُ شِرْكٍ، وَتُخْبِرُونَنَا أَنَّهُ مَبْعُوثٌ، وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفَّتِهِ، فَقَالَ سَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ، أَحَدُ بَنِي النَّضِيرِ: مَا جَاءَنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفُهُ، وَمَا هُوَ بِاَلَّذِي كُنَّا نَذْكُرُهُ لَكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ 2: 89. (مَا نَزَلَ فِي نُكْرَانِ مَالِكِ بْنِ الصَّيْفِ الْعَهْدَ إلَيْهِمْ بِالنَّبِيِّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ مَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ [1] ، حَيْنَ بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، - وَذَكَرَ لَهُمْ مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ لَهُ مِنْ الْمِيثَاقِ، وَمَا عَهِدَ اللَّهُ إلَيْهِمْ فِيهِ: وَاَللَّهِ مَا عُهِدَ إلَيْنَا فِي مُحَمَّدٍ عَهْدٌ، وَمَا أُخِذَ لَهُ عَلَيْنَا مِنْ مِيثَاقٍ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ:

_ [1] فِي أ: «الضَّيْف» بالضاد الْمُعْجَمَة، وهما رِوَايَتَانِ فِيهِ.

(ما نزل في قول أبى صلوبا: «ما جئتنا بشيء نعرفه» ) :

أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ 2: 100 (مَا نَزَلَ فِي قَوْلِ أَبِي صَلُوبا: «مَا جِئْتنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفُهُ» ) : وَقَالَ أَبُو [1] صَلُوبا الْفَطْيُونِيُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمَّدُ، مَا جِئْتَنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفُهُ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنْ آيَةٍ فَنَتَّبِعَكَ لَهَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ 2: 99. (مَا نَزَلَ فِي قَوْلِ ابْنِ حُرَيْمِلَةَ وَوَهْبٍ) : وَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ، وَوَهْبُ بْنُ زَيْدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمَّدُ، ائْتِنَا بِكِتَابٍ تُنَزِّلُهُ عَلَيْنَا مِنْ السَّمَاءِ نَقْرَؤُهُ، وَفَجِّرْ لَنَا أَنَهَارًا نَتَّبِعْكَ وَنُصَدِّقْكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا: أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ، وَمن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ 2: 108. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَوَاءُ السَّبِيلِ: وَسَطُ السَّبِيلِ. قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: يَا وَيْحَ أَنْصَارِ النَّبِيِّ وَرَهْطِهِ ... بَعْدَ الْمُغَيَّبِ فِي سَوَاءِ الْمُلْحَدِ [2] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: (مَا نَزَلَ فِي صَدِّ حُيَيٍّ وَأَخِيهِ النَّاسَ عَنْ الْإِسْلَامِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَأَخُوهُ أَبُو يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ، مِنْ أَشَدِّ يَهُودَ لِلْعَرَبِ حَسَدًا، إذْ خَصَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَا جَاهِدَيْنِ فِي رَدِّ النَّاسِ عَنْ الْإِسْلَامِ بِمَا اسْتَطَاعَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ، فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 2: 109.

_ [1] فِي م، ر: «ابْن» . [2] الملحد: الْقَبْر.

(تنازع اليهود والنصارى عند الرسول صلى الله عليه وسلم) :

(تَنَازُعُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عِنْدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا قَدِمَ أَهْلُ نَجْرَانَ مِنْ النَّصَارَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَتْهُمْ أَحْبَارُ يَهُودَ، فَتَنَازَعُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ: مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَكَفَرَ بِعِيسَى وَبِالْإِنْجِيلِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ مِنْ النَّصَارَى لِلْيَهُودِ: مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَجَحَدَ نُبُوَّةَ مُوسَى وَكَفَرَ بِالتَّوْرَاةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ، وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ، وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ، كَذلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ، فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ 2: 113، أَيْ كُلٌّ يَتْلُو فِي كِتَابِهِ تَصْدِيقَ مَا كَفَرَ بِهِ، أَيْ يَكْفُرُ الْيَهُودُ بِعِيسَى، وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ فِيهَا مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَلَى لِسَانِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالتَّصْدِيقِ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَفِي الْإِنْجِيلِ مَا جَاءَ بِهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنْ تَصْدِيقِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ التَّوْرَاةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَكُلٌّ يَكْفُرُ بِمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ. (مَا نَزَلَ فِي طَلَبِ ابْنِ حُرَيْمِلَةَ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمَّدُ، إنْ كُنْتَ رَسُولًا مِنْ اللَّهِ كَمَا تَقُولُ، فَقُلْ للَّه فَلْيُكَلِّمْنَا حَتَّى نَسْمَعَ كَلَامَهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: وَقال الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ، أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ، قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ 2: 118. (مَا نَزَلَ فِي سُؤَالِ ابْنِ صُورِيَّا لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَنْ يَتَهَوَّدَ) : وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَّا الْأَعْوَرُ الْفَطْيُونِيُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا الْهُدَى إلَّا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، فَاتَّبِعْنَا يَا مُحَمَّدُ تَهْتَدِ، وَقَالَتْ النَّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صُورِيَّا وَمَا قَالَتْ النَّصَارَى: وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا، قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 2: 135. ثُمَّ الْقِصَّةَ إلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ،

(مقالة اليهود عند صرف القبلة إلى الكعبة) :

لَها مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ، وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ 2: 134. (مَقَالَةُ الْيَهُودِ عِنْدَ صَرْفِ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا صُرِفَتْ الْقِبْلَةُ عَنْ الشَّامِ إلَى الْكَعْبَةِ، وَصُرِفَتْ فِي رَجَبٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَرْدَمُ بْنُ عَمْرٍو، وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، وَرَافِعُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ عَمْرٍو، حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَالرَّبِيعُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَكِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، مَا وَلَّاكَ عَنْ قِبْلَتِكَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ عَلَى مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ؟ ارْجِعْ إلَى قِبْلَتِكَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا نَتَّبِعْكَ وَنُصَدِّقْكَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ فِتْنَتَهُ عَنْ دِينِهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها، قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ، يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً. وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ 2: 142- 143، أَيْ ابْتِلَاءً وَاخْتِبَارًا وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ 2: 143، أَيْ مِنْ الْفِتَنِ: أَيْ الَّذِينَ ثَبَّتَ اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ 2: 143، أَيْ إيمَانَكُمْ بِالْقِبْلَةِ الْأُولَى، وَتَصْدِيقَكُمْ نَبِيَّكُمْ، وَاتِّبَاعَكُمْ إيَّاهُ إلَى الْقِبْلَةِ الْآخِرَةِ، وَطَاعَتَكُمْ نَبِيَّكُمْ فِيهَا: أَيْ لَيُعْطِيَنَّكُمْ أَجْرَهُمَا جَمِيعًا إِنَّ الله بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ 2: 143. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ 2: 144. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: شَطْرَهُ: نَحْوَهُ وَقَصْدَهُ. قَالَ عَمْرُو بْنُ أَحْمَرَ الْبَاهِلِيُّ- وَبَاهِلَةُ ابْن يَعْصِرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ- يَصِفُ نَاقَةً لَهُ:

(كتمانهم ما في التوراة من الحق) :

تَعْدُو بِنَا شَطْرَ جَمْعٍ وَهِيَ عَاقِدَةٌ ... قَدْ كارَبَ الْعَقْدُ مِنْ إيفَادِهَا الْحَقَبَا [1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ قَيْسُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الْهُذَلِيُّ يَصِفُ نَاقَتَهُ: إنَّ النَّعُوسَ [2] بِهَا دَاءٌ مُخَامِرُهَا ... فَشَطْرَهَا نَظَرُ الْعَيْنَيْنِ مَحْسُورُ [3] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ [4] : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالنَّعُوسُ: نَاقَتُهُ، وَكَانَ بِهَا دَاءٌ فَنَظَرَ إلَيْهَا نَظَرَ حَسِيرٍ، مِنْ قَوْلِهِ: وَهُوَ حَسِيرٌ. وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ. وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ، وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ، وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ، وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ، إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ 2: 144- 145. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ- فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ 2: 147. (كِتْمَانُهُمْ مَا فِي التَّوْرَاةِ مِنْ الْحَقِّ) : وَسَأَلَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، نَفَرًا مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ عَنْ بَعْضِ. مَا فِي التَّوْرَاةِ، فَكَتَمُوهُمْ إيَّاهُ، وَأَبَوْا أَنْ يُخْبِرُوهُمْ عَنْهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ 2: 159.

_ [1] عاقدة: يصف نَاقَته بِأَنَّهَا عقدت ذنبها بَين فخذيها، وَذَلِكَ أول مَا تحمل. والإيفاد: الإشراف. والحقب: حَبل يشد بِهِ الرحل إِلَى بطن الْبَعِير. [2] النعوس: الْكَثِيرَة النعاس. ويروى: «العسير» ، وَهِي النَّاقة الَّتِي تركب قبل أَن ترَاض وتلين [3] مخامرها: مخالطها. ومحسور: أَي معجز. [4] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ.

(جوابهم للنبي عليه الصلاة والسلام حين دعاهم إلى الإسلام) :

(جَوَابُهُمْ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ) : قَالَ: وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَى الْإِسْلَامِ وَرَغَّبَهُمْ فِيهِ، وَحَذَّرَهُمْ عَذَابَ اللَّهِ وَنِقْمَتَهُ، فَقَالَ لَهُ رَافِعُ بْنُ خَارِجَةَ، وَمَالِكُ ابْن عَوْفٍ: بَلْ نَتْبَعُ يَا مُحَمَّدُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا، فَهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ وَخَيْرًا مِنَّا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا، أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ 2: 170. (جَمْعُهُمْ فِي سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ) : وَلَمَّا أَصَابَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قُرَيْشًا يَوْمَ بَدْرٍ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ فِي سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، حَيْنَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، أَسْلِمُوا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَكُمْ اللَّهُ بِمِثْلِ مَا أَصَابَ بِهِ قُرَيْشًا، فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، لَا يَغِرُّنَّكَ مِنْ نَفْسِكَ أَنَّكَ قَتَلْتَ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ، كَانُوا أَغْمَارًا [1] لَا يَعْرِفُونَ الْقِتَالَ، إنَّكَ وَاَللَّهِ لَوْ قَاتَلْتنَا لَعَرَفْتَ أَنَّا نَحْنُ النَّاسُ، وَأَنَّكَ لَمْ تَلْقَ مِثْلَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ، قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا، فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأُخْرى كافِرَةٌ، يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ، وَالله يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ 3: 12- 13. (دُخُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ الْمِدْرَاسِ) : قَالَ: وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ الْمِدْرَاسِ [2] عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ يَهُودَ، فَدَعَاهُمْ إلَى اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَالْحَارِثُ بْنُ زَيْدٍ: عَلَى أَيِّ دِينٍ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: عَلَى مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ، قَالَا: فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ يَهُودِيًّا، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَهَلُمَّ إلَى التَّوْرَاةِ، فَهِيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ،

_ [1] الأغمار: جمع غمر، وَهُوَ الّذي لم يجرب الْأُمُور. [2] كَذَا فِي أ. وَبَيت الْمِدْرَاس: هُوَ بَيت الْيَهُود حَيْثُ يتدارسون فِيهِ كِتَابهمْ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بَيت الْمدَارِس»

(اختلاف اليهود والنصارى في إبراهيم عليه السلام) :

فَأَبَيَا عَلَيْهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ، وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ 3: 23- 24. (اخْتِلَافُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ) : وَقَالَ أَحْبَارُ يَهُودَ وَنَصَارَى نَجْرَانَ، حَيْنَ اجْتَمَعُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنَازَعُوا، فَقَالَتْ الْأَحْبَارُ: مَا كَانَ إبْرَاهِيمُ إلَّا يَهُودِيًّا، وَقَالَتْ النَّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ: مَا كَانَ إبْرَاهِيمُ إلَّا نَصْرَانِيًّا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ، هَا أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ، فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ، وَالله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ. مَا كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا، وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً، وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ، وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَالله وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ 3: 65- 68. (مَا نَزَلَ فِيمَا هَمَّ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ غَدْوَةً، وَالْكُفْرِ عَشِيَّةً) : وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَيْفٍ [1] ، وَعَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعَالَوْا نُؤْمِنْ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ غُدْوَةً، وَنَكْفُرْ بِهِ عَشِيَّةً، حَتَّى نَلْبِسَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَصْنَعُونَ كَمَا نَصْنَعُ، وَيَرْجِعُونَ عَنْ دِينِهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ، وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ، قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ، وَالله واسِعٌ عَلِيمٌ 3: 71- 73.

_ [1] فِي أ: «ضيف» بالضاد الْمُعْجَمَة، وهما رِوَايَتَانِ فِيهِ.

(ما نزل في قول أبى رافع والنجراني «أتريد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى» ) :

(مَا نَزَلَ فِي قَوْلِ أَبِي رَافِعٍ وَالنَّجْرَانِيِّ «أَتُرِيدُ أَنْ نَعْبُدَكَ كَمَا تَعْبُدُ النَّصَارَى عِيسَى» ) : وَقَالَ أَبُو رَافِعٍ الْقُرَظِيُّ، حَيْنَ اجْتَمَعَتْ الْأَحْبَارُ مِنْ يَهُودَ، وَالنَّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ: أَتُرِيدُ مِنَّا يَا مُحَمَّدُ أَنْ نَعْبُدَكَ كَمَا تَعْبُدُ النَّصَارَى عِيسَى بن مَرْيَمَ؟ وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ نَصْرَانِيٌّ، يُقَالُ لَهُ: الرِّبَيِّسُ، (وَيُرْوَى: الرَّيِّسُ، وَالرَّئِيسُ) [1] : أَوَذَاكَ تُرِيدُ مِنَّا يَا مُحَمَّدُ وَإِلَيْهِ تَدْعُونَا؟ أَوْ كَمَا قَالَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَعْبُدَ غَيْرَ اللَّهِ أَوْ آمُرَ بِعِبَادَةِ غَيْرِهِ، فَمَا بِذَلِكَ بَعَثَنِي اللَّهُ، وَلَا أَمَرَنِي، أَوْ كَمَا قَالَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا: مَا كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ، ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ، وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ 3: 79 ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 3: 80. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الرَّبَّانِيُّونَ: الْعُلَمَاءُ الْفُقَهَاءُ السَّادَةُ، وَاحِدُهُمْ: رَبَّانِيٌّ [2] . قَالَ الشَّاعِرُ: لَوْ كُنْتُ مُرْتَهِنًا [3] فِي الْقَوْسِ أَفْتَنَنِي ... مِنْهَا الْكَلَامُ وَرَبَّانِيَّ أَحْبَارِ (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْقَوْسُ: صَوْمَعَةُ الرَّاهِبِ. وَأَفْتَنَنِي، لُغَةُ تَمِيمٍ. وَفَتَنَنِي، لُغَةُ قَيْسٍ [4] . قَالَ جَرِيرٌ:

_ [1] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ. [2] وَقيل الربانيون: الَّذين يربون النَّاس بصغار الْعلم قبل كباره، وَقيل: نسبوا إِلَى علم الرب وَالْفِقْه فِيمَا أنزل، وزيدت فِيهِ الْألف وَالنُّون لتضخيم الِاسْم (عَن السهيليّ) . [3] مرتهنا: أَي مُقيما. ويروى: «مرتهبا» بِالْبَاء بدل النُّون، وَهُوَ من الرهبانية، وَهِي عبَادَة النَّصَارَى. [4] قَالَ السهيليّ: ومآل هَذَا الْفرق إِلَى أَن «فتنته» صرفته، فجَاء على وَزنه، لِأَن الْمفْتُون مَصْرُوف عَن حق، و «أفتنته» أضللته وأغويته، فجَاء على وزن مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ. وَأما «فتنت» الحديدة فِي النَّار، فعلى وزن فعلت لَا غير، لِأَنَّهَا فِي معنى خبرتها وبلوتها وَنَحْو ذَلِك.

(ما نزل في أخذ الميثاق عليهم) :

لَا وَصْلَ إذْ صَرَمَتْ هِنْدٌ وَلَوْ وَقَفَتْ ... لَاسْتَنْزَلَتْنِي وَذَا الْمِسْحَيْنِ فِي الْقَوْسِ أَيْ صَوْمَعَةَ الرَّاهِبِ. وَالرَّبَّانِيُّ: مُشْتَقٌّ مِنْ الرَّبِّ، وَهُوَ السَّيِّدُ. وَفِي كِتَابِ اللَّهِ: فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً 12: 41، أَيْ سَيِّدَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 3: 80. (مَا نَزَلَ فِي أَخْذِ الْمِيثَاقِ عَلَيْهِمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ ذَكَرَ مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَعَلَى أَنْبِيَائِهِمْ مِنْ الْمِيثَاقِ بِتَصْدِيقِهِ إذْ هُوَ جَاءَهُمْ، وَإِقْرَارَهُمْ، فَقَالَ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ، ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ، قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي، قالُوا أَقْرَرْنا، قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ 3: 81 إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. (سَعْيُهُمْ فِي الْوَقِيعَةِ بَيْنَ الْأَنْصَارِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَرَّ شَاسُ بْنُ قَيْسٍ، وَكَانَ شَيْخًا قَدْ عَسَا [1] ، عَظِيمَ الْكُفْرِ شَدِيدَ الضَّغَنِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، شَدِيدَ الْحَسَدِ لَهُمْ، عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ. فِي مَجْلِسٍ قَدْ جَمَعَهُمْ، يَتَحَدَّثُونَ فِيهِ، فَغَاظَهُ مَا رَأَى مِنْ أُلْفَتِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ، وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، بَعْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ: قَدْ اجْتَمَعَ مَلَأُ [2] بَنِي قَيْلَةَ بِهَذِهِ الْبِلَادِ، لَا وَاَللَّهِ مَا لَنَا مَعَهُمْ إذَا اجْتَمَعَ مَلَؤُهُمْ بِهَا مِنْ قَرَارٍ. فَأَمَرَ فَتًى شَابًّا مِنْ يَهُودَ كَانَ مَعَهُمْ، فَقَالَ: اعْمِدْ إلَيْهِمْ، فَاجْلِسْ مَعَهُمْ، ثُمَّ اُذْكُرْ يَوْمَ بُعَاثَ [3] وَمَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنْشِدْهُمْ بَعْضَ مَا كَانُوا تَقَاوَلُوا فِيهِ مِنْ الْأَشْعَارِ. (شَيْءٌ عَنْ يَوْمِ بُعَاثَ) : وَكَانَ يَوْمُ بُعَاثَ يَوْمًا اقْتَتَلَتْ فِيهِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، وَكَانَ الظَّفْرُ فِيهِ يَوْمئِذٍ

_ [1] عسا: أسن وَولى. [2] مَلأ الْقَوْم: أَشْرَافهم، وَقيل: جَمَاعَتهمْ. [3] بُعَاث: يرْوى بِالْعينِ الْمُهْملَة وَلَيْسَ بالغين الْمُعْجَمَة.

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

لِلْأَوْسِ عَلَى الْخَزْرَجِ، وَكَانَ عَلَى الْأَوْسِ يَوْمئِذٍ حُضَيْرُ بْنُ سِمَاكٍ الْأَشْهَلِيُّ، أَبُو أُسَيْدِ بْنُ حُضَيْرٍ، وَعَلَى الْخَزْرَجِ عَمْرُو بْنُ النُّعْمَانِ البَيَاضِيُّ، فَقُتِلَا جَمِيعًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ: عَلَى أَنْ قَدْ فُجِعْتُ بِذِي حِفَاظٍ ... فَعَاوَدَنِي لَهُ حُزْنٌ رَصِينُ [1] فَإِمَّا تَقْتُلُوهُ فَإِنَّ عَمْرًا ... أَعَضَّ بِرَأْسِهِ عَضْبٌ سَنِينُ [2] وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَحَدِيثُ يَوْمِ بُعَاثَ أَطْوَلُ مِمَّا ذَكَرْتُ، وَإِنَّمَا مَنَعَنِي مِنْ اسْتِقْصَائِهِ مَا ذَكَرْتُ مِنْ الْقَطْعِ. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : [3] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَنِينُ: مَسْنُونٌ، مِنْ سَنَّهُ، إذَا شَحَذَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَفَعَلَ. فَتَكَلَّمَ الْقَوْمُ عِنْدَ ذَلِكَ وَتَنَازَعُوا وَتَفَاخَرُوا حَتَّى تَوَاثَبَ رَجُلَانِ مِنْ الْحَيَّيْنِ عَلَى الرُّكْبِ، أَوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ، مِنْ الْأَوْسِ، وَجَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ، أَحَدُ بَنِي سَلِمَةَ مِنْ الْخَزْرَجِ، فَتَقَاوَلَا ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إنْ شِئْتُمْ رَدَدْنَاهَا الْآنَ جَذَعَةً [4] ، فَغَضِبَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا، وَقَالُوا: قَدْ فَعَلْنَا، مَوْعِدُكُمْ الظَّاهِرَةُ- وَالظَّاهِرَةُ: الْحرَّةُ- السِّلَاحَ السِّلَاحَ. فَخَرَجُوا إلَيْهَا. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى جَاءَهُمْ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهَ اللَّهَ، أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ بَعْدَ أَنْ هَدَاكُمْ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ، وَأَكْرَمَكُمْ بِهِ، وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنْ الْكُفْرِ، وَأَلَّفَ بِهِ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ، فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنَّهَا نَزْغَةٌ [5] مِنْ الشَّيْطَانِ، وَكَيْدٌ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَبَكَوْا وَعَانَقَ الرِّجَالُ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، قَدْ أَطْفَأَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَيْدَ عَدُوِّ اللَّهِ شَأْسِ بْنِ قَيِّسْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ

_ [1] الْحفاظ: الْغَضَب. ورصين: ثَابت دَائِم. [2] الْغَضَب: السَّيْف الْقَاطِع. [3] هَذِه الْعبارَة من قَوْله «قَالَ» إِلَى قَوْله «شحذه» سَاقِطَة فِي أ. [4] رددناها الْآن جَذَعَة: أَي رددنا الآخر إِلَى أَوله. [5] النزغة: الْإِفْسَاد بَين النَّاس.

(ما نزل في قولهم: «ما آمن إلا شرارنا» ) :

تَعَالَى فِي شَأْسِ بْنِ قَيْسٍ وَمَا صَنَعَ: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ، وَالله شَهِيدٌ عَلى مَا تَعْمَلُونَ. قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً، وَأَنْتُمْ شُهَداءُ، وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ 3: 98- 99. وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَوْسِ بْنِ قَيْظِيٍّ وَجَبَّارِ بْنِ صَخْرٍ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا مِنْ قَوْمِهِمَا الَّذِينَ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا عَمَّا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ شَأْسٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ. وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ، وَمن يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ، وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 3: 100- 102 ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ 3: 105. (مَا نَزَلَ فِي قَوْلِهِمْ: «مَا آمَنَ إلَّا شِرَارُنَا» ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْيَةَ، وَأُسَيْدُ بْنُ سَعْيَةَ، وَأَسَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودَ مَعَهُمْ، فَآمَنُوا وَصَدَّقُوا وَرَغِبُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَرَسَخُوا فِيهِ، قَالَتْ أَحْبَارُ يَهُودَ، أَهْلِ الْكُفْرِ مِنْهُمْ: مَا آمَنَ بِمُحَمَّدٍ وَلَا اتَّبَعَهُ إلَّا شِرَارُنَا، وَلَوْ كَانُوا مِنْ أَخْيَارِنَا مَا تَرَكُوا دِينَ آبَائِهِمْ وَذَهَبُوا إلَى غَيْرِهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ 3: 113. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: آنَاءَ اللَّيْلِ: سَاعَاتِ اللَّيْلِ: وَوَاحِدُهَا: إنْيٌ. قَالَ الْمُتَنَخِّلُ الْهُذَلِيُّ، وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ عُوَيْمِرٍ، يَرْثِي أُثَيْلَةَ ابْنَهُ: حُلْوٌ وَمُرٌّ كَعَطْفِ الْقِدْحِ شِيمَتُهُ ... فِي كُلِّ إنْيٍ قَضَاهُ اللَّيْلُ يَنْتَعِلُ [1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ، يَصِفُ حِمَارَ وَحْشٍ:

_ [1] الْقدح: السهْم.

(ما نزل في نهى المسلمين عن مباطنة اليهود) :

يُطَرِّبُ آنَاءَ النَّهَارِ كَأَنَّهُ ... غَوِيٌّ [1] سَقَاهُ فِي التِّجَارِ [2] نَدِيمُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَيُقَالُ: إنًى (مَقْصُورٌ) [3] ، فِيمَا أَخْبَرَنِي يُونُسُ [4] . يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ، وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ 3: 114. (مَا نَزَلَ فِي نَهْيِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ مُبَاطَنَةِ الْيَهُودِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُوَاصِلُونَ رِجَالًا مِنْ الْيَهُودِ، لِمَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْجِوَارِ وَالْحِلْفِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ يَنْهَاهُمْ عَنْ مُبَاطَنَتِهِمْ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ، لَا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ، قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ، قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ. هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ، وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ 3: 118- 119، أَيْ تُؤْمِنُونَ بِكِتَابِكُمْ، وَبِمَا مَضَى مِنْ الْكُتُبِ قَبْلَ ذَلِكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِكِتَابِكُمْ، فَأَنْتُمْ كُنْتُمْ أَحَقَّ بِالْبَغْضَاءِ لَهُمْ مِنْهُمْ لَكُمْ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا، وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ، قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ 3: 119 إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. (مَا كَانَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَفِنْحَاصٍ) : وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بَيْتَ الْمِدْرَاسِ [5] عَلَى يَهُودَ، فَوَجَدَ مِنْهُمْ نَاسًا كَثِيرًا قَدْ اجْتَمَعُوا إلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ فِنْحَاصُ، وَكَانَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَأَحْبَارِهِمْ، وَمَعَهُ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِهِمْ، يُقَالُ لَهُ: أَشْيَعُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِفِنْحَاصٍ: وَيْحَكَ يَا فَنُحَاصُ! اتَّقِ الله وَأسلم، فو اللَّهِ إنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّ مُحَمَّدًا لَرَسُولُ اللَّهِ، قَدْ جَاءَكُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِهِ، تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، فَقَالَ فِنْحَاصُ

_ [1] الغوى: الْمُفْسد. [2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والتجار: جمع تَاجر، وَهُوَ بَائِع الْخمر، وَفِي أ: «النجار» بالنُّون [3] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ. [4] قَالَ السهيليّ: وَهَذِه لُغَة الْقُرْآن. قَالَ تَعَالَى: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ 33: 53. [5] كَذَا فِي أ. وَبَيت الْمِدْرَاس: هُوَ الْبَيْت الّذي يتدارس فِيهِ الْيَهُود كِتَابهمْ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الْمدَارِس» .

لِأَبِي بَكْرٍ: وَاَللَّهِ يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا بِنَا إلَى اللَّهِ مِنْ فَقْرٍ، وَإِنَّهُ إلَيْنَا لَفَقِيرٌ، وَمَا نَتَضَرَّعُ إلَيْهِ كَمَا يَتَضَرَّعُ إلَيْنَا، وَإِنَّا عَنْهُ لَأَغْنِيَاءُ، وَمَا هُوَ عَنَّا بِغَنِيٍّ، وَلَوْ كَانَ عَنَّا غَنِيًّا مَا اسْتَقْرَضَنَا أَمْوَالَنَا، كَمَا يَزْعُمُ صَاحِبُكُمْ، يَنْهَاكُمْ عَنْ الرِّبَا وَيُعْطِينَاهُ وَلَوْ كَانَ عَنَّا غَنِيًّا مَا أَعْطَانَا الرِّبَا. قَالَ: فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ، فَضَرَبَ وَجْهَ فِنْحَاصَ ضَرْبًا شَدِيدًا، وَقَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، لَضَرَبْتُ رَأْسَكَ، أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ. قَالَ: فَذَهَبَ فِنْحَاصُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اُنْظُرْ مَا صَنَعَ بِي صَاحِبُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ عَدُوَّ اللَّهِ قَالَ قَوْلًا عَظِيمًا، إنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَأَنَّهُمْ أَغْنِيَاءُ، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ غَضِبْتُ للَّه مِمَّا قَالَ، وَضَرَبْتُ وَجْهَهُ. فَجَحَدَ ذَلِكَ فِنْحَاصُ، وَقَالَ: مَا قُلْتُ ذَلِكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا قَالَ فِنْحَاصُ رَدًّا عَلَيْهِ، وَتَصْدِيقًا لِأَبِي بَكْرٍ: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ، سَنَكْتُبُ مَا قالُوا، وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ 3: 181. وَنَزَلَ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَا بَلَغَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْغَضَبِ: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمن الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً. وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ 3: 186. ثُمَّ قَالَ فِيمَا قَالَ فِنْحَاصُ وَالْأَحْبَارُ مَعَهُ مِنْ يَهُودَ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ، فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ، وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا، فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ. لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا، وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ 3: 187- 188 يَعْنِي فِنْحَاصَ، وَأَشْيَعَ وَأَشْبَاهَهُمَا مِنْ الْأَحْبَارِ، الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا يُصِيبُونَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَا زَيَّنُوا لِلنَّاسِ مِنْ الضَّلَالَةِ، وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا، أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: عُلَمَاءُ، وَلَيْسُوا بِأَهْلِ عِلْمٍ، لَمْ يَحْمِلُوهُمْ عَلَى هُدًى وَلَا حَقٍّ، وَيُحِبُّونَ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: قَدْ فَعَلُوا.

(أمرهم المؤمنين بالبخل) :

(أَمْرُهُمُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْبُخْلِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ كَرْدَمُ بْنُ قَيْسٍ، حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَأُسَامَةُ بْنُ حَبِيبٍ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نَافِعٍ، وَبَحْرِيُّ بْنُ عَمْرٍو، وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ، يَأْتُونَ رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانُوا يُخَالِطُونَهُمْ، يَنْتَصِحُونَ [1] لَهُمْ، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُونَ لَهُمْ: لَا تُنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ فَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْكُمْ الْفَقْرَ فِي ذَهَابِهَا، وَلَا تُسَارِعُوا فِي النَّفَقَةِ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ عَلَامَ يَكُونُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ 4: 37، أَيْ مِنْ التَّوْرَاةِ، الَّتِي فِيهَا تَصْدِيقُ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً. وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ، وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ 4: 37- 38 ... إلَى قَوْلِهِ: وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً 4: 39. (جَحْدُهُمُ الْحَقَّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ مِنْ عُظَمَاءِ يَهُودَ، إذَا كَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوَى لِسَانَهُ، وَقَالَ: أَرْعِنَا سَمْعَكَ يَا مُحَمَّدُ، حَتَّى نُفْهِمَكَ، ثُمَّ طَعَنَ فِي الْإِسْلَامِ وَعَابَهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ وَالله أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ، وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا، وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً. مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ، وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ، وَراعِنا 4: 44- 46، (أَيْ رَاعِنَا سَمْعَكَ) [2] لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَطَعْناً فِي الدِّينِ، وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا، لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ، وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا 4: 46. وَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُؤَسَاءَ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ، مِنْهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ

_ [1] وَفِي أ: «يتنصحون» . [2] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ.

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

ابْن صُورِيَّا [1] الْأَعْوَرُ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، اتَّقُوا الله وَأَسْلمُوا، فو اللَّهَ إنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي جِئتُكُمْ بِهِ الحقّ، قَالُوا: مَا نَعْرِفُ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ: فَجَحَدُوا مَا عَرَفُوا، وَأَصَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها، أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ، وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا 4: 47. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: نَطْمِسَ: نَمْسَحَهَا فَنُسَوِّيهَا، فَلَا يُرَى فِيهَا عَيْنٌ وَلَا أَنْفٌ وَلَا فَمٌ، وَلَا شَيْءٌ مِمَّا يُرَى فِي الْوَجْهِ، وَكَذَلِكَ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ 54: 37. الْمَطْمُوسُ الْعَيْنُ: الَّذِي لَيْسَ بَيْنَ جَفْنَيْهِ شِقٌّ. وَيُقَالُ: طَمَسْتُ الْكِتَابَ وَالْأَثَرَ، فَلَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ. قَالَ الْأَخْطَلُ، وَاسْمُهُ الْغَوْثُ [2] بْنُ هُبَيْرَةَ بْنِ الصَّلْتِ التَّغْلِبِيُّ، يَصِفُ إبِلًا كَلَّفَهَا مَا ذَكَرَ: وتَكْلِيفُناها كُلَّ طَامِسَةٍ الصُّوَى ... شَطُونٍ تَرَى حِرْبَاءَهَا يَتَمَلْمَلُ [3] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاحِدَةُ الصُّوَى: صُوَّةٌ. وَالصُّوَى: الْأَعْلَامُ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى الطُّرُقِ وَالْمِيَاهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَقُولُ: مُسِحَتْ فَاسْتَوَتْ بِالْأَرْضِ، فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ نَاتِئٌ. (النَّفَرُ الَّذِينَ حَزَّبُوا الْأَحْزَابَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الَّذِينَ حَزَّبُوا الْأَحْزَابَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ وَبَنْي قُرَيْظَةَ: حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَسِلَامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ، أَبُو رَافِعٍ [4] ، وَالرَّبِيعُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَبُو عَمَّارٍ، وَوَحْوَحُ بْنُ عَامِرٍ، وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ. فَأَمَّا وَحْوَحُ،

_ [1] فِي بعض الْأُصُول هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي: «صورى» ، وَهِي رِوَايَة فِيهِ (رَاجع الْقَامُوس وَشَرحه، مَادَّة صور) . [2] الْمَشْهُور أَن اسْم الأخطل: غياث بن غوث بن الصَّلْت. [3] شطون: بعيد. والحرباء: دويبة أكبر من العظاءة، يسْتَقْبل الشَّمْس ويدور مَعهَا أَيْنَمَا دارت ويتململ: يتقلب من شدَّة الْحر. [4] فِي م، ر: «وَأَبُو رَافع» . 36- سيرة ابْن هِشَام- 1

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

وَأَبُو عَمَّارٍ، وَهَوْذَةُ، فَمِنْ بَنِي وَائِلٍ، وَكَانَ سَائِرُهُمْ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ. فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى قُرَيْشٍ قَالُوا: هَؤُلَاءِ أَحْبَارُ يَهُودَ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ، فَسَلُوهُمْ: دِينُكُمْ خَيْرٌ أَمْ دِينُ مُحَمَّدٍ؟ فَسَأَلُوهُمْ، فَقَالُوا: بَلْ دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ، وَأَنْتُمْ أَهْدَى مِنْهُ وَمِمَّنْ اتَّبَعَهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ 4: 51. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْجِبْتُ (عِنْدَ الْعَرَبِ) : مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَالطَّاغُوتُ: كُلُّ مَا أَضَلَّ عَنْ الْحَقِّ. وَجَمْعُ الْجِبْتِ: جُبُوتٌ، وَجَمْعُ الطَّاغُوتِ طَوَاغِيتُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنَا عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ أَنَّهُ قَالَ: الْجِبْتُ: السَّحَرُ وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ. وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا 4: 51. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ، وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً 4: 54. (إِنْكَارُهُمُ التَّنْزِيلَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ سُكَيْنٌ وَعَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ: يَا مُحَمَّدُ، مَا نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ مُوسَى. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ، وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً. وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ، وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ، وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً. رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ، وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً 4: 163- 165. وَدَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: أَمَا وَاَللَّهِ

(اجتماعهم على طرح الصخرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم) :

إنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ إلَيْكُمْ، قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ، وَمَا نَشْهَدُ عَلَيْهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: لكِنِ اللَّهِ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ، وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً 4: 166. (اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى طَرْحِ الصَّخْرَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَنِي النَّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ الْعَامِرِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ قَتَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ. فَلَمَّا خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ قَالُوا: لَنْ تَجِدُوا مُحَمَّدًا أَقْرَبَ مِنْهُ الْآنَ، فَمَنْ رَجُلٌ يَظْهَرُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ، فَيَطْرَحَ عَلَيْهِ صَخْرَةً فَيُرِيحَنَا مِنْهُ؟ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ جَحَّاشِ بْنِ كَعْبٍ: أَنَا، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ، فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ، وَفِيمَا أَرَادَ هُوَ وَقَوْمُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ، فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ 5: 11. (ادِّعَاؤُهُمْ أَنَّهُمْ أَحِبَّاءُ اللَّهِ) : وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُعْمَانُ بْنُ أَضَاءَ، وَبَحْرِيُّ بْنُ عَمْرٍو، وَشَأْسُ بْنُ عَدِيٍّ، فَكَلَّمُوهُ وَكَلَّمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَعَاهُمْ إلَى اللَّهِ، وَحَذَّرَهُمْ نِقْمَتَهُ، فَقَالُوا: مَا تُخَوِّفُنَا يَا مُحَمَّدُ، نَحْنُ وَاَللَّهِ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، كَقَوْلِ النَّصَارَى. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ، وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ 5: 18 (إنْكَارُهُمْ نُزُولَ كِتَابٍ بَعْدَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ إلَى الْإِسْلَامِ وَرَغَّبَهُمْ فِيهِ، وَحَذَّرَهُمْ غَيْرَ اللَّهِ وَعُقُوبَتَهُ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ، وَكَفَرُوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبٍ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، اتّقوا الله، فو اللَّهَ إنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَهُ لَنَا قَبْلَ

(رجوعهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حكم الرجم) :

مَبْعَثِهِ، وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفَتِهِ، فَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ، وَوَهْبُ بْنُ يَهُوذَا: مَا قُلْنَا لَكُمْ هَذَا قَطُّ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ بَعْدَ مُوسَى، وَلَا أَرْسَلَ بَشِيرًا وَلَا نَذِيرًا بَعْدَهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا: يَا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَالله عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 5: 19. ثُمَّ قَصَّ عَلَيْهِمْ خَبَرَ مُوسَى وَمَا لَقِيَ مِنْهُمْ، وَانْتِقَاضَهُمْ [1] عَلَيْهِ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ حَتَّى تَاهُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً عُقُوبَةً. (رُجُوعُهُمْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُكْمِ الرَّجْمِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ، مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ أَحْبَارَ يَهُودَ اجْتَمَعُوا فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ [2] ، حَيْنَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَقَدْ زَنَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بَعْدَ إحْصَانِهِ بِامْرَأَةٍ مِنْ يَهُودَ قَدْ أَحْصَنَتْ، فَقَالُوا: ابْعَثُوا بِهَذَا الرَّجُلِ وَهَذِهِ الْمَرْأَةِ إلَى مُحَمَّدٍ، فَسَلُوهُ كَيْفَ الْحُكْمُ فِيهِمَا، وَوَلُّوهُ الْحُكْمَ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ عَمِلَ فِيهِمَا بِعَمَلِكُمْ مِنْ التَّجْبِيَةِ- وَالتَّجْبِيَةُ: الْجَلْدُ بِحَبْلٍ مِنْ لِيفٍ مَطْلِيٍّ بِقَارٍ، ثُمَّ تُسَوَّدُ وُجُوهُهُمَا، ثُمَّ يُحْمَلَانِ عَلَى حِمَارَيْنِ، وَتُجْعَلُ وُجُوهُهُمَا مِنْ قِبَلِ أَدْبَارِ الْحِمَارَيْنِ- فَاتَّبِعُوهُ، فَإِنَّمَا هُوَ مَلَكٌ، وَصَدِّقُوهُ، وَإِنْ هُوَ حَكَمَ فِيهِمَا بِالرَّجْمِ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ، فَاحْذَرُوهُ عَلَى مَا فِي أَيْدِيكُمْ أَنْ يَسْلُبَكُمُوهُ. فَأَتَوْهُ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا رَجُلٌ قَدْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانِهِ بِامْرَأَةٍ قَدْ أَحْصَنَتْ، فَاحْكُمْ فِيهِمَا، فَقَدْ وَلَّيْنَاكَ الْحُكْمَ فِيهِمَا. فَمَشَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى أَحْبَارَهُمْ فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَخْرِجُوا إلَيَّ عُلَمَاءَكُمْ، فَأُخْرِجَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ، ابْن صُورِيَّا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدَّثَنِي بَعْضُ بَنِي قُرَيْظَةَ: أَنَّهُمْ قَدْ أَخَرَجُوا إلَيْهِ يَوْمئِذٍ، مَعَ ابْنِ صُورِيَّا، أَبَا يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ، وَوَهْبَ بْنَ يَهُوذَا، فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ عُلَمَاؤُنَا.

_ [1] انتقاضهم: افتراقهم. [2] فِي م، ر: «الْمدَارِس» .

فَسَأَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى [1] حَصَّلَ أَمْرَهُمْ، إلَى أَنْ قَالُوا لِعَبْدِ اللَّهِ ابْن صُورِيَّا: هَذَا [2] أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالتَّوْرَاةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مِنْ قَوْلِهِ: «وَحَدَّثَنِي بَعْضُ بَنِي قُرَيْظَةَ- إلَى «أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالتَّوْرَاةِ» مِنْ قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ، وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ. فَخَلَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ غُلَامًا شَابًّا مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا، فَأَلَظَّ بِهِ [3] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْأَلَةَ، يَقُولُ لَهُ: يَا بن صُورِيَّا، أَنْشُدُكَ اللَّهَ وَأُذَكِّرُكَ بِأَيَّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ، هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ حَكَمَ فِيمَنْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانِهِ بِالرَّجْمِ فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَ: اللَّهمّ نَعَمْ، أَمَا وَاَللَّهِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إنَّهُمْ لَيَعْرِفُونَ أَنَّكَ لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَكِنَّهُمْ يَحْسُدُونَكَ. قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ فِي بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ. ثُمَّ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ابْنُ صُورِيَّا، وَجَحَدَ نُبُوَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمن الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ 5: 41 أَيْ الَّذِينَ بَعَثُوا مِنْهُمْ مَنْ بَعَثُوا وَتَخَلَّفُوا، وَأَمَرُوهُمْ بِمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ تَحْرِيفِ الْحُكْمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ. ثُمَّ قَالَ: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ، يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ، وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ 5: 41، أَيْ الرَّجْمَ فَاحْذَرُوا 5: 41 إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجْمِهِمَا، فَرُجِمَا بِبَابِ مَسْجِدِهِ، فَلَمَّا وَجَدَ الْيَهُودِيُّ مَسَّ الْحِجَارَةِ قَامَ إلَى صَاحِبَتِهِ فَجَنَأَ عَلَيْهَا [4] ، يَقِيهَا مَسَّ الْحِجَارَةِ، حَتَّى قُتِلَا جَمِيعًا.

_ [1] كَذَا فِي ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول «ثمَّ» . [2] فِي م، ر: «هَذَا من أعلم من ... إِلَخ» . [3] ألظ بِهِ: ألح عَلَيْهِ. [4] جنأ عَلَيْهَا: أَي انحنى عَلَيْهَا.

(ظلمهم في الدية) :

قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْقِيقِ الزِّنَا مِنْهُمَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا حَكَّمُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمَا، دَعَاهُمْ بِالتَّوْرَاةِ، وَجَلَسَ حَبْرٌ مِنْهُمْ يَتْلُوهَا، وَقَدْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، قَالَ: فَضَرَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ يَدَ الْحَبْرِ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ آيَةُ الرَّجْمِ، يَأْبَى أَنْ يَتْلُوَهَا عَلَيْكَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيْحَكُمْ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ! مَا دَعَاكُمْ إلَى تَرْكِ حُكْمِ اللَّهِ وَهُوَ بِأَيْدِيكُمْ؟ قَالَ: فَقَالُوا: أَمَا وَاَللَّهِ إنَّهُ قَدْ كَانَ فِينَا يُعْمَلُ بِهِ، حَتَّى زَنَى رَجُلٌ مِنَّا بَعْدَ إحْصَانِهِ، مِنْ بُيُوتِ الْمُلُوكِ وَأَهْلِ الشَّرَفِ، فَمَنَعَهُ الْمُلْكُ مِنْ الرَّجْمِ، ثُمَّ زَنَى رَجُلٌ بَعْدَهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَرْجُمَهُ، فَقَالُوا: لَا وَاَللَّهِ، حَتَّى تَرْجُمَ فُلَانًا، فَلَمَّا قَالُوا لَهُ ذَلِكَ اجْتَمَعُوا فَأَصْلَحُوا أَمْرَهُمْ عَلَى التَّجْبِيَةِ، وَأَمَاتُوا ذِكْرَ الرَّجْمِ وَالْعَمَلَ بِهِ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَ اللَّهِ وَكِتَابَهُ وَعَمِلَ بِهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُمَا. (ظُلْمُهُمْ فِي الدِّيَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي داوُدَ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْآيَاتِ مِنْ الْمَائِدَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً. وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ 5: 42 إنَّمَا أُنْزِلَتْ فِي الدِّيَةِ بَيْنَ بَنِي النَّضِيرِ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ قَتْلَى بَنِي النَّضِيرِ، وَكَانَ لَهُمْ شَرَفٌ، يُؤَدُّونَ الدِّيَةَ كَامِلَةً، وَأَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ (كَانُوا) [1] يُؤَدُّونَ نِصْفَ الدِّيَةِ، فَتَحَاكَمُوا فِي ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ فِيهِمْ، فَحَمَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَقِّ فِي ذَلِكَ، فَجَعَلَ الدِّيَةَ سَوَاءً. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فاللَّه أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.

_ [1] زِيَادَة عَن أ، ط.

(قصدهم الفتنة برسول الله صلى الله عليه وسلم) :

(قَصْدُهُمُ الْفِتْنَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، وَابْنُ صَلُوبَا، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَّا، وَشَأْسُ بْنُ قَيْسٍ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إلَى مُحَمَّدٍ، لَعَلَّنَا نَفْتِنَهُ عَنْ دِينِهِ، فَإِنَّمَا هُوَ بَشَرٌ، فَأَتَوْهُ، فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، إنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّا أَحْبَارُ يَهُودَ وَأَشْرَافُهُمْ وَسَادَتُهُمْ، وَأَنَّا إنْ اتَّبَعْنَاكَ اتَّبَعَتْكَ يَهُودُ، وَلَمْ يُخَالِفُونَا، وَأَنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَعْضِ قَوْمِنَا خُصُومَةٌ، أَفَنُحَاكِمُهُمْ إلَيْكَ فَتَقْضِيَ لَنَا عَلَيْهِمْ، وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنُصَدِّقُكَ، فَأَبَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ، وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ، وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ. أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ، وَمن أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ 5: 49- 50 (جُحُودُهُمْ نُبُوَّةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرٌ مِنْهُمْ: أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نَافِعٍ، وَعَازِرُ بْنُ أَبِي عَازِرٍ، وَخَالِدٌ، وَزَيْدٌ، وَإِزَارُ بْنُ أَبِي إزَارٍ، وَأَشْيَعُ، فَسَأَلُوهُ عَمَّنْ يُؤْمِنُ بِهِ مِنْ الرُّسُلِ، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نؤمن باللَّه وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا، وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ، وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى، وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ، لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ 2: 136. فَلَمَّا ذَكَرَ عِيسَى بن مَرْيَمَ جَحَدُوا نُبُوَّتَهُ، وَقَالُوا: لَا نُؤْمِنُ بِعِيسَى بن مَرْيَمَ وَلَا بِمَنْ آمَنَ بِهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ، وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ 5: 59 (ادِّعَاؤُهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ) : وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَافِعُ بْنُ حَارِثَةَ، وَسَلَامُ [1] بْنُ مِشْكَمٍ،

_ [1] يرْوى «سَلام» بتَشْديد اللَّام كَمَا يرْوى بتخفيفها. وَمن يرويهِ بِالتَّخْفِيفِ يستشهد بقول الشَّاعِر: سقاني فأروانى كميتا مدامة ... على عجل منى سَلام بن مشْكم

(إشراكهم بالله) :

وَمَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ [1] ، وَرَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ عَلَى مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ، وَتُؤْمِنُ بِمَا عِنْدَنَا مِنْ التَّوْرَاةِ، وَتَشْهَدُ أَنَّهَا مِنْ اللَّهِ حَقٌّ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّكُمْ أَحْدَثْتُمْ وَجَحَدْتُمْ مَا فِيهَا مِمَّا أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ الْمِيثَاقِ فِيهَا، وَكَتَمْتُمْ مِنْهَا مَا أُمِرْتُمْ أَنْ تُبَيِّنُوهُ لِلنَّاسِ، فَبَرِئْتُ مِنْ إحْدَاثِكُمْ، قَالُوا: فَإِنَّا نَأْخُذُ بِمَا فِي أَيْدِينَا، فَإِنَّا عَلَى الْهُدَى وَالْحَقِّ، وَلَا نُؤْمِنُ بِكَ، وَلَا نَتَّبِعُكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ، وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ، وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً، فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ 5: 68 (إِشْرَاكُهُمْ باللَّه) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّحَّامُ بْنُ زَيْدٍ، وَقَرْدَمُ ابْن كَعْبٍ، وَبَحْرِيُّ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، أَمَا تَعْلَمُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا غَيْرَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، بِذَلِكَ بُعِثْتُ، وَإِلَى ذَلِكَ أَدْعُو. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ وَفِي قَوْلِهِمْ: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً، قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمن بَلَغَ، أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى، قُلْ لَا أَشْهَدُ، قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ، وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ 6: 19- 20. (نَهْيُهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ عَنْ مُوَادَّتِهِمْ) : وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ، وَسُوَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ قَدْ أَظْهَرَا الْإِسْلَامَ وَنَافَقَا فَكَانَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُوَادُّونَهُمَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 5: 57 ... إلَى قَوْله:

_ [1] فِي أ: «الضَّيْف، بالضاد الْمُعْجَمَة، وهما رِوَايَتَانِ فِيهِ.

(سؤالهم عن قيام الساعة) :

وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا، وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ، وَالله أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ 5: 61. (سُؤَالُهُمْ عَنْ قِيَامِ السَّاعَةِ) : وَقَالَ جَبَلُ بْنُ أَبِي قُشَيْرٍ، وَشَمْويِلُ بْنُ زَيْدٍ، لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنَا، مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إنْ كُنْتَ نَبِيًّا كَمَا تَقُولُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فيهمَا: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها، قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي، لَا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ، ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً، يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها، قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ 7: 187. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَيَّانَ مُرْسَاهَا: مَتَى مُرْسَاهَا. قَالَ قَيْسُ بْنُ الْحُدَادِيَّةِ [1] الْخُزَاعِيُّ: فَجِئْتُ وَمُخْفَى السِّرِّ بَيْنِي وَبَيْنَهَا ... لِأَسْأَلَهَا أَيَّانَ [2] مَنْ سَارَ رَاجِعُ؟ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَمُرْسَاهَا: مُنْتَهَاهَا، وَجَمْعُهُ: مَرَاسٍ. قَالَ الْكُمَيْتُ ابْن زَيْدٍ الْأَسْدِيُّ: وَالْمُصِيبِينَ بَابَ مَا أَخطَأ النّاس ... وَمُرْسَى قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَمُرْسَى السَّفِينَةِ: حَيْثُ تَنْتَهِي. وَحَفِيٌّ عَنْهَا (عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ) . يَقُولُ: يَسْأَلُونَكَ عَنْهَا كَأَنَّكَ حَفِيٌّ بِهِمْ فَتُخْبِرَهُمْ بِمَا لَا تُخْبِرُ بِهِ [3] غَيْرَهُمْ. وَالْحَفِيُّ: الْبَرُّ الْمُتَعَهِّدُ. وَفِي كِتَابِ اللَّهِ: إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا 19: 47. وَجَمْعُهُ: أَحْفِيَاءُ. وَقَالَ أُعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ: فَإِنْ تَسْأَلِي عَنِّي فَيَا رُبَّ سَائِلٍ ... حَفِيٌّ عَنْ الْأَعْشَى بِهِ حَيْثُ أَصْعَدَا [4]

_ [1] فِي ر: «الْحداد» . [2] فِي م، ر: «أَيْن» . [3] فِي م، ر: «لَا تخبرهم غَيرهم» . [4] أصعد فِي الْبِلَاد: سَار فِيهَا وَمضى وَذهب.

(ادعاؤهم أن عزيرا ابن الله) :

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالْحَفِيُّ (أَيْضًا) : الْمُسْتَحْفِي عَنْ عِلْمِ الشَّيْءِ، الْمُبَالِغِ فِي طَلَبِهِ. (ادِّعَاؤُهُمْ أَنَّ عُزَيْرًا ابْنُ اللَّهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ، وَنُعْمَانُ ابْن أَوْفَى أَبُو أَنَسٍ، وَمَحْمُودُ بْنُ دِحْيَةَ، وَشَأْسُ بْنُ قَيْسٍ، وَمَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ [1] ، فَقَالُوا لَهُ: كَيْفَ نَتَّبِعُكَ وَقَدْ تَرَكْتَ قِبْلَتَنَا، وَأَنْتَ لَا تَزْعُمُ أَنَّ عُزَيْرًا ابْنُ اللَّهِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ، قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ 9: 30 إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْن هِشَام: يضاهون: أَيْ يُشَاكِلُ قَوْلُهُمْ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا، نَحْوَ أَنْ تُحَدِّثَ بِحَدِيثٍ، فَيُحَدِّثَ آخَرُ بِمِثْلِهِ، فَهُوَ يُضَاهِيكَ. (طَلَبُهُمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْمُودُ بْنُ سَيْحَانَ، وَنُعْمَانُ بْنُ أَضَاءَ، وَبَحْرِيُّ بْنُ عَمْرٍو، وَعُزَيْرُ بْنُ أَبِي عُزَيْرٍ، وَسَلَّامُ بْنُ مِشْكَمٍ، فَقَالُوا: أَحَقٌّ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ هَذَا الَّذِي جِئْتَ بِهِ لَحَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَإِنَّا لَا نَرَاهُ مُتَّسِقًا كَمَا تَتَّسِقُ التَّوْرَاةُ؟ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا وَاَللَّهِ إنَّكُمْ لَتَعْرِفُونَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ مَا جَاءُوا بِهِ، فَقَالُوا عِنْدَ ذَلِكَ، وَهُمْ جَمِيعٌ: فَتَحَاصَّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَّا، وَابْنُ صَلُوبَا، وَكِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَشْيَعُ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، وَشَمْويِلُ بْنُ زَيْدٍ، وَجَبَلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُكَيْنَةَ: يَا مُحَمَّدُ، أَمَا يُعَلِّمُكَ هَذَا إنْسٌ وَلَا جِنٌّ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا وَاَللَّهِ إنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَإِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ: تَجِدُونَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَصْنَعُ لِرَسُولِهِ إذَا بَعَثَهُ مَا يَشَاءُ

_ [1] فِي أ: «الضَّيْف» بالضاد الْمُعْجَمَة، وهما رِوَايَتَانِ فِيهِ.

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

وَيَقْدِرُ مِنْهُ عَلَى مَا أَرَادَ، فَأَنْزِلْ عَلَيْنَا كِتَابًا مِنْ السَّمَاءِ نَقْرَؤُهُ وَنَعْرِفُهُ، وَإِلَّا جِئْنَاكَ بِمِثْلِ مَا تَأْتِي بِهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ وَفِيمَا قَالُوا: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً 17: 88. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الظَّهِيرُ: الْعَوْنُ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ: تَظَاهَرُوا عَلَيْهِ، أَيْ تَعَاوَنُوا عَلَيْهِ. قَالَ الشَّاعِرُ: يَا سَمِيَّ النَّبِيِّ أَصْبَحْتَ لِلدِّينِ ... قَوَّامًا وَلِلْإِمَامِ ظَهِيرَا أَيْ عَوْنًا، وَجَمْعُهُ: ظُهَرَاءُ. (سُؤَالُهُمْ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، وَأَبُو رَافِعٍ، وَأَشْيَعُ، وَشَمْويِلُ بْنُ زَيْدٍ، لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ حِينَ أَسْلَمَ: مَا تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِي الْعَرَبِ وَلَكِنَّ صَاحِبَكَ مَلَكٌ. ثُمَّ جَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ فَقَصَّ عَلَيْهِمْ مَا جَاءَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ، مِمَّا كَانَ قَصَّ عَلَى قُرَيْشٍ، وَهُمْ كَانُوا مِمَّنْ أَمَرَ قُرَيْشًا أَنْ يَسْأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، حَيْنَ بَعَثُوا إلَيْهِمْ النَّضْرَ بن الْحَارِث، وَعقبَة بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ. (تَهَجُّمُهُمْ عَلَى ذَاتِ اللَّهِ، وَغَضَبُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [1] : وَحُدِّثْتُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: أَتَى رَهْطٌ مِنْ يَهُودَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اُنْتُقِعَ [2] لَوْنُهُ، ثُمَّ سَاوَرَهُمْ [3] غَضَبًا لِرَبِّهِ. قَالَ: فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسَكَّنَهُ، فَقَالَ: خَفِّضْ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، وَجَاءَهُ مِنْ اللَّهِ بِجَوَابِ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 112: 1

_ [1] فِي أ: «قَالَ ابْن هِشَام» . [2] انتقع لَونه: تغير. [3] ساورهم: واثبهم وباطشهم.

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ 112: 2- 4. قَالَ: فَلَمَّا تَلَاهَا عَلَيْهِمْ، قَالُوا: فَصِفْ لَنَا يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ خَلْقُهُ؟ كَيْفَ ذِرَاعُهُ؟ كَيْفَ عَضُدُهُ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ مِنْ غَضَبِهِ الْأَوَّلِ، وَسَاوَرَهُمْ. فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَجَاءَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِجَوَابِ مَا سَأَلُوهُ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ 39: 67. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، مَوْلَى بَنِي تَيْمٍ [1] ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ابْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «يُوشِكُ النَّاسُ أَنْ يَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ حَتَّى يَقُولَ قَائِلُهُمْ: هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَقُولُوا: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ 112: 1- 4. ثُمَّ لِيَتْفُلْ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلِيَسْتَعِذْ باللَّه مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الصَّمَدُ: الَّذِي يُصْمَدُ إلَيْهِ، وَيُفْزَعُ إلَيْهِ، قَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ مَعْبَدِ بْنِ نَضْلَةَ تَبْكِي عَمْرَو بْنَ مَسْعُودٍ، وَخَالِدَ بْنَ نَضْلَةَ، عَمَّيْهَا الْأَسَدِيَّيْنِ، وَهُمَا اللَّذَانِ قَتَلَ النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ اللَّخْمِيُّ، وَبَنَى الْغَرِيَّيْنِ [2] اللَّذَيْنِ بِالْكُوفَةِ عَلَيْهِمَا: أَلَا بَكَرَ النَّاعِي بِخَيْرَيْ بَنِي أَسَدْ ... بِعَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وَبِالسَّيِّدِ الصَّمَدْ [3]

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «تَمِيم» . [2] الغريان: بناءان طويلان: يُقَال هما قبر مَالك وَعقيل نديمى جذيمة الأبرش، وسميا الغريين، لِأَن النُّعْمَان بن الْمُنْذر كَانَ يغريهما بِدَم من يقْتله فِي يَوْم بؤسه. (عَن لِسَان الْعَرَب) . [3] الناعي: الّذي يأتى بِخَبَر الْمَيِّت.

أمر السيد والعاقب وذكر المباهلة

أَمْرُ السَّيِّدِ وَالْعَاقِبِ وَذِكْرُ الْمُبَاهَلَةِ (مَعْنَى الْعَاقِبِ وَالسَّيِّدِ وَالْأَسْقَفِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدُ نَصَارَى نَجْرَانَ، سِتُّونَ رَاكِبًا، فِيهِمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ، فِي الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ إلَيْهِمْ يَئُولُ أَمْرُهُمْ: الْعَاقِبُ، أَمِيرُ الْقَوْمِ وَذُو رَأْيِهِمْ، وَصَاحِبُ مَشُورَتِهِمْ، وَاَلَّذِي لَا يُصْدِرُونَ إلَّا عَنْ رَأْيِهِ، وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَسِيحِ، وَالسَّيِّدُ، لَهُمْ ثِمَالُهُمْ [1] ، وَصَاحِبُ رَحْلِهِمْ وَمُجْتَمَعِهِمْ، وَاسْمُهُ الْأَيْهَمُ، وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ، أَحَدُ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، أَسْقُفُهُمْ [2] وَحَبْرُهُمْ وَإِمَامُهُمْ، وَصَاحِبُ مِدْرَاسِهِمْ. (مَنْزِلَةُ أَبِي حَارِثَةَ عِنْدَ مُلُوكِ الرُّومِ) : وَكَانَ أَبُو حَارِثَةَ قَدْ شَرُفَ فِيهِمْ، وَدَرَسَ كُتُبَهُمْ، حَتَّى حَسُنَ عِلْمُهُ فِي دِينِهِمْ، فَكَانَتْ مُلُوكُ الرُّومِ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ قَدْ شَرَّفُوهُ وَمَوَّلُوهُ وَأَخْدَمُوهُ، وَبَنَوْا لَهُ الْكَنَائِسَ، وَبَسَطُوا عَلَيْهِ الْكَرَامَاتِ، لِمَا يَبْلُغُهُمْ عَنْهُ مِنْ عِلْمِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي دِينِهِمْ. (سَبَبُ إسْلَامِ كُوزِ بْنِ عَلْقَمَةَ) : فَلَمَّا رَجَعُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَجْرَانَ، جَلَسَ أَبُو حَارِثَةَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ مُوَجِّهًا (إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [3] ، وَإِلَى جَنْبِهِ أَخٌ لَهُ، يُقَالُ لَهُ: كُوزُ بْنُ عَلْقَمَةَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: كُرْزٌ [4]- فَعَثَرَتْ بَغْلَةُ أَبِي حَارِثَةَ، فَقَالَ كُوزٌ: تَعِسَ الْأَبْعَدُ: يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقَالَ لَهُ أَبُو حَارِثَةَ: بَلْ أَنْتَ تَعِسْتَ! فَقَالَ: وَلِمَ يَا أَخِي؟ قَالَ: وَاَللَّهِ إنَّهُ لَلنَّبِيُّ الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِرُ، فَقَالَ لَهُ كُوزٌ: مَا يَمْنَعُكَ مِنْهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ هَذَا؟ قَالَ: مَا صَنَعَ بِنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ، شَرَّفُونَا وَمَوَّلُونَا وَأَكْرَمُونَا، وَقَدْ أَبَوْا إلَّا خِلَافَهُ، فَلَوْ فَعَلْتُ

_ [1] ثمال الْقَوْم: هُوَ أصلهم الّذي يقصدون إِلَيْهِ، وَيقوم بأمورهم وشئونهم. [2] الأسقف (بتَشْديد الْفَاء وتخفيفها) : عَظِيم النَّصَارَى. [3] زِيَادَة عَن أ. [4] فِي الْأُصُول: «كور» ، وَهُوَ تَحْرِيف، وَمَا أَثْبَتْنَاهُ هما الرِّوَايَتَانِ المعروفتان فِي اسْم بن عَلْقَمَة، (رَاجع الْقَامُوس مادتي كوز وكرز) .

(رؤساء نجران وإسلام أحدهم) :

نَزَعُوا مِنَّا كُلَّ مَا تَرَى. فَأَضْمَرَ عَلَيْهَا مِنْهُ أَخُوهُ كُوزُ بْنُ عَلْقَمَةَ، حَتَّى أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ. فَهُوَ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ فِيمَا بَلَغَنِي. (رُؤَسَاءُ نَجْرَانَ وَإِسْلَامُ أَحَدِهِمْ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي أَنَّ رُؤَسَاءَ نَجْرَانَ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ كُتُبًا عِنْدَهُمْ. فَكُلَّمَا مَاتَ رَئِيسٌ مِنْهُم فأفضت الرِّئَاسَة إلَى غَيْرِهِ، خَتَمَ عَلَى تِلْكَ الْكُتُبِ خَاتَمًا مَعَ الْخَوَاتِمِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَكْسِرْهَا، فَخَرَجَ الرَّئِيسُ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي فَعَثَرَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: تَعِسَ الْأَبْعَدُ! يُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّهُ نَبِيٌّ، وَاسْمُهُ فِي الْوَضَائِعِ، يَعْنِي الْكُتُبَ. فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَكُنْ لِابْنِهِ هِمَّةٌ إلَّا أَنْ شَدَّ فَكَسَرَ الْخَوَاتِمَ، فَوَجَدَ فِيهَا ذِكْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَحَجَّ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: إلَيْكَ تَعْدُو قَلِقًا وَضِينُهَا ... مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا جَنِينُهَا مُخَالِفًا دِينَ النَّصَارَى دِينُهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْوَضِينُ: الْحِزَامُ، حِزَامُ النَّاقَةِ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ [1] : وَزَادَ فِيهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ: مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا جَنِينُهَا فَأَمَّا أَبُو عُبَيْدَةَ فَأَنْشَدْنَاهُ فِيهِ. (صَلَاتُهُمْ إِلَى الْمَشْرِقِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ مَسْجِدَهُ حَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ، عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الْحِبَرَاتِ [2] ، جُبَبٌ وَأَرْدِيَةٌ، فِي جَمَالِ رِجَالِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ. قَالَ: يَقُولُ بَعْضُ مَنْ رَآهُمْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ: مَا رَأَيْنَا وَفْدًا مِثْلَهُمْ، وَقَدْ حَانَتْ صَلَاتُهُمْ، فَقَامُوا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلُّونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهُمْ، فَصَلَّوْا إلَى الْمَشْرِقِ.

_ [1] فِي م، ر: «قَالَ ابْن هِشَام» . [2] الحبرات: برود من برود الْيمن، الْوَاحِدَة: حبرَة.

(أسماء الوفد ومعتقدهم، ومناقشتهم الرسول صلى الله عليه وسلم) :

(أَسْمَاءُ الْوَفْدِ وَمُعْتَقَدِهِمْ، وَمُنَاقَشَتِهِمْ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَتْ [1] تَسْمِيَةُ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ، الَّذِينَ يَئُولُ إلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ: الْعَاقِبُ، وَهُوَ عَبْدُ الْمَسِيحِ، وَالسَّيِّدُ وَهُوَ الْأَيْهَمُ، وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ أَخُو بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَأَوْسٌ، وَالْحَارِثُ، وَزَيْدٌ، وَقَيْسٌ، وَيَزِيدُ، وَنَبِيُّهُ، وَخُوَيْلِدٌ، وَعَمْرو، وَخَالِدٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَيُحَنَّسُ، فِي سِتِّينَ رَاكِبًا. فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ [2] أَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ، وَالْعَاقِبُ عَبْدُ الْمَسِيحِ، وَالْأَيْهَمُ السَّيِّدُ- وَهُمْ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ عَلَى دِينِ الْمَلِكِ، مَعَ اخْتِلَافِ مَنْ أَمَرَهُمْ، يَقُولُونَ: هُوَ اللَّهُ، وَيَقُولُونَ: هُوَ وَلَدُ اللَّهِ، وَيَقُولُونَ: هُوَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّصْرَانِيَّةِ. فَهُمْ يَحْتَجُّونَ فِي قَوْلِهِمْ: «هُوَ اللَّهُ» بِأَنَّهُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى، وَيُبْرِئُ الْأَسْقَامَ، وَيُخْبِرُ بِالْغُيُوبِ، وَيَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَائِرًا، وَذَلِكَ كُلُّهُ بِأَمْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ 19: 21. وَيَحْتَجُّونَ فِي قَوْلِهِمْ «إنَّهُ وَلَدُ (اللَّهِ) [3] » بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ يُعْلَمُ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي الْمَهْدِ، وَهَذَا لَمْ يَصْنَعْهُ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ قَبْلَهُ. وَيَحْتَجُّونَ فِي قَوْلِهِمْ: «إنَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ» بِقَوْلِ اللَّهِ: فَعَلْنَا، وَأَمَرْنَا، وَخَلَقْنَا، وَقَضَيْنَا، فَيَقُولُونَ: لَوْ كَانَ وَاحِدًا مَا قَالَ إلَّا فَعَلْتُ، وَقَضَيْتُ، وَأَمَرْتُ، وَخَلَقْتُ، وَلَكِنَّهُ هُوَ وَعِيسَى وَمَرْيَمُ. فَفِي كُلِّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْ نَزَلَ الْقُرْآنُ- فَلَمَّا كَلَّمَهُ الْحَبْرَانِ، قَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسْلِمَا، قَالَا: قَدْ أَسْلَمْنَا، قَالَ: إنَّكُمَا لَمْ تُسْلِمَا (فَأَسْلِمَا) [4] ، قَالَا: بَلَى، قَدْ أَسْلَمْنَا قَبْلَكَ: قَالَ: كَذَبْتُمَا، يَمْنَعُكُمَا مِنْ الْإِسْلَامِ دُعَاؤُكُمَا للَّه وَلَدًا، وَعِبَادَتُكُمَا الصَّلِيبَ، وَأَكْلُكُمَا الْخِنْزِيرَ، قَالَا: فَمَنْ أَبُوهُ يَا مُحَمَّدُ؟ فَصَمَتَ عَنْهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُمَا.

_ [1] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وَكَانَ» . [2] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ. [3] زِيَادَة عَن أ. [4] زِيَادَة عَن أ، ط.

(ما نزل من آل عمران فيهم) :

(مَا نَزَلَ مِنْ آلِ عِمْرَانَ فِيهِمْ) : فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ، وَاخْتِلَافِ أَمْرِهِمْ كُلِّهِ، صَدْرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ إلَى بِضْعٍ وَثَمَانِينَ آيَةً مِنْهَا، فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ: الم اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ 3: 1- 2. فَافْتَتَحَ السُّورَةَ بِتَنْزِيهِ نَفْسِهِ عَمَّا قَالُوا، وَتَوْحِيدِهِ إيَّاهَا بِالْخَلْقِ وَالْأَمْرِ، لَا شَرِيكَ لَهُ فِيهِ، رَدًّا عَلَيْهِمْ مَا ابْتَدَعُوا مِنْ الْكُفْرِ، وَجَعَلُوا مَعَهُ مِنْ الْأَنْدَادِ، وَاحْتِجَاجًا بِقَوْلِهِمْ عَلَيْهِمْ فِي صَاحِبِهِمْ، لِيُعَرِّفَهُمْ بِذَلِكَ ضَلَالَتَهُمْ، فَقَالَ: الم اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ 3: 1- 2 لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ شَرِيكٌ فِي أَمْرِهِ الْحَيُّ الْقَيُّومُ 2: 255 الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَقَدْ مَاتَ عِيسَى وَصُلِبَ فِي قَوْلِهِمْ. وَالْقَيُّومُ: الْقَائِمُ عَلَى مَكَانِهِ مِنْ سُلْطَانِهِ فِي خَلْقِهِ لَا يَزُولُ، وَقَدْ زَالَ عِيسَى فِي قَوْلِهِمْ عَنْ مَكَانِهِ الَّذِي كَانَ بِهِ، وَذَهَبَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ. نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ 3: 3، أَيْ بِالصَّدْقِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ 3: 3: التَّوْرَاةُ عَلَى مُوسَى، وَالْإِنْجِيلُ عَلَى عِيسَى، كَمَا أَنْزَلَ الْكُتُبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ 3: 4، أَيْ الْفَصْلَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْأَحْزَابُ مِنْ أَمْرِ عِيسَى وَغَيْرِهِ. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ، لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ، وَالله عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ 3: 4، أَيْ أَنَّ اللَّهَ مُنْتَقِمٌ مِمَّنْ كَفَرَ بِآيَاتِهِ، بَعْدَ عِلْمِهِ بِهَا، وَمَعْرِفَتِهِ بِمَا جَاءَ مِنْهُ فِيهَا. إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ 3: 5، أَيْ قَدْ عَلِمَ مَا يُرِيدُونَ وَمَا يَكِيدُونَ وَمَا يُضَاهُونَ بِقَوْلِهِمْ فِي عِيسَى، إذْ جَعَلُوهُ إلَهًا وَرَبًّا، وَعِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِهِ غَيْرُ ذَلِكَ، غِرَّةً باللَّه، وَكُفْرًا بِهِ. هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ 3: 6، أَيْ قَدْ كَانَ عِيسَى مِمَّنْ صُوِّرَ فِي الْأَرْحَامِ، لَا يَدْفَعُونَ ذَلِكَ وَلَا يُنْكِرُونَهُ، كَمَا صُوِّرَ غَيْرُهُ مِنْ وَلَدِ آدَمَ، فَكَيْفَ يَكُونُ إلَهًا وَقَدْ كَانَ بِذَلِكَ الْمَنْزِلِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى إنْزَاهًا لِنَفْسِهِ، وَتَوْحِيدًا لَهَا مِمَّا جَعَلُوا مَعَهُ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 3: 6، الْعَزِيزُ فِي انْتِصَارِهِ مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ إذَا شَاءَ الْحَكِيمُ فِي حُجَّتِهِ وَعُذْرِهِ إلَى عِبَادِهِ. هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ 3: 7 فِيهِنَّ حُجَّةُ الرَّبِّ، وَعِصْمَةُ الْعِبَادِ، وَدَفْعُ الْخُصُومِ وَالْبَاطِلِ، لَيْسَ لَهُنَّ تَصْرِيفٌ وَلَا تَحْرِيفٌ عَمَّا وُضِعْنَ عَلَيْهِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ 3: 7 لَهُنَّ تَصْرِيفٌ وَتَأْوِيلٌ، ابْتَلَى اللَّهُ

فِيهِنَّ الْعِبَادَ، كَمَا ابْتَلَاهُمْ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، أَلَّا [1] يُصْرَفْنَ إلَى الْبَاطِلِ، وَلَا يُحَرَّفْنَ عَنْ الْحَقِّ. يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ 3: 7، أَيْ مَيْلٌ عَنْ الْهُدَى فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ 3: 7، أَيْ مَا تَصَرَّفَ مِنْهُ، لِيُصَدِّقُوا بِهِ مَا ابْتَدَعُوا وَأَحْدَثُوا، لِتَكُونَ لَهُمْ حُجَّةٌ، وَلَهُمْ عَلَى مَا قَالُوا شُبْهَةَ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ 3: 7، أَيْ اللَّبْسِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ 3: 7. ذَلِكَ عَلَى مَا رَكِبُوا مِنْ الضَّلَالَةِ فِي قَوْلِهِمْ: خَلَقْنَا وَقَضَيْنَا. يَقُولُ: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ 3: 7، أَيْ الَّذِي بِهِ أَرَادُوا مَا أَرَادُوا إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا 3: 7 فَكَيْفَ يَخْتَلِفُ وَهُوَ قَوْلٌ وَاحِدٌ، مِنْ رَبٍّ وَاحِدٍ. ثُمَّ رَدُّوا تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ عَلَى مَا عَرَفُوا مِنْ تَأْوِيلِ الْمُحَكِّمَةِ الَّتِي لَا تَأْوِيلَ لِأَحَدٍ فِيهَا إلَّا تَأْوِيلٌ وَاحِدٌ، وَاتَّسَقَ بِقَوْلِهِمْ الْكِتَابُ، وَصَدَّقَ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَنَفَذَتْ بِهِ الْحُجَّةُ، وَظَهَرَ بِهِ الْعُذْرُ، وَزَاحَ بِهِ الْبَاطِلَ، وَدَمَغَ بِهِ الْكُفْرَ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مِثْلِ هَذَا: وَما يَذَّكَّرُ 2: 269 فِي مِثْلِ هَذَا إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ. رَبَّنا لَا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا 3: 7- 8: أَيْ لَا تُمِلْ قُلُوبَنَا، وَإِنْ مِلْنَا بِأَحْدَاثِنَا. وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ 3: 8. ثُمَّ قَالَ: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ 3: 18 بِخِلَافِ مَا قَالُوا قائِماً بِالْقِسْطِ 3: 18، أَيْ بِالْعَدْلِ (فِيمَا يُرِيدُ) [2] لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ 3: 18- 19، أَيْ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ يَا مُحَمَّدُ: التَّوْحِيدُ لِلرَّبِّ، وَالتَّصْدِيقُ لِلرُّسُلِ. وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ 3: 19، أَيْ الَّذِي جَاءَكَ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ الْوَاحِدَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ بَغْياً بَيْنَهُمْ، وَمن يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ. فَإِنْ حَاجُّوكَ 3: 19- 20، أَيْ بِمَا يَأْتُونَ بِهِ مِنْ الْبَاطِلِ مِنْ قَوْلِهِمْ: خَلَقْنَا وَفَعَلْنَا وَأَمَرْنَا، فَإِنَّمَا هِيَ شُبْهَةُ بَاطِلٍ قَدْ عَرَفُوا مَا فِيهَا مِنْ الْحَقِّ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ 3: 20، أَيْ وَحْدَهُ وَمن اتَّبَعَنِ، وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ 3: 20

_ [1] فِي ط: «لَا يصرفن» . [2] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ، ط. 37- سيرة ابْن هِشَام- 1

(ما نزل من القرآن فيما أحدث اليهود والنصارى) :

الَّذِينَ لَا كِتَابَ لَهُمْ أَأَسْلَمْتُمْ، فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا، وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ، وَالله بَصِيرٌ بِالْعِبادِ 3: 20. (مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِيمَا أَحْدَثَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى) : ثُمَّ جَمَعَ أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ جَمِيعًا، وَذَكَرَ مَا أَحْدَثُوا وَمَا ابْتَدَعُوا، مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ 3: 21، إلَى قَوْلِهِ: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ 3: 26، أَيْ رَبَّ الْعِبَادِ، وَالْمَلِكُ الَّذِي لَا يَقْضِي فِيهِمْ غَيْرُهُ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ، بِيَدِكَ الْخَيْرُ 3: 26، أَيْ لَا إلَهَ غَيْرُكَ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 3: 26، أَيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى هَذَا غَيْرُكَ بِسُلْطَانِكَ وَقُدْرَتِكَ. تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ، وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ، وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ، وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ 3: 27 بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ 3: 27 لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُكَ، وَلَا يَصْنَعُهُ إلَّا أَنْتَ، أَيْ [1] فَإِنْ كُنْتُ سَلَّطْتُ عِيسَى عَلَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي بِهَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ إلَهٌ، مِنْ إحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَسْقَامِ وَالْخَلْقِ لِلطَّيْرِ مِنْ الطِّينِ، وَالْإِخْبَارِ عَنْ الْغُيُوبِ، لِأَجْعَلَهُ بِهِ آيَةً لِلنَّاسِ، وَتَصْدِيقًا لَهُ فِي نُبُوَّتِهِ الَّتِي بَعَثْتُهُ بِهَا إلَى قَوْمِهِ، فَإِنَّ مِنْ سُلْطَانِي وَقُدْرَتِي مَا لَمْ أُعْطِهِ تَمْلِيكَ الْمُلُوكِ بِأَمْرِ النُّبُوَّةِ، وَوَضْعَهَا حَيْثُ شِئْتَ، وَإِيلَاجَ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ، وَالنَّهَارِ فِي اللَّيْلِ، وَإِخْرَاجَ الْحَيِّ مِنْ الْمَيِّتِ، وَإِخْرَاجَ الْمَيِّتِ مِنْ الْحَيِّ، وَرِزْقَ مَنْ شِئْتَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ لَمْ أُسَلِّطْ عِيسَى عَلَيْهِ، وَلَمْ أُمَلِّكْهُ إيَّاهُ، أَفَلَمْ [2] تَكُنْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ عِبْرَةٌ وَبَيِّنَةٌ! أَنْ لَوْ كَانَ إلَهًا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ إلَيْهِ، وَهُوَ فِي عِلْمِهِمْ يَهْرَبُ مِنْ الْمُلُوكِ، وَيَنْتَقِلُ مِنْهُمْ فِي الْبِلَادِ، مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ. (مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي وَعْظِ الْمُؤْمِنِينَ) : ثُمَّ وَعَظَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَذَّرَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ 3: 31،

_ [1] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي ط. [2] فِي أ: «فَلم تكن» .

(ما نزل من القرآن في خلق عيسى) :

أَيْ إنْ كَانَ هَذَا مِنْ قَوْلِكُمْ حَقًّا، حُبًّا للَّه وَتَعْظِيمًا لَهُ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ 3: 31، أَيْ مَا مَضَى مِنْ كُفْرِكُمْ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ، قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ 3: 31- 32 فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَهُ وَتَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ فَإِنْ تَوَلَّوْا 3: 32، أَيْ عَلَى كُفْرِهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكافِرِينَ 3: 32. (مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي خَلْقِ عِيسَى) : ثُمَّ اسْتَقْبَلَ لَهُمْ أَمْرَ عِيسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) [1] ، وَكَيْفَ كَانَ بَدْءُ مَا أَرَادَ الله بِهِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ، وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ. ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ، وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ 3: 33- 34. ثُمَّ ذَكَرَ أَمْرَ امْرَأَةِ عِمْرَانَ، وَقَوْلَهَا: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً 3: 35، أَيْ نَذَرْتُهُ فَجَعَلْتُهُ [2] عَتِيقًا، تَعَبُّدُهُ للَّه، لَا يَنْتَفِعُ بِهِ لِشَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى، وَالله أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ، وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى 3: 35- 36، أَيْ لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى لِمَا جَعَلْتهَا مُحَرَّرًا [3] لَكَ [4] نَذِيرَةً وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ، وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ 3: 36. يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ، وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً، وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا 3: 37 بَعْدَ أَبِيهَا وَأُمِّهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: كَفَّلَهَا: ضَمَّهَا. (خَبَرُ زَكَرِيَّا وَمَرْيَمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَذَكَّرَهَا بِالْيُتْمِ، ثُمَّ قَصَّ خَبَرَهَا وَخَبَرَ زَكَرِيَّا، وَمَا دَعَا بِهِ، وَمَا أَعْطَاهُ إذْ وَهَبَ لَهُ يَحْيَى. ثُمَّ ذَكَرَ مَرْيَمَ، وَقَوْلَ الْمَلَائِكَةِ لَهَا:

_ [1] زِيَادَة عَن ط. [2] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فَحَملته» . [3] فِي م: «محررة» . وَعبارَة كتب اللُّغَة تفِيد أَن الْمُحَرر يُطلق على النذير والنذيرة أَي شخصا محررا [4] فِي أ: «لَهُ» .

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ. يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ 3: 42- 43. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ، وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ 3: 44، أَيْ مَا كُنْتَ مَعَهُمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ 3: 44. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَقْلَامَهُمْ: سِهَامَهُمْ، يَعْنِي قِدَاحَهُمْ الَّتِي اسْتَهَمُوا بِهَا عَلَيْهَا، فَخَرَجَ قَدَحُ زَكَرِيَّا فَضَمَّهَا، فِيمَا قَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ. (كَفَالَةُ جُرَيْجٍ الرَّاهِبِ لِمَرْيَمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: كَفَّلَهَا هَاهُنَا جُرَيْجٌ [1] الرَّاهِبُ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ نَجَّارٌ، خَرَجَ السَّهْمُ عَلَيْهِ بِحَمْلِهَا، فَحَمَلَهَا، وَكَانَ زَكَرِيَّا قَدْ كَفَّلَهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَأَصَابَتْ بَنِي إسْرَائِيلَ أَزْمَةٌ شَدِيدَةٌ، فَعَجَزَ زَكَرِيَّا عَنْ حَمْلِهَا، فَاسْتَهَمُوا عَلَيْهَا أَيُّهُمْ يَكْفُلُهَا فَخَرَجَ السَّهْمُ عَلَى جُرَيْجٍ الرَّاهِبِ بِكُفُولِهَا فَكَفَلَهَا. وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ 3: 44، أَيْ مَا كُنْتَ مَعَهُمْ إذْ يَخْتَصِمُونَ فِيهَا. يُخْبِرُهُ بِخَفِيِّ مَا كَتَمُوا مِنْهُ مِنْ الْعِلْمِ عِنْدَهُمْ، لِتَحْقِيقِ نُبُوَّتِهِ وَالْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِمَا يَأْتِيهِمْ بِهِ مِمَّا أَخْفَوْا مِنْهُ. ثُمَّ قَالَ: إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ 3: 45، أَيْ هَكَذَا كَانَ أَمْرُهُ، لَا كَمَا تَقُولُونَ فِيهِ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ 3: 45 أَيْ عِنْدَ اللَّهِ وَمن الْمُقَرَّبِينَ. وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمن الصَّالِحِينَ 3: 45- 46 يُخْبِرُهُمْ بِحَالَاتِهِ الَّتِي يَتَقَلَّبُ فِيهَا فِي عُمْرِهِ، كَتَقَلُّبِ بَنِي آدَمَ فِي أَعْمَارِهِمْ، صِغَارًا وَكِبَارًا، إلَّا أَنَّ اللَّهَ خَصَّهُ بِالْكَلَامِ فِي مَهْدِهِ آيَةً لِنُبُوَّتِهِ، وَتَعْرِيفًا لِلْعِبَادِ بِمَوَاقِعِ قُدْرَتِهِ. قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ؟ قَالَ كَذلِكِ اللَّهِ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ 3: 47، أَيْ يَصْنَعُ مَا أَرَادَ، وَيَخْلُقُ مَا يَشَاءُ مِنْ بَشَرٍ أَوْ غَيْرِ بَشَرٍ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ 3: 47 مِمَّا يَشَاءُ وَكَيْفَ شَاءَ، فَيَكُونُ 3: 47 كَمَا أَرَادَ.

_ [1] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «جريح» بِالْحَاء الْمُهْملَة.

(ما نزل من القرآن في بيان آيات عيسى عليه السلام) :

(مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي بَيَانِ آيَاتِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ) : ثُمَّ أَخْبَرَهَا بِمَا يُرِيدُ بِهِ، فَقَالَ: وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ 3: 48 الَّتِي كَانَتْ فِيهِمْ مِنْ عَهْدِ مُوسَى قَبْلَهُ وَالْإِنْجِيلَ 3: 48، كِتَابًا آخَرَ أَحْدَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ إلَّا ذِكْرُهُ أَنَّهُ كَائِنٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَهُ وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ 3: 49، أَيْ يُحَقِّقُ بِهَا نُبُوَّتِي، أَنِّي رَسُولٌ مِنْهُ إلَيْكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ 3: 49 الَّذِي بَعَثَنِي إلَيْكُمْ، وَهُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ 3: 49. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَكْمَهَ: الَّذِي يُولَدُ أَعْمَى. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ: هَرَّجْتُ [1] فَارْتَدَّ ارْتِدَادَ الْأَكْمَهِ (وَجَمْعُهُ: كُمْهٌ) [2] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَرَّجْتُ: صِحْتُ بِالْأَسَدِ، وَجَلَبْتُ عَلَيْهِ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أرجوزة [3] لَهُ. وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ، وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ 3: 49 أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ مِنْ اللَّهِ إلَيْكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ 3: 49- 50، أَيْ لِمَا سَبَقَنِي عَنْهَا وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ 3: 50، أَيْ أُخْبِرُكُمْ بِهِ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْكُمْ حَرَامًا فَتَرَكْتُمُوهُ، ثُمَّ أُحِلُّهُ لَكُمْ تَخْفِيفًا عَنْكُمْ، فَتُصِيبُونَ يُسْرَهُ وَتَخْرُجُونَ مِنْ تِبَاعَاتِهِ [4] وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ 3: 50- 51، أَيْ تبريًّا مِنْ الَّذِينَ يَقُولُونَ فِيهِ، وَاحْتِجَاجًا لِرَبِّهِ عَلَيْهِمْ، فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ 3: 51، أَيْ هَذَا الَّذِي قَدْ حَمَلْتُكُمْ عَلَيْهِ وَجِئْتُكُمْ

_ [1] ويروى: «هزجت» بالزاي الْمُعْجَمَة، أَي زجرت. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فِي قصيدة» . [4] التباعات: جمع تباعة (بِالْكَسْرِ) وَهِي التبعة والظلامة.

(رفع عيسى عليه السلام) :

بِهِ. فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ 3: 52 وَالْعُدْوَانَ عَلَيْهِ، قَالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ، قَالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ 3: 52 هَذَا قَوْلُهُمْ الَّذِي أَصَابُوا بِهِ الْفَضْلَ مِنْ رَبِّهِمْ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ 3: 52 لَا مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُحَاجُّونَكَ فِيهِ رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ 3: 53، أَيْ هَكَذَا كَانَ قَوْلُهُمْ وَإِيمَانُهُمْ. (رَفْعُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ) : ثُمَّ ذَكَرَ (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) [1] رَفْعَهُ عِيسَى إلَيْهِ حَيْنَ اجْتَمَعُوا لِقَتْلِهِ، فَقَالَ: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَالله خَيْرُ الْماكِرِينَ 3: 54. ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَقَرُّوا لِلْيَهُودِ بِصَلْبِهِ، كَيْفَ رَفَعَهُ وَطَهَّرَهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ، وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا 3: 55، إذْ هَمُّوا مِنْكَ بِمَا هَمُّوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ 3: 55. ثُمَّ الْقِصَّةُ، حَتَّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ: ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ 3: 58 يَا مُحَمَّدُ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ 3: 58 الْقَاطِعِ الْفَاصِلِ الْحَقِّ، الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ الْبَاطِلُ، مِنْ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى، وَعَمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ، فَلَا تَقْبَلَنَّ خَبَرًا غَيْرَهُ. إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ 3: 59 فَاسْتَمِعْ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ 3: 59- 60، أَيْ مَا جَاءَكَ مِنْ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ 3: 60، أَيْ قَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَمْتَرِيَنَّ فِيهِ، وَإِنْ قَالُوا: خُلِقَ عِيسَى مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ فَقَدْ خَلَقْتُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ، بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ مِنْ غَيْرِ أُنْثَى وَلَا ذَكَرٍ، فَكَانَ كَمَا كَانَ عِيسَى لَحْمًا وَدَمًا، وَشَعْرًا وَبَشَرًا، فَلَيْسَ خَلْقُ عِيسَى مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ بِأَعْجَبَ مِنْ هَذَا. فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ 3: 61، أَيْ مِنْ بَعْدِ مَا قَصَصْتُ عَلَيْكَ مِنْ خَبَرِهِ، وَكَيْفَ كَانَ أَمْرُهُ، فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ، وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ، ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ 3: 61.

_ [1] زِيَادَة عَن ط.

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

(تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: نَبْتَهِلْ: نَدْعُو بِاللَّعْنَةِ، قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ ابْن ثَعْلَبَةَ: لَا تَقْعُدَنَّ وَقَدْ أَكَّلْتَهَا حَطَبًا ... نَعُوذُ مِنْ شَرِّهَا يَوْمًا وَنَبْتَهِلُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ [1] . يَقُولُ: نَدْعُو بِاللَّعْنَةِ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: بَهَلَ اللَّهُ فُلَانًا، أَيْ لَعَنَهُ، وَعَلَيْهِ بَهْلَةُ اللَّهِ. (قَالَ ابْنُ هِشَامٍ) [2] : وَيُقَالُ: بَهْلَةُ اللَّهِ [2] ، أَيْ لَعْنَةُ اللَّهِ، وَنَبْتَهِلْ أَيْضًا: نَجْتَهِدْ، فِي الدُّعَاءِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: «إِنَّ هَذَا 3: 62» الَّذِي جِئْتُ بِهِ مِنْ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ 3: 62 مِنْ أَمْرِهِ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. فَإِنْ تَوَلَّوْا، فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ. قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ، وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ 3: 62- 64. فَدَعَاهُمْ إلَى النَّصَفِ، وَقَطَعَ عَنْهُمْ الْحُجَّةَ. (إبَاؤُهُمْ الْمُلَاعَنَةَ) : فَلَمَّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ مِنْ اللَّهِ عَنْهُ، وَالْفَصْلُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَأَمَرَ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ مُلَاعَنَتِهِمْ إنْ رَدُّوا ذَلِكَ عَلَيْهِ، دَعَاهُمْ إلَى ذَلِكَ، فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، دَعْنَا نَنْظُرْ فِي أَمْرِنَا، ثُمَّ نَأْتِيكَ بِمَا نُرِيدُ أَنْ نَفْعَلَ فِيمَا دَعَوْتنَا إلَيْهِ. فَانْصَرَفُوا عَنْهُ، ثُمَّ خَلَوْا بِالْعَاقِبِ، وَكَانَ ذَا رَأْيِهِمْ، فَقَالُوا: يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ، مَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ: وَاَللَّهِ يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى لَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْفَصْلِ مِنْ خَبَرِ صَاحِبِكُمْ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا لَاعَنَ قَوْمٌ نَبِيًّا قَطُّ فَبَقِيَ كَبِيرُهُمْ، وَلَا نَبَتَ صَغِيرُهُمْ، وَإِنَّهُ لَلِاسْتِئْصَالُ مِنْكُمْ إنْ فَعَلْتُمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ أَبَيْتُمْ إلَّا إلْفَ دِينِكُمْ، وَالْإِقَامَةَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْقَوْلِ فِي صَاحِبِكُمْ، فَوَادِعُوا الرَّجُلَ، ثُمَّ انْصَرِفُوا إلَى بِلَادِكُمْ. فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

_ [1] وزادت أبعد هَذِه الْكَلِمَة: «نبتهل: نَتَضَرَّع» . [2] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة من أ.

(تولية أبى عبيدة أمورهم) :

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، قَدْ رَأَيْنَا أَلَّا نُلَاعِنَكَ، وَأَنْ نَتْرُكَكَ عَلَى دِينِكَ وَنَرْجِعَ عَلَى دِينِنَا، وَلَكِنْ ابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِكَ تَرْضَاهُ لَنَا، يَحْكُمْ بَيْنَنَا فِي أَشْيَاءَ اخْتَلَفْنَا فِيهَا مِنْ أَمْوَالِنَا، فَإِنَّكُمْ عِنْدَنَا رِضًا. (تَوْلِيَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ أُمُورَهُمْ) : قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْتُونِي الْعَشِيَّةَ أَبْعَثْ مَعَكُمْ الْقَوِيَّ الْأَمِينَ. قَالَ: فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: مَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ قَطُّ حُبِّي إيَّاهَا يَوْمئِذٍ، رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ صَاحِبَهَا، فَرُحْتُ إلَى الظُّهْرِ مُهَجِّرًا، فَلَمَّا صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ سَلَّمَ، ثُمَّ نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، فَجَعَلْتُ أَتَطَاوَلُ لَهُ لِيَرَانِي، فَلَمْ يَزَلْ يَلْتَمِسُ بِبَصَرِهِ حَتَّى رَأَى أَبَا عُبَيْدَةَ ابْن الْجَرَّاحِ، فَدَعَاهُ فَقَالَ: اُخْرُجْ مَعَهُمْ، فَاقْضِ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ. قَالَ عُمَرُ: فَذَهَبَ بِهَا أَبُو عُبَيْدَةَ. نُبَذٌ مِنْ ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ (ابْنُ أُبَيٍّ وَابْنُ صَيْفِيٍّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ- كَمَا حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ- وَسَيِّدُ أَهْلِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ (ابْنُ) [1] سَلُولَ الْعَوْفِيُّ. ثُمَّ أَحَدُ بَنِي الْحُبْلَى، لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ فِي شَرَفِهِ (مِنْ قَوْمِهِ) [1] اثْنَانِ، لَمْ تَجْتَمِعْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ، غَيَّرَهُ، وَمَعَهُ فِي الْأَوْسِ رَجُلٌ، هُوَ فِي قَوْمِهِ مِنْ الْأَوْسِ شَرِيفٌ مُطَاعٌ، أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ عَمْرِو بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ، أَحَدُ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ أَبُو حَنْظَلَةَ، الْغَسِيلُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَكَانَ قَدْ تَرَهَّبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَبِسَ الْمُسُوحَ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: الرَّاهِبُ. فَشَقِيَا بِشَرَفِهِمَا وَضَرَّهُمَا. (إسْلَامُ ابْنِ أُبَيٍّ) : فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَكَانَ قَوْمُهُ قَدْ نَظَمُوا لَهُ الْخَرَزَ لِيُتَوِّجُوهُ ثُمَّ يُمَلِّكُوهُ

_ [1] زِيَادَة عَن أ، ط.

(إصرار ابن صيفي على كفره) :

عَلَيْهِمْ [1] ، فَجَاءَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَوْمُهُ عَنْهُ إلَى الْإِسْلَامِ ضَغِنَ [2] ، وَرَأَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اسْتَلَبَهُ مُلْكًا. فَلَمَّا رَأَى قَوْمَهُ قَدْ أَبَوْا إلَّا الْإِسْلَامِ دَخَلَ فِيهِ كَارِهًا مُصِرًّا عَلَى نِفَاقٍ وَضِغْنٍ. (إصْرَارُ ابْنِ صَيْفِيٍّ عَلَى كُفْرِهِ) : وَأَمَّا أَبُو عَامِرٍ فَأَبَى إلَّا الْكُفْرَ وَالْفِرَاقَ لِقَوْمِهِ حِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى الْإِسْلَامِ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ إلَى مَكَّةَ بِبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مُفَارِقًا لِلْإِسْلَامِ وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ بَعْضِ آلِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ-: لَا تَقُولُوا: الرَّاهِبَ، وَلَكِنْ قُولُوا: الْفَاسِقَ. (مَا نَالَ ابْنَ صَيْفِيٍّ جَزَاءَ تَعْرِيضِهِ بِالرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْحَكَمِ، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ وَسَمِعَ، وَكَانَ رَاوِيَةً: أَنَّ أَبَا عَامِرٍ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي جِئْتَ بِهِ؟ فَقَالَ: جِئْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ دِينِ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: فَأَنَا عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّكَ لَسْتَ عَلَيْهَا، قَالَ: بَلَى قَالَ: إنَّكَ أَدَخَلْتَ يَا مُحَمَّدُ فِي الْحَنِيفِيَّةِ مَا لَيْسَ مِنْهَا قَالَ: مَا فَعَلْتُ، وَلَكِنِّي جِئْتُ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، قَالَ: الْكَاذِبُ أَمَاتَهُ اللَّهُ طَرِيدًا غَرِيبًا وَحِيدًا- يُعَرِّضُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيْ أَنَّكَ [3] جِئْتَ بِهَا

_ [1] قَالَ السهيليّ: « ... وَذَلِكَ أَن الْأَنْصَار يمن، وَقد كَانَ الْمُلُوك المتوجون من الْيمن فِي آل قحطان وَكَانَ أول من تتوج مِنْهُم سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وَلم يتوج من الْعَرَب إِلَّا قحطانى كَذَلِك. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فَقيل لَهُ: قد تتوج هَوْذَة بن على الْحَنَفِيّ صَاحب الْيَمَامَة، وَقَالَ فِيهِ الْأَعْشَى: من يلق هَوْذَة يسْجد غير متئب ... إِذا تعمم فَوق التَّاج أَو وضعا وَفِي الخرزات الَّتِي بِمَعْنى التَّاج يَقُول الشَّاعِر: رعى خَرَزَات الْملك عشْرين حجَّة ... وَعشْرين حَتَّى فاد والشيب شَامِل وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لم يكن تاجا، وَإِنَّمَا كَانَت خَرَزَات تنظم. وَكَانَت سَبَب تتوج هَوْذَة، أَنه أَجَارَ لطيمة لكسرى، فَلَمَّا وَفد عَلَيْهِ توجه لذَلِك وَملكه» . [2] ضغن: اعْتقد الْعَدَاوَة. [3] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «مَا جِئْت» .

(الاحتكام إلى قيصر في ميراثه) :

كَذَلِكَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَلْ، فَمَنْ كَذَبَ فَفَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِهِ. فَكَانَ هُوَ ذَلِكَ عَدُوَّ اللَّهِ، خَرَجَ إلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ خَرَجَ إلَى الطَّائِفِ. فَلَمَّا أَسْلَمَ أَهْلُ الطَّائِفِ لَحِقَ بِالشَّامِ. فَمَاتَ بِهَا طَرِيدًا غَرِيبًا وَحِيدًا. (الِاحْتِكَامُ إلَى قَيْصَرَ فِي مِيرَاثِهِ) : وَكَانَ قَدْ خَرَجَ مَعَهُ عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْأَحْوَصِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ، وَكِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يالِيلَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثَّقَفِيُّ، فَلَمَّا مَاتَ اخْتَصَمَا فِي مِيرَاثِهِ إلَى قَيْصَرَ، صَاحِبِ الرُّومِ. فَقَالَ قَيْصَرُ: يَرِثُ أَهْلُ الْمَدَرِ [1] أَهْلَ الْمَدَرِ، وَيَرِثُ أَهْلُ الْوَبَرِ أَهْلَ الْوَبَرِ، فَوَرِثَهُ كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَالِيلَ بِالْمَدَرِ دُونَ عَلْقَمَةَ. (هِجَاءُ كَعْبٍ لِابْنِ صَيْفِيٍّ) : فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ لِأَبِي عَامِرٍ فِيمَا صَنَعَ: مَعَاذَ اللَّهِ مِنْ عَمَلٍ خَبِيثٍ ... كَسَعْيِكَ فِي الْعَشِيرَةِ عَبْدَ عَمْرٍو فَإِمَّا قُلْتَ لِي شرف ونخل ... فقد مَا بِعْتَ إيمَانًا بِكُفْرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: فَإِمَّا قُلْتَ لِي شَرَفٌ وَمَالٌ قَالَ [2] ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَأَقَامَ عَلَى شَرَفِهِ فِي قَوْمِهِ مُتَرَدِّدًا، حَتَّى غَلَبَهُ الْإِسْلَامُ، فَدَخَلَ فِيهِ كَارِهًا. (خُرُوجُ قَوْمِ ابْنِ أُبَيٍّ عَلَيْهِ وَشِعْرُهُ فِي ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، حِبِّ [3] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ يَعُودُهُ مِنْ شَكْوٍ أَصَابَهُ عَلَى

_ [1] أهل الْمدر: يُرِيد بهم من لَا يسكنون الْخيام فِي الْبَادِيَة وَإِنَّمَا يسكنون بُيُوتًا مَبْنِيَّة. [2] يُلَاحظ أَن هَذَا الْخَبَر جَاءَ مكررا فقد سبقت الْإِشَارَة إِلَيْهِ. [3] الْحبّ: المحبوب.

حِمَارٍ عَلَيْهِ إكَافٌ [1] ، فَوْقَهُ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ [2] مُخْتَطِمَةٌ [3] بِحَبْلِ مِنْ لِيفٍ، وَأَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ. قَالَ: فَمَرَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَي، وَهُوَ (فِي) [4] ظِلِّ مُزَاحِمٍ أُطُمِهِ [5] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُزَاحِمٌ: اسْمُ الْأُطُمِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَوْلَهُ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ. فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذَمَّمَ [6] مِنْ أَنْ يُجَاوِزَهُ حَتَّى يَنْزِلَ فَنَزَلَ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ قَلِيلًا فَتَلَا الْقُرْآنَ وَدَعَا إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَكَّرَ باللَّه وَحَذَّرَ، وَبَشَّرَ وَأَنْذَرَ قَالَ: وَهُوَ زَامٌّ [7] لَا يَتَكَلَّمُ، حَتَّى إذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَقَالَتِهِ، قَالَ: يَا هَذَا، إنَّهُ لَا أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِكَ هَذَا إنْ كَانَ حَقًّا فَاجْلِسْ فِي بَيْتِكَ فَمَنْ جَاءَكَ لَهُ فَحَدِّثْهُ إيَّاهُ، (و) [8] مَنْ لَمْ يأتك فَلَا تغتّه [9] بِهِ، وَلَا تَأْتِهِ فِي مَجْلِسِهِ بِمَا يَكْرَهُ مِنْهُ. قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي رِجَالٍ كَانُوا عِنْدَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: بَلَى، فاغشنا بِهِ، وائتنا فِي مَجَالِسِنَا وَدُورِنَا وَبُيُوتِنَا، فَهُوَ وَاَللَّهِ مِمَّا نُحِبُّ، وَمِمَّا أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِهِ وَهَدَانَا لَهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ حِينَ رَأَى مِنْ خِلَافِ قَوْمِهِ مَا رَأَى: مَتَى مَا يَكُنْ مَوْلَاكَ خَصْمَكَ لَا تَزَلْ ... تَذِلُّ وَيَصْرَعْكَ الَّذِينَ تُصَارِعُ [10] وَهَلْ يَنْهَضُ الْبَازِي بِغَيْرِ جَنَاحِهِ ... وَإِنْ جُذَّ يَوْمًا رِيشُهُ فَهُوَ وَاقِعُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْبَيْتُ الثَّانِي عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.

_ [1] الإكاف: البرذعة بأداتها. [2] فَدَكِيَّة: منسوبة إِلَى فدك، وَهِي قَرْيَة بالحجاز بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة يَوْمَانِ. [3] الاختطام: أَن يَجْعَل على رَأس الدَّابَّة وأنفها حَبل تمسك بِهِ. [4] زِيَادَة عَن أ، ط. [5] الأطم: الْحصن. قَالَ السهيليّ: «آطام الْمَدِينَة: سطوح، وَلها أَسمَاء، فَمِنْهَا: مُزَاحم، وَمِنْهَا: الزَّوْرَاء، أَطَم بنى الجلاح، وَمِنْهَا: معرض: أَطَم بنى سَاعِدَة ... وعد كثيرا غير هَذِه» . [6] تذمم: استنكف واستحيا [7] زام: سَاكِت. [8] زِيَادَة عَن أ، ط. [9] لَا تغته: أَي لَا تثقل عَلَيْهِ وَلَا تكده وَيُقَال: غته بِالْأَمر: إِذا كده. قَالَ أَبُو ذَر: «وَقد يكون مَعْنَاهُ: لَا تعذبه، يُقَال: غتهم الله بِعَذَاب، أَي غطاهم بِهِ. ويروى: «فَلَا تغشه بِهِ» ، أَي لَا تأته بِهِ. [10] يُقَال إِن هذَيْن الْبَيْتَيْنِ لخفاف بن ندبة.

(غضب الرسول صلى الله عليه وسلم من كلام ابن أبى) :

(غَضَبُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ أُبَيٍّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أُسَامَةَ، قَالَ وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَفِي وَجْهِهِ مَا قَالَ عَدُوُّ اللَّهِ ابْنُ أُبَيٍّ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَأَرَى فِي وَجْهِكَ شَيْئًا، لَكَأَنَّكَ سَمِعْتَ شَيْئًا تَكْرَهُهُ، قَالَ: أَجَلْ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ: فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ارْفُقْ بِهِ، فو الله لَقَدْ جَاءَنَا اللَّهُ بِكَ، وَإِنَّا لَنَنْظِمُ لَهُ الخرز لنتوجّه، فو الله إنَّهُ لَيَرَى أَنْ قَدْ سَلَبْتُهُ مُلْكًا. ذِكْرُ مَنْ اعْتَلَّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَرَضُ أَبِي بَكْرٍ وَعَامِرٍ وَبِلَالٍ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ عَنْهُمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، وَعُمَرُ [1] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، قَدِمَهَا وَهِيَ أَوْبَأَ أَرْضِ اللَّهِ مِنْ الْحُمَّى، فَأَصَابَ أَصْحَابَهُ مِنْهَا بَلَاءٌ وَسَقَمٌ، فَصَرَفَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَبِلَالٍ، مَوْلَيَا أَبِي بَكْرٍ، مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، فَأَصَابَتْهُمْ الْحُمَّى، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَعُودُهُمْ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ، وَبِهِمْ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ مِنْ شِدَّةِ الْوَعْكِ [2] ، فَدَنَوْتُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَجِدُكَ يَا أَبَتْ؟ فَقَالَ: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ [3]

_ [1] كَذَا فِي أ، ط وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عَمْرو» وَهُوَ تَحْرِيف. (رَاجع شرح السِّيرَة وتراجم رجال) . [2] الوعك: شدَّة ألم الْمَرَض. [3] هَذَا الْبَيْت والّذي بعده لعَمْرو بن مامة.

(دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم بنقل وباء المدينة إلى مهيعة) :

قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاَللَّهِ مَا يَدْرِي أَبِي مَا يَقُولُ. قَالَتْ: ثُمَّ دَنَوْتُ إلَى عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَجِدُكَ يَا عَامِرُ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ ... إنَّ الْجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ كُلُّ امْرِئٍ مُجَاهَدٌ بِطَوْقِهِ ... كَالثَّوْرِ يَحْمِي جِلْدَهُ بِرَوْقِهِ [1] (بِطَوْقِهِ) [2] يُرِيدُ: بِطَاقَتِهِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [3] : قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاَللَّهِ مَا يَدْرِي عَامِرٌ مَا يَقُولُ! قَالَتْ: وَكَانَ بِلَالٌ إذَا تَرَكَتْهُ الْحُمَّى اضْطَجَعَ بِفِنَاءِ الْبَيْتِ ثُمَّ رَفَعَ عَقِيرَتَهُ [4] فَقَالَ: أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِفَخٍّ وَحَوْلِي إذْخِرٌ وَجَلِيلُ [5] وَهَلْ أَرِدَنْ [5] يَوْمًا مِيَاهَ مَجِنَّةٍ [6] ... وَهَلْ يَبْدُونَ لِي شَامَةٌ وَطُفَيْلُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: شَامَةٌ وَطُفَيْلٌ: جَبَلَانِ بِمَكَّةَ. (دُعَاءُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَقْلِ وَبَاءِ الْمَدِينَةِ إلَى مَهْيَعَةَ) : قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَذَكَرْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا سَمِعْتُ مِنْهُمْ، فَقُلْتُ: إنَّهُمْ لَيَهْذُونَ وَمَا يَعْقِلُونَ مِنْ شِدَّةِ الْحُمَّى. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهمّ حَبِّبْ إلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ إلَيْنَا مَكَّةَ، أَوْ أَشَدَّ، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّهَا وَصَاعِهَا [7] وَانْقُلْ وَبَاءَهَا إلَى مَهْيَعَةَ» ومَهْيَعَةُ، الْجُحْفَةُ [8] .

_ [1] الروق: الْقرن. [2] زِيَادَة عَن أ، ط. [3] فِي ط: «الطوق: الكلفة والروق: الْقرن. قَالَ رؤبة بن العجاج يصف الثور وَالْكلاب» ثمَّ سَاق شَاهدا من شعره نستطع تصويبه فأهملناه. [4] رفع عقيرته، أَي رفع صَوته. [5] فخ (بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وبالجيم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة الدينَوَريّ: فخ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة) : مَوضِع خَارج مَكَّة. والإذخر: نَبَات طيب الرَّائِحَة. والجليل: النمام. [6] مجنة: اسْم سوق للْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة، وَهِي بِأَسْفَل مَكَّة، على قدر بريد مِنْهَا. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [7] يعْنى الطَّعَام الّذي يُكَال بِالْمدِّ وبالصاع. وَالْمدّ: رطلان عِنْد أهل الْعرَاق، ورطل وَثلث عِنْد أهل الْحجاز. والصاع: أَرْبَعَة أَمْدَاد عِنْد الْحِجَازِيِّينَ. [8] وَقيل. مهيعة: قريب من الْجحْفَة. وَهِي مِيقَات أهل الشَّام.

(ما جهد المسلمين من الوباء) :

(مَا جَهَدَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْوَبَاءِ) : قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَذكر ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو بن العَاصِي: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ أَصَابَتْهُمْ حُمَّى الْمَدِينَةِ، حَتَّى جَهَدُوا مَرَضًا، وَصَرَفَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى كَانُوا مَا يُصَلُّونَ إلَّا وَهُمْ قُعُودٌ، قَالَ: فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يُصَلُّونَ كَذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ: اعْلَمُوا أَنَّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ. قَالَ: فَتَجَشَّمَ [1] الْمُسْلِمُونَ الْقِيَامَ عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ الضَّعْفِ وَالسَّقَمِ الْتِمَاسَ الْفَضْلِ. (بَدْءُ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَهَيَّأَ لِحَرْبِهِ، قَامَ فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ جِهَادِ عَدُوِّهِ، وَقِتَالِ مَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِمَّنْ يَلِيهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً. تَارِيخُ الْهِجْرَةِ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيِّ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، حِينَ اشْتَدَّ الضَّحَاءُ، وَكَادَتْ الشَّمْسُ تَعْتَدِلَ، لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَهُوَ التَّارِيخُ، (فِيمَا) [2] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَشَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ، وَجُمَادَيَيْنِ، وَرَجَبًا، وَشَعْبَانَ، وَشَهْرَ رَمَضَانَ، وَشَوَّالًا، وَذَا الْقِعْدَةِ، وَذَا الْحَجَّةِ- وَوَلِيَ تِلْكَ الْحَجَّةَ الْمُشْرِكُونَ- وَالْمُحَرَّمَ، ثُمَّ خَرَجَ غَازِيًا فِي صَفَرَ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ.

_ [1] تجشم: تكلّف. [2] زِيَادَة عَن أ، ط.

غزوة ودان وهي أول غزواته عليه الصلاة والسلام

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ. غَزْوَةُ وَدَّانَ وَهِيَ أَوَّلُ غَزَوَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (مُوَادَعَةُ بَنِي ضَمْرَةَ وَالرُّجُوعُ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتَّى بَلَغَ وَدَّانَ [1] ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ [2] ، يُرِيدُ قُرَيْشًا وَبَنِيَّ ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، فَوَادَعَتْهُ فِيهَا بَنُو ضَمْرَةَ، وَكَانَ الَّذِي وَادَعَهُ [3] مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ مَخْشِيُّ بْنُ عَمْرٍو الضَّمَرِيُّ، وَكَانَ سَيِّدَهُمْ فِي زَمَانِهِ ذَلِكَ. ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ صَفَرٍ، وَصَدْرًا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا. سَرِيَّةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَهِيَ أَوَّلُ رَايَةٍ عَقَدَهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (مَا وَقَعَ بَيْنَ الْكُفَّارِ وَإِصَابَةُ سَعْدٍ) . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي مُقَامِهِ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ فِي سِتِّينَ أَوْ ثَمَانِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ، فَسَارَ حَتَّى بَلَغَ مَاءً بِالْحِجَازِ، بِأَسْفَلَ ثَنِيَّةِ الْمُرَّةِ، فَلَقِيَ بِهَا جَمْعًا عَظِيمًا مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، إلَّا أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَدْ رُمِيَ يَوْمَئِذٍ بِسَهْمٍ، فَكَانَ أَوَّلَ سَهْمٍ رُمِيَ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ.

_ [1] ودان (بِفَتْح الْوَاو وَشد الْمُهْملَة فألف فنون) : قَرْيَة جَامِعَة من أُمَّهَات الْقرى من عمل الْفَرْع، وَقيل: وَاد على الطَّرِيق يقطعهُ المصعدون من حجاج الْمَدِينَة. [2] الْأَبْوَاء: قَرْيَة من عمل الْفَرْع، بَينهَا وَبَين الْجحْفَة من جِهَة الْمَدِينَة ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ ميلًا. [3] وادعه: سالمه وعاهده أَن لَا يحاربه.

(من فر من المشركين إلى المسلمين) :

(مَنْ فَرَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى الْمُسْلِمِينَ) : ثُمَّ انْصَرَفَ الْقَوْمُ عَنْ الْقَوْمِ، وَلِلْمُسْلِمِينَ حَامِيَةٌ. وَفَرَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (إلَى) [1] الْمُسْلِمِينَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرِو الْبَهْرَانِيُّ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ ابْن جَابِرٍ الْمَازِنِيُّ، حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَلَكِنَّهُمَا خَرَجَا لِيَتَوَصَّلَا بِالْكُفَّارِ [2] . وَكَانَ عَلَى الْقَوْمِ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيِّ: أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمْ مِكْرَزُ [3] بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ، أَحَدُ بَنِي مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ. (شِعْرُ أَبِي بَكْرٍ فِيهَا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي غَزْوَةِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ لِأَبِي بَكْرٍ [4] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَمِنْ طَيْفِ سَلْمَى بِالْبِطَاحِ الدَّمَائِثِ ... أَرِقْتَ وَأَمْرٍ فِي الْعَشِيرَةِ حَادِثِ [5] تَرَى مِنْ لُؤَيًّ فِرْقَةً لَا يَصُدُّهَا ... عَنْ الْكُفْرِ تَذْكِيرٌ وَلَا بَعْثُ بَاعِثِ رَسُولٌ أَتَاهُمْ صَادِقٌ فَتَكَذَّبُوا ... عَلَيْهِ وَقَالُوا: لَسْتَ فِينَا بِمَاكِثِ إذَا مَا دَعَوْنَاهُمْ إلَى الْحَقِّ أَدْبَرُوا ... وَهَرُّوا هَرِيرَ الْمُجْحَرَاتِ اللَّوَاهِثِ [6] فَكَمْ قَدْ مَتَتْنَا [7] فِيهِمْ بِقَرَابَةٍ ... وَتَرْكُ التُّقَى شَيْءٌ لَهُمْ غَيْرُ كَارِثِ [8]

_ [1] زِيَادَة عَن أ، ط. [2] ليتوصلا بالكفار: أَي أَنَّهُمَا جعلا خروجهما مَعَ الْكفَّار وَسِيلَة للوصول إِلَى الْمُسلمين. [3] روى «مكرز» بِكَسْر الْمِيم وَفتحهَا مَعَ سُكُون الْكَاف وَفتح الرَّاء وزاي، كَمَا يرْوى بِضَم الْمِيم وَكسر الرَّاء. وَالْمُعْتَمد فِيهِ كسر الْمِيم. (رَاجع الرَّوْض الْأنف والمؤتلف والمختلف وَشرح الْمَوَاهِب اللدنية) . [4] وَمِمَّا يقوى قَول ابْن هِشَام فِي نفى هَذَا الشّعْر عَن أَبى بكر، مَا روى من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة رضى الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت: كذب من أخْبركُم أَن أَبَا بكر قَالَ بَيت شعر فِي الْإِسْلَام. [5] الدمائث: الرمال اللينة. [6] هروا: وَثبُوا كَمَا تثب الْكلاب. والمجحرات: الْكلاب الَّتِي أجحرت، أَي ألجأت إِلَى موَاضعهَا. [7] كَذَا فِي أ، ط. ومتتنا: اتصلنا وَفِي سَائِر الْأُصُول، «منينا» . [8] غير كارث، أَي غير محزن.

(شعر ابن الزبعري في الرد على أبى بكر) :

فَإِنْ يَرْجِعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ وَعُقُوقِهِمْ ... فَمَا طَيِّبَاتُ الْحِلِّ مِثْلُ الْخَبَائِثِ وَإِنْ يَرْكَبُوا طُغْيَانَهُمْ وَضَلَالَهُمْ ... فَلَيْسَ عَذَابُ اللَّهِ عَنْهُمْ بِلَابِثِ [1] وَنَحْنُ أَنَاسٌ مِنْ ذُؤَابَةَ غَالِبٌ ... لَنَا الْعِزُّ مِنْهَا فِي الْفُرُوعِ الْأَثَائِثِ [2] فَأُولِي بِرَبِّ الرَّاقِصَاتِ عَشِيَّةً ... حَراجِيجُ [3] تُحْدَى [4] فِي السَّرِيحِ الرَّثَائِثِ [5] كَأُدْمِ ظِبَاءٍ حَوْلَ مَكَّةَ عُكَّفٍ ... يَرِدْنَ حِيَاضَ الْبِئْرِ ذَاتِ النَّبَائِثِ [6] لَئِنْ لَمْ يُفِيقُوا عَاجِلًا مِنْ ضَلَالِهِمْ ... وَلَسْتُ إذَا آلَيْت قولا بجانث لَتَبْتَدِرَنَّهُمْ غَارَةٌ ذَاتُ مَصْدَقٍ ... تُحَرِّمُ أَطْهَارَ النِّسَاءِ الطَّوَامِثِ [7] تُغَادِرُ قَتْلَى تَعْصِبُ الطَّيْرُ حَوْلَهُمْ ... وَلَا تَرْأَفُ الْكُفَّارَ رَأَفَ ابْنِ حَارِثِ [8] فَأَبْلِغْ بَنِي سَهْمٍ لَدَيْكَ رِسَالَةً ... وَكُلَّ كَفُورٍ يَبْتَغِي الشَّرَّ بَاحِثِ فَإِنْ تَشْعَثُوا عِرْضِي عَلَى سُوءِ رَأْيكُمْ ... فَإِنِّي مِنْ أَعْرَاضِكُمْ غَيْرُ شَاعِثِ [9] (شِعْرُ ابْنِ الزِّبَعْرَى فِي الرِّدِّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ) : فَأَجَابَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى السَّهْمِيُّ، فَقَالَ: أَمِنْ رَسْمِ دَارٍ أَقْفَرَتْ بِالْعَثَاعِثِ ... بَكَيْتَ بِعَيْنٍ دَمْعُهَا غَيْرُ لَابِثِ [10] وَمِنْ عَجَبِ الْأَيَّامِ وَالدَّهْرُ كُلُّهُ ... لَهُ عَجَبٌ مِنْ سَابِقَاتٍ وَحَادِثِ

_ [1] بلابث، أَي بمبطئ. [2] الأثائث: الْكَثِيرَة المجتمعة. [3] أولى، أَي أَحْلف وَأقسم. وَيُرِيد ب «الراقصات» : الْإِبِل والرقص: ضرب من الْمَشْي. وحراجيج: طوال، الْوَاحِد: حرجوج. ويروى: «عناجيج» ، أَي حسان. [4] كَذَا فِي أ، ط. وتحدى: تساق ويغنى لَهَا. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «تخدى» بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وخدي الْبَعِير خدي (من بَاب ضرب) أسْرع وزج بقوائمه. [5] السريح: قطع جلد ترْبط فِي أَخْفَاف الْإِبِل مَخَافَة أَن تصيبها الْحِجَارَة. والرثائث: البالية الْخلقَة. [6] الْأدم من الظباء: السمر الظُّهُور الْبيض الْبُطُون. وَعَكَفَ: مُقِيمَة. والنبائث جمع نبيثة، وَهِي تُرَاب يخرج من الْبِئْر إِذا نقيت. [7] الطوامث: جمع طامث، وَهِي الْحَائِض. [8] تعصب: تَجْتَمِع وتحيط. وَابْن حَارِث: عُبَيْدَة بن الْحَارِث. [9] تشعثوا: تغيرُوا وَتَفَرَّقُوا. [10] العثائث: أكداس الرمل الَّتِي لَا تنْبت شَيْئا، وَاحِدهَا: عثعث. وَغير لابث: غير مُتَوَقف. 38- سيرة ابْن هِشَام- 1

(شعر ابن أبى وقاص في رميته) :

لِجَيْشٍ أَتَانَا ذِي عُرَامٍ يَقُودُهُ ... عُبَيْدَةُ يُدْعَى فِي الْهِيَاجِ ابْنَ حَارِثِ [1] لِنَتْرُكَ أَصْنَامًا بِمَكَّةَ عُكَّفَا ... مَوَارِيثَ مَوْرُوثٍ كَرِيمٍ لِوَارِثِ فَلَمَّا لَقِينَاهُمْ بِسُمْرِ رُدَيْنَةَ ... وَجُرْدٍ عِتَاقٍ فِي الْعَجَاجِ لَوَاهِثِ [2] وَبِيضٍ [3] كَأَنَّ الْمِلْحَ فَوْقَ مُتُونِهَا ... بِأَيْدِي كُمَاةٍ كَاللُّيُوثِ الْعَوَائِثِ [4] نُقِيمُ بِهَا إصْعَارَ مَنْ كَانَ مَائِلًا ... وَنَشْفِي الذُّحُولَ عَاجِلًا غَيْرَ لَابِثِ [5] فَكَفَوْا عَلَى خَوْفٍ شَدِيدٍ وَهَيْبَةٍ ... وَأَعْجَبَهُمْ أَمْرٌ لَهُمْ أَمْرُ [6] رَائِثِ [7] وَلَوْ أَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا نَاحَ نِسْوَةٌ ... أَيَامَى لَهُمْ، من بَين نسأ وَطَامِثِ [8] وَقَدْ غُودِرَتْ قَتْلَى يُخْبِرُ عَنْهُمْ ... حَفِيٌّ بِهِمْ أَوْ غَافِلٌ غَيْرُ بَاحِثِ [9] فَأَبْلِغْ أَبَا بَكْرٍ لَدَيْكَ رِسَالَةً ... فَمَا أَنْتَ عَنْ أَعْرَاضِ فِهْرٍ بِمَاكِثِ وَلَمَّا تَجِبْ مِنِّي يَمِينٌ غَلِيظَةٌ ... تُجَدِّدُ حَرْبًا حَلْفَةً غَيْرَ حَانِثِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتًا وَاحِدًا، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ لِابْنِ الزِّبَعْرَى. (شِعْرُ ابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي رَمْيَتِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي رَمْيَتِهِ تِلْكَ فِيمَا يَذْكُرُونَ: أَلَا هَلْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي ... حَمَيْتُ صَحَابَتِي بِصُدُورِ نَبْلِي أَذُودُ بِهَا أَوَائِلَهُمْ ذِيَادًا ... بِكُلِّ حُزُونَةٍ وَبِكُلِّ سَهْلِ [10]

_ [1] العرام: الْكَثْرَة والشدة. والهياج: الْحَرْب. [2] السمر: الرماح. وردينة: امْرَأَة تنْسب الرماح إِلَيْهَا. والجرد: الْخَيل القصيرات الشّعْر، وَيُقَال: السريعة. والعجاج: الْغُبَار، وَيُرِيد بِهِ هُنَا الْحَرْب لِكَثْرَة مَا يثار فِيهَا من الْغُبَار. [3] الْبيض: السيوف. [4] كَذَا فِي أ. و «العوائث» : المفسدات. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «العوابث» . [5] الإصعار: الْميل ... والذحول: جمع ذحل، وَهُوَ طلب الثأر. [6] فِي ط: «غير» . [7] رائث: متمهل فِي الْأَمر مُقَدّر لعواقبه. [8] النسء بِتَثْلِيث النُّون: الْمُتَأَخِّرَة الْحيض المظنون بهَا الْحمل. والطامث: الْحَائِض. [9] حفى بهم، أَي كثير السُّؤَال عَنْهُم. [10] الحزونة: الوعر من الأَرْض.

(أول راية في الإسلام كانت لعبيدة) :

فَمَا يَعْتَدُّ رَامٍ فِي عَدُوٍّ ... بِسَهْمٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَبْلِي وَذَلِكَ أَنَّ دِينَكَ دِينُ صِدْقٍ ... وَذُو حَقٍّ أَتَيْتَ بِهِ وَعَدْلِ يُنَجَّى الْمُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيُجْزَى ... بِهِ الْكُفَّارُ عِنْدَ مَقَامِ مَهْلِ [1] فَمَهْلًا قَدْ غَوِيتَ فَلَا تَعِبْنِي ... غَوِيَّ الْحَيِّ وَيْحَكَ يَا بْنَ جَهْلِ [2] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِسَعْدٍ. (أَوَّلُ رَايَةٍ فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لِعُبَيْدَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَتْ رَايَةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ- فِيمَا بَلَغَنِي- أَوَّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِسْلَامِ، لِأَحَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ حِينَ أَقْبَلَ مِنْ غَزْوَةِ الْأَبْوَاءِ، قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَدِينَةِ. سَرِيَّةُ حَمْزَةَ إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ (مَا جَرَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ) : وَبَعَثَ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ، حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ، مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ، فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ. فَلَقِيَ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ بِذَلِكَ السَّاحِلِ فِي ثَلَاثِ ماِئَةِ رَاكِبٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِيُّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيُّ. وَكَانَ مُوَادِعًا لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، فَانْصَرَفَ بَعْضُ الْقَوْمِ عَنْ بَعْضٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ. (كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوَّلَ رَايَةٍ فِي الْإِسْلَامِ وَشِعْرُ حَمْزَةَ فِي ذَلِكَ) : وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوَّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَحَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ [3] . وَذَلِكَ أَنَّ بَعْثَهُ وَبَعْثَ عُبَيْدَةَ كَانَا مَعًا، فَشُبِّهَ

_ [1] كَذَا فِي أ، ط. ومقام مهل: أَي إمهال وَتثبت. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «سهل» . [2] يُرِيد ب «ابْن جهل» : عِكْرِمَة بن أَبى جهل، وَكَانَ على الْكفَّار كَمَا تقدم. [3] وَإِلَى ذَلِك ذهب ابْن عبد الْبر.

ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ. وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ حَمْزَةَ قَدْ قَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا يَذْكُرُ فِيهِ أَنَّ رَايَتَهُ أَوَّلُ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ حَمْزَةُ قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَقَدْ صَدَقَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، لَمْ يَكُنْ يَقُولُ إلَّا حَقًّا، فاللَّه أَعْلَمُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ. فَأَمَّا مَا سَمِعْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا. فَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ أَوَّلُ مَنْ عُقِدَ لَهُ. فَقَالَ حَمْزَةُ فِي ذَلِكَ، فِيمَا يَزْعُمُونَ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشِّعْرَ لِحَمْزَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَلَا يَا لَقَوْمِي لِلتَّحَلُّمِ وَالْجَهْلِ ... وَلِلنَّقْصِ مِنْ رَأْيِ الرِّجَالِ وَلِلْعَقْلِ وَلِلرَّاكِبِينَا بِالْمَظَالِمِ لَمْ نَطَأْ ... لَهُمْ حُرُمَاتٍ مِنْ سَوَامٍ وَلَا أَهْلِ [1] كَأَنَّا تَبَلْنَاهُمْ وَلَا تَبْلَ عِنْدَنَا [2] ... لَهُمْ غَيْرُ أَمْرٍ بِالْعَفَافِ [3] وَبِالْعَدْلِ وَأَمْرٍ بِإِسْلَامٍ فَلَا يَقْبَلُونَهُ ... وَيَنْزِلُ مِنْهُمْ مِثْلَ مَنْزِلَةِ الْهَزْلِ فَمَا بَرِحُوا حَتَّى انْتَدَبْتُ [4] لِغَارَةِ ... لَهُمْ حَيْثُ حَلُّوا ابْتَغَى رَاحَةَ الْفَضْلِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ، أَوَّلُ خَافِقٍ ... عَلَيْهِ لِوَاءٌ لَمْ يَكُنْ لَاحَ مِنْ قَبْلِي لِوَاءٌ لَدَيْهِ النَّصْرُ مِنْ ذِي كَرَامَةٍ ... إلَهٍ عَزِيزٍ فِعْلُهُ أَفَضْلُ الْفِعْلِ عَشِيَّةَ سَارُوا حَاشِدِينَ وَكُلُّنَا ... مَرَاجِلُهُ مِنْ غَيْظِ أَصْحَابِهِ تَغْلِي [5] فَلَمَّا تَرَاءَيْنَا أَنَاخُوا فَعَقَّلُوا ... مَطَايَا وَعَقَّلْنَا مُدَى غَرَضِ [6] النَّبْلِ [7] فَقُلْنَا لَهُمْ: حَبْلُ الْإِلَهِ نَصِيرُنَا ... وَمَا لَكُمْ إلَّا الضَّلَالَةُ مِنْ حَبْلٍ فَثَارَ أَبُو جَهْلٍ هُنَالِكَ بَاغِيًا ... فَخَابَ وَرَدَّ اللَّهُ كَيْدَ أَبِي جَهْلِ وَمَا نَحْنُ إلَّا فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا ... وَهُمْ مِائَتَانِ بَعْدُ وَاحِدَةٍ فَضْلِ

_ [1] السوام: الْإِبِل الْمُرْسلَة فِي المرعى. [2] كَذَا فِي أ، ط. وتبلناهم، أَي عاديناهم، والتبل: الْعَدَاوَة. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «نبلناهم وَلَا نبل» بالنُّون فيهمَا. [3] فِي أ: «بالعقاب» . [4] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. يُقَال: انتدبته لِلْأَمْرِ فَانْتدبَ هُوَ لَهُ، أَي دَعوته لَهُ فَأجَاب، لَازم مُتَعَدٍّ. وَفِي أ: «ابْتَدَرْت بغارة» . [5] المراجل: جمع مرجل، وَهُوَ الْقدر. وَقيل: هُوَ قدر النّحاس لَا غير. [6] فِي أ: «عرض» وَهُوَ تَصْحِيف. [7] مدى غَرَض النبل، أَي أَنهم أناخوا قريبين بَعضهم من بعض، فَكَانَ الْمسَافَة بَينهم مرمى النبل.

(شعر أبى جهل في الرد على حمزة) :

فَيَا لَلُؤَىَ لَا تُطِيعُوا غُوَاتَكُمْ ... وَفِيئُوا إلَى الْإِسْلَامِ وَالْمَنْهَجِ السَّهْلِ [1] فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُصَبَّ عَلَيْكُمْ ... عَذَابٌ فَتَدْعُوَا بِالنَّدَامَةِ وَالثُّكْلِ [2] (شِعْرُ أَبِي جَهْلٍ فِي الرَّدِّ عَلَى حَمْزَةَ) : فَأَجَابَهُ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ: عَجِبْتُ لِأَسْبَابِ الْحَفِيظَةِ وَالْجَهْلِ ... وَلِلشَّاغِبِينَ بِالْخِلَافِ وَبِالْبُطْلِ [3] وَلِلتَّارِكِينَ مَا وَجَدْنَا جُدُودَنَا ... عَلَيْهِ ذَوِي الْأَحْسَابِ وَالسُّؤْدُدِ الْجَزْلِ [4] أَتَوْنَا بِإِفْكٍ كَيْ يُضِلُّوا عُقُولَنَا ... وَلَيْسَ مُضِلًّا إفْكُهُمْ عَقْلَ ذِي عَقْلِ [5] فَقُلْنَا لَهُمْ: يَا قَوْمَنَا لَا تُخَالِفُوا ... عَلَى قَوْمِكُمْ إنَّ الْخِلَافَ مُدَى الْجَهْلِ فَإِنَّكُمْ إنْ تَفْعَلُوا تَدْعُ نِسْوَةٌ ... لَهُنَّ بَوَاكٍ بِالرَّزِيَّةِ وَالثُّكْلِ وَإِنْ تَرْجِعُوا عَمَّا فَعَلْتُمْ فَإِنَّنَا ... بَنُو عَمِّكُمْ أَهْلُ الْحَفَائِظِ وَالْفَضْلِ فَقَالُوا لَنَا: إنَّا وَجَدْنَا مُحَمَّدًا ... رِضًا لِذَوِي الْأَحْلَامِ مِنَّا وَذِي الْعَقْلِ فَلَمَّا أَبَوْا إلَّا الْخِلَافَ وَزَيَّنُوا ... جِمَاعَ الْأُمُورِ بِالْقَبِيحِ مِنْ الْفِعْلِ تَيَمَّمْتُهُمْ بِالسَّاحِلَيْنِ بِغَارَةٍ ... لِأَتْرُكَهُمْ كَالْعَصْفِ لَيْسَ بِذِي أصل [6] فورّعنى [7] مَجْدِيٌّ [8] عَنْهُمْ وَصُحْبَتِي ... وَقَدْ وَازَرُونِي بِالسُّيُوفِ وَبِالنَّبْلِ لِإِلٍّ عَلَيْنَا وَاجِبٍ لَا نُضَيِّعُهُ ... أَمِينٌ قَوَاهُ غَيْرُ مُنْتَكِثِ الْحَبْلِ [9] فَلَوْلَا ابْنُ عَمْرٍو كُنْتُ غَادَرْتُ مِنْهُمْ ... مَلَاحِمَ لِلطَّيْرِ الْعُكُوفِ بِلَا تَبْلِ [10]

_ [1] فيئوا: ارْجعُوا. والمنهج: الطَّرِيق الْوَاضِح. [2] الثكل: الْفَقْد والحزن. [3] الحفيظة: الْغَضَب. [4] الجزل: الْعَظِيم. [5] الْإِفْك: الْكَذِب. [6] العصف: ورق الزَّرْع الّذي يصفر على سَاقه. وَيُقَال: هُوَ دقاق التِّبْن. [7] كَذَا فِي أ. وورعني: أَي كفني، وَهُوَ من الْوَرع عَن الْمَحَارِم: أَي الْكَفّ عَنْهَا. وَفِي ط: «فروغنى» وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فوزعنى» . [8] مجدي، هُوَ مجدي بن عَمْرو الجهنيّ. وَقد سبقت الْإِشَارَة إِلَى أَنه حجز بَين الْقَوْم. [9] الإل: الْعَهْد. وَغير منتكث: غير منتقض. [10] العكوف: المقيمة اللَّازِمَة.

غزوة بواط

وَلَكِنَّهُ آلَى بِإِلٍّ فَقَلَّصَتْ ... بِأَيْمَانِنَا حَدُّ السُّيُوفِ عَنْ الْقَتْلِ [1] فَإِنْ تُبْقِنِي الْأَيَّامُ أَرْجِعْ عَلَيْهِمْ ... بِبِيضٍ رِقَاقِ الْحَدِّ مُحْدَثَةِ الصُّقْلِ بِأَيْدِي حُمَاةٍ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ ... كِرَامٍ الْمَسَاعِي فِي الْجُدُوبَةِ وَالْمَحْلِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشِّعْرَ لِأَبِي جَهْلٍ. غَزْوَةُ بُوَاطٍ (يَوْمُهَا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ يُرِيدُ قُرَيْشًا. (ابْنُ مَظْعُونٍ عَلَى الْمَدِينَةِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ السَّائِبَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ. (الْعَوْدَةُ إِلَى الْمَدِينَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتَّى بَلَغَ بُوَاطٍ [2] ، مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فَلَبِثَ بِهَا بَقِيَّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَبَعْضَ جُمَادَى الْأُولَى. غَزْوَةُ الْعَشِيرَةِ (أَبُو سَلَمَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ) : ثُمَّ غَزَا قُرَيْشًا، فَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. (الطَّرِيقُ إلَى الْعَشِيرَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَسَلَكَ عَلَى نَقْبِ بَنِي دِينَارٍ، ثُمَّ عَلَى فَيْفَاءِ الْخَبَارِ، فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ بِبَطْحَاءِ ابْنِ أَزْهَرَ، يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ السَّاقِ، فَصَلَّى عِنْدَهَا. فَثَمَّ

_ [1] قلصت: تقلصت وَلم تمض. [2] بواط (بِفَتْح الْمُوَحدَة وَضمّهَا) : جبل من جبال جُهَيْنَة، بِقرب يَنْبع، على أَرْبَعَة برد من الْمَدِينَة. وَقَالَ السهيليّ «وبواط: جبلان فرعان لأصل وَاحِد، أَحدهمَا: جلسى، وَالْآخر غورى وَفِي الجلسى بَنو دِينَار، ينسبون إِلَى دِينَار مولى عبد الْملك بن مَرْوَان» .

(تكنية الرسول صلى الله عليه وسلم لعلى بأبي تراب) :

مَسْجِدُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصُنِعَ لَهُ عِنْدَهَا طَعَامٌ، فَأَكَلَ مِنْهُ، وَأَكَلَ النَّاسُ مَعَهُ، فَمَوْضِعُ أَثَافِيِّ الْبُرْمَةِ مَعْلُومٌ هُنَالِكَ، وَاسْتُقِيَ لَهُ مِنْ مَاءٍ بِهِ، يُقَالُ لَهُ: الْمُشْتَرِبُ، ثُمَّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَرَكَ الْخَلَائِقَ [1] بِيَسَارِ، وَسَلَكَ شُعْبَةً يُقَالُ لَهَا: شُعْبَةُ عَبْدِ اللَّهِ، وَذَلِكَ اسْمُهَا الْيَوْمُ، ثُمَّ صَبَّ لِلْيَسَارِ [2] حَتَّى هَبَطَ يَلَيْلَ [3] ، فَنَزَلَ بِمُجْتَمَعِهِ وَمُجْتَمَعِ الضَّبُوعَةِ، وَاسْتَقَى مِنْ بِئْرٍ بِالضَّبُوعَةِ، ثُمَّ سَلَكَ الْفَرْشَ: فَرْشَ مَلَلٍ، حَتَّى لَقِيَ الطَّرِيقَ بِصُحَيْرَاتِ الْيَمَامِ، ثُمَّ اعْتَدَلَ بِهِ الطَّرِيقُ، حَتَّى نَزَلَ الْعُشَيْرَةَ مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ. فَأَقَامَ بِهَا جُمَادَى الْأُولَى وَلَيَالِيَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَة، وادع فِيهَا بَنِي مُدْلِجٍ وَحُلَفَاءَهُمْ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا. (تَكْنِيَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بِأَبِي تُرَابٍ) : وَفِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ قَالَ لِعَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا قَالَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَيْثَمٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَيْثَمٍ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَفِيقَيْنِ فِي غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ، فَلَمَّا نَزَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَامَ بِهَا، رَأَيْنَا أُنَاسًا مِنْ بَنِي مُدْلِجَ يَعْمَلُونَ فِي عَيْنٍ لَهُمْ وَفِي نَخْلٍ، فَقَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ، هَلْ لَكَ فِي أَنْ تَأْتِيَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ، فَنَنْظُرُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ؟ قَالَ: قُلْتُ: إنْ شِئْتَ، قَالَ: فَجِئْنَاهُمْ، فَنَظَرْنَا إلَى عَمَلِهِمْ سَاعَةً، ثُمَّ غَشِيَنَا النَّوْمُ. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَعَلِيٌّ حَتَّى اضْطَجَعْنَا فِي صُورٍ [4] مِنْ النَّخْلِ، وَفِي دَقْعَاءَ [5] مِنْ التُّرَاب فنمنا، فو الله مَا أَهَبَّنَا [6] إلَّا رَسُولُ اللَّهِ،

_ [1] قَالَ ياقوت: « ... وَكَانَ لعبد الله بن أَحْمد بن جحش أَرض يُقَال لَهَا الْخَلَائق بنواحي الْمَدِينَة» . [2] فِي أ: «للساد» . وَهُوَ تَحْرِيف. رَاجع شرح السِّيرَة. [3] يليل (بتكرير الْيَاء مفتوحتين ولامين) : قَرْيَة قرب وَادي الصَّفْرَاء من أَعمال الْمَدِينَة، وَفِيه عين كَبِيرَة تسمى: الْبحيرَة. [4] صور النّخل: صغاره. [5] الدقعاء: التُّرَاب اللين. [6] أهبنا: أيقظنا.

سرية سعد بن أبى وقاص

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُنَا بِرِجْلِهِ. وَقَدْ تَتَرَّبْنَا مِنْ تِلْكَ الدَّقْعَاءِ الَّتِي نِمْنَا فِيهَا، فَيَوْمَئِذٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: مَا لَكَ يَا أَبَا تُرَابٍ [1] ؟ لِمَا يَرَى عَلَيْهِ مِنْ التُّرَابِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمَا بِأَشْقَى النَّاسِ رَجُلَيْنِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أُحَيْمِرُ ثَمُودٍ [2] الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ، وَاَلَّذِي يَضْرِبُكَ يَا عَلِيُّ عَلَى هَذِهِ- وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى قَرْنِهِ- حَتَّى يَبُلَّ مِنْهَا هَذِهِ. وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا سَمَّى عَلِيًّا أَبَا تُرَابٍ، أَنَّهُ كَانَ إذَا عَتَبَ عَلَى فَاطِمَةَ فِي شَيْءٍ لَمْ يُكَلِّمْهَا، وَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا تَكْرَهُهُ، إلَّا أَنَّهُ يَأْخُذُ تُرَابًا فَيَضَعُهُ عَلَى رَأْسِهِ. قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَأَى عَلَيْهِ التُّرَابَ عَرَفَ أَنَّهُ عَاتِبٌ عَلَى فَاطِمَةَ، فَيَقُولُ: مَا لَكَ يَا أَبَا تُرَابٍ؟ فاللَّه أَعْلَمُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ. سَرِيَّةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ (ذَهَابُهُ إِلَى الْخَرَّارِ وَرُجُوعُهُ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ غَزْوَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فِي ثَمَانِيَةِ رَهْطٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، فَخَرَجَ حَتَّى بَلَغَ الْخَرَّارَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ بَعْثَ سَعْدٍ هَذَا كَانَ بَعْدَ حَمْزَةَ.

_ [1] قَالَ السهيليّ. «وَصَحَّ من ذَلِك مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي جَامعه، وَهُوَ أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجده فِي الْمَسْجِد نَائِما وَقد ترب جنبه، فَجعل يحت التُّرَاب عَن جنبه وَيَقُول: قُم أَبَا تُرَاب. وَكَانَ قد خرج إِلَى الْمَسْجِد مغاضبا لفاطمة. وَهَذَا معنى الحَدِيث. وَمَا ذكره ابْن إِسْحَاق من حَدِيث عمار مُخَالف لَهُ إِلَّا أَن يكون رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كناه بهَا مرَّتَيْنِ: مرّة فِي الْمَسْجِد، وَمرَّة فِي هَذِه الْغَزْوَة» . وَقد ذكر ابْن إِسْحَاق بعد قَلِيل سَببا آخر لهَذِهِ التكنية قَرِيبا مِمَّا ذكره السهيليّ. [2] أُحَيْمِر ثَمُود: هُوَ الّذي عقر نَاقَة صَالح، واسْمه قدار بن سالف، فِيمَا يرْوى.

غزوة صفوان وهي غزوة بدر الأولى

غَزْوَةُ صَفْوَانَ وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى (إِغَارَةُ كُرْزٍ وَالْخُرُوجُ فِي طَلَبِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمْ يُقِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ حِينَ قَدِمَ مِنْ غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ إلَّا لَيَالِيَ قَلَائِلَ لَا تَبْلُغُ الْعَشْرَ، حَتَّى أَغَارَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ عَلَى سَرْحِ [1] الْمَدِينَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِهِ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. (فَوَاتُ كُرْزٍ وَالرُّجُوعُ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتَّى بَلَغَ وَادِيًا، يُقَالُ لَهُ: سَفْوَانُ، مِنْ نَاحِيَةِ بَدْرٍ، وَفَاتَهُ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ، فَلَمْ يُدْرِكْهُ، وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى. ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ. سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جحش ونزول: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ 2: 217 (بَعْثُهُ وَالْكِتَابُ الَّذِي حَمَلَهُ) : وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ الْأَسَدِيَّ فِي رَجَبٍ، مَقْفَلَهُ مِنْ بَدْرٍ الْأُولَى، وَبَعَثَ مَعَهُ ثَمَانِيَةَ رَهْطٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَنْظُرَ فِيهِ حَتَّى يَسِيرَ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يَنْظُرَ فِيهِ، فَيَمْضِيَ لِمَا أَمَرَهُ بِهِ، وَلَا يَسْتَكْرِهَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا. (أَصْحَابُ ابْنِ جَحْشٍ فِي سَرِيَّتِهِ) وَكَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ. ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَمِنْ حَلْفَائِهِمْ: عَبْدُ اللَّهِ ابْن جَحْشٍ، وَهُوَ أَمِيرُ الْقَوْمِ، وَعُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ، أَحَدُ بَنِي أَسَدِ

_ [1] السَّرْح: الْإِبِل والمواشي الَّتِي تسرح للرعي بِالْغَدَاةِ.

(فض ابن جحش كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ومضيه لطيته) :

ابْن خُزَيْمَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ. وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ. وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. وَمِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَرِينِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ، أَحَدُ بَنِي تَمِيمٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ، وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ، أَحَدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ. وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: سُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ. (فَضُّ ابْنِ جَحْشٍ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُضِيُّهُ لِطَيَّتِهِ) : فَلَمَّا سَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ يَوْمَيْنِ فَتَحَ الْكِتَابَ، فَنَظَرَ فِيهِ فَإِذَا فِيهِ: إذَا نَظَرْتَ فِي كِتَابِي هَذَا فَامْضِ حَتَّى تَنْزِلَ نَخْلَةَ، بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، فَتَرَصَّدْ بِهَا قُرَيْشًا وَتَعَلَّمْ لَنَا مِنْ أَخْبَارِهِمْ. فَلَمَّا نَظَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ فِي الْكِتَابِ، قَالَ: سَمْعًا وَطَاعَةً، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: قَدْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَمْضِيَ إلَى نَخْلَةَ، أَرْصُدَ بِهَا قُرَيْشًا، حَتَّى آتِيَهُ مِنْهُمْ بِخَبَرِ، وَقَدْ نَهَانِي أَنْ أَسْتَكْرِهَ أَحَدًا مِنْكُمْ. فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الشَّهَادَةَ وَيَرْغَبُ فِيهَا فَلْيَنْطَلِقْ، وَمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ، فَأَمَّا أَنَا فَمَاضٍ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَضَى وَمَضَى مَعَهُ أَصْحَابُهُ، لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ. (تَخَلُّفُ الْقَوْمِ بِمَعْدِنَ) : وَسَلَكَ عَلَى الْحِجَازِ، حَتَّى إذَا كَانَ بِمَعْدِنَ، فَوْقَ الْفُرُعِ، يُقَالُ لَهُ: بَحْرَانُ، أَضَلَّ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بَعِيرًا لَهُمَا، كَانَا يَعْتَقِبَانِهِ. فَتَخَلَّفَا عَلَيْهِ فِي طَلَبِهِ. وَمَضَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ وَبَقِيَّةُ أَصْحَابِهِ حَتَّى نَزَلَ بِنَخْلَةَ، فَمَرَّتْ بِهِ عِيرٌ لِقُرَيْشِ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَأَدَمًا [1] ، وَتِجَارَةً مِنْ تِجَارَةِ قُرَيْشٍ، فِيهَا عَمْرُو ابْن الْحَضْرَمِيِّ. (اسْمُ الْحَضْرَمِيِّ وَنَسَبُهُ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ الْحَضْرَمِيِّ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّادٍ، (وَيُقَالُ: مَالِكُ

_ [1] الْأدم: الْجلد.

(ما جرى بين الفريقين وما خلص به ابن جحش) :

ابْن عَبَّادٍ) أَحَدُ الصَّدِفِ، وَاسْمُ الصَّدِفِ: عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ، أَحَدُ السَّكُونِ [1] بْنِ أَشْرَسَ بْنِ كِنْدَةَ، وَيُقَالُ: كِنْدِيٌّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَأَخُوهُ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، الْمَخْزُومِيَّانِ، وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ، مَوْلَى هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. (مَا جَرَى بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ وَمَا خَلَصَ بِهِ ابْنُ جَحْشٍ) : فَلَمَّا رَآهُمْ الْقَوْمُ هَابُوهُمْ وَقَدْ نَزَلُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ، فَأَشْرَفَ لَهُمْ عُكَّاشَةُ بْنُ مُحْصَنٍ، وَكَانَ قَدْ حَلَقَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَوْهُ أَمِنُوا، وَقَالُوا عَمَّارٌ، لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ. وَتَشَاوَرَ الْقَوْمُ فِيهِمْ وَذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ فَقَالَ الْقَوْمُ وَاَللَّهِ لَئِنْ تَرَكْتُمْ الْقَوْمَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ لَيَدْخُلُنَّ الْحَرَمَ، فَلَيَمْتَنِعُنَّ مِنْكُمْ بِهِ وَلَئِنْ قَتَلْتُمُوهُمْ لَتَقْتُلُنَّهُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَتَرَدَّدَ الْقَوْمُ، وَهَابُوا الْإِقْدَامَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ شَجَّعُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِمْ، وَأَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْهُمْ، وَأَخْذِ مَا مَعَهُمْ. فَرَمَى وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ بِسَهْمِ فَقَتَلَهُ، وَاسْتَأْسَرَ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْحَكَمَ ابْنَ كَيْسَانَ، وَأَفْلَتَ الْقَوْمَ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَعْجَزَهُمْ. وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ وَأَصْحَابُهُ بِالْعِيرِ وَبِالْأَسِيرَيْنِ، حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: إنَّ لِرَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا غنمتا الْخُمُسَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ اللَّهُ تَعَالَى الْخُمُسَ مِنْ الْمَغَانِمِ- فَعَزَلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُمُسَ الْعِيرِ، وَقَسَّمَ سَائِرَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ. (نُكْرَانُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنِ جَحْشٍ قِتَالَهُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [2] : فَلَمَّا قَدمِوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، قَالَ: مَا أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالٍ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ. فَوَقَّفَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ. وَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُقِطَ فِي أَيْدِي الْقَوْمِ،

_ [1] فِي م، ر: «السّكُون بن الْمُغيرَة بن أَشْرَس» . [2] فِي م، ر: «قَالَ ابْن هِشَام» .

(توقع اليهود بالمسلمين الشر) :

وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا، وَعَنَّفَهُمْ إخْوَانُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا صَنَعُوا. وَقَالَتْ قُرَيْشٌ قَدْ اسْتَحَلَّ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ الشَّهْرَ الْحَرَامَ، وَسَفَكُوا فِيهِ الدَّمَ، وَأَخَذُوا فِيهِ الْأَمْوَالَ، وَأَسَرُوا فِيهِ الرِّجَالَ، فَقَالَ مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، مِمَّنْ كَانَ بِمَكَّةَ: إنَّمَا أَصَابُوا مَا أَصَابُوا فِي شَعْبَانَ. (تَوَقَّعَ الْيَهُودُ بِالْمُسْلِمِينَ الشَّرَّ) : وَقَالَتْ يَهُودُ- تَفَاءَلَ بِذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيِّ قَتَلَهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَمْرٌو، عَمُرَتْ الْحَرْبُ، وَالْحَضْرَمِيُّ، حَضَرَتْ الْحَرْبُ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدَتْ الْحَرْبُ. فَجَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ. (نُزُولُ الْقُرْآنِ فِي فِعْلِ ابْنِ جَحْشٍ وَإِقْرَارُ الرَّسُولِ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِعْلِهِ) : فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ على رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ، قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ، وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ، وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ 2: 217 أَيْ إنْ كُنْتُمْ قَتَلْتُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَقَدْ صَدُّوكُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ الْكُفْرِ بِهِ، وَعَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْهُ وَأَنْتُمْ أَهْلُهُ، أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مَنْ قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ 2: 217: أَيْ قَدْ كَانُوا يَفْتِنُونَ الْمُسْلِمَ فِي دِينِهِ، حَتَّى يَرُدُّوهُ إلَى الْكُفْرِ بَعْدَ إيمَانِهِ، فَذَلِكَ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا 2: 217: أَيْ ثُمَّ هُمْ مُقِيمُونَ عَلَى أَخْبَثِ ذَلِكَ وَأَعْظَمِهِ، غَيْرَ تَائِبِينَ وَلَا نَازِعِينَ. فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَذَا مِنْ الْأَمْرِ، وَفَرَّجَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الشَّفَقِ [1] قَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ، وَبَعَثَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ فِي فِدَاءِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَكَمِ ابْنِ كَيْسَانَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا نُفْدِيكُمُوهَا حَتَّى يَقْدَمَ صَاحِبَانَا- يَعْنِي سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ- فَإِنَّا نَخْشَاكُمْ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ تَقْتُلُوهُمَا، نَقْتُلْ صَاحِبَيْكُمْ. فَقَدِمَ سَعْدٌ وَعُتْبَةُ، فَأُفْدَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ.

_ [1] الشَّفق. الْخَوْف.

(إسلام ابن كيسان وموت عثمان كافرا) :

(إسْلَامُ ابْنِ كَيْسَانَ وَمَوْتُ عُثْمَانَ كَافِرًا) : فَأَمَّا الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَأَقَامَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا. وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ، فَمَاتَ بِهَا كَافِرًا. (طَمَعُ ابْنِ جَحْشٍ فِي الْأَجْرِ وَمَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ) : فَلَمَّا تَجَلَّى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وَأَصْحَابِهِ مَا كَانُوا فِيهِ حِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ، طَمِعُوا فِي الْأَجْرِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنَطْمَعُ، أَنْ تَكُونَ لَنَا غَزْوَةٌ نُعْطَى فِيهَا أَجْرَ الْمُجَاهِدِينَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ، وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ 2: 218، فَوَضَعَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَعْظَمِ الرَّجَاءِ. وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا عَنْ الزُّهْرِيِّ وَيَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَسَمَ الْفَيْءَ حِينَ أَحَلَّهُ، فَجَعَلَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ لِمَنْ أَفَاءَهُ اللَّهُ، وَخُمُسًا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَوَقَعَ عَلَى مَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ صَنَعَ فِي تِلْكَ الْعِيرِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ أَوَّلُ غَنِيمَةٍ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ. وَعَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيِّ أَوَّلُ مَنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ أَوَّلُ مَنْ أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ. (شِعْرٌ فِي هَذِهِ السَّرِيَّةِ يُنْسَبُ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَإِلَى ابْنِ جَحْشٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي غَزْوَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، وَيُقَالُ: بَلْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ قَالَهَا، حِينَ قَالَتْ قُرَيْشٌ: قَدْ أَحَلَّ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ الشَّهْرَ الْحَرَامَ، وَسَفَكُوا فِيهِ الدَّمَ وَأَخَذُوا فِيهِ الْمَالَ، وَأَسَرُوا فِيهِ الرِّجَالَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هِيَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ: تَعُدُّونَ قَتْلًا فِي الْحَرَامِ عَظِيمَةً ... وَأَعْظَمُ مِنْهُ لَوْ يَرَى الرُّشْدَ رَاشِدُ صُدُودُكُمْ عَمَّا يَقُولُ مُحَمَّدٌ ... وَكُفْرٌ بِهِ وَاَللَّهُ رَاءٍ وَشَاهِدُ وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْ مَسْجِدِ اللَّهِ أَهْلَهُ ... لِئَلَّا يُرَى للَّه فِي الْبَيْتِ سَاجِدُ فَإِنَّا وَإِنْ عَيَّرْتُمُونَا بِقَتْلِهِ ... وَأَرْجَفَ بِالْإِسْلَامِ بَاغٍ وَحَاسِدُ

صرف القبلة إلى الكعبة

سَقَيْنَا مِنْ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ رِمَاحَنَا ... بِنَخْلَةَ لَمَّا أَوْقَدَ الْحَرْبَ وَاقِدُ دَمًا وَابْنُ عَبْدِ اللَّهِ عُثْمَانُ بَيْنَنَا ... يُنَازِعُهُ غُلٌّ مِنْ الْقَدِّ عَانِدُ [1] صَرْفُ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَيُقَالُ: صُرِفَتْ الْقِبْلَةُ فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ [2] . غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى (عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ مُقْبِلًا مِنْ الشَّأْمِ فِي عِيرٍ لِقُرَيْشٍ عَظِيمَةٍ، فِيهَا أَمْوَالٌ لِقُرَيْشِ وَتِجَارَةٌ مِنْ تِجَارَاتِهِمْ وَفِيهَا ثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ أَرْبَعُونَ، مِنْهُمْ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنُ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هِشَامٍ. (نَدْبُ الْمُسْلِمِينَ لِلْعِيرِ وَحَذَرُ أَبِي سُفْيَانَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هَاشِمٍ [3] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَائِنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، كُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ فَاجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ فِيمَا سُقْتُ مِنْ حَدِيثِ بَدْرٍ [4] ، قَالُوا: لَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ

_ [1] الْقد: شرك يقطع من الْجلد. وعاند: سَائل بِالدَّمِ لَا يَنْقَطِع. [2] كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى إِلَى صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس قبل أَن تحول الْقبْلَة إِلَى الْكَعْبَة. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب اللدنية) . [3] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي ط. [4] بدر: اسْم بِئْر حفرهَا رجل من غفار اسْمه بدر، وَقيل: هُوَ بدر بن قُرَيْش بن يخلد الّذي سميت قُرَيْش بِهِ. وَقيل: إِن (بَدْرًا) اسْم رجل كَانَت لَهُ بدر، وَهِي على أَربع مراحل من الْمَدِينَة. (رَاجع الرَّوْض الْأنف، وَشرح الْمَوَاهِب، ومعجم الْبلدَانِ) .

ذكر رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب

مُقْبِلًا مِنْ الشَّامِ، نَدَبَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ وَقَالَ هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيهَا أَمْوَالُهُمْ فَاخْرُجُوا إلَيْهَا لَعَلَّ اللَّهَ يُنْفِلُكُمُوهَا. فَانْتَدَبَ النَّاسُ فَخَفَّ بَعْضُهُمْ وَثَقُلَ بَعْضُهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَظُنُّوا أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلقى خربا وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ دَنَا مِنْ الْحِجَازِ يُتَحَسَّسُ [1] الْأَخْبَارَ وَيَسْأَلُ مَنْ لَقِيَ مِنْ الرُّكْبَانِ تَخَوُّفًا عَلَى [2] أَمْرِ النَّاسِ. حَتَّى أَصَابَ خَبَرًا مِنْ بَعْضِ الرُّكْبَانِ: أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ اسْتَنْفَرَ أَصْحَابَهُ لَكَ وَلِعِيرِكَ فَحَذِرَ عِنْدَ ذَلِكَ. فَاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيَّ، فَبَعَثَهُ إِلَى مَكَّة، وَأمره أَنْ يَأْتِيَ قُرَيْشًا فَيَسْتَنْفِرَهُمْ إلَى أَمْوَالِهِمْ، وَيُخْبِرَهُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ عَرَضَ لَهَا [3] فِي أَصْحَابِهِ. فَخَرَجَ ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو سَرِيعًا إلَى مَكَّةَ. ذِكْرُ رُؤْيَا عَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (عَاتِكَةُ تَقُصُّ رُؤْيَاهَا عَلَى أَخِيهَا الْعَبَّاسِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَيَزِيدُ ابْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَا: وَقَدْ رَأَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَبْلَ قُدُومِ ضَمْضَمٍ مَكَّةَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ، رُؤْيَا أَفْزَعَتْهَا. فَبَعَثَتْ إلَى أَخِيهَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَخِي، وَاَللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا أَفْظَعَتْنِي [4] ، وَتَخَوَّفْتُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى قَوْمِكَ مِنْهَا شَرٌّ وَمُصِيبَةٌ، فَاكْتُمْ عَنِّي [5] مَا أُحَدِّثُكَ بِهِ، فَقَالَ لَهَا: وَمَا رَأَيْتِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَاكِبًا أَقْبَلَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ، حَتَّى وَقَفَ بِالْأَبْطَحِ، ثُمَّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَلَا انْفِرُوا يَا لَغُدُرَ [6] لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ، فَأَرَى النَّاسَ اجْتَمَعُوا إلَيْهِ،

_ [1] التحسس: أَن تتسمع الْأَخْبَار بِنَفْسِك، وَأما التَّجَسُّس (بِالْجِيم) : أَن تبحث عَنْهَا بغيرك. [2] فِي م، ر: «عَن» . [3] فِي م، ر: «لنا» . [4] أفظعتنى: اشتدت على. [5] فِي م، ر: «منى» . [6] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «يَا آل غدر» . وَفِي ط: «يَا أهل غدر» . قَالَ السهيليّ: «هُوَ بِضَم الْغَيْن وَالدَّال، جمع غدور، وَلَا تصح رِوَايَة من رَوَاهُ بِفَتْح الدَّال مَعَ كسر الرَّاء وَلَا فتحهَا، لِأَنَّهُ لَا يُنَادى وَاحِدًا، وَلِأَن لَام الاستغاثة لَا تدخل على مثل هَذَا الْبناء فِي النداء، وَإِنَّمَا يُقَال: يَا لغدر

(الرؤيا تذيع في قريش) :

ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّاسُ يَتْبَعُونَهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ حَوْلَهُ مَثَلَ بِهِ [1] بَعِيرُهُ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ صَرَخَ بِمِثْلِهَا: أَلَا انْفِرُوا يَا لَغُدُرَ لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ: ثُمَّ مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى رَأْسِ أَبِي قُبَيْسٍ [2] ، فَصَرَخَ بِمِثْلِهَا. ثُمَّ أَخَذَ صَخْرَةً فَأَرْسَلَهَا. فَأَقْبَلَتْ تَهْوِي، حَتَّى إذَا كَانَتْ بِأَسْفَلِ الْجَبَلِ ارْفَضَّتْ [3] ، فَمَا بَقِيَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ مَكَّةَ وَلَا دَارٌ إلَّا دَخَلَتْهَا مِنْهَا فَلِقَةٌ، قَالَ الْعَبَّاسُ: وَاَللَّهِ إنَّ هَذِهِ لَرُؤْيَا، وَأَنْتِ فَاكْتُمِيهَا، وَلَا تَذْكُرِيهَا لِأَحَدِ. (الرُّؤْيَا تَذِيعُ فِي قُرَيْشٍ) : ثُمَّ خَرَجَ الْعَبَّاسُ، فَلَقِيَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانَ لَهُ صِدِّيقًا، فَذَكَرَهَا لَهُ، وَاسْتَكْتَمَهُ إيَّاهَا. فَذَكَرَهَا الْوَلِيدُ لِأَبِيهِ عُتْبَةَ، فَفَشَا الْحَدِيثُ بِمَكَّةَ، حَتَّى تَحَدَّثَتْ بِهِ قُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهَا. (مَا جَرَى بَيْنَ أَبى جهل وللعباس بِسَبَبِ الرُّؤْيَا) : قَالَ الْعَبَّاسُ: فَغَدَوْتُ لِأَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فِي رَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ قُعُودٌ يَتَحَدَّثُونَ بِرُؤْيَا عَاتِكَةَ، فَلَمَّا رَآنِي أَبُو جَهْلٍ قَالَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ إذَا فَرَغْتَ مِنْ طَوَافِكَ فَأَقْبِلْ إلَيْنَا، فَلَمَّا فَرَغْتُ أَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَهُمْ، فَقَالَ لِي أَبُو جَهْلٍ: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، مَتَى حَدَثَتْ فِيكُمْ هَذِهِ النَّبِيَّةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: تِلْكَ الرُّؤْيَا الَّتِي رَأَتْ عَاتِكَةُ، قَالَ: فَقُلْتُ: وَمَا رَأَتْ؟ قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَمَا رَضِيتُمْ أَنْ يَتَنَبَّأَ رِجَالُكُمْ حَتَّى تَتَنَبَّأَ نِسَاؤُكُمْ، قَدْ زَعَمَتْ عَاتِكَةُ فِي رُؤْيَاهَا أَنَّهُ قَالَ: انْفِرُوا فِي ثَلَاثٍ، فَسَنَتَرَبَّصُ بِكُمْ هَذِهِ الثَّلَاثَ، فَإِنْ يَكُ حَقًّا مَا تَقُولُ فَسَيَكُونُ، وَإِنْ تَمْضِ الثَّلَاثُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، نَكْتُبْ

_ [ () ] انفروا، تحريضا لَهُم، أَي إِن تخلفتم فَأنْتم غدر لقومكم. وَفتحت لَام الاستغاثة لِأَن الْمُنَادِي قد وَقع موقع الِاسْم الْمُضمر، وَلذَلِك بنى، فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ لَام الاستغاثة، وَهِي لَام جر، فتحت كَمَا تفتح لَام الْجَرّ إِذا دخلت على الْمُضْمرَات. وَهَذَا القَوْل إِنَّمَا هُوَ على رِوَايَة الشَّيْخ وَمَا وَقع فِي أَصله، وَأما أَبُو عبيد فَقَالَ فِي المُصَنّف: تَقول: يَا غدر، أَي يَا غادر. فَإِذا جمعت قلت: يَا آل غدر» . [1] مثل بِهِ: قَامَ بِهِ. [2] يُقَال: إِن هَذَا الْجَبَل سمى كَذَلِك بِرَجُل هلك فِيهِ من جرهم، اسْمه: قبيس بن شالخ. [3] ارفضت: تفتت.

(نساء عبد المطلب يلمن العباس للينه مع أبى جهل) :

عَلَيْكُمْ كِتَابًا أَنَّكُمْ أَكْذَبُ أَهْلِ بَيْتٍ فِي الْعَرَبِ. قَالَ العبّاس: فو الله مَا كَانَ مِنِّي إلَيْهِ كَبِيرٌ، إلَّا أَنِّي جَحَدْتُ ذَلِكَ، وَأَنْكَرْتُ أَنْ تَكُونَ رَأَتْ شَيْئًا. قَالَ: ثُمَّ تَفَرَّقْنَا. (نِسَاءُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَلُمْنَ الْعَبَّاسَ لِلِينِهِ مَعَ أَبِي جَهْلٍ) : فَلَمَّا أَمْسَيْتُ، لَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إلَّا أَتَتْنِي، فَقَالَتْ: أَقْرَرْتُمْ لِهَذَا الْفَاسِقِ الْخَبِيثِ أَنْ يَقَعَ فِي رِجَالِكُمْ، ثُمَّ قَدْ تَنَاوَلَ النِّسَاءَ وَأَنْتَ تَسْمَعُ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ غِيَرٌ [1] لِشَيْءِ مِمَّا سَمِعْتَ، قَالَ: قُلْتُ: قَدْ وَاَللَّهِ فَعَلْتُ، مَا كَانَ مِنِّي إلَيْهِ مِنْ كَبِيرٍ. وَاَيْمُ اللَّهِ لَأَتَعَرَّضَنَّ لَهُ، فَإِن عَاد لأكفينّكه. (الْعَبَّاسُ يَقْصِدُ أَبَا جَهْلٍ لِيَنَالَ مِنْهُ، فَيَصْرِفُهُ عَنْهُ تَحَقُّقُ الرُّؤْيَا) : قَالَ: فَغَدَوْتُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ رُؤْيَا عَاتِكَةَ، وَأَنَا حَدِيدٌ مُغْضَبٌ أُرَى أَنِّي قَدْ فَاتَنِي مِنْهُ أَمْرٌ أُحِبُّ أَنْ أُدْرِكَهُ مِنْهُ. قَالَ: فَدَخَلْتُ الْمَسْجِد فرأيته، فو الله إنِّي لَأَمْشِي نَحْوَهُ أَتَعَرَّضُهُ، لِيَعُودَ لِبَعْضِ مَا قَالَ فَأَقَعَ بِهِ، وَكَانَ رَجُلًا خَفِيفًا، حَدِيدَ الْوَجْهِ، حَدِيدَ اللِّسَانِ، حَدِيدَ النَّظَرِ. قَالَ: إذْ خَرَجَ نَحْوَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَشْتَدُّ. قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا لَهُ لَعَنَهُ اللَّهُ، أَكُلُّ هَذَا فَرَقٌ مِنِّي أَنْ أُشَاتِمَهُ! قَالَ: وَإِذَا هُوَ قَدْ سَمِعَ مَا لَمْ أَسْمَعْ: صَوْتَ ضَمْضَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ، وَهُوَ يَصْرُخُ بِبَطْنِ الْوَادِي وَاقِفًا عَلَى بَعِيرِهِ، قَدْ جَدَّعَ بَعِيرَهُ [2] ، وَحَوَّلَ رَحْلَهُ، وَشَقَّ قَمِيصَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اللَّطِيمَةَ [3] اللَّطِيمَةَ، أَمْوَالُكُمْ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمَّدٌ فِي أَصْحَابِهِ، لَا أَرَى أَنْ تُدْرِكُوهَا، الْغَوْثَ الْغَوْثَ. قَالَ: فَشَغَلَنِي عَنْهُ وَشَغَلَهُ عَنِّي مَا جَاءَ مِنْ الْأَمْرِ. (تَجَهُّزُ قُرَيْشٍ لِلْخُرُوجِ) : فَتَجَهَّزَ النَّاسُ سِرَاعًا، وَقَالُوا: أَيَظُنُّ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَنْ تَكُونَ كَعِيرِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، كَلَّا وَاَللَّهِ لِيَعْلَمُنَّ غَيْرَ ذَلِكَ. فَكَانُوا بَيْنَ رَجُلَيْنِ، إمَّا خَارِجٍ وَإِمَّا بَاعِثٍ مَكَانَهُ رَجُلًا. وَأَوْعَبَتْ [4] قُرَيْشٌ، فَلَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْ أَشْرَافِهَا أَحَدٌ.

_ [1] أَي تَغْيِير وإنكار. وَفِي م، ر: «غيرَة» . [2] جدع بعيره: قطع أَنفه. [3] اللطيمة: الْإِبِل الَّتِي تحمل الْبَز وَالطّيب. [4] يُقَال: أوعب الْقَوْم: إِذا خَرجُوا كلهم إِلَى الْغَزْو. 39- سيرة ابْن هِشَام- 1

(عقبة يتهكم بأمية لقعوده فيخرج) :

إلَّا أَنَّ أَبَا لَهَبِ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَخَلَّفَ، وَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصِيَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَكَانَ قَدْ لَاطَ [1] لَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ، أَفْلَسَ بِهَا، فَاسْتَأْجَرَهُ بِهَا عَلَى أَنْ يُجْزِئَ عَنْهُ، بَعَثَهُ فَخَرَجَ عَنْهُ، وَتَخَلَّفَ أَبُو لَهَبٍ. (عُقْبَةُ يَتَهَكَّمُ بِأُمَيَّةِ لِقُعُودِهِ فَيَخْرُجُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ: أَنَّ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كَانَ أَجْمَعَ الْقُعُودَ، وَكَانَ شَيْخًا جَلِيلًا جَسِيمًا ثَقِيلًا، فَأَتَاهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمِهِ، بِمَجْمَرَةٍ يَحْمِلُهَا، فِيهَا نَارٌ وَمَجْمَرٌ [2] ، حَتَّى وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا عَلِيٍّ، اسْتَجْمِرْ، فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنْ النِّسَاءِ، قَالَ: قَبَّحَكَ اللَّهُ وَقَبَّحَ مَا جِئْتَ بِهِ، قَالَ: ثُمَّ تَجَهَّزَ فَخَرَجَ مَعَ النَّاسِ. (الْحَرْبُ بَيْنَ كِنَانَةَ وَقُرَيْشٍ وَتَحَاجُزُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ جَهَازِهِمْ، وَأَجْمَعُوا الْمَسِيرَ، ذَكَرُوا مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ مِنْ الْحَرْبِ، فَقَالُوا: إنَّا نَخْشَى أَنْ يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا، وَكَانَتْ الْحَرْبُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ- كَمَا حَدَّثَنِي بَعْضُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ- فِي ابْنٍ لِحَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ، أَحَدِ بَنِي مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، خَرَجَ يَبْتَغِي ضَالَّةً لَهُ بِضَجْنَانَ، وَهُوَ غُلَامٌ حَدَثَ فِي رَأْسِهِ ذُؤَابَةٌ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ لَهُ، وَكَانَ غُلَامًا وَضِيئًا [3] نَظِيفًا، فَمَرَّ بِعَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْمُلَوَّحِ، أَحَدِ بَنِي يَعْمُرَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، وَهُوَ بِضَجْنَانَ، وَهُوَ سَيِّدُ بَنِي بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ، فَرَآهُ فَأَعْجَبَهُ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ قَالَ: أَنَا ابْنٌ لِحَفْصِ ابْنِ الْأَخْيَفِ الْقُرَشِيِّ. فَلَمَّا وَلَّى الْغُلَامُ، قَالَ عَامِرُ بْنُ زَيْدٍ: يَا بَنِي بَكْرٍ، مَا لَكُمْ فِي قُرَيْشٍ مِنْ دَمٍ؟ قَالُوا: بَلَى وَاَللَّهِ، إنَّ لَنَا فِيهِمْ لَدِمَاءً، قَالَ: مَا كَانَ رَجُلٌ لِيَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ بِرَجُلِهِ إلَّا كَانَ قَدْ اسْتَوْفَى دَمَهُ. قَالَ: فَتَبِعْهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ، فَقَتَلَهُ

_ [1] لَاطَ: احْتبسَ وامتسك. [2] المجمر: الْعود يتبخر بِهِ. [3] الوضيء: الْحسن.

(شعر مكرز في قتله عامرا) :

بِدَمِ كَانَ لَهُ فِي قُرَيْشٍ، فَتَكَلَّمَتْ فِيهِ قُرَيْشٌ، فَقَالَ عَامِرُ بْنُ يَزِيدَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَدْ كَانَتْ لَنَا فِيكُمْ دِمَاءٌ، فَمَا شِئْتُمْ. إنْ شِئْتُمْ فَأَدُّوا عَلَيْنَا مَا لَنَا قِبَلَكُمْ، وَنُؤَدِّي مَا لَكُمْ قِبَلَنَا، وَإِنْ شِئْتُمْ فَإِنَّمَا هِيَ الدِّمَاءُ: رَجُلٌ بِرَجُلِ، فَتَجَافَوْا عَمَّا لَكُمْ قِبَلَنَا، وَنَتَجَافَى عَمَّا لَنَا قِبَلَكُمْ، فَهَانَ ذَلِكَ الْغُلَامُ عَلَى هَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَالُوا: صَدَقَ، رَجُلٌ بِرَجُلِ. فَلَهَوْا عَنْهُ [1] ، فَلَمْ يُطْلِبُوا بِهِ. قَالَ: فَبَيْنَمَا أَخُوهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ يَسِيرُ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، إذْ نَظَرَ إلَى عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْمُلَوَّحِ عَلَى جَمَلٍ لَهُ، فَلَمَّا رَآهُ أَقْبَلَ إلَيْهِ حَتَّى أَنَاخَ بِهِ، وَعَامِرٌ مُتَوَشِّحٌ سَيْفَهُ، فَعَلَاهُ مِكْرَزٌ بِسَيْفِهِ حَتَّى قَتَلَهُ، ثُمَّ خَاضَ بَطْنَهُ بِسَيْفِهِ، ثُمَّ أَتَى بِهِ مَكَّةَ، فَعَلَّقَهُ مِنْ اللَّيْلِ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. فَلَمَّا أَصْبَحَتْ قُرَيْشٌ رَأَوْا سَيْفَ عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ مُعَلَّقًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَعَرَفُوهُ، فَقَالُوا: إنَّ هَذَا لَسَيْفُ عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ، عَدَا عَلَيْهِ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فَقَتَلَهُ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ. فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ حَرْبِهِمْ، حَجَزَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ النَّاسِ، فَتَشَاغَلُوا بِهِ، حَتَّى أَجَمَعَتْ قُرَيْشٌ الْمَسِيرَ إلَى بَدْرٍ، فَذَكَرُوا الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ فَخَافُوهُمْ. (شِعْرُ مِكْرَزٍ فِي قَتْلِهِ عَامِرًا) : وَقَالَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فِي قَتْلِهِ عَامِرًا: لَمَّا رَأَيْتُ أَنَّهُ هُوَ عَامِرٌ ... تَذَكَّرْتُ أَشْلَاءَ الْحَبِيبِ الْمُلَحَّبِ [2] وَقُلْتُ لِنَفْسِي: إنَّهُ هُوَ عَامِرٌ ... فَلَا تَرْهَبِيهِ، وَانْظُرِي أَيَّ مَرْكَبِ وَأَيْقَنْتُ أَنِّي إنْ أُجَلِّلَهُ ضَرْبَةً ... مَتَى مَا أُصِبْهُ بِالْفَرَافِرِ يَعْطَبْ خَفَضْتُ لَهُ جَأْشِي وَأَلْقَيْتُ كَلْكَلِي [3] ... عَلَى بَطَلٍ شَاكِّي السِّلَاحِ مُجَرَّبِ [3] وَلَمْ أَكُ لَمَّا الْتَفَّ رُوعِي وَرُوعُهُ ... عُصَارَةَ هُجُنٍ مِنْ نِسَاءٍ وَلَا أَبِ

_ [1] فِي أ: «مِنْهُ» . قَالَ الْأَصْمَعِي: «لهيت عَن فلَان وَمِنْه، فَأَنا ألهى: تركته» . [2] الأشلاء: البقايا. والملحب: الّذي ذهب لَحْمه. [3] فِي أ: «حفظت» . والجأش: النَّفس. والكلكل: الصَّدْر. وشاكي السِّلَاح: محدده.

(إبليس يغرى قريشا بالخروج) :

حَلَلْتُ بِهِ وِتْرِي وَلَمْ أَنْسَ ذَحْلَهُ [1] ... إذَا مَا تَنَاسَى ذَحْلَهُ كُلُّ عَيْهَبِ [2] (قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْفَرَافِرُ (فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ) : الرَّجُلُ الْأَضْبَطُ، «وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ» : السَّيْفُ) [3] ، وَالْعَيْهَبُ: الَّذِي لَا عَقْلَ لَهُ، وَيُقَالُ لِتَيْسِ الظِّبَاءِ وَفَحْلِ النَّعَامِ: الْعَيْهَبُ. (قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَيْهَبُ: الرَّجُلُ الضَّعِيفُ عَنْ إدْرَاكِ وِتْرِهِ) [3] . (إبْلِيسُ يُغْرِي قُرَيْشًا بِالْخُرُوجِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا أَجَمَعَتْ قُرَيْشٌ الْمَسِيرَ ذَكَرَتْ الَّذِي كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ، فَكَادَ ذَلِكَ يُثْنِيهِمْ، فَتَبَدَّى لَهُمْ إبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ بَنِي كِنَانَةَ، فَقَالَ لَهُمْ: أَنَا لَكُمْ جَارٌ مِنْ أَنْ تَأْتِيَكُمْ كِنَانَةُ مِنْ خَلْفِكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَخَرَجُوا سِرَاعًا. (خُرُوجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيَالٍ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ [4] فِي أَصْحَابِهِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خَرَجَ (يَوْمَ الِاثْنَيْنِ) [3] لِثَمَانِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ- وَاسْتَعْمَلَ عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ- وَيُقَالُ اسْمُهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ أَخَا بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، عَلَى الصَّلَاةِ بِالنَّاسِ، ثُمَّ رَدَّ أَبَا لُبَابَةَ مِنْ الرَّوْحَاءِ، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ. (صَاحِبُ اللِّوَاءِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَدَفَعَ اللِّوَاءَ إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ أَبْيَضَ. (رَايَتَا الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَمَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَايَتَانِ سَوْدَاوَانِ،

_ [1] الذحل: الثأر. [2] «فِي أ، ط: «الغيهب» بالغين الْمُعْجَمَة. وَهِي «كالعيهب» ، الّذي لَا عقل لَهُ. [3] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ. [4] وَقيل إِن خُرُوجه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لثنتى عشرَة لَيْلَة خلت من رَمَضَان، كَمَا قيل إِن خُرُوجه كَانَ يَوْم السبت. (رَجَعَ شرح الْمَوَاهِب) .

(عدد إبل المسلمين) :

إحْدَاهُمَا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، يُقَالُ لَهَا: الْعُقَابُ، وَالْأُخْرَى مَعَ بَعْضِ الْأَنْصَارِ. (عَدَدُ إبِلِ الْمُسْلِمِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ إبِلُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ بَعِيرًا، فَاعْتَقَبُوهَا، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَمَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا، وَكَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَأَبُو كَبْشَةَ، وَأَنَسَةُ، مَوْلَيَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَجَعَلَ عَلَى السَّاقَةِ قَيْسَ بْنَ أَبِي صَعْصَعَةَ أَخَا بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ. وَكَانَتْ رَايَةُ الْأَنْصَارِ مَعَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. (طَرِيقُ الْمُسْلِمِينَ إلَى بَدْرٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَسَلَكَ طَرِيقَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ، عَلَى نَقْبِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ عَلَى الْعَقِيقِ، ثُمَّ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ عَلَى أُولَاتِ الْجَيْشِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ذَاتِ الْجَيْشِ. (الرَّجُلُ الَّذِي اعْتَرَضَ الرَّسُولَ وَجَوَابُ سَلَمَةَ لَهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ مَرَّ عَلَى تُرْبَانَ [1] ، ثُمَّ عَلَى مَلَلٍ، ثُمَّ غَمِيسِ الْحَمَامِ مِنْ مَرَيَيْنِ، ثُمَّ عَلَى صُخَيْرَاتِ الْيَمَامِ، ثُمَّ عَلَى السَّيَّالَةِ، ثُمَّ عَلَى فَجِّ الرَّوْحَاءِ، ثُمَّ عَلَى شَنُوكَةَ، وَهِيَ الطَّرِيقُ الْمُعْتَدِلَةُ، حَتَّى إذَا كَانَ بِعِرْقِ الظَّبْيَةِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الظَّبْيَةُ: عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ- لَقُوا رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ، فَسَأَلُوهُ عَنْ النَّاسِ، فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَهُ خَبَرًا، فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: سَلِّمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَوَفِيكُمْ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إنْ كُنْتَ رَسُولَ اللَّهِ فَأَخْبِرْنِي عَمَّا فِي بَطْنِ نَاقَتِي هَذِهِ. قَالَ لَهُ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقَشٍ: لَا تَسْأَلْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْبِلْ عَلَيَّ فَأَنَا أُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ. نَزَوْتَ عَلَيْهَا، فَفِي بَطْنِهَا مِنْكَ سَخْلَةٌ [2] ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَهْ، أَفْحَشْتَ عَلَى الرَّجُلِ، ثُمَّ أَعَرَضَ عَنْ سَلَمَةِ.

_ [1] تربان (بِالضَّمِّ) : دَار بَين الحفير وَالْمَدينَة. [2] السخلة: الصَّغِيرَة من الضَّأْن، قَالَ أَبُو ذَر: «استعارها هُنَا لولد النَّاقة» .

(بقية الطريق إلى بدر) :

(بَقِيَّةُ الطَّرِيقِ إلَى بَدْرٍ) : وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجْسَجَ، وَهِيَ بِئْرُ الرَّوْحَاءِ، ثُمَّ ارْتَحَلَ مِنْهَا، حَتَّى إذَا كَانَ بِالْمُنْصَرَفِ، تَرَكَ طَرِيقَ مَكَّةَ بِيَسَارٍ، وَسَلَكَ ذَاتَ الْيَمِينِ عَلَى النَّازِيَةِ، يُرِيدُ بَدْرًا، فَسَلَكَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا، حَتَّى جَزَعَ [1] وَادِيًا، يُقَالُ لَهُ رُحْقَانُ، بَيْنَ النَّازِيَةِ وَبَيْنَ مَضِيقِ الصَّفْرَاءِ، (ثُمَّ عَلَى الْمَضِيقِ) [2] ، ثُمَّ انْصَبَّ مِنْهُ، حَتَّى إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الصَّفْرَاءِ، بَعَثَ بَسْبَسَ [3] بْنَ الْجُهَنِيِّ، حَلِيفَ بَنِي سَاعِدَةَ، وَعَدِيَّ بْنَ أَبِي الزَّغْبَاءِ [4] الْجُهَنِيَّ، حَلِيفَ بَنِي النَّجَّارِ، إلَى بَدْرٍ يَتَحَسَّسَانِ لَهُ الْأَخْبَارَ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ. ثُمَّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ قَدِمَهَا. فَلَمَّا اسْتَقْبَلَ الصّفراء، وَهِي قريبَة بَيْنَ جَبَلَيْنِ، سَأَلَ عَنْ جَبَلَيْهِمَا مَا اسْمَاهُمَا؟ فَقَالُوا: يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا، هَذَا مُسْلِحٌ، وَلِلْآخَرِ: هَذَا مُخْرِئٌ، وَسَأَلَ عَنْ أَهْلِهِمَا، فَقِيلَ: بَنُو النَّارِ وَبَنُو حُرَاقٍ، بَطْنَانِ مِنْ بَنِي غِفَارٍ فَكَرِهَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرُورُ بَيْنَهُمَا، وَتَفَاءَلَ بِأَسْمَائِهِمَا وَأَسْمَاءِ [5] أَهْلِهِمَا. فَتَرَكَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّفْرَاءَ بِيَسَارِ، وَسَلَكَ ذَاتَ الْيَمِينِ عَلَى وَادٍ يُقَالُ لَهُ: ذَفِرَانَ، فَجَزَعَ فِيهِ، ثُمَّ نَزَلَ. (أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَالْمِقْدَادُ وَكَلِمَاتُهُمْ فِي الْجِهَادِ) : وَأَتَاهُ الْخَبَرُ عَنْ قُرَيْشٍ بِمَسِيرِهِمْ لِيَمْنَعُوا عِيرَهُمْ، فَاسْتَشَارَ النَّاسَ، وَأَخْبَرَهُمْ

_ [1] جزع الْوَادي: قطعه عرضا. [2] زِيَادَة عَن أ، ط. [3] قَالَ السهيليّ: «فِي مُصَنف أَبى دَاوُد: (بسبسة) مَكَان بسبس، وَبَعض رُوَاة أَبى دَاوُد يَقُول: بسبسه (بِضَم الْبَاء) . وَكَذَلِكَ وَقع فِي كتاب مُسلم، وَنسبه ابْن إِسْحَاق إِلَى جُهَيْنَة، وَنسبه غَيره إِلَى ذبيان، وَقَالَ: هُوَ بسبس بن عَمْرو بن ثَعْلَبَة بن خَرشَة بن عَمْرو بن سعد بن ذبيان» . [4] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول «الزعباء» بِالْعينِ الْمُهْملَة وَهُوَ تَصْحِيف (رَاجع الطَّبَرِيّ والاستيعاب) . [5] قَالَ السهيليّ: «لَيْسَ هَذَا من بَاب الطَّيرَة الَّتِي نهى عَنْهَا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِن من بَاب كَرَاهِيَة الِاسْم الْقَبِيح، فقد كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يكْتب إِلَى أمرائه إِذا أبردتم إِلَى بريدا فَاجْعَلُوهُ حسن الْوَجْه حسن الِاسْم. وَقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي لقحة: من يحلب هَذِه؟ فَقَامَ رجل فَقَالَ: أَنا فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا اسْمك؟ فَقَالَ: مرّة، فَقَالَ: اقعد، حَتَّى قَالَ آخِرهم: اسمى يعِيش قَالَ: احلب فَقَامَ عمر فَقَالَ: لَا أدرى أأقول أم أسكت؟ فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قل، فَقَالَ: قد كنت نَهَيْتنَا عَن التطير؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: مَا تطيرت، ولكنى آثرت الِاسْم الْحسن» .

(استيثاق الرسول صلى الله عليه وسلم من أمر الأنصار) :

عَنْ قُرَيْشٍ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، فَقَالَ وَأَحْسَنُ. ثُمَّ قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ وَأَحْسَنُ، ثُمَّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، امْضِ لِمَا أَرَاكَ اللَّهُ فَنَحْنُ مَعَكَ، وَاَللَّهِ لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا، إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ 5: 24. وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ، فو الّذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ سِرْتَ بِنَا إلَى بِرْكِ الْغِمَادِ [1] لَجَالَدْنَا مَعَكَ مِنْ دُونِهِ، حَتَّى تَبْلُغَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا، وَدَعَا لَهُ بِهِ. (اسْتِيثَاقُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْرِ الْأَنْصَارِ) : ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ. وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْأَنْصَارَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَدَدُ النَّاسِ، وَأَنَّهُمْ حِينَ بَايَعُوهُ بِالْعَقَبَةِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّا بُرَاءٌ مِنْ ذِمَامِكَ حَتَّى تَصِلَ إلَى دِيَارِنَا، فَإِذَا وَصَلْتَ إلَيْنَا، فَأَنْتَ فِي ذِمَّتِنَا نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّفُ أَلَّا تَكُونَ الْأَنْصَارُ تَرَى عَلَيْهَا نَصْرَهُ إلَّا مِمَّنْ دَهَمَهُ بِالْمَدِينَةِ مِنْ عَدُوِّهِ، وَأَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ إلَى عَدُوٍّ مِنْ بِلَادِهِمْ. فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلّم، قَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: وَاَللَّهِ لَكَأَنَّكَ تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ أَجَلْ، قَالَ: فَقَدْ آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ، وَشَهِدْنَا أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ، وَأَعْطَيْنَاكَ عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا، عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَامْضِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَا أَرَدْتَ فَنحْن مَعَك، فو الّذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَوْ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ، مَا تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوَّنَا غَدًا، إنَّا لَصُبُرٌ فِي الْحَرْبِ، صُدُقٌ فِي اللِّقَاءِ. لَعَلَّ اللَّهَ يُرِيكَ مِنَّا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ. فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ سَعْدٍ، وَنَشَّطَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: سِيرُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنِي إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَاَللَّهِ لَكَأَنِّي الْآنَ أَنْظُرُ إلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ. (الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ يَتَعَرَّفَانِ أَخْبَارَ قُرَيْشٍ) : ثُمَّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَفِرَانَ، فَسَلَكَ عَلَى ثَنَايَا. يُقَالُ لَهَا

_ [1] برك الغماد، مَوضِع بِنَاحِيَة الْيمن، وَقيل: هُوَ أقْصَى حجر. وَقَالَ السهيليّ (2، 65) وجدت فِي بعض كتب التَّفْسِير أَنَّهَا مَدِينَة الْحَبَشَة.

(ظفر المسلمين برجلين من قريش يقفانهم على أخبارهم) :

الْأَصَافِرُ، ثُمَّ انْحَطَّ مِنْهَا إلَى بَلَدٍ يُقَالُ لَهُ: الدَّبَّةُ، وَتَرَكَ الْحَنَّانَ بِيَمِينٍ وَهُوَ كَثِيبٌ عَظِيمٌ كَالْجَبَلِ الْعَظِيمِ، ثُمَّ نَزَلَ قَرِيبًا مِنْ بَدْرٍ، فَرَكِبَ هُوَ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الرَّجُلُ هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ: حَتَّى وَقَفَ عَلَى شَيْخٍ مِنْ الْعَرَبِ، فَسَأَلَهُ عَنْ قُرَيْشٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، وَمَا بَلَغَهُ عَنْهُمْ، فَقَالَ الشَّيْخُ: لَا أُخْبِرُكُمَا حَتَّى تُخْبِرَانِي مِمَّنْ أَنْتُمَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا أَخْبَرْتنَا أَخْبَرْنَاكَ. قَالَ: أَذَاكَ بِذَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ الشَّيْخُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ خَرَجُوا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كَانَ صَدَقَ الَّذِي أَخْبَرَنِي، فَهُمْ الْيَوْمَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، لِلْمَكَانِ الَّذِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَلَغَنِي أَنَّ قُرَيْشًا خَرَجُوا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَخْبَرَنِي صَدَقَنِي فَهُمْ الْيَوْمَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا لِلْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ قُرَيْشٌ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ خَبَرِهِ، قَالَ: مِمَّنْ أَنْتُمَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَحْنُ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ. قَالَ يَقُولُ الشَّيْخُ: مَا مِنْ مَاءٍ، أَمِنْ مَاءِ الْعِرَاقِ؟ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَالُ: ذَلِكَ الشَّيْخُ: سُفْيَانُ الضَّمَرِيُّ. (ظَفَرُ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ يَقِفَانِهِمْ عَلَى أَخْبَارِهِمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا أَمْسَى بَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، إلَى مَاءِ بَدْرٍ، يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ لَهُ عَلَيْهِ- كَمَا حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ- فَأَصَابُوا رَاوِيَةً [1] لِقُرَيْشٍ فِيهَا أَسْلَمَ، غُلَامُ بَنِي الْحَجَّاجِ، وَعَرِيضٌ أَبُو يَسَارٍ، غُلَامُ بَنِي الْعَاصِ بْنِ سَعِيدٍ، فَأَتَوْا بِهِمَا فَسَأَلُوهُمَا، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَقَالَا: نَحْنُ سُقَاةُ قُرَيْشٍ، بَعَثُونَا نَسْقِيهِمْ مِنْ الْمَاءِ. فَكَرِهَ الْقَوْمُ خَبَرَهُمَا، وَرَجَوْا أَنْ يَكُونَا لِأَبِي سُفْيَانَ، فَضَرَبُوهُمَا. فَلَمَّا أَذْلَقُوهُمَا [2] قَالَا: نَحْنُ لِأَبِي سُفْيَانَ، فَتَرَكُوهُمَا. وَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ [1] الراوية: الْإِبِل الَّتِي يستقى عَلَيْهَا المَاء. [2] أذلقوهما: بالغوا فِي ضربهما.

(بسبس وعدي يتجسسان الأخبار) :

وَسَجَدَ سَجْدَتَيْهِ، ثُمَّ سَلَّمَ، وَقَالَ: إذَا صَدَقَاكُمْ ضَرَبْتُمُوهُمَا، وَإِذَا كَذَبَاكُمْ تَرَكْتُمُوهُمَا، صَدَقَا، وَاَللَّهِ إنَّهُمَا لِقُرَيْشِ، أَخْبِرَانِي عَنْ قُرَيْشٍ؟ قَالَا: هُمْ وَاَللَّهِ وَرَاءَ هَذَا الْكَثِيبِ الَّذِي تَرَى بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى- وَالْكَثِيبُ: الْعَقَنْقَلُ- فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَمْ الْقَوْمُ؟ قَالَا: كَثِيرٌ، قَالَ: مَا عِدَّتُهُمْ؟ قَالَا: لَا نَدْرِي، قَالَ: كَمْ يَنْحَرُونَ كُلَّ يَوْمٍ؟ قَالَا: يَوْمًا تِسْعًا، وَيَوْمًا عَشْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْقَوْمُ فِيمَا بَين التسع مائَة وَالْأَلْفِ. ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: فَمَنْ فِيهِمْ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ؟ قَالَا: عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلٍ، وَالنَّضْرُ بْنِ الْحَارِثِ، وَزَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَنُبَيْهُ، وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: هَذِهِ مَكَّةُ قَدْ أَلْقَتْ إلَيْكُمْ أَفْلَاذَ [1] كَبِدِهَا. (بَسْبَسُ وَعَدِيُّ يَتَجَسَّسَانِ الْأَخْبَارَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ بَسْبَسُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَدِيُّ بْنُ أَبِي الزَّغْبَاءِ قَدْ مَضَيَا حَتَّى نَزَلَا بَدْرًا، فَأَنَاخَا إلَى تَلٍّ قَرِيبٍ مِنْ الْمَاءِ، ثُمَّ أَخَذَا شَنًّا لَهُمَا [2] يَسْتَقِيَانِ فِيهِ، ومَجْدِيُّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيُّ عَلَى الْمَاءِ. فَسَمِعَ عَدِيٌّ وَبَسْبَسُ جَارِيَتَيْنِ مِنْ جِوَارِي الْحَاضِرِ [3] ، وَهُمَا يَتَلَازَمَانِ [4] عَلَى الْمَاءِ، وَالْمَلْزُومَةُ [5] تَقُولُ لِصَاحِبَتِهَا: إنَّمَا تَأْتِي الْعِيرُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ، فَأَعْمَلُ لَهُمْ، ثُمَّ أَقْضِيكَ الَّذِي لَكَ. قَالَ مَجْدِيٌّ: صَدَقْتِ، ثُمَّ خَلَّصَ بَيْنَهُمَا. وَسَمِعَ ذَلِكَ عَدِيٌّ وَبَسْبَسُ، فَجَلَسَا عَلَى بَعِيرَيْهِمَا، ثُمَّ انْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَاهُ بِمَا سَمِعَا.

_ [1] الأفلاذ: الْقطع، الْوَاحِدَة فلذة: حِدة. [2] الشن: الزق الْبَالِي. [3] الْحَاضِر: الْقَوْم النازلون على المَاء. [4] التلازم: تعلق الْغَرِيم بغريمه. [5] الملزومة: الْمَدِينَة.

(حذر أبى سفيان وهربه بالعير) :

(حَذَرُ أَبِي سُفْيَانَ وَهَرَبُهُ بِالْعِيرِ) : وَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، حَتَّى تَقَدَّمَ الْعِيرَ حَذَرًا، حَتَّى وَرَدَ الْمَاءَ، فَقَالَ لِمَجْدِيِّ بْنِ عَمْرٍو: هَلْ أَحْسَسْتَ أَحَدًا، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَنْكَرَهُ، إلَّا أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَاكِبَيْنِ قَدْ أَنَاخَا إلَى هَذَا التَّلِّ، ثُمَّ اسْتَقَيَا فِي شَنٍّ لَهُمَا، ثُمَّ انْطَلَقَا. فَأَتَى أَبُو سُفْيَانَ مُنَاخَهُمَا، فَأَخَذَ مِنْ أَبْعَارِ بَعِيرَيْهِمَا، فَفَتَّهُ، فَإِذَا فِيهِ النَّوَى، فَقَالَ: هَذِهِ وَاَللَّهِ عَلَائِفُ يَثْرِبَ. فَرَجَعَ إلَى أَصْحَابِهِ سَرِيعًا، فَضَرَبَ وَجْهَ عِيرِهِ عَنْ الطَّرِيقِ، فَسَاحَلَ [1] بِهَا، وَتَرَكَ بَدْرًا بِيَسَارِ، وَانْطَلَقَ حَتَّى أَسْرَعَ. (رُؤْيَا جُهَيْمِ بْنِ الصَّلْتِ فِي مَصَارِعِ قُرَيْشٍ) : (قَالَ) [2] : وَأَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ، فَلَمَّا نَزَلُوا الْجُحْفَةَ، رَأَى جُهَيْمُ بْنُ الصَّلْتِ ابْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ رُؤْيَا، فَقَالَ: إنِّي رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، وَإِنِّي لَبَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقِظَانِ. إذْ نَظَرْتُ إلَى رَجُلٍ قَدْ أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ حَتَّى وَقَفَ، وَمَعَهُ بَعِيرٌ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو الْحَكَمِ بْنُ هِشَامٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَعَدَّدَ رِجَالًا مِمَّنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ ضَرَبَ فِي لَبَّةِ بَعِيرِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي الْعَسْكَرِ، فَمَا بَقِيَ خِبَاءٌ مِنْ أَخْبِيَةِ الْعَسْكَرِ إلَّا أَصَابَهُ نَضْحٌ [3] مِنْ دَمِهِ. قَالَ: فَبَلَّغْتُ أَبَا جَهْلٍ، فَقَالَ: وَهَذَا أَيْضًا نَبِيٌّ آخَرُ مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ، سَيَعْلَمُ غَدًا مَنْ الْمَقْتُولُ إنْ نَحْنُ الْتَقَيْنَا. (رِسَالَةُ أَبِي سُفْيَانَ إلَى قُرَيْشٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ أَنَّهُ قَدْ أَحْرَزَ عِيرَهُ، أَرْسَلَ إلَى قُرَيْشٍ: إنَّكُمْ إنَّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ وَرِجَالَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، فَقَدْ نَجَّاهَا اللَّهُ، فَارْجِعُوا، فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ: وَاَللَّهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَرِدَ بَدْرًا- وَكَانَ بَدْرٌ مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ الْعَرَبِ، يَجْتَمِعُ لَهُمْ بِهِ سُوقٌ كُلَّ عَامٍ- فَنُقِيمُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَنَنْحَرُ الْجُزُرَ،

_ [1] سَاحل بهَا، أَي أَخذ بهَا جِهَة السَّاحِل. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] نضح: أَي لطخ.

(رجوع الأخنس ببني زهرة) :

وَنُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَنُسْقِي الْخَمْرَ، وَتَعْزِفُ عَلَيْنَا الْقِيَانُ [1] ، وَتَسْمَعُ بِنَا الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا وَجَمْعِنَا، فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدًا بَعْدَهَا، فَامْضُوا. (رُجُوعُ الْأَخْنَسِ بِبَنِي زُهْرَةَ) : وَقَالَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيُّ، وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ وَهُمْ بِالْجُحْفَةِ: يَا بَنِي زُهْرَةَ، قَدْ نَجَّى اللَّهُ لَكُمْ أَمْوَالَكُمْ، وَخَلَّصَ لَكُمْ صَاحِبَكُمْ مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ، وَإِنَّمَا نَفَرْتُمْ لِتَمْنَعُوهُ وَمَالَهُ، فَاجْعَلُوا لِي جُبْنَهَا وَارْجِعُوا، فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ لَكُمْ بِأَنْ تَخْرُجُوا فِي غَيْرِ ضَيْعَةٍ [2] ، لَا مَا يَقُولُ هَذَا، يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ. فَرَجَعُوا، فَلَمْ يَشْهَدْهَا زُهْرِيٌّ وَاحِدٌ، أَطَاعُوهُ وَكَانَ فِيهِمْ مُطَاعًا. وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ قُرَيْشٍ بَطْنٌ إلَّا وَقَدْ نَفَرَ مِنْهُمْ نَاسٌ، إلَّا بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَرَجَعَتْ بَنُو زُهْرَةَ مَعَ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ، فَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا مِنْ هَاتَيْنِ الْقَبِيلَتَيْنِ أَحَدٌ، وَمَشَى الْقَوْمُ. وَكَانَ بَيْنَ طَالِبِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- وَكَانَ فِي الْقَوْمِ- وَبَيْنَ بَعْضِ قُرَيْشٍ مُحَاوَرَةٌ، فَقَالُوا: وَاَللَّهِ لَقَدْ عَرَفْنَا يَا بَنِي هَاشِمٍ، وَإِنْ خَرَجْتُمْ مَعَنَا، أَنَّ هَوَاكُمْ لَمَعَ مُحَمَّدٍ. فَرَجَعَ طَالِبٌ إلَى مَكَّةَ مَعَ مَنْ رَجَعَ. وَقَالَ طَالِبُ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ: لَا هُمَّ إمَّا يَغْزُوَنَّ طَالِبْ ... فِي عُصْبَةٍ مُحَالِفٌ مُحَارِبْ [3] فِي مِقْنَبٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقَانِبِ ... فَلْيَكُنْ الْمَسْلُوبُ غَيْرَ السَّالِبِ [4] وَلْيَكُنْ الْمَغْلُوبُ غَيْرَ الْغَالِبِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «فَلْيَكُنْ الْمَسْلُوبُ» ، وَقَوْلُهُ «وَلْيَكُنْ الْمَغْلُوبُ» عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الرِّوَاةِ لِلشِّعْرِ. (نُزُولُ قُرَيْشٍ بِالْعُدْوَةِ وَالْمُسْلِمِينَ بِبَدْرِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَضَتْ قُرَيْشٌ حَتَّى نَزَلُوا بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى مِنْ الْوَادِي، خَلْفَ الْعَقَنْقَلِ وَبَطْنِ الْوَادِي، وَهُوَ يَلَيْلُ، بَيْنَ بَدْرٍ وَبَيْنَ الْعَقَنْقَلِ،

_ [1] القيان: الْجَوَارِي. [2] فِي السِّيرَة الحلبية: «فِي غير مَنْفَعَة» . [3] محالف: متحالفين. ومحارب جمع محرب: أَي شجعان. [4] المقنب: الْجَمَاعَة من الْخَيل، مِقْدَار ثَلَاث مائَة أَو نَحْوهَا. عَن أَبى ذَر.

(مشورة الحباب على رسول الله صلى الله عليه وسلم) :

الْكَثِيبُ الَّذِي خَلْفَهُ قُرَيْشٌ، وَالْقُلُبُ [1] بِبَدْرِ فِي الْعُدْوَةِ الدُّنْيَا مِنْ بَطْنِ يَلَيْلَ إلَى الْمَدِينَةِ. وَبَعَثَ اللَّهُ السَّمَاءَ، وَكَانَ الْوَدْيُ دَهْسًا [2] ، فَأَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنْهَا مَا [3] لَبَّدَ لَهُمْ الْأَرْضَ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ عَنْ السَّيْرِ وَأَصَابَ قُرَيْشًا مِنْهَا مَا [3] لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَرْتَحِلُوا مَعَهُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبادرهم إِلَى المَاء، حَتَّى إذَا جَاءَ أَدُنَى مَاءٍ مِنْ بَدْرٍ نَزَلَ بِهِ. (مَشُورَةُ الْحُبَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحُدِّثْتُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، أَنَّهُمْ ذَكَرُوا: أَنَّ الْحُبَابَ بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَنْزِلَ، أَمَنْزِلًا أَنْزَلَكَهُ اللَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدَّمَهُ، وَلَا نَتَأَخَّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ: بَلْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلِ، فَانْهَضْ بِالنَّاسِ حَتَّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ، فَنَنْزِلَهُ، ثُمَّ نُغَوِّرُ [4] مَا وَرَاءَهُ مِنْ الْقُلُبِ، ثُمَّ نَبْنِي عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَمْلَؤُهُ مَاءً، ثُمَّ نُقَاتِلُ الْقَوْمَ، فَنَشْرَبُ وَلَا يَشْرَبُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ. فَنَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ النَّاسِ، فَسَارَ حَتَّى إذَا أَتَى أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ نَزَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْقُلُبِ فَغُوِّرَتْ، وَبَنَى حَوْضًا عَلَى الْقَلِيبِ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ، فَمُلِئَ مَاءً، ثُمَّ قَذَفُوا فِيهِ الْآنِيَةَ. (بِنَاءُ الْعَرِيشِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ حُدِّثَ: أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَلَا نَبْنِي لَكَ عَرِيشًا [5] تَكُونُ فِيهِ، وَنُعِدُّ عِنْدَكَ رَكَائِبَكَ، ثُمَّ نَلْقَى عَدُوَّنَا، فَإِنْ أَعَزَّنَا اللَّهُ وَأَظْهَرَنَا عَلَى عَدُوِّنَا، كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَا، وَإِنْ

_ [1] الْقلب: جمع قليب، وَهُوَ الْبِئْر. [2] الدهس: كل مَكَان لين لم يبلغ أَن يكون رملا. [3] فِي م ر: «مَاء» . [4] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول: والتغوير: الدّفن والطمس. وَفِي أ: «نعور» بِالْعينِ الْمُهْملَة. وللتعوير: الْإِفْسَاد. [5] الْعَريش شبه الْخَيْمَة يستظل بِهِ.

(ارتحال قريش) :

كَانَتْ الْأُخْرَى، جَلَسْتَ عَلَى رَكَائِبِكَ، فَلَحِقْتَ بِمَنْ وَرَاءَنَا، فَقَدْ تَخَلَّفَ عَنْكَ أَقْوَامٌ، يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا نَحْنُ بِأَشَدَّ لَكَ حُبًّا مِنْهُمْ، وَلَوْ ظَنُّوا أَنَّكَ تَلْقَى حَرْبًا مَا تَخَلَّفُوا عَنْكَ، يَمْنَعُكَ اللَّهُ بِهِمْ، يُنَاصِحُونَكَ وَيُجَاهِدُونَ مَعَكَ. فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا، وَدَعَا لَهُ بِخَيْرِ. ثُمَّ بُنِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرِيشٌ، فَكَانَ فِيهِ. (ارْتِحَالُ قُرَيْشٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ ارْتَحَلَتْ قُرَيْشٌ حِينَ أَصْبَحَتْ، فَأَقْبَلَتْ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَوَّبَ مِنْ الْعَقَنْقَلِ- وَهُوَ الْكَثِيبُ الَّذِي جَاءُوا مِنْهُ إلَى الْوَادِي- قَالَ: اللَّهمّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا [1] وَفَخْرِهَا، تُحَادُّكَ [2] وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ، اللَّهمّ فَنَصْرَكَ الَّذِي وَعَدْتنِي، اللَّهمّ أَحِنْهُمْ [3] الْغَدَاةَ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وَقَدْ) [4] رَأَى عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فِي الْقَوْمِ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ- إنْ يَكُنْ فِي أَحَدٍ مِنْ الْقَوْمِ خَيْرٌ فَعِنْدَ صَاحِبِ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ، إنْ يُطِيعُوهُ يَرْشُدُوا. وَقَدْ كَانَ خُفَافُ بْنُ أَيْمَاءَ بْنِ رَحَضَةَ الْغِفَارِيُّ، أَوْ أَبُوهُ أَيْمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الْغِفَارِيُّ، بَعَثَ إلَى قُرَيْشٍ، حِينَ مَرُّوا بِهِ، ابْنَا لَهُ بِجَزَائِرِهِ [5] أَهْدَاهَا لَهُمْ، وَقَالَ: إنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ نُمِدَّكُمْ بِسِلَاحِ وَرِجَالٍ فَعَلْنَا. قَالَ: فَأَرْسَلُوا إلَيْهِ مَعَ ابْنِهِ: أَنْ وَصَلَتْكَ رَحِمٌ، قَدْ قَضَيْتَ الَّذِي عَلَيْكَ، فَلَعَمْرِي لَئِنْ كُنَّا إنَّمَا نُقَاتِلُ النَّاسَ فَمَا بِنَا مِنْ ضَعْفٍ عَنْهُمْ، وَلَئِنْ كُنَّا إنَّمَا نُقَاتِلُ اللَّهَ، كَمَا يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ، فَمَا لِأَحَدِ باللَّه مِنْ طَاقَةٍ.

_ [1] الْخُيَلَاء: الْكبر والإعجاب. [2] تُحَادك: تعاديك. [3] أحنهم، أَي أهلكهم. [4] زِيَادَة عَن أ، ط. [5] الجزائر: الذَّبَائِح، الْوَاحِدَة: جزور.

(إسلام ابن حزام) :

(إسْلَامُ ابْنِ حِزَامٍ) : فَلَمَّا نَزَلَ النَّاسُ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى وَرَدُوا حَوْضَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهُمْ. فَمَا شَرِبَ مِنْهُ رَجُلٌ يَوْمَئِذٍ إلَّا قُتِلَ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ، ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَحَسُنَ إسْلَامُهُ. فَكَانَ إذَا اجْتَهَدَ فِي يَمِينِهِ، قَالَ: لَا وَاَلَّذِي نَجَّانِي مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ. (تَشَاوُرُ قُرَيْشٍ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْقِتَالِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي إسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالُوا: لَمَّا اطْمَأَنَّ الْقَوْمُ، بَعَثُوا عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الجُمَحِيُّ فَقَالُوا: احْزُرُوا [1] لَنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ، قَالَ: فَاسْتَجَالَ بِفَرَسِهِ حَوْلَ الْعَسْكَرِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ: ثَلَاث مائَة رَجُلٍ، يَزِيدُونَ قَلِيلًا أَوْ يَنْقُصُونَ، وَلَكِنْ أَمْهِلُونِي حَتَّى أَنْظُرَ أَلِلْقَوْمِ كَمِينٌ أَوْ مَدَدٌ؟ قَالَ: فَضَرَبَ فِي الْوَادِي حَتَّى أَبْعَدَ، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَرَجَعَ إلَيْهِمْ فَقَالَ: مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، وَلَكِنِّي قَدْ رَأَيْتُ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، الْبَلَايَا [2] تَحْمِلُ الْمَنَايَا، نَوَاضِحُ [3] يَثْرِبَ تَحْمِلُ الْمَوْتَ النَّاقِعَ [4] ، قَوْمٌ لَيْسَ مَعَهُمْ مَنَعَةٌ وَلَا مَلْجَأٌ إلَّا سُيُوفُهُمْ، وَاَللَّهِ مَا أَرَى أَنْ يُقْتَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، حَتَّى يَقْتُلَ رَجُلًا مِنْكُمْ، فَإِذَا أَصَابُوا مِنْكُمْ أَعْدَادَهُمْ فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَرُوا رَأْيَكُمْ. فَلَمَّا سَمِعَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ذَلِكَ مَشَى فِي النَّاسِ، فَأَتَى عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ، إنَّكَ كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيِّدُهَا، وَالْمُطَاعُ فِيهَا، هَلْ لَكَ إلَى أَنْ لَا تَزَالَ تُذْكَرُ فِيهَا بِخَيْرِ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ يَا حَكِيمُ؟ قَالَ: تَرْجِعُ بِالنَّاسِ، وَتَحْمِلُ أَمْرَ حَلِيفِكَ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، أَنْتَ عَلَيَّ بِذَلِكَ، إنَّمَا هُوَ حَلِيفِي، فَعَلَيَّ عَقْلُهُ وَمَا أُصِيبَ مِنْ مَالِهِ، فَأْتِ ابْنَ الْحَنْظَلِيَّةِ.

_ [1] الحزر: التَّقْدِير بالحدس وَالظَّن. [2] البلايا: جمع بلية، وَهِي النَّاقة أَو الدَّابَّة ترْبط على قبر الْمَيِّت فَلَا تعلف وَلَا تسقى حَتَّى تَمُوت،. وَكَانَ بعض الْعَرَب مِمَّن يقر بِالْبَعْثِ يَقُول: إِن صَاحبهَا يحْشر عَلَيْهَا. [3] النَّوَاضِح: الْإِبِل الَّتِي يستقى عَلَيْهَا المَاء. [4] الناقع: الثَّابِت الْبَالِغ فِي الإفناء.

(نسب الحنظلية) :

(نَسَبُ الْحَنْظَلِيَّةِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالْحَنْظَلِيَّةُ أُمُّ أَبِي جَهْلٍ، وَهِيَ أَسَمَاءُ بِنْتُ مُخَرَّبَةَ، أَحَدُ بَنِي نَهْشِلْ بْنِ دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ- فَإِنِّي لَا أَخْشَى أَنْ يَشْجُرَ [1] أَمْرَ النَّاسِ غَيْرُهُ، يَعْنِي أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَام. ثُمَّ قَامَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ خَطِيبًا، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنَّكُمْ وَاَللَّهِ مَا تَصْنَعُونَ بِأَنْ تَلَقَّوْا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ شَيْئًا، وَاَللَّهِ لَئِنْ أَصَبْتُمُوهُ لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَنْظُرُ فِي وَجْهِ رَجُلٍ يَكْرَهُ النَّظَرَ إلَيْهِ، قَتَلَ ابْنَ عَمِّهِ أَوْ ابْنَ خَالِهِ، أَوْ رَجُلًا مِنْ عَشِيرَتِهِ، فَارْجِعُوا وَخَلُّوا بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَبَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ، فَإِنْ أَصَابُوهُ فَذَاكَ الَّذِي أَرَدْتُمْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ أَلْفَاكُمْ وَلَمْ تَعَرَّضُوا مِنْهُ مَا تُرِيدُونَ. قَالَ حَكِيمٌ: فَانْطَلَقْتُ حَتَّى جِئْتُ أَبَا جَهْلٍ، فَوَجَدْتهُ قَدْ نَثَلَ [2] دِرْعًا لَهُ مِنْ جِرَابِهَا، فَهُوَ يُهَنِّئُهَا [3] . - (قَالَ ابْنُ هِشَامٍ) [4] : يُهَيِّئُهَا- فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الْحَكَمِ إنَّ عُتْبَةَ أَرْسَلَنِي إلَيْكَ بِكَذَا وَكَذَا، لِلَّذِي قَالَ، فَقَالَ: انْتَفَخَ وَاَللَّهِ سَحْرُهُ [5] حِينَ رَأَى مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، كَلَّا وَاَللَّهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، وَمَا بِعُتْبَةَ مَا قَالَ، وَلَكِنَّهُ قَدْ رَأَى أَنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ أَكَلَةُ جَزُورٍ، وَفِيهِمْ ابْنُهُ، فَقَدْ تَخَوَّفَكُمْ عَلَيْهِ. ثُمَّ بَعَثَ إلَى عَامِرِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَالَ: هَذَا حَلِيفُكَ يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنَّاسِ، وَقَدْ رَأَيْتَ ثَأْرَكَ بِعَيْنِكَ، فَقُمْ فَانْشُدْ خُفْرَتَكَ [6] ، وَمَقْتَلَ أَخِيكَ. فَقَامَ عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ فَاكْتَشَفَ ثمَّ صرخَ: وَا عمراه، وَا عمراه، فَحَمِيَتْ الْحَرْبُ، وَحَقِبَ [7] النَّاسُ، وَاسْتَوْسَقُوا [8] عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الشَّرِّ، وَأُفْسِدَ عَلَى النَّاسِ الرَّأْيُ الَّذِي دَعَاهُمْ إلَيْهِ عُتْبَةُ.

_ [1] يشجر أَمر النَّاس: أَي يحالف بَينهم، من المشاجرة، وَهِي الْمُخَالفَة والمخاصمة. [2] نثل: أخرج. [3] يهنئها: يطليها بعكر الزَّيْت. وَقَالَ أَبُو ذَر: «يهنئها: يتفقدها» . [4] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ. [5] انتفاخ السحر: كِنَايَة عَن الْجُبْن. [6] أنْشد خفرتك، أَي اطلب من قُرَيْش الْوَفَاء بخفرتهم لَك، أَي عَهدهم، لِأَنَّهُ كَانَ حليفا لَهُم وجارا. [7] حقب: اشْتَدَّ. [8] استوسقوا: اجْتَمعُوا.

(مقتل الأسود المخزومي) :

فَلَمَّا بَلَغَ عُتْبَةَ قَوْلُ أَبِي جَهْلٍ «انْتَفَخَ وَاَللَّهِ سَحْرُهُ» ، قَالَ: سَيَعْلَمُ مُصَفِّرُ اسْتِهِ [1] مَنْ انْتَفَخَ سَحْرُهُ، أَنَا أَمْ هُوَ؟. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: السَّحْرُ: الرِّئَةُ وَمَا حَوْلَهَا مِمَّا يَعْلَقُ بِالْحُلْقُومِ مِنْ فَوْقِ السُّرَّةِ. وَمَا كَانَ تَحْتَ السُّرَّةِ، فَهُوَ الْقُصْبُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ. ثُمَّ الْتَمَسَ عُتْبَةُ بَيْضَةً لِيُدْخِلَهَا فِي رَأْسِهِ، فَمَا وَجَدَ فِي الْجَيْشِ بَيْضَةً تَسَعُهُ مِنْ عِظَمِ هَامَتِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ اعْتَجَرَ [2] عَلَى رَأْسِهِ بِبُرْدٍ لَهُ. (مَقْتَلُ الْأَسْوَدِ الْمَخْزُومِيِّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ خَرَجَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيُّ، وَكَانَ رَجُلًا شَرِسًا سَيِّئَ الْخُلُقِ، فَقَالَ: أُعَاهِدُ اللَّهَ لَأَشْرَبَنَّ مِنْ حَوْضِهِمْ، أَوْ لَأَهْدِمَنَّهُ، أَوْ لَأَمُوتَنَّ دُونَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ، خَرَجَ إلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمَّا الْتَقَيَا ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَأَطَنَّ [3] قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ، وَهُوَ دُونَ الْحَوْضِ، فَوَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ تَشْخَبُ [4] رِجْلُهُ دَمًا نَحْوَ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ حَبَا إلَى الْحَوْضِ حَتَّى اقْتَحَمَ فِيهِ، يُرِيدُ

_ [1] قَالَ السهيليّ: «قَوْله: مصفر استه، كلمة لم يخترعها عتبَة وَلَا هُوَ بِأبي عذرتها، قد قيلت قبله يقالوس بن النُّعْمَان أَو لقابوس بن الْمُنْذر، لِأَنَّهُ كَانَ مرفها لَا يَغْزُو فِي الحروب، فَقيل لَهُ: مصفر استه، يُرِيدُونَ صفرَة الخلوق وَالطّيب. وَقد قَالَ هَذِه الْكَلِمَة قيس بن زُهَيْر فِي حُذَيْفَة يَوْم الهباءة. وَلم يقل أحد إِن حُذَيْفَة كَانَ مستوها، فَإِذا لَا يَصح قَول من قَالَ فِي أَبى جهل، من قَول عتبَة فِيهِ هَذِه الْكَلِمَة، إِنَّه كَانَ مستوها. وسَادَة الْعَرَب لَا تسْتَعْمل الخلوق وَالطّيب إِلَّا فِي الدعة والخفض، وتعيبه فِي الْحَرْب أَشد الْعَيْب. وأحسب أَن أَبَا جهل لما سلمت العير وَأَرَادَ أَن ينْحَر الجزر وَيشْرب الْخمر ببدر، وتعزف عَلَيْهِ القيان بهَا، اسْتعْمل الطّيب أَو هم بِهِ، فَلذَلِك قَالَ لَهُ عتبَة هَذِه الْمقَالة، أَلا ترى إِلَى قَول الشَّاعِر فِي بنى مَخْزُوم: وَمن جهل أَبُو جهل أخوكم ... غزا بَدْرًا بمجمرة وتور يُرِيد: أَنه تبخر وتطيب فِي الْحَرْب. وَقَوله «مصفر استه» إِنَّمَا أَرَادَ مصفر بدنه، وَلكنه قصد الْمُبَالغَة فِي الذَّم فَخص مِنْهُ بِالذكر مَا يسوء أَن تذكر» . [2] اعتجر: نعمم بِغَيْر تلح، أَي لم يَجْعَل تَحت لحيته مِنْهَا شَيْئا. [3] أطن: أطار. [4] تشخب: تسيل بِصَوْت.

(دعاء عتبة إلى المبارزة) :

- (زَعَمَ) [1]- أَنْ يُبِرَّ يَمِينَهُ، وَأَتْبَعَهُ حَمْزَةُ فَضَرَبَهُ حَتَّى قَتَلَهُ فِي الْحَوْضِ. (دُعَاءُ عُتْبَةَ إلَى الْمُبَارَزَةِ) : قَالَ: ثمَّ خرج بعده عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، بَيْنَ أَخِيهِ شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَابْنِهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، حَتَّى إذَا فَصَلَ مِنْ الصَّفِّ دَعَا إلَى الْمُبَارَزَةِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ فِتْيَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ثَلَاثَةٌ، وَهُمْ: عَوْفٌ، وَمُعَوِّذٌ، ابْنَا الْحَارِثِ- وَأُمُّهُمَا عَفْرَاءُ- وَرَجُلٌ آخَرُ، يُقَالُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: رَهْطٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالُوا: مَا لَنَا بِكُمْ مِنْ حَاجَةٍ. ثُمَّ نَادَى مُنَادِيهِمْ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْرِجْ إِلَيْنَا أكفاءنا عَن قَوْمِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنَ الْحَارِثِ، وَقُمْ يَا حَمْزَةُ، وَقُمْ يَا عَلِيُّ، فَلَمَّا قَامُوا وَدَنَوْا مِنْهُمْ، قَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالَ عُبَيْدَةُ: عُبَيْدَةُ، وَقَالَ حَمْزَةُ: حَمْزَةُ، وَقَالَ عَلِيٌّ: عَلِيٌّ، قَالُوا: نَعَمْ، أَكْفَاءٌ كِرَامٌ. فَبَارَزَ عُبَيْدَةُ، وَكَانَ أَسَنَّ الْقَوْمِ، عُتْبَةَ (بْنَ) [2] رَبِيعَةَ، وَبَارَزَ حَمْزَةُ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَبَارَزَ عَلِيٌّ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ. فَأَمَّا حَمْزَةُ فَلَمْ يُمْهِلْ شَيْبَةَ أَنْ قَتَلَهُ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَلَمْ يُمْهِلْ الْوَلِيدَ أَنْ قَتَلَهُ، وَاخْتَلَفَ عُبَيْدَةُ وَعُتْبَةُ بَيْنَهُمَا ضَرْبَتَيْنِ، كِلَاهُمَا أَثْبَتَ صَاحِبَهُ [3] ، وَكَرَّ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ بِأَسْيَافِهِمَا عَلَى عُتْبَةَ فَذَفَّفَا [4] عَلَيْهِ، وَاحْتَمَلَا صَاحِبَهُمَا فَحَازَاهُ إلَى أَصْحَابِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ قَالَ لِلْفِتْيَةِ مِمَّنْ الْأَنْصَارُ، حِينَ انْتَسَبُوا: أَكْفَاءٌ كِرَامٌ، إنَّمَا نُرِيدُ قَوْمَنَا. (الْتِقَاءُ الْفَرِيقَيْنِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ تَزَاحَفَ النَّاسُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ لَا يَحْمِلُوا حَتَّى يَأْمُرَهُمْ، وَقَالَ: إنْ اكْتَنَفَكُمْ الْقَوْمُ

_ [1] زِيَادَة عَن أ، ط. [2] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي م. [3] أثبت صَاحبه: جرحه جِرَاحَة لم يقم مَعهَا. [4] ذففا عَلَيْهِ: أَسْرعَا قَتله. 40- سيرة ابْن هِشَام- 1

(ابن غزية وضرب الرسول له في بطنه بالقدح) :

فَانْضَحُوهُمْ [1] عَنْكُمْ بِالنَّبْلِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَرِيشِ، مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ. فَكَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَبِيحَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: كَمَا حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ. (ابْنُ غَزِيَّةَ وَضَرْبُ الرَّسُولِ لَهُ فِي بَطْنِهِ بِالْقَدَحِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّلَ صُفُوفَ أَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَفِي يَدِهِ قِدْحٌ [2] يُعَدِّلُ بِهِ الْقَوْمَ، فَمَرَّ بِسَوَادِ بْنِ غَزِيَّةَ، حَلِيفِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [3] : يُقَالُ، سَوَّادٌ، مُثَقَّلَةٌ، وَسَوَادٌ فِي الْأَنْصَارِ غَيْرُ هَذَا، مُخَفَّفٌ [4]- وَهُوَ مُسْتَنْتِلٌ [5] مِنْ الصَّفِّ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: مُسْتَنْصِلٌ [6] مِنْ الصَّفِّ- فَطُعِنَ فِي بَطْنِهِ بِالْقِدْحِ، وَقَالَ: اسْتَوِ يَا سَوَّادُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْجَعْتنِي وَقَدْ بَعَثَكَ اللَّهُ بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ، قَالَ: فَأَقِدْنِي [7] . فَكَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَطْنِهِ، وَقَالَ: اسْتَقِدْ، قَالَ: فَاعْتَنَقَهُ فَقَبَّلَ بَطْنَهُ: فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا يَا سَوَّادُ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَضَرَ مَا تَرَى، فَأَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ الْعَهْدِ بِكَ أَنْ يَمَسَّ جِلْدِي جِلْدَكَ. فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْرِ، وَقَالَهُ لَهُ. (مُنَاشَدَةُ الرَّسُولِ رَبَّهُ النَّصْرَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ عَدَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّفُوفَ، وَرَجَعَ إلَى

_ [1] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «فانضخوهم» بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة. والنضح والنضخ بِمَعْنى. يُقَال: نضحه بِالنَّبلِ ونضخه، إِذا رَمَاه بِهِ. [2] الْقدح: السهْم. [3] هَذِه الْعبارَة المعترضة سَاقِطَة فِي أ. [4] قَالَ أَبُو ذَر: «وبالتخفيف قَيده الدارقطنيّ، وَعبد الْغنى» . [5] مستنتل: مُتَقَدم. [6] مستنصل: خَارج. [7] أقدنى، أَي اقْتصّ لي من نَفسك.

(مقتل مهجع وابن سراقة) :

الْعَرِيشِ فَدَخَلَهُ، وَمَعَهُ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، لَيْسَ مَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاشِدُ [1] رَبَّهُ مَا وَعَدَهُ مِنْ النَّصْرِ، وَيَقُولُ فِيمَا يَقُولُ: اللَّهمّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ الْيَوْمَ لَا تُعْبَدْ، وَأَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ: بَعْضَ مُنَاشَدَتِكَ رَبَّكَ، فَإِنَّ اللَّهَ مُنْجِّزٌ لَكَ مَا وَعَدَكَ. وَقَدْ خَفَقَ [2] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَفْقَةً وَهُوَ فِي الْعَرِيشِ، ثُمَّ انْتَبَهَ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ، أَتَاكَ نَصْرُ اللَّهِ. هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسٍ يَقُودُهُ، عَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ [3] . (مَقْتَلُ مِهْجَعٍ وَابْنِ سُرَاقَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ رُمِيَ مِهْجَعٌ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِسَهْمِ فَقُتِلَ، فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ رُمِيَ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ، أَحَدُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، وَهُوَ يَشْرَبُ مِنْ الْحَوْضِ، بِسَهْمِ فَأَصَابَ نَحْرَهُ، فَقُتِلَ. (تَحْرِيضُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْقِتَالِ) : قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى النَّاسِ فَحَرَّضَهُمْ، وَقَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يُقَاتِلُهُمْ الْيَوْمَ رَجُلٌ فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ، إلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ. فَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، وَفِي يَدِهِ تَمَرَاتٍ يَأْكُلُهُنَّ: بَخْ بَخْ [4] ، أَفَمَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ إلَّا أَنْ يَقْتُلَنِي هَؤُلَاءِ، ثُمَّ قَذَفَ التَّمَرَاتِ مِنْ يَدِهِ وَأَخَذَ سَيْفَهُ، فَقَاتَلَ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ عَوْفَ [5] بْنَ الْحَارِثِ، وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يُضْحِكُ [6] الرَّبَّ مِنْ عَبْدِهِ؟ قَالَ: غَمْسُهُ

_ [1] يناشد ربه: يسْأَله ويرغب إِلَيْهِ. [2] خَفق: نَام نوما يَسِيرا. [3] النَّقْع: الْغُبَار. [4] بخ (بِكَسْر الْخَاء وإسكانها) كلمة تقال فِي مَوضِع الْإِعْجَاب. [5] وَقد قيل فِي «عَوْف» : عوذ (بِالذَّالِ المنقوطة) . ويقوى هَذَا القَوْل أَن أَخَوَيْهِ معَاذ ومعوذ. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [6] يضْحك الرب، أَي يرضيه غَايَة الرِّضَا.

(استفتاح أبى جهل بالدعاء) :

يَدَهُ فِي الْعَدُوِّ حَاسِرًا. فَنَزَعَ دِرْعًا كَانَتْ عَلَيْهِ فَقَذَفَهَا، ثُمَّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَقَاتَلَ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ. (اسْتِفْتَاحُ أَبِي جَهْلٍ بِالدُّعَاءِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيِّ، حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ لَمَّا الْتَقَى النَّاسُ، وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، قَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ: اللَّهمّ أَقْطَعَنَا لِلرَّحِمِ، وَآتَانَا بِمَا لَا يُعْرَفُ، فَأَحِنْهُ [1] الْغَدَاةَ. فَكَانَ هُوَ الْمُسْتَفْتِحَ [2] . (رَمْيُ الرَّسُولِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْحَصْبَاءِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ الْحَصْبَاءِ فَاسْتَقْبَلَ قُرَيْشًا بِهَا، ثُمَّ قَالَ: شَاهَتْ الْوُجُوهُ، ثُمَّ نَفَحَهُمْ بِهَا، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: شِدُّوا، فَكَانَتْ الْهَزِيمَةُ، فَقَتَلَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ قُتِلَ مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، وَأَسَرَ مَنْ أَسَرَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ. فَلَمَّا وَضَعَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ يَأْسِرُونَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَرِيشِ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ قَائِمٌ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ، الَّذِي فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُتَوَشِّحَ السَّيْفِ، فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يَحْرُسُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَخَافُونَ عَلَيْهِ كَرَّةَ الْعَدُوِّ، وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا ذُكِرَ لِي- فِي وَجْهِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْكَرَاهِيَةَ لِمَا يَصْنَعُ النَّاسَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاَللَّهِ لَكَأَنَّكَ [3] يَا سَعْدُ تَكْرَهُ مَا يَصْنَعُ الْقَوْمَ، قَالَ: أَجَلْ وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَتْ أَوَّلَ وَقْعَةٍ أَوْقَعَهَا (اللَّهُ) [4] بِأَهْلِ الشِّرْكِ. فَكَانَ الْإِثْخَانُ فِي الْقَتْلِ بِأَهْلِ الشِّرْكِ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ اسْتِبْقَاءِ الرِّجَالِ. (نَهْيُ النَّبِيِّ أَصْحَابَهُ عَنْ قَتْلِ نَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ،

_ [1] أحنه: أهلكه. [2] المستفتح: الْحَاكِم على نَفسه بِهَذَا الدُّعَاء. [3] فِي أ: «لكأنّي بك» . [4] زِيَادَة عَن أ، ط.

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَئِذٍ: إنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ رِجَالًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ قَدْ أَخْرَجُوا كُرْهًا، لَا حَاجَةَ لَهُمْ بِقِتَالِنَا، فَمَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَلَا يَقْتُلْهُ، وَمَنْ لَقِيَ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ ابْنِ أَسَدٍ فَلَا يَقْتُلْهُ، وَمَنْ لَقِيَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَقْتُلْهُ، فَإِنَّهُ إنَّمَا أُخْرِجَ مُسْتَكْرَهًا. قَالَ: فَقَالَ أَبُو حُذَيْفَةَ: أَنَقْتُلُ آبَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَإِخْوَتَنَا [1] وَعَشِيرَتَنَا. وَنَتْرُكُ الْعَبَّاسَ، وَاَللَّهِ لَئِنْ لَقِيتُهُ لَأُلْحِمَنَّهُ [2] السَّيْفَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: لَأُلْجِمَنَّهُ [3] (السَّيْفَ) [4]- قَالَ: فَبَلَغَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ: يَا أَبَا حَفْصٍ- قَالَ عُمَرُ: وَاَللَّهِ إنَّهُ لَأَوَّلُ يَوْمٍ كَنَّانِي فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي حَفْصٍ- أَيُضْرَبُ وَجْهُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقه بِالسَّيْفِ، فو الله لَقَدْ نَافَقَ. فَكَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ يَقُولُ: مَا أَنَا بِآمِنٍ مِنْ تِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي قُلْتُ يَوْمَئِذٍ، وَلَا أَزَالُ مِنْهَا خَائِفًا، إلَّا أَنْ تُكَفِّرَهَا عَنِّي الشَّهَادَةُ. فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [5] : وَإِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ لِأَنَّهُ كَانَ أَكَفَّ الْقَوْمِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ لَا يُؤْذِيهِ، وَلَا يَبْلُغُهُ عَنْهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ، وَكَانَ مِمَّنْ قَامَ فِي نَقْضِ الصَّحِيفَةِ الَّتِي كَتَبَتْ قُرَيْشٌ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِيَّ الْمُطَّلِبِ. فَلَقِيَهُ الْمُجَذَّرُ بْنُ ذِيَادٍ الْبَلَوِيُّ، حَلِيفُ الْأَنْصَارِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ الْمُجَذَّرُ لِأَبِي الْبَخْتَرِيِّ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَانَا عَنْ قَتْلِكَ- وَمَعَ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ زَمِيلٌ [6] لَهُ، قَدْ خَرَجَ مَعَهُ مِنْ مَكَّةَ، وَهُوَ جُنَادَةُ بْنُ مُلَيْحَةَ بِنْتِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ،

_ [1] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «إِخْوَاننَا» . [2] لألحمنه: أَي لأطعنن لَحْمه بِالسَّيْفِ، ولأخالطنه بِهِ. [3] لألجمنه: أَي لأضربنه بِهِ فِي وَجهه. [4] زِيَادَة عَن أ، ط. [5] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ ابْن هِشَام» . [6] الزميل: الّذي يركب مَعَه على بعير وَاحِد.

وَجُنَادَةُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ. وَاسْمُ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ: الْعَاصِ- قَالَ: وَزَمِيلِي؟ فَقَالَ لَهُ الْمُجَذَّرُ: لَا وَاَللَّهِ، مَا نَحْنُ بِتَارِكِي زَمِيلِكَ، مَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بِكَ وَحْدَكَ، فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ، إذَنْ لَأَمُوتَنَّ أَنَا وَهُوَ جَمِيعًا، لَا تَتَحَدَّثُ عَنِّي نِسَاءُ مَكَّةَ أَنِّي تَرَكْتُ زَمِيلِي حِرْصًا عَلَى الْحَيَاةِ. فَقَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ حِينَ نَازَلَهُ الْمُجَذَّرُ وَأَبَى إلَّا الْقِتَالَ، يَرْتَجِزُ: لَنْ يُسْلِمَ ابْنُ حُرَّةَ زَمِيلَهُ ... حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَرَى سَبِيلَهُ فَاقْتَتَلَا، فَقَتَلَهُ الْمُجَذَّرُ بْنُ ذِيَادٍ. وَقَالَ الْمُجَذَّرُ بْنُ ذِيَادٍ [1] فِي قَتْلِهِ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ: إمَّا جَهِلْتَ أَوْ نَسِيتَ نَسَبِي ... فَأَثْبِتْ النِّسْبَةَ أَنِّي مَنْ بَلِيَ الطَّاعِنِينَ بِرِمَاحِ الْيَزْنِيِّ ... وَالضَّارِبِينَ الْكَبْشَ حَتَّى يَنْحَنِيَ [2] بَشِّرْ بِيُتْمِ مَنْ أَبُوهُ الْبَخْتَرِيِّ ... أَوْ بَشِّرْنَ بِمِثْلِهَا مِنِّي بَنِي أَنَا الَّذِي يُقَالُ أَصْلِي مَنْ بَلِيَ ... أَطْعَنُ بِالصَّعْدَةِ حَتَّى تَنْثَنِيَ [3] وَأَعْبِطْ الْقِرْنَ بِعَضْبِ مَشْرَفِيِّ ... أُرْزِمُ لِلْمَوْتِ كَإِرْزَامِ الْمَرِيِّ [4] فَلَا تَرَى مُجَذَّرًا يَفْرِي فَرِيِّ [5] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: «الْمَرِيُّ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. وَالْمَرِيُّ [6] : النَّاقَةُ الَّتِي يُسْتَنْزَلُ لَبَنُهَا عَلَى عُسْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ الْمُجَذَّرَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ جَهَدْتُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْسِرَ فَآتِيكَ بِهِ، (فَأَبَى) [7] إلَّا أَنْ يُقَاتِلَنِي، فَقَاتَلْتُهُ فَقَتَلْتُهُ.

_ [1] زَادَت (أ) بعد هَذِه الْكَلِمَة: «وَيُقَال: المجذر بن ذئاب» . [2] برماح منسوبة إِلَى ذِي يزن، وَهُوَ ملك من مُلُوك الْيمن. والكبش: رَئِيس الْقَوْم. [3] الصعدة: عَصا الرمْح، ثمَّ سمى الرمْح: صعدة. [4] أعبط: أقتل. والقرن: المقاوم فِي الْحَرْب. والعضب: السَّيْف الْقَاطِع. والمشرفي: مَنْسُوب إِلَى المشارف، وَهِي قرى بِالشَّام. وأرزم: أحن والإرزام: رُغَاء النَّاقة بجنان. [5] يُقَال: فرى يفرى فريا، إِذا أَتَى بِأَمْر عَجِيب. [6] وَقيل المري: النَّاقة الغزيرة اللَّبن. [7] زِيَادَة عَن أ، ط.

(مقتل أمية بن خلف) :

قَالَ ابْنَ هِشَامٌ: أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: الْعَاصِ بْنُ هِشَامِ [1] بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ. (مَقْتَلُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِيهِ أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرُهُمَا، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: كَانَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ لِي صَدِيقًا بِمَكَّةَ، وَكَانَ اسْمِي عَبْدَ عَمْرٍو، فَتَسَمَّيْتُ، حِينَ أَسْلَمْتُ، عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَنَحْنُ بِمَكَّةَ، فَكَانَ يَلْقَانِي إذْ نَحْنُ بِمَكَّةَ فَيَقُولُ: يَا عَبْدَ عَمْرٍو، أَرَغِبْتَ عَنْ اسْمٍ سَمَّاكَهُ أَبَوَاكَ؟ فَأَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: فَإِنِّي لَا أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ، فَاجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَيْئًا أَدْعُوكَ بِهِ، أَمَّا أَنْتَ فَلَا تُجِيبُنِي بِاسْمِكَ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا أَنَا فَلَا أَدْعُوكَ بِمَا لَا أَعْرِفُ، قَالَ: فَكَانَ إذَا دَعَانِي: يَا عَبْدَ عَمْرٍو، لَمْ أُجِبْهُ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَلِيٍّ، اجْعَلْ مَا شِئْتَ، قَالَ: فَأَنْتَ عَبْدُ الْإِلَهِ، قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَكُنْتُ إذَا مَرَرْتُ بِهِ قَالَ: يَا عَبْدَ الْإِلَهِ فَأُجِيبُهُ، فَأَتَحَدَّثُ مَعَهُ. حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ، مَرَرْتُ بِهِ وَهُوَ وَاقِفٌ مَعَ ابْنِهِ، عَلِيُّ بْنُ أُمَيَّةَ، آخُذُ بِيَدِهِ، وَمَعِي أَدْرَاعٌ [2] ، قَدْ اسْتَلَبْتُهَا، فَأَنَا أَحْمِلُهَا. فَلَمَّا رَآنِي قَالَ لِي: يَا عَبْدَ عَمْرٍو، فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ الْإِلَهِ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ لَكَ فِيَّ، فَأَنَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ هَذِهِ الْأَدْرَاعِ الَّتِي مَعَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، هَا اللَّهِ ذَا [3] . قَالَ: فَطَرَحْتُ الْأَدْرَاعَ مِنْ يَدِي، وَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَيَدِ ابْنِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ، أَمَا لَكُمْ حَاجَةٌ فِي اللَّبَنِ؟ (قَالَ) [4] : ثُمَّ خَرَجْتُ أَمْشِي بِهِمَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُرِيدُ بِاللَّبَنِ، أَنَّ مَنْ أَسَرَنِي افْتَدَيْتُ مِنْهُ بِإِبِلِ كَثِيرَةِ اللَّبَنِ.

_ [1] فِي أ: «هَاشم» . [2] فِي م، ر: «أَدْرَاع لي» . [3] كَذَا فِي شرح السِّيرَة وَالرَّوْض. قَالَ السهيليّ: «هَا: تَنْبِيه. وَذَا: إِشَارَة إِلَى نَفسه وَقَالَ: بَعضهم إِلَى الْقسم، أَي هَذَا قسمي. وأراها إِشَارَة إِلَى الْمقسم، وخفض اسْم الله بِحرف الْقسم أضمره وَقَامَ التَّنْبِيه مقَامه، كَمَا يقوم الِاسْتِفْهَام مقَامه، فَكَأَنَّهُ قَالَ: هَا أَنا ذَا مقسم. وَفصل بِالِاسْمِ الْمقسم بِهِ بَين (هَا) و (ذَا) فَعلم أَنه هُوَ الْمقسم، فاستغنى عَن أَنا. وَكَذَلِكَ قَول أَبى بكر: لَا هَا الله ذَا، وَقَول زُهَيْر: تعلمن هَا لعَمْرو الله ذَا قسما أكد بِالْمَصْدَرِ قسمه الّذي دلّ عَلَيْهِ لَفظه الْمُتَقَدّم» . [4] زِيَادَة عَن أ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ سَعْدِ [1] بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ [2] عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: قَالَ لِي أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَأَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ، آخِذٌ بِأَيْدِيهِمَا: يَا عَبْدَ الْإِلَهِ، مَنْ الرَّجُلُ مِنْكُمْ الْمُعْلَمُ بِرِيشَةِ نَعَامَةٍ فِي صَدْرِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: ذَاكَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: ذَاكَ الَّذِي فَعَلَ بِنَا الْأَفَاعِيلَ، قَالَ عبد الرَّحْمَن: فو الله إنِّي لَأَقُودُهُمَا إذْ رَآهُ بِلَالٌ مِعَى- وَكَانَ هُوَ الَّذِي يُعَذِّبُ بِلَالًا بِمَكَّةَ عَلَى تَرْكِ الْإِسْلَامِ، فَيُخْرِجُهُ إلَى رَمْضَاءَ [3] مَكَّةَ إذَا حَمَيْتُ، فَيُضْجِعُهُ عَلَى ظَهْرِهِ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِالصَّخْرَةِ الْعَظِيمَةِ فَتُوضَعُ عَلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: لَا تَزَالُ هَكَذَا أَوْ تُفَارِقَ دِينَ مُحَمَّدٍ، فَيَقُولُ بِلَالٌ: أَحَدٌ أَحَدٌ. قَالَ: فَلَمَّا رَآهُ، قَالَ: رَأْسُ الْكُفْرِ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَا [4] . قَالَ: قُلْتُ: أَيْ بِلَالٌ، أَبِأَسِيرَيَّ. [5] قَالَ: لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَا. قَالَ: قُلْتُ: أَتَسْمَعُ يَا بن السَّوْدَاءِ، قَالَ: لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَا. قَالَ: ثُمَّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا أَنْصَارَ اللَّهِ، رَأْسُ الْكُفْرِ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَا. قَالَ: فَأَحَاطُوا بِنَا حَتَّى جَعَلُونَا فِي مِثْلِ الْمُسْكَةِ [6] وَأَنَا أَذُبُّ عَنْهُ. قَالَ: فَأَخْلَفَ [7] رَجُلٌ السَّيْفَ، فَضَرَبَ رِجْلَ ابْنِهِ فَوَقَعَ، وَصَاحَ أُمَيَّةُ صَيْحَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ. قَالَ: فَقُلْتُ: اُنْجُ بِنَفْسِكَ، وَلَا نجاء بك [8] فو الله مَا أُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا. قَالَ: فَهَبِرُوهُمَا [9] بِأَسْيَافِهِمْ، حَتَّى فَرَغُوا مِنْهُمَا. قَالَ: فَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: يَرْحَمُ اللَّهُ بِلَالًا، ذَهَبَتْ أَدْرَاعِي وَفَجَعَنِي بِأَسِيرَيَّ.

_ [1] فِي أ: «سعيد» . وَهُوَ تَحْرِيف. (رَاجع تَهْذِيب التَّهْذِيب وتراجم رجال) . [2] فِي الْأُصُول: «عَن عبد الرَّحْمَن» . وَظَاهر أَن كلمة «عَن» مقحمة. [3] الرمضاء: الرمل الْحَار من الشَّمْس. [4] فِي أ، ط: «لَا نجوت إِن نجوت» بِضَم التَّاء الأولى وَفتح الثَّانِيَة. [5] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أسيرى» . [6] فِي مثل المسكة، أَي جعلونا فِي حَلقَة كالسوار وَأَحْدَقُوا بِنَا. [7] يُقَال: أخلف الرجل السَّيْف: إِذا سَله من غمده. [8] فِي أ: «بِهِ» . [9] هبروهما: قطعوهما.

(شهود الملائكة وقعة بدر) :

(شُهُودُ الْمَلَائِكَةِ وَقْعَةَ بَدْرٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ حُدِّثَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، قَالَ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَابْنُ عَمٍّ لِي حَتَّى أَصْعَدْنَا فِي جَبَلٍ يُشْرِفُ بِنَا عَلَى بَدْرٍ، وَنَحْنُ مُشْرِكَانِ، نَنْتَظِرُ الْوَقْعَةَ عَلَى مَنْ تَكُونُ الدَّبْرَةُ [1] ، فَنَنْتَهِبُ مَعَ مَنْ يَنْتَهِبُ. قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ فِي الْجَبَلِ، إذْ دَنَتْ مِنَّا سَحَابَةٌ، فَسَمِعْنَا فِيهَا حَمْحَمَةَ الْخَيْلِ، فَسَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ: أَقَدِمَ حَيْزُومُ [2] ، فَأَمَّا ابْنُ عَمِّي فَانْكَشَفَ قِنَاعُ قَلْبِهِ، فَمَاتَ مَكَانَهُ، وَأَمَّا أَنَا فَكِدْتُ أَهْلَكَ، ثُمَّ تَمَاسَكْتُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ بَعْضِ بَنِي سَاعِدَةَ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، قَالَ، بَعْدَ أَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ: لَوْ كُنْتُ الْيَوْمَ بِبَدْرِ وَمَعِي بَصَرِي لَأَرَيْتُكُمْ الشِّعْبَ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ، لَا أَشُكُّ فِيهِ وَلَا أَتَمَارَى. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ [3] الْمَازِنِيِّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، قَالَ: إنِّي لَأَتَّبِعُ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ لِأَضْرِبَهُ، إذْ وَقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ سَيْفِي، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَدْ قَتَلَهُ غَيْرِي. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتْ سِيمَا الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ عَمَائِمَ بِيضًا قَدْ أَرْسَلُوهَا عَلَى ظُهُورِهِمْ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ عَمَائِمَ حُمْرًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْعَمَائِمُ: تِيجَانُ الْعَرَبِ، وَكَانَتْ سِيمَا الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ عَمَائِمَ بِيضًا قَدْ أَرْخَوْهَا عَلَى ظُهُورِهِمْ، إلَّا جِبْرِيلُ فَإِنَّهُ كَانَتْ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ صَفْرَاءُ.

_ [1] الدبرة: الدائرة. [2] قَالَ أَبُو ذَر: «قَالَ ابْن سراج: أقدم: كلمة تزجر بهَا الْخَيل. وحيزوم: اسْم فرس جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام. وَيُقَال: فِيهِ جيزون» . [3] اسْم أَبى دَاوُد هَذَا: عَمْرو، وَقيل: عُمَيْر بن عَامر، (رَاجع الرَّوْض) .

(مقتل أبى جهل) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَلَمْ تُقَاتِلْ الْمَلَائِكَةُ فِي يَوْمٍ سِوَى بَدْرٍ مِنْ الْأَيَّامِ، وَكَانُوا يَكُونُونَ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْأَيَّامِ عَدَدًا وَمَدَدًا لَا يَضْرِبُونَ. (مَقْتَلُ أَبِي جَهْلٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَقْبَلَ أَبُو جَهْلٍ يَوْمَئِذٍ يَرْتَجِزُ، وَهُوَ يُقَاتِلُ وَيَقُولُ: مَا تَنْقِمُ الْحَرْبُ الْعَوَانُ مِنِّي ... بَازِلُ عَامَيْنِ حَدِيثٌ سنى [1] لِمِثْلِ هَذَا وَلَدَتْنِي أُمِّي [2] (شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ بِبَدْرِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ شِعَارُ [3] أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ: أَحَدٌ أَحَدٌ. (عَوْدٌ إلَى مَقْتَلِ أَبِي جَهْلٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَدُوِّهِ، أَمَرَ بِأَبِي جَهْلٍ أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى. وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيَ أَبَا جَهْلٍ، كَمَا حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَيْضًا قَدْ حَدَّثَنِي ذَلِكَ، قَالَا: قَالَ مُعَاذُ ابْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ: سَمِعْتُ الْقَوْمَ وَأَبُو جَهْلٍ فِي مِثْلِ الْحَرَجَةِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْحَرَجَةُ: الشَّجَرُ الْمُلْتَفُّ. وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ سَأَلَ أَعْرَابِيًّا عَنْ الْحَرَجَةِ، فَقَالَ: هِيَ شَجَرَةٌ مِنْ [4] الْأَشْجَارِ لَا يُوصَلُ إلَيْهَا- وَهُمْ يَقُولُونَ: أَبُو الْحَكَمِ لَا يُخْلَصُ إلَيْهِ. قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُهَا جَعَلْتُهُ مِنْ شَأْنِي، فَصَمَدْتُ [5] نَحْوَهُ، فَلَمَّا أَمْكَنَنِي حَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً أَطَنَّتْ [6] قَدَمَهُ

_ [1] الْحَرْب الْعوَان: الَّتِي قوتل فِيهَا مرّة، فَهِيَ لذَلِك أَشد الحروب. والبازل من الْإِبِل: الّذي خرج نابه، وَهُوَ فِي ذَلِك السن تكمل قوته. [2] قَالَ أَبُو ذَر: «وَيُقَال: هَذَا الرجز لَيْسَ لأبى جهل وَإِنَّمَا تمثل بِهِ» . [3] الشعار: الْعَلَاء. [4] فِي أ: (بَين) . [5] صمدت: قصدت. [6] أطنت قدمه: أطارتها.

بِنصْف سَاقه، فو الله مَا شَبَّهْتهَا حِينَ طَاحَتْ إلَّا بِالنَّوَاةِ تُطِيحُ [1] مِنْ تَحْتِ مِرْضَخَةِ [2] النَّوَى حِينَ يُضْرَبُ بِهَا. قَالَ: وَضَرَبَنِي ابْنُهُ عِكْرِمَةُ عَلَى عَاتِقِي، فَطَرَحَ يَدِي، فَتَعَلَّقَتْ بِجَلْدَةٍ مِنْ جَنْبِي، وَأَجْهَضَنِي [3] الْقِتَالُ عَنْهُ، فَلَقَدْ قَاتَلْتُ عَامَّةَ يَوْمِي، وَإِنِّي لَأَسْحَبُهَا خَلْفِي، فَلَمَّا آذَتْنِي وَضَعْتُ عَلَيْهَا قَدَمِي، ثُمَّ تَمَطَّيْتُ بِهَا عَلَيْهَا حَتَّى طَرَحْتُهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [4] : ثُمَّ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ. ثُمَّ مَرَّ بِأَبِي جَهْلٍ وَهُوَ عَقِيرٌ، مُعَوِّذُ بْنُ عَفْرَاءَ، فَضَرَبَهُ حَتَّى أَثْبَتَهُ، فَتَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ. وَقَاتَلَ مُعَوِّذٌ [5] حَتَّى قُتِلَ، فَمَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِأَبِي جَهْلٍ، حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى، وَقَدْ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي- اُنْظُرُوا، إنْ خَفِيَ عَلَيْكُمْ فِي الْقَتْلَى، إلَى أَثَرِ جُرْحٍ فِي رُكْبَتِهِ، فَإِنِّي ازْدَحَمْتُ يَوْمًا أَنَا وَهُوَ عَلَى مَأْدُبَةٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ، وَنَحْنُ غُلَامَانِ، وَكُنْتُ أَشَفَّ مِنْهُ بِيَسِيرٍ، فَدَفَعْتُهُ فَوَقَعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَجُحِشَ [6] فِي إحْدَاهُمَا جَحْشًا لَمْ يَزَلْ أَثَرُهُ بِهِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: فَوَجَدْتُهُ بِآخِرِ رَمَقٍ فَعَرَفْتُهُ، فَوَضَعْتُ رِجْلِي عَلَى عُنُقِهِ- قَالَ: وَقَدْ كَانَ ضَبَثَ بِي مَرَّةً بِمَكَّةَ، فَآذَانِي وَلَكَزَنِي، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: هَلْ أَخْزَاكَ اللَّهُ يَا عَدُوَّ الله؟ قَالَ: وَبِمَاذَا أَخْزَانِي، أَعْمَدُ

_ [1] تطيح: تذْهب. [2] المرضخة: الَّتِي يدق بهَا النَّوَى للعلف. [3] أجهضنى: غلبني وَاشْتَدَّ على. [4] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ ابْن هِشَام» . [5] قَالَ السهيليّ: « ... وَذكر الغلامين اللَّذين قتلا أَبَا جهل، وأنهما معَاذ بن عَمْرو بن الجموح ومعوذ بن عفراء. وَفِي صَحِيح مُسلم أَنَّهُمَا معَاذ بن عفراء ومعاذ بن عَمْرو بن الجموح. وعفراء هِيَ بنت عبيد ابْن ثَعْلَبَة بن عبيد بن ثَعْلَبَة بن غنم بن مَالك بن النجار، عرف بهَا بَنو عفراء. وأبوهم الْحَارِث بن رِفَاعَة ابْن سَواد، على اخْتِلَاف فِي ذَلِك، وَرِوَايَة ابْن إِدْرِيس عَن ابْن إِسْحَاق، كَمَا فِي كتاب مُسلم: قَالَ أَبُو عَمْرو وَأَصَح من هَذَا كُله حَدِيث أنس حِين قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من يأتينى بِخَبَر أَبى جهل؟ (الحَدِيث) وَفِيه: أَن ابْني عفراء قتلاه» . [6] جحش: خدش.

مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ [1] ، أَخْبِرْنِي لِمَنْ الدَّائِرَةُ الْيَوْمَ؟ قَالَ: قُلْتُ: للَّه وَلِرَسُولِهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ضَبَثَ: قَبَضَ عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ. قَالَ ضَابِئُ بْنُ الْحَارِثِ الْبُرْجُمِيُّ [2] فَأَصْبَحْتُ مِمَّا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ... مِنْ الْوُدِّ مِثْلَ الضَّابِثِ الْمَاءَ بِالْيَدِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: أَعَارٌ عَلَى رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ، أَخْبِرْنِي لِمَنْ الدَّائِرَةُ [3] الْيَوْمَ؟ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَعَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: قَالَ لِي: لَقَدْ ارْتَقَيْتَ مُرْتَقًى صَعْبًا يَا رُوَيْعِي الْغَنَمِ قَالَ: ثمَّ احتززت رَأْسَهُ ثُمَّ جِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا رَأْسُ عَدُوِّ اللَّهِ أَبِي جَهْلٍ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آللَّه [4] الَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ- قَالَ: وَكَانَتْ يَمِينَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: قُلْتُ نَعَمْ، وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ، ثُمَّ أَلْقَيْتُ رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي: أَنَّ عُمَرَ ابْن الْخَطَّابِ قَالَ لِسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَمَرَّ بِهِ: إنِّي أَرَاكَ كَأَنَّ فِي نَفْسِكَ شَيْئًا، أَرَاكَ تَظُنُّ أَنِّي قَتَلْتُ أَبَاكَ، إنِّي لَوْ قَتَلْتُهُ لَمْ أَعْتَذِرْ إلَيْكَ مِنْ قَتْلِهِ، وَلَكِنِّي قَتَلْتُ

_ [1] وَيُقَال: «أعمد من رجل قَتله قومه» . قَالَ السهيليّ: «أَي هَل فَوق رجل قَتله قومه. وَهُوَ معنى تَفْسِير ابْن هِشَام حَيْثُ قَالَ: أَي لَيْسَ عَلَيْهِ عَار. وَالْأول تَفْسِير أَبى عُبَيْدَة فِي غَرِيب الحَدِيث. وَقد ذكر شَاهدا عَلَيْهِ: وأعمد من قوم كفاهم أخوهم ... صدام الأعادي حِين فَلت نيوبها قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي من قَوْلهم: عمد الْبَعِير يعمد، إِذا تفسخ سنامه فَهَلَك: أَي أهلك من رجل قَتله قومه. وَقَالَ أَبُو ذَر: «يُرِيد: أكبر من رجل قَتَلْتُمُوهُ، على سَبِيل التحقير مِنْهُ لفعلهم بِهِ» . [2] وزادت م: «قبيل من تَمِيم» ، يُرِيد أَن البرجمي مَنْسُوب إِلَى البراجم وهم أَحيَاء من بنى تَمِيم. [3] فِي أ: «لمن الدبرة» . [4] قَالَ السهيليّ: «آللَّه الّذي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، هُوَ بالخفض عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَغَيره، لِأَن الِاسْتِفْهَام عوض من الْخَافِض عِنْده، وَإِذا كنت مخبرا قلت: الله. بِالنّصب، لَا يُجِيز الْمبرد غَيره، وَأَجَازَ سِيبَوَيْهٍ الْخَفْض أَيْضا، لِأَنَّهُ قسم، وَقد عرف أَن الْمقسم بِهِ مخفوض بِالْبَاء أَو بِالْوَاو، وَلَا يجوز إِضْمَار حُرُوف الْجَرّ إِلَّا فِي مثل هَذَا الْموضع، أَو مَا كثر اسْتِعْمَاله جدا، كَمَا روى أَن رؤبة كَانَ يَقُول: إِذا قيل لَهُ كَيفَ أَصبَحت: خير، عافاك الله» .

(قصة سيف عكاشة) :

خَالِي الْعَاصِ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَأَمَّا أَبُوكَ فَإِنِّي مَرَرْتُ (بِهِ) [1] وَهُوَ يَبْحَثُ بَحْثَ الثَّوْرِ بِرَوْقِهِ [2] فَحُدْتُ [3] عَنْهُ، وَقَصَدَ لَهُ ابْنُ عَمِّهِ عَلِيٌّ فَقَتَلَهُ. (قِصَّةُ سَيْفِ عُكَّاشَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَاتَلَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ الْأَسَدِيُّ، حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، يَوْمَ بَدْرٍ بِسَيْفِهِ حَتَّى انْقَطَعَ فِي يَدِهِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُ جِذْلًا [4] مِنْ حَطَبٍ، فَقَالَ: قَاتِلْ بِهَذَا يَا عُكَّاشَةُ فَلَمَّا أَخَذَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَزَّهُ، فَعَادَ سَيْفًا فِي يَدِهِ طَوِيلَ الْقَامَةِ، شَدِيدَ الْمَتْنِ، أَبْيَضَ الْحَدِيدَةِ، فَقَاتَلَ بِهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ ذَلِكَ السَّيْفُ يُسَمَّى: الْعَوْنَ. ثُمَّ لَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ يَشْهَدُ بِهِ الْمَشَاهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُتِلَ فِي الرَّدَّةِ، وَهُوَ عِنْدَهُ، قَتَلَهُ طُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الْأَسَدِيُّ، فَقَالَ طُلَيْحَةُ فِي ذَلِكَ: فَمَا ظَنُّكُمْ بِالْقَوْمِ إذْ تَقْتُلُونَهُمْ ... أَلَيْسُوا وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا بِرِجَالِ فَإِنْ تَكُ أَذَاوُدٌ أُصِبْنَ وَنِسْوَةٌ ... فَلَنْ تَذْهَبُوا فِرْغًا بِقَتْلِ حِبَالِ [5] نَصَبْتُ لَهُمْ صَدْرَ الْحِمَالَةِ [6] إنَّهَا ... مُعَاوِدَةٌ قِيلَ [7] الْكُمَاةُ نَزَالُ [8] فَيَوْمًا تَرَاهَا فِي الْجِلَالِ مَصُونَةً ... وَيَوْمًا تَرَاهَا غَيْرَ ذَاتِ جِلَالِ [9] عَشِيَّةَ غَادَرْتُ ابْنَ أَقْرَمَ ثَاوِيًا ... وَعُكَّاشَةُ الْغَنْمِيُّ عِنْدَ حِجَالِ [10]

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] الروق: الْقرن. [3] حدت: عدلت. [4] الجذل: أصل الشَّجَرَة. [5] الأذواد: جمع ذود، وَهُوَ مَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْرَة من الْإِبِل. وَالْفَرغ: أَن يطلّ الدَّم وَلَا يطْلب بثأره. وحبال: هُوَ ابْن أخى طليحة لَا ابْنه كَمَا قَالَ ابْن هِشَام بعد، وَهُوَ حبال بن مسلمة بن خويلد، ومسلمة أَبوهُ، هُوَ الّذي قتل عكاشة، اعتنقه مسلمة، وضربه طليحة على فرس يُقَال لَهُ: اللزام. [6] كَذَا فِي أ، ط. وَهِي اسْم فرس طليحة، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الجالة» . وَهُوَ تَحْرِيف. [7] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قتل» . [8] الكماة: الشجعان، واحدهم: كمي، ونزال: اسْم فعل أَمر بِمَعْنى انْزِلْ. [9] الْجلَال: جمع جلّ. والجل للدابة: كَالثَّوْبِ للْإنْسَان تصان بِهِ. [10] ثاويا: مُقيما.

(حديث بين أبى بكر وابنه عبد الرحمن يوم بدر) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حِبَالُ: ابْنُ طُلَيْحَةَ [1] بْنِ خُوَيْلِدٍ. وَابْنُ أَقْرَمَ: ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ الْأَنْصَارِيُّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُكَّاشَةُ بْنُ مُحْصَنٍ الَّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اُدْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: إنَّكَ مِنْهُمْ، أَوْ اللَّهمّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اُدْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ وَبَرَدَتْ الدَّعْوَةُ [2] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا بَلَغَنَا عَنْ أَهْلِهِ: مِنَّا خَيْرُ فَارِسٍ فِي الْعَرَبِ، قَالُوا: وَمَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ الْأَسَدِيُّ: ذَاكَ رَجُلٌ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لَيْسَ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُ مِنَّا لِلْحِلْفِ. (حَدِيثٌ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَوْمَ بَدْرٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَنَادَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: أَيْنَ مَالِي يَا خَبِيثُ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَمْ يَبْقَ غَيْرُ شِكَّةٍ ويَعْبُوبْ ... وَصَارِمٌ يَقْتُلُ ضُلَّالِ الشِّيبْ [3] فِيمَا ذُكِرَ لِي عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ. (طَرْحُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْقَلِيبِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَتْلَى أَنْ يُطْرَحُوا فِي الْقَلِيبِ [4] ، طُرِحُوا فِيهِ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، فَإِنَّهُ انْتَفَخَ فِي دِرْعِهِ فَمَلَأَهَا، فَذَهَبُوا لِيُحَرِّكُوهُ [5] ، فَتَزَايَلَ [6] لَحْمُهُ، فَأَقَرُّوهُ، وَأَلْقَوْا عَلَيْهِ مَا غَيَّبَهُ مِنْ التُّرَابِ

_ [1] انْظُر الْحَاشِيَة (رقم 5 ص 673 من هَذَا الْجُزْء) . [2] بردت الدعْوَة، أَي ثبتَتْ. وَيُقَال: برد لي حق على فلَان، أَي ثَبت. [3] الشكة: السِّلَاح. واليعبوب: الْفرس الْكثير الجرى. والصارم: السَّيْف الْقَاطِع. [4] القليب: الْبِئْر. [5] فِي أ: «ليخرجوه» . [6] تزايل: تفرق.

(شعر حسان فيمن ألقوا في القليب) :

وَالْحِجَارَةِ. فَلَمَّا أَلْقَاهُمْ فِي الْقَلِيبِ، وَقَفَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا. قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُكَلِّمُ قَوْمًا مَوْتَى؟ فَقَالَ لَهُمْ: لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ مَا وَعَدَهُمْ رَبُّهُمْ حَقًّا. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَالنَّاسُ يَقُولُونَ: لَقَدْ سَمِعُوا مَا قُلْتُ لَهُمْ، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ عَلِمُوا [1] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ، يَا عُتْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ، وَيَا شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ، وَيَا أُمَيَّةُ بْنَ خَلَفٍ، وَيَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، فَعَدَّدَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي الْقَلِيبِ: هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا، فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا؟ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُنَادِي قَوْمًا قَدْ جَيَّفُوا [2] ؟ قَالَ: مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أنُ يُجِيبُونِي. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ: يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ، بِئْسَ عَشِيرَةُ النَّبِيِّ كُنْتُمْ لِنَبِيِّكُمْ، كَذَّبْتُمُونِي وَصَدَّقَنِي النَّاسُ، وَأَخْرَجْتُمُونِي وَآوَانِي النَّاسُ، وَقَاتَلْتُمُونِي وَنَصَرَنِي النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ لِلْمَقَالَةِ الَّتِي قَالَ. (شِعْرُ حَسَّانَ فِيمَنْ أَلَقُوا فِي الْقَلِيبِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: عَرَفْتُ دِيَارَ زَيْنَبَ بِالْكَثِيبِ ... كَخَطِّ الْوَحْيِ فِي الْوَرَقِ الْقَشِيبِ [3]

_ [1] قَالَ السهيليّ: «وَعَائِشَة لم تحضر، وَغَيرهَا مِمَّن حضر أحفظ للفظه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام» . [2] جيفوا، أَي صَارُوا جيفا. [3] الْكَثِيب: كدس الرمل. والقشيب: الْجَدِيد. قَالَ السهيليّ: «وَلَا معنى لَهُ فِي هَذَا الْبَيْت، لأَنهم إِذا وصفوا الرسوم وشبهوها بالكتب فِي الْوَرق، فَإِنَّمَا يصفونَ الْخط حِينَئِذٍ بالدروس والامحاء، فَإِن ذَلِك أدل على عفاء الديار وطموس الْآثَار، وَكَثْرَة ذَلِك فِي الشّعْر تغني عَن الاستشهاد عَلَيْهِ. وَلَكِن أَرَادَ حسان بالقشيب هُنَا: الّذي خالطه مَا يُفْسِدهُ إِمَّا من دنس وَإِمَّا من قدم، يُقَال: طَعَام مقشب: إِذا كَانَ فِيهِ السم» .

تَدَاوَلُهَا الرِّيَاحُ وَكُلُّ جَوْنٍ ... مِنْ الْوَسْمِيِّ مُنْهَمِرٍ سَكُوبِ [1] فَأَمْسَى رَسْمُهَا خَلَقًا وَأَمْسَتْ ... يَبَابًا بَعْدَ سَاكِنِهَا الْحَبِيبِ [2] فَدَعْ عَنْكَ التَّذَكُّرَ كُلَّ يَوْمٍ ... وَرُدَّ حَرَارَةَ الصَّدْرِ الْكَئِيبِ وَخَبَّرَ بِاَلَّذِي لَا عَيْبَ فِيهِ ... بِصِدْقِ غَيْرِ إخْبَارِ الْكَذُوبِ بِمَا صَنَعَ الْمَلِيكُ غَدَاةَ بَدْرٍ ... لَنَا فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ النَّصِيبِ غَدَاةَ كَأَنَّ جَمْعَهُمْ حِرَاءٌ ... بَدَتْ أَرْكَانُهُ جُنْحَ الْغُرُوبِ [3] فَلَاقَيْنَاهُمْ مِنَّا بِجَمْعٍ ... كَأُسْدِ الْغَابِ مُرْدَانٍ وَشِيبِ أَمَامَ مُحَمَّدٍ قَدْ وَازَرُوهُ ... عَلَى الْأَعْدَاءِ فِي لَفْحِ الْحُرُوبِ [4] بِأَيْدِيهِمْ صَوَارِمُ مُرْهَفَاتٌ ... وَكُلُّ مُجَرَّبٍ خَاظِي الْكُعُوبِ [5] بَنُو الْأَوْسِ الْغَطَارِفُ وَازَرَتْهَا ... بَنُو النَّجَّارِ فِي الدِّينِ الصَّلِيبِ [6] فَغَادَرْنَا أَبَا جَهْلٍ صَرِيعًا ... وَعُتْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا بِالْجَبُوبِ [7] وَشَيْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا فِي رِجَالٍ ... ذَوِي حَسَبٍ إذَا نُسِبُوا حَسِيبِ يُنَادِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ لَمَّا ... قَذَفْنَاهُمْ كَبَاكِبَ فِي الْقَلِيبِ [8] أَلَمْ تَجِدُوا كَلَامِي كَانَ حَقًّا ... وَأَمْرُ اللَّهِ يَأْخُذُ بِالْقُلُوبِ؟ فَمَا نَطَقُوا، وَلَوْ نَطَقُوا لَقَالُوا: ... صَدَقْتَ وَكُنْتَ ذَا رَأْيٍ مُصِيبِ! قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُلْقَوْا فِي الْقَلِيبِ، أُخِذَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَسُحِبَ إلَى الْقَلِيبِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي- فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ، فَإِذَا هُوَ كَئِيبٌ قَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا حُذَيْفَةَ، لَعَلَّكَ قَدْ دَخَلَكَ مِنْ شَأْنِ أَبِيكَ شَيْءٌ؟ أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لَا، وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا شَكَكْتُ فِي أَبِي وَلَا فِي مَصْرَعِهِ،

_ [1] الوسمي: مطر الخريف. [2] يبابا: قفرا. [3] حراء بِمَكَّة. وجنح الْغُرُوب: حِين تميل الشَّمْس للغروب. [4] وازروه: أعانوه. ولفح الحروب: نارها وحرها. ويروى: «لقح» وَمَعْنَاهُ التزيد والنمو، يُقَال لقحت الْحَرْب. إِذا تزيدت. [5] الصوارم المرهفات: السيوف القاطعة. والخاظى: المكتنز. والكعوب: عقد الْقَنَاة. [6] الغطارف: السَّادة، واحدهم غطريف: وحذفت الْيَاء من الغطاريف» لإِقَامَة وزن الشّعْر. والصليب: الشَّديد. [7] الجبوب: وَجه الأَرْض. وَقيل: هُوَ الْمدر، الْوَاحِدَة: جبوبة. [8] كباكب: جماعات.

(ذكر الفتية الذين نزل فيهم: إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم 4: 97) .

وَلَكِنَّنِي كُنْتُ أَعْرِفُ مَنْ أَبِي رَأْيًا وَحِلْمًا وَفَضْلًا، فَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَهْدِيَهُ ذَلِكَ إلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمَّا رَأَيْتُ مَا أَصَابَهُ، وَذَكَرْتُ مَا مَاتَ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ، بَعْدَ الَّذِي كُنْتُ أَرْجُو لَهُ، أَحْزَنَنِي ذَلِكَ، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْرٍ، وَقَالَ لَهُ خَيْرًا. (ذِكْرُ الْفِتْيَةِ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِمْ: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ 4: 97) . وَكَانَ الْفِتْيَةُ الَّذِينَ قُتِلُوا بِبَدْرِ، فَنَزَلَ فِيهِمْ مِنْ الْقُرْآنِ، فِيمَا ذُكِرَ لَنَا: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ؟ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ، قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها، فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً 4: 97 فتية مسمّين [1] . مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ: الْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنِ أَسَدٍ. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: أَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ. وَمِنْ بَنِي جُمَحَ: عَلِيُّ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ. وَمِنْ بَنِي سَهْمٍ: الْعَاصِ بْنُ مُنَبَّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ ابْنِ سَهْمٍ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَسْلَمُوا، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ آبَاؤُهُمْ وَعَشَائِرُهُمْ بِمَكَّةَ وَفَتَنُوهُمْ فَافْتَتَنُوا، ثُمَّ سَارُوا مَعَ قَوْمِهِمْ إلَى بَدْرٍ فَأُصِيبُوا بِهِ جَمِيعًا. (ذِكْرُ الْفَيْءِ بِبَدْرِ وَالْأُسَارَى) : ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِمَا فِي الْعَسْكَرِ، مِمَّا جَمَعَ النَّاسُ، فَجَمَعَ، فَاخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ، فَقَالَ مَنْ جَمَعَهُ: هُوَ لَنَا، وَقَالَ الَّذِينَ كَانُوا يُقَاتِلُونَ الْعَدُوَّ وَيَطْلُبُونَهُ: وَاَللَّهِ لَوْلَا نَحْنُ مَا أَصَبْتُمُوهُ لَنَحْنُ شَغَلَنَا عَنْكُمْ الْقَوْمُ حَتَّى أَصَبْتُمْ مَا أَصَبْتُمْ، وَقَالَ الَّذِينَ كَانُوا يَحْرُسُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخَافَة أَن

_ [1] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «مُسلمين» . 41- سيرة ابْن هِشَام- 1

(بعث ابن رواحة وزيد بشيرين) :

أَنْ يُخَالِفَ إلَيْهِ الْعَدُوُّ: وَاَللَّهِ مَا أَنْتُمْ بِأَحَقَّ بِهِ مِنَّا، وَاَللَّهِ لَقَدْ رَأَيْنَا أَنْ نَقْتُلَ الْعَدُوَّ إذْ مَنَحَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَكْتَافَهُ، وَلَقَدْ رَأَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ الْمَتَاعَ حِينَ لَمْ يَكُنْ دُونَهُ مَنْ يَمْنَعُهُ وَلَكِنَّا خِفْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرَّةَ الْعَدُوِّ، فَقُمْنَا دُونَهُ، فَمَا أَنْتُمْ بِأَحَقَّ بِهِ مِنَّا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سُلَيْمَانَ ابْنِ مُوسَى، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ- وَاسْمُهُ صُدَيُّ بْنُ عَجْلَانَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- قَالَ: سَأَلْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَنْ الْأَنْفَالِ، فَقَالَ: فِينَا أَصْحَابُ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النَّفَلِ، وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا، فَنَزَعَهُ اللَّهُ مِنْ أَيْدِينَا، فَجَعَلَهُ إلَى رَسُولِهِ، فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ بَوَاءٍ. يَقُولُ: عَلَى السَّوَاءِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ بَنِي سَاعِدَةَ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: أَصَبْتُ سَيْفَ بَنِي عَائِذٍ [1] الْمَخْزُومِيِّينَ الَّذِي يُسَمَّى الْمَرْزُبَانَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ أَنْ يَرُدُّوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ النَّفَلِ، أَقْبَلْتُ حَتَّى أَلْقَيْتُهُ فِي النَّفَلِ. قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمْنَعُ شَيْئًا سُئِلَهُ، فَعَرَفَهُ الْأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ، فَسَأَلَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ. (بَعْثُ ابْنِ رَوَاحَةَ وَزَيْدِ بَشِيرِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْفَتْحِ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ رَوَاحَةَ بَشِيرًا إلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ، بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَبَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إلَى أَهْلِ السَّافِلَةِ. قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: فَأَتَانَا الْخَبَرُ- حِينَ سَوَّيْنَا التُّرَابَ عَلَى رُقَيَّةَ ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ. كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَّفَنِي عَلَيْهَا مَعَ

_ [1] فِي الْأُصُول: «بنى عَائِذ» وَفِي الرَّوْض: «سيف بنى عَابِد» . قَالَ السهيليّ: «بَنو عَابِد فِي مَخْزُوم، وهم بَنو عَابِد بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم، وَأما بَنو عَائِذ (بِالْيَاءِ والذال الْمُعْجَمَة) فهم بَنو عَائِذ ابْن عمرَان بن مَخْزُوم، رَهْط آل الْمسيب، والأولون رَهْط آل بنى السَّائِب» .

(قفول رسول الله من بدر) :

عُثْمَانَ- أَنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ (قَدْ) [1] قَدِمَ. قَالَ: فَجِئْتُهُ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْمُصَلَّى قَدْ غَشِيَهُ النَّاسُ، وَهُوَ يَقُولُ: قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو جَهْلِ ابْن هِشَامٍ، وَزَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ الْعَاصِ بْنُ هِشَامٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَنُبَيْهُ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ. قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَتْ، أَحَقٌّ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَاَللَّهِ يَا بُنَيَّ. (قُفُولُ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ بَدْرٍ) : ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَافِلًا إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَعَهُ الْأُسَارَى مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَفِيهِمْ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَاحْتَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ النَّفَلَ الَّذِي أُصِيبَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَجَعَلَ عَلَى النَّفَلِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ، فَقَالَ رَاجِزٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَالُ: إنَّهُ عَدِيُّ بْنُ أَبِي الزَّغْبَاءِ: أَقِمْ لَهَا صُدُورَهَا يَا بَسْبَسُ ... لَيْسَ بِذِي الطَّلْحِ لَهَا مُعَرَّسُ وَلَا بِصَحْرَاءِ غُمَيرٍ [2] مَحْبَسُ ... إنَّ مَطَايَا الْقَوْمِ لَا تُخَيَّسُ [3] فَحَمْلُهَا عَلَى الطَّرِيقِ أَكْيَسُ ... قَدْ نَصَرَ اللَّهُ وَفَرَّ الْأَخْنَسُ ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى إذَا خَرَجَ مِنْ مَضِيقِ الصَّفْرَاءِ نَزَلَ عَلَى كَثِيبٍ بَيْنَ الْمَضِيقِ وَبَيْنَ النَّازِيَةِ- يُقَالُ لَهُ: سَيْرٌ- إلَى سَرْحَةٍ بِهِ. فَقَسَمَ هُنَالِكَ النَّفَلَ الَّذِي أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى السَّوَاءِ، ثُمَّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إذَا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ لَقِيَهُ الْمُسْلِمُونَ يُهَنِّئُونَهُ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ لَهُمْ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ- كَمَا حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ-: مَا الَّذِي تهنئوننا بِهِ؟ فو الله إنْ لَقِينَا

_ [1] زِيَادَة عَن أ، ط. [2] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عُمَيْر» . قَالَ أَبُو ذَر: «يرْوى هُنَا بالغين وبالعين، وغمير بالغين مُعْجمَة هُوَ الْمَشْهُور فِيهِ» . [3] فِي م، ر: «لَا تحبس» وهما بِمَعْنى.

(مقتل النضر وعقبة) :

إلَّا عَجَائِزَ صُلْعًا كَالْبُدْنِ الْمُعَقَّلَةِ، فَنَحَرْنَاهَا، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: أَيْ ابْنَ أَخِي، أُولَئِكَ الْمَلَأُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمَلَأُ: الْأَشْرَافُ وَالرُّؤَسَاءُ. (مَقْتَلُ النَّضْرِ وَعُقْبَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتَّى إذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّفْرَاءِ قُتِلَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، كَمَا أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إذَا كَانَ بِعِرْقِ الظَّبْيَةِ قُتِلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عِرْقُ الظَّبْيَةِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاَلَّذِي أَسَرَ عُقْبَةَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلِمَةَ [1] أَحَدُ بَنِي الْعَجْلَانِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ عُقْبَةُ حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ: فَمَنْ لِلصِّبْيَةِ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: النَّارُ. فَقَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ الْأَنْصَارِيُّ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، كَمَا حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامَ: وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا ذَكَرَ لِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَبُو هِنْدٍ، مَوْلَى فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْبَيَّاضِي بِحَمِيتٍ مَمْلُوءٍ حَيْسًا [2] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْحَمِيتُ: الزِّقُّ، وَكَانَ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ، ثُمَّ شَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ كَانَ حَجَّامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّمَا هُوَ أَبُو هِنْد امْرُؤ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَنْكِحُوهُ، وَأَنْكِحُوا إلَيْهِ، فَفَعَلُوا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَبْلَ الْأُسَارَى بِيَوْمِ.

_ [1] قَالَ السهيليّ: «وَسَلَمَة هَذَا بِكَسْر اللَّام، وَهُوَ سَلمَة بن ملك، أحد بنى العجلان، بلوى النّسَب، أنصارى بِالْحلف، قتل يَوْم أحد شَهِيدا» . [2] الحيس: السّمن يخلط بِالتَّمْرِ والأقط.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ أَسَعْدَ [1] بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: قُدِمَ بِالْأُسَارَى حِينَ قُدِمَ بِهِمْ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمَعَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ آلِ عَفْرَاءَ، فِي مَنَاحَتِهِمْ عَلَى عَوْفٍ وَمُعَوِّذٍ ابْنَيْ عَفْرَاءَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِنَّ الْحِجَابُ. قَالَ: تَقُولُ سَوْدَةُ: وَاَللَّهِ إنِّي لَعِنْدَهُمْ إذْ أُتِينَا، فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى، قَدْ أُتِيَ بِهِمْ. قَالَتْ: فَرَجَعْتُ إلَى بَيْتِي، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، وَإِذَا أَبُو يَزِيدَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي نَاحِيَةِ الْحُجْرَةِ، مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ قَالَتْ: فَلَا وَاَللَّهِ مَا مَلَكْتُ نَفْسِي حِينَ رَأَيْتُ أَبَا يَزِيدَ كَذَلِكَ أَنْ قُلْتُ: أَيْ أَبَا يَزِيدَ: أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ، أَلَا متم كراما، فو الله مَا أَنْبَهَنِي إلَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْبَيْتِ: يَا سَوْدَةُ، أَعَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ تُحَرِّضِينَ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا مَلَكْتُ نَفْسِي حِينَ رَأَيْتُ أَبَا يَزِيدَ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ أَنْ قُلْتُ مَا قُلْتُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي نُبِيُّهُ بْنُ وَهْبٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَقْبَلَ بِالْأُسَارَى فَرَّقَهُمْ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ: اسْتَوْصُوا بِالْأُسَارَى خَيْرًا. قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَزِيزٍ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ، أَخُو مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ فِي الْأُسَارَى. قَالَ: فَقَالَ أَبُو عَزِيزٍ: مَرَّ بِي أَخِي مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَأْسِرُنِي، فَقَالَ: شُدَّ يَدَيْكَ بِهِ، فَإِنَّ أُمَّهُ ذَاتُ مَتَاعٍ، لَعَلَّهَا تَفْدِيهِ مِنْكَ، قَالَ وَكُنْتُ فِي رَهْطٍ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ أَقْبَلُوا بِي مِنْ بَدْرٍ، فَكَانُوا إذَا قَدَّمُوا غَدَاءَهُمْ وَعَشَاءَهُمْ خَصُّونِي بِالْخُبْزِ، وَأَكَلُوا التَّمْرَ، لِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُمْ بِنَا، مَا تَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةُ خُبْزٍ إلَّا نَفَحَنِي بِهَا. قَالَ: فَأَسْتَحْيِيَ فَأَرُدُّهَا عَلَى أَحَدِهِمْ [2] ، فَيَرُدُّهَا عَلَيَّ مَا يَمَسُّهَا.

_ [1] فِي م، ر: «سعد» . [2] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ.

(بلوغ مصاب قريش إلى مكة) :

(بُلُوغُ مُصَابِ قُرَيْشٍ إلَى مَكَّةَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ أَبُو عَزِيزٍ صَاحِبَ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرِ بَعْدً النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، فَلَمَّا قَالَ أَخُوهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ لِأَبِي الْيَسَرِ، وَهُوَ الَّذِي أَسَرَهُ، مَا قَالَ قَالَ لَهُ أَبُو عَزِيزٍ: يَا أَخِي، هَذِهِ وَصَاتُكَ بِي، فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ: إنَّهُ أَخِي دُونَكَ. فَسَأَلَتْ أُمُّهُ عَنْ أَغْلَى مَا فُدِيَ بِهِ قُرَشِيٌّ، فَقِيلَ لَهَا: أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَبَعَثَتْ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَفَدَتْهُ بِهَا [1] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ مَكَّةَ (بمصاب) [2] قُرَيْش الجيسمان بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ، فَقَالُوا: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ: قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو الْحَكَمِ بْنُ هِشَامٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَزَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَنُبَيِّهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ، فَلَمَّا جَعَلَ يُعَدِّدُ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ، قَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَهُوَ قَاعِدٌ فِي الْحِجْرِ: وَاَللَّهِ إنْ يَعْقِلُ هَذَا فَاسْأَلُوهُ عَنِّي، فَقَالُوا: (و) [2] مَا فَعَلَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ؟ قَالَ: هَا هُوَ ذَاكَ جَالِسًا فِي الْحِجْرِ، وَقَدْ وَاَللَّهِ رَأَيْتُ أَبَاهُ وَأَخَاهُ حِينَ قُتِلَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْتُ غُلَامًا لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ دَخَلَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَأَسْلَمَ الْعَبَّاسُ وَأَسْلَمَتْ أُمُّ الْفَضْلِ وَأَسْلَمْتُ وَكَانَ الْعَبَّاسُ يَهَابُ قَوْمَهُ وَيَكْرَهُ خِلَافَهُمْ وَكَانَ يَكْتُمُ إسْلَامَهُ، وَكَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ مُتَفَرِّقٍ فِي قَوْمِهِ، وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ، فَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصِي بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَكَذَلِكَ كَانُوا صَنَعُوا، لَمْ يَتَخَلَّفْ رَجُلٌ إلَّا بَعَثَ مَكَانَهُ رَجُلًا، فَلَمَّا جَاءَهُ الْخَبَرُ عَنْ مُصَابِ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، كَبَتَهُ [3] اللَّهُ وَأَخْزَاهُ، وَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا قُوَّةً وَعِزًّا.

_ [1] وَاسم أَبُو عَزِيز: زُرَارَة، وَأمه الَّتِي أرْسلت فِي فدائه: أم الخناس بنت مَالك العامرية، وَهِي أم أَخِيه مُصعب وَأُخْته هِنْد بنت عُمَيْر، وَهِنْد: هِيَ أم شيبَة بن عُثْمَان حَاجِب الْكَعْبَة، جد بنى شيبَة. وَقد أسلم أَبُو عَزِيز هَذَا. (رَاجع الرَّوْض) . [2] زِيَادَة عَن أ، ط. [3] كبته الله: أذله.

(نواح قريش على قتلاهم) :

قَالَ: وَكُنْتُ رَجُلًا ضَعِيفًا، وَكُنْتُ أَعْمَلُ الْأَقْدَاحَ. أَنْحَتُهَا فِي حجرَة زَمْزَم، فو الله إنِّي لَجَالِسٌ فِيهَا أنْحَتُ أَقْدَاحِي، وَعِنْدِي أُمُّ الْفَضْلِ جَالِسَةٌ، وَقَدْ سَرَّنَا مَا جَاءَنَا مِنْ الْخَبَرِ، إذْ أَقْبَلَ أَبُو لَهَبٍ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ بِشَرٍّ، حَتَّى جَلَسَ عَلَى طُنُبِ [1] . الْحُجْرَةِ، فَكَانَ ظَهْرُهُ إلَى ظَهْرِي، فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ إذْ قَالَ النَّاسُ: هَذَا أَبُو سُفْيَانَ ابْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ أَبِي سُفْيَانَ الْمُغِيرَةُ- قَدْ قَدِمَ قَالَ: فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: هَلُمَّ إلَيَّ، فَعِنْدَكَ لَعَمْرِي الْخَبَرُ، قَالَ: فَجَلَسَ (إلَيْهِ) [2] وَالنَّاسُ قِيَامٌ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا بن أَخِي، أَخْبِرْنِي كَيْفَ كَانَ أَمْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: وَاَللَّهِ مَا هُوَ إلَّا أَنْ لَقِينَا الْقَوْمَ فَمَنَحْنَاهُمْ أَكْتَافَنَا يَقُودُونَنَا كَيْفَ شَاءُوا، وَيَأْسِرُونَنَا كَيْفَ شَاءُوا، وَاَيْمُ اللَّهِ مَعَ ذَلِكَ مَا لُمْتُ النَّاسَ، لَقِينَا رِجَالًا بِيضًا، عَلَى خَيْلٍ بَلْقٍ، بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَاَللَّهِ مَا تُلِيقُ [3] شَيْئًا، وَلَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ. قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَرَفَعْتُ طُنُبَ الْحُجْرَةِ بِيَدَيَّ، ثُمَّ قُلْتُ: تِلْكَ وَاَللَّهِ الْمَلَائِكَةُ، قَالَ: فَرَفَعَ أَبُو لَهَبٍ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا وَجْهِي ضَرْبَةً شَدِيدَة. قَالَ: وثاورته [4] فَاحْتَمَلَنِي فَضَرَبَ بِي الْأَرْضَ، ثُمَّ بَرَكَ عَلَيَّ يَضْرِبُنِي، وَكُنْتُ رَجُلًا ضَعِيفًا، فَقَامَتْ أُمُّ الْفَضْلِ إلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِ الْحُجْرَةِ، فَأَخَذَتْهُ فَضَرَبَتْهُ بِهِ ضَرْبَة فلعت [5] فِي رَأْسِهِ شَجَّةً مُنْكَرَةً، وَقَالَتْ: اسْتَضْعَفَتْهُ أَنْ غَابَ عَنْهُ سَيِّدُهُ، فَقَامَ مولّيا ذليلا، فو الله مَا عَاشَ إلَّا سَبْعَ لَيَالٍ حَتَّى رَمَاهُ اللَّهُ بِالْعَدَسَةِ [6] فَقَتَلَتْهُ. (نُوَاحُ قُرَيْشٍ عَلَى قَتْلَاهُمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ، قَالَ: نَاحَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهُمْ، ثُمَّ قَالُوا: لَا تَفْعَلُوا فَيَبْلُغُ مُحَمَّدًا

_ [1] طُنب الْحُجْرَة: طرفها. [2] زِيَادَة عَن أ، ط. [3] مَا تلِيق: مَا تبقى. [4] ثاورته: وَثَبت إِلَيْهِ. [5] فلعت: شقَّتْ. [6] العدسة: قرحَة قاتلة كالطاعون. وَقد عدس الرجل: إِذا أَصَابَهُ ذَلِك.

وَأَصْحَابه، فيشتموا بِكُمْ، وَلَا تَبْعَثُوا فِي أَسْرَاكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنُوا [1] بِهِمْ لَا يَأْرَبُ [2] عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الْفِدَاءِ. قَالَ: وَكَانَ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ قَدْ أُصِيبَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ وَلَدِهِ، زَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَعَقِيلُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَالْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَبْكِيَ عَلَى بَنِيهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ سَمِعَ نَائِحَةً مِنْ اللَّيْلِ، فَقَالَ لِغُلَامِ لَهُ: وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ: اُنْظُرْ هَلْ أُحِلَّ النَّحْبُ، هَلْ بَكَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهَا؟ لَعَلِّي أَبْكِي عَلَى أَبِي حَكِيمَةَ، يَعْنِي زَمَعَةَ، فَإِنَّ جَوْفِي قَدْ احْتَرَقَ. قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ إلَيْهِ الْغُلَامُ قَالَ: إنَّمَا هِيَ امْرَأَةٌ تَبْكِي عَلَى بَعِيرٍ لَهَا أَضَلَّتْهُ. قَالَ: فَذَاكَ حِينَ يَقُولُ الْأَسْوَدُ: أَتَبْكِي أَنْ يَضِلَّ لَهَا بَعِيرٌ ... وَيَمْنَعُهَا مِنْ النَّوْمِ السُّهُودُ فَلَا تَبْكِي عَلَى بَكْرٍ وَلَكِنْ ... عَلَى بَدْرٍ تَقَاصَرَتْ الْجُدُودُ [3] عَلَى بَدْرٍ سَرَاةِ بَنِي هُصَيْصٍ ... وَمَخْزُومٍ وَرَهْطِ أَبِي الْوَلِيدِ وَبَكِّي إنْ بَكَّيْتِ عَلَى عَقِيلٍ ... وَبَكِّي حَارِثًا أَسَدَ الْأُسُودِ وَبَكِّيهِمْ وَلَا تَسَمِي جَمِيعًا ... وَمَا لِأَبِي حَكِيمَةَ مِنْ نَدِيدِ [4] أَلَا قَدْ سَادَ بَعْدَهُمْ رِجَالٌ ... وَلَوْلَا يَوْمُ بَدْرٍ لَمْ يَسُودُوا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا إقْوَاءٌ [5] ، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ مِنْ أَشْعَارِهِمْ، وَهِيَ عِنْدَنَا إكْفَاءٌ [6] . وَقَدْ أَسْقَطْنَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ مَا هُوَ أَشْهَرُ مِنْ هَذَا [7] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فِي الْأُسَارَى أَبُو وَدَاعَةَ بْنُ ضُبَيْرَةَ السَّهْمِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ لَهُ بِمَكَّةَ ابْنَا كَيِّسًا تَاجِرًا ذَا مَال: وكأنّكم بِهِ قَدْ جَاءَكُمْ فِي طَلَبِ فِدَاءِ أَبِيهِ، فَلَمَّا قَالَتْ قُرَيْشٌ لَا تَعْجَلُوا [8] بِفِدَاءِ أُسَرَائِكُمْ،

_ [1] حَتَّى تستأنوا بهم، أَي تؤخروا فداءهم. [2] لَا يأرب: لَا يشْتَد. [3] الْبكر: الْفَتى من الْإِبِل. [4] وَلَا تسمى، أَي وَلَا تسأمى، فَنقل حَرَكَة الْهمزَة ثمَّ حذفهَا. والنديد: الشبيه والمثل. [5] الإقواء: اخْتِلَاف فِي حَرَكَة الروي. [6] قَالَ أَبُو ذَر: «الإكفاء اخْتِلَاف الْحُرُوف فِي القوافي» . [7] تعقيب ابْن هِشَام على الشّعْر سَاقِط فِي أ، ط. [8] فِي: «لَا تجْعَلُوا» وَهُوَ تَحْرِيف.

(أمر سهيل بن عمرو وفداؤه) :

لَا يَأْرَبُ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ، قَالَ الْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ- وَهُوَ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِّي-: صَدَقْتُمْ، لَا تَعْجَلُوا، وَانْسَلَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَأَخَذَ أَبَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَانْطَلَقَ بِهِ. (أَمْرُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَفِدَاؤُهُ) : (قَالَ) [1] : ثُمَّ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ فِي فِدَاءِ الْأُسَارَى، فَقَدِمَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ ابْن الْأَخْيَفِ فِي فَدَاءِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ الَّذِي أَسَرَهُ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُمِ، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ: أَسَرْتُ سُهَيْلًا فَلَا أَبْتَغِي ... أَسِيرًا بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ وَخِنْدَفُ تَعْلَمُ أَنَّ الْفَتَى ... فَتَاهَا سُهَيْلٌ إذَا يُظَّلَمْ [2] ضَرَبْتُ بِذِي الشَّفْرِ حَتَّى انْثَنَى ... وَأَكْرَهْتُ نَفْسِي عَلَى ذِي الْعَلَمِ [3] وَكَانَ سُهَيْلٌ رَجُلًا أَعْلَمَ [4] مِنْ شَفَتِهِ السُّفْلَى. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشِّعْرَ لِمَالِكِ بْنِ الدُّخْشُمِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَنْزِعْ ثَنِيَّتَيْ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَيَدْلَعُ [5] لِسَانَهُ، فَلَا يَقُومُ عَلَيْكَ خَطِيبًا فِي مَوْطِنٍ أَبَدًا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا أُمَثِّلُ بِهِ فَيُمَثِّلُ اللَّهُ بِي وَإِنْ كُنْتُ نَبِيًّا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: إنَّهُ عَسَى أَنْ يَقُومَ مَقَامًا لَا تَذُمُّهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَ ذَلِكَ الْمَقَامِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا قَاوَلَهُمْ فِيهِ مِكْرَزٌ وَانْتَهَى إلَى رِضَاهُمْ، قَالُوا: هَاتِ الَّذِي

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] يظلم، أَي يُرَاد ظلمه. [3] ذُو الشفر: السَّيْف، والشفر: حَده. [4] الأعلم: المشقوق الشّفة الْعليا. وَأما المشقوق الشّفة السُّفْلى فَهُوَ الْأَفْلَح. [5] يدلع: يخرج.

(أسر عمرو بن أبى سفيان وإطلاقه) :

لَنَا، قَالَ: اجْعَلُوا رِجْلِي مَكَانَ رِجْلِهِ، وَخَلُّوا سَبِيلَهُ حَتَّى يَبْعَثَ إلَيْكُمْ بِفِدَائِهِ. فَخَلَّوْا سَبِيلَ سُهَيْلٍ، وَحَبَسُوا مِكْرِزًا مَكَانَهُ عِنْدَهُمْ، فَقَالَ مِكْرَزٌ: فَدَيْتُ بِأَذْوَادٍ ثَمَانٍ سِبَا فَتَى [1] ... يَنَالُ الصَّمِيمَ غُرْمُهَا [2] لَا الْمُوَالَيَا رَهَنْتُ يَدَيَّ وَالْمَالُ أَيْسَرُ مِنْ يَدَيَّ ... عَلَيَّ وَلَكِنِّي خَشِيتُ الْمَخَازِيَا وَقُلْتُ سُهَيْلٌ خَيْرُنَا فَاذْهَبُوا بِهِ ... لِأَبْنَائِنَا حَتَّى نُدِيرُ الْأَمَانِيَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا لِمِكْرِزٍ. (أَسْرُ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَإِطْلَاقُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: كَانَ عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَكَانَ لِبِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أُمُّ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بِنْتُ أَبِي [3] عَمْرٍو، وَأُخْتُ أَبِي مُعَيْطِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو- أَسِيرًا فِي يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ أَسْرَى بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَسَرَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: فَقِيلَ لِأَبِي سُفْيَانَ: افْدِ عَمْرًا ابْنَكَ، قَالَ: أَيُجْمَعُ [4] عَلَيَّ دَمِي وَمَالِي! قَتَلُوا حَنْظَلَةَ، وَأَفْدِي عَمْرًا! دَعُوهُ فِي أَيْدِيهِمْ يُمْسِكُوهُ مَا بَدَا لَهُمْ. قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ، مَحْبُوسٌ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذْ خَرَجَ سَعْدُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ أَكَّالٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ثُمَّ أَحَدُ بَنِي مُعَاوِيَةَ مُعْتَمِرًا وَمَعَهُ مُرَيَّةٌ [5] لَهُ، وَكَانَ شَيْخًا مُسْلِمًا، فِي غَنَمٍ لَهُ بِالنَّقِيعِ [6] ، فَخرج من

_ [1] ثَمَان، قَالَ أَبُو ذَر: من رَوَاهُ بِكَسْر الثَّاء، فَهُوَ جمع ثمين بِمَعْنى غال. وَمن رَوَاهُ بِفَتْحِهَا فَهُوَ الْعدَد الْمَعْرُوف. [2] فِي م، ر: «عرها» والعر: الشَّرّ والأذى. [3] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ابْنة عَمْرو» . وَهُوَ تَحْرِيف. [4] فِي م، ر: «أيجتمع» . [5] مرية: تَصْغِير (امْرَأَة) . [6] كَذَا فِي أ، ط. والنقيع: مَوضِع قرب الْمَدِينَة. وَفِي م، ر: «بِالبَقِيعِ» وَهُوَ مَوضِع دَاخل الْمَدِينَة، وَفِيه مقبرتها. وَالْأول هُوَ المُرَاد هُنَا.

(أسر أبى العاص بن الربيع) :

هُنَالك مُعْتَمِرًا، وَلَا يَخْشَى الَّذِي صُنِعَ بِهِ، لَمْ يَظُنَّ أَنَّهُ يُحْبَسُ بِمَكَّةَ، إنَّمَا جَاءَ مُعْتَمِرًا. وَقَدْ كَانَ عَهِدَ قُرَيْشًا لَا يَعْرِضُونَ لِأَحَدٍ جَاءَ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا إلَّا بِخَيْرٍ، فَعَدَا عَلَيْهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِمَكَّةَ فَحَبَسَهُ بِابْنِهِ عَمْرٍو، ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَرَهْطَ ابْنِ أَكَّالٍ أَجِيبُوا دُعَاءَهُ ... تَعَاقَدْتُمْ لَا تُسْلِمُوا السَّيِّدَ الْكَهْلَا فَإِنَّ بَنِي عَمْرٍو لِئَامٌ أَذِلَّةٌ ... لَئِنْ لَمْ يَفُكُّوا [1] عَنْ أَسِيرِهِمْ الْكَبْلَا فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: لَوْ كَانَ سَعْدٌ يَوْمَ مَكَّةَ مُطْلَقًا ... لَأَكْثَرَ فِيكُمْ قَبْلَ أَنْ يُؤْسَرَ الْقَتْلَا بِعَضْبِ حُسَامٍ أَوْ بِصَفْرَاءَ نَبْعَةٍ ... تَحِنُّ إذَا مَا أُنْبِضَتْ تَحْفِزُ النَّبْلَا [2] وَمَشَى بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَهُ وَسَأَلُوهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ عَمْرَو بْنَ أَبِي سُفْيَانَ فَيَفُكُّوا [3] بِهِ صَاحِبَهُمْ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَبَعَثُوا بِهِ إلَى أَبِي سُفْيَانَ، فَخَلَّى سَبِيلَ سَعْدٍ. (أَسْرُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ فِي الْأُسَارَى أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، خَتَنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَوْجُ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَسَرَهُ خِرَاشُ [4] بْنُ الصِّمَّةَ، أَحَدُ بَنِي حَرَامٍ. (سَبَبُ زَوَاجِ أَبِي الْعَاصِ مِنْ زَيْنَبَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَبُو الْعَاصِ مِنْ رِجَالِ مَكَّةَ الْمَعْدُودِينَ: مَالًا، وَأَمَانَةً، وَتِجَارَةً، وَكَانَ لِهَالَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، وَكَانَتْ خَدِيجَةُ خَالَتَهُ. فَسَأَلَتْ خَدِيجَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُزَوِّجَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُخَالِفُهَا، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، فَزَوَّجَهُ، وَكَانَتْ تَعُدُّهُ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا. فَلَمَّا

_ [1] فِي م، ر: «يكفوا» . [2] العضب: السَّيْف الْقَاطِع: والصفراء: الْقوس. والنبع: شجر تصنع مِنْهُ القسي. وتحن: أَي يصوت وترها. وأنبضت، أَي مد وترها. والإنباض: أَن يُحَرك وتر الْقوس ويعد. وتحفز النبل، أَي تقذف بِهِ وترميه. [3] فِي م، ر: «فيكفوا» . [4] وَقيل: بل الّذي أسر أَبَا الْعَاصِ هُوَ عبد الله بن جُبَير.

(سعى قريش في تطليق بنات الرسول من أزواجهن) :

أَكْرَمَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنُبُوَّتِهِ آمَنَتْ بِهِ خَدِيجَة وَبنَاته، فصدّقنه، وَشَهِدْنَ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الْحَقُّ، وَدِنَّ بِدِينِهِ، وَثَبَتَ أَبُو الْعَاصِ عَلَى شِرْكِهِ. (سَعْيُ قُرَيْشٍ فِي تَطْلِيقِ بَنَاتِ الرَّسُولِ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ) : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ زَوَّجَ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي لَهَبٍ رُقَيَّةَ، أَوْ أُمَّ كُلْثُومٍ [1] . فَلَمَّا بَادَى قُرَيْشًا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِالْعَدَاوَةِ، قَالُوا: إِنَّكُم قد فرّغتم مُحَمَّدًا مِنْ هَمِّهِ، فَرُدُّوا عَلَيْهِ بَنَاتِهِ، فَاشْغَلُوهُ بِهِنَّ. فَمَشَوْا إلَى أَبِي الْعَاصِ فَقَالُوا لَهُ: فَارِقْ صَاحِبَتَكَ وَنَحْنُ نُزَوِّجُكَ أَيَّ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ شِئْتَ، قَالَ: لَا وَاَللَّهِ، إنِّي [2] لَا أُفَارِقُ صَاحِبَتِي، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِامْرَأَتِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُثْنِي عَلَيْهِ فِي صِهْرِهِ خَيْرًا، فِيمَا [3] بَلَغَنِي. ثُمَّ مَشَوْا إلَى عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، فَقَالُوا لَهُ: طَلِّقْ بِنْتَ مُحَمَّدٍ وَنَحْنُ نُنْكِحُكَ أَيَّ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ شِئْتُ، فَقَالَ: إنْ زَوَّجْتُمُونِي بِنْتَ أَبَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، أَوْ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَارَقْتُهَا. فَزَوَّجُوهُ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَفَارَقَهَا، وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا، فَأَخْرَجَهَا اللَّهُ مِنْ يَدِهِ كَرَامَةً لَهَا، وَهَوَانًا لَهُ، وَخَلَفَ عَلَيْهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بَعْدَهُ. (أَبُو الْعَاصِ عِنْدَ الرَّسُولِ وَبَعْثُ زَيْنَبَ فِي فِدَائِهِ) : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُحِلُّ بِمَكَّةَ وَلَا يُحَرِّمُ، مَغْلُوبًا عَلَى أَمْرِهِ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَسْلَمَتْ وَبَيْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، إلَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا، فَأَقَامَتْ مَعَهُ عَلَى إسْلَامِهَا وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ، حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا صَارَتْ قُرَيْشٌ إِلَى بدر، صارفهم أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ

_ [1] قَالَ السهيليّ: «كَانَت رقية بنت رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحت عتبَة بن أَبى لَهب، وَأم كُلْثُوم تَحت عتيبة، فطلقاهما بعزم أَبِيهِمَا عَلَيْهِمَا وأمهما حِين نزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ 111: 1. فَأَما عتيبة، فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يُسَلط الله عَلَيْهِ كَلْبا من كلابه، فافترسه الْأسد من بَين أَصْحَابه وهم نيام حوله، وَأما عتبَة ومعتب ابْنا أَبى لَهب فَأَسْلمَا، وَلَهُمَا عقب» . [2] فِي الْأُصُول: «إِذا» . [3] فِي م، ر «فَمَا» وَهُوَ تَحْرِيف.

خروج زينب إلى المدينة

فَأُصِيبَ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ، فَكَانَ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أُسَرَائِهِمْ، بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بِمَالٍ، وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ خَدِيجَةُ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى عَلَيْهَا، قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً وَقَالَ: إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا مَالَهَا، فَافْعَلُوا، فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَطْلَقُوهُ، وَرَدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا. خُرُوجُ زَيْنَبَ إلَى الْمَدِينَةِ (تَأَهُّبُهَا وَإِرْسَالُ الرَّسُولِ رَجُلَيْنِ لِيَصْحَبَاهَا) : (قَالَ) [1] : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ، أَوْ وَعَدَ [2] رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَ زَيْنَبَ إلَيْهِ، أَوْ كَانَ فِيمَا شَرَطَ عَلَيْهِ فِي إطْلَاقِهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُعْلَمُ مَا هُوَ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ إلَى مَكَّةَ وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ، بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مَكَانَهُ، فَقَالَ: كُونَا بِبَطْنِ يَأْجَجَ [3] حَتَّى تَمُرَّ بِكُمَا زَيْنَبُ، فَتَصْحَبَاهَا حَتَّى تَأْتِيَانِي بِهَا. فَخَرَجَا مَكَانَهُمَا، وَذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرِ أَوْ شَيْعِهِ [4] ، فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو الْعَاصِ مَكَّةَ أَمَرَهَا بِاللُّحُوقِ بِأَبِيهَا، فَخَرَجَتْ تَجَهَّزَ. (هِنْدُ تُحَاوِلُ تَعْرِفَ أَمْرَ زَيْنَبَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ زَيْنَبَ

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] فِي م، ر: «وأوعد» . [3] يأجج: مَوضِع على ثَمَانِيَة أَمْيَال من مَكَّة. [4] شيعه: قريب مِنْهُ.

(ما أصاب زينب من قريش عند خروجها ومشورة أبى سفيان) :

أَنَّهَا قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا أَتَجَهَّزُ بِمَكَّةَ لِلُّحُوقِ بِأَبِي لَقِيَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، فَقَالَتْ: يَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ، أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّكَ تُرِيدِينَ اللُّحُوقَ بِأَبِيكَ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا أَرَدْتُ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: أَيْ ابْنَةَ عَمِّي، لَا تَفْعَلِي، إنْ كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ بِمَتَاعِ مِمَّا يَرْفُقُ بِكَ فِي سَفَرِكَ، أَوْ بِمَالٍ تَتَبَلَّغِينَ بِهِ إلَى أَبِيكَ، فَإِنَّ عِنْدِي حَاجَتَكَ، فَلَا تَضْطَنِي [1] مِنِّي، فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ بَيْنَ النِّسَاءِ مَا بَيْنَ الرِّجَالِ. قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا أَرَاهَا قَالَتْ ذَلِكَ إلَّا لِتَفْعَلَ، قَالَتْ: وَلَكِنِّي خِفْتُهَا، فَأَنْكَرْتُ أَنْ أَكُونَ أُرِيدُ ذَلِكَ، وَتَجَهَّزْتُ. (مَا أَصَابَ زَيْنَبَ مِنْ قُرَيْشٍ عِنْدَ خُرُوجِهَا وَمَشُورَةُ أَبِي سُفْيَانَ) : فَلَمَّا فَرَغَتْ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَهَازِهَا قَدَّمَ لَهَا حَمُوهَا كِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ أَخُو زَوْجِهَا بَعِيرًا، فَرَكِبَتْهُ، وَأَخَذَ قَوْسَهُ وَكِنَانَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ بِهَا نَهَارًا يَقُودُ بِهَا، وَهِيَ فِي هَوْدَجٍ لَهَا. وَتَحَدَّثَ بِذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهَا حَتَّى أَدْرَكُوهَا بِذِي طُوًى، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَبَقَ إلَيْهَا هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَالْفِهْرِيُّ [2] ، فَرَوَّعَهَا هَبَّارٌ بِالرُّمْحِ وَهِيَ فِي هَوْدَجِهَا، وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا- فِيمَا يَزْعُمُونَ- فَلَمَّا رِيعَتْ طَرَحَتْ ذَا بَطْنِهَا [3] ، وَبَرَكَ حَمُوهَا كِنَانَةُ، وَنَثَرَ كِنَانَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا يَدْنُو مِنِّي رَجُلٌ إلَّا وَضَعْتُ فِيهِ سَهْمًا، فَتَكَرْكَرَ [4] النَّاسُ عَنْهُ. وَأَتَى أَبُو سُفْيَانَ فِي جُلَّةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ، كُفَّ عَنَّا نَبْلَكَ حَتَّى نُكَلِّمَكَ، فَكَفَّ، فَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إنَّكَ لَمْ تُصِبْ، خَرَجْتَ بِالْمَرْأَةِ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ عَلَانِيَةً، وَقَدْ عَرَفْتَ مُصِيبَتَنَا وَنَكْبَتَنَا، وَمَا دَخَلَ عَلَيْنَا مِنْ مُحَمَّدٍ، فَيَظُنُّ النَّاسُ إذَا خَرَجْتَ

_ [1] لَا تضطني: لَا تستحيي. وَأَصله: الْهَمْز، يُقَال: اضطنأت الْمَرْأَة، إِذا استحيت، فَحذف الْهمزَة تَخْفِيفًا. ويروى: «فَلَا تظطنى» (بالظاء الْمُعْجَمَة) وَهُوَ من ظَنَنْت، بِمَعْنى اتهمت، أَي لَا تتهمينى وَلَا تستريبى منى. [2] فِي الْأُصُول: «الفِهري» بِدُونِ وَاو. والتصويب عَن الرَّوْض الْأنف. قَالَ السهيليّ: «قَالَ: وَسبق إِلَيْهَا هَبَّار بن الْأسود والفهري، وَلم يسم ابْن إِسْحَاق الفِهري، وَقَالَ ابْن هِشَام هُوَ نَافِع بن عبد قيس وَفِي غير السِّيرَة أَنه خَالِد بن عبد قيس. هَكَذَا ذكره الْبَزَّار فِيمَا بَلغنِي» . وَسَيذكر ابْن هِشَام اسْمه بعد قَلِيل. [3] وَذكر عَن غير ابْن إِسْحَاق أَن هَبَّارًا نخس بهَا الرَّاحِلَة فَسَقَطت على صَخْرَة وَهِي حَامِل، فَهَلَك جَنِينهَا وَلم تزل تهريق الدِّمَاء حَتَّى مَاتَت بِالْمَدِينَةِ بعد إِسْلَام بَعْلهَا أَبى الْعَبَّاس. (رَاجع الِاسْتِيعَاب وَالرَّوْض) . [4] تكركر النَّاس عَنهُ: رجعُوا وَانْصَرفُوا.

(شعر لأبى خيثمة فيما حدث لزينب) :

بِابْنَتِهِ إلَيْهِ عَلَانِيَةً عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، أَنَّ ذَلِكَ عَنْ ذُلٍّ أَصَابَنَا عَنْ مُصِيبَتِنَا الَّتِي كَانَتْ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنَّا ضَعْفٌ وَوَهْنٌ، وَلَعَمْرِي مَا لَنَا بِحَبْسِهَا عَنْ أَبِيهَا مِنْ حَاجَةٍ، وَمَا لَنَا فِي ذَلِكَ مِنْ ثَوْرَةٍ [1] ، وَلَكِنْ ارْجِعْ بِالْمَرْأَةِ، حَتَّى إذَا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ، وَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنْ قَدْ رَدَدْنَاهَا، فَسُلَّهَا سِرًّا، وَأَلْحِقْهَا بِأَبِيهَا، قَالَ: فَفَعَلَ. فَأَقَامَتْ لَيَالِيَ، حَتَّى إذَا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ خَرَجَ بِهَا لَيْلًا حَتَّى أَسْلَمَهَا إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَصَاحِبِهِ، فَقَدِمَا بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (شِعْرٌ لِأَبِي خَيْثَمَةَ فِيمَا حَدَثَ لِزَيْنَبَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، أَوْ أَبُو خَيْثَمَةَ، أَخُو بَنِي سَالِمِ ابْنِ عَوْفٍ، فِي الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِ زَيْنَبَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هِيَ لِأَبِي خَيْثَمَةَ-: أَتَانِي الَّذِي لَا يَقْدُرُ النَّاسُ قَدْرَهُ ... لِزَيْنَبَ فِيهِمْ مِنْ عُقُوقٍ وَمَأْثَمِ وَإِخْرَاجُهَا لَمْ يُخْزَ فِيهَا مُحَمَّدٌ ... عَلَى مَأْقِطٍ وَبَيْنَنَا عِطْرُ مَنْشَمِ [2] وَأَمْسَى أَبُو سُفْيَانَ مِنْ حِلْفِ ضَمْضَمٍ ... وَمِنْ حَرْبِنَا فِي رَغْمِ أَنْفٍ وَمَنْدَمٍ قَرَنَّا ابْنَهُ عَمْرًا وَمَوْلَى يَمِينِهِ ... بِذِي حَلَقٍ جَلْدِ الصَّلَاصِلِ مُحْكَمِ [3] فَأَقْسَمْتُ لَا تَنْفَكُّ مِنَّا كَتَائِبُ ... سُرَاةُ خَمِيسٍ فِي [4] لُهَامٍ مُسَوَّمِ [5]

_ [1] الثؤرة: طلب الثأر. [2] المأقط: معترك الْحَرْب. وعطر منشم: كِنَايَة عَن شدَّة الْحَرْب، وَهُوَ مثل، وَأَصله فِيمَا زَعَمُوا، أَن منشم كَانَت امْرَأَة من خُزَاعَة تبيع الْعطر وَالطّيب، فيشترى مِنْهَا للموتى، حَتَّى تشاءموا بهَا لذَلِك. وَقيل: إِن قوما تحالفوا على الْمَوْت فغمسوا أَيْديهم فِي طيب منشم الْمَذْكُورَة تَأْكِيدًا للحلف، فَضرب طيبها مثلا فِي شدَّة الْحَرْب. وَقيل: منشم امْرَأَة من غُدَانَة، وَهُوَ بطن من تَمِيم، ثمَّ من بنى يَرْبُوع بن حَنْظَلَة، وَأَن هَذِه الْمَرْأَة هِيَ صَاحِبَة يسَار، الّذي يُقَال لَهُ: يسَار الكواعب، وَأَنه كَانَ عبدا لَهَا، وَأَنه راودها عَن نَفسهَا، فَقَالَت لَهُ: أمهلنى حَتَّى أشمك طيب الجزائر. فَلَمَّا أمكنها من أَنفه أنحت عَلَيْهِ بِالْمُوسَى، حَتَّى أوعبته جدعا، فَقيل فِي الْمثل: لَاقَى الّذي لَاقَى يسَار الكواعب، فَقيل: عطر منشم. (رَاجع الْأَمْثَال وفرائد اللآل، وَالرَّوْض) [3] بِذِي حلق، يعْنى الغل. والصلاصل: جمع صلصلة، وَهِي صَوت الْحَدِيد. [4] فِي م، ر: «من» . [5] الْكَتَائِب: العساكر. والسراة: السَّادة. وَالْخَمِيس: الْجَيْش: واللهام: الْكثير. والمسوم: الْمعلم، من السمة، وَهِي الْعَلامَة.

(الخلاف بين ابن إسحاق وابن هشام في مولى يمين أبى سفيان) :

نَزُوعُ قُرَيْشَ الْكُفْرَ حَتَّى نَعُلَّهَا [1] ... بِخَاطِمَةٍ فَوْقَ الْأُنُوفِ بِمِيسَمِ [2] نُنَزِّلُهُمْ أَكْنَافَ نَجْدٍ وَنَخْلَةٍ ... وَإِنْ يُتْهِمُوا بِالْخَيْلِ وَالرَّجْلِ نُتْهِمُ [3] يَدَ الدَّهْرِ حَتَّى لَا يُعَوَّجَ سِرْبُنَا [4] ... وَنُلْحِقُهُمْ آثَارَ عَادٍ وَجُرْهُمِ [5] وَيَنْدَمَ قَوْمٌ لَمْ يُطِيعُوا مُحَمَّدًا ... عَلَى أَمْرِهِمْ وَأَيُّ حِينٍ تَنَدُّمُ فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ إمَّا لَقِيتُهُ ... لَئِنْ أَنْتَ لَمْ تُخْلِصْ سُجُودًا وَتُسْلِمْ فَأَبْشِرْ بِخِزْيٍ فِي الْحَيَاةِ مُعَجَّلِ ... وَسِرْبَالِ قَارٍ خَالِدًا فِي جَهَنَّمَ [6] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: وَسِرْبَالِ نَارٍ. (الْخِلَافُ بَيْنَ ابْنِ إسْحَاقَ وَابْنِ هِشَامٍ فِي مَوْلَى يَمِينِ أَبِي سُفْيَانَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَوْلَى يَمِينِ أَبِي سُفْيَانَ، الَّذِي يَعْنِي: عَامِرَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ: كَانَ فِي الْأُسَارَى، وَكَانَ حِلْفُ الْحَضْرَمِيِّ إلَى حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مَوْلَى يَمِينِ أَبِي سُفْيَانَ، الَّذِي يَعْنِي: عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، فَأَمَّا عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ فَقُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ. (شِعْرُ هِنْدٍ وَكِنَانَةُ فِي خُرُوجِ زَيْنَبَ) : وَلَمَّا انْصَرَفَ الَّذِينَ خَرَجُوا إلَى زَيْنَبَ لَقِيَتْهُمْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، فَقَالَتْ لَهُمْ: أَفِي السِّلْمِ أَعْيَارٌ جَفَاءً وَغِلْظَةً ... وَفِي الْحَرْبِ أَشْبَاهُ النِّسَاءِ الْعَوَارِكِ [7] وَقَالَ كِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ فِي أَمْرِ زَيْنَبَ، حِينَ دَفَعَهَا إلَى الرَّجُلَيْنِ [8] :

_ [1] كَذَا فِي أ. ونزوع قُرَيْش الْكفْر: نسوقهم كَمَا تساق الْإِبِل. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «نروع» [2] نعلها، أَي نستذلهم، ونعيد عَلَيْهِم الكرة، وبخاطمة، أَي بِمَا تخطمهم بِهِ. يُقَال خطمه بالخطام، أَي جعله على أَنفه، يُرِيد الْقَهْر وَالْغَلَبَة. والميسم: الحديدة الَّتِي توسم بهَا الْإِبِل. [3] الأكناف: النواحي. ونجد: يُرِيد بِهِ مَا ارْتَفع من أَرض الْحجاز. ونخلة: مَوضِع قريب من مَكَّة: وأتهم: إِذا أَتَى تهَامَة، وَهِي مَا انخفض من الأَرْض. [4] كَذَا فِي أ، ط. وَيَد الدَّهْر، أَي أَبَد الدَّهْر. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بدا الدَّهْر» .. وَهُوَ تَحْرِيف. [5] السرب (بِالْكَسْرِ) : الطَّرِيق. (وبالفتح) : المَال الّذي يرْعَى. وَعَاد وجرهم: أمتان قديمتان. [6] القار: الزفت. [7] السّلم (بِفَتْح السِّين وَكسرهَا) : الصُّلْح. والأعيار جمع: عير، وَهُوَ الْحمار. وَالنِّسَاء العوارك: الْحيض، يُقَال: عركت الْمَرْأَة: إِذا حَاضَت. [8] يُرِيد «بِالرجلَيْنِ» : زيد بن حَارِثَة والأنصاري الّذي كَانَ مَعَه.

(الرسول يحل دم هبار) :

عَجِبْتُ لِهَبَّارٍ وَأَوْبَاشِ قَوْمِهِ ... يُرِيدُونَ إخْفَارِي بِبِنْتِ مُحَمَّدِ [1] وَلَسْتُ أُبَالِي مَا حَيِيتُ عَدِيدَهُمْ ... وَمَا اسْتَجْمَعْتُ قَبْضًا يَدِي بِالْمُهَنَّدِ [2] (الرَّسُولُ يُحِلُّ دَمَ هَبَّارٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي إسْحَاقَ الدَّوْسِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً أَنَا فِيهَا، فَقَالَ لَنَا: إنْ ظَفِرْتُمْ بِهَبَّارِ ابْن الْأَسْوَدِ، أَوْ الرَّجُلِ (الْآخَرِ) [3] الَّذِي سَبَقَ مَعَهُ إلَى زَيْنَبَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ سَمَّى ابْنُ إسْحَاقَ الرَّجُلَ فِي حَدِيثِهِ (وَقَالَ: هُوَ نَافِعُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ) [3]- فَحَرَّقُوهُمَا بِالنَّارِ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ بَعَثَ إلَيْنَا، فَقَالَ: إنِّي كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ بِتَحْرِيقِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إنْ أَخَذْتُمُوهُمَا، ثُمَّ رَأَيْتُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إلَّا اللَّهُ، فَإِنْ ظَفَرْتُمْ بِهِمَا فَاقْتُلُوهُمَا. إسْلَامُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ (اسْتِيلَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تِجَارَةٍ مَعَهُ وَإِجَارَةُ زَيْنَبَ لَهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَقَامَ أَبُو الْعَاصِ بِمَكَّةَ، وَأَقَامَتْ زَيْنَبُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، حِينَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْإِسْلَامُ، حَتَّى إذَا كَانَ قُبَيْلَ الْفَتْحِ، خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ تَاجِرًا إلَى الشَّامِ، وَكَانَ رَجُلًا مَأْمُونًا، بِمَالٍ لَهُ وَأَمْوَالٍ لِرِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، أَبْضَعُوهَا مَعَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ تِجَارَتِهِ وَأَقْبَلَ قَافِلًا، لَقِيَتْهُ سَرِيَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَصَابُوا مَا مَعَهُ، وَأَعْجَزَهُمْ هَارِبًا، فَلَمَّا قَدِمَتْ السَّرِيَّةُ بِمَا أَصَابُوا مِنْ مَالِهِ، أَقْبَلَ أَبُو الْعَاصِ تَحْتَ اللَّيْلِ حَتَّى دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَجَارَ بِهَا، فَأَجَارَتْهُ، وَجَاءَ فِي طَلَبِ مَالِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الصُّبْحِ- كَمَا حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ-

_ [1] أوباش الْقَوْم: ضُعَفَاؤُهُمْ الَّذين يلصقون بهم ويتبعونهم. وإخفاري، أَي نقض عهدي. [2] كَذَا فِي أ، ط. والعديد: الْكَثْرَة وَالْجَمَاعَة. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فديدهم» . والفديد: الصُّرَاخ. [3] زِيَادَة عَن أ. 42- سيرة ابْن هِشَام- 1

(المسلمون يردون عليه ماله ثم يسلم) :

فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ مَعَهُ، صَرَخَتْ زَيْنَبُ مِنْ صُفَّةِ [1] النِّسَاءِ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنِّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ. قَالَ: فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسِ، هَلْ سَمِعْتُمْ مَا سَمِعْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا عَلِمْتُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى سَمِعْتُ مَا سَمِعْتُمْ، إنَّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ. ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّةُ، أَكْرِمِي مَثْوَاهُ، وَلَا يَخْلُصُنَّ إلَيْكَ، فَإِنَّكَ لَا تَحِلِّينَ لَهُ. (الْمُسْلِمُونَ يَرُدُّونَ عَلَيْهِ مَالَهُ ثُمَّ يُسْلِمُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إلَى السَّرِيَّةِ الَّذِينَ أَصَابُوا مَالَ أَبِي الْعَاصِ، فَقَالَ لَهُمْ: إنَّ هَذَا الرَّجُلَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَقَدْ أَصَبْتُمْ لَهُ مَالًا، فَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَرُدُّوا عَلَيْهِ الَّذِي لَهُ، فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَهُوَ فَيْءُ اللَّهِ الَّذِي أَفَاءَ عَلَيْكُمْ، فَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلْ نَرُدُّهُ عَلَيْهِ، فَرَدُّوهُ عَلَيْهِ، حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ لِيَأْتِيَ بِالدَّلْوِ، وَيَأْتِيَ الرَّجُلُ بِالشَّنَّةِ [2] وَبِالْإِدَاوَةِ [3] ، حَتَّى إنَّ أَحَدَهُمْ لِيَأْتِيَ بِالشِّظَاظِ [4] ، حَتَّى رَدُّوا عَلَيْهِ مَالَهُ بِأَسْرِهِ، لَا يَفْقِدُ مِنْهُ شَيْئًا. ثُمَّ احْتَمَلَ إلَى مَكَّةَ، فَأَدَّى إلَى كُلِّ ذِي مَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَالَهُ، وَمَنْ كَانَ أَبْضَعَ مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ بَقِيَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ عِنْدِي مَالٌ لَمْ يَأْخُذْهُ، قَالُوا: لَا. فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، فَقَدْ وَجَدْنَاكَ وَفِيًّا كَرِيمًا قَالَ: فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَاَللَّهِ مَا مَنَعَنِي مِنْ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُ إلَّا تَخَوُّفُ أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي إنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ آكُلَ أَمْوَالَكُمْ، فَلَمَّا أَدَّاهَا اللَّهُ إلَيْكُمْ وَفَرَغْتُ مِنْهَا أَسْلَمْتُ. ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (زَوْجَتُهُ تَرِدُ إِلَيْهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:

_ [1] الصّفة: السَّقِيفَة. [2] الشنة: السقاء الْبَالِي. [3] الْإِدَاوَة: إِنَاء صَغِير من جلد. [4] الشظاظ: خَشَبَة عقفاء تدخل فِي عروتي الجوالق، وَالْجمع: أشظة.

(مثل من أمانة أبى العاص) :

رَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا [1] (بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ) [2] . (مَثَلٌ مِنْ أَمَانَةِ أَبِي الْعَاصِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَّ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ لَمَّا قَدِمَ مِنْ الشَّامِ وَمَعَهُ أَمْوَالُ الْمُشْرِكِينَ، قِيلَ لَهُ: هَلْ لَكَ أَنْ تُسْلِمَ وَتَأْخُذَ هَذِهِ الْأَمْوَالَ، فَإِنَّهَا أَمْوَالُ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ أَبُو الْعَاصِ: بِئْسَ مَا أَبْدَأُ بِهِ إسْلَامِي أَنْ أَخُونَ أَمَانَتِي. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، بِنَحْوِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الْعَاصِ. (الَّذِينَ أَطْلَقُوا مِنْ غَيْرِ فِدَاءٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ مِمَّنْ سُمِّيَ لَنَا مِنْ الْأُسَارَى مِمَّنْ مُنَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ فِدَاءٍ، مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ شَمْسِ مَنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ بُعِثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِدَائِهِ. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ (بْنِ يَقَظَةَ) [2] : الْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، كَانَ لِبَعْضِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَتَرَكَ فِي أَيْدِيهِمْ حَتَّى خَلَّوْا سَبِيلَهُ. فَلَحِقَ بِقَوْمِهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَسَرَهُ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ، أَبُو أَيُّوبَ (الْأَنْصَارِيُّ) [3] ، أَخُو بَنِي النَّجَّارِ.

_ [1] قَالَ السهيليّ: «ويعارض هَذَا الحَدِيث مَا رَوَاهُ عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ردهَا عَلَيْهِ بِنِكَاح جَدِيد. وَهَذَا الحَدِيث هُوَ الّذي عَلَيْهِ الْعَمَل، وَإِن كَانَ حَدِيث دَاوُد بن الْحصين أصح إِسْنَادًا عِنْد أهل الحَدِيث. وَلَكِن لم يقل بِهِ أحد من الْفُقَهَاء فِيمَا علمت، لِأَن الْإِسْلَام قد كَانَ فرق بَينهمَا قَالَ الله تَعَالَى: لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ 60: 10. وَمن جمع بَين الْحَدِيثين قَالَ فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: معنى ردهَا عَلَيْهِ على النِّكَاح الأول، أَي على مثل النِّكَاح الأول فِي الصَدَاق والحباء، لم يحدث على ذَلِك من شَرط وَلَا غَيره» . [2] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ. [3] زِيَادَة عَن أ.

(ثمن الفداء) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَصَيْفِيُّ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدِ [1] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، تُرِكَ فِي أَيْدِي أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ فِي فِدَائِهِ أَخَذُوا عَلَيْهِ لِيَبْعَثُنَّ إلَيْهِمْ بِفِدَائِهِ، فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ، فَلَمْ يَفِ لَهُمْ بِشَيْءٍ، فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ: وَمَا كَانَ صَيْفِيٌّ لِيُوفِيَ ذِمَّةً [2] ... قَفَا ثَعْلَبٍ أَعْيَا بِبَعْضِ الْمَوَارِدِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو عَزَّةَ، عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ حُذَافَةَ ابْن جُمَحَ، كَانَ مُحْتَاجًا ذَا بَنَاتٍ، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لقد عرفت مَالِي مِنْ مَالٍ، وَإِنِّي لَذُو حَاجَةٍ، وَذُو عِيَالٍ، فَامْنُنْ عَلَيَّ، فَمَنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَلَّا يُظَاهِرَ [3] عَلَيْهِ أَحَدًا. فَقَالَ أَبُو عَزَّةَ فِي ذَلِكَ، يَمْدَحُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَذْكُرُ فَضْلَهُ فِي قَوْمِهِ: مَنْ مُبَلِّغٌ عَنِّي الرَّسُولَ مُحَمَّدًا ... بِأَنَّكَ حَقٌّ وَالْمَلِيكُ حَمِيدُ وَأَنْتَ امْرُؤ تَدْعُو إِلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى ... عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ الْعَظِيمِ شَهِيدُ وَأَنْتَ امْرُؤُ بُوِّئْتَ فِينَا مَبَاءَةً ... لَهَا دَرَجَاتٌ سَهْلَةٌ وَصُعُودُ [4] فَإِنَّكَ مَنْ حَارَبْتَهُ لَمُحَارَبٌ ... شَقِيٌّ وَمَنْ سَالَمَتْهُ لَسَعِيدُ وَلَكِنْ إذَا ذُكِّرْتُ بَدْرًا وَأَهْلَهُ ... تَأَوَّبَ مَا بِي: حَسْرَةٌ وَقُعُودُ [5] (ثَمَنُ الْفِدَاءِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: كَانَ فِدَاءُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ لِلرَّجُلِ، إلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، إلَّا مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ، فَمَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ.

_ [1] فِي الْأُصُول: «عَائِذ» . والتصويب عَن شرح السِّيرَة لأبى ذَر. قَالَ أَبُو ذَر: «قَالَ الزبير ابْن بكار فِيمَا حكى الدارقطنيّ عَنهُ: كل من كَانَ من ولد عمر بن مَخْزُوم فَهُوَ عَابِد، يعْنى بِالْبَاء وَالدَّال الْمُهْملَة: وكل من كَانَ من ولد عمرَان بن مَخْزُوم فَهُوَ عَائِذ، يعْنى بِالْيَاءِ المهموزة والذال الْمُعْجَمَة» . [2] كَذَا فِي ديوَان حسان طبع أوربا: «ذمَّة» وَفِي الأَصْل: «أَمَانَة» . [3] المظاهرة: المعاونة. [4] بوئت فِينَا مباءة، أَي نزلت فِينَا منزلَة. [5] تأوب: رَجَعَ.

إسلام عمير بن وهب

إسْلَامُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ (صَفْوَانُ يُحَرِّضُهُ عَلَى قَتْلِ الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: جَلَسَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ مَعَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بَعْدَ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْحِجْرِ بِيَسِيرٍ، وَكَانَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ شَيْطَانًا مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ، وَمِمَّنْ كَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ، وَيَلْقَوْنَ مِنْهُ عَنَاءً وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ ابْنُهُ وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ فِي أُسَارَى بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَسَرَهُ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ أَحَدُ بَنِي زُرَيْقٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: فَذَكَرَ أَصْحَابَ الْقَلِيبِ وَمُصَابَهُمْ، فَقَالَ صَفْوَانُ: وَاَللَّهِ إنْ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ خَيْرٌ، قَالَ لَهُ عُمَيْرٌ: صَدَقَتْ وَاَللَّهِ، أَمَا وَاَللَّهِ لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيَّ لَيْسَ لَهُ عِنْدِي قَضَاءٌ وَعِيَالٌ أَخْشَى عَلَيْهِمْ الضَّيْعَةَ بَعْدِي، لَرَكِبْتُ إلَى مُحَمَّدٍ حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَإِنَّ لِي قِبَلَهُمْ عِلَّةً: ابْنِي أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهِمْ، قَالَ: فَاغْتَنَمَهَا صَفْوَانُ وَقَالَ: عَلَيَّ دَيْنُكَ، أَنَا أَقْضِيهِ عَنْكَ، وَعِيَالُكَ مَعَ عِيَالِي أُوَاسِيهِمْ مَا بَقُوا، لَا يَسَعُنِي شَيْءٌ وَيَعْجِزُ عَنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ: فَاكْتُمْ شَأْنِي وَشَأْنَكَ، قَالَ: أَفْعَلُ. (رُؤْيَةُ عُمَرَ لَهُ وَإِخْبَارُهُ الرَّسُولَ بِأَمْرِهِ) : قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ عُمَيْرٌ بِسَيْفِهِ، فَشُحِذَ لَهُ وَسُمَّ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَبَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ، وَيَذْكُرُونَ مَا أَكْرَمَهُمْ اللَّهُ بِهِ، وَمَا أَرَاهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ، إذْ نَظَرَ عُمَرُ إلَى عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ حِينَ أَنَاخَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مُتَوَشِّحًا السَّيْفَ، فَقَالَ: هَذَا الْكَلْبُ عَدُوُّ اللَّهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ، وَاَللَّهِ مَا جَاءَ إلَّا لِشَرٍّ، وَهُوَ الَّذِي حَرَّشَ [1] بَيْنَنَا، وَحَزَرْنَا [2] لِلْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ. ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، هَذَا عَدُوُّ

_ [1] حرش: أفسد. [2] الحزر: تَقْدِير الْعدَد تخمينا.

(الرسول يحدثه بما بيته هو وصفوان فيسلم) :

اللَّهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ قَدْ جَاءَ مُتَوَشِّحًا سَيْفَهُ، قَالَ: فَأَدْخَلَهُ عَلَيَّ، قَالَ: فَأَقْبَلَ عُمَرُ حَتَّى أَخَذَ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ فَلَبَّبَهُ بِهَا، وَقَالَ لِرِجَالٍ مِمَّنْ كَانُوا مَعَهُ مِنْ الْأَنْصَارِ: اُدْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْلِسُوا عِنْدَهُ، وَاحْذَرُوا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْخَبِيثِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ، ثُمَّ دَخَلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الرَّسُولُ يُحَدِّثُهُ بِمَا بَيَّتَهُ هُوَ وَصَفْوَانُ فَيُسْلِمُ) : فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعُمَرُ آخِذٌ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ، قَالَ: أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ، اُدْنُ يَا عُمَيْرُ، فَدَنَا ثُمَّ قَالَ: انْعَمُوا صَبَاحًا، وَكَانَتْ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِتَحِيَّةِ خَيْرٍ مِنْ تَحِيَّتِكَ يَا عُمَيْرُ، بِالسَّلَامِ: تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ: فَقَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ يَا مُحَمَّدُ إنْ كُنْتُ بِهَا لَحَدِيثُ عَهْدٍ، قَالَ: فَمَا جَاءَ بِكَ يَا عُمَيْرُ؟ قَالَ: جِئْتُ لِهَذَا الْأَسِيرِ الَّذِي فِي أَيْدِيكُمْ فَأَحْسِنُوا فِيهِ، قَالَ: فَمَا بَالُ السَّيْفِ فِي عُنُقِكَ؟ قَالَ: قَبَّحَهَا اللَّهُ مِنْ سُيُوفٍ، وَهَلْ أَغْنَتْ عَنَّا شَيْئًا؟ قَالَ: اُصْدُقْنِي، مَا الَّذِي جِئْتَ لَهُ؟ قَالَ: مَا جِئْتُ إلَّا لِذَلِكَ، قَالَ: بَلْ قَعَدْتَ أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ، فَذَكَرْتُمَا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ قُلْتُ: لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيَّ وَعِيَالٌ عِنْدِي لَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْتُلَ مُحَمَّدًا، فَتَحَمَّلَ لَكَ صَفْوَانُ بِدَيْنِكَ وَعِيَالِكَ، عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِي لَهُ، وَاَللَّهُ حَائِلٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ عُمَيْرٌ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدْ كُنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ نُكَذِّبُكَ بِمَا كُنْتُ تَأْتِينَا بِهِ مِنْ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَمَا يَنْزِلُ عَلَيْكَ مِنْ الْوَحْيِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَحْضُرْهُ إلَّا أَنا وَصَفوَان، فو الله إنِّي لَأَعْلَمُ مَا أَتَاكَ بِهِ إلَّا اللَّهُ، فَالْحَمْدُ للَّه الَّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ، وَسَاقَنِي هَذَا الْمَسَاقَ، ثُمَّ شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقِّهُوا أَخَاكُمْ فِي دِينِهِ. وَأَقْرِئُوهُ الْقُرْآنَ، وَأَطْلِقُوا لَهُ أَسِيرَهُ، فَفَعَلُوا. (رُجُوعُهُ إِلَى مَكَّة يَدْعُو لِلْإِسْلَامِ) : ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي كُنْتُ جَاهِدًا عَلَى إطْفَاءِ نُورِ اللَّهِ، شَدِيدَ الْأَذَى لِمَنْ كَانَ عَلَى دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لِي، فَأَقْدَمَ مَكَّةَ، فَأَدْعُوهُمْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَى الْإِسْلَامِ، لَعَلَّ اللَّهَ يَهْدِيهِمْ،

(هو أو ابن هشام الذي رأى إبليس. وما نزل فيه) :

وَإِلَّا آذَيْتُهُمْ فِي دِينِهِمْ كَمَا كُنْتُ أُوذِي أَصْحَابَكَ فِي دِينِهِمْ؟ قَالَ: فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَحِقَ بِمَكَّةَ. وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ حِينَ خَرَجَ عُمَيْرُ ابْن وَهْبٍ، يَقُولُ: أَبْشِرُوا بِوَقْعَةٍ تَأْتِيكُمْ الْآنَ فِي أَيَّامٍ، تُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ، وَكَانَ صَفْوَانُ يَسْأَلُ عَنْهُ الرُّكْبَانَ، حَتَّى قَدِمَ رَاكِبٌ فَأَخْبَرَهُ عَنْ إسْلَامِهِ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ أَبَدًا، وَلَا يَنْفَعَهُ بِنَفْعِ أَبَدًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا قَدِمَ عُمَيْرٌ مَكَّةَ، أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إلَى الْإِسْلَامِ، وَيُؤْذِي مَنْ خَالَفَهُ أَذًى شَدِيدًا، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ. (هُوَ أَوِ ابْنُ هِشَامٍ الَّذِي رَأَى إِبْلِيسَ. وَمَا نَزَلَ فِيهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ، أَوْ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، قَدْ ذُكِرَ لِي أَحَدُهُمَا، الَّذِي رَأَى إبْلِيسَ حِينَ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ: أَيْن، أَي سراق؟ وَمَثَلَ [1] عَدُوُّ اللَّهِ فَذَهَبَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ. وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقال لَا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ، وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ 8: 48. فَذَكَرَ اسْتِدْرَاجَ إبْلِيسَ إيَّاهُمْ، وَتَشَبُّهَهُ بِسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ لَهُمْ، حِينَ ذَكَرُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ فِي الْحَرْبِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ 8: 48 وَنَظَرَ عَدُوُّ اللَّهِ إلَى جُنُودِ اللَّهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، قَدْ أَيَّدَ اللَّهُ بِهِمْ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى عَدُوِّهِمْ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقال إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى مَا لَا تَرَوْنَ 8: 48. وَصَدَقَ عَدُوُّ اللَّهِ، رَأَى مَا لَمْ يَرَوْا، وَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّهَ، وَالله شَدِيدُ الْعِقابِ 8: 48. فَذُكِرَ لِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَهُ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ لَا يُنْكِرُونَهُ، حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، وَالْتَقَى الْجَمْعَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ، فَأَوْرَدَهُمْ ثُمَّ أَسْلَمَهُمْ. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: نَكَصَ: رَجَعَ. قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ، أَحَدُ بَنِي أُسَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ:

_ [1] مثل، أَي لطئ بِالْأَرْضِ واختفى، وَهُوَ من الأضداد، يكون الماثل: الْقَائِم:، وَيكون الماثل (أَيْضا) : اللاطئ بِالْأَرْضِ.

المطعمون من قريش

نَكَصْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ يَوْمَ [1] جِئْتُمْ ... تُزَجُّونَ أَنْفَالَ الْخَمِيسِ الْعَرَمْرَمِ [2] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. (شِعْرٌ لِحَسَّانَ فِي الْفَخْرِ بِقَوْمِهِ وَمَا كَانَ مِنْ تَغْرِيرِ إبْلِيسَ بِقُرَيْشٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: قَوْمِي الَّذِينَ هُمْ آوَوْا نَبِيَّهُمْ ... وَصَدَّقُوهُ وَأَهْلُ الْأَرْضِ كُفَّارُ إلَّا خَصَائِصَ أَقْوَامٍ هُمْ سَلَفٌ ... لِلصَّالِحِينَ مَعَ الْأَنْصَارِ أَنْصَارُ مُسْتَبْشِرِينَ بِقَسْمِ اللَّهِ قَوْلُهُمْ ... لَمَّا أَتَاهُمْ كَرِيمُ الْأَصْلِ مُخْتَارُ: [3] أَهْلًا وَسَهْلًا فَفِي أَمْنٍ وَفِي سَعَةٍ ... نِعْمَ النَّبِيُّ وَنِعْمَ الْقَسْمُ وَالْجَارُ فَأَنْزَلُوهُ بِدَارِ لَا يُخَافُ بِهَا ... مَنْ كَانَ جَارَهُمْ دَارًا هِيَ الدَّارُ وَقَاسَمُوهُ بِهَا الْأَمْوَالَ إذْ قَدِمُوا ... مُهَاجِرِينَ وَقَسْمُ الْجَاحِدِ النَّارُ سِرْنَا وَسَارُوا إلَى بَدْرٍ لِحَيْنِهِمْ ... لَوْ يَعْلَمُونَ يَقِينَ الْعِلْمِ مَا سَارُوا دَلَّاهُمْ بِغُرُورٍ ثُمَّ أَسْلَمَهُمْ ... إنَّ الْخَبِيثَ لِمَنْ وَالَاهُ غَرَّارُ وَقَالَ إنِّي لَكُمْ جَارٌ فَأَوْرَدَهُمْ ... شَرَّ الْمَوَارِدِ فِيهِ الْخِزْي وَالْعَارُ ثُمَّ الْتَقَيْنَا فَوَلَّوْا عَنْ سَرَاتِهِمْ ... مِنْ مُنْجِدِينَ وَمِنْهُمْ فِرْقَةٌ غَارُوا [4] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ أَنْشَدَنِي قَوْلَهُ « لَمَّا أَتَاهُمْ كَرِيمُ الْأَصْلِ مُخْتَارُ » أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ. الْمُطْعِمُونَ مِنْ قُرَيْشٍ (مِنْ بَنِي هَاشِمٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الْمُطْعِمُونَ [5] مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ.

_ [1] فِي أ: «ثمَّ» . [2] تزجون تساقون سوقا رَفِيقًا، وَفعله: زجى يزجى (بالتضعيف) . وَالْخَمِيس: الْجَيْش. والعرمرم: الْكثير الْمُجْتَمع. [3] الْقسم: الْحَظ والنصيب. [4] سراة الْقَوْم: خيارهم. وغاروا: قصدُوا الْغَوْر، وَهُوَ مَا انخفض من الأَرْض، يُرِيد: تشتتوا. [5] المطعمون: من كَانُوا يطْعمُون الْحَاج فِي كل موسم يعدون لَهُم طَعَاما وينحرون لَهُم إبِلا فيطعمونهم ذَلِك فِي الْجَاهِلِيَّة.

(من بنى عبد شمس) :

(مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ) : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ. (مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ) : وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: الْحَارِثَ بْنَ عَامِرِ [1] بْنِ نَوْفَلٍ، وَطُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلٍ، يَعْتَقِبَانِ ذَلِكَ. (مِنْ بَنِي أَسَدٍ) : وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى: أَبَا الْبَخْتَرِيِّ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ. وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ: يَعْتَقِبَانِ ذَلِكَ. (مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ) : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ: النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ. (نَسَبُ النَّضْرِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ ابْن عَبْدِ الدَّارِ. (مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ: أَبَا [2] جَهْلِ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ابْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ. (مِنْ بَنِي جُمَحَ) : وَمِنْ بَنَى جُمَحَ: أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ. (مِنْ بَنِي سَهْمٍ) : وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو: نُبَيْهًا وَمُنَبِّهًا ابْنَيْ الْحَجَّاجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، يَعْتَقِبَانِ ذَلِكَ.

_ [1] فِي م، ر: «عَمْرو» . وَهُوَ تَحْرِيف. [2] فِي م، ر: «أَبُو» وَهُوَ تَحْرِيف.

(من بنى عامر) :

(مِنْ بَنِي عَامِرٍ) : وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ: سُهَيْلَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ ابْن مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ [1] . أَسَمَاءُ خَيْلِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ الْخَيْلِ، فَرَسُ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: السَّبَلُ [2] ، وَفَرَسُ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو الْبَهْرَانِيِّ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: بَعْزَجَةُ، وَيُقَالُ: سَبْحَةُ، وَفَرَسُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: الْيَعْسُوبُ. (خَيْلُ الْمُشْرِكِينَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمَعَ الْمُشْركين مائَة فَرَسٍ [3] . نُزُولُ سُورَةِ الْأَنْفَالِ (مَا نَزَلَ فِي تَقْسِيمِ الْأَنْفَالِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [4] : فَلَمَّا انْقَضَى أَمْرُ بَدْرٍ، أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ الْأَنْفَالَ بِأَسْرِهَا، فَكَانَ مِمَّا نَزَلَ مِنْهَا فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي النَّفَلِ حِينَ اخْتلفُوا فِيهِ: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ، قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 8: 1. فَكَانَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ- فِيمَا بَلَغَنِي- إذَا سُئِلَ عَنْ الْأَنْفَالِ، قَالَ: فِينَا مَعْشَرَ أَهْلِ [5] بَدْرٍ نَزَلَتْ، حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النَّفَلِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَانْتَزَعَهُ اللَّهُ مِنْ أَيْدِينَا حِينَ سَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا، فَرَدَّهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَسَمَهُ بَيْنَنَا

_ [1] إِلَى هُنَا ينتهى الْجُزْء التَّاسِع من سيرة ابْن هِشَام بِحَسب تقسيمه. [2] فِي الْأُصُول: «السَّيْل» بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة، وَهُوَ تَحْرِيف. (رَاجع شرح السِّيرَة لأبى ذَر والقاموس وَشَرحه) . [3] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ. وَقد زَادَت ط عَلَيْهَا: «فِيمَا ذكر لي عمر مولى غفرة» . [4] فِي م، ر: «قَالَ حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الْملك بن هِشَام قَالَ: حَدثنَا زِيَاد بن عبد الله البكائي عَن مُحَمَّد ابْن إِسْحَاق المطلبي، قَالَ» . [5] فِي أ، ط: «أَصْحَاب» .

(ما نزل في خروج القوم مع الرسول لملاقاة قريش) :

عَنْ بَوَاءٍ- يَقُولُ: عَلَى السَّوَاءِ- وَكَانَ فِي ذَلِكَ تَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتُهُ، وَطَاعَةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ. (مَا نَزَلَ فِي خُرُوجِ الْقَوْمِ مَعَ الرَّسُولِ لِمُلَاقَاةِ قُرَيْشٍ) : ثُمَّ ذَكَرَ الْقَوْمَ وَمَسِيرَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ عَرَفَ الْقَوْمُ أَنَّ قُرَيْشًا قَدْ سَارُوا إلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا خَرَجُوا يُرِيدُونَ الْعِيرَ طَمَعًا فِي الْغَنِيمَةِ، فَقَالَ: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ، وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ. يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ 8: 5- 6: أَيْ كَرَاهِيَةً لِلِقَاءِ الْقَوْمِ [1] ، وَإِنْكَارًا لِمَسِيرِ قُرَيْشٍ، حِينَ ذُكِرُوا لَهُمْ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ، وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ 8: 7: أَيْ الْغَنِيمَةَ دُونَ الْحَرْبِ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ، وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ 8: 7: أَيْ بِالْوَقْعَةِ الَّتِي أَوْقَعَ بِصَنَادِيدِ قُرَيْشٍ وَقَادَتِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ 8: 9: أَيْ لِدُعَائِهِمْ حِينَ نَظَرُوا إلَى كَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ، وَقِلَّةِ عَدَدِهِمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ 8: 9 بِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُعَائِكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ 8: 9. إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ 8: 11: أَيْ أَنْزَلْتُ عَلَيْكُمْ الْأَمَنَةَ حِينَ نِمْتُمْ لَا تَخَافُونَ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً 8: 11 لِلْمَطَرِ الَّذِي أَصَابَهُمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَحَبَسَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَسْبِقُوا إلَى الْمَاءِ، وَخَلَّى سَبِيلَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ، وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ 8: 11: أَيْ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ شَكَّ الشَّيْطَانِ، لِتَخْوِيفِهِ إيَّاهُمْ عَدُوَّهُمْ، وَاسْتِجْلَادِ [2] الْأَرْضِ لَهُمْ، حَتَّى انْتَهَوْا إلَى مَنْزِلِهِمْ الَّذِي سَبَقُوا إلَيْهِ عَدُوَّهُمْ. (مَا نَزَلَ فِي تَبْشِيرِ الْمُسْلِمِينَ بِالْمُسَاعَدَةِ وَالنَّصْرِ، وَتَحْرِيضِهِمْ) : ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا 8: 12:

_ [1] فِي أ: «الْعَدو» . [2] استجلاد الأَرْض: شدتها.

(ما نزل في رمى الرسول للمشركين بالحصباء) :

أَيْ آزِرُوا [1] الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ، فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ، وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَمن يُشاقِقِ اللَّهِ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ 8: 12- 13، ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ. وَمن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ، فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ، وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ 8: 15- 16: أَيْ تَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ لِئَلَّا يَنْكُلُوا عَنْهُمْ إذَا لَقُوهُمْ، وَقَدْ وَعَدَهُمْ اللَّهُ فِيهِمْ مَا وَعَدَهُمْ. (مَا نَزَلَ فِي رَمْيِ الرَّسُولِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْحَصْبَاءِ) : ثُمَّ قَالَ تَعَالَى فِي رَمْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُمْ بِالْحَصْبَاءِ مِنْ يَدِهِ، حِينَ رَمَاهُمْ: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى 8: 17: أَيْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِرَمْيَتِكَ، لَوْلَا الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ فِيهَا مِنْ نَصْرِكَ، وَمَا أَلْقَى فِي صُدُورِ عَدُوِّكَ مِنْهَا حِينَ هَزَمَهُمْ اللَّهُ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً 8: 17: أَيْ لِيُعَرِّفَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ فِي إظْهَارِهِمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَقِلَّةِ عَدَدِهِمْ، لِيَعْرِفُوا بِذَلِكَ حَقَّهُ، وَيَشْكُرُوا بِذَلِكَ نِعْمَتَهُ. (مَا نزل فِي الاستفتاح) : ثُمَّ قَالَ: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ 8: 19: أَيْ لِقَوْلِ أَبِي جَهْلٍ: اللَّهمّ أَقْطَعَنَا لِلرَّحِمِ، وَآتَانَا بِمَا لَا يُعْرَفُ، فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ. وَالِاسْتِفْتَاحُ: الْإِنْصَافُ فِي الدُّعَاءِ. يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَإِنْ تَنْتَهُوا 8: 19: أَيْ لِقُرَيْشِ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ 8: 19: أَيْ بِمِثْلِ الْوَقْعَةِ الَّتِي أَصَبْنَاكُمْ بِهَا يَوْمَ بَدْرٍ: وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ 8: 19: أَيْ أَنَّ عَدَدَكُمْ وَكَثْرَتَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ شَيْئًا، وَإِنِّي مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْصُرهُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ.

_ [1] فِي أ، ط: «وازروا» وهما بِمَعْنى.

(ما نزل في حض المسلمين على طاعة الرسول) :

(مَا نَزَلَ فِي حَضِّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى طَاعَةِ الرَّسُولِ) : ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ 8: 20: أَيْ لَا تُخَالِفُوا أَمْرَهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ لِقَوْلِهِ، وَتَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ مِنْهُ، وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ 8: 21: أَيْ كَالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ لَهُ الطَّاعَةَ، وَيُسِرُّونَ لَهُ الْمَعْصِيَةَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ 8: 22: أَيْ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ نَهَيْتُكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ، بُكْمٌ عَنْ الْخَيْرِ، صُمٌّ عَنْ الْحَقِّ، لَا يَعْقِلُونَ: لَا يَعْرِفُونَ مَا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ النِّقْمَةِ وَالتَّبَاعَةِ [1] وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ 8: 23، أَيْ لَأَنْفَذَ لَهُمْ قَوْلَهُمْ الَّذِي قَالُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَلَكِنَّ الْقُلُوبَ خَالَفَتْ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَلَو خَرجُوا مَعكُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ 8: 23، مَا وَفَوْا لَكُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا خَرَجُوا عَلَيْهِ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ 8: 24: أَيْ لِلْحَرْبِ الَّتِي أَعَزَّكُمْ اللَّهُ بِهَا بَعْدَ الذُّلِّ، وَقَوَّاكُمْ بِهَا بَعْدَ الضَّعْفِ، وَمَنَعَكُمْ بِهَا مِنْ عَدُوِّكُمْ بَعْدَ الْقَهْرِ مِنْهُمْ لَكُمْ، وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ، فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ، وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ 8: 26- 27 أَيْ لَا تُظْهِرُوا لَهُ مِنْ الْحَقِّ مَا يَرْضَى بِهِ مِنْكُمْ، ثُمَّ تُخَالِفُوهُ فِي السِّرِّ إلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ هَلَاكٌ لِأَمَانَاتِكُمْ، وَخِيَانَةٌ لِأَنْفُسِكُمْ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً، وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَالله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ 8: 29: أَيْ فَصْلًا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، لِيُظْهِرَ اللَّهُ بِهِ حَقَّكُمْ، وَيُطْفِئَ بِهِ بَاطِلَ مَنْ خَالَفَكُمْ. (مَا نَزَلَ فِي ذِكْرِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى الرَّسُولِ) : ثُمَّ ذَكَّرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِ، حِينَ مَكَرَ بِهِ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ أَوْ يُثْبِتُوهُ أَوْ يُخْرِجُوهُ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ، وَالله خَيْرُ الْماكِرِينَ 8: 30: أَيْ فَمَكَرْتُ بِهِمْ بِكَيْدِي الْمَتِينِ حَتَّى خَلَّصْتُكَ مِنْهُمْ.

_ [1] التباعة: والتبعة: طلب الْمَرْء بِمَا ارْتكب عَن مظالم.

(ما نزل في غرة قريش واستفتاحهم) :

(مَا نَزَلَ فِي غِرَّةِ قُرَيْشٍ وَاسْتِفْتَاحِهِمْ) : ثُمَّ ذَكَرَ غِرَّةَ قُرَيْشٍ وَاسْتِفْتَاحَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، إذْ قَالُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ 8: 32 أَيْ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ 8: 32 كَمَا أَمْطَرْتهَا عَلَى قَوْمِ لُوطٍ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ 8: 32 أَيْ بَعْضِ مَا عَذَّبْتُ بِهِ الْأُمَمَ قَبْلَنَا، وَكَانُوا يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُنَا وَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُهُ، وَلَمْ يُعَذِّبْ أُمَّةً وَنَبِيُّهَا مَعَهَا حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا. وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَذْكُرُ جَهَالَتَهُمْ وَغِرَّتَهُمْ وَاسْتِفْتَاحَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، حِينَ نَعَى سُوءَ أَعْمَالِهِمْ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ، وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ 8: 33 أَيْ لِقَوْلِهِمْ: إنَّا نَسْتَغْفِرُ وَمُحَمَّدٌ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، ثُمَّ قَالَ وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ 8: 34 وَإِنْ كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ كَمَا يَقُولُونَ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ 8: 34: أَيْ مَنْ آمَنَ باللَّه وَعَبْدَهُ: أَيْ أَنْتَ وَمَنْ اتَّبَعَكَ، وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ 8: 34 الَّذِينَ يُحَرِّمُونَ حُرْمَتَهُ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ عِنْدَهُ: أَيْ أَنْتَ وَمَنْ آمَنَ بِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ 8: 34. وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ 8: 35 الَّتِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُ يَدْفَعُ بِهَا عَنْهُمْ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً 8: 35. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمُكَاءُ: الصَّفِيرُ. وَالتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ. قَالَ عَنْتَرَةُ بْنُ عَمْرٍو (ابْنُ شَدَّادٍ) [1] الْعَبْسِيُّ: وَلَرُبَّ قِرْنٍ قَدْ تَرَكْتُ مُجَدَّلًا ... تَمْكُو فَرِيصَتُهُ كَشِدْقِ الْأَعْلَمِ [2] يَعْنِي: صَوْتَ خُرُوجِ الدَّمِ مِنْ الطَّعْنَةِ، كَأَنَّهُ الصَّفِيرُ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ بْنُ حَكِيمٍ الطَّائِيُّ:

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] مجدلا: أَي لاصقا بالجدالة، وَهِي الأَرْض. والفريصة: بضعَة فِي مرجع الْكَتف. وَيُرِيد «بالأعلم» : الْجمل. وَهُوَ فِي الأَصْل: المشقوق شفته الْعليا.

(المدة بين يا أيها المزمل 73: 1 وبدر) :

لَهَا كُلَّمَا رِيعَتْ صَدَاةٌ وَرَكْدَةٌ ... بِمُصْدَانَ أَعْلَى ابْنَيْ شَمَامِ الْبَوَائِنِ [1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. يَعْنِي الْأُرْوِيَّةَ، يَقُولُ: إذَا فَزِعَتْ قَرَعَتْ بِيَدِهَا الصَّفَاةَ ثُمَّ رَكَدَتْ تَسْمَعُ صَدَى قَرْعِهَا بِيَدِهَا الصَّفَاةَ مِثْلُ التَّصْفِيقِ. وَالْمُصْدَانَ: الْحِرْزُ [2] . وَابْنَا شَمَامِ: جَبَلَانِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذَلِكَ مَا لَا يُرْضِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يُحِبُّهُ، وَلَا مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ، وَلَا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ 3: 106: أَيْ لِمَا أَوْقَعَ بِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ الْقَتْلِ. (الْمُدَّةُ بَيْنَ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ 73: 1 وَبَدْرٌ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا كَانَ بَيْنَ نُزُولِ: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ 73: 1، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا. إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا وَجَحِيماً. وَطَعاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً 73: 11- 13 إلَّا يَسِيرٌ، حَتَّى أَصَابَ اللَّهُ قُرَيْشًا بِالْوَقْعَةِ يَوْمَ بَدْرٍ. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَنْكَالُ: الْقُيُودُ، وَاحِدُهَا: نِكْلٌ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ: يَكْفِيكَ نِكْلِي بَغْيَ كُلِّ نِكْلِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. (مَا نَزَلَ فِيمَنْ عَاوَنُوا أَبَا سُفْيَانَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ 8: 36 يَعْنِي النَّفَرَ الَّذِينَ مَشَوْا إلَى أَبِي سُفْيَانَ، وَإِلَى مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي تِلْكَ التِّجَارَةِ، فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُقَوُّوهُمْ بِهَا عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَعَلُوا.

_ [1] صداة، أَي تصفير. والركدة: السّكُون. والمصدان: جمع مصاد، وَهُوَ الْجِدَار. وَابْن شمام: هضبتان تتصلان بجبل شمام. وَقيل: إنَّهُمَا رأسان للجبل وتسميهما الْعَرَب أبانين والبوائن: الَّتِي بَان بَعْضهَا عَن بعض. [2] كَذَا فِي أ، ط. والحرز: الْمَانِع الّذي يحرز من لَجأ إِلَيْهِ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الْحزن» . وَلَعَلَّه محرف عَن الْجدر. (انْظُر مُعْجم مَا استعجم للبكرى «شمام» ) .

(الأمر بقتال الكفار) :

ثُمَّ قَالَ: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا 8: 38 لِحَرْبِكَ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ 8: 38 أَيْ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ. (الْأَمْرُ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ) : ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ 8: 39: أَيْ حَتَّى لَا يُفْتَنَ مُؤْمِنٌ عَنْ دِينِهِ، وَيَكُونَ التَّوْحِيدُ للَّه خَالِصًا لَيْسَ لَهُ فِيهِ شَرِيكٌ، وَيُخْلَعَ مَا دُونَهُ مِنْ الْأَنْدَادِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. وَإِنْ تَوَلَّوْا 8: 39- 40 عَنْ أَمْرِكَ إلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ 8: 40 الَّذِي أَعَزَّكُمْ وَنَصَرَكُمْ عَلَيْهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ فِي كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَقِلَّةِ عَدَدِكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ 8: 40. (مَا نَزَلَ فِي تَقْسِيمِ الْفَيْءِ) : ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ مَقَاسِمَ الْفَيْءِ وَحُكْمَهُ فِيهِ، حِينَ أَحَلَّهُ لَهُمْ، فَقَالَ وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَالله عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 8: 41 أَيْ يَوْمَ فَرَّقْتُ فِيهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ بِقُدْرَتِي يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا 8: 42 مِنْ الْوَادِي وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى 8: 42 مِنْ الْوَادِي إلَى مَكَّةَ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ 8: 42: أَيْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ الَّتِي خَرَجْتُمْ لِتَأْخُذُوهَا وَخَرَجُوا لِيَمْنَعُوهَا عَنْ غَيْرِ مِيعَادٍ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ 8: 42 أَيْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ مِيعَادٍ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ ثُمَّ بَلَغَكُمْ كَثْرَةُ عَدَدِهِمْ، وَقِلَّةُ عَدَدِكُمْ مَا لَقِيتُمُوهُمْ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا 8: 42 أَيْ لِيَقْضِيَ مَا أَرَادَ بِقُدْرَتِهِ مِنْ إعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَإِذْلَالِ الْكُفْرِ وَأَهْلِهِ عَنْ غَيْرِ بَلَاءٍ [1] مِنْكُمْ فَفَعَلَ مَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ بِلُطْفِهِ، ثُمَّ قَالَ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ 8: 42

_ [1] فِي أ، ط: «ملاء» .

(ما نزل في لطف الله بالرسول) :

أَيْ لِيَكْفُرَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ الْحُجَّةِ لِمَا رَأَى مِنْ الْآيَةِ وَالْعِبْرَةِ، وَيُؤْمِنُ مَنْ آمَنَ عَلَى مِثْلِ ذلكَ. (مَا نَزَلَ فِي لُطْفِ اللَّهِ بِالرَّسُولِ) : ثُمَّ ذَكَرَ لُطْفَهُ بِهِ وَكَيْدَهُ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا، وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ 8: 43، فَكَانَ مَا أَرَاكَ مِنْ ذَلِكَ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ، شَجَّعَهُمْ بِهَا عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَكَفَّ بِهَا عَنْهُمْ مَا تُخُوِّفَ [1] عَلَيْهِمْ مِنْ ضَعْفِهِمْ، لِعِلْمِهِ بِمَا فِيهِمْ. - قَالَ [2] ابْنُ هِشَامٍ: تُخُوِّفَ: مُبَدَّلَةٌ مِنْ كَلِمَةٍ ذَكَرَهَا ابْنُ إسْحَاقَ وَلَمْ أَذْكُرْهَا [3] وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا 8: 44: أَيْ لِيُؤَلِّفَ بَيْنَهُمْ عَلَى الْحَرْبِ لِلنِّقْمَةِ مِمَّنْ أَرَادَ الِانْتِقَامَ مِنْهُ، وَالْإِنْعَامَ عَلَى مَنْ أَرَادَ إتْمَامَ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ، مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ. (مَا نَزَلَ فِي وَعْظِ الْمُسْلِمِينَ وَتَعْلِيمِهِمْ خُطَطَ الْحَرْبِ) : ثُمَّ وَعَظَهُمْ وَفَهَّمَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَسِيرُوا بِهِ فِي حَرْبِهِمْ، فَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً 8: 45 تُقَاتِلُونَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً 8: 45 الَّذِي لَهُ بَذَلْتُمْ أَنْفُسَكُمْ، وَالْوَفَاءَ لَهُ بِمَا أَعْطَيْتُمُوهُ مِنْ بَيْعَتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا 8: 45- 46: أَيْ لَا تَخْتَلِفُوا فَيَتَفَرَّقَ أَمْرُكُمْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ 8: 46 أَيْ وَتَذْهَبَ حِدَّتُكُمْ [4] وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ 8: 46 أَيْ إنِّي مَعَكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ 8: 47: أَيْ لَا تَكُونُوا كَأَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ، الَّذِينَ قَالُوا: لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَأْتِيَ بَدْرًا فَنَنْحَرَ بِهَا

_ [1] فِي أ: «يتخوف» . [2] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ. [3] قَالَ أَبُو ذَر: «يُقَال: الْكَلِمَة (تخويف) بِفَتْح التَّاء وَالْخَاء وَالْوَاو، وَقيل: كَانَت (تخوفت) وَأصْلح ذَلِك ابْن هِشَام لشناعة اللَّفْظ فِي حق الله عز وَجل» . [4] فِي أ: «وَيذْهب حدكم» وهما بِمَعْنى. 43- سيرة ابْن هِشَام- 1

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

الْجُزُرَ وَتُسْقَى بِهَا الْخَمْرَ، وَتَعْزِفُ عَلَيْنَا فِيهَا الْقِيَانُ، وَتَسْمَعُ الْعَرَبُ: أَيْ لَا يَكُونُ أَمْرُكُمْ رِيَاءً، وَلَا سُمْعَةً، وَلَا الْتِمَاسَ مَا عِنْدَ النَّاسِ وَأَخْلِصُوا للَّه النِّيَّةَ وَالْحِسْبَةَ فِي نَصْرِ دِينِكُمْ، وَمُوَازَرَةِ نَبِيِّكُمْ، لَا تَعْمَلُوا إلَّا لِذَلِكَ وَلَا تَطْلُبُوا غَيْرَهُ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقال لَا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ، وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ 8: 48. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَ الْكُفْرِ، وَمَا يَلْقَوْنَ عِنْدَ مَوْتِهِمْ، وَوَصَفَهُمْ بِصِفَتِهِمْ، وَأَخْبَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ، حَتَّى انْتَهَى إلَى أَنْ قَالَ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ 8: 57 أَيْ فَنَكِّلْ بِهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْقِلُونَ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمن رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ 8: 60.. إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ، وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ 8: 60: أَيْ لَا يَضِيعُ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَجْرُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَعَاجِلٌ خِلَفَهُ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها 8: 61: أَيْ إنْ دَعَوْكَ إلَى السَّلْمِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَصَالِحْهُمْ عَلَيْهِ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ 8: 61 إنَّ اللَّهَ كَافِيكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 8: 61. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: جَنَحُوا لِلسَّلْمِ: مَالُوا إلَيْكَ لِلسَّلْمِ. الْجُنُوحُ: الْمَيْلُ. قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ: جُنُوحُ الْهَالِكِيَّ عَلَى يَدَيْهِ ... مُكِبًّا يَجْتَلِي نُقَبَ النِّصَالِ [1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ (يُرِيدُ: الصَّيْقَلَ الْمُكِبَّ عَلَى عَمَلِهِ. النَّقْبُ صَدَأُ السَّيْفِ. يَجْتَلِي: يَجْلُو السَّيْفَ) [2] . وَالسَّلْمُ (أَيْضًا) : الصُّلْحُ، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ 47: 35، وَيُقْرَأُ: «إلَى السِّلم» ، وَهُوَ ذَلِكَ الْمَعْنَى. قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى:

_ [1] الهالكى: الْحداد والصيقل، نِسْبَة إِلَى الْهَالِك بن أَسد أول من عمل الْحداد. [2] زِيَادَة عَن أ.

وَقَدْ قُلْتُمَا إنْ نُدْرِكْ السِّلْمَ وَاسِعًا ... بِمَالٍ وَمَعْرُوفٍ مِنْ الْقَوْلِ نَسْلَمْ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ 8: 61 لِلْإِسْلَامِ. وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً 2: 208، وَيُقْرَأُ «فِي السَّلْم» ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ. قَالَ أُمَيَّةُ ابْن أَبِي الصَّلْتِ: فَمَا أَنَابُوا لِسَلْمٍ حِينَ تُنْذِرُهُمْ ... رُسْلَ الْإِلَهِ وَمَا كَانُوا لَهُ عَضُدَا [1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ لِدَلْوٍ تُعْمَلُ مُسْتَطِيلَةً: السَّلْمُ. قَالَ طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ، أَحَدُ بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، يَصِفُ نَاقَةً لَهُ: لَهَا مِرْفَقَانِ أَفْتَلَانِ كَأَنَّمَا ... تَمُرُّ بِسَلْمَى دَالِحٍ مُتَشَدِّدٍ [2] (وَيُرْوَى: دَالِجٍ) [3] . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ 8: 62 هُوَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ. هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ 8: 62 بَعْدَ الضَّعْفِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ 8: 62- 63 عَلَى الْهُدَى الَّذِي بَعَثَكَ اللَّهُ بِهِ إلَيْهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ 8: 63 بِدِينِهِ الَّذِي جَمَعَهُمْ عَلَيْهِ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 8: 63. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمن اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ، إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ 8: 64- 65: أَيْ لَا يُقَاتِلُونَ عَلَى نِيَّةٍ وَلَا حَقٍّ وَلَا مَعْرِفَةٍ بِخَيْرٍ وَلَا شَرٍّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ

_ [1] أناب: رَجَعَ. [2] الدالح: الّذي يمشى بِحمْلِهِ منقبض الخطو لثقله عَلَيْهِ. [3] زِيَادَة عَن أ. والدالج: الّذي يمشى بالدلو بَين الْحَوْض والبئر.

(ما نزل في الأسارى والمغانم) :

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ اشْتَدَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَعْظَمُوا أَنْ يُقَاتل عشرُون مِائَتَيْنِ، وَمِائَة أَلْفًا، فَخَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَنَسَخَتْهَا الْآيَةُ الْأُخْرَى، فَقَالَ: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً، فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَالله مَعَ الصَّابِرِينَ 8: 66. قَالَ: فَكَانُوا إذَا كَانُوا عَلَى الشَّطْرِ مِنْ عَدُوِّهِمْ لَمْ يَنْبَغِ لَهُمْ أَنْ يَفِرُّوا مِنْهُمْ، وَإِذَا كَانُوا دُونَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ قِتَالُهُمْ وَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَتَحَوَّزُوا عَنْهُمْ. (مَا نَزَلَ فِي الْأُسَارَى وَالْمَغَانِمِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ عَاتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُسَارَى، وَأَخْذِ الْمَغَانِمِ [1] ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ قَبْلَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَأْكُلُ مَغْنَمًا مِنْ عَدُوٍّ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا [2] وَطَهُورًا، وَأُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تُحْلَلْ لِنَبِيٍّ كَانَ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، خَمْسٌ لَمْ يُؤْتَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ: مَا كانَ لِنَبِيٍّ 8: 67: أَيْ قَبْلَكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى 8: 67 مِنْ عَدُوِّهِ حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ 8: 67، أَيْ يُثْخِنَ [3] عَدُوَّهُ، حَتَّى يَنْفِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا 8: 67: أَيْ الْمَتَاعَ، الْفِدَاءَ بِأَخْذِ الرِّجَالِ وَالله يُرِيدُ الْآخِرَةَ 8: 67: أَيْ قَتْلَهُمْ لِظُهُورِ الدِّينِ الَّذِي يُرِيدُ إظْهَارَهُ، وَاَلَّذِي تُدْرَكُ بِهِ الْآخِرَةُ لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ 8: 68: أَيْ مِنْ الْأُسَارَى وَالْمَغَانِمِ عَذابٌ عَظِيمٌ 8: 68: أَيْ لَوْلَا أَنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنِّي لَا أُعَذِّبُ إلَّا بَعْدَ النَّهْيِ وَلَمْ يَكُ نَهَاهُمْ، لَعَذَّبْتُكُمْ فِيمَا صَنَعْتُمْ، ثُمَّ أَحَلَّهَا لَهُ وَلَهُمْ رَحْمَةً مِنْهُ، وَعَائِدَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 8: 69.

_ [1] فِي أ: «الْغَنَائِم» . [2] فِي أ: «مَسَاجِد» . [3] الْإِثْخَان: التَّضْيِيق على الْعَدو.

(ما نزل في التواصل بين المسلمين) :

ثُمَّ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهِ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ، وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ 8: 70. (مَا نَزَلَ فِي التَّوَاصُلِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) : وَحَضَّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى التَّوَاصُلِ، وَجَعَلَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ أَهْلَ وِلَايَةٍ فِي الدِّينِ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ، وَجَعَلَ الْكُفَّارَ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، ثُمَّ قَالَ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ 8: 73 أَيْ إلَّا يُوَالِ الْمُؤْمِنُ الْمُؤْمِنَ مِنْ دُونِ الْكَافِرِ، وَإِنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ بِهِ: تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ 8: 73 أَيْ شُبْهَةٌ فِي الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَظُهُورِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِتَوَلِّي الْمُؤْمِنِ الْكَافِرَ دُونَ الْمُؤْمِنِ. ثُمَّ رَدَّ الْمَوَارِيثَ إلَى الْأَرْحَامِ مِمَّنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْوَلَايَةِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ دُونَهُمْ إلَى الْأَرْحَامِ الَّتِي بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ، وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ 8: 75 أَيْ بِالْمِيرَاثِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 8: 75. مَنْ حَضَرَ بَدْرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (مِنْ بنى هَاشم وَالْمطلب) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ مِنْ (قُرَيْشٍ، ثُمَّ مِنْ) [1] بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ ابْن مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ. مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ [2] ، ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، أَسَدُ اللَّهِ، وَأَسَدُ رَسُولِهِ، عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ،

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] فِي أ: «الْمُسلمين» .

(من بنى عبد شمس) :

وَزَيْدُ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ الْكَلْبِيُّ، أَنْعَمَ (اللَّهُ) [1] عَلَيْهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ [2] بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ عَوْفِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ بَكْرِ ابْن عَوْفِ بْنِ عُذْرَةَ بن زيد اللّات بْنِ رُفَيْدَةَ [3] بْنِ ثَوْرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ وَبْرَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَنَسَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَبُو كَبْشَةَ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنَسَةُ: حَبَشِيٌّ، وَأَبُو كَبْشَةَ: فَارِسِيٌّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَأَبُو مَرْثَدٍ كَنَّازُ بْنُ حِصْنِ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ يَرْبُوعِ ابْن خَرَشَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ طَرِيفِ بْنِ جِلَّانَ [4] بْنِ غَنْمِ بْنِ غَنِيِّ بْنِ يَعْصُرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: كَنَّازُ بْنُ حُصَيْنٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَابْنُهُ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ، حَلِيفَا حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعُبَيْدَةَ [5] بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، وَأَخَوَاهُ الطُّفَيْلُ بْنُ الْحَارِثِ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ، وَمِسْطَحٌ، وَاسْمُهُ: عَوْفُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ. اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا. (مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ) : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ ابْن عَبْدِ شَمْسٍ، تَخَلَّفَ عَلَى امْرَأَتِهِ رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمِهِ، قَالَ: وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] وبهذه الرِّوَايَة ذكره ابْن عبد الْبر. [3] كَذَا فِي م، ر. والاستيعاب. وَفِي أ: «زفيدة» بالزاي. [4] كَذَا فِي م، ر. وَفِي أ «حلان» بِالْحَاء الْمُهْملَة. قَالَ أَبُو ذَر: «وَقع هُنَا بِالْجِيم والحاء الْمُهْملَة أَيْضا، وَصَوَابه بِالْجِيم» . [5] فِي م، ر،: «عبيد» . وَهُوَ تَحْرِيف. (رَاجع الطَّبَرِيّ والاستيعاب) .

(نسب سالم) :

قَالَ: وَأَجْرُكَ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَسَالِمٌ، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ أَبِي حُذَيْفَةَ: مِهْشَمٌ [1] . (نَسَبُ سَالِمٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَسَالِمٌ، سَائِبَةٌ لِثُبَيْتَةَ بِنْتِ يَعَارَ بْنِ زَيْدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، سَيَّبَتْهُ فَانْقَطَعَ إلَى أَبِي حُذَيْفَةَ فَتَبَنَّاهُ، وَيُقَالُ: كَانَتْ ثُبَيْتَةُ بِنْتُ يَعَارَ تَحْتَ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ، فَأَعْتَقَتْ سَالِمًا سَائِبَةً، فَقِيلَ: سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَعَمُوا أَنَّ صُبَيْحًا مَوْلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ تَجَهَّزَ لِلْخُرُوجِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ مَرِضَ، فَحَمَلَ عَلَى بَعِيرِهِ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، ثُمَّ شَهِدَ صُبَيْحٌ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ) : وَشَهِدَ بَدْرًا مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ: عَبْدُ اللَّهِ ابْن جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ صَبْرَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَبِيرِ [2] بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ ابْن أَسَدٍ، وَعُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ مُرَّةَ (بْنِ) [3] كَبِيرِ ابْن غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ، وَشُجَاعُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ صُهَيْبِ ابْن مَالِكِ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدِ، وَأَخُوهُ عُقْبَةُ بْنُ وَهْبٍ، وَيَزِيدُ ابْن رُقَيْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ صَبْرَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ ابْن أَسَدٍ، وَأَبُو سِنَانِ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ بْنِ قَيْسٍ، أَخُو عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ، وَابْنُهُ سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ، وَمُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ [4] بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَبِيرِ

_ [1] قَالَ أَبُو ذَر: «اسْم أَبى حُذَيْفَة هَذَا قيس، وَأما مهشم، فَهُوَ أَبُو حُذَيْفَة بن الْمُغيرَة بن عبد الله أَبُو مُحَمَّد بن مَخْزُوم» . [2] فِي الِاسْتِيعَاب: «كثير» . [3] زِيَادَة عَن أ، ط، والاستيعاب وَأسد الغابة. [4] فِي م، ر: «عبيد الله» . وَهُوَ تَحْرِيف. (رَاجع الِاسْتِيعَاب) .

(من حلفاء بنى كبير) :

ابْن غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ بْنِ سَخْبَرَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ لُكَيْزِ ابْن عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ. (مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي كَبِيرٍ) : وَمِنْ حُلَفَاءِ بَنِي كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ: ثَقْفُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَخَوَاهُ: مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو، وَمُدْلِجُ بْنُ عَمْرٍو. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مِدْلَاجُ [1] بْنُ عَمْرٍو. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهُمْ مِنْ بَنِي حَجْرٍ، آلِ بَنِي سُلَيْمٍ. وَأَبُو مَخْشِيٍّ، حَلِيفٌ لَهُمْ. سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو مَخْشِيٍّ طَائِيٌّ، وَاسْمُهُ: سُوَيْدُ بْنُ مَخْشِيٍّ. (مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرِ ابْن وَهْبِ بْنِ نُسَيْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَازِنِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ، وَخَبَّابٌ، مَوْلَى عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ- رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي أَسَدٍ) : وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ: الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ، وَحَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَسَعْدٌ مَوْلَى حَاطِبٍ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَاسْمُ أَبِي بَلْتَعَةَ: عَمْرٌو، لَخْمِيٌّ، وَسَعْدٌ مَوْلَى حَاطِبٍ، كَلْبِيٌّ. (مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ ابْن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ، وَسُوَيْبِطُ بْنُ سَعْدِ بْنِ حُرَيْمِلَةَ بْنِ مَالِكِ ابْن عُمَيْلَةَ بْنِ السَّبَّاقِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي زُهْرَةَ) : وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ

_ [1] وبالروايتين ذكره ابْن عبد الْبر فِي كِتَابه «الِاسْتِيعَاب» .

ابْن الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ- وَأَبُو وَقَّاصٍ [1] مَالِكُ بْنُ أُهَيْبِ ابْن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ. وَأَخُوهُ عُمَيْرُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ: الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ ثُمَامَةَ بْنِ مَطْرُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ ثَوْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الشَّرِيدِ بْنِ هَزْلِ ابْن قَائِشِ بْنِ دُرَيْمِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ أَهْوَدَ بْنِ بَهْرَاءَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافِّ بْنِ قُضَاعَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: هَزْلُ بْنُ قَاسِ بْنِ ذَرٍّ- وَدَهِيرُ بْنُ ثَوْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شَمْخِ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ صَاهِلَةَ بْنِ كَاهِلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ، وَمَسْعُودُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ حَمَالَةَ بْنِ غَالِبِ بْنِ مُحَلِّمِ بْنِ عَائِذَةَ بْنِ سُبَيْعِ بْنِ الْهُونِ بْنِ خُزَيْمَةَ، مِنْ الْقَارَةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْقَارَةُ: لَقَبٌ لَهُمْ. وَيُقَالُ: قَدْ أَنْصَفَ الْقَارَةَ مَنْ رَامَاهَا وَكَانُوا رُمَاةً. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذُو الشِّمَالَيْنِ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ بْنِ [2] غُبْشَانَ بْنِ سُلَيْمِ ابْن مَلَكَانِ بْنِ أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، مِنْ خُزَاعَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ: ذُو الشِّمَالَيْنِ، لِأَنَّهُ كَانَ أَعْسَرَ، وَاسْمُهُ عُمَيْرٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ، ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ، مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَلَهُ عَقِبٌ، وَهُمْ بِالْكُوفَةِ، وَيُقَالُ: خَبَّابٌ مِنْ خُزَاعَةَ [3] .

_ [1] فِي أ: «وَسعد بن أَبى وَقاص مَالك بن أهيب ... إِلَخ» . [2] فِي م، ر: «من» . [3] وَالصَّحِيح أَنه تميمى النّسَب لحقه السباء فِي الْجَاهِلِيَّة، فاشترته امْرَأَة من خُزَاعَة وأعتقته، وَكَانَت من حلفاء بنى عَوْف بن عبد عَوْف بن عبد الْحَارِث بن زهرَة، فَهُوَ تميمى بِالنّسَبِ، خزاعيّ بِالْوَلَاءِ، زهري بِالْحلف. (رَاجع الِاسْتِيعَاب) .

(من بنى تيم) :

(مِنْ بنى تيم) : قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ، أَبُو (بَكْرٍ) [1] الصِّدِّيقُ، وَاسْمُهُ عَتِيقُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اسْمُ أَبِي بَكْرٍ: عَبْدُ اللَّهِ، وَعَتِيقٌ: لَقَبٌ، لِحُسْنِ وَجْهِهِ وَعِتْقِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبِلَالٌ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ- وَبِلَالٌ مُوَلَّدٌ مِنْ مُوَلَّدِي بَنِي جُمَحَ، اشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَهُوَ بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ، لَا عَقِبَ لَهُ- وَعَامِرُ ابْن فُهَيْرَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، مُوَلَّدٌ مِنْ مُوَلَّدِي الْأَسْدِ، أَسْوَدُ، اشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْهُمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ، مِنْ النَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ. (نَسَبُ النَّمِرِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: النَّمِرُ: ابْنُ قَاسِطِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ ابْن رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ، وَيُقَالُ: أَفْصَى بْنُ دُعْمِيِّ بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ، وَيُقَالُ: صُهَيْبٌ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ، وَيُقَالُ: إنَّهُ رُومِيٌّ. فَقَالَ بَعْضُ مَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ النَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ: إنَّمَا كَانَ أَسِيرًا فِي الرُّومِ فَاشْتُرِيَ مِنْهُمْ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صُهَيْبٌ سَابِقُ الرُّومِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ، كَانَ بِالشَّأْمِ، فَقَدِمَ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَدْرٍ، فَكَلَّمَهُ، فَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ، فَقَالَ: وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَأَجْرُكَ. خَمْسَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ: أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ

_ [1] زِيَادَة عَن أ، ط.

(سبب تسمية الشماس) :

وَاسْمُ أَبِي سَلَمَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَشَمَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ هَرْمِيِّ بْنِ عَامِرِ بْنِ مَخْزُومٍ. (سَبَبُ تَسْمِيَةِ الشَّمَّاسِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ شَمَّاسٍ: عُثْمَانُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ شَمَّاسًا، لِأَنَّ شَمَّاسًا مِنْ الشَّمَامِسَةِ قَدِمَ مَكَّةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ جَمِيلًا، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ جَمَالِهِ. فَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَكَانَ خَالَ شَمَّاسٍ: هَا أَنَا آتِيكُمْ بِشَمَّاسٍ أَحْسَنَ مِنْهُ، فَأَتَى بِابْنِ أُخْتِهِ عُثْمَانَ بْنِ عُثْمَانَ فَسُمِّيَ شَمَّاسًا، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ، وَاسْمُ أَبِي [1] الْأَرْقَمِ: عَبْدُ مَنَافِ بْنِ أَسَدٍ، وَكَانَ أَسَدٌ يُكَنَّى: أَبَا جُنْدُبِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَعَمَّارُ ابْن يَاسِرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، عَنْسِيٌّ، مِنْ مَدْحِجٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمُعَتِّبُ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عَفِيفِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ حُبْشِيَّةَ بن سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ، وَهُوَ الَّذِي يُدْعَى: عَيْهَامَةَ [2] . خَمْسَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي عَدِيٍّ وَحُلَفَائِهِمْ) : وَمِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رِيَاحِ ابْن عَبْدِ اللَّهِ [3] بْنِ قُرْطِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيٍّ، وَأَخُوهُ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَمِهْجَعٌ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ، رُمِيَ بِسَهْمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مِهْجَعٌ، مِنْ عَكِّ بْنِ عَدْنَانَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَمْرُو بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ أَذَاةَ [4] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

_ [1] فِي م، ر: «وَأَبُو الأرقم» . [2] العيهامة: الطَّوِيل الْعُنُق. [3] كَذَا فِي الِاسْتِيعَاب وَالرَّوْض. وَفِي الْأُصُول: « ... بن عبد الله بن قرط بن ريَاح» . وَالْمَعْرُوف فِي نِسْبَة تَقْدِيم ريَاح على عبد الله. [4] كَذَا فِي م، ر. وَفِي سَائِر الْأُصُول والاستيعاب: «أَدَاة» بِالدَّال الْمُهْملَة. قَالَ أَبُو ذَر: «وأداة، كَذَا وَقع هُنَا بِالدَّال الْمُهْملَة، وبالذال الْمُعْجَمَة، ذكره أَبُو عبيد عَن ابْن الْكَلْبِيّ» .

(من بنى جمح وحلفائهم) :

ابْن قُرْطِ بْنِ رِيَاحِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُرَاقَةَ، وَوَاقِدُ ابْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَرِينِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ، وَخَوْلِيُّ بْنُ أَبِي خَوْلِيٍّ، وَمَالِكُ بْنُ أَبِي خَوْلِيٍّ، حَلِيفَانِ لَهُمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو خَوْلِيٍّ، مِنْ بَنِي عِجْلِ بْنِ لُجَيْمِ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَلِيفُ آلِ الْخَطَّابِ، مِنْ عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَنْزُ بْنُ وَائِلٍ: ابْنُ قَاسِطِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ، وَيُقَالُ: أَفْصَى: ابْنُ دُعْمِيِّ بْنِ جَدِيلَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ نَاشِبِ بْنِ غَيْرَةَ، مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ، وَعَاقِلُ بْنُ الْبُكَيْرِ، وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ، وَإِيَاسُ بْنُ الْبُكَيْرِ، حُلَفَاءُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِيَاحِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَدِمَ مِنْ الشَّأْمِ بَعْدَ مَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَدْرٍ، فَكَلَّمَهُ، فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمِهِ، قَالَ: وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَأَجْرُكَ. أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا. (مِنْ بَنِي جُمَحَ وَحُلَفَائِهِمْ) : وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ: عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ ابْن وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، وَابْنُهُ السَّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ، وَأَخَوَاهُ قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَظْعُونٍ، وَمَعْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبِ ابْن وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ. خَمْسَةُ نَفَرٍ. وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ ابْن عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ [1] بْنِ سَهْمٍ. رَجُلٌ.

_ [1] فِي الْأُصُول: «سعيد» وَهُوَ تَحْرِيف. وَقد تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ فِي الْجُزْء الأول.

(من بنى عامر) :

(مِنْ بَنِي عَامِرٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، ثُمَّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ: أَبُو سَبْرَةَ بْنِ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ ابْن مَالِكِ بْنِ حِسْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بن ابْن نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ ابْن مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ- كَانَ خَرَجَ مَعَ أَبِيهِ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَلَمَّا نَزَلَ النَّاسُ بَدْرًا فَرَّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَهِدَهَا مَعَهُ- وَعُمَيْرُ بْنُ عَوْفٍ، مَوْلَى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَسَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ. خَمْسَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ، مِنْ الْيَمَنِ. (مِنْ بَنِي الْحَارِثِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَهُوَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدَّادِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَسُهَيْلُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أَبِي أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَأَخُوهُ صَفْوَانُ بْنُ وَهْبٍ، وَهُمَا ابْنَا بَيْضَاءَ، وَعَمْرُو بْنُ أَبِي سَرْحِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ. خَمْسَةُ نَفَرٍ. (عَدَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ) : فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، وَمَنْ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، غَيْرَ ابْنِ إسْحَاقَ، يَذْكُرُونَ فِي الْمُهَاجِرِينَ بِبَدْرٍ، فِي بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ: وَهْبَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَحَاطِبَ بْنَ عَمْرٍو، وَفِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: عِيَاضَ [1] بْنَ زُهَيْرٍ.

_ [1] كَذَا فِي الرَّوْض والاستيعاب. وَفِي الْأُصُول: «عِيَاض بن أَبى زُهَيْر» وَهُوَ تَحْرِيف.

الأنصار ومن معهم

الْأَنْصَارُ وَمَنْ مَعَهُمْ (مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَشَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ مِنْ الْأَنْصَارِ، ثُمَّ مِنْ الْأَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَعَمْرُو بْنُ مُعَاذِ بْنِ النُّعْمَانِ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ النُّعْمَانِ وَالْحَارِثُ بْنِ أَنَسِ بْنِ رَافِعِ ابْن امْرِئِ الْقَيْسِ. (مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ كَعْبٍ وَحُلَفَائِهِمْ) : وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ: سَعْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عُبَيْدِ. وَمِنْ بَنِي زَعُورَا بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: زَعْوَرَا [1]- سَلَمَةُ ابْن سَلَامَةَ بْنِ وَقَشِ بْنِ زُغْبَةَ [2] وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقَشٍ بْنِ زُغْبَةَ بْنِ زَعُورَا، وَسَلَمَةُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقَشٍ، وَرَافِعُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ كُرْزِ بْنِ سَكَنِ بْنِ زَعُورَا، وَالْحَارِثُ بْنُ خَزْمَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ أُبَيِّ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَمُحَمَّدُ ابْن مَسْلَمَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَسَلَمَةُ بْنُ أسلم بن حريش بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَسْلَمُ: بْنُ حَرِيسِ بْنِ عَدِيٍّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ، وَعُبَيْدُ بْنُ التَّيْهَانِ.

_ [1] فِي هَامِش م: «قَوْله: وَيُقَال «زعورا» ضبط فِي بعض النّسخ الأول بِفَتْح الزاى وَضم الْعين وَسُكُون الْوَاو، وَضبط الثَّانِي بِفَتْح الزاى وَسُكُون الْعين وَفتح الْوَاو» . وَهَكَذَا ضبط فِي (أ) بالقلم، وبهذه الْأَخِيرَة ضَبطه الْقَامُوس (مَادَّة زعر) . [2] فِي م، ر، هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي: «زعبة» بِالْعينِ الْمُهْملَة، وَهُوَ تَصْحِيف. (رَاجع الِاسْتِيعَاب، وَأَسْمَاء من شهد بَدْرًا، والإصابة، والقاموس) .

(سبب تسمية عبيد بمقرن) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَتِيكُ بْنُ التَّيْهَانِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ. خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ: أَخُو بَنِي زَعُورَا، وَيُقَالُ: مِنْ غَسَّانَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَنْ بَنِي ظَفَرٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ كَعْبٍ، وَكَعْبٌ: هُوَ ظَفَرٌ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ظَفَرٌ: ابْنُ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ الْأَوْسِ: قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ سَوَادٍ، وَعُبَيْدُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَوَادٍ. رَجُلَانِ. (سَبَبُ تَسْمِيَةِ عُبَيْدٍ بِمِقْرَنٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عُبَيْدُ بْنُ أَوْسٍ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: مُقَرَّنٌ، لِأَنَّهُ قَرَنَ أَرْبَعَةَ أَسْرَى فِي يَوْمِ بَدْرٍ. وَهُوَ الَّذِي أَسَرَ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَئِذٍ. (مِنْ بَنِي عَبْدِ بن رَزَاحَ وَحُلَفَائِهِمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ كَعْبٍ: نَصْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدٍ، وَمُعَتِّبُ بْنُ عَبْدٍ [1] . وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ [2] ، مِنْ بَلِيٍّ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَارِقٍ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي حَارِثَةَ) : وَمِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ: مَسْعُودُ ابْن سَعْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ جُشَمِ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: مَسْعُودُ بْنُ عَبْدِ سَعْدٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ جُشَمِ بْنِ مَجْدَعَةَ ابْن حَارِثَةَ. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ، ثُمَّ مِنْ بَلِيٍّ: أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نَيَّارٍ، وَاسْمُهُ: هَانِئُ بْنُ نَيَّارِ بْنِ عَمْرِو ابْن عُبَيْدِ بْنِ كِلَابِ بْنِ دُهْمَانَ بْنِ غَنَمِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ هُمَيْمِ بْنِ كَاهِلِ بْنِ ذُهْلِ بْنِ هُنَيِّ بْنِ بَلِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافِّ بْنِ قُضَاعَةَ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ.

_ [1] فِي م، ر: «عبيد» وَهُوَ تَحْرِيف. [2] فِي م، ر: «وَمن حلفائهم ثمَّ من بلَى» .

(من بنى عمرو) :

(مِنْ بَنِي عَمْرٍو) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ وَقَيْسُ أَبُو الْأَقْلَحِ بْنُ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَمَةَ بْنِ ضُبَيْعَةَ- وَمُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرِ بْنِ مُلَيْلِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْعَطَّافِ بْنِ ضُبَيْعَةَ، وَأَبُو مُلَيْلِ بْنُ الْأَزْعَرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْعَطَّافِ ابْن ضُبَيْعَةَ، وَعَمْرُو بْنُ مَعْبَدِ بْنِ الْأَزْعَرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْعَطَّافِ بْنِ ضُبَيْعَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عُمَيْرُ بْنُ مَعْبَدٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفِ بْنِ وَاهِبِ [1] بْنِ الْعُكَيْمِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ الْحَارِثِ: ابْنِ عَمْرٍو، وَعَمْرٌو [2] الَّذِي يُقَالُ لَهُ: بَحْزَجُ [3] بْنُ حَنَسِ [4] ابْن عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. خَمْسَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ) : وَمِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ: مُبَشِّرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَرِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرٍ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ قَيْسِ ابْن عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيَّةَ: وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، وَرَافِعُ بْنُ عُنْجُدَةَ- وَعُنْجُدَةُ أُمُّهُ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَعُبَيْدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ [5] ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ. وَزَعَمُوا أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، وَالْحَارِثَ بْنَ حَاطِبٍ خَرَجَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَّعَهُمَا، وَأَمَّرَ أَبَا لُبَابَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَضَرَبَ لَهُمَا بِسَهْمَيْنِ مَعَ أَصْحَابِ بَدْرٍ. تِسْعَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: رَدَّهُمَا مِنْ الرَّوْحَاءِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَاطِبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ بْنِ أُمَيَّةَ وَاسْمُ أَبِي لُبَابَةَ: بَشِيرٌ.

_ [1] كَذَا فِي الْأُصُول والطبري. وَفِي الِاسْتِيعَاب: «وهب» . [2] فِي م، ر: «وَهُوَ الّذي ... إِلَخ» . [3] كَذَا فِي أ. وَفِي ط: «تخرج» وَفِي سَائِر الْأُصُول: «يخرج» . [4] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ابْن خنس» وَفِي الِاسْتِيعَاب: «ابْن خناس، وَيُقَال: ابْن خنساء» . [5] ضبط بالقلم فِي بعض النّسخ بِضَم وبفتح. وبفتح ثمَّ كسر.

(من بنى عبيد وحلفائهم) :

(مِنْ بَنِي عُبَيْدٍ وَحُلَفَائِهِمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ: أُنَيْسُ بْنُ قَتَادَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ابْن خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَلِيٍّ: مَعْنُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْجَدِّ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ ضُبَيْعَةَ وَثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ [1] بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْعَجْلَانِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ ابْن عَدِيِّ بْنِ الْعَجْلَانِ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْعَجْلَانِ، وَرِبْعِيُّ ابْنُ رَافِعِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْجَدِّ بْنِ الْعَجْلَانِ. وَخَرَجَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْجَدِّ بْنِ الْعَجْلَانِ، فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ مَعَ أَصْحَابِ بَدْرٍ [2] . سَبْعَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ) : وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ الْبُرَكِ [3]- وَاسْمُ الْبُرَكِ: امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ ثَعْلَبَةَ- وَعَاصِمُ بْنُ قَيْسٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَاصِمُ بْنُ قَيْسٍ: ابْنُ ثَابِتِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ ابْن ثَعْلَبَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو ضَيَّاحِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَأَبُو حَنَّةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ أَخُو أَبِي ضَيَّاحٍ، وَيُقَالُ: أَبُو حَبَّةَ [4] . وَيُقَالُ لِامْرِئِ الْقَيْسِ: الْبُرَكُ بْنُ ثَعْلَبَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَالِمُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ ابْن ثَعْلَبَةَ.

_ [1] كَذَا فِي أ، والاستيعاب. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أَرقم» . [2] كَانَ سَبَب رد رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعاصم أَنه بلغه شَيْء عَن أهل مَسْجِد الضرار، وَكَانَ قد اسْتَخْلَفَهُ على قبَاء والعالية، فَرده لينْظر فِي ذَلِك (رَاجع الرَّوْض) . [3] يرْوى بِفَتْح الْبَاء وَسُكُون الرَّاء، كَمَا يرْوى أَيْضا بِضَم الْبَاء وَفتح الرَّاء. [4] وَيُقَال فِيهِ أَيْضا: أَبُو حَيَّة (بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة) وَصَوَابه (كَمَا فِي الِاسْتِيعَاب) بِالْمُوَحَّدَةِ التَّحْتِيَّة، كَمَا قَالَ ابْن هِشَام. 44- سيرة ابْن هِشَام- 1

(من بنى جحجبى وحلفائهم) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: ثَابِتٌ: ابْنُ عَمْرِو [1] بْنِ ثَعْلَبَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْحَارِثُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَخَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النُّعْمَانِ، ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمٍ مَعَ أَصْحَابِ بَدْرٍ. سَبْعَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي جُحْجَبِىٍّ وَحُلَفَائِهِمْ) : وَمِنْ بَنِي جَحْجَبِيِّ بْنِ كُلْفَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: مُنْذِرُ بْنُ مُحَمَّدِ ابْن عُقْبَةَ بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجِلَاحِ بْنِ الْحَرِيشِ بْنِ جَحْجَبِيِّ بْنِ كُلْفَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الْحَرِيسُ بْنُ جَحْجَبِيٍّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِي أُنَيْفٍ: أَبُو عُقَيْلِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ ابْن بَيْحَانَ [2] بْنِ عَامِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ أُنَيْفِ بْنِ جُشَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْن تَيْمِ بْنِ إرَاشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عُمَيْلَةَ [3] بْنِ قَسْمِيلِ [4] بْنِ فَرَانَ [5] بْنِ بَلِيِّ بْنِ عَمْرِو ابْن الْحَافِّ بْنِ قُضَاعَةَ. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ تَمِيمُ بْنُ إرَاشَةَ، وَقِسْمِيلُ بْنُ فَارَانَ. (مِنْ بَنِي غُنْمٍ) : وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ السَّلْمِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ النَّحَّاطِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ ابْن غَنْمٍ، وَمُنْذِرُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ عَرْفَجَةَ، وَمَالِكُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ عَرْفَجَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَرْفَجَةُ: ابْنُ كَعْبِ بْنِ النَّحَّاطِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ غَنَمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْحَارِثُ بْنُ عَرْفَجَةَ، وَتَمِيمٌ، مَوْلَى بَنِي غَنَمٍ. خَمْسَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَمِيمٌ: مَوْلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ.

_ [1] فِي الِاسْتِيعَاب: «ثَابت بن كلفة بن ثَعْلَبَة» . [2] كَذَا فِي أ. والقاموس (مَادَّة يَوْم) ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «تيجان» . [3] فِي الِاسْتِيعَاب: «عبيلة» . [4] فِي م، ر: «قسمل» وَهُوَ تَحْرِيف. [5] يرْوى بتَخْفِيف الرَّاء وتشديدها.

(من بنى معاوية وحلفائهم) :

(مِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ وَحُلَفَائِهِمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: جَبْرُ [1] بْنُ عَتِيكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ هَيْشَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَمَالِكُ بْنُ نُمَيْلَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ عَصَرٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيٍّ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. (عَدَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَوْسِ) : فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَوْسِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، أَحَدٌ وَسِتُّونَ رَجُلًا. (مِنْ بَنِي امْرِئِ الْقَيْسِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَشَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ مِنْ الْأَنْصَارِ، ثُمَّ مِنْ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ ابْن الْخَزْرَجِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ، وَسَعْدُ بْنُ رَبِيعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ، وَخَلَّادُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ. أَرْبَعَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي زَيْدٍ) : وَمِنْ بَنِي زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: بَشِيرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ خِلَاسِ بْنِ زَيْدٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: جُلَاسٌ، وَهُوَ عِنْدَنَا خَطَأٌ- وَأَخُوهُ سِمَاكُ بْنُ سَعْدٍ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي عَدِيٍّ) : وَمِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: سُبَيْعُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَيْشَةَ [2] بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيٍّ، وَعَبَّادُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَيْشَةَ، أَخُوهُ.

_ [1] وَيُقَال فِيهِ: «جَابر» (رَاجع الِاسْتِيعَاب) . [2] وَيُقَال: ابْن عَائِشَة، (رَاجع الِاسْتِيعَاب) .

(من بنى أحمر) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: قَيْسٌ: ابْنُ عَبَسَةَ بْنِ أُمَيَّةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْسٍ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي أَحْمَرَ) : وَمِنْ بَنِي أَحْمَرَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَحْمَرَ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: ابْنُ فُسْحُمَ. رَجُلٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فُسْحُمُ أُمُّهُ، وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ. (مِنْ بَنِي جُشَمَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَزَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ ابْن الْخَزْرَجِ، وَهُمَا التَّوْأَمَانِ: خُبَيْبُ بْنُ إسَافِ بْنِ عُتْبَةَ [1] بْنِ عَمْرِو بْنِ خَدِيجِ ابْن عَامِرِ بْنِ جُشَمٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَأَخُوهُ حُرَيْثُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، زَعَمُوا، وَسُفْيَانُ بْنُ بَشْرٍ. أَرْبَعَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سُفْيَانُ بْنُ نَسْرِ [2] بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ بْنِ زَيْدٍ. (مِنْ بَنِي جِدَارَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي جِدَارَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: تَمِيمُ بْنُ يَعَارَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ جِدَارَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَيْرٍ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ جِدَارَةَ [3] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَيْدُ بْنُ الْمُزَيَّنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ جِدَارَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: زَيْدُ بْنُ الْمُرِّيِّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُرْفُطَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ جِدَارَةَ. أَرْبَعَةُ نَفَرٍ.

_ [1] عتبَة، بِكَسْر الْعين وَفتح التَّاء، وَهُوَ الصَّوَاب فِي ضَبطه. (رَاجع شرح السِّيرَة لأبى ذَر) . [2] وَهَذِه الرِّوَايَة هِيَ الْأَصَح. (رَاجع الِاسْتِيعَاب وَشرح السِّيرَة لأبى ذَر) . [3] الِاسْتِيعَاب «حذارة» بِالْحَاء الْمُعْجَمَة.

(من بنى الأبجر) :

(مِنْ بَنِي الْأَبْجَرِ) : وَمِنْ بَنِي الْأَبْجَرِ، وَهُمْ بَنُو خُدْرَةَ [1] ، بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْأَبْجَرِ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي عَوْفٍ) : وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمِ ابْن عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَهُمْ بَنُو الْحُبْلَى- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْحُبْلَى: سَالِمُ بْنُ غَنْمِ ابْن عَوْفٍ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْحُبْلَى، لِعِظَمِ بَطْنِهِ-: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ (الْمَشْهُورُ بِابْنِ سَلُولَ) [2] ، وَإِنَّمَا سَلُولُ امْرَأَةٌ، وَهِيَ أُمُّ أُبَيٍّ: وَأَوْسُ بْنُ خَوْلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي جُزْءٍ وَحُلَفَائِهِمْ) : وَمِنْ بَنِي جَزْءِ [3] بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ: زَيْدُ بْنُ وَدِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ جَزْءٍ، وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ كَلَدَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَطَفَانَ، وَرِفَاعَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ ابْن غَنْمٍ، وَعَامِرُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ عَامِرٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ وَهُوَ مِنْ بَلِيٍّ، مِنْ قُضَاعَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو حُمَيْضَةَ [4] مَعْبَدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ قُشَيْرِ بْنِ الْمُقَدَّمِ بْنِ سَالِمِ ابْنِ غَنْمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مَعْبَدُ بْنُ عبَادَة بن قشعر [5] بْنِ الْمُقَدَّمِ، وَيُقَالُ: عُبَادَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الْقُدْمِ [6] .

_ [1] فِي م، ر: «حدرة» بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَهُوَ تَصْحِيف (رَاجع الطَّبَرِيّ) . [2] زِيَادَة عَن أ. [3] قَالَ السهيليّ: «وَذكر أَبُو بَحر أَنه قَيده عَن أَبى الْوَلِيد (جُزْء) بِسُكُون الزاى وَأَنه لم يجده عَن غَيره إِلَّا بِكَسْر الزاى» . [4] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أَبُو خميصة» ، وَمَا أَثْبَتْنَاهُ عَن (أ، ط) ذكره ابْن عبد الْبر فِي الِاسْتِيعَاب، ثمَّ قَالَ: «كَذَا قَالَ إِبْرَاهِيم بن سعد عَن ابْن إِسْحَاق: أَبُو حميضة، وَغَيره بقول فِيهِ: أَبُو حميصة» . [5] فِي م، ر: « ... عباد بن قشعر بن الفدم» . [6] فِي م، ر: « ... عباد بن قيس بن الفدم» .

(من بنى سالم) :

وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ، حَلِيفٌ لَهُمْ. سِتَّةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَامِرُ بْنُ الْعُكَيْرِ، وَيُقَالُ: عَاصِمُ بْنُ الْعُكَيْرِ. (مِنْ بَنِي سَالِمٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ: نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ ابْن الْعَجْلَانِ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي أَصْرَمَ) : وَمِنْ بَنِي أَصْرَمَ بْنِ فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا غَنْمُ بْنُ عَوْفٍ، أَخُو سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَغَنْمُ بْنُ سَالِمٍ، الَّذِي قَبْلَهُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ-: عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ بْنِ قَيْسِ ابْن أَصْرَمَ، وَأَخُوهُ أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي دَعْدٍ) : وَمِنْ بَنِي دَعْدِ بْنِ فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنَمٍ: النُّعْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ دَعْدٍ، وَالنُّعْمَانُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ. قَوْقَلُ [1] . رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي قُرْيُوشِ [2] بْنِ غَنْمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ سَالِمٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ قُرْيُوسُ بْنُ غَنْمٍ- ثَابِتُ بْنُ هَزَّالِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قُرْيُوشٍ. رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي مَرْضَخَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ: مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُمِ بْنِ مَرْضَخَةَ. رَجُلٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُمِ: ابْنُ مَالِكِ بْنِ الدُّخْشُمِ بْنِ مَرْضَخَةَ. (مِنْ بَنِي لَوْذَانَ وُحَلَفَائِهِمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي لَوْذَانَ بْنِ سَالِمٍ: رَبِيعُ بْنُ إيَاسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ ابْن أُمَيَّةَ بْنِ لَوْذَانَ، وَأَخُوهُ وَرَقَةُ بْنُ إيَاسٍ، وَعَمْرُو بْنُ إيَاسٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ.

_ [1] كَذَا فِي أ، ط والاستيعاب. وسمى كَذَلِك. لِأَن النُّعْمَان كَانَ عَزِيزًا فَكَانَ يُقَال للقائف إِذا جَاءَهُ: قوقل حَيْثُ شِئْت فَأَنت آمن. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فوقل» بِالْفَاءِ وَهُوَ تَصْحِيف. [2] فِي م، ر هُنَا: «قربوس» .

(من بنى ساعدة) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَمْرُو بْنُ إيَاسٍ، أَخُو رَبِيعٍ وَوَرَقَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَلِيٍّ، ثُمَّ مِنْ بَنِي غُصَيْنَةَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: غُصَيْنَةُ، أُمُّهُمْ، وَأَبُوهُمْ عَمْرُو بْنُ عِمَارَةَ- الْمُجَذَّرُ بْنُ ذِيَادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زُمْزُمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِمَارَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غُصَيْنَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ بُتَيْرَةَ بْنِ مَشْنُوِّ بْنِ قَسْرِ بْنِ تَيْمِ بْنِ إرَاشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عُمَيْلَةَ بْنِ قِسْمِيلِ بْنِ فَرَانَ [1] بْنِ بَلِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافِّ بْنِ قُضَاعَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: قَسْرُ [2] بْنُ تَمِيمِ بْنِ إرَاشَةَ، وَقِسْمِيلُ بْنُ فَارَانَ [3] . وَاسْمُ الْمُجَذَّرِ: عَبْدُ اللَّهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُبَادَةُ بْنُ الْخَشْخَاشِ [4] بْنِ عَمْرِو بْنِ زُمْزُمَةَ، وَنَحَّابُ [5] بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَزَمَةَ [6] بْنِ أَصْرَمَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِمَارَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ بَحَّاثُ [7] بْنُ ثَعْلَبَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَزَمَةَ بْنِ أَصْرَمَ. وَزَعَمُوا أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ- حَلِيفٌ لَهُمْ- مِنْ بَهْرَاءَ، قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، خَمْسَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عُتْبَةَ بْنُ بَهْزٍ، مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ. (مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ: أَبُو دُجَانَةَ، سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ.

_ [1] يرْوى بتَخْفِيف الرَّاء وبتشديدها، وبتخفيفها ذكره ابْن دُرَيْد. [2] فِي م، ر: «قشر» . [3] فِي م، ر: «ناران» . [4] فِي م، ر: «عباد» وَهُوَ تَحْرِيف. [5] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والاستيعاب، وَفِي أ: «نجاب» بِالْجِيم، وَفِيه رِوَايَات غَيرهَا. [6] الْأُصُول: «خزمة» بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، وَهُوَ تَصْحِيف. (رَاجع الِاسْتِيعَاب) . [7] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «نحاث» . وكلا الرِّوَايَتَيْنِ ذكرهمَا ابْن عبد الْبر وَنسب الأول لِابْنِ الْكَلْبِيّ، وَالثَّانيَِة إِلَى إِبْرَاهِيم بن سعد عَن ابْن إِسْحَاق، ثمَّ قَالَ: قَالَ أَبُو عَمْرو: القَوْل عِنْدهم قَول ابْن الْكَلْبِيّ.

(من بنى البدي وحلفائهم) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو دُجَانَةَ: (سِمَاكُ) [1] بْنُ أَوْسِ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خُنَيْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَبْدِ وُدِّ ابْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الْمُنْذِرُ: ابْنُ عَمْرِو بْنِ خَنْبَشَ [2] . (مِنْ بَنِي الْبَدِّيِّ وَحُلَفَائِهِمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي الْبَدِيِّ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ: أَبُو أُسَيْدٍ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ الْبَدِيِّ [3] ، وَمَالِكُ بْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ إلَى الْبَدِيِّ. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مَالِكُ بْنُ مَسْعُودٍ: ابْنُ الْبَدِيِّ، فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ. (مِنْ بَنِي طَرِيفٍ وَحُلَفَائِهِمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي طَرِيفِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ: عَبْدُ رَبِّهِ بْنِ حَقِّ ابْن أَوْسِ بْنِ وَقَشٍ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ طَرِيفٍ. رَجُلٌ. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ، مِنْ جُهَيْنَةَ: كَعْبُ بْنُ حِمَارِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: كَعْبٌ: ابْنُ جَمَّازٍ، وَهُوَ مِنْ غُبْشَانَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَضَمْرَةُ وَزِيَادٌ وَبَسْبَسُ، بَنُو عَمْرٍو. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ضَمْرَةُ وَزِيَادٌ، ابْنَا بَشْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ، مِنْ بَلِيٍّ. خَمْسَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي جُشَمَ) : وَمِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ ابْن تَزِيدَ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ثُمَّ مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ: خِرَاشُ بْنُ الصِّمَّةِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ، وَالْحُبَابُ

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «خُنَيْس» . [3] فِي الِاسْتِيعَاب: «الْبدن» .

(نسب الجموح) :

ابْن الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ، وَعُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ ابْنِ حَرَامٍ، وَتَمِيمٌ مَوْلَى خِرَاشِ بْنِ الصِّمَّةِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَرَامٍ وَمُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَمُعَوِّذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ وَخَلَّادُ ابْن عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ، وَعُقْبَةُ [1] بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِي بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ، وَحَبِيبُ بْنُ أَسْوَدَ [2] ، مَوْلَى لَهُمْ، وَثَابِتُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَيْدِ ابْن الْحَارِثِ ابْن حَرَامٍ وَثَعْلَبَةُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الْجَذَعُ، وَعُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ ابْن حَرَامٍ. اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا. (نَسَبُ الْجَمُوحِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكُلُّ مَا كَانَ هَاهُنَا الْجَمُوحُ، (فَهُوَ الْجَمُوحُ) [3] بْنُ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ جَدِّ الصِّمَّةِ (بْنِ عَمْرٍو) [4] ، فَإِنَّهُ الْجَمُوحُ بْنُ حَرَامٍ [5] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ: ابْنُ لَبْدَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ. (مِنْ بَنِي عُبَيْدٍ وَحُلَفَائِهِمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ، ثُمَّ مِنْ بَنِي خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ: بُشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورِ بْنِ صَخْرِ بْنِ مَالِكِ ابْن خَنْسَاءَ، وَالطُّفَيْلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ، وَالطُّفَيْلُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ خَنْسَاءَ، وَسِنَانُ بْنُ صَيْفِيِّ بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْجَدِّ بْنِ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ ابْن خَنْسَاءَ، وَعُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ، وَجَبَّارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَنْسَاءَ، وَخَارِجَةُ بْنُ حُمَيِّرَ [6] ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمَيِّرَ، حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ أَشْجَعَ، مِنْ بَنِي دُهْمَانَ. تِسْعَةُ نَفَرٍ.

_ [1] فِي أ: «عتبَة» وَهُوَ تَحْرِيف. (رَاجع الِاسْتِيعَاب والطبري وَابْن الْأَثِير) . [2] فِي أ: «الْأسود» . [3] زِيَادَة عَن م، ر. [4] زِيَادَة عَن أ. [5] وزادت م: بعد هَذِه الْكَلِمَة هَذِه الْعبارَة: «قَالَ ابْن هِشَام: وَيُقَال: الصمَّة بن عَمْرو بن الجموح ابْن حرَام» وَلَا معنى لهَذِهِ الزِّيَادَة. [6] قَالَ أَبُو ذَر بعد أَن ذكر (حمير) وَضَبطه بالقلم بِضَم فَفتح ثمَّ يَاء مُشَدّدَة مَكْسُورَة: «كَذَا وَقع

(من بنى خناس) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: جَبَّارٌ: بن صَخْرِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خُنَاسٍ. (مِنْ بَنِي خَنَّاسٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي خُنَاسِ بْنِ سِنَانَ بْنِ عُبَيْدِ: يَزِيدُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَرْحِ بْنِ خِنَاسٍ، وَمَعْقِلُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَرْحِ بْنِ خِنَاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ النُّعْمَانِ ابْن بَلْدَمَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: بُلْذُمَةُ وَبُلْدُمَةُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالضَّحَّاكُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيٍّ، وَسَوَادُ بْنُ زُرَيْقِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيٍّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: سَوَادٌ: ابْنُ رِزْنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَعْبَدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ. وَيُقَالُ: مَعْبَدُ بْنُ قَيْسٍ: ابْنُ صَيْفِيِّ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامِ ابْنِ رَبِيعَةَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ غَنْمٍ. سَبْعَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي النُّعْمَانِ) : وَمِنْ بَنِي النُّعْمَانِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ النُّعْمَانِ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِئَابِ بْنِ النُّعْمَانِ: وَخُلَيْدَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ النُّعْمَانِ. وَالنُّعْمَانُ بْنُ سِنَانٍ [1] ، مَوْلَى لَهُمْ. أَرْبَعَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي سَوَادٍ) : وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ، ثُمَّ مِنْ بَنِي حَدِيدَةَ بْنِ عَمْرِو [2]

_ [ () ] هُنَا ويروى أَيْضا: ابْن حمير. بتَخْفِيف الْيَاء، وخمير، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، قَيده الدارقطنيّ، قَالَ: وَيُقَال فِيهِ: حمير» . [1] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «يسَار» وَالرِّوَايَة الأولى أصح، إِلَّا أَنَّهَا لَيست رِوَايَة ابْن إِسْحَاق وَقد تكون صححت فِي إِحْدَى الطبعات. قَالَ أَبُو ذَر: «وَقَوله: النُّعْمَان بن يسَار، كَذَا وَقع هُنَا، وَقَالَ فِيهِ مُوسَى بن عقبَة وَأَبُو عَمْرو بن عبد الْبر: النُّعْمَان بن سِنَان» . [2] فِي م، ر: «عمر» .

(من بنى عدي بن نابي) :

ابْن غَنْمِ بْنِ سَوَادٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمْرُو [1] بْنُ سَوَادٍ، لَيْسَ لِسَوَادٍ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ غَنْمٌ-: أَبُو الْمُنْذِرِ، وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ، وَسُلَيْمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَدِيدَةَ، وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ، وَعَنْتَرَةُ مَوْلَى سُلَيْمِ بْنِ عَمْرٍو. أَرْبَعَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَنْتَرَةُ، مِنْ بَنِي سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي ذَكْوَانَ. (مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ نَابِي) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ نَابِي بْنِ عَمْرِو بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمٍ: عَبْسُ ابْن عَامِرِ بْنِ عَدِيٍّ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ [2] بْنِ عَدِيٍّ، وَأَبُو الْيَسَرِ، وَهُوَ كَعْبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ سَوَادٍ، وَسَهْلُ بْنُ قَيْسِ بْنِ أَبِي كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَوَادٍ، وَعَمْرُو بْنِ طَلْقِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ سِنَانِ بْنِ كَعْبِ ابْن غَنْمٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَوْسِ بْنِ عَائِذِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَدِيِّ ابْن أُدَيِّ [3] بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَرِيدَ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ. سِتَّةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَوْسٌ: ابْنُ عَبَّادِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُدَيِّ بْنِ سَعْدٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنَّمَا نَسَبَ ابْنُ إسْحَاقَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ فِي بَنِي سَوَادٍ، وَلَيْسَ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُ فِيهِمْ. (تَسْمِيَةُ مَنْ كَسَرُوا آلِهَةَ بَنِي سَلِمَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاَلَّذِينَ كَسَرُوا آلِهَةَ بَنِي سَلِمَةَ: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ ابْن أُنَيْسٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ [4] وَهُمْ فِي بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنَمٍ. (مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ

_ [1] فِي م، ر: «عمر» . [2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والاستيعاب. وَفِي أ: «عنمة» بِالْعينِ الْمُهْملَة. [3] فِي م، ر: «أذن» . وَقد مر الْكَلَام عَلَيْهِ. [4] فِي أ: «عنمة» (رَاجع الْحَاشِيَة رقم 3 ص 356 من هَذَا الْجُزْء) .

(من بنى خالد) :

ابْن غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي مُخَلَّدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَامِرٌ: ابْنُ الْأَزْرَقِ-: قَيْسُ بْنُ مُحْصِنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُخَلَّدٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: قَيْسٌ: ابْنُ حِصْنٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو خَالِدٍ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُخَلَّدِ وَجُبَيْرُ ابْن إيَاسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُخَلَّدٍ، وَأَبُو عُبَادَةَ، وَهُوَ سَعْدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ مُخَلَّدٍ وَأَخُوهُ عُقْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنُ خَلَدَةَ بْنِ مُخَلَّدٍ، وَذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ ابْن مُخَلَّدٍ، وَمَسْعُودُ بْنُ خَلَدَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ مُخَلَّدٍ. سَبْعَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي خَالِدٍ) : وَمِنْ بَنِي خَالِدِ [1] بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ: عَبَّادُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ خَالِدٍ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي خَلْدَةَ) : وَمن بنى خالدة بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ: أَسَعْدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الْفَاكِهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَلَدَةَ وَالْفَاكِهُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْفَاكِهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَلَدَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بُسْرُ بْنُ الْفَاكِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمُعَاذُ بْنُ مَاعِصِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ، وَأَخُوهُ: عَائِذُ بْنُ مَاعِصِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ، وَمَسْعُودُ بْنُ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ. خَمْسَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ) : وَمِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ: رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعِ بْنِ الْعَجْلَانِ وَأَخُوهُ خَلَّادُ بْنُ رَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ وَعُبَيْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْعَجْلَانِ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي بَيَاضَةَ) : وَمِنْ بَنِي بَيَاضَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ: زِيَادُ بْنُ لَبِيَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عَامِرِ ابْن عَدِيِّ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ بَيَاضَةَ، وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ وَذْفَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: وَدْفَةُ.

_ [1] فِي م، ر: «خلدَة» وَهُوَ تَحْرِيف.

(من بنى حبيب) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَالِدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ، وَرُجَيْلَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: رُخَيْلَةُ [1] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَطِيَّةُ بْنُ نُوَيْرَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَطِيَّةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ، وَخُلَيْفَةُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ بْنِ بَيَاضَةَ. سِتَّةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عُلَيْفَةُ. (مِنْ بَنِي حَبِيبٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ ابْن الْخَزْرَجِ: رَافِعُ بْنُ الْمُعَلَّى بْنِ لَوْذَانَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ ابْن زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ حَبِيبٍ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي النَّجَّارِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي النَّجَّارِ، وَهُوَ تَيْمُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ ثُمَّ مِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ: أَبُو أَيُّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي عَسِيرَةَ) : وَمِنْ بَنِي عُسَيْرَةَ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ [2] بْنِ غَنْمٍ [3] : ثَابِتُ بْنُ خَالِدِ بْنِ النُّعْمَانِ ابْن خَنْسَاءَ بْنِ عُسَيْرَةَ. رَجُلٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَال: (عسير، و) [4] عشيرة.

_ [1] قَالَ أَبُو ذَر: «ورجيلة بن ثَعْلَبَة، كَذَا وَقع هُنَا بِالْجِيم، فِي قَول ابْن إِسْحَاق، وبالخاء الْمُعْجَمَة، فِي قَول ابْن هِشَام. ورخيلة (بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة) قَيده الدارقطنيّ فِي قَول ابْن إِسْحَاق. ورحيلة (بِالْحَاء الْمُهْملَة) قَيده أَبُو عَمْرو فِي قَول ابْن هِشَام» . وَقد ذكره ابْن عبد الْبر فِي «رجيلة» وَذكر فِيهِ أقوالا قريبَة من هَذِه. [2] فِي م، ر: «عبد بن عَوْف» . [3] فِي م، ر: «بن ثَابت» بِزِيَادَة (بن) وَهِي مقحمة. [4] زِيَادَة عَن أ.

(من بنى عمرو) :

(مِنْ بَنِي عَمْرٍو) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَبْدِ عَوْفِ [1] بْنِ غَنْمٍ: عُمَارَةُ بْنُ حَزْمِ ابْن زَيْدِ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَمْرٍو، وَسُرَاقَةُ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ غَزِيَّةَ بْنِ عَمْرٍو. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ) : وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ: حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عُبَيْدٍ، وَسُلَيْمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ قَهْدٍ: وَاسْمُ قَهْدٍ: خَالِدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عُبَيْدٍ رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ: ابْنُ نَفْعِ [2] بْنِ زَيْدٍ. (مِنْ بَنِي عَائِذٍ وَحُلَفَائِهِمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَائِذِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ- وَيُقَالُ عَابِدٌ [3] فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ-: سُهَيْلُ بْنُ رَافِعِ [4] بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ عَائِذٍ وَعَدِيُّ بْنُ الزَّغْبَاءِ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي زَيْدٍ) : وَمِنْ بَنِي زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ: مَسْعُودُ بْنُ أَوْسِ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبُو خُزَيْمَةَ ابْن أَوْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ زَيْدِ، وَرَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادِ بْنِ زَيْدٍ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ (مِنْ بَنِي سَوَادٍ وَحُلَفَائِهِمْ) : وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمٍ: عَوْفٌ، وَمُعَوِّذٌ، وَمُعَاذٌ، بَنُو الْحَارِثِ ابْن رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ، وَهُمْ بَنُو عَفْرَاءَ. (نَسَبُ عَفْرَاءَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَفْرَاءُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ ابْن النَّجَّارِ، وَيُقَالُ: رِفَاعَةُ: ابْنُ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ.

_ [1] فِي م، ر: «عبد بن عَوْف» : [2] يرْوى بِالْفَاءِ وبالقاف، وَالْأول هُوَ الصَّوَاب. (رَاجع شرح السِّيرَة لأبى ذَر) . [3] فِي م، ر: «عَائِذ» . وَظَاهر انه تَحْرِيف. [4] قَالَ أَبُو ذَر: «ويروى أَيْضا: سهل بن رَافع، وهما أَخَوان. والّذي شهد بَدْرًا مِنْهُمَا هُوَ سُهَيْل. قَالَه أَبُو عَمْرو رَحمَه الله» .

(من بنى عامر بن مالك) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالنُّعْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ، وَيُقَالُ: نُعَيْمَانُ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَامِرُ بْنُ مُخَلِّدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسِ ابْن خَالِدِ بْنِ خَلَّدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ، وَعُصَيْمَةُ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَشْجَعَ، وَوَدِيعَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ، وَثَابِتُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَوَادٍ. (و) [1] زَعَمُوا أَنَّ أَبَا الْحَمْرَاءِ، مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ عَفْرَاءَ، قَدْ شَهِدَ بَدْرًا. عَشَرَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو الْحَمْرَاءِ، مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ. (مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ مَالِكٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ- وَعَامِرٌ: مَبْذُولٌ- ثُمَّ مِنْ بَنِي عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ: ثَعْلَبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُحْصَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكٍ، وَسَهْلُ بْنُ عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ عَتِيكِ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكٍ، كُسِرَ بِهِ بِالرَّوْحَاءِ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمِهِ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ) : وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ- وَهُمْ بَنُو حُدَيْلَةَ [2]- ثُمَّ مِنْ بَنِي قَيْسِ ابْن عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ. (نَسَبُ حُدَيْلَةَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حُدَيْلَةُ [3] بِنْتُ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ ابْن مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَهِيَ أُمُّ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، فَبَنُو مُعَاوِيَةَ يَنْتَسِبُونَ إلَيْهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسٍ، وَأَنَسُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ أَنَسِ بْنِ قَيْسٍ. رَجُلَانِ.

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] فِي م: «حذيلة» بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، وَهُوَ تَصْحِيف. [3] فِي م: «حذيلة» بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، وَهُوَ تَصْحِيف.

(من بنى عدي بن عمرو) :

(مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ عَمْرٍو) : وَمِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُمْ بَنُو مَغَالَةَ بِنْتِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ ابْن كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَيُقَالُ: إنَّهَا مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ، وَهِيَ أُمُّ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، فَبَنُو عَدِيٍّ يُنْسَبُونَ إلَيْهَا-: أَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيٍّ، وَأَبُو شَيْخِ أُبَيِّ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيٍّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو شَيْخِ أُبَيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخُو حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو طَلْحَةَ، وَهُوَ زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيٍّ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ) : وَمِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، ثُمَّ مِنْ (بَنِي) [1] عَدِيِّ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ النَّجَّارِ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَامِرٍ، وَعَمْرُو بْنُ ثَعْلَبَةَ ابْن وَهْبِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَامِرٍ، وَهُوَ أَبُو حَكِيمٍ، وَسَلِيطُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَامِرٍ، وَأَبُو سَلِيطٍ، وَهُوَ أُسَيْرَةُ ابْن عَمْرٍو، وَعَمْرُو أَبُو خَارِجَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَامِرٍ، وَثَابِتُ بْنُ خَنْسَاءَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَامِرٍ، وَعَامِرُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَسْحَاسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَامِرٍ، وَمُحْرِزُ بْنُ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيِّ ابْن عَامِرٍ، وَسَوَادُ بْنُ غَزِيَّةَ بْنِ أُهَيْبٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيٍّ. ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: سَوَّادٌ. (مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ جُنْدَبَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيِّ

_ [1] زِيَادَة عَن.

(من بنى مازن بن النجار وحلفائهم)

ابْن النَّجَّارِ: أَبُو زَيْدٍ، قَيْسُ بْنُ سَكَنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ زَعُورَاءَ [1] بْنِ حَرَامٍ، وَأَبُو الْأَعْوَرِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ظَالِمِ بْنِ عَبْسِ بْنِ حَرَامٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: أَبُو الْأَعْوَرِ: الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمٍ [2] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسُلَيْمُ بْنُ مِلْحَانَ، وَحَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ- وَاسْمُ مِلْحَانَ: مَالِكُ بْنُ خَالِدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ. أَرْبَعَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي مَازِنِ بن النجار وحلفائهم) وَمن بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ ابْن مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ: قَيْسُ بْنُ أَبِي صَعْصَعَةَ- وَاسْمُ أَبِي صَعْصَعَةَ: عَمْرُو بْنُ زَيْدِ ابْن عَوْفٍ- وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَعُصَيْمَةُ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي خَنْسَاءَ بْنِ مَبْذُولٍ) : وَمِنْ بَنِي خَنْسَاءَ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ: أَبُو دَاوُدَ عُمَيْرُ بْنُ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ، وَسُرَاقَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطِيَّةَ بْنِ خَنْسَاءَ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنٍ) : وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ: قَيْسُ بْنُ مُخَلَّدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي دِينَارِ بْنِ النَّجَّارِ) : وَمِنْ بَنِي دِينَارِ بْنِ النَّجَّارِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي مَسْعُودِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنِ حَارِثَةَ ابْنِ دِينَارِ بْنِ النَّجَّارِ: النُّعْمَانُ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو ابْن مَسْعُودٍ، وَسُلَيْمُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ دِينَارٍ، وَهُوَ أَخُو الضَّحَّاكِ وَالنُّعْمَانُ ابْنَيْ عَبْدِ عَمْرٍو، لِأُمِّهِمَا، وَجَابِرُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ ابْنِ حَارِثَةَ، وَسَعْدُ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ. خَمْسَةُ نَفَرٍ.

_ [1] كَذَا فِي أوالاستيعاب. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «زعور» . [2] فِي الِاسْتِيعَاب: أَن اسْم أَبى الْحَارِث: كَعْب، وَأَنه هُوَ ابْن الْحَارِث لَا الْحَارِث نَفسه، كَمَا قَالَ ابْن هِشَام. 45- سيرة ابْن هِشَام- 1

(من فات ابن إسحاق ذكرهم) :

وَمِنْ بَنِي قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ دِينَارِ بْنِ النَّجَّارِ: كَعْبُ بْنُ زَيْدِ بْنِ قَيْسٍ: وَبُجَيْرُ بْنُ أَبِي بُجَيْرٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بُجَيْرٌ: مِنْ عَبْسِ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ، ثُمَّ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ بْنِ رَوَاحَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا من الْخَزْرَج مائَة وَسَبْعُونَ رَجُلًا. (مَنْ فَاتَ ابْنَ إِسْحَاقَ ذِكْرُهُمْ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ فِي الْخَزْرَجِ بِبَدْرٍ، فِي بَنِي الْعَجْلَانِ ابْنَ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ: عِتْبَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَجْلَانِ، وَمُلَيْلُ بْنُ وَبَرَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَجْلَانِ، وَعِصْمَةَ ابْن الْحُصَيْنِ بْنِ وَبَرَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَجْلَانِ. وَفِي بَنِي حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَهُمْ فِي بَنِي زُرَيْقِ هِلَالِ بْنِ الْمُعَلَّى بْنِ لَوْذَانَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ ابْن مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ حَبِيبٍ. (عَدَدُ الْبَدْرِيِّينَ جَمِيعًا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَنْ شَهِدَهَا مِنْهُمْ، وَمَنْ ضُرِبَ لَهُ بسهمه وأجره، ثَلَاث ماِئَةِ رَجُلٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، مِنْ الْمُهَاجِرِينَ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا، وَمِنْ الْأَوْسِ وَاحِدٌ وَسِتُّونَ رَجُلًا، وَمن الْخَزْرَج مائَة وَسَبْعُونَ رَجُلًا. مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ (الْقُرَشِيُّونَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) : وَاسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، قَتَلَهُ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، قَطَعَ رِجْلَهُ، فَمَاتَ بِالصَّفْرَاءِ. رَجُلٌ.

(من بنى زهرة) :

(مِنْ بَنِي زُهْرَةَ) : وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ. عُمَيْرُ [1] بْنُ أَبِي وَقَّاصِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ ابْن زُهْرَةَ، وَهُوَ أَخُو سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَذُو الشِّمَالَيْنِ ابْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ، ثُمَّ مِنْ بَنِي غُبْشَانَ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي عَدِّيٍّ) : وَمِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ: عَاقِلُ بْنُ الْبُكَيْرِ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، وَمِهْجَعٌ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ) : وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: صَفْوَانُ بْنُ بَيْضَاءَ رَجُلٌ. سِتَّةُ نَفَرٍ. (وَمِنَ الْأَنْصَارِ) : وَمِنْ الْأَنْصَارِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ، وَمُبَشِّرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرٍ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ) : وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: ابْنُ فُسْحُمَ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي سَلَمَةَ) : وَمِنْ بَنِي سَلِمَةَ، ثُمَّ مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنَمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ: عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي حَبِيبٍ) : وَمِنْ بَنِي حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمٍ: رَافِعُ بْنُ الْمُعَلَّى. رَجُلٌ.

_ [1] ذكر الْوَاقِدِيّ أَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قد رد عُمَيْرًا هَذَا فِي ذَلِك الْيَوْم لِأَنَّهُ استصغره، فَبكى عُمَيْر، فَلَمَّا رأى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكاءه أذن لَهُ فِي الْخُرُوج مَعَه، فَقتل وَهُوَ ابْن سِتّ عشرَة سنة، قَتله الْعَاصِ بن سعيد. (رَاجع الْمَغَازِي لِلْوَاقِدِي وَالرَّوْض) .

(من بنى النجار) :

(مِنْ بَنِي النَّجَّارِ) : وَمِنْ بَنِي النَّجَّارِ: حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْحَارِثِ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي غُنْمٍ) : وَمِنْ بَنِي غَنَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ: عَوْفٌ وَمُعَوِّذٌ، ابْنَا الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ ابْن سَوَادٍ، وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ. رَجُلَانِ. ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ. مَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ) : وَقُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، قَتَلَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَيُقَالُ اشْتَرَكَ فِيهِ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ وَزَيْدٌ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْحَارِثُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ، وَعَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ حَلِيفَانِ لَهُمْ قَتَلَ عَامِرًا: عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَقَتَلَ الْحَارِثَ: النُّعْمَانُ بْنُ عَصْرٍ، حَلِيفٌ لِلْأَوْسِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. وَعُمَيْرُ بْنُ أَبِي عُمَيْرٍ، وَابْنُهُ: مَوْلَيَانِ لَهُمْ. قَتَلَ عُمَيْرَ بْنَ أَبِي عُمَيْرٍ: سَالِمٌ، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُبَيْدَةُ بْنُ سَعِيدِ (بْنِ) [1] الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، قَتَلَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَالْعَاصِ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ [2] . وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، صَبْرًا [3] .

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] فِي قتل على للعاص بن سعيد خلاف، فَيُقَال إِن عليا لم يقْتله، وَإِنَّمَا الّذي قَتله سعد بن أَبى وَقاص، كَمَا أَن بعض أهل التَّفْسِير يَقُولُونَ إِن الّذي قَتله أَبُو الْيَسِير، كَعْب بن عَمْرو. (رَاجع الرَّوْض) . [3] يُقَال للرجل إِذا شدت يَدَاهُ وَرجلَاهُ أَو أمْسكهُ رجل آخر حَتَّى يضْرب عُنُقه، أَو حبس على الْقَتْل حَتَّى يقتل: قتل صبرا.

(من بنى نوفل) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، قَتَلَهُ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ ابْن الْمُطَّلِبِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اشْتَرَكَ فِيهِ هُوَ وَحَمْزَةُ وَعَلِيٌّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي أَنْمَارِ بْنِ بَغِيضٍ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا. (مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ) : وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: الْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، قَتَلَهُ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- خَبِيبُ بْنُ إسَافٍ، أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلٍ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَيُقَالُ: حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي أَسَدٍ) : وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ: زَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ ابْن أَسَدٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَتَلَهُ ثَابِتُ بْنُ الْجِذْعِ، أَخُو بَنِي حَرَامٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. وَيُقَالُ: اشْتَرَكَ فِيهِ حَمْزَةُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَثَابِتٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَ، قَتَلَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ- فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَعُقَيْلُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ، اشْتَرَكَا فِيهِ- فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ، وَهُوَ الْعَاصِ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ، قَتَلَهُ الْمُجَذَّرُ بْنُ ذِيَادٍ الْبَلَوِيُّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: الْعَاصِ بْنُ هَاشِمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ، وَهُوَ ابْنُ الْعَدَوِيَّةِ، عَدِيِّ خُزَاعَةَ، وَهُوَ الَّذِي قَرَنَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ حِينَ أَسْلَمَا فِي حَبْلٍ، فَكَانَا [1] يُسَمَّيَانِ: الْقَرِينَيْنِ لِذَلِكَ، وَكَانَ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ- قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. خَمْسَةُ نَفَرٍ.

_ [1] فِي م، ر. «فَكَأَنَّمَا» وَهُوَ تَحْرِيف.

(من بنى عبد الدار) :

(مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ) : وَمِنْ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ: النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ ابْن عَبْدِ الدَّارِ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ صَبْرًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّفْرَاءِ، فِيمَا يَذْكُرُونَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بِالْأُثَيْلِ [1] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ: ابْنُ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَيْدُ بْنُ مُلَيْصٍ، مَوْلَى عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَتَلَ زَيْدَ بْنَ مُلَيْصٍ بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، وَزَيْدٌ حَلِيفٌ لِبَنِي عَبْدِ الدَّارِ، مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، وَيُقَالُ: قَتَلَهُ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو. (مِنْ بَنِي تَمِيمِ بْنِ مُرَّةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ: عُمَيْرُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ ابْن سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَيُقَالُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُثْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبٍ، قَتَلَهُ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ) : وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ: أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ- وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ- ضَرَبَهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، فَقَطَعَ رِجْلَهُ، وَضَرَبَ ابْنُهُ عِكْرِمَةُ يَدَ مُعَاذٍ فَطَرَحَهَا، ثُمَّ ضَرَبَهُ مُعَوِّذُ بْنُ عَفْرَاءَ حَتَّى أَثْبَتَهُ [2] ، ثُمَّ تَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ: ثُمَّ ذَفَّفَ عَلَيْهِ [3] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ،

_ [1] الأثيل: مَوضِع قرب الْمَدِينَة. [2] أثْبته: جرحه جِرَاحَة لَا يقوم مَعهَا. [3] ذفف عَلَيْهِ: أسْرع قَتله.

وَاحْتَزَّ رَأْسَهُ، حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى- وَالْعَاصِ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، قَتَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمَّ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، وَكَانَ شُجَاعًا، قَتَلَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو مُسَافِعٍ الْأَشْعَرِيُّ، حَلِيفٌ لَهُمْ، قَتَلَهُ أَبُو دُجَانَةَ السَّاعِدِيُّ- فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَحَرْمَلَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَلِيفٌ لَهُمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَتَلَهُ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْر، أَخُو بلحارث بْنِ الْخَزْرَجِ، وَيُقَالُ: بَلْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- (فِيمَا) [2] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَحَرْمَلَةُ، مِنْ الْأَسَدِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَسْعُودُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَيُقَالُ: قَتَلَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَرِفَاعَةُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدِ [3] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ الرّبيع، أَخُو بلحارث بْنِ الْخَزْرَجِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالْمُنْذِرُ ابْن أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدٍ قَتَلَهُ مَعْنُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْجَدِّ بْنِ الْعَجْلَانِ حَلِيفُ بَنِي عُبَيْدِ ابْن زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدٍ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالسَّائِبُ بْنُ أَبِي السَّائِبِ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: السَّائِبُ بْنُ أَبِي السَّائِبِ شَرِيكُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي جَاءَ فِيهِ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نِعْمَ الشَّرِيكُ السَّائِبُ،

_ [1] فِي م، ر: « ... بِهِ أَن يلْتَمس» بِزِيَادَة (بِهِ) ، وَلَا معنى لَهَا. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي: «عَائِذ» وَهُوَ تَحْرِيف، قَالَ أَبُو ذَر: «قَالَ الزبير بن بكار فِيمَا حكى الدارقطنيّ عَنهُ: كل من كَانَ من ولد عمر بن مَخْزُوم فَهُوَ عَابِد، يعْنى بِالْبَاء وَالدَّال الْمُهْملَة، وكل من كَانَ ولد عمرَان بن مَخْزُوم فَهُوَ عَائِذ، يعْنى بِالْيَاءِ المهموزة والذال الْمُعْجَمَة» .

(من بنى سهم) :

لَا يُشَارَى وَلَا يُمَارَى، وَكَانَ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ- فِيمَا بَلَغَنَا- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ السَّائِبَ [1] ابْن أَبِي السَّائِبِ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَعْطَاهُ يَوْمَ الْجِعِرَّانَةِ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ: أَنَّ الَّذِي قَتَلَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَحَاجِبُ بْنُ السَّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ عَمْرِو ابْن عَائِذِ بْنِ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَائِذٌ: ابْنُ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَيُقَالُ: حَاجِزُ بْنُ السَّائِبِ- وَاَلَّذِي قَتَلَ حَاجِبَ بْنَ السَّائِبِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُوَيْمِرُ بْنُ السَّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرٍ، قَتَلَهُ النُّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ الْقَوْقَلِيُّ مُبَارَزَةً، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَمْرُو بْنُ سُفْيَانَ، وَجَابِرُ بْنُ سُفْيَانَ، حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ طيِّئ قَتَلَ عَمْرًا يَزِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ، وَقَتَلَ جَابِرًا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نَيَّارٍ، (فِيمَا) [2] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: سَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا. (مِنْ بَنِي سَهْمٍ) : وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ: مُنَبِّهُ بْنُ الْحَجَّاجِ

_ [1] فِي إِسْلَام السَّائِب وَقَتله مُشْركًا خلاف عرض لَهُ السهيليّ وَابْن عبد الْبر. وَقد ذكر السهيليّ قصَّة عَن ابْن الزبير تدل على إِسْلَام السَّائِب، قَالَ: مر مُعَاوِيَة وَهُوَ يطوف بِالْبَيْتِ وَمَعَهُ جنده فزحموا السَّائِب فَسقط، فَوقف عَلَيْهِ مُعَاوِيَة، وَهُوَ يَوْمئِذٍ خَليفَة، فَقَالَ: ارْفَعُوا الشَّيْخ. فَلَمَّا قَامَ قَالَ: مَا هَذَا يَا مُعَاوِيَة؟ تصرعوننا حول الْبَيْت! أما وَالله لقد أردْت أَن أَتزوّج أمك، فَقَالَ مُعَاوِيَة: ليتك فعلت فَجَاءَت بِمثل أَبى السَّائِب، يعْنى عبد الله بن السَّائِب. وَفِي هَذَا دَلِيل على أَنه أدْرك الْإِسْلَام وعَلى أَنه من المعمرين. ثمَّ ذكر السهيليّ حَدِيث الشّركَة، وَالِاخْتِلَاف فِيمَن كَانَت الشّركَة مَعَه، أهوَ أَبُو السَّائِب هَذَا أم غَيره، فِي حَدِيث طَوِيل اجتزأنا مِنْهُ بِمَا ذكرنَا وَكله لَا يخرج عَن الرأيين اللَّذين عرض لَهما ابْن إِسْحَاق وَابْن هِشَام فِي كفر أَبى السَّائِب وإسلامه. [2] زِيَادَة عَن أ.

(من بنى جمح) :

ابْن عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، قَتَلَهُ أَبُو الْيَسَرِ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، وَابْنُهُ الْعَاصِ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَنُبَيْهُ بْنُ الْحَجَّاجِ بْنِ عَامِرٍ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ اشْتَرَكَا فِيهِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَأَبُو الْعَاصِ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ [1] ابْن سَهْمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَيُقَالُ: النُّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ الْقَوْقَلِيُّ، وَيُقَالُ: أَبُو دُجَانَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَاصِمُ بْنُ [2] عَوْفِ بْنِ ضُبَيْرَةَ [3] بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، قَتَلَهُ أَبُو الْيَسَرِ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خَمْسَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي جُمَحَ) : وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ: أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفِ ابْن وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي مَازِنٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: بَلْ قَتَلَهُ مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَخَبِيبُ ابْن إسَافٍ، اشْتَرَكُوا فِي قَتْلِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَابْنُهُ عَلِيُّ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، قَتَلَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَأَوْسُ ابْن مِعْيَرِ [4] بْنِ لَوْذَانَ بْنِ سَعْدِ بْنِ جُمَحَ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَيُقَالُ: قَتَلَهُ الْحُصَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، اشْتَرَكَا فِيهِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي عَامِرٍ) : وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ: مُعَاوِيَةُ بْنُ عَامِرٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَيُقَالُ: قَتَلَهُ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ.

_ [1] فِي الْأُصُول: «سعيد» وَهُوَ تَحْرِيف. [2] فِي الْأُصُول: «ابْن أَبى عَوْف» وَهُوَ تَحْرِيف. ويكنى عَوْف هَذَا: أَبَا ودَاعَة. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [3] فِي م، ر: «صبيرة» بالصَّاد الْمُهْملَة، وهما رِوَايَتَانِ فِيهِ. [4] فِي م، ر: «معبر» بِالْبَاء الْمُوَحدَة: وَهُوَ تَحْرِيف. (رَاجع الطَّبَرِيّ وَابْن الْأَثِير) .

(عددهم) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَعْبَدُ بْنُ وَهْبٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي كَلْبِ بْنِ عَوْفِ ابْن كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثٍ، قَتَلَ مَعْبَدًا خَالِدٌ وَإِيَاسُ ابْنَا الْبُكَيْرِ، وَيُقَالُ: أَبُو دُجَانَةَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. رَجُلَانِ. (عَدَدُهُمْ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [1] : فَجَمِيعُ مَنْ أُحْصِيَ لَنَا مِنْ قَتْلَى قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ. خَمْسُونَ رَجُلًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو: أَنَّ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا، وَالْأَسْرَى كَذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها 3: 165 يَقُولُهُ لِأَصْحَابِ أُحُدٍ- وَكَانَ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا- يَقُولُ: قَدْ أَصَبْتُمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِثْلَيْ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، سَبْعِينَ قَتِيلًا وَسَبْعِينَ أَسِيرًا. وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: فَأَقَامَ بِالْعَطَنِ الْمُعَطَّنِ مِنْهُمْ ... سَبْعُونَ، عُتْبَةُ مِنْهُمْ وَالْأَسْوَدُ [2] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَعْنِي قَتْلَى بَدْرٍ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي حَدِيثِ يَوْمِ أُحُدٍ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهَا. (مَنْ فَاتَ ابْنَ إِسْحَاقَ ذِكْرُهُمْ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمِمَّنْ لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ هَؤُلَاءِ السَّبْعِينَ الْقَتْلَى : (مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ) : مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: وَهْبُ بْنُ الْحَارِثِ، مِنْ بَنِي أَنْمَارِ بْنِ بَغِيضٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ، وَعَامِرُ بْنُ زَيْدٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي أَسَدٍ) : وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى: عُقْبَةُ بْنُ زَيْدٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ، وَعُمَيْرٌ مَوْلًى لَهُمْ. رَجُلَانِ.

_ [1] فِي م، ر: (قَالَ ابْن إِسْحَاق) . [2] العطن (فِي الأَصْل) : مبرك الْإِبِل حول المَاء، فاستعاره هُنَا لقتلى يَوْم بدر من الْمُشْركين.

(من بنى عبد الدار) :

(مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ) : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ: نُبَيْهُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مُلَيْصٍ، وَعُبَيْدُ بْنُ سَلِيطٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ قَيْسٍ. رَجُلَانِ. (مِنْ بنى تيم) : وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ: مَالِكُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ [1] بْنِ عُثْمَانَ (وَهُوَ أَخُو طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ) [2] أُسِرَ فَمَاتَ فِي الْأُسَارَى، فَعُدَّ فِي الْقَتْلَى، وَيُقَالُ: وَعَمْرُو ابْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ) : وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ: حُذَيْفَةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَتَلَهُ سَعْدُ ابْن أَبِي وَقَّاصٍ وَهِشَامُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَتَلَهُ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ، وَزُهَيْرُ ابْن أَبِي رِفَاعَةَ، قَتَلَهُ أَبُو أُسَيْدٍ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَالسَّائِبُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ، قَتَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَائِذُ بْنُ السَّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرٍ، أُسِرَ ثُمَّ اُفْتُدِيَ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ مِنْ جِرَاحَةٍ جَرَحَهُ إيَّاهَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعُمَيْرٌ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ طيِّئ، وَخِيَارٌ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْقَارَّةِ. سَبْعَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي جُمَحَ) : وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرٍو: سَبْرَةُ بْنُ مَالِكٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي سَهْمٍ) : وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو. الْحَارِثُ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ، قَتَلَهُ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ، وَعَامِرُ بْنُ [3] عَوْفِ بْنِ ضُبَيْرَةَ [4] ، أَخُو عَاصِمِ بْنِ ضُبَيْرَةَ، قَتَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ الْعَجْلَانِيُّ، وَيُقَالُ: أَبُو دُجَانَةَ. رَجُلَانِ.

_ [1] فِي أ: «عبد الله» وَهُوَ تَحْرِيف. [2] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ. [3] رَاجع الْحَاشِيَة رقم 2 ص 713 من هَذَا الْجُزْء. [4] فِي م، ر: «صبيرة» بالصَّاد الْمُهْملَة وهما لُغَتَانِ فِيهِ.

انْتهى الْقسم الأول من سيرة ابْن هِشَام، وَهُوَ الّذي يتَضَمَّن الجزءين الأول وَالثَّانِي ويليه الْقسم الثَّانِي، وَهُوَ الّذي يتَضَمَّن الجزءين الثَّالِث وَالرَّابِع وأوله: ذكر أسرى قُرَيْش يَوْم بدر

ذكر أسرى قريش يوم بدر

[المجلد الثَّانِي] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ذِكْرُ أَسْرَى قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ (مِنْ بَنِي هَاشِمٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأُسِرَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ، مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عَقِيلُ [1] بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، وَنَوْفَلُ [2] بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ [3] . (مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ) : وَمِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: السَّائِبُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، وَنُعْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ. رَجُلَانِ.

_ [1] أسلم عقيل عَام الحديبيّة وَحسن إِسْلَامه، وَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا يزِيد، إِنِّي أحبك حبين: حبا لقرابتك منى، وحبا لما أعلم من حب عمى إياك. وَقد سكن عقيل الْبَصْرَة، وَمَات بِالشَّام فِي خلَافَة مُعَاوِيَة. [2] أسلم نَوْفَل عَام الخَنْدَق، وَهَاجَر، وَقيل: بل أسلم حِين أسر، وَذَلِكَ أَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: أفد نَفسك، قَالَ: لَيْسَ لي مَال أفتدي بِهِ! قَالَ: أفد نَفسك بأرماحك الَّتِي بجدة، قَالَ: وَالله مَا علم أحد أَن لي بجدة أرماحا غير الله، وَأشْهد أَنَّك رَسُول الله. وَهُوَ مِمَّن ثَبت مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم حنين، وأعان رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد الْخُرُوج إِلَيْهَا بِثَلَاثَة آلَاف رمح، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كأنى انْظُر إِلَى أرماحك هَذِه تقصف ظُهُور الْمُشْركين. وَمَات نَوْفَل بِالْمَدِينَةِ سنة خمس عشرَة، وَصلى عَلَيْهِ عمر بن الْخطاب، رضى الله عَنْهُمَا. [3] قَالَ أَبُو ذَر: «وَلم يذكر مَعَهُمَا الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، لِأَنَّهُ كَانَ أسلم، وَكَانَ يكتم إِسْلَامه خوف قومه» .

(من بنى عبد شمس وحلفائهم) :

(مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَحُلَفَائِهِمْ) : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ ابْن عَبْدِ شَمْسٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي وَجْزَةَ [1] بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ. وَيُقَالُ: ابْنُ أَبِي وَحْرَةَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [2] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ (عَبْدِ) [3] شَمْسٍ، وَأَبُو الْعَاصِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ: أَبُو رِيشَةَ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، وَعَمْرُو بْنُ الْأَزْرَقِ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ. سَبْعَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ وَحُلَفَائِهِمْ) : وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عَدِيُّ بْنُ الْخِيَارِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسِ ابْنِ أَخِي غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ وَحُلَفَائِهِمْ) : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ: أَبُو عَزِيزِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ. وَيَقُولُونَ: نَحْنُ بَنُو الْأَسْوَدِ بْنِ عَامِرِ ابْن عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ السَّبَّاقِ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي أَسَدٍ وَحُلَفَائِهِمْ) : وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ: السَّائِبُ [4] بْنُ أَبِي حُبَيْشِ بْنِ الْمُطَّلِبِ ابْن أَسَدٍ، وَالْحُوَيْرِثُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَسَدٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَائِذِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَسَدٍ.

_ [1] فِي م، ر: «وجرة» وَهُوَ تَصْحِيف. [2] قَالَ أَبُو ذَر «كَذَا قَيده الدَّار قطنى كَمَا قَالَ ابْن هِشَام» . [3] زِيَادَة عَن أ. [4] والسائب هَذَا، أَخُو فَاطِمَة بنت أَبى حُبَيْش الْمُسْتَحَاضَة، وَهُوَ الّذي قَالَ فِيهِ عمر بن الْخطاب: ذَاك رجل لَا أعلم فِيهِ عَيْبا، وَمَا أحد إِلَّا وَأَنا أقدر أَن أعيبه بعد رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقد قيل: إِن هَذِه الْمقَالة قَالَهَا عمر فِي ابْنه عبد الله بن السَّائِب. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .

(من بنى مخزوم) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَالِمُ بْنُ شَمَّاخٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ) : وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ: خَالِدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْن عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ [1] ، وَأُمَيَّةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَصَيْفِيُّ ابْن أَبِي رِفَاعَة بن عابا [2] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَأَبُو الْمُنْذِرِ [3] بْنِ أَبِي رِفَاعَةَ ابْن عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَأَبُو عَطَاءٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي [4] السَّائِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَالْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ، حَلِيفٌ لَهُمْ، وَهُوَ كَانَ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- أَوَّلُ مَنْ وَلَّى فَارًّا مُنْهَزِمًا، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: وَلَسْنَا عَلَى الْأَدْبَارِ تَدْمَى كُلُومُنَا ... وَلَكِنْ عَلَى أَقْدَامِنَا يَقْطُرُ الدَّمُ [5] تِسْعَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: «لَسْنَا عَلَى الْأَعْقَابِ» . وَخَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ، مِنْ خُزَاعَةَ، وَيُقَالُ: عُقَيْلِيٌّ. (مِنْ بَنِي سَهْمٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصٍ بْنِ كَعْبٍ: أَبُو وَدَاعَةَ ابْن ضُبَيْرَةَ [6] بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، كَانَ أَوَّلَ أَسِيرٍ أَفْتُدِيَ مِنْ أَسْرَى بَدْرٍ افْتَدَاهُ ابْنُهُ الْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ، وَفَرْوَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ حُذَافَةَ

_ [1] قَالَ السهيليّ: «وَذكره- يُرِيد خَالِدا- بَعضهم فِي الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم» . [2] كَذَا فِي أهنأ وَفِيمَا سَيَأْتِي، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عَائِذ» قَالَ أَبُو ذَر: «كل مَا كَانَ من ولد بن مَخْزُوم فَهُوَ عَابِد، يعْنى بِالْبَاء وَالدَّال الْمُهْملَة، وكل من كَانَ من ولد عمرَان بن مَخْزُوم فَهُوَ عَائِذ، يعْنى بِالْيَاءِ المهموزة والذال الْمُعْجَمَة» . [3] قَالَ أَبُو ذَر: «ويروى أَيْضا: الْمُنْذر بن أَبى رِفَاعَة. وَكَذَا قَالَ فِيهِ مُوسَى بن عقبَة فِي الْمَغَازِي» . [4] فِي أ: «عبد الله بن السَّائِب» وَالظَّاهِر أَنه تَحْرِيف، إِذْ الْمَعْرُوف أَن أَبَا السَّائِب هُوَ ابْن عَائِذ ابْن عبد الله، وَأَن لَهُ ابْنا يُقَال لَهُ: السَّائِب. [5] الكلوم: الْجِرَاحَات. [6] فِي م، ر: «صبيرة» بالصَّاد الْمُهْملَة وهما رِوَايَتَانِ فِيهِ.

(من بنى جمح) :

ابْن سَعْدِ [1] بْنِ سَهْمٍ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ قَبِيصَةَ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، وَالْحَجَّاجُ [2] ابْن قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ. أَرْبَعَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي جُمَحَ) : وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصٍ بْنِ كَعْبٍ: عَبْدُ اللَّهِ [3] بْنُ أُبَيِّ بْنِ خَلَفِ ابْن وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، وَأَبُو عَزَّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ وُهَيْبِ [4] بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، وَالْفَاكِهُ، مَوْلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، ادَّعَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ رَبَاحُ بْنُ الْمُغْتَرِفِ، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ بَنِي شَمَّاخِ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ- وَيُقَالُ: إنَّ الْفَاكِهَ: ابْنَ جَرْوَلِ بْنِ حِذْيَمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غَضْبِ بْنِ شَمَّاخِ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ- وَوَهْبُ [5] بْنُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، وَرَبِيعَةُ ابْن دَرَّاجِ بْنِ الْعَنْبَسِ بْنِ أُهْبَانَ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ. خَمْسَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي عَامِرٍ) : وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ: سُهَيْلُ [6] بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ ابْن مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ، أَسَرَهُ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُمِ، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، وَعَبْدُ [7] بْنُ زَمَعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَشْنُوءِ [8] بْنِ وَقْدَانُ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ. ثَلَاثَةُ نفر.

_ [1] فِي الْأُصُول هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي فِي نسب الْحجَّاج: «سعيد» وَهُوَ تَحْرِيف. وَقد تقدم الْكَلَام على هَذَا فِي الْجُزْء الأول من هَذِه الطبعة. [2] قَالَ السهيليّ: «وأحسب ذكر الْحجَّاج فِي هَذَا الْموضع وهما، فَإِنَّهُ من مهاجرة الْحَبَشَة، وَقدم الْمَدِينَة بعد أحد، فَكيف يعد فِي أسرى الْمُشْركين يَوْم بدر!» . [3] أسلم عبد الله هَذَا يَوْم الْفَتْح وَقتل يَوْم الْجمل. [4] فِي م، ر: «أهيب» . [5] أسلم وهب بعد أَن جَاءَ أَبوهُ عُمَيْر فِي فدائه، فَأَسْلمَا جَمِيعًا. [6] أسلم سُهَيْل وَمَات بِالشَّام شَهِيدا، وَهُوَ خطيب قُرَيْش. [7] هُوَ أَخُو سَوْدَة بنت زَمعَة، أسلم. وَهُوَ الّذي خاصمه سعد بن أَبى وَقاص فِي أَخِيه من أَبِيه عبد الرَّحْمَن ابْن زَمعَة بن وليدة زَمعَة. وَهُوَ الّذي قَالَ فِيهِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ لَك يَا عبد بن زَمعَة. (رَاجع الرَّوْض الْأنف والاستيعاب فِي ترجمتى عبد بن زَمعَة وَعبد الرَّحْمَن أَخِيه) . [8] فِي أ: «منشوء» .

(من بى الحارث) :

(من بى الْحَارِثِ) : وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: الطُّفَيْلُ بْنُ أَبِي قُنَيْعٍ، وَعَتَبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَحْدَمٍ. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَمِيعُ مَنْ حُفِظَ لَنَا مِنْ الْأُسَارَى ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا. (مَا فَاتَ ابْنُ إسْحَاقَ ذِكْرَهُمْ) . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَعَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَدَدِ رَجُلٌ لَمْ نَذْكُرْ اسْمَهُ، وَمِمَّنْ لَمْ نَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ الْأُسَارَى: (مِنْ بَنِي هَاشِمٍ) : مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُتْبَةُ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي فِهْرٍ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ) : وَمِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عَقِيلُ [1] بْنُ عَمْرٍو، حَلِيفٌ لَهُمْ، وَأَخُوهُ تَمِيمُ بْنُ عَمْرٍو، وَابْنُهُ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ) : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: خَالِدُ بْنُ أُسَيْدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ، وَأَبُو الْعَرِيضِ يَسَارٌ، مَوْلَى الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ) : وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: نَبْهَانُ، مَوْلًى لَهُمْ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي أَسَدٍ) : وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى: عَبْدُ اللَّهِ [2] بْنُ حُمَيْدٍ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ) : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ: عَقِيلٌ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ. رَجُلٌ.

_ [1] فِي م، ر: «عليل» . [2] قَالَ السهيليّ: «الْمَعْرُوف فِيهِ: عبيد الله بن حميد، وَكَذَلِكَ ذكره ابْن قُتَيْبَة وَأَبُو عَمْرو الكلاباذي وَأَبُو نصر، وَهُوَ مولى حَاطِب بن أَبى بلتعة» .

(من بنى تيم) :

(مِنْ بنى تيم) : وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ: مُسَافِعُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ صَخْرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ، وَجَابِرُ بْنُ الزَّبِيرِ، حَلِيفٌ لَهُمْ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ) : وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ: قَيْسُ بْنُ السَّائِبِ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي جُمَحَ) : وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرٍو: عَمْرُو بْنُ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ، وَأَبُو رُهْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، حَلِيفٌ لَهُمْ، وَحَلِيفٌ لَهُمْ ذَهَبَ عَنِّي اسْمُهُ، وَمَوْلَيَانِ لِأُمَيَّةِ بْنِ خَلَفٍ، أَحَدُهُمَا نِسْطَاسٌ [1] ، وَأَبُو رَافِعٍ، غُلَامُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ. سِتَّةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي سَهْمٍ) : وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو: أَسْلَمَ، مَوْلَى نُبَيْهِ بْنِ الْحَجَّاجِ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي عَامِرٍ) : وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ: حَبِيبُ بْنُ جَابِرٍ، وَالسَّائِبُ بْنُ مَالِكٍ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي الْحَارِثِ) : وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: شَافِعُ وَشَفِيعٌ، حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ. رَجُلَانِ. مَا قِيلَ مِنْ الشِّعْرِ فِي يَوْمِ بَدْرٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمَّا قِيلَ مِنْ الشِّعْرِ فِي يَوْمِ بَدْرٍ، وَتَرَادَّ بَهْ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ لِمَا كَانَ فِيهِ، قَوْلُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَرْحَمُهُ اللَّهُ: - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا وَنَقِيضَتَهَا-: أَلَمْ تَرَ أَمْرًا كَانَ مِنْ عَجْبِ الدَّهْرِ ... وَلِلْحَيْنِ أَسِبَابٌ مُبَيَّنَةُ الْأَمْرِ [2]

_ [1] أسلم نسطاس بعد أحد، فِيمَا يُقَال. [2] الْحِين: الْهَلَاك.

وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ قَوْمًا أَفَادَهُمْ ... فَحَانُوا تَوَاصٍ بِالْعُقُوقِ وَبِالْكُفْرِ [1] عَشِيَّةَ رَاحُوا نَحْوَ بَدْرٍ بِجَمْعِهِمْ ... فَكَانُوا رُهُونًا لِلرَّكِيَّةِ مِنْ بَدْرِ [2] وَكُنَّا طَلَبْنَا الْعِيرَ لَمْ نَبْغِ غَيْرَهَا ... فَسَارُوا إِلَيْنَا فالتقنا عَلَى قَدْرِ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا لَمْ تَكُنْ مَثْنَوِيَّةٌ ... لَنَا غَيْرَ طَعْنٍ بِالْمُثَقَّفَةِ السُّمْرِ [3] وَضَرْبٍ بِبِيضٍ يَخْتَلِي الْهَامَ حَدُّهَا ... مُشْهِرَةُ الْأَلْوَانِ بَيِّنَةُ الْأُثُرِ [4] وَنَحْنُ تَرَكْنَا عُتْبَةَ الْغَيَّ ثَاوِيًا ... وَشَيْبَةَ فِي الْقَتْلَى تَجْرَجَمُ فِي الْجَفْرِ [5] وَعَمْرٌو ثَوَى فِيمَنْ ثَوَى مِنْ حُمَاتِهِمْ ... فَشُقَّتْ جُيُوبُ النَّائِحَاتِ عَلَى عَمْرِو جُيُوبُ نِسَاءٍ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ ... كِرَامٍ تَفَرَّعْنَ الذَّوَائِبَ مِنْ فِهْرِ [6] أُولَئِكَ قَوْمٌ قُتِّلُوا فِي ضَلَالِهِمْ ... وَخَلَّوْا لِوَاءً غَيْرَ مُحْتَضَرِ النَّصْرُ لِوَاءُ ضَلَالٍ قَادَ إبْلِيسُ أَهْلَهُ ... فَخَاسَ بِهِمْ، إنَّ الْخَبِيثَ إلَى غَدْرِ [7] وَقَالَ لَهُمْ، إذْ عَايَنَ الْأَمْرَ وَاضِحًا ... بَرِئْتُ إلَيْكُمْ مَا بِي الْيَوْمَ مِنْ صَبْرِ فَإِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَإِنَّنِي ... أَخَافُ عِقَابَ اللَّهِ وَاَللَّهُ ذُو قَسْرِ [8] فَقَدَّمَهُمْ لِلْحَيْنِ حَتَّى تَوَرَّطُوا ... وَكَانَ بِمَا لَمْ يَخْبُرْ الْقَوْمُ ذَا خُبْرِ [9] فَكَانُوا غَدَاةَ الْبِئْرِ أَلْفًا وَجَمْعُنَا ... ثَلَاثُ مِئِينٍ كَالْمُسْدَمَةِ الزُّهْرِ [10] وَفِينَا جُنُودُ اللَّهِ حَيْنَ يُمِدُّنَا ... بِهِمْ فِي مَقَامٍ ثُمَّ مُسْتَوْضَحِ الذِّكْرِ [11] فَشَدَّ بِهِمْ جِبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا ... لَدَى مَأْزِقٍ فِيهِ مَنَايَاهُمْ تَجْرِي [11]

_ [1] أفادهم: أهلكهم، يُقَال: فاد الرجل: إِذا مَاتَ. وتواص، تفَاعل، من الْوَصِيَّة، وَهُوَ الْفَاعِل للْفِعْل (أفادهم) . [2] الرهون، جمع رهن. والركية: الْبِئْر غير المطوية. [3] مثنوية: أَي رُجُوع وانصراف. والمثقفة: الرماح المقومة. [4] يخْتَلى: يقطع. والهام: الرُّءُوس. والأثر (بِضَم الْهمزَة) : وشي السَّيْف وفرنده. [5] ثاويا: مُقيما. وتجرجم: تسْقط. والحفر: الْبِئْر المتسعة. [6] تفرعن: علون. والذوائب: الأعالي. [7] خاس: غدر. [8] القسر: الْقَهْر وَالْغَلَبَة. [9] تورطوا: وَقَعُوا فِي الهلكة. [10] المسدمة: الفحول من الْإِبِل. والزهر: الْبيض. [11] فِي أ: «منايا بهم تجرى» .

فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ: أَلَا يَا لِقَوْمِي [1] لِلصَّبَابَةِ [2] وَالْهَجْرِ ... وَلِلْحُزْنِ مِنِّي وَالْحَرَارَةِ فِي الصَّدْرِ وَلِلدَّمْعِ مِنْ عَيْنَيَّ جُودَا كَأَنَّهُ ... فَرِيدٌ هَوَى مِنْ سِلْكِ نَاظِمِهِ يَجْرِي [3] عَلَى الْبَطَلِ الْحُلْوِ الشَّمَائِلِ إذْ ثَوَى ... رَهِينَ مَقَامٍ لِلرَّكِيَّةِ مِنْ بَدْرِ فَلَا تَبْعُدْنَ يَا عَمْرُو مِنْ ذِي قُرَابَةٍ ... وَمِنْ ذِي نِدَامٍ كَانَ ذَا خُلُقٍ غَمْرِ [4] فَإِنْ يَكُ قَوْمٌ صَادَفُوا مِنْكَ دَوْلَةً ... فَلَا بُدَّ لِلْأَيَّامِ مِنْ دُوَلِ الدَّهْرِ فَقَدْ كُنْتَ فِي صَرْفِ الزَّمَانِ الَّذِي مَضَى ... تُرِيهِمْ هَوَانًا مِنْكَ ذَا سُبُلٍ وَعْرِ فَإِلَّا أَمُتْ يَا عَمْرو أتركك ثَائِرًا ... وَلَا أُبْقِ بُقْيَا فِي إخَاءٍ وَلَا صِهْرِ [5] وَأَقْطَعُ ظَهْرًا مِنْ رِجَالٍ بِمَعْشَرٍ ... كِرَامٍ عَلَيْهِمْ مِثْلَ مَا قَطَعُوا ظَهْرِي أَغَرَّهُمْ مَا جَمَّعُوا مِنْ وَشِيظَةٍ ... وَنَحْنُ الصَّمِيمُ فِي الْقَبَائِلِ مِنْ فِهْرِ [6] فِيَالَ لُؤَيٍّ ذَبِّبُوا عَنْ حَرِيمِكُمْ ... وَآلِهَةٍ لَا تَتْرُكُوهَا لِذِي الْفَخْرِ [7] تَوَارَثَهَا آبَاؤُكُمْ وَوَرِثْتُمْ ... أَوَاسِيَّهَا وَالْبَيْتَ ذَا السَّقْفِ وَالسِّتْرِ [8] فَمَا لِحَلِيمٍ قَدْ أَرَادَ هَلَاكَكُمْ ... فَلَا تَعْذِرُوهُ آلَ غَالِبٍ مِنْ عُذْرٍ [9] وَجِدُّوا لِمِنْ عَادَيْتُمْ وَتَوَازَرُوا ... وَكُونُوا جَمِيعًا فِي التَّأَسِّي وَفِي الصَّبْرِ [10] لَعَلَّكُمْ أَنْ تَثْأَرُوا بِأَخِيكُمْ ... وَلَا شَيْءَ إنَّ لَمْ تَثْأَرُوا بِذَوِي عَمْرِو [11]

_ [1] فِي أ: «أَلا يَا لقوم» . [2] الصبابة: رقة الشوق. [3] الْجُود: الْكثير: يُقَال: جَادَتْ السَّمَاء تجود جودا (بِالْفَتْح) : إِذا كثر مطرها. والفريد: الذَّهَب والدر. [4] كَذَا فِي أ. والغمر: الْوَاسِع الْخلق، يُقَال: رجل غمر الْخلق: إِذا كَانَ واسعها حسنها. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عَمْرو» وَهُوَ تَحْرِيف. [5] ثَائِر: ذُو ثأر. وَفِي أ: «ثابرا» . والثابر: الخاسر. [6] الوشيظة: الأتباع وَمن لَيْسَ من خَالص الْقَوْم. والصميم: الخالصون فِي أَوْلِيَائِهِمْ. [7] ذببوا: ادفعوا وامنعوا. [8] الأواسى: جمع آسِيَة، وَهِي مَا أسس عَلَيْهِ الْبناء. [9] غَالب (هُنَا) : اسْم قَبيلَة، وَلذَلِك لم يصرفهُ. [10] توازروا: تعاونوا. [11] تثأروا بأخيكم، أَي تَأْخُذُوا بثأره.

بِمُطَّرِدَاتِ فِي الْأَكُفِّ كَأَنَّهَا ... وَمِيضٌ تُطِيرُ الْهَامَ بَيِّنَةَ الْأُثْرِ [1] كَأَنَّ مُدِبَّ الذَّرِّ فَوْقَ مُتُونِهَا ... إذَا جُرِّدَتْ يَوْمًا لِأَعْدَائِهَا الْخُزْرِ [2] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبْدَلْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ كَلِمَتَيْنِ مِمَّا رَوَى ابْنُ إسْحَاقَ، وَهُمَا «الْفَخْرُ» فِي آخر الْبَيْت، و «فَمَا لِحَلِيمِ» ، فِي أَوَّلِ الْبَيْتِ، لِأَنَّهُ نَالَ فِيهِمَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي يَوْمِ بَدْرٍ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يَعْرِفُهَا وَلَا نَقِيضَتَهَا، وَإِنَّمَا كَتَبْنَاهُمَا لِأَنَّهُ يُقَالُ: إنَّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي الْقَتْلَى، وَذَكَرَهُ فِي هَذَا الشِّعْرِ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَبْلَى رَسُولَهُ ... بَلَاءَ عَزِيزٍ ذِي اقْتِدَارِ وَذِي فَضْلٍ [3] بِمَا أَنْزَلَ الْكُفَّارَ دَارَ مَذَلَّةٍ ... فَلَاقَوْا هَوَانَا مِنْ إسَارٍ وَمِنْ قَتْلِ فَأَمْسَى رَسُولُ اللَّهِ قَدْ عَزَّ نَصْرُهُ ... وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ أُرْسِلَ بِالْعَدْلِ فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ مِنْ اللَّهِ مُنْزَلٍ ... مُبَيَّنَةٍ آيَاتُهُ لِذَوِي الْعَقْلِ فَآمَنَ أَقْوَامٌ بِذَاكَ وَأَيْقَنُوا ... فَأَمْسَوْا بِحَمْدِ اللَّهِ مُجْتَمِعِي الشَّمْلِ وَأَنْكَرَ أَقْوَامٌ فَزَاغَتْ قُلُوبُهُمْ ... فَزَادَهُمْ ذُو الْعَرْشِ خَبْلًا عَلَى خَبْلُ. [4] وَأَمْكَنَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ رَسُولَهُ ... وَقَوْمًا غِضَابًا فِعْلُهُمْ أَحْسَنُ الْفِعْلِ بِأَيْدِيهِمْ بِيضٌ خِفَافٌ عَصَوْا بِهَا ... وَقَدْ حَادَثُوهَا بِالْجِلَاءِ وَبِالصَّقْلِ [5] فَكَمْ تَرَكُوا مِنْ نَاشِئٍ ذِي حَمِيَّةٍ ... صَرِيعًا وَمِنْ ذِي نَجْدَةٍ مِنْهُمْ كَهْلِ

_ [1] بمطردات، أَي بسيوف مهتزات. والوميض: ضوء الْبَرْق. والهام: الرموس. [2] الذَّر: صغَار النَّمْل. والخزر: جمع أخزر، وَهُوَ الّذي ينظر بمؤخر عينه كبرا وعجبا. [3] أبلى: أَي من عَلَيْهِ وأنعم، وصنع لَهُ صنعا حسنا. قَالَ زُهَيْر: فأبلى هُنَا خير الْبلَاء الّذي يبلو [4] زاغت: مَالَتْ عَن الْحق. والخبل: الْفساد. [5] بيض خفاف، يعْنى السيوف. وعصوا بهَا: ضربوا، يُقَال: عصيت بِالسَّيْفِ، إِذا ضربت بِهِ. وحادثوها: تعهدوها.

تَبِيتُ عُيُونُ النَّائِحَاتِ عَلَيْهِمْ ... تَجُودُ بِأَسْبَالِ الرَّشَاشِ وَبِالْوَبْلِ [1] نَوَائِحَ تَنْعَى عُتْبَةَ الْغَيَّ وَابْنَهُ ... وَشَيْبَةَ تَنْعَاهُ وَتَنْعَى أَبَا جَهْلٍ وَذَا الرَّجُلِ تَنْعَى وَابْنَ جُدْعَانَ فِيهِمْ ... مُسَلِّبَةً حَرَّى مُبَيَّنَةَ الثُّكْلِ [2] ثَوَى [3] مِنْهُمْ فِي بِئْرِ بَدْرٍ عِصَابَةٌ ... ذَوِي نَجَدَاتٍ فِي الْحُرُوبِ وَفِي الْمَحْلِ دَعَا الْغَيُّ مِنْهُمْ مَنْ دَعَا فَأَجَابَهُ ... وَلِلْغَيِّ أَسِبَابٌ مُرَمَّقَةُ الْوَصْلِ [4] فَأَضْحَوْا لَدَى دَارِ الْجَحِيمِ بِمَعْزِلٍ ... عَنْ الشَّغْبِ وَالْعُدْوَانِ فِي أَشْغَلْ الشُّغْلِ [5] فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ: عَجِبْتُ لِأَقْوَامٍ تَغَنَّى سَفِيهُهُمْ ... بِأَمْرٍ سَفَاهٍ ذِي اعْتِرَاضٍ وَذِي بُطْلٍ تَغَنَّى بِقَتْلَى يَوْمَ بَدْرٍ تَتَابَعُوا ... كِرَامِ الْمَسَاعِي مِنْ غُلَامٍ وَمِنْ كَهْلٍ مَصَالِيتَ [6] بِيضٍ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ [7] ... مَطَاعِينَ فِي الْهَيْجَا مَطَاعِيمَ فِي الْمَحْلِ [8] أُصِيبُوا كِرَامًا لَمْ يَبِيعُوا عَشِيرَةً ... بِقَوْمِ سِوَاهُمْ نَازِحِي الدَّارِ وَالْأَصْلِ كَمَا أَصْبَحَتْ غَسَّانُ فِيكُمْ بِطَانَةً [9] ... لَكُمْ بَدَلًا مِنَّا فِيَا لَكَ مِنْ فِعْلِ عُقُوقًا وَإِثْمًا بَيِّنًا وَقَطِيعَةً ... يَرَى جوركم فِيهَا ذُو والرأى وَالْعَقْلِ فَإِنْ يَكُ قَوْمٌ قَدْ مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ ... وَخَيْرُ الْمَنَايَا مَا يَكُونُ مِنْ الْقَتْلِ فَلَا تَفْرَحُوا أَنْ تَقْتُلُوهُمْ فَقَتْلُهُمْ ... لَكُمْ كَائِنٌ خَبْلًا مُقِيمًا عَلَى خَبْلِ فَإِنَّكُمْ لَنْ تَبْرَحُوا بَعْدَ قَتْلِهِمْ ... شَتِيتًا [10] هَوَاكُمْ غَيْرُ مُجْتَمِعِي الشَّمْلِ

_ [1] الإسبال: الْإِرْسَال، يُقَال: أسبل دمعه، وَذَلِكَ إِذا رسله. والرشاش: الْمَطَر الضَّعِيف. والوبل: الْكثير، واستعارها هُنَا لقَلِيل الدمع وغزيره. [2] يُرِيد «بِذِي الرجل» : الْأسود الّذي قطع حَمْزَة رجله عِنْد الْحَوْض. والمسلبة: الَّتِي لبست السلاب، وَهِي خرقَة سَوْدَاء تلبسها الثكلى. وحرى: محرقة الْجوف من الْحزن. والثكل: الْفَقْد. [3] فِي أ: «ترى» . [4] مرمقة: ضَعِيفَة، من الرمق، وَهُوَ الشَّيْء الْيَسِير الضَّعِيف. [5] الشغب: التشغيب. [6] المصاليت: الشجعان. [7] فِي أ: «من ذؤابة غَالب» وذؤابة كل شَيْء: أَعْلَاهُ. [8] مطاعين، جمع مطعان، وَهُوَ الّذي يكثر الطعْن فِي الْحَرْب. والهيجاء (بِالْمدِّ، وَقصر للشعر) : الْحَرْب. والمطاعيم: جمع مطعام، وَهُوَ الّذي يكثر الْإِطْعَام. وَالْمحل: الْقَحْط والجدب. [9] بطانة الرجل: خاصته. [10] الشتيت: المتفرق.

بِفَقْدِ ابْنِ جُدْعَانَ الْحَمِيدِ فِعَالُهُ ... وَعُتْبَةُ وَالْمَدْعُوُّ فِيكُمْ أَبَا جَهْلِ وَشَيْبَةَ فِيهِمْ وَالْوَلِيدَ وَفِيهِمْ ... أُمَيَّةَ مَأْوَى الْمُعْتَرِينَ وَذُو الرِّجْلِ [1] أُولَئِكَ فَابْكِ ثُمَّ لَا تَبْكِ غَيْرَهُمْ ... نَوَائِحُ تَدْعُو بِالرَّزِيَّةِ وَالثُّكْلِ وَقُولُوا لِأَهْلِ الْمَكَّتَيْنِ تَحَاشَدُوا ... وَسِيرُوا إلَى آطَامِ يَثْرِبَ ذِي النَّخْلِ [2] جَمِيعًا وَحَامُوا آلَ كَعْبٍ وَذَبِّبُوا ... بِخَالِصَةِ الْأَلْوَانِ مُحْدَثَةِ الصَّقْلِ [3] وَإِلَّا فَبُيِّتُوا خَائِفِينَ وَأَصْبِحُوا ... أَذَلَّ لِوَطْءِ الْوَاطِئِينَ مِنْ النَّعْلِ عَلَى أَنَّنِي وَاللَّاتِ يَا قَوْمُ فَاعْلَمُوا ... بِكَمْ وَاثِقٌ أَنْ لَا تُقِيمُوا عَلَى تَبْلِ [4] سِوَى جَمْعِكُمْ لِلسَّابِغَاتِ وَلِلْقَنَا ... وَلِلْبَيْضِ وَالْبِيضِ الْقَوَاطِعِ وَالنَّبْلِ [5] وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ [6] بْنِ مِرْدَاسٍ، أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ، فِي يَوْمِ بَدْرٍ: عَجِبْتُ لِفَخْرِ الْأَوْسِ وَالْحَيْنُ دَائِرٌ ... عَلَيْهِمْ غَدًا وَالدَّهْرُ فِيهِ بَصَائِرُ وَفَخْرُ بَنِي النَّجَّارِ إنْ كَانَ مَعْشَرٌ ... أُصِيبُوا بِبَدْرٍ كُلُّهُمْ ثَمَّ صَابِرُ فَإِنْ تَكُ قَتْلَى غُودِرَتْ مِنْ رِجَالِنَا ... فَإِنَّا رِجَالٌ [7] بَعْدَهُمْ سَنُغَادِرُ وَتَرْدِي بِنَا الْجُرْدُ الْعَنَاجِيجُ وَسَطكُمْ ... بَنِي الْأَوْسِ حَتَّى يَشْفِي النَّفْسَ ثَائِرٌ [8] وَوَسْطَ بَنِي النَّجَّارِ سَوْفَ نَكُرُّهَا ... لَهَا بالقنا وَالدَّار عين زَوَافِرُ [9] فَنَتْرُكُ صَرْعَى تَعْصِبُ الطَّيْرُ حَوْلَهُمْ ... وَلَيْسَ لَهُمْ إلَّا الْأَمَانِيُّ نَاصِرُ [10]

_ [1] المعترون: المحتاجون المتعرضون للمسألة. ويروى: «المقترون» والمقتر: الْفَقِير. وَذُو الرجل: الْأسود الّذي قطع حَمْزَة رجله عِنْد الْحَوْض. [2] مكتين: أَي مَكَّة والطائف. والآطام: جمع أَطَم، وَهُوَ الْحصن. [3] ذببوا، أَي امنعوا وادفعوا. [4] التبل: الْعَدَاوَة وَطلب الثأر. [5] السابغات: الدروع. [6] فِي م: «الْخَطِيب» وَهُوَ تَحْرِيف. [7] فِي م: «رجَالًا» وَهُوَ تَحْرِيف. [8] تردى: تسرع. والجرد: الْخَيل الْعتاق القصيرات الشّعْر. والعناجيج: جمع عنجوج، وَهُوَ الطَّوِيل السَّرِيع. والثائر: الطَّالِب بثأره. [9] الزوافر: جمع زافرة، وَهِي الْحَامِلَات للثقل. [10] تعصب: تَجْتَمِع عصائب عصائب.

وَتَبْكِيهِمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ نِسْوَةٌ ... لَهُنَّ [1] بِهَا لَيْلٌ عَنْ النَّوْمِ سَاهِرُ وَذَلِكَ أَنَّا لَا تَزَالُ سُيُوفُنَا ... بِهِنَّ دَمٌ مِمَّنْ [2] يُحَارَبْنَ مَائِرُ [3] فَإِنْ تَظْفَرُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ فَإِنَّمَا ... بِأَحْمَدَ أَمْسَى جَدُّكُمْ وَهُوَ ظَاهِرُ وَبِالنَّفَرِ الْأَخْيَارِ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ ... يُحَامُونَ فِي الَّلأْوَاءِ وَالْمَوْتُ حَاضِرُ [4] يُعَدُّ أَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ فِيهِمْ ... وَيُدْعَى عَلِيٌّ وَسْطَ مَنْ أَنْتَ ذَاكِرُ وَيُدْعَى أَبُو حَفْصٍ وَعُثْمَانُ مِنْهُمْ ... وَسَعْدٌ إذَا مَا كَانَ فِي الْحَرْبِ حَاضِرُ أُولَئِكَ لَا مَنْ نَتَّجَتْ فِي دِيَارِهَا ... بَنُو الْأَوْسِ وَالنَّجَّارِ حَيْنَ تُفَاخِرُ [5] وَلَكِنْ أَبُوهُمْ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ ... إذَا عُدَّتْ الْأَنْسَابُ كَعْبٌ وَعَامِرُ هُمْ الطَّاعِنُونَ الْخَيْلَ فِي كُلِّ مَعْرَكٍ ... غَدَاةَ الْهِيَاجِ الْأَطْيَبُونَ الْأَكَاثِرُ [6] فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، فَقَالَ: عَجِبْتُ لِأَمْرِ اللَّهِ وَاَللَّهُ قَادِرٌ ... عَلَى مَا أَرَادَ، لَيْسَ للَّه قَاهِرُ قَضَى يَوْمَ بَدْرٍ أَنْ نُلَاقِيَ مَعْشَرًا ... بَغَوْا وَسَبِيلُ الْبَغْي بِالنَّاسِ جَائِرُ وَقَدْ حَشَدُوا وَاسْتَنْفَرُوا مِنْ يَلِيهِمْ ... مِنْ النَّاسِ حَتَّى جَمْعُهُمْ مُتَكَاثَرُ وَسَارَتْ إلَيْنَا لَا تُحَاوِلُ غَيْرَنَا ... بِأَجْمَعِهَا كَعْبٌ جَمِيعًا وَعَامِرُ وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ وَالْأَوْسُ حَوْلَهُ ... لَهُ مَعْقِلٌ مِنْهُمْ عَزِيزٌ وَنَاصِرُ [7] وَجَمْعُ بَنِي النَّجَّارِ تَحْتَ لِوَائِهِ ... يُمَشَّوْنَ [8] فِي الْمَاذِيَّ وَالنَّقْعُ ثَائِرُ [9] فَلَمَّا لَقِينَاهُمْ وَكُلٌّ مُجَاهِدٌ ... لِأَصْحَابِهِ مُسْتَبْسِلُ النَّفْسِ صَابِرُ شَهِدْنَا بِأَنَّ اللَّهَ لَا رَبَّ غَيْرُهُ ... وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ بِالْحَقِّ ظَاهِرُ

_ [1] فِي م: «لَهُم» وَهُوَ تَحْرِيف. [2] فِي م: «مِمَّا» . [3] مائر: سَائل. [4] اللأواء: الشدَّة. [5] نتجت: ولدت [6] فِي م، ر: «الأكابر» . [7] المعقل: الْموضع الْمُمْتَنع. [8] ويروى: «يميسون» . والميس: التَّبَخْتُر والاختيال. [9] الماذي: الدروع الْبيض اللينة. وَالنَّقْع: الْغُبَار.

وَقَدْ عُرِّيَتْ بِيضٌ خِفَافٌ كَأَنَّهَا ... مَقَابِيسُ يُزْهِيهَا [1] لِعَيْنَيْكَ شَاهِرُ بِهِنَّ أَبَدْنَا جَمْعَهُمْ فَتَبَدَّدُوا ... وَكَانَ يُلَاقِي الْحَيْنَ مَنْ هُوَ فَاجِرُ [2] فَكُبَّ أَبُو جَهْلٍ صَرِيعًا لِوَجْهِهِ ... وَعُتْبَةُ قَدْ غَادَرْنَهُ وَهُوَ عَاثِرُ [3] وَشَيْبَةُ وَالتَّيْمِيُّ غَادَرْنَ فِي الْوَغَى ... وَمَا مِنْهُمْ [4] إلَّا بِذِي الْعَرْشِ كَافِرُ فَأَمْسَوْا وَقُودَ النَّارِ فِي مُسْتَقَرِّهَا ... وَكُلُّ كَفَوْرٍ فِي جَهَنَّمَ صَائِرُ تَلَظَّى عَلَيْهِمْ وَهِيَ قَدْ شَبَّ حَمْيُهَا ... بِزُبَرِ الْحَدِيدِ وَالْحِجَارَةِ سَاجِرُ [5] وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ قَالَ أَقْبِلُوا ... فَوَلَّوْا وَقَالُوا: إِنَّمَا أَنْتَ سَاحِرُ لِأَمْرِ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَهْلَكُوا بِهِ ... وَلَيْسَ لِأَمْرٍ حَمَّهُ اللهُ زَاجِرُ [6] وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبْعَرَى السَّهْمِيُّ يَبْكِي قَتْلَى بدر: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى لِلْأَعْشَى بْنِ زُرَارَةَ بْنِ النَّبَّاشِ، أَحَدُ بَنِي أُسَيْدِ ابْن عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ: مَاذَا عَلَى بَدْرٍ وَمَاذَا حَوْلَهُ ... مِنْ فِتْيَةٍ بِيضِ الْوُجُوهِ كِرَامٍ تَرَكُوا نُبَيْهًا خَلْفَهُمْ وَمُنَبِّهًا ... وَابْنَيْ رَبِيعَةَ خَيْرَ خَصْمٍ فِئَامِ [7] وَالْحَارِثَ الْفَيَّاضَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ ... كَالْبَدْرِ جَلَّى لَيْلَةَ الْإِظْلَامِ [8] وَالْعَاصِيَ بْنَ مُنَبِّهٍ ذَا مِرَّةٍ ... رُمْحًا تَمِيمًا غَيْرَ ذِي أَوْصَامِ [9]

_ [1] يزهيها: يستخفها ويحركها. [2] أبدنا: أهلكنا. [3] كَذَا فِي الْأُصُول. والعاثر: السَّاقِط. ويروى: «عافر» بِالْفَاءِ، وَهُوَ الّذي لصق بالعفر، وَهُوَ التُّرَاب. [4] فِي أ: «وَمَا مِنْهُمَا» . [5] تلظى: تلهّب. وشب: أوقد. وزبر الْحَدِيد (بِفَتْح الْبَاء وَسكن للشعر) : قطعه. وساجر: موقد، يُقَال: سجرت التَّنور: إِذا أوقدته نَارا. [6] حمه الله: قدره. [7] الفئام: الْجَمَاعَات من النَّاس. [8] الْفَيَّاض: الْكثير الْإِعْطَاء. [9] الْمرة: الْقُوَّة والشدة. والتميم (هُنَا) : الطَّوِيل. والأوصام: الْعُيُوب، الْوَاحِد: وصم.

(شعر لحسان في بدر أيضا) :

تَنَمَّى بَهْ أَعْرَاقُهُ وَجُدُودُهُ ... وَمَآثِرُ الْأَخْوَالِ وَالْأَعْمَامِ [1] وَإِذَا بَكَى بَاكٍ فَأَعْوَلَ شَجْوَهُ ... فَعَلَى الرَّئِيسِ الْمَاجِدِ ابْنِ هِشَامِ [2] حَيَّا الْإِلَهُ أَبَا الْوَلِيدِ وَرَهْطَهُ ... رَبَّ الْأَنَامِ، وَخَصَّهُمْ [3] بِسَلَامِ فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: ابْكِ بَكَتْ عَيْنَاكَ ثُمَّ تَبَادَرَتْ ... بِدَمِ تُعَلُّ غُرُوبُهَا سَجَّامِ [4] مَاذَا بَكَيْتَ بِهِ الَّذِينَ تَتَايَعُوا [5] ... هَلَّا ذَكَرْتَ مَكَارِمَ الْأَقْوَامِ وَذَكَرْتَ مِنَّا مَاجِدًا ذَا هِمَّةٍ ... سَمْحَ الْخَلَائِقِ صَادِقَ الْإِقْدَامِ أَعْنِي النَّبِيَّ أَخَا الْمَكَارِمِ وَالنَّدَى ... وَأَبَرَّ مَنْ يُولَى عَلَى الْإِقْسَامِ [6] فَلِمِثْلِهِ وَلِمِثْلِ مَا يَدْعُو لَهُ ... كَانَ الْمُمَدَّحَ ثَمُّ غَيْرُ كَهَامِ [7] (شِعْرٌ لِحَسَّانَ فِي بَدْرٍ أَيْضًا) : وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ أَيْضًا: تَبَلَتْ فُؤَادَكَ فِي الْمَنَامِ خَرِيدَةً ... تَسْقِى [8] الضَّجِيعَ بِبَارِدِ بَسَّامِ [9] كَالْمِسْكِ تَخْلِطُهُ بِمَاءِ سَحَابَةٍ ... أَوْ عَاتِقٍ كَدَمِ الذَّبِيحِ مُدَامِ [10] نُفُجُ الْحَقِيبَةِ بُوصُهَا مُتَنَضِّدٌ ... بَلْهَاءُ غَيْرُ وَشِيكَةِ الْأَقْسَامِ [11]

_ [1] المآثر: جمع مأثرة، وَهِي مَا يتحدث بِهِ عَن الرجل من خير وَفعل حسن. [2] الإعوال: رفع الصَّوْت بالبكاء. والشجو: الْحزن. [3] فِي م: «وَخَصه» . [4] تعل: تكَرر. مَأْخُوذ من الْعِلَل، وَهُوَ الشّرْب بعد الشّرْب. والغروب: جمع غرب. وَهُوَ مجْرى الدمع. والسجام: السَّائِل. [5] تتايعوا، أَي ألقوا بنفسهم فِي التَّهْلُكَة. [6] يُولى: يحلف. [7] الكهام: الضَّعِيف. [8] كَذَا فِي الدِّيوَان. وَفِي الْأُصُول: «تشفى» . [9] تبلت: أسقمت. والخريدة: الْجَارِيَة الْحَسَنَة الناعمة. [10] العاتق: الْخمر الْقَدِيمَة. قَالَ أَبُو ذَر: «وَمن رَوَاهُ بِالْكَاف، فَهُوَ أَيْضا الْخمر الْقَدِيمَة الَّتِي حمرت. والقوس إِذا قدمت واحمرت قيل لَهَا: عَاتِكَة، وَبهَا سميت الْمَرْأَة» . والمدام: اسْم من أَسمَاء الْخمر. [11] نفج (بِالْجِيم) : مُرْتَفعَة. ويروى بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَمَعْنَاهُ: متسعة، وَالْأول أحسن. والحقيبة:

بُنِيَتْ عَلَى قَطَنٍ أَجَمَّ كَأَنَّهُ ... فُضُلًا إذَا قَعَدَتْ مَدَاكُ رُخَامِ [1] وَتَكَادُ تكسل أَن تَجِيء فِرَاشُهَا ... فِي جِسْمِ خَرْعَبَةٍ وَحُسْنِ قَوَامِ [2] أَمَّا النَّهَارَ فَلَا أُفَتِّرُ ذِكْرَهَا ... وَاللَّيْلُ تُوزِعُنِي بِهَا أَحْلَامِي [3] أَقْسَمْتَ أَنْسَاهَا وَأَتْرُكُ ذِكْرَهَا ... حَتَّى تُغَيَّبَ فِي الضَّرِيحِ عِظَامِي [4] يَا مَنْ لِعَاذِلَةٍ تَلُومُ سَفَاهَةً ... وَلَقَدْ عَصَيْتُ عَلَى الْهَوَى لُوَّامِي بَكَرَتْ عَلَيَّ بِسُحْرَةٍ بَعْدَ الْكَرَى ... وَتَقَارُبٍ مِنْ حَادِثِ الْأَيَّامِ زَعَمَتْ بأنّ الْمَرْء معديكرب عُمْرَهُ ... عَدَمٌ لِمُعْتَكِرٍ مِنْ الْأَصْرَامِ [5] إنَّ كُنْتِ كَاذِبَةَ الَّذِي حَدَّتْتِنِي ... فَنَجَوْتِ مَنْجَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ تَرَكَ الْأَحِبَّةَ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَهُمْ ... وَنَجَا بِرَأْسِ طِمرَّةٍ وَلِجَامِ [6] تَذَرُ الْعَنَاجِيجُ الْجِيَادُ بِقَفْرَةٍ ... مَرَّ الدَّمُوكِ بِمُحْصَدٍ وَرِجَامِ [7]

_ [ () ] مَا يَجعله الرَّاكِب وَرَاءه، فاستعارها هُنَا لردف الْمَرْأَة. والبوص (بِالضَّمِّ وبالفتح) : الردف. ومتنضد، أَي علا بعضه بَعْضًا، من قَوْلك: نضدت الْمَتَاع، إِذا جعلت بعضه فَوق بعض. وبلهاء: غافلة. ووشيكة. سريعة. والأقسام (بِالْفَتْح) : جمع قسم، وَهُوَ الْيَمين، (وبالكسر) الْمصدر من أقسم. [1] الْقطن: مَا بَين الْوَرِكَيْنِ إِلَى بعض الظّهْر. وأجم: ممتلئ بِاللَّحْمِ غَائِب الْعِظَام. والمداك: الْحجر الّذي يسحق عَلَيْهِ الطّيب. قَالَ السهيليّ: «نصب فضلا على الْحَال، أَي كَأَن قطنها إِذا كَانَت فضلا، فَهُوَ حَال من الْهَاء فِي كَأَنَّهُ، وَإِن كَانَ الْفضل من صفة الْمَرْأَة لَا من صفة الْقطن، وَلَكِن لما كَانَ الْقطن بَعْضهَا صَار كَأَنَّهُ حَال مِنْهَا، وَلَا يجوز أَن يكون حَالا من الضَّمِير فِي «قعدت» ، لِاسْتِحَالَة أَن يعْمل مَا بعد إِذا فِيمَا قبلهَا. وَالْفضل من النِّسَاء وَالرِّجَال: المتوشح فِي ثوب وَاحِد» . [2] الخرعبة: اللينة الْحَسَنَة الْخلق. وأصل الخرعبة: الْغُصْن الناعم. [3] توزعني: تغريني وتولعنى. [4] وأنساها: لَا أَنْسَاهَا الضريح: شقّ الْقَبْر، يُقَال: ضرح الأَرْض: إِذا شقها. [5] معديكرب: يحزن، من الكرب، وَهُوَ الْحزن. وعمره، أَي مُدَّة عمره. ويروى: «يَوْمه» ، كَمَا فِي ديوَان حسان. والمعتكر: الْإِبِل الَّتِي ترجع بَعْضهَا على بعض، فَلَا يُمكن عدهَا لكثرتها. والأصرام: جمع صرم (بِكَسْر فَفتح) ، وصرم: جمع صرمة (بِالْكَسْرِ) . وَهِي الْقطعَة من الْإِبِل. [6] الطمرة: الْفرس الْكَثِيرَة الجرى. وَزَاد الدِّيوَان بعد هَذَا الْبَيْت: جرداء تمزع فِي الْغُبَار كَأَنَّهَا ... سرحان غَابَ فِي ظلال غمام [7] العناجيج: جمع عنجوج، وَهُوَ الطَّوِيل السَّرِيع. والدموك: البكرة بآلتها. والمحصد: الْحَبل الشَّديد الفتل. والرجام: حجر يرْبط فِي الدَّلْو، ليَكُون أسْرع لَهَا عِنْد إرسالها فِي الْبِئْر. قَالَ السهيليّ: «والرجام: وَاحِد الرجامين، وهما الخشبتان اللَّتَان تلقّى عَلَيْهِمَا البكرة» . 2- سيرة ابْن هِشَام- 2

(شعر الحارث في الرد على حسان) :

مَلَأَتْ بِهِ الفرجين فار مدّت بِهِ ... وَثَوَى أَحِبَّتُهُ بِشَرِّ مَقَامِ [1] وَبَنُو أَبِيهِ وَرَهْطُهُ فِي مَعْرَكٍ ... نَصَرَ الْإِلَهُ بِهِ ذَوِي الْإِسْلَامِ طَحَنَتْهُمْ، وَاَللَّهُ يُنْفِذُ أَمْرَهُ، ... حَرْبٌ يُشَبُّ [2] سَعِيرُهَا بِضِرَامِ [3] لَوْلَا الْإِلَهُ وَجَرْيُهَا لَتَرَكْنَهُ ... جَزَرَ السِّبَاعِ وَدُسْنَهُ بحَوَامِي [4] مِنْ بَيْنَ مَأْسُورٍ يُشَدُّ وَثَاقُهُ ... صَقْرٍ إذَا لَاقَى الْأَسِنَّةَ حَامِي [5] وَمُجَدَّلٍ لَا يَسْتَجِيبُ لِدَعْوَةٍ ... حَتَّى تَزُولَ شَوَامِخُ الْأَعْلَامِ [6] بِالْعَارِ وَالذُّلِّ الْمُبَيَّنِ إذْ [7] رَأَى ... بِيضَ السُّيُوفِ تَسُوقُ كُلَّ هُمَامِ [8] بِيَدَيْ أَغَرَّ إذَا انْتَمَى لَمْ يُخْزِهِ ... نَسَبُ الْقِصَارِ سَمَيْدَعٍ مِقْدَامِ [9] بِيضٌ إذَا لَاقَتْ حَدِيدًا صَمَّمَتْ ... كَالْبَرْقِ تَحْتَ ظِلَالِ كُلِّ غَمَامِ (شِعْرُ الْحَارِثِ فِي الرِّدِّ عَلَى حَسَّانَ) : فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ مَا تَرَكْتُ قِتَالَهُمْ ... حَتَّى حَبَوْا مُهْرِي بِأَشْقَرَ مُزْبِدِ [10] وَعَرَفْتُ أَنِّي إنْ أُقَاتِلْ وَاحِدًا ... أُقْتَلْ وَلَا يَنْكِي [11] عَدُوِّي مَشْهَدِي فَصَدَدْتُ عَنْهُمْ وَالْأَحِبَّةُ فِيهِمْ ... طَمَعًا لَهُمْ بِعِقَابِ يَوْمٍ مُفْسِدٍ [12] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَهَا الْحَارِثُ يَعْتَذِرُ مِنْ فِرَارِهِ يَوْمَ بَدْرٍ.

_ [1] الفرجان (هُنَا) : مَا بَين يَديهَا وَمَا بَين رِجْلَيْهَا. وارمدت: أسرعت. وثوى: أَقَامَ [2] كَذَا فِي أ. ويشب: يُوقد. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «يشيب» . [3] الضرام: مَا توقد بِهِ النَّار. [4] دسنه: وطئنه، والحوامي: جمع حامية، وَهِي مَا عَن يَمِين سنبك الْفرس وشماله. [5] رِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي الدِّيوَان: من كل مأسور يشد صفاده ... صقر إِذا لَاقَى الكتيبة حامي [6] المجدل: الصريع على الأَرْض. والأعلام: جمع علم، هُوَ الْجَبَل العالي. [7] فِي م، ر: «إِذا» . [8] الْهمام: السَّيِّد الّذي إِذا هم بِأَمْر فعله. [9] الْقصار: الَّذين قصر سَعْيهمْ عَن طلب المكارم، وَلم يرد بهم قصار القامات. والسميدع: السَّيِّد. [10] يُرِيد «بالأشقر» : الدَّم. والمزبد: الّذي قد علاهُ الزّبد. [11] ينكى: يؤلم ويوجع. [12] يُرِيد «بالأحبة» من قتل أَو أسر من رهطه وَإِخْوَته.

(شعر لحسان فيها أيضا) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْ قَصِيدَةِ حَسَّانَ ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا، لِأَنَّهُ أَقْذَعَ فِيهَا [1] . (شِعْرٌ لِحَسَّانَ فِيهَا أَيْضًا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا: لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ ... غَدَاةَ الْأَسْرِ وَالْقَتْلِ الشَّدِيدِ بِأَنَّا حَيْنَ تَشْتَجِرُ الْعَوَالِي ... حُمَاةُ الْحَرْبِ يَوْمَ أَبِي الْوَلِيدِ [2] قَتَلْنَا ابْنَيْ رَبِيعَةَ يَوْمَ سَارا ... إلَيْنَا فِي مُضَاعَفَةِ الْحَدِيدِ [3] وَفَرَّ بِهَا حَكِيمٌ يَوْمَ جَالَتْ ... بَنُو النَّجَّارِ تَخْطِرُ كَالْأُسُودِ [4] وَوَلَّتْ عِنْدَ ذَاكَ جَمُوعُ فِهْرٍ ... وَأَسْلَمَهَا الْحُوَيْرِثُ مِنْ بِعِيدِ لَقَدْ لَاقَيْتُمْ ذُلًّا وَقَتْلًا ... جَهِيزًا نَافِذًا تَحْتَ الْوَرِيدِ [5] وَكُلُّ الْقَوْمِ قَدْ وَلَّوْا جَمِيعًا ... وَلَمْ يَلْوُوا عَلَى الْحَسَبِ التَّلِيدِ [6] وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا: يَا حَارِ قَدْ عَوَّلْتَ غَيْرَ مُعَوَّلٍ ... عِنْدَ الْهِيَاجِ وَسَاعَةَ الْأَحْسَابِ [7] إذْ تَمْتَطِي سُرُحَ الْيَدَيْنِ نَجِيبَةً ... مَرْطَى الْجِرَاءِ طَوِيلَةَ الْأَقْرَابِ [8] وَالْقَوْمُ خَلْفَكَ قَدْ تَرَكْتَ قِتَالَهُمْ ... تَرْجُو النَّجَاءَ وَلَيْسَ حَيْنَ ذَهَابِ

_ [1] فِي الدِّيوَان بعد هَذَا الْبَيْت خَمْسَة أَبْيَات لَا ثَلَاثَة. [2] تشتجر: تختلط وتسشتبك. والعوالي: أعالى الرماح. وَقد ورد هَذَا الشّعْر بَين أَبْيَات سَبْعَة لِلْحَارِثِ فِي شرح الحماسة بِبَعْض اخْتِلَاف. [3] يُرِيد «بمضاعفة الْحَدِيد» : الدروع الَّتِي ضوعف نسجها. [4] فر، قَالَ أَبُو ذَر: من رَوَاهُ بِالْقَافِ، فَهُوَ من بَاب التَّقْرِيب، وَهُوَ فَوق الْمَشْي، وَدون الجرى. وَمن رَوَاهُ بِالْفَاءِ، فَهُوَ من الْفِرَار، وَهُوَ مَعْلُوم. وتخطر: تهتز وتتجرد فِي الْمَشْي إِلَى لِقَاء أعدائها. [5] جهيزا: سَرِيعا، يُقَال: أجهز على الجريح، وَذَلِكَ إِذا أسْرع قَتله. والوريد: عرق فِي صفحة الْعُنُق. [6] التليد: الْقَدِيم. [7] عولت: عزمت. والهياج: الْحَرْب. [8] تمتطى: تركب. وسرح الْيَدَيْنِ، أَي سريعة الْيَدَيْنِ، وَيُرِيد بهَا فرسا. والنجيبة: العتيقة. ومرطى: سريعة: يُقَال: هُوَ يعدو المرطى: إِذا أسْرع. والجراء: الجرى. والأقراب: جمع قرب، وَهِي الخاصرة وَمَا يَليهَا.

أَلَّا عَطَفْتُ عَلَى ابْنِ أُمِّكَ إذْ ثَوَى [1] ... قَعْصَ الْأَسِنَّةِ ضَائِعَ الْأَسْلَابِ [2] عَجَّلَ الْمَلِيكُ لَهُ فَأَهْلَكَ جَمْعَهُ ... بِشَنَارِ مُخْزِيَةٍ وَسُوءِ عَذَابِ [3] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتًا وَاحِدًا أَقْذَعَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: بَلْ قَالَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ السَّهْمِيُّ [4] : مُسْتَشْعِرِي حَلَقِ الْمَاذِيِّ يَقْدُمُهُمْ ... جَلْدُ النَّحِيزَةِ مَاضٍ غَيْرُ رِعْدِيدِ [5] أَعْنِي رَسُولَ إلَهِ الْخَلْقِ [6] فَضَّلَهُ ... عَلَى الْبَرِّيَّةِ بِالتَّقْوَى وَبِالْجُودِ وَقَدْ زَعَمْتُمْ بِأَنْ تَحْمُوا ذِمَارَكُمْ ... وَمَاءُ بَدْرٍ زَعَمْتُمْ غَيْرُ مَوْرُودِ ثُمَّ وَرَدْنَا وَلَمْ نَسْمَعْ لِقَوْلِكُمْ ... حَتَّى شَرِبْنَا رَوَاءً غَيْرَ تَصْرِيدِ [7] مُسْتَعْصِمِينَ [8] بِحَبْلٍ غَيْرِ مُنْجَذِمٍ [9] ... مُسْتَحْكَمٍ مِنْ حِبَالِ اللَّهِ مَمْدُودِ فِينَا الرَّسُولُ وَفِينَا الْحَقُّ نَتْبَعُهُ ... حَتَّى الْمَمَاتِ وَنَصْرٌ غَيْرُ مَحْدُودِ [10] وَافٍ وَمَاضٍ شِهَابٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ ... بَدْرٌ أَنَارَ عَلَى كُلِّ الْأَمَاجِيدِ [11] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَيْتُهُ: « مُسْتَعْصِمِينَ بِحَبْلٍ غَيْرِ مُنْجَذِمٍ » عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا:

_ [1] فِي م، ر: «توى» « (بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة) . وتوى: هلك. [2] القعص: الْقَتْل بِسُرْعَة. والأسلاب: جمع سلب، وَهُوَ مَا سلب من سلَاح أَو ثوب أَو غير ذَلِك. [3] الشنار: الْعَيْب والعار. [4] جَاءَت هَذِه القصيدة فِي ديوَان حسان منسوبة إِلَيْهِ من غير اخْتِلَاف فِي ذَلِك. [5] يُقَال: استشعرت الثَّوْب، وَذَلِكَ إِذا لبسته على جسمك من غير حاجز، وَمِنْه: الشعار، وَهُوَ مَا ولى الْجِسْم من الثِّيَاب. والماذي: الدروع الْبيض اللينة. والنحيزة: الطبيعة والرعديد: الجبان. [6] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الْحق» . [7] الرواء (بِفَتْح الرَّاء) ، التملؤ من المَاء. (وبكسر الرَّاء) : جمع راو. والتصريد: تقليل الشّرْب. [8] هَذَا الشّطْر والشطر الْأَخير من الْبَيْت السَّابِق ساقطان فِي أ. [9] منجذم: مُنْقَطع. [10] غير مَحْدُود، أَي غير مَمْنُوع. [11] الأماجيد: الْأَشْرَاف.

خَابَتْ [1] بَنُو أَسَدٍ وَآبَ غُزِيِّهُمْ ... يَوْم القليب بسوأة وَفُضُوحِ [2] مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِي تَجَدَّلَ مُقْعَصًا ... عَنْ ظَهْرِ صَادِقَةِ النَّجَاءِ سَبُوحِ [3] حَيْنًا لَهُ مِنْ مَانِعٍ بِسِلَاحِهِ ... لَمَّا ثَوَى بِمَقَامِهِ الْمَذْبُوحِ وَالْمَرْءُ زَمْعَةُ قَدْ تَرَكْنَ وَنَحْرُهُ ... يَدْمَى بِعَانِدٍ مُعْبَطٍ مَسْفُوحِ [4] مُتَوَسِّدًا حُرَّ الْجَبِينِ مُعَفَّرًا ... قَدْ عُرَّ مَارِنُ أَنْفِهِ بِقُبُوحِ [5] وَنَجَا ابْنُ قَيْسٍ فِي بَقِيَّةَ رَهْطِهِ ... بِشَفَا الرِّمَاقِ مُوَلِّيًا بِجُرُوحِ [6] وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا: أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَتَى أَهْلَ مَكَّةَ ... إبَارَتُنَا الْكُفَّارَ فِي سَاعَةِ الْعُسْرِ [7] قَتَلْنَا سَرَاةَ الْقَوْمِ عِنْدَ مَجَالِنَا ... فَلَمْ يَرْجِعُوا إلَّا بِقَاصِمَةِ الظَّهْرِ [8] قَتَلْنَا أَبَا جَهْلٍ وَعُتْبَةَ قَبْلَهُ ... وَشَيْبَةُ يَكْبُو لِلْيَدَيْنِ وَلِلنَّحْرِ [9] قَتَلْنَا سُوَيْدًا ثُمَّ عُتْبَةَ بَعْدَهُ ... وَطُعْمَةَ أَيْضًا عِنْدَ [10] ثَائِرَةِ الْقَتْرِ [11] فَكَمْ قَدْ قَتَلْنَا مِنْ كَرِيمٍ مُرَزَّإٍ ... لَهُ حَسَبٌ فِي قَوْمِهِ نَابَهُ الذِّكْرُ تَرَكْنَاهُمْ لِلْعَاوِيَاتِ يَنُبْنَهُمْ ... وَيَصْلَوْنَ نَارًا بَعْدُ حَامِيَةَ الْقَعْرِ [12]

_ [1] قَالَ أَبُو ذَر: «خابت» ، من رَوَاهُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، فَهُوَ من الخيبة، وَمن رَوَاهُ (حانت) بِالْحَاء الْمُهْملَة، فَهُوَ من الْحِين، وَهُوَ الْهَلَاك. [2] الغزى: جمَاعَة الْقَوْم الَّذين يغزون. [3] تجدل: صرع على الأَرْض. وَاسم الأَرْض: الجدالة. ومقصعا: أَي مقتولا قتلا سَرِيعا. وَيُرِيد «بصادقة النَّجَاء» » : فرسا سريعة. والنجاء: السرعة. والسبوح: الَّتِي تسبح فِي جريها كَأَنَّهَا تعوم. [4] العاند: الّذي يجرى وَلَا يَنْقَطِع، والمعبط: الدَّم الطري. والمسفوح: السَّائِل المنصب. [5] معفرا، أَي لاصقا بالعفر، وَهُوَ التُّرَاب. وعر: لطخ. ومارن الْأنف: مَا لَان مِنْهُ. [6] شفا كل شَيْء: حَده وطرفه. والرماق: بَقِيَّة الْحَيَاة. [7] إبارتنا، أَي إهلاكنا، تَقول: أبرنا الْقَوْم: أَي أهلكناهم. [8] سراة الْقَوْم: سادتهم وخيارهم. وَيُرِيد «بقاصمة الظّهْر» : الداهية الَّتِي تقصم الظُّهُور، أَي تكسرها فتبينها. يُقَال: قَصم الشَّيْء إِذا كَسره فأبانه، فَإِذا لم يبنه قيل: فصمه (بِالْفَاءِ) . [9] يكبو: يسْقط. [10] فِي م، ر: «عبد» . [11] يُرِيد «بثائرة القتر» : مَا ثار من الْغُبَار وارتفع. والقتر: الْغُبَار. [12] العاويات: الذئاب وَالسِّبَاع. وينبنهم، أَي يأتونهم مرّة بعد مرّة. ويروى: ينشنهم، أَي يتناولنهم.

لَعَمْرُكَ مَا حَامَتْ فَوَارِسُ مَالِكٍ ... وَأَشْيَاعُهُمْ يَوْمَ الْتَقَيْنَا عَلَى بَدْرٍ [1] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ بَيْتَهُ: قَتَلْنَا أَبَا جَهْلٍ وَعُتْبَةَ قَبْلَهُ ... وَشَيْبَةُ يَكْبُو لِلْيَدَيْنِ وَلِلنَّحْرِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا: نَجَّى حَكِيمًا يَوْمَ بَدْرٍ شَدُّهُ ... كَنَجَاءِ مُهْرٍ مِنْ بَنَاتِ الْأَعْوَجِ [2] لَمَّا رَأَى بَدْرًا تَسِيلُ جِلَاهُهُ ... بِكَتِيبَةٍ خَضْرَاءَ مِنْ بَلْخَزْرَجِ [3] لَا ينكلون إِذا لقرا [4] أَعْدَاءَهُمْ ... يَمْشُونَ عَائِدَةَ الطَّرِيقِ الْمَنْهَجِ [5] كَمْ فِيهِمْ مِنْ مَاجِدٍ ذِي مَنْعَةٍ [6] ... بَطَلٌ بِمَهْلَكَةِ الْجَبَانِ الْمُحْرَجِ [7] وَمُسَوَّدٍ يُعْطِي الْجَزِيلَ بِكَفِّهِ ... حَمَّالَ أَثْقَالِ الدِّيَاتِ مُتَوَّجٍ زَيْنِ النَّدِيِّ مُعَاوِدٍ يَوْمَ الْوَغَى ... ضَرْبَ الْكُمَاةِ بِكُلِّ أَبْيَضَ سَلْجَجِ [8] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ سَلْجَجُ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ أَيْضًا: فَمَا نَخْشَى بِحَوْلِ [9] اللَّهِ قَوْمًا ... وَإِنْ كَثُرُوا وَأُجْمِعَتْ الزُّحُوفُ [10]

_ [1] قَالَ أَبُو ذَر: «مَا حامت، من رَوَاهُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، فَمَعْنَاه: جبنت. وَمن رَوَاهُ بِالْحَاء الْمُهْملَة، فَهُوَ من الحماية، أَي الِامْتِنَاع» . وَقد ورد هَذَا الشّعْر فِي ديوَان حسان طبع أوربة باخْتلَاف كثير فِي أَلْفَاظه وَبَعض أبياته عَمَّا هَاهُنَا. [2] الشد (هُنَا) : الجرى. والأعوج: اسْم فرس مَشْهُور فِي الْجَاهِلِيَّة. [3] الجلاه: مَا استقبلك من حُرُوف الْوَادي، الْوَاحِدَة: جلهة (بِالْفَتْح) ، وخضراء، أَي سَوْدَاء لما يعلوها من الْحَدِيد. وَالْعرب تجْعَل الْأسود أَخْضَر، فَتَقول: ليل أَخْضَر. [4] فِي م، ر: «بقوا» بِالْبَاء الْمُوَحدَة. [5] عَائِدَة الطَّرِيق: حَاشِيَته. والمنهج: المتسع. [6] المنعة: الشدَّة والامتناع، ويروى: «ميعة» بِالْيَاءِ، وَهِي النشاط. [7] المحرج: الْمضيق عَلَيْهِ. [8] الندى: الْمجْلس، والوغى: الْحَرْب. والأبيض: السَّيْف. والسلجج: الْمَاضِي الّذي يقطع الضريبة بسهولة. [9] فِي أ: «بِحَمْد» . [10] الزحوف: جمع زحف، وَهِي الْجَمَاعَة تزحف إِلَى مثلهَا، أَي تسرع وتسبق.

(شعر عبيدة بن الحارث في قطع رجله) :

إذَا مَا أَلَّبُوا جَمْعًا عَلَيْنَا ... كَفَانَا حَدَّهُمْ رَبٌّ رَءُوفٌ [1] سَمَوْنَا يَوْمَ بَدْرٍ بِالْعَوَالِي ... سِرَاعًا مَا تُضَعْضِعُنَا الْحُتُوفُ [2] فَلَمْ تَرَ عُصْبَةً فِي النَّاسِ أَنْكَى ... لِمَنْ عَادَوْا إذَا لَقِحَتْ كُشُوفٌ [3] وَلَكِنَّا تَوَكَّلْنَا وَقُلْنَا ... مَآثِرُنَا وَمَعْقِلُنَا السُّيُوفُ [4] لَقِينَاهُمْ بِهَا لَمَّا سَمَوْنَا ... وَنَحْنُ عِصَابَةٌ وَهُمْ أُلُوفٌ وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا، يَهْجُو بَنِي جُمَحَ وَمَنْ أُصِيبَ مِنْهُمْ: جَمَحَتْ بَنُو جُمَحٍ لِشِقْوَةِ جَدِّهِمْ ... إنَّ الذَّلِيلَ مُوَكَّلٍ بِذَلِيلٍ [5] قُتِلَتْ بَنُو جُمَحٍ بِبَدْرٍ عَنْوَةً ... وَتَخَاذَلُوا سَعْيًا بِكُلِّ سَبِيلٍ [6] جَحَدُوا الْكِتَابَ وَكَذَّبُوا بِمُحَمَّدٍ ... وَاَللَّهُ يُظْهِرُ دِينَ كُلِّ رَسُولٍ لَعَنَ الْإِلَهُ أَبَا خُزَيْمَةَ وَابْنَهُ ... وَالْخَالِدَيْنِ، وَصَاعِدَ بْنَ عَقِيلٍ (شِعْرُ عَبِيدَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي قَطْعِ رِجْلِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ فِي يَوْمِ بَدْرٍ، وَفِي قَطْعِ رِجْلِهِ حَيْنَ أُصِيبَتْ، فِي مُبَارَزَتِهِ هُوَ وَحَمْزَةُ وَعَلِيٌّ حِينَ بَارَزُوا عَدُوَّهُمْ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِعُبَيْدَةَ: سَتَبْلُغُ عَنَّا أَهْلَ مَكَّةَ وَقْعَةٌ ... يَهُبُّ لَهَا مَنْ كَانَ عَنْ ذَاكَ نَائِيًا [7] بِعُتْبَةَ إذْ وَلَّى وَشَيْبَةُ بَعْدَهُ ... وَمَا كَانَ فِيهَا بِكْرُ عُتْبَةَ رَاضِيًا [8]

_ [1] ألبوا: جمعُوا. [2] مَا تضعضعنا، أَي مَا تذلنا وَلَا تنقص من شجاعتنا. والحتوف: جمع حتف، وَهُوَ الْمَوْت. [3] لقحت: حملت. والكشوف (بِفَتْح الْكَاف) : النَّاقة الَّتِي يضْربهَا الْفَحْل فِي الْوَقْت الّذي لَا تشْتَهي فِيهِ الضراب، فاستعارها (هُنَا) للحرب. ولقحت الْحَرْب: إِذا هَاجَتْ بعد سُكُون. [4] المآثر: جمع مأثرة، وَهِي مَا يتحدث بِهِ عَن الْإِنْسَان من خير أَو فعل حسن. والمعقل: الْمُمْتَنع الّذي يلجأ إِلَيْهِ. [5] جمحت، أَي ذهبت على وَجههَا فَلم ترجع. وَالْجد: الْحَظ وَالْبخْت. [6] عنْوَة، أَي قهرا وَغَلَبَة، وَقد تكون العنوة: الطَّاعَة، فِي لُغَة هُذَيْل. قَالَ كثير: فَمَا أسلموها عنْوَة عَن مَوَدَّة ... وَلَكِن بِحَدّ المشرفي استقالها [7] يهب: يَسْتَيْقِظ. والنائى: الْبعيد. [8] يُرِيد «ببكر عتبَة» : وَلَده الأول.

(رثاء كعب لعبيدة بن الحارث) :

فَإِنْ تَقْطَعُوا رِجْلِي فَإِنَّى مُسْلِمٌ ... أُرَجِّي بِهَا عَيْشًا مِنْ اللَّهِ دَانِيًا مَعَ الْحُورِ أَمْثَالَ التَّمَاثِيلِ أُخْلِصَتْ ... مَعَ الْجَنَّةِ الْعُلْيَا لِمَنْ [1] كَانَ عَالِيًا [2] وَبِعْتُ بِهَا عَيْشًا تَعَرَّقْتُ صَفْوَهُ ... وَعَالَجْتُهُ حَتَّى فَقَدْتُ الْأَدَانِيَا [3] فَأَكْرَمَنِي الرَّحْمَنُ مِنْ فَضْلِ مَنِّهِ ... بِئَوْبٍ مِنْ الْإِسْلَامِ غَطَّى الْمُسَاوِيَا وَمَا كَانَ مَكْرُوهًا إلَيَّ قِتَالُهُمْ ... غَدَاةَ دَعَا الْأَكْفَاءَ مَنْ كَانَ دَاعِيًا وَلَمْ يَبْغِ إذْ سَالُوا النَّبِيَّ سَوَاءَنَا ... ثَلَاثَتنَا حَتَّى حَضَرْنَا الْمُنَادِيَا لَقِينَاهُمْ كَالْأُسْدِ تَخْطِرُ بِالْقَنَا ... نُقَاتِلُ فِي الرَّحْمَنِ مَنْ كَانَ عَاصِيَا فَمَا بَرِحَتْ أَقْدَامُنَا مِنْ مَقَامِنَا ... ثَلَاثَتُنَا حَتَّى أَزِيرُوا الْمَنَائِيَا [4] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: لَمَّا أُصِيبَتْ رِجْلُ عَبِيدَةَ قَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ أَدْرَكَ أَبُو طَالِبٍ هَذَا الْيَوْمَ لَعَلِمَ أَنِّي أَحَقُّ مِنْهُ بِمَا قَالَ حِينَ يَقُولُ: كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ يُبْزَى [5] مُحَمَّدٌ ... وَلَمَّا نُطَاعِنُ دُونَهُ وَنُنَاضِلْ وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ ... وَنُذْهَلُ عَنْ أَبْنَائِنَا والحلائل وَهَذَا الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لِأَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ. (رِثَاءُ كَعْبٍ لِعَبِيدَةَ بْنِ الْحَارِثِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا هَلَكَ عَبِيدَةُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ مُصَابِ رِجْلِهِ يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ يَبْكِيهِ: أَيَا عَيْنُ جُودِي وَلَا تَبْخَلِي ... بِدَمْعِكَ حَقَّا وَلَا تَنْزُرِي [6] عَلَى سَيِّدٍ هَدَّنَا هُلْكُهُ ... كَرِيمِ الْمَشَاهِدِ وَالْعُنْصُرِ

_ [1] فِي م، ر: «العلياء من ... » . [2] التماثيل: جمع تِمْثَال، وَهِي الصُّورَة تصنع أحسن مَا يقدر عَلَيْهِ. وأخلصت: أحكم صنعها وأتقن هَذَا إِذا كَانَ مرجع الضَّمِير إِلَى التماثيل، وَإِذا رَجَعَ الضَّمِير إِلَى الْحور، فَمَعْنَاه خص بهَا. قَالَ أَبُو ذَر: وَهُوَ أحسن. [3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وتعرقت (بِالْقَافِ) : مزجت، يُقَال: تعرق الشَّرَاب، إِذا مزجه، وَفِي أ: «تعرفت» . [4] المنائيا: يُرِيد المنايا. قَالَ أَبُو ذَر: «وَقد تكون هَذِه الْهمزَة منقلبة عَن الْيَاء الزَّائِدَة. الَّتِي فِي منية. [5] أَي لَا يبزى، أَي يقهر ويستذل. (اللِّسَان: بزا) . [6] لَا تنزرى، أَي لَا تقللى من الدمع.

(شعر لكعب في بدر) :

جَرِيءِ الْمُقَدَّمِ شَاكِي السِّلَاحِ ... كَرِيمِ النَّثَا طَيِّبِ الْمَكْسِرِ [1] عَبِيدَةُ أَمْسَى وَلَا نَرْتَجِيهِ ... لِعُرْفٍ عَرَانَا وَلَا مُنْكِرِ وَقَدْ كَانَ يحمى غَدَاة الْقِتَال ... حَامِيَةَ الْجَيْشِ بِالْمُبْتَرِ [2] (شِعْرٌ لِكَعْبِ فِي بَدْرٍ) : وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا، فِي يَوْمِ بَدْرٍ: أَلَا هَلْ أَتَى غَسَّانَ فِي نَأْيِ دَارِهَا ... وَأَخْبَرُ شَيْءٍ بِالْأُمُورِ عَلِيمُهَا بِأَنْ قَدْ رَمَتْنَا عَنْ قِسِيٍّ عَدَاوَةٍ ... مُعَدٍّ مَعًا جُهَّالُهَا وَحَلِيمُهَا [3] لِأَنَّا عَبَدْنَا اللَّهَ لَمْ نَرْجُ غَيْرَهُ ... رَجَاءَ الْجِنَانِ إذْ أَتَانَا زَعِيمُهَا [4] نَبِيٌّ لَهُ فِي قَوْمِهِ إرْثُ عِزَّةٍ [5] ... وَأَعْرَاقُ صِدْقٍ هَذَّبَتْهَا أُرُومُهَا [6] فَسَارُوا وَسِرْنَا فَالْتَقَيْنَا كَأَنَّنَا ... أُسُودُ لِقَاءٍ لَا يُرَجَّى كَلِيمُهَا [7] ضَرَبْنَاهُمْ حَتَّى هَوَى فِي مَكَرِّنَا ... لِمَنْخِرِ [8] سَوْءٍ مِنْ لُؤَيٍّ عَظِيمُهَا فَوَلَّوْا وَدُسْنَاهُمْ بِبِيضِ صَوَارِمِ ... سَوَاءٌ عَلَيْنَا حِلْفُهَا وَصَمِيمُهَا [9] وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا: لَعَمْرُ أَبِيكُمَا يَا بَنِي لُؤَيٍّ ... عَلَى زَهْوٍ. لَدَيْكُمْ وَانْتِخَاءِ [10]

_ [1] شاكي السِّلَاح، أَي حاد السِّلَاح. والنثا: مَا يتحدث بِهِ عَن الرجل من خير وَشر. وَطيب المكسر، أَي أَنه إِذا فتش عَن أَصله وجد خَالِصا. ويروى: «طيب المكشر» (بالشين) ، أَي طيب النكهة. [2] يُرِيد «بالمبتر» : السَّيْف، أسم آلَة من البتر، وَهُوَ الْقطع. [3] القسي: جمع قَوس، وَهُوَ مَعْرُوف. [4] الزعيم: الرئيس والضامن. وَيُرِيد بِهِ هُنَا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [5] فِي أ: «عزه» بِالْهَاءِ الْمُهْملَة. [6] هذبتها: أخلصتها. والأروم: جمع أرومة، وَهِي الأَصْل. [7] الكليم: الجريح. [8] فِي م، ر: «لمنحر» . [9] دسناهم: وطئناهم. والصوارم: السيوف القواطع. وحلفها، أَي من كَانَ حليفا فيهم وَلَيْسَ مِنْهُم. والصميم: الْخَالِص من الْقَوْم. [10] الانتخاء: الْإِعْجَاب والتكبر

(شعر طالب في مدح الرسول وبكاء أصحاب القليب) :

لَمَا حَامَتْ فَوَارِسُكُمْ بِبَدْرٍ ... وَلَا صَبَرُوا بِهِ عِنْدَ اللِّقَاءِ [1] وَرَدْنَاهُ بِنُورِ اللَّهِ يَجْلُو ... دُجَى الظَّلْمَاءِ عَنَّا وَالْغِطَاءِ رَسُولُ اللَّهِ يَقْدُمُنَا بِأَمْرٍ ... مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أُحْكِمَ بِالْقَضَاءِ فَمَا ظَفَرَتْ فَوَارِسُكُمْ بِبَدْرِ ... وَمَا رَجَعُوا إلَيْكُمْ بِالسَّوَاءِ فَلَا تَعْجَلْ أَبَا سُفْيَانَ وَارْقُبْ ... جِيَادَ الْخَيْلِ تَطْلُعُ مِنْ كَدَاءِ [2] بِنَصْرِ اللَّهِ رُوحُ الْقُدْسِ فِيهَا ... وَمِيكَالُ، فَيَا طِيبَ الْمَلَاءِ [3] (شِعْرُ طَالِبٍ فِي مَدْحِ الرَّسُولِ وَبُكَاءِ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ) : وَقَالَ طَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، يَمْدَحُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَبْكِي أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ: أَلَا إنَّ عَيْنِي أَنْفَدَتْ دَمْعَهَا سَكْبًا ... تُبَكِّي عَلَى كَعْبٍ وَمَا إنْ تَرَى كَعْبَا أَلَا إنَّ كَعْبًا فِي الْحُرُوبِ تَخَاذَلُوا ... وَأَرْدَاهُمْ [4] ذَا الدَّهْرُ وَاجْتَرَحُوا ذَنْبًا، وَعَامِرٌ تَبْكِي للملمّات غدْوَة ... فيا لَيْت شِعْرِي هَلْ أَرَى لَهُمَا قُرْبًا هُمَا أَخَوَايَ لَنْ يُعَدَّا لِغَيَّةِ ... تُعَدُّ وَلَنْ يُسْتَامُ جَارُهُمَا غَصْبَا [5] فَيَا أَخَوَيْنَا عَبْدَ شمس ونوفلا ... فدى لَكُمَا لَا تَبْعَثُوا بَيْنَنَا حَرْبًا وَلَا تُصْبِحُوا مِنْ بَعْدِ وُدٍّ وَأُلْفَةٍ ... أَحَادِيثَ فِيهَا كُلُّكُمْ يَشْتَكِي النَّكْبَا [6] أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ ... وَجَيْشِ أَبِي يَكْسُومٍ إذْ مَلَئُوا الشِّعْبَا [7] فَلَوْلَا دِفَاعُ اللَّهِ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... لَأَصْبَحْتُمْ لَا تَمْنَعُونَ لَكُمْ سِرْبًا [8]

_ [1] حامت: امْتنعت، من الحماية، وَهِي الِامْتِنَاع. [2] كداء. (بِفَتْح الْكَاف وَالْمدّ) : مَوضِع بِمَكَّة. [3] الملاء، أَرَادَ الْمَلأ، وهم أَشْرَاف الْقَوْم وسادتهم. [4] أرداهم: أهلكهم. واجترحوا: اكتسبوا، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى،: «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ 45: 21» . [5] يُقَال: هُوَ لغية، إِذا كَانَ لغير أَبِيه، كَمَا يُقَال: هُوَ لرشدة، إِذا كَانَ لِأَبِيهِ. [6] النكب: يُرِيد نكبات الدَّهْر. [7] داحس: اسْم فرس، كَانَت حَرْب بِسَبَبِهِ. وَأَبُو يكسوم: ملك من مُلُوك الْحَبَشَة، وَقد مر حَدِيثه فِي الْجُزْء الأول من هَذَا الْكتاب. [8] السرب (بِالْفَتْح) : الْإِبِل الراعية. والسرب (بِالْكَسْرِ) : الْقَوْم، وَيُقَال النَّفس وَمِنْه الحَدِيث: «أصبح آمنا فِي سربه» .

(شعر ضرار في رثاء أبى جهل) :

فَمَا إنْ جَنِينا فِي قُرَيْش عَظِيمَةً ... سِوَى أَنْ حَمَيْنَا خَيْرَ مَنْ وَطِئَ التُّرْبَا أَخَا ثِقَةٍ فِي النَّائِبَاتِ مُرَزَّأً ... كَرِيمًا نَثَاهُ لَا بَخِيلًا وَلَا ذَرْبًا [1] يُطِيفُ بِهِ الْعَافُونَ يَغْشَوْنَ بَابَهُ [2] ... يَؤُمُّونَ [3] بَحْرًا لَا نَزُورًا وَلَا صربا [4] فو الله لَا تَنْفَكُّ نَفْسِي حَزِينَةً ... تَمَلْمُلُ حَتَّى تَصْدُقُوا الْخَزْرَجَ الضَّرْبَا [5] (شِعْرُ ضِرَارٍ فِي رِثَاءِ أَبِي جَهْلٍ) : وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ الْفِهْرِيُّ، يَرْثِي أَبَا جَهْلٍ: أَلَا مَنْ لَعَيْنٍ بَاتَتْ اللَّيْلَ لَمْ تَنَمْ ... تُرَاقِبُ نَجْمًا فِي سَوَادٍ مِنْ [6] الظُّلَمْ كَأَنَّ قَذًى فِيهَا وَلَيْسَ بِهَا قَذًى ... سِوَى عَبْرَةٍ مِنْ جَائِلِ الدَّمْعِ تَنْسَجِمْ [7] فَبَلِّغْ قُرَيْشًا أَنَّ خَيْرَ نَدِيِّهَا ... وَأَكْرَمَ مَنْ يَمْشِي بِسَاقٍ عَلَى قَدَمْ [8] ثَوَى يَوْمَ بَدْرٍ رَهْنَ خَوْصَاءَ رَهْنُهَا ... كَرِيمُ الْمَسَاعِي غَيْرُ وَغْدٍ وَلَا بَرَمْ [9] فَآلَيْتُ لَا تَنْفَكُّ [10] عَيْنَيَّ بِعَبْرَةٍ ... عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ الرَّئِيسِ أَبِي الْحَكَمْ عَلَى هَالِكٍ أَشْجَى لُؤَيَّ بْنَ غَالِبٍ ... أَتَتْهُ الْمَنَايَا يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمْ يَرِمْ [11] تَرَى كِسَرَ الْخَطَّيَّ فِي نَحْرِ مُهْرِهِ ... لَدَى بَائِنٍ مِنْ لَحْمِهِ بَيْنَهَا خِذَمْ [12] وَمَا كَانَ لَيْثٌ سَاكِنٌ بَطْنَ بِيشَةٍ ... لَدَى غَلَلٍ يَجْرِي بِبَطْحَاءَ فِي أَجَمْ [13]

_ [1] الذرب. الْفَاسِد. وَمِنْه يُقَال: ذربت معدته، إِذا تَغَيَّرت. [2] الْعَافُونَ: الطالبون للمعروف. [3] كَذَا فِي م. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «يئوبون نَهرا» أَي يذهبون ويرجعون. [4] النزور: الْقَلِيل. والصرب: الْمُنْقَطع. [5] تململ، أَي لَا تَسْتَقِر على فراشها. [6] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «مَعَ» . [7] القذى: مَا يسْقط فِي الْعين وَفِي الشَّرَاب وَالْمَاء، وتنسجم: تنصب. [8] الندى: الْمجْلس. [9] الخوصاء (هُنَا) : الْبِئْر الضيقة. والوغد: الدنىء من الْقَوْم، والبرم الْبَخِيل الّذي لَا يدْخل مَعَ الْقَوْم فِي الميسر لبخله. [10] فِي أ: لَا تنهل. [11] أشجى: أَحْزَن، من الشجو، وَهُوَ الْحزن. وَلم يرم، أَي لم يبرح وَلم يزل. [12] الخطى: الرماح. والخذم (بِالْخَاءِ) أَو بِالْجِيم: قطع اللَّحْم. [13] بيشة: مَوضِع تنْسب إِلَيْهِ الْأسود، والغلل (بالغين الْمُعْجَمَة) : المَاء الْجَارِي فِي أصُول الشّجر. والأجم: جمع أجمة، وَهِي الشّجر الملتف، وَهِي مَوضِع الْأسود.

(شعر الحارث بن هشام في رثاء أبى جهل) :

بِأَجْرَأَ مِنْهُ حِينَ تَخْتَلِفُ الْقَنَا ... وَتُدْعَى نَزَالِ فِي الْقَمَاقِمَةِ الْبُهَمْ [1] فَلَا تَجْزَعُوا آلَ الْمُغِيرَةِ وَاصْبِرُوا ... عَلَيْهِ وَمَنْ يَجْزَعْ عَلَيْهِ فَلَمْ يُلَمْ [2] وَجِدُّوا فَإِنَّ الْمَوْتَ مَكْرُمَةٌ لَكُمْ ... وَمَا بَعْدَهُ فِي آخِرِ الْعَيْشِ مِنْ نَدَمْ وَقَدْ قُلْتُ إنَّ الرِّيحَ طَيِّبَةٌ لَكُمْ ... وَعِزَّ الْمَقَامِ غَيْرُ شَكٍّ لِذِي فَهَمْ [3] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِضِرَارٍ. (شِعْرُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فِي رِثَاءِ أَبِي جَهْلٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، يَبْكِي أَخَاهُ أَبَا جَهْلٍ: أَلَا يَا لَهْفَ نَفْسِي بَعْدَ عَمْرٍو ... وَهَلْ يُغْنِي التَّلَهُّفُ مِنْ قَتِيلِ [4] يُخْبِرُنِي الْمُخَبِّرُ أَنَّ عَمْرًا ... أَمَامَ الْقَوْمِ فِي جَفْرٍ [5] مُحِيلِ [6] فَقِدْمًا كُنْتُ أَحْسِبُ ذَاكَ حَقَّا ... وَأَنْتَ لِمَا تَقَدَّمَ غَيْرُ فِيلِ [7] وَكُنْتُ بِنِعْمَةِ مَا دُمْتَ حَيًّا ... فَقَدْ خُلِّفْتُ فِي درج المسيل [8] كأنى حِينَ أُمْسِي لَا أَرَاهُ ... ضَعِيفُ الْعَقْدِ ذُو هَمٍّ طَوِيلِ [9] عَلَى عَمْرٍو إذَا أَمْسَيْتُ يَوْمًا ... وَطَرْفٌ مَنْ تَذَكُّرِهِ كَلِيلِ قَالَ ابْنُ هِشَامِ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِلْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَقَوْلُهُ: «فِي جَفْرٍ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.

_ [1] القماقمة: السَّادة الكرماء، واحدهم: قمقام. والبهم: الشجعان، الْوَاحِد: بهمة. [2] فَلم يلم، قَالَ أَبُو ذَر: «من رَوَاهُ بِكَسْر اللَّام، فَمَعْنَاه: لم يَأْتِ بِمَا يلام عَلَيْهِ، وَمن رَوَاهُ بِفَتْح اللَّام، فَمَعْنَاه: لم يُعَاتب، من اللوم، وَهُوَ العتاب» . [3] يُرِيد «بِطيب الرّيح» : النَّصْر. قَالَ تَعَالَى: «وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ 8: 46» . [4] كَذَا فِي شرح السِّيرَة لأبى ذَر. والفتيل (بِالْفَاءِ) : الّذي يكون فِي شقّ النواة يضْرب بِهِ الْمثل فِي الشَّيْء الْقَلِيل، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: «لَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا 4: 49» . وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَتِيل» بِالْقَافِ. [5] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والجفر، الْبِئْر الَّتِي لَا بِنَاء لَهَا، وَفِي أ: «حفر» . [6] الْمُحِيل: الْقَدِيم الْمُتَغَيّر. [7] غير فيل، أَي غير فَاسد الرأى، يُقَال: رجل فيل الرأى، وفال الرأى، وفائل الرأى: إِذا كَانَ غير حسن الرأى. [8] يُرِيد «بدرج المسيل» : موطن الذل والقهر، يُقَال: تركته درج المسيل، إِذا تركته بدار مذلة، وَهُوَ حَيْثُ لَا يقدر على الِامْتِنَاع. [9] العقد (هُنَا) : الْعَزْم والرأى.

(شعر ابن الأسود في بكاء قتلى بدر) :

(شِعْرُ ابْنِ الْأَسْوَدِ فِي بُكَاءِ قَتْلَى بَدْرٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ شُعُوبٍ اللَّيْثِيُّ، وَهُوَ شَدَّادُ ابْن الْأَسْوَدِ: تُحَيِّي بِالسَّلَامَةِ أُمُّ بَكْرٍ ... وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلَامِ فَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنْ الْقَيْنَاتِ وَالشَّرْبِ الْكِرَامِ [1] وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنْ الشِّيزَى تُكَلَّلُ بِالسَّنَامِ [2] وَكَمْ لَكِ بِالطَّوِيِّ طَوِيِّ بَدْرٍ ... مِنْ الْحَوْمَاتِ وَالنَّعَمِ الْمُسَامِ [3] وَكَمْ لَكِ بِالطَّوِيِّ طَوِيِّ بَدْرٍ ... مِنْ الْغَايَاتِ وَالدُّسُعِ الْعِظَامِ [4] وَأَصْحَابِ الْكَرِيمِ أَبِي عَلِيٍّ ... أَخِي الْكَاسِ الْكَرِيمَةِ وَالنِّدَامِ وَإِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ أَبَا عَقِيلٍ ... وَأَصْحَابَ الثَّنِيَّةِ مِنْ نَعَامِ [5] إِذا لَظَلِلْتَ مِنْ وَجْدٍ عَلَيْهِمْ ... كَأُمِّ السَّقْبِ جَائِلَةِ الْمَرَامِ [6] يُخَبِّرُنَا الرَّسُولُ لَسَوْفَ نَحْيَا ... وَكَيْفَ لِقَاءُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ؟ [7] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النَّحْوِيُّ: يُخَبِّرُنَا الرَّسُولُ بِأَنْ سَنَحْيَا ... وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ قَالَ: وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ.

_ [1] القليب: الْبِئْر. والقينات: الْجَوَارِي. وَالشرب: جمَاعَة الْقَوْم الَّذين يشربون. [2] الشيزى: جفان تصنع من خشب، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَصْحَابهَا الَّذين يطْعمُون فِيهَا. والسنام: لحم ظهر الْبَعِير [3] الطوى: الْبِئْر المطوية بِالْحِجَارَةِ. والحومات: جمع حومة، وَهِي الْقطعَة من الْإِبِل. والمسام: الْمُرْسل فِي المرعى، يُقَال: أسام إبِله، إِذا أرسلها ترعى دون رَاع. [4] الدسع (هُنَا) : العطايا. [5] الثَّنية: فُرْجَة بَين جبلين. ونعام: مَوضِع. [6] السقب: ولد النَّاقة حِين تضعه. [7] الأصداء: جمع صدى، وَهِي بَقِيَّة الْمَيِّت فِي قَبره، وَهِي أَيْضا طَائِر، يَقُولُونَ هُوَ ذكر البوم. والهام جمع هَامة، وَهُوَ طَائِر تزْعم الْعَرَب أَنه يخرج من رَأس الْقَتِيل إِذا قتل فَيَصِيح: اسقوني اسقوني، فَلَا يزَال يَصِيح كَذَلِك حتّى يُؤْخَذ بثأره، فَحِينَئِذٍ يسكت.

(شعر أمية بن أبى الصلت في رثاء قتلى بدر) :

(شِعْرُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ فِي رِثَاءِ قَتْلَى بَدْرٍ) : وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ، يَرْثِي مَنْ أُصِيبَ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ: أَلَّا بَكَيْتِ على الْكِرَام ... بَنِي الْكِرَامِ أُولِي الْمَمَادِحْ كَبُكَا الْحمام على فروع ... الْأَيْكِ فِي الْغُصْنِ الْجَوانِحْ [1] يبْكين حرّى مستكينا ... ت [2] يَرُحْنَ مَعَ [3] الرّوائح أمثالهنّ الباكيات ... الْمُعْوِلَاتُ مِنْ النَّوَائِحْ [4] مَنْ يَبْكِهِمْ يَبْكِ عَلَى ... حُزْنٍ وَيَصْدُقُ كُلَّ مَادِحْ مَاذَا ببدر فالعقنقل ... مِنْ مَرَازِبَةٍ جَحَاجِحْ [5] فمدافع البرقين ... فالحنان مِنْ طَرَفِ الْأَوَاشِحْ [6] شُمْطٍ وَشُبَّانٍ بِهَا ... لَيْلٍ مَغَاوِيرَ وَحَاوِحْ [7] أَلَا تَرَوْنَ لِمَا أَرَى ... وَلَقَدْ أَبَانَ لِكُلِّ لَامِحْ أَنْ قَدْ تَغَيَّرَ بَطْنُ مَكَّةَ ... فَهِيَ مُوحِشَةُ الْأَبَاطِحْ مِنْ كُلِّ بِطْرِيقٍ لِبِطْرِيقٍ ... نَقِيِّ الْقَوْنِ وَاضِحْ [8] دعموص أَبْوَاب الْمُلُوك ... وَجَائِبٌ لِلْخَرْقِ فَاتِحْ [9]

_ [1] الأيك: الشّجر الملتف، واحدته: أيكة. والجوانح: الموائل، يُقَال: جنح: إِذا مَال. [2] حرى: يعْنى اللَّاتِي تجدن من الْحزن. ومستكينات: خاضعات. [3] فِي م، ر: «من» . [4] المعولات: الرافعات الصَّوْت بالبكاء. [5] الْعَقَنْقَل: الْكَثِيب من الرمل المنعقد. والمرازبة: الرؤساء، الْوَاحِد: مرزبان، وَهِي كلمة أَعْجَمِيَّة. والجحاجح: السَّادة، واحدهم: جحجاح. [6] يُرِيد «بمدافع البرقان» :: حَيْثُ ينْدَفع السَّيْل. والبرقين: مَوضِع. والحنان: الْكَثِيب من الرمل. والأواشح: مَوضِع. [7] الشمط: الَّذين خالطهم الشيب. والبهاليل: السَّادة، الْوَاحِد: بهْلُول. والمغاوير: جمع مغوار، وَهُوَ الّذي يكثر الْغَارة. والوحاوح: جمع وحواح، وَهُوَ الْحَدِيد النَّفس. [8] البطريق: رَئِيس الرّوم. [9] الدعموص: دويبة تغوص فِي المَاء. يُرِيد أَنهم يكثرون الدُّخُول على الْمُلُوك. والجائب: الْقَاطِع. والخرق: الفلاة الواسعة.

من السّراطمة [1] الخلاجمة ... الْمَلَاوِثَةِ الْمَنَاجِحْ [2] الْقَائِلِينَ الْفَاعِلِينَ ... الْآمِرِينَ بِكُلِّ صَالِحْ الْمُطْعِمِينَ الشَّحْمَ فَوْ ... قَ الْخُبْزِ شَحْمًا كَالْأَنَافِحْ [3] نُقُلُ الجفان مَعَ الْجِفَانِ ... إلَى جِفَانٍ كَالْمَنَاضِحْ [4] لَيْسَتْ بأصفار لمن ... يعفوه [5] وَلَا رَحَّ رَحَارِحْ [6] لِلضَّيْفِ ثُمَّ الضَّيْفِ بَعْدَ ... [الضَّيْفِ] [7] وَالْبُسُطِ السَّلَاطِحْ [8] وُهُبُ الْمِئيِنَ مِنْ الْمِئيِنَ ... إلَى الْمِئيِنَ مِنْ اللَّوَاقِحْ [9] سَوْقُ الْمُؤَبَّلِ لِلْمُؤَبَّلِ ... صَادِرَاتٌ عَنْ بَلَادِحْ [10] لكرامهم فَوق الْكِرَام ... مَزِيَّةٌ وَزْنَ الرَّوَاجِحْ كَتَثَاقُلِ [11] الْأَرْطَالِ بِالْقِسْطَاسِ ... [12] فِي الْأَيْدِي [13] الْمَوَائِحْ [14] خَذَلَتْهُمْ فِئَةٌ وَهُمْ ... يَحْمُونَ عَوْرَاتِ الْفَضَائِحْ

_ [1] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول، والسراطمة: جمع سرطم، وَهُوَ الْوَاسِع الْحلق. وَفِي أ: «الشراظمة» . [2] الخلاجمة: جمع خلجم، وَهُوَ الضخم الطَّوِيل. والملاوثة: جمع ملواث، وَهُوَ السَّيِّد والمناجح: الَّذين ينجحون فِي سَعْيهمْ ويسعدون فِيهِ. [3] الأنافح: جمع أنفحة، وَهِي شَيْء يخرج من بطن ذِي الكرش دَاخله أصفر، فَشبه بِهِ الشَّحْم، [4] المناضح: الْحِيَاض، شبه الجفان بهَا فِي عظمها. [5] أصفار: جمع صفر، وَهُوَ الْخَالِي من الْآنِية وَغَيرهَا. وَيَعْفُو: يقْصد طَالبا للمعروف، [6] كَذَا فِي أ. ورح رحارح، أَي وَاسِعَة من غير عمق. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «رح وحارح» وَهُوَ تَحْرِيف. [7] زِيَادَة عَن أ. [8] السلاطح: الطوَال العراض. [9] يُرِيد «باللواقح» : الْإِبِل الْحَوَامِل. [10] المؤبل الْإِبِل الْكَثِيرَة. وصادرات: راجعات. وبلادح: مَوضِع. [11] فِي م، ر: «كمثاقل» . [12] القسطاس: الْمِيزَان الْكَبِير. [13] فِي م، ر: «فِي أَيدي» . [14] كَذَا فِي شرح السِّيرَة لأبى ذَر. والموائح: الَّتِي تتمايل لثقل مَا ترفعه. وَفِي أ، ط: «الموانح» . وَفِي سَائِر الْأُصُول: «المواتح» . وَلَا يَسْتَقِيم بهما الْمَعْنى.

الضَّارِبِينَ التَّقُدُمِيَّةَ ... بِالْمُهَنَّدَةِ الصَّفَائِحْ [1] وَلَقَدْ عَنَانِي صَوْتُهُمْ ... مِنْ بَيْنِ مُسْتَسْقٍ وَصَائِحْ [2] للَّه درّ بنى ... عليّ أَيِّمٍ مِنْهُمْ وَنَاكِحْ [3] إنْ لَمْ يُغِيرُوا غَارَةً ... شَعْوَاءَ تُجْحِرُ [4] كُلَّ نابح بالمقربات، المبعدات ... ، الطَّامِحَاتِ مَعَ الطَّوَامِحْ [5] مُرْدًا عَلَى جُرْدٍ إلَى ... أَسَدٍ مُكَالِبَةٍ كَوَالِحْ [6] وَيُلَاقِ قِرْنٌ قِرْنَهُ ... مَشْيَ الْمُصَافِحِ لِلْمُصَافِحْ [7] بِزُهَاءِ أَلْفٍ ثُمَّ أَلْفٍ ... بَيْنَ ذِي بَدَنٍ وَرَامِحْ [8] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتَيْنِ نَالَ فِيهِمَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَنْشَدَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ بَيْتَهُ: وَيُلَاقِ قِرْنٌ قِرْنَهُ ... مَشْيَ الْمُصَافِحِ لِلْمُصَافِحْ وَأَنْشَدَنِي أَيْضًا [9] : وُهُبُ الْمِئيِنَ مِنْ الْمِئيِنَ ... إلَى المئين من الدّواقح سَوْقُ الْمُؤَبَّلِ لِلْمُؤَبَّلِ ... صَادِرَاتٌ عَنْ بَلَادِحْ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ، يَبْكِي زَمْعَةَ بْنَ الْأَسْوَدِ، وَقَتْلَى بَنِي أَسَدٍ:

_ [1] يُرِيد «بالتقدمية» التَّقَدُّم أَي يضْربُونَ متقدمين فِي أول الْجَيْش. والمهند: السيوف المطبوعة من حَدِيد الْهِنْد، الْوَاحِد: مهند. والصفائح: العراض. [2] عناني، أَي أحزننى وشق على. [3] الأيم: الّذي لم يتَزَوَّج. [4] كَذَا فِي أ، ط. وتجحر: تلجئه إِلَى جُحْره. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «تجسر» . [5] المقربات: الْخَيل الَّتِي تقرب من الْبيُوت لكرمها. والمبعدات: الَّتِي تبعد فِي جريها أَو فِي مَسَافَة غزوها. والطامحات: الَّتِي ترفع رءوسها. [6] الجرد: الْخَيل الْعتاق. والمكالبة: هم الَّذين بهم شبه الْكَلْب، وَهُوَ السعار، يعْنى حدتهم فِي الْحَرْب. والكوالح: العوابس. [7] الْقرن: الّذي يُقَاوم فِي قتال أَو شدَّة. [8] الْبدن: الدرْع. [9] هَذِه الْكَلِمَة «أَيْضا» سَاقِطَة فِي أ.

(شعر أبى أسامة) :

عَيْنُ بَكِّي بالمسبلات أَبَا ... الْحَارِث لَا تَذْخَرِي عَلَى زَمْعَهْ [1] وَابْكِي عَقِيلَ بْنَ أسود أَسد ... الْبَأْس ليَوْم الْهِيَاجِ وَالدَّفَعَهْ [2] تِلْكَ بَنُو أَسد إخْوَة الجوزاء ... لَا خَانَةٌ وَلَا خَدَعَهْ [3] هُمْ الْأُسْرَةُ الْوَسِيطَةُ مِنْ كَعْبٍ ... وَهُمْ ذِرْوَةُ السَّنَامِ وَالْقَمَعَهْ [4] أَنْبَتُوا مِنْ معاشر شعر ... الرَّأْس وَهُمْ أَلْحَقُوهُمْ الْمَنَعَهْ أَمْسَى بَنُو عَمِّهِمْ إِذا حضر الْبَأْس ... أَكْبَادُهُمْ عَلَيْهِمْ وَجِعَهْ وَهُمْ الْمُطْعِمُونَ إِذْ قحط الْقطر ... وَحَالَتْ فَلَا تَرَى قَزَعَهْ [5] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ لِهَذَا الشِّعْرِ مُخْتَلِطَةٌ، لَيْسَتْ بِصَحِيحَةِ الْبِنَاءِ، لَكِنْ أَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفُ الْأَحْمَرُ وَغَيْرُهُ، رَوَى بَعْضٌ مَا لَمْ يَرْوِ بَعْضٌ: عَيْنُ بَكِّي بالمسبلات أَبَا ... الْحَارِث لَا تَذْخَرِي عَلَى زَمْعَهْ وَعَقِيلَ بْنَ أسود أَسد الْبَأْس ... لِيَوْمِ الْهِيَاجِ وَالدَّفَعَهْ فَعَلَى مِثْلِ هلكهم خوت الجوزاء ... ، لَا خَانَةٌ وَلَا خَدَعَهْ وهُمْ الْأُسْرَةُ الْوَسِيطَةُ مِنْ كَعْبٍ ... ، وَفِيهِمْ كَذِرْوَةِ الْقَمَعَهْ أَنْبَتُوا مِنْ معاشر شعر الرَّأْس ... ، وَهُمْ أَلْحَقُوهُمْ الْمَنَعَهْ فَبَنُو عَمِّهِمْ إِذا حضر الْبَأْس ... عَلَيْهِمْ أَكْبَادُهُمْ وَجِعَهْ وَهُمْ الْمُطْعِمُونَ إذْ قَحَطَ الْقَطْرُ ... وَحَالَتْ فَلَا تَرَى قَزَعَهْ (شِعْرُ أَبِي أُسَامَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ، مُعَاوِيَةُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ

_ [1] المسبلات: الدُّمُوع السائلة، يُقَال: أسبل الدمع: إِذا جرى، وأسبله هُوَ: إِذا أجراه. وَلَا تذخرى، أَي لَا تدخرى. [2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «الدقعة» بِالْقَافِ. وَقَالَ أَبُو ذَر: «من رَوَاهُ (بِالْفَاءِ) فَهُوَ جمع دَافع: وَمن رَوَاهُ (بِالْقَافِ) ، فَهُوَ من الدقعاء، وَهُوَ التُّرَاب، ويعنى بِهِ الْغُبَار. وَقد يجوز أَن يكون «الدقعة» هُنَا: جمع داقع، وَهُوَ الْفَقِير، فَيَقُول: «ابكيه للحرب وللجود» . [3] الجوزاء: اسْم نجم. وخانة: جمع. خائن. وخدعة: جمع خَادع. [4] الأسرة: رَهْط الرجل. والوسيطة: الشَّرِيفَة. وذروة السنام: أَعْلَاهُ. والقمعة: السنام. [5] القزعة: سَحَاب متفرق. 3- سيرة ابْن هِشَام- 2

ابْن سَعْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ بْنِ مَازِنٍ بْنِ عَدِيِّ بْنِ جُشَمَ بْنِ مُعَاوِيَةَ حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ مُشْرِكًا وَكَانَ مَرَّ بهُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ [1] وَهُمْ مُنْهَزِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ أَعْيَا هُبَيْرَةُ، فَقَامَ فَأَلْقَى عَنْهُ دِرْعَهُ وَحَمَلَهُ فَمَضَى بِهِ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ أَصَحُّ أَشْعَارِ أَهْلِ بَدْرٍ: وَلَمَّا أَنْ رَأَيْتُ الْقَوْمَ خَفُّوا ... وَقَدْ زَالَتْ [2] نَعَامَتُهُمْ لِنَفْرِ وَأَنْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى ... كَأَنَّ خِيَارَهُمْ أَذْبَاحُ عِتْرِ [3] وَكَانَتْ جُمَّةٌ [4] وَافَتْ حِمَامًا ... وَلُقِّينَا الْمَنَايَا يَوْمَ بَدْرِ نَصُدُّ عَنْ الطَّرِيقِ وَأَدْرَكُونَا ... كَأَنَّ زُهَاءَهُمْ غَطَيَانُ بَحْرِ [5] وَقَالَ الْقَائِلُونَ: مَنْ ابْنُ قَيْسٍ؟ ... فَقُلْتُ: أَبُو أُسَامَةَ، غَيْرَ فَخْرِ أَنَا الْجُشَمِيُّ كَيْمَا تَعْرِفُونِي ... أُبَيِّنْ نِسْبَتِي نَقْرًا بِنَقْرِ [6] فَإِنْ تَكُ فِي الْغَلَاصِمِ مِنْ قُرَيْشٍ ... فَإِنِّي مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ [7]

_ [1] فِي م، ر: (رهم) . [2] كَذَا فِي أ، وَشرح السِّيرَة، وَالرَّوْض. وَفِي سَائِر الْأُصُول «شالت» . قَالَ السهيليّ: «الْعَرَب تضرب زَوَال النعامة مثلا للفرار، وَتقول شالت نعَامَة الْقَوْم: إِذا فروا وهلكوا. والنعامة (فِي اللُّغَة) : بَاطِن الْقدَم، وَمن مَاتَ فقد شالت رجله، أَي ارْتَفَعت، وَظَهَرت نعامته. والنعامة (أَيْضا) : الظلمَة. وَابْن النعامة: عرق فِي بَاطِن الْقدَم. فَيجوز أَن يكون قَوْله: زَالَت نعامهم، كَمَا يُقَال، زَالَ سوَاده، وضحا ظله: إِذا مَاتَ. وَجَائِز أَن يكون ضرب النعامة مثلا، وَهُوَ الظَّاهِر فِي بَيت أَبى أُسَامَة، لِأَنَّهُ قَالَ: زَالَت نعامتهم لنفر. وَالْعرب تَقول: أشرد من نعَامَة وأنفر من نعَامَة.... فَإِذا قلت: زَالَت نعامته، فَمَعْنَاه: نفرت نَفسه الَّتِي هِيَ كالنعامة فِي شرودها» . [3] سراة الْقَوْم: خيارهم. والعتر: الصَّنَم الّذي يذبح لَهُ. [4] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول، وَفِي أ: «حمة» بِالْحَاء الْمُهْملَة، قَالَ أَبُو ذَر: «من رَوَاهُ بِالْجِيم: فَمَعْنَاه الْجَمَاعَة من النَّاس، وَأكْثر مَا يُقَال فِي الْجَمَاعَة الَّذين يأْتونَ يسْأَلُون فِي الدِّيَة، وَمن رَوَاهُ: حمة، بِالْحَاء الْمُهْملَة، فَمَعْنَاه: قرَابَة وأصدقاء، من الْحَمِيم، وَهُوَ الْقَرِيب» . وَقَالَ السهيليّ: «الْحمة: السوَاد، والحمة: الْفرْقَة، فَإِن كَانَ أَرَادَ بالحمة سَواد الْقَوْم فَلهُ وَجه، وَإِن كَانَ أَرَادَ الْفرْقَة مِنْهُم فَهُوَ أوجه» . [5] غطيان بَحر، أَي فيضانه. [6] قَالَ السهيليّ: النقر: الطعْن فِي النّسَب، يَقُول: إِن طعنتم فِي نسبي وعبتموه بيّنت الْحق، ونفرت فِي أنسابكم، أَي عبتها وجازيت على النقر بالنقر. وَقَالَت جَارِيَة من الْعَرَب: مروا بى على بنى نَظَرِي- تعنى الفتيان الَّذين ينظرُونَ إِلَيْهَا- وَلَا تمروا بى على بَنَات نقرى. تعنى النِّسَاء اللواتي ينقرن، أَي يعبن. [7] الغلاصم: الأعالي من النّسَب. وأصل الغلصمة: الْحُلْقُوم الّذي يجرى عَلَيْهِ الطَّعَام وَالشرَاب.

فَأَبْلِغْ مَالِكًا لَمَّا غُشِينَا ... وَعِنْدَكَ مَالِ- إنْ نَبَّأْتَ- خُبْرَى [1] وَأَبْلِغْ إنْ بَلَغْتَ [2] الْمَرْءَ عَنَّا ... هُبَيْرَةَ، وَهُوَ ذُو عِلْمٍ وَقَدْرِ بِأَنِّي إذْ دُعِيتُ إلَى أُفَيْدٍ ... كَرَرْتُ وَلَمْ يَضِقْ بِالْكَرِّ صَدْرِي [3] عَشِيَّةً لَا يَكَرُّ عَلَى مُضَافٍ ... وَلَا ذِي نَعْمَةٍ مِنْهُمْ وَصِهْرِ [4] فَدُونَكُمْ بَنِي لَأْيٍ أَخَاكُمْ ... وَدُونَكِ مَالِكًا يَا أُمَّ عَمْرِو [5] فَلَوْلَا مَشْهَدِي قَامَتْ عَلَيْهِ ... مُوَقَّفَةُ الْقَوَائِمِ أُمُّ أَجْرِي [6] دَفُوعٌ لِلْقُبُورِ بِمَنْكِبَيْهَا ... كَأَنَّ بِوَجْهِهَا تَحْمِيمَ قَدْرِ [7] فَأُقْسِمُ بِاَلَّذِي قَدْ كَانَ رَبِّي ... وَأَنْصَابٍ لَدَى الْجَمَرَاتِ مُغْرِ [8] لَسَوْفَ تَرَوْنَ مَا حَسَبِي إذَا مَا ... تَبَدَّلَتْ الْجُلُودُ جُلُودَ نِمْرِ فَمَا إنْ خَادِرٌ مِنْ أُسْدِ تَرْجِ ... مُدِلٌّ عَنْبَسٌ فِي الْغَيْلِ مُجْرِي [9] فَقَدْ أَحْمِي الْأَبَاءَةَ مِنْ كُلَافِ [10] ... فَمَا يَدْنُو لَهُ أَحَدٌ بِنَقْرِ [11]

_ [1] مَال، يُرِيد: مَالك، فرخم، وَحذف حرف النداء من أَوله. [2] فِي أ: «عرضت» . [3] أفيد، قَالَ أَبُو ذَر: «أفيد (بِالْفَاءِ وَالْقَاف) : اسْم رجل» . وَقَالَ السهيل: «أفيد: تَصْغِير وَفد، وهم المتقدمون من كل شَيْء من نَاس أَو خيل أَو إبل، وَهُوَ اسْم للْجمع مثل ركب، وَلذَلِك جَازَ تصغيره، وَقيل: أفيد، اسْم مَوضِع» . [4] الْمُضَاف: الْخَائِف الْمُضْطَر الْمضيق عَلَيْهِ. [5] بنى لأى، يُرِيد: بنى لؤيّ، فجَاء بِهِ مكبرا على الأَصْل، ولؤيّ تَصْغِير لأى. (عَن الرَّوْض الْأنف) . [6] يُرِيد «بالموقفة» : الضبع، من الْوَقْف وَهُوَ الخلخال، لِأَن فِي قَوَائِمهَا خُطُوطًا سُودًا. وَأجر: جمع جرو، وَهُوَ وَلَدهَا. [7] التحميم: التلطيخ بِالسَّوَادِ. [8] الأنصاب: حِجَارَة كَانُوا يذبحون لَهَا. والجمرات: مَوضِع الْجمار الَّتِي يرْمونَ بهَا. ومغر: جمع أمغر، وَهُوَ الْأَحْمَر، يُرِيد: أَنَّهَا مطلية بِالدَّمِ: [9] الخادر: الْأسد الّذي يكون فِي خدره، وَهِي أجمته. وترج: جبل بالحجاز كثير الْأسد. وعنبس أَي عَابس الْوَجْه. والغيل (بِالْكَسْرِ) : الشّجر الملتف. ومجرى، أَي لَهُ جراء، يعْنى أشبالا، أَي أَوْلَادًا. [10] أحمى: جعلهَا حمى لَا تقرب. والأباءة (بِفَتْح الْهمزَة) : أجمة الْأسد. وكلاف، قَالَ أَبُو ذَر: «كلاف (بِالْفَاءِ) : اسْم، مَوضِع» . وَقد ذكره ياقوت، وَقَالَ: إِنَّه وَاد من أَعمال الْمَدِينَة. وَقَالَ السهيليّ: «لَعَلَّه أَرَادَ من شدَّة كلفه بِمَا يحميه، فجَاء بِهِ على وزن فعال، لِأَن الكلف إِذا اشْتَدَّ كالهيام والعطاش. وَلَعَلَّ كلافا: اسْم مَوضِع. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الدينَوَريّ الكلاف: اسْم شجر» . [11] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بِنَفر» بِالْفَاءِ.

بِخَلٍّ تَعْجِزُ الْحُلَفَاءُ عَنْهُ ... يُوَاثِبُ كُلَّ هَجْهَجَةٍ وَزَجْرِ [1] بِأَوْشَكَ سَوْرَةً مِنِّي إذَا مَا ... حَبَوْتُ لَهُ بِقَرْقَرَةٍ وَهَدْرِ [2] بِبِيضٍ كَالْأَسِنَّةِ مُرْهِفَاتٍ ... كَأَنَّ ظُبَاتِهِنَّ جَحِيمِ جَمْرِ [3] وَأَكْلَفُ مُجْنَإِ مِنْ جِلْدِ ثَوْرٍ ... وَصَفْرَاءِ الْبُرَايَةِ ذَاتِ أَزْرِ [4] وَأَبْيَضَ كَالْغَدِيرِ ثَوَى عَلَيْهِ ... عُمَيْرٌ بِالْمَدَاوِسِ نِصْفَ شَهْرِ [5] أُرَفِّلُ فِي حَمَائِلِهِ وَأَمْشِي ... كَمِشْيَةِ خَادِرٍ لَيْث سبطر [6] بقول لِي الْفَتَى سَعْدٌ هَدِيَّا ... فَقُلْتُ: لَعَلَّهُ تَقْرِيبُ غَدْرِ [7] وَقُلْتُ أَبَا عَدِيٍّ لَا تَطُرْهُمْ ... وَذَلِكَ إنْ أَطَعْتَ الْيَوْمَ أَمْرِي [8] كَدَأْبِهِمْ بِفَرْوَةَ إذْ أَتَاهُمْ ... فَظَلَّ يُقَادُ مَكْتُوفًا بِضَفْرِ [9] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفُ الْأَحْمَرُ: نَصُدُّ عَنْ الطَّرِيقِ وَأَدْرَكُونَا ... كَأَنَّ سِرَاعَهُمْ تَيَّارُ بَحْرِ وَقَوْلُهُ: - مُدَلٍّ عَنْبَسٌ فِي الْغَيْلِ مُجْرِي - عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو أَسَامَّةَ أَيْضًا:

_ [1] الْخلّ: الطَّرِيق فِي الرمل. والحلفاء: الْأَصْحَاب المتعاضدون. والهجهجة: الزّجر، يُقَال: هجهجت بالسبع: إِذا زجرته، وَهُوَ أَن تَقول لَهُ: هج هج. [2] بأوشك: بأسرع. وَالسورَة، الحدة والوثبة. وحبوت: قربت. والقرقرة والهدر: من أصوات الْإِبِل الفحول. [3] يُرِيد «بالبيض» : السِّهَام. والظباة: حَدهَا، الْوَاحِدَة: ظبة. [4] وأكلف، قَالَ أَبُو ذَر: «من رَوَاهُ بِاللَّامِ، فَإِنَّهُ يعْنى ترسا أسود الظَّاهِر، وَمن رَوَاهُ بالنُّون، فَهُوَ الترس أَيْضا، مَأْخُوذ من كنفه، أَي ستره» . والمجنأ: الّذي فِيهِ اجتناء أَي انحناء. وَيُرِيد. «بصفراء البراية» : قوسا. والبراية: مَا يتطاير مِنْهَا حِين تنحت. [5] يُرِيد «بأبيض كالغدير» : سيقا. وَعُمَيْر: اسْم صيقل. والمداوس: جمع مدوس، وَهِي الأداة الَّتِي يصقل بهَا السَّيْف. [6] أرفل: أطول. وسبطر، أَي طَوِيل ممتد. [7] الْهدى، قَالَ أَبُو ذَر: «الْهدى هُنَا: الْأَسير» . وَقَالَ السهيل: «الْهدى: مَا يهدى إِلَى الْبَيْت، وَالْهدى (أَيْضا) : الْعَرُوس تهدى إِلَى زَوجهَا، وَنصب (هَديا) هُنَا على إِضْمَار فعل، كَأَنَّهُ أَرَادَ: أهد هَديا» . [8] لَا تطرهم: لَا تقربهم، مَأْخُوذ من طوار الدَّار، وَهُوَ مَا كَانَ ممتدا مَعهَا من فنائها. [9] كدأبهم: كعادتهم. وفروة: اسْم رجل. والضفر: الْحَبل المضفور.

أَلَا مِنْ مُبَلَّغٌ عَنِّي رَسُولًا ... مُغَلْغَلَةً يُثَبِّتُهَا لَطِيفُ [1] أَلَمْ تَعْلَمْ مَرَدِّي يَوْمَ بَدْرٍ ... وَقَدْ بَرَقَتْ بِجَنْبَيْكَ الْكُفُوفُ [2] وَقَدْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى ... كَأَنَّ رُءُوسَهُمْ حَدَجٌ نَقِيفُ [3] وَقَدْ مَالَتْ عَلَيْكَ بِبَطْنِ بَدْرٍ ... خِلَافَ الْقَوْمِ دَاهِيَةٌ خَصِيفُ [4] فَنَجَّاهُ مِنْ الْغَمَرَاتِ عَزْمِي ... وَعَوْنُ اللَّهِ وَالْأَمْرُ الْحَصِيفُ وَمُنْقَلَبِي مِنْ الْأَبْوَاءِ وَحْدِي ... وَدُونَكَ جَمْعُ أَعْدَاءٍ وُقُوفُ [5] وَأَنْتَ لِمَنْ أَرَادَكَ مُسْتَكِينٌ ... بِجَنْبِ كُرَاشٍ مَكْلُومٌ نَزِيفُ [6] وَكُنْتُ إذَا دَعَانِي يَوْمَ كَرْبٍ ... مِنْ الْأَصْحَابِ دَاعٍ مُسْتَضِيفُ [7] فَأَسْمَعَنِي وَلَوْ أَحْبَبْتُ نَفْسِي ... أَخٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَوْ حَلِيفُ أَرُدُّ فَأَكْشِفُ الْغُمَّى وَأَرْمِي ... إذَا كَلَحَ الْمَشَافِرُ وَالْأُنُوفُ [8] وَقِرْنٍ قَدْ تَرَكَتْ عَلَى يَدَيْهِ ... يَنُوءُ كَأَنَّهُ غُصْنٌ قَصِيفُ [9] دَلَفْتُ لَهُ إذْ اخْتَلَطُوا بِحَرَّى ... مُسْحْسَحَةٍ لِعَانِدِهَا حَفِيفُ [10]

_ [1] المغلغلة: الرسَالَة ترسل من بلد إِلَى بلد. واللطيف: الرَّقِيق الحاذق فِي الْأُمُور. [2] برقتْ: لمعت. [3] الحدج: الحنظل، الْوَاحِدَة: حدجة. والنقيف: المكسور. [4] الخصيف: المتلونة ألوانا، وَقيل: المتراكمة. [5] الْأَبْوَاء: مَوضِع، وَبِه قبر أم الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [6] كراش (بِضَم الْكَاف والشين الْمُعْجَمَة) : اسْم جبل لهذيل، وَقيل: مَاء بِنَجْد لبني دهمان. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . ومكلوم: جريح. ونزيف: سَائل جَمِيع دَمه. [7] مستضيف: ملْجأ مضيق عَلَيْهِ. [8] الغمى: الْأَمر الشَّديد. وكلح: عبس. والمشافر: الشفاه، لذوات الْخُف، وَهِي الْإِبِل، فاستعارها هُنَا للآدميين. [9] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ، ر: «قطيف» . قَالَ أَبُو ذَر: «من رَوَاهُ بالصَّاد الْمُهْملَة، فَمَعْنَاه: مكسور، تَقول: قصفت الْغُصْن: إِذا كَسرته. وَمن رَوَاهُ «قطيف» بِالطَّاءِ الْمُهْملَة، فَهُوَ الّذي أَخذ مَا عَلَيْهِ من الثَّمر وَالْوَرق» . [10] دلفت: قربت. وبحري: أَي بطعنة موجعة. ومسحسحة وكثيرة سيلان الدَّم. والعاند: الْعرق الّذي لَا يَنْقَطِع دَمه. والحفيف: صَوته.

(شعر هند بنت عتبة) :

فَذَلِكَ كَانَ صَنْعِي يَوْمَ بَدْرٍ ... وَقَبْلُ أَخُو مُدَارَاةَ عَزُوفُ [1] أَخُوكُمْ فِي السِّنِينَ كَمَا عَلِمْتُمْ ... وَحَرْبٍ لَا يَزَالُ لَهَا صَرِيفُ [2] وَمِقْدَامٌ لَكُمْ لَا يَزْدَهِينِي ... جَنَانُ اللَّيْلِ وَالْأَنَسُ اللَّفِيفُ [3] أَخُوضُ الصَّرَّةَ [4] الْجَمَّاءَ [5] خَوْضًا ... إذَا مَا الْكَلْبُ أَلْجَأَهُ الشَّفِيفُ [6] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْتُ قَصِيدَةً لِأَبِي أُسَامَةَ عَلَى اللَّامِّ، لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ بَدْرٍ إلَّا فِي أَوَّلِ بَيْتٍ مِنْهَا وَالثَّانِي، كَرَاهِيَةَ الْإِكْثَارِ. (شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ تَبْكِي أَبَاهَا يَوْمَ بَدْرٍ: أَعَيْنَيَّ جُودَا بِدَمْعٍ سَرِبْ ... عَلَى خَيْرِ خِنْدِفَ لَمْ يَنْقَلِبْ تَدَاعَى لَهُ رَهْطُهُ غُدْوَةً ... بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبْ يُذِيقُونَهُ حَدَّ أَسْيَافِهِمْ ... يَعُلُّونَهُ بَعْدَ مَا قَدْ عَطِبْ يَجُرُّونَهُ وَعَفِيرُ التُّرَابِ ... عَلَى وَجْهِهِ عَارِيًا قَدْ سُلِبْ وَكَانَ لَنَا جَبَلًا رَاسِيًا ... جَمِيلَ الْمَرَاةِ كثير العشب [7] وأمّا [8] بُرَيٌّ فَلَمْ أَعْنِهِ ... فَأُوتِيَ مِنْ خَيْرِ مَا يَحْتَسِبْ [9] وَقَالَتْ هِنْدُ أَيْضًا:

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عروف» ، قَالَ أَبُو ذَر: «من رَوَاهُ بالزاء، فَهُوَ الّذي تأبى نَفسه الدنايا. وَمن رَوَاهُ بالراء، فَمَعْنَاه أَيْضا: الصابر، هَا هُنَا» . [2] يُرِيد «بِالسِّنِينَ» : سِنِين الْقَحْط والجدب. والصريف: الصَّوْت. [3] جنان اللَّيْل: ظلمته. والأنس: الْجَمَاعَة من النَّاس، واللفيف: الْكثير. [4] الصرة: الْجَمَاعَة، وَقد تكون الصرة (أَيْضا) : شدَّة الْبرد، وَإِيَّاهَا عَنى، لذكره الشفيف فِي آخر الْبَيْت. [5] كَذَا فِي شرح السِّيرَة. وَفِي جَمِيع الْأُصُول: «الْجَمَّاء» قَالَ أَبُو ذَر: «الْجَمَّاء (بِالْجِيم) : الْكثير وَمن رَوَاهُ: الحماء، بِالْحَاء الْمُهْملَة، فَمَعْنَاه: السود» . [6] الشفيف (بالشين الْمُعْجَمَة) : الرّيح الشَّدِيدَة الْبرد. [7] جميل المراة، أَرَادَت مرْآة الْعين، فنقلت حَرَكَة الْهمزَة إِلَى السَّاكِن، فَذَهَبت الْهمزَة. [8] فِي م، ر: «فَأَما» . [9] تُرِيدُ «ببرى» : الْبَراء، وَهُوَ رجل، فصغرته.

يَرِيبُ علينا دَهْرنَا فيسوؤنا ... وَيَأْبَى فَمَا نَأْتِي بِشَيْءِ يُغَالِبُهْ أَبَعْدَ قَتِيلٍ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ ... يُرَاعَ أَمْرٌ وَإِن مَاتَ أَوْ مَاتَ صَاحِبُهْ أَلَا رُبَّ يَوْمٍ [1] قَدْ رُزِئْتُ مُرَزَّأً ... تَرُوحُ وَتَغْدُو بِالْجَزِيلِ مُوَاهِبُهُ فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنِّي مَأْلُكًا ... فَإِنْ أَلْقَهُ يَوْمًا فَسَوْفَ أُعَاتِبُهْ [2] فَقَدْ كَانَ حَرْبٌ يَسْعَرُ الْحَرْبَ إنَّهُ ... لِكُلِّ امْرِئِ فِي النَّاسِ مَوْلًى يُطَالِبُهُ [3] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ أَيْضًا: للَّه عَيْنًا مَنْ رَأَى ... هُلْكًا كَهُلْكِ رِجَاليهْ يَا رُبَّ [4] بَاكٍ لِي غَدًا ... فِي النَّائِبَاتِ وَبَاكِيَهْ كَمْ غادروا يَوْم القليب ... غَدَاةَ تِلْكَ الْوَاعِيَهْ [5] مِنْ كُلِّ غيث فِي السّنين ... إذَا الْكَوَاكِبُ خَاوِيَهْ [6] قَدْ كُنْتُ أُحْذَرُ مَا أَرَى ... فَالْيَوْمُ حَقٌّ حَذَارِيَهْ قَدْ كُنْتُ أَحْذَرُ مَا أَرَى ... فَأَنَا الْغَدَاةَ مُوَامِيَهْ [7] يَا رُبَّ قَائِلَةٍ غَدًا ... يَا وَيْحَ أُمَّ مُعَاوِيَهْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدٍ.

_ [1] فِي شرح السِّيرَة: «أَلا رب رزء قد رزئت مرزأ» . قَالَ أَبُو ذَر: المرزأ: الْكَرِيم الّذي يرزؤه القاصدون والأضياف، أَو ينقصُونَ من مَاله» . [2] المألك: جمع مألكة، وَهِي الرسَالَة الَّتِي تبلغ بِاللِّسَانِ. [3] حَرْب: هُوَ وَالِد أَبى سُفْيَان. ويسعر: يهيج. [4] فِي م، ر: «بل رب» . [5] الواعية: الصُّرَاخ. [6] إِذا الْكَوَاكِب خاوية، يعْنى أَنَّهَا تسْقط فِي مغْرِبهَا عِنْد الْفجْر، وَلَا يكون مَعهَا أتر وَلَا مطر، على مَذْهَب الْعَرَب فِي نسبتهم ذَلِك إِلَى النُّجُوم. [7] مواميه، قَالَ أَبُو ذَر: «أَي مختلطة الْعقل» . وَقَالَ السهيليّ: «موامية، أَي ذليلة. وَهِي مؤامية، بِهَمْزَة، وَلكنهَا سهلت فَصَارَت واوا وَهِي من لفظ الْأمة. تَقول: تأميت أمة أَي اتخذتها وَيجوز أَن تكون من المواءمة، وَهِي الْمُوَافقَة، فَيكون الأَصْل: موامئة، ثمَّ قلب فَصَارَ موامية، على وزن مفالعة. تُرِيدُ أَنَّهَا قد ذلت فَلَا تأبى، بل توَافق الْعَدو على كره.» .

(شعر صفية) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ أَيْضًا: يَا عَيْنُ بَكِّي عُتْبَهْ ... شَيْخًا شَدِيدَ الرَّقَبَهْ [1] يُطْعِمُ يَوْمَ الْمَسْغَبَهْ ... يَدْفَعُ يَوْمَ الْمَغْلَبَهْ [2] إنِّي عَلَيْهِ حَرِبَهْ ... مَلْهُوفَةٌ مُسْتَلَبَهْ [3] لَنَهْبِطَنَّ يَثْرِبَهْ ... بِغَارَةٍ مُنْثَعِبَهْ [4] فِيهَا الْخُيُولُ مُقْرَبَهْ ... كُلُّ جَوَادٍ سَلْهَبَهْ [5] (شِعْرُ صَفِيَّةَ) : وَقَالَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ مُسَافِرِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، تَبْكِي أَهْلَ الْقَلِيبِ الَّذِينَ أُصِيبُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ: (وَتَذْكُرُ مُصَابَهُمْ) [6] : يَا مَنْ لِعَيْنٍ قَذَاهَا عَائِرُ الرَّمَدِ ... حَدَّ النَّهَارِ وَقَرْنُ الشَّمْسِ لَمْ يَقِدْ [7] أُخْبِرْتُ أَنَّ سَرَاةَ الْأَكْرَمِينَ مَعًا ... قَدْ أَحْرَزَتْهُمْ مَنَايَاهُمْ إلَى أَمَدِ وَفَرَّ بِالْقَوْمِ أَصْحَابُ الرِّكَابِ وَلَمْ ... تَعْطِفْ غَدَاتَئِذٍ أُمٌّ عَلَى وَلَدِ قَوْمِي صَفِيَّ وَلَا تَنْسَى قَرَابَتَهُمْ ... وَإِنْ بَكَيْتِ فَمَا تَبْكِينَ مِنْ بُعُدِ كَانُوا سُقُوبَ [8] سَمَاءِ الْبَيْتِ فَانْقَصَفَتْ ... فَأَصْبَحَ السَّمْكُ مِنْهَا غَيْرَ ذِي عَمَدِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَيْتَهَا: «كَانُوا سُقُوبَ [8] » بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ مُسَافِرٍ أَيْضًا:

_ [1] عتبَة، أَرَادَت: عتبَة، (بِإِسْكَان التَّاء) إِلَّا أَنَّهَا أتبعتها للعين. [2] المسغبة: الْجُوع والشدة. [3] حَرْبَة: حزينة غَضبى. ومستلبة: مَأْخُوذَة الْعقل. قَالَ السهيليّ: «الأجود فِي مستلبة، أَن يكون بِكَسْر اللَّام، من السلاب، وَهِي الْخِرْقَة السَّوْدَاء الَّتِي تختمر بهَا الثكلى» . [4] كَذَا فِي الْأُصُول. ومنثعبة: أَي سَائِلَة بِسُرْعَة، يُقَال: انثعب المَاء: إِذا سَالَ. ويروى: منشعبة، أَي مُتَفَرِّقَة. [5] المقرب من الْخَيل: الّذي يقرب من الْبيُوت لكرمه. والسلهبة: الْفرس الطَّوِيلَة. [6] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ. [7] القذى: مَا يَقع فِي الْعين وَالشرَاب. والعائر: وجع الْعين، وَيُقَال: هُوَ قرحَة تخرج فِي جفن الْعين. وحد النَّهَار: الْفَصْل الّذي بَين اللَّيْل وَالنَّهَار. وَقرن الشَّمْس: أَعْلَاهَا. وَلم يقد، أَي لم يتَمَكَّن ضوءه. [8] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والسقوب (بِالْبَاء) : عمد الخباء الَّتِي يقوم عَلَيْهَا. وَفِي أ: «سقوف» .

(شعر هند بنت أثاثة) :

أَلَا يَا من لعين ... للتّبكىّ دَمْعُهَا فَانِ [1] كَغَرْبَيْ دَالِجٍ يَسْقَى ... خِلَالَ الْغَيِّثِ الدَّانِ [2] وَمَا لَيْثُ غَرِيفٍ ذُو ... أَظَافِيرَ وَأَسْنَانِ [3] أَبُو شِبْلَيْنِ وَثَّابٌ ... شَدِيدُ الْبَطْشِ غَرْثَانِ [4] كَحِبِّي إذْ تولّى و ... وُجُوه الْقَوْمِ أَلْوَانِ وبالكفّ حسام صارم ... أَبْيَضُ ذُكْرَانِ [5] وَأَنت الطّاعن النّجلاء ... مِنْهَا مُزْبِدٌ آنِ [6] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيَرَوْنَ قَوْلَهَا: «وَمَا لَيْثُ غَرِيفٍ» إلَى آخِرِهَا، مَفْصُولًا مِنْ الْبَيْتَيْنِ اللَّذَيْنِ قَبْلَهُ. (شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ أُثَاثَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ تَرْثِي عَبِيدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ: لَقَدْ ضُمِّنَ الصَّفْرَاءُ مَجْدًا وَسُؤْدُدًا ... وَحِلْمًا أَصِيلًا وَافِرَ اللُّبِّ وَالْعَقْلِ [7] عُبَيْدَةَ فَابْكِيهِ لِأَضْيَافِ غُرْبَةٍ ... وَأَرْمَلَةٌ تَهْوِي لِأَشْعَثَ كَالْجِذْلِ [8] وَبَكِّيهِ لِلْأَقْوَامِ فِي كُلِّ شَتْوَةٍ ... إذَا احْمَرَّ آفَاقُ السَّمَاءِ مِنْ الْمَحْلِ [9] وَبَكِّيهِ للأيتام والرّيح [10] زفزف ... وَتَشْبِيبُ [11] قِدْرٍ طَالَمَا أَزْبَدَتْ تَغْلِي [12]

_ [1] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي شرح السِّيرَة لأبى ذَر: «قانى» ، أَي أَحْمَر، وَكَانَ الأَصْل أَن تَقول، قانئ: بِالْهَمْزَةِ، فخففت الْهمزَة. تُرِيدُ أَن دمعها خالطه الدَّم. [2] الغرب: الدَّلْو الْعَظِيمَة. والدالج: الّذي يمشى بدلوه بَين الْبِئْر والبستان. [3] الغريف: مَوضِع الْأسد، وَهِي الأجمة. [4] غرثان: جَائِع. [5] ذكران: أَي سيف طبع من مُذَكّر الْحَدِيد. [6] مُزْبِد، أَي دم لَهُ زبد، أَي رغوة. وآن: حام. [7] الصَّفْرَاء: مَوضِع بَين مَكَّة وَالْمَدينَة. [8] الْأَشْعَث: الْمُتَغَيّر. والجذل (بِالْجِيم والذال الْمُعْجَمَة) : أصل الشَّجَرَة وَغَيرهَا. تصفه بالثبات وَالْقُوَّة. [9] الْمحل: الْقَحْط. [10] الزفزف من الرِّيَاح: الشَّدِيدَة السريعة الْمُرُور. [11] كَذَا فِي أ. والتشبيب: إيقاد النَّار تَحت الْقدر وَنَحْوهَا. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «تشتيت» . [12] أزبدت: رمت بالزبد، وَهِي الرغوة.

(شعر قتيلة بنت الحارث) :

فَإِنْ تُصْبِحُ النِّيرَانَ قَدْ مَاتَ ضَوْءُهَا ... فَقَدْ كَانَ يُذْكِيهِنَّ بِالْحَطَبِ الْجَزْلِ [1] لِطَارِقِ لَيْلٍ أَوْ لِمُلْتَمِسِ الْقِرَى ... وَمُسْتَنْبَحٍ [2] أَضْحَى لَدَيْهِ عَلَى رَسْلِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدٍ. (شِعْرُ قُتَيْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [3] : وَقَالَتْ قُتَيْلَةُ [4] بِنْتُ الْحَارِثِ، أُخْتُ [5] النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، تَبْكِيهِ: يَا رَاكِبًا إنَّ الْأَثِيلَ مَظِنَّةٌ ... مِنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ وَأَنْتَ مُوَفَّقُ [6] أَبْلِغْ بِهَا مَيْتًا بِأَنَّ تَحِيَّةً ... مَا إنْ تَزَالُ بِهَا النَّجَائِبُ تَخْفِقُ [7] مِنِّي إلَيْكَ وَعَبْرَةً مَسْفُوحَةً ... جَادَتْ بِوَاكِفِهَا وَأُخْرَى تَخْنُقُ [8] هَلْ يَسْمَعَنِّي النَّضْرُ إنْ نَادَيْتُهُ ... أَمْ كَيْفَ يَسْمَعُ مَيِّتٌ لَا يَنْطِقُ أَمُحَمَّدُ يَا خَيْرَ ضَنْءِ كَرِيمَةٍ [9] ... فِي قَوْمِهَا وَالْفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرَّقُ [10]

_ [1] الجزل: الغليظ. [2] المستنبح: الرجل الّذي يضل بِاللَّيْلِ فيتكلف نباح الْكَلْب وحكايته لتجاوبه كلاب الْحَيّ المتوهم نزولهم فِي طَرِيقه، فيهتدى بصياحه، وَالرسل (بِالْكَسْرِ) : اللَّبن. [3] فِي أ، ر: «قَالَ ابْن هِشَام» . [4] قَالَ السهيليّ: «الصَّحِيح أَنَّهَا بنت النَّضر لَا أُخْته، كَذَلِك قَالَ الزبير وَغَيره، وَكَذَلِكَ وَقع فِي كتاب الدَّلَائِل» . [5] كَانَت قتيلة هَذِه تَحت الْحَارِث بن أَبى أُميَّة الْأَصْغَر، فَهِيَ جدة الثريا بنت عبد الله بن الْحَارِث، الَّتِي يَقُول فِيهَا عمر بن أَبى ربيعَة حِين خطبهَا سُهَيْل بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: أَيهَا المنكح الثريا سهيلا ... عمرك الله كَيفَ يَلْتَقِيَانِ؟ هِيَ شامية إِذا مَا اسْتَقَلت ... وَسُهيْل إِذا اسْتَقل يماني! [6] الأثيل: مَوضِع قرب الْمَدِينَة بَين بدر ووادي الصَّفْرَاء. ومظنة، أَي مَوضِع إِيقَاع الظَّن. [7] النجائب: الْإِبِل الْكِرَام. وتخفق: تسرع: [8] الواكف: السَّائِل. [9] الضنء: الأَصْل. وَرِوَايَة هَذَا الشّطْر فِي الرَّوْض. أمحمد هَا أَنْت ضئى نجيبة والضىء: الأَصْل وَالْولد. [10] المعرق: الْكَرِيم.

(تاريخ الفراغ من بدر) :

مَا كَانَ ضُرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ وَرُبَّمَا ... مَنَّ الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ الْمُحْنَقُ [1] أَوْ كُنْتَ قَابِلَ فِدْيَةٍ فَلْيُنْفِقَنْ ... بِأَعَزَّ مَا يَغْلُو بِهِ مَا يُنْفِقُ [2] فَالنَّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ أَسَرَّتْ قَرَابَةً ... وَأَحَقُّهُمْ إنْ كَانَ عِتْقٌ يُعْتَقُ ظَلَّتْ سُيُوفُ بَنِي أَبِيهِ تَنُوشُهُ ... للَّه أَرْحَامٌ هُنَاكَ تُشَقَّقُ [3] صَبْرًا [4] يُقَادُ إلَى الْمَنِيَّةِ مُتْعَبًا ... رَسْفَ الْمُقَيَّدِ وَهُوَ عَانٍ مُوَثَّقُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَيُقَالُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَلَغَهُ هَذَا الشِّعْرُ، قَالَ: لَوْ بَلَغَنِي هَذَا قَبْلَ قَتْلِهِ لَمَنَنْتُ عَلَيْهِ. (تَارِيخُ الْفَرَاغِ مِنْ بَدْرٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فَرَاغُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَدْرٍ فِي عَقِبِ شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ فِي شَوَّالٍ. غَزْوَةُ بَنِي سُلَيْمٍ بِالْكَدَرِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا قَدِمَ (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [5] لَمْ يَقُمْ بِهَا إلَّا سَبْعَ لَيَالٍ (حَتَّى) [6] غَزَا بِنَفْسِهِ، يُرِيدُ بَنِي سُلَيْمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيَّ، أَوْ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَلَغَ مَاءً مِنْ مِيَاهِهِمْ، يُقَالُ لَهُ: الْكُدْرُ، فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ

_ [1] المحنق: الشَّديد الغيظ. [2] كَذَا فِي الْأُصُول. وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي الأغاني (ج 1 ص 19 طبع دَار الْكتب المصرية) : أَو كنت قَابل فديَة فلنأتين ... بِأَعَز مَا يغلو لديك وَينْفق [3] تنوشه: تتناوله. وتشقق: تقطع. [4] فِي شرح السِّيرَة: «قسرا» . والقسر: الْقَهْر وَالْغَلَبَة. [5] الرسف: الْمَشْي الثقيل، كمشى الْمُقَيد وَنَحْوه. والعاني: الْأَسير. وَقد وَردت هَذِه الأبيات فِي الأغاني، (ج 1 ص 19 طبع دَار الْكتب والحماسة ص 437 طبع أوربة) باخْتلَاف فِي ترتيبها وَبَعض ألفاظها. [6] زِيَادَة عَن: أ.

غزوة السويق

ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ شَوَّالٍ وَذَا الْقَعَدَةِ، وَأَفْدَى فِي إقَامَتِهِ تِلْكَ جُلُّ الْأُسَارَى مِنْ قُرَيْشٍ [1] . غَزْوَةُ السَّوِيقِ (عُدْوَانُ أَبِي سُفْيَانَ وَخُرُوجُ الرَّسُولِ فِي أَثَرِهِ) : قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمِّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ: قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيَّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيُّ، قَالَ: ثُمَّ غَزَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ غَزْوَةَ السَّوِيقِ فِي ذِي الْحَجَّةِ، وَوَلَّى تِلْكَ الْحَجَّةَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ، فَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، وَمَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ الْأَنْصَارِ، حِينَ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ، وَرَجَعَ فَلُّ [2] قُرَيْشٍ مِنْ بَدْرٍ، نَذَرَ أَنْ لَا يَمَسَّ رَأْسَهُ مَاءٌ مِنْ جَنَابَةٍ [3] حَتَّى يَغْزُوَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخرج فِي مِائَتي رَاكِبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، لِيَبَرَّ يَمِينَهُ، فَسَلَكَ النَّجْدِيَّةَ، حَتَّى نَزَلَ بِصَدْرِ قَنَاةٍ إلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ: ثَيْبٌ [4] ، مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى بَرِيدٍ أَوْ نَحْوِهِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ اللَّيْلِ، حَتَّى أَتَى بَنِي النَّضِيرِ تَحْتَ اللَّيْلِ، فَأَتَى حُيَيُّ ابْن أَخْطَبَ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ، فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ بَابَهُ وَخَافَهُ، فَانْصَرَفَ عَنْهُ إلَى سَلَّامِ بْنِ مِشْكَمٍ، وَكَانَ سَيِّدَ بَنِي النَّضِيرِ فِي زَمَانِهِ ذَلِكَ، وَصَاحِبَ كَنْزِهِمْ [5] ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَرَّاهُ [6] وَسَقَاهُ، وَبَطَنَ [7] لَهُ مِنْ خَبَرِ النَّاسِ، ثُمَّ خَرَجَ فِي عَقِبِ لَيْلَتِهِ حَتَّى أَتَى أَصْحَابَهُ، فَبَعَثَ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ إلَى الْمَدِينَةِ، فَأَتَوْا نَاحِيَةً

_ [1] إِلَى هُنَا ينتهى الْجُزْء الْعَاشِر من أَجزَاء السِّيرَة من تَقْسِيم الْمُؤلف. [2] الفل، الْقَوْم المنهزمون. [3] قَالَ السهيليّ: «إِن الْغسْل من الْجَنَابَة كَانَ مَعْمُولا بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّة بَقِيَّة من دين إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل، كَمَا بَقِي مَعَهم الْحَج وَالنِّكَاح» . [4] فِي م، ر: «نيب» . [5] يُرِيد «بالكنز» : المَال الَّذين كَانُوا يجمعونه لنوائبهم وَمَا يعرض لَهُم. [6] قراه: أَي صنع لَهُ الْقرى، وَهُوَ طَعَام الضَّيْف. [7] بطن لَهُ، أَي أعلمهُ من سرهم

(سبب تسميتها بغزوة السويق) :

مِنْهَا، يُقَالُ لَهَا: الْعَرِيضُ، فَحَرَقُوا فِي أَصْوَارٍ [1] مِنْ نَخْلٍ بِهَا، وَوَجَدُوا بِهَا رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ وَحَلِيفًا لَهُ فِي حَرْثٍ لَهُمَا، فَقَتَلُوهُمَا، ثُمَّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ [2] ، وَنَذِرَ بِهِمْ النَّاسُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِهِمْ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ بَشِيرَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ أَبُو لُبَابَةَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [3] ، حَتَّى بَلَغَ قَرْقَرَةَ [4] الْكُدْرِ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا، وَقَدْ فَاتَهُ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ، وَقَدْ رَأَوْا أَزْوَادًا مِنْ أَزْوَادِ الْقَوْمِ قَدْ طَرَحُوهَا فِي الْحَرْثِ يَتَخَفَّفُونَ مِنْهَا لِلنَّجَاءِ [5] ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ، حَيْنَ رَجَعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَطْمَعُ لَنَا أَنْ تَكُونَ غَزْوَةً؟ قَالَ: نَعَمْ. (سَبَبُ تَسْمِيَتِهَا بِغَزْوَةِ السَّوِيقِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ غَزْوَةَ السَّوِيقِ [6] ، فِيمَا حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَّ أَكْثَرَ مَا طَرَحَ الْقَوْمُ مِنْ أَزْوَادِهِمْ السَّوِيقُ، فَهَجَمَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى سَوِيقٍ كَثِيرٍ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ السَّوِيقِ. (شِعْرُ أَبِي سُفْيَانَ فِيهَا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ، لِمَا صَنَعَ بِهِ سَلَّامُ ابْن مِشْكَمٍ: وَإِنِّي تَخَيَّرْتُ الْمَدِينَةَ وَاحِدًا ... لِحِلْفٍ فَلَمْ أَنْدَمْ وَلَمْ أَتَلَوَّمْ [7]

_ [1] الأصوار: جمع صور بِفَتْح الصَّاد، وَهُوَ جمَاعَة النّخل. [2] مَكَان هَذِه الْعبارَة من قَوْله: «وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة» إِلَى قَوْله «فِيمَا قَالَ ابْن هِشَام» مُتَأَخّر فِي «أ» [3] إِلَى آخر الْقِصَّة نذر بهم النَّاس: علمُوا بهم. [4] قرقرة الكدر: مَوضِع بِنَاحِيَة الْمَعْدن، بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة ثَمَانِيَة برد. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [5] النَّجَاء: السرعة. [6] السويق: هُوَ أَن تحمص الْحِنْطَة أَو الشّعير أَو نَحْو ذَلِك، ثمَّ تطحن، ثمَّ يُسَافر بهَا، وَقد تمزج بِاللَّبنِ وَالْعَسَل وَالسمن وتلت، فَإِن لم يكن شَيْء من ذَلِك مزحت بِالْمَاءِ. [7] الْمَدِينَة، أَرَادَ: من الْمَدِينَة، فَحذف الْجَرّ. وَلم أتلوم، أَي لم ادخل فِيمَا ألام عَلَيْهِ.

غزوة ذي أمر

سَقَانِي فَرَوَانِي كُمَيْتًا مُدَامَةً [1] ... عَلَى عَجَلٍ مِنِّي سَلَّامُ بْنُ مِشْكَمٍ [2] وَلَمَّا تَوَلَّى الْجَيْشُ قُلْتُ وَلَمْ أَكُنْ ... لِأُفْرِحَهُ: أَبْشِرْ بِعَزٍّ وَمَغْنَمِ [3] تَأَمَّلْ فَإِنَّ الْقَوْمَ سُرَّ وَإِنَّهُمْ ... صَرِيحُ لُؤَيٍّ لَا شَمَاطِيطُ جُرْهُمِ [4] وَمَا كَانَ إلَّا بَعْضُ لَيْلَةِ رَاكِبٍ ... أَتَى سَاعِيًا [5] مِنْ غَيْرِ خَلَّةِ مُعْدِمِ غَزْوَةُ ذِي أَمَرَ فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ السَّوِيقِ، أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّةَ ذِي الْحَجَّةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، ثُمَّ غَزَا نَجْدًا، يُرِيدُ غَطَفَانَ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أَمَرَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ بِنَجْدٍ صَفَرًا كُلَّهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا. فَلَبِثَ بِهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلَ كُلَّهُ، أَوْ إلَّا قَلِيلًا مِنْهُ. غَزْوَةُ الْفُرُعِ مِنْ بحران ثمَّ غز (رَسُولُ اللَّهِ) [6] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُرِيدُ قُرَيْشًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتَّى بَلَغَ بُحْرَانَ، مَعْدِنًا بِالْحِجَازِ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرُعِ [7] ، فَأَقَامَ بِهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ وَجُمَادَى الْأُولَى، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا.

_ [1] الْكُمَيْت: من أَسمَاء الْخمر. [2] سَلام بن مشْكم، قَالَ أَبُو ذَر: «إِنَّه أَرَادَ أَن يَقُول: سَلام بن مشْكم، بتَشْديد اللَّام، لكنه خففه لضَرُورَة الشّعْر، وَلم يذكر الدَّار قطنى سَلاما بِالتَّخْفِيفِ إِلَّا فِي عبد الله بن سَلام وَحده» . وَذكر السهيليّ أَنه بتَخْفِيف اللَّام وتشديدها. [3] لأفرحه، أَي لأشق عَلَيْهِ. [4] سر الْقَوْم. خالصهم، وَكَذَلِكَ الصَّرِيح مِنْهُم. والشماطيط: المختلطون. [5] ساعيا، قَالَ أَبُو ذَر: «من رَوَاهُ ساعيا، فَهُوَ من السَّعْي، وَهُوَ مَعْلُوم. وَمن رَوَاهُ: ساغبا، فالساغب: الجائع وَمن رَوَاهُ: شاعبا، فَهُوَ من التَّفَرُّق» . [6] زِيَادَة عَن أ. [7] الْفَرْع (بِضَمَّتَيْنِ) : قَرْيَة من نَاحيَة الْمَدِينَة، وَيُقَال: هِيَ أول قَرْيَة مارت إِسْمَاعِيل وَأمه التَّمْر بِمَكَّة

أمر بنى قينقاع

أَمْرُ بَنِي قَيْنُقَاعَ (نَصِيحَةُ الرَّسُولِ لَهُمْ وَرَدُّهُمْ عَلَيْهِ) : (قَالَ) [1] : وَقَدْ كَانَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، مِنْ غَزْوِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَهُمْ بِسُوقِ (بَنِي) [1] قَيْنُقَاعَ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، احْذَرُوا مِنْ اللَّهِ مِثْلَ مَا نَزَلَ بِقُرَيْشٍ مِنْ النِّقْمَةِ، وَأَسْلِمُوا، فَإِنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ أَنِّي نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ وَعَهْدِ اللَّهِ إلَيْكُمْ، قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، إنَّكَ تَرَى أَنَّا قَوْمُكَ! لَا يَغُرَّنَّكَ أَنَّكَ لَقِيتُ قَوْمًا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالْحَرْبِ، فَأَصَبْتَ مِنْهُمْ فُرْصَةً، إنَّا وَاَللَّهِ لَئِنْ حَارَبْنَاكَ لَتَعْلَمَنَّ أَنَّا نَحْنُ النَّاسَ. (مَا نَزَلَ فِيهِمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مَوْلًى لِآلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَوْ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا نَزَلَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ إلَّا فِيهِمْ: «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ. قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا 3: 12- 13: أَيْ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُرَيْشٍ «فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ، وَالله يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ» 3: 13. (كَانُوا أَوَّلَ مَنْ نَقَضَ الْعَهْدِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ بَنِي قَيْنُقَاعَ كَانُوا أَوَّلَ يَهُودَ نَقَضُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحَارَبُوا فِيمَا بَيْنَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ. (سَبَبُ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) : قَالَ [2] ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] فِي أ: «قَالَ وَحدثنَا ابْن هِشَام» .

(ما كان من ابن أبى مع الرسول) :

أَبِي عَوْنٍ، قَالَ: كَانَ مِنْ أَمْرِ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْعَرَبِ قَدِمَتْ بِجَلَبٍ [1] لَهَا، فَبَاعَتْهُ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَجَلَسَتْ إلَى صَائِغٍ بِهَا، فَجَعَلُوا يُرِيدُونَهَا عَلَى كَشْفِ وَجْهِهَا، فَأَبَتْ، فَعَمِدَ الصَّائِغُ إلَى طَرَفِ ثَوْبِهَا فَعَقَدَهُ إلَى ظَهْرِهَا، فَلَمَّا قَامَتْ انْكَشَفَتْ سَوْأَتُهَا، فَضَحِكُوا بِهَا، فَصَاحَتْ. فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّائِغِ فَقَتَلَهُ، وَكَانَ يَهُودِيًّا، وَشَدَّتْ الْيَهُودُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَتَلُوهُ، فَاسْتَصْرَخَ أَهْلُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُودِ، فَغَضِبَ الْمُسْلِمُونَ، فَوَقَعَ الشَّرُّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي قَيْنُقَاعَ. (مَا كَانَ مِنْ ابْنِ أُبَيٍّ مَعَ الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَقَامَ إلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بن سَلُولَ، حِينَ أَمْكَنَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَحْسِنْ فِي مَوَالِيَّ، وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، قَالَ: فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَحْسِنْ فِي مُوَالِيَّ، قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنْهُ. فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ دِرْعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ يُقَالُ لَهَا: ذَاتَ الْفُضُولِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْسِلْنِي، وَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رَأَوْا لِوَجْهِهِ ظُلَلًا [2] ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ! أَرْسِلْنِي، قَالَ: لَا وَاَللَّهِ لَا أُرْسِلْكَ حَتَّى تُحْسِنَ فِي موالىّ، أَربع مائَة حاسر [3] وَثَلَاث مائَة دَارِعٍ [4] قَدْ مَنَعُونِي مِنْ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ، إنِّي وَاَللَّهِ امْرُؤٌ أَخْشَى الدَّوَائِرَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُمْ لَكَ.

_ [1] الجلب (بتحريك اللَّام) : كل مَا يجلب للأسواق ليباع فِيهَا. [2] الظلل: جمع ظلة، وَهِي السحابة فِي الأَصْل، فاستعارها هُنَا لتغير الْوَجْه إِلَى السوَاد إِذا اشْتَدَّ غَضَبه ويروى: ظلالا، وَهِي بمعناها. [3] الحاسر: الّذي لَا درع لَهُ. [4] الدارع: الّذي عَلَيْهِ الدرْع.

(مدة حصارهم) :

(مُدَّةُ حِصَارِهِمْ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي مُحَاصَرَتِهِ إيَّاهُمْ بَشِيرَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، وَكَانَتْ مُحَاصَرَتُهُ إيَّاهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. (تَبَرُّؤُ ابْنِ الصَّامِتِ مِنْ حِلْفِهِمْ وَمَا نَزَلَ فِيهِ وَفِي ابْنِ أُبَيٍّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ ابْن الصَّامِتِ، قَالَ: لَمَّا حَارَبَتْ بَنُو قَيْنُقَاعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَشَبَّثَ بِأَمْرِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بن سَلُولَ، وَقَامَ دُونَهُمْ. قَالَ: وَمَشَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي عَوْفٍ، لَهُمْ مِنْ حِلْفِهِ مِثْلُ الَّذِي لَهُمْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَخَلَعَهُمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَبَرَّأَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حِلْفِهِمْ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَوَلَّى اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَأَبْرَأُ مِنْ حِلْفِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ وَوِلَايَتِهِمْ. قَالَ: فَفِيهِ وَفِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ مِنْ الْمَائِدَةِ «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ، وَمن يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» 5: 51- 52 أَيْ لِعَبْدِ اللَّهِ [1] بْنِ أُبَيٍّ وَقَوْلُهُ: إنِّي أَخْشَى الدَّوَائِرَ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ، فَيُصْبِحُوا عَلى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ. وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ 5: 52- 53، ثُمَّ الْقِصَّةُ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ 5: 55. وَذَكَرَ [2] لِتُوَلِّي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا، وَتَبَرُّئِهِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ

_ [1] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «كَعبد» . [2] فِي م، ر: «وَذَلِكَ» . 4- سيرة ابْن هِشَام- 2

سرية زيد بن حارثة إلى القردة

وَحِلْفِهِمْ وَوِلَايَتِهِمْ: وَمن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ 5: 56. سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى الْقَرَدَةِ (إصَابَةُ زَيْدٍ لِلْعِيرِ وَإِفْلَاتُ الرِّجَالِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الَّتِي بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا، حَيْنَ أَصَابَ عِيرَ قُرَيْشٍ، وَفِيهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، عَلَى الْقَرَدَةِ، مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ نَجْدٍ. وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا: أَنَّ قُرَيْشًا خَافُوا طَرِيقَهُمْ الَّذِي كَانُوا يَسْلُكُونَ إلَى الشَّأْمِ، حِينَ كَانَ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ مَا كَانَ، فَسَلَكُوا طَرِيقَ الْعِرَاقِ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ تُجَّارٌ، فِيهِمْ: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَمَعَهُ فِضَّةٌ كَثِيرَةٌ، وَهِيَ عُظْمُ تِجَارَتِهِمْ، وَاسْتَأْجَرُوا رَجُلًا مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، يُقَالُ لَهُ: فُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ [1] يَدُلُّهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى الطَّرِيقِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ، مِنْ بَنِي عِجْلٍ، حَلِيفٌ لِبَنِي سَهْمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَلَقِيَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ، فَأَصَابَ تِلْكَ الْعِيرَ وَمَا فِيهَا، وَأَعْجَزَهُ الرِّجَالُ، فَقَدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (شِعْرُ حَسَّانَ فِي تَأْنِيبِ قُرَيْشٍ) : - فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ بَعْدَ أُحُدٍ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ الْآخِرَةِ يُؤَنِّبُ قُرَيْشًا لِأَخْذِهِمْ تِلْكَ الطَّرِيقِ: دَعُو فَلَجَاتِ الشَّامِ قَدْ حَالَ دُونَهَا ... جَلَّادٌ كَأَفْوَاهِ الْمَخَاضِ الْأَوَارِكِ [2] بِأَيْدِي رِجَالٍ هَاجَرُوا نَحْوَ رَبِّهِمْ ... وَأَنْصَارِهِ حَقَّا وَأَيْدِي الْمَلَائِكِ

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «حبَان» بِالْبَاء الْمُوَحدَة. وهما رِوَايَتَانِ فِيهِ، إِلَّا أَن مَا أَثْبَتْنَاهُ أشهر. [2] الفلجات: جمع فلجة، وَهِي الْعين الْجَارِيَة. والمخاض: الْإِبِل الْحَوَامِل. والأوارك: الَّتِي ترعى الْأَرَاك، وَهُوَ شجر تتَّخذ من أغصانه المساويك.

مقتل كعب بن الأشرف

إذَا سَلَكَتْ لِلْغَوْرِ مِنْ بَطْنِ عَالِجٍ ... فَقُولَا لَهَا لَيْسَ الطّريق لَك [1] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، نَقَضَهَا عَلَيْهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَسَنَذْكُرُهَا وَنَقِيضَتُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ (فِي) [2] مَوْضِعِهَا. مُقْتَلُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ (اسْتِنْكَارُهُ خَبَرَ رَسُولَيْ الرَّسُولِ بِقَتْلِ نَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: [3] وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ: أَنَّهُ لَمَّا أُصِيبَ أَصْحَابُ بَدْرٍ، وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ إلَى أَهْلِ السَّافِلَةِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ إلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ بَشِيرَيْنِ، بَعَثَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَنْ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِفَتْحِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ، وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، كَمَا حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغِيثِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الظَّفَرِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بن أَبى بكرين مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَصَالِحُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، كُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي بَعْضَ حَدِيثِهِ، قَالُوا: قَالَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، وَكَانَ رَجُلًا مِنْ طيِّئ، ثُمَّ أَحَدَ بَنِي نَبْهَانَ، وَكَانَتْ أُمُّهُ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ: أَحَقٌّ هَذَا؟ أَتَرَوْنَ مُحَمَّدًا قَتَلَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُسَمَّى هَذَانِ الرَّجُلَانِ- يَعْنِي زَيْدًا وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ- فَهَؤُلَاءِ أَشْرَافُ الْعَرَبِ وَمُلُوكُ النَّاسِ، وَاَللَّهِ لَئِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ أَصَابَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ، لَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا. (شِعْرُهُ فِي التَّحْرِيضِ عَلَى الرَّسُولِ) : فَلَمَّا تَيَقَّنَ عَدُوُّ اللَّهِ الْخَبَرَ، خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَنَزَلَ عَلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَةَ السَّهْمِيِّ، وَعِنْدَهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، فَأَنْزَلَتْهُ وَأَكْرَمَتْهُ، وَجَعَلَ يُحَرِّضُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ

_ [1] الْغَوْر: المنخفض من الأَرْض. وعالج: مَوضِع بِهِ رمل كثير. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] زَادَت م، ر قبل هَذِه الْكَلِمَة: «وَقَالَ كَعْب بن الْأَشْرَف» .

(شعر حسان في الرد عليه) :

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُنْشِدُ الْأَشْعَارَ، وَيَبْكِي أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ، الَّذِينَ أُصِيبُوا بِبَدْرِ، فَقَالَ: طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِكِ أَهْلِهِ ... وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلُّ وَتَدْمَعُ [1] قُتِلَتْ سَرَاةُ النَّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِمْ ... لَا تَبْعَدُوا إنَّ الْمُلُوكَ تُصَرَّعُ كَمْ قَدْ أُصِيبَ بِهِ مِنْ أَبْيَضَ مَاجِدٍ ... ذِي بَهْجَةٍ يَأْوِي إلَيْهِ الضُّيَّعُ [2] طَلْقُ الْيَدَيْنِ إذَا الْكَوَاكِبُ أَخْلَفَتْ ... حَمَّالُ أَثْقَالٍ يَسُودُ وَيَرْبَعُ [3] وَيَقُولُ أَقْوَامٌ أُسَرُّ بِسَخَطِهِمْ ... إنَّ ابْنَ الْأَشْرَفِ ظَلَّ كَعْبًا يَجْزَعُ صَدَقُوا فَلَيْتَ الْأَرْضُ سَاعَةَ قُتِّلُوا ... ظَلَّتْ تَسُوخُ بِأَهْلِهَا وَتُصَدَّعُ صَارَ الَّذِي أَثَرَ الْحَدِيثَ بِطَعْنِهِ ... أَوْ عَاشَ أَعْمَى مُرْعَشًا لَا يَسْمَعُ نُبِّئْتُ أَنَّ بَنِي الْمُغِيرَةِ كُلَّهُمْ ... خَشَعُوا لِقَتْلِ أَبِي الْحَكِيمِ وَجُدِّعُوا [4] وَابْنَا رَبِيعَةَ عِنْدَهُ وَمُنَبِّهٌ ... مَا نَالَ مِثْلَ الْمُهْلِكِينَ وَتُبَّعُ [5] نُبِّئْتُ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامِهِمْ ... فِي النَّاسِ يَبْنِي الصَّالِحَاتِ وَيَجْمَعُ لِيَزُورَ يَثْرِبَ بِالْجُمُوعِ وَإِنَّمَا ... يَحْمَى عَلَى الْحَسَبِ الْكَرِيمُ الْأَرْوَعُ [6] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «تُبَّعُ» ، «وَأُسِرَّ بِسَخَطِهِمْ» . عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. (شِعْرُ حَسَّانَ فِي الرِّدِّ عَلَيْهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ:

_ [1] رحى الْحَرْب. معظمها ومجتمع الْقِتَال. وتسهل: تسيل بالدمع. [2] الضيع: جمع ضائع، وَهُوَ الْفَقِير. [3] طلق الْيَدَيْنِ، أَي كثير الْمَعْرُوف. وأخلفت: أَي لم يكن مَعهَا مطر، على مَا كَانَت وَالْعرب تنْسب إِلَى هَذِه الْكَوَاكِب. ويربع: أَي يَأْخُذ الرّبع، أَي أَنه كَانَ رَئِيسا، لِأَن الرئيس فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَ يأخر ربع الْغَنِيمَة. [4] التجديع: قطع الْأنف. وَأَرَادَ بِهِ هُنَا: ذهَاب عزهم. [5] تبع: ملك من مُلُوك الْيمن. [6] الأروع: الّذي يروعك بحسنة وجماله.

(شعر ميمونة في الرد على كعب) :

أَبَكَى لِكَعْبٍ [1] ثُمَّ عُلَّ [2] بِعَبْرَةٍ ... مِنْهُ وَعَاشَ مُجَدَّعًا لَا يَسْمَعُ؟ وَلَقَدْ رَأَيْتُ بِبَطْنِ بَدْرٍ مِنْهُمْ ... قَتْلَى تَسُحُّ لَهَا الْعُيُونُ وَتَدْمَعُ [3] فَابْكِي فَقَدْ أَبَكَيْتَ عَبْدًا رَاضِعًا ... شِبْهَ الْكُلَيْبِ إلَى الْكُلَيْبَةِ يَتْبَعُ وَلَقَدْ شَفَى الرَّحْمَنُ مِنَّا سَيِّدًا ... وَأَهَانَ قَوْمًا قَاتَلُوهُ وَصُرِّعُوا وَنَجَا وَأُفْلِتَ مِنْهُمْ مَنْ قَلْبُهُ ... شَغَفٌ [4] يَظَلُّ لِخَوْفِهِ يَتَصَدَّعُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِحَسَّانَ [5] . وَقَوْلُهُ «أَبَكَى لِكَعْبِ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. (شِعْرُ مَيْمُونَةَ فِي الرِّدِّ عَلَى كَعْبٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي مُرَيْدٍ [6] ، بَطْنٌ مِنْ بَلِيٍّ، كَانُوا حَلْفَاءَ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، يُقَالُ لَهُمْ: الْجَعَادِرَةُ، تُجِيبُ كَعْبًا- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: اسْمُهَا مَيْمُونَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لَهَا، وَيُنْكِرُ نَقِيضَتَهَا لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ: تَحَنَّنَ هَذَا الْعَبْدُ كُلَّ تَحَنُّنٍ ... يُبَكَّى عَلَى قَتْلَى وَلَيْسَ بِنَاصِبِ بَكَتْ عَيْنُ مَنْ يَبْكِي لِبَدْرٍ وَأَهْلُهُ ... وَعُلَّتْ بِمِثْلِيِّهَا لُؤَيُّ بْنُ غَالِبِ فَلَيْتَ الَّذِينَ ضُرِّجُوا بِدِمَائِهِمْ ... يَرَى مَا بِهِمْ مَنْ كَانَ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ [7] فَيَعْلَمُ حَقًّا عَنْ يَقِينٍ وَيُبْصِرُوا ... مَجَرَّهُمْ فَوْقَ اللِّحَى وَالْحَوَاجِبِ

_ [1] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «أبكاه كَعْبًا» . وَفِي الرَّوْض: «بَكَى كَعْبًا» . قَالَ السهيليّ: «وَفِيه دُخُول زحاف على زحاف، وَهُوَ غَرِيب فِي الزحاف، فَإِنَّهُ زحاف سهل زحافا، وَلَوْلَا الزحاف الّذي هُوَ الْإِضْمَار مَا جَازَ الْبَتَّةَ حذف الرَّابِع من متفاعلن» . [2] عل، من الْعِلَل، وَهُوَ الشّرْب بعد الشّرْب، يُرِيد الْبكاء بعد الْبكاء. [3] تسح: تصب. [4] كَذَا فِي الْأُصُول. قَالَ أَبُو ذَر. من رَوَاهُ بِالْعينِ الْمُهْملَة، فَمَعْنَاه: محترق ملتهب. وَمن رَوَاهُ بالغين الْمُعْجَمَة، فَمَعْنَاه: أَن الْحزن بلغ إِلَى شغَاف قلبه، والشغاف: حجاب الْقلب. [5] قد بحثنا فِي شعر حسان فَلم نجد هَذِه القصيدة. [6] يرْوى بِفَتْح الرَّاء وَكسرهَا، وَالصَّوَاب الأول. [7] ضرجوا: لطخوا. والأخاشب: يُرِيد: الأخشبين، وهما جبلان بِمَكَّة، وجمعهما هُنَا مَعَ مَا حولهما.

(شعر كعب في الرد على ميمونة) :

(شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرِّدِّ عَلَى مَيْمُونَةَ) : فَأَجَابَهَا كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، فَقَالَ: أَلَا فَازْجُرُوا مِنْكُمْ سَفِيهًا لِتَسْلَمُوا ... عَنْ الْقَوْلِ يَأْتِي مِنْهُ غَيْرَ مُقَارِبِ [1] أَتَشْتُمُنِي أَنْ كُنْتُ أَبْكِي بِعَبْرَةٍ ... لِقَوْمٍ أَتَانِي وُدُّهُمْ غَيْرَ كَاذِبِ فَإِنِّي لَبَاكٍ مَا بَقِيتُ وَذَاكِرٌ ... مَآثِرَ قَوْمٍ مَجْدُهُمْ بِالْجَبَاجِبِ [2] لَعَمْرِي لَقَدْ كَانَتْ مُرَيْدٌ بِمَعْزِلٍ ... عَنْ الشَّرِّ فَاحْتَالَتْ [3] وُجُوهَ الثَّعَالِبِ فَحُقَّ مُرَيْدٌ أَنْ تُجَدَّ [4] أُنُوفُهُمْ ... بِشَتْمِهِمْ حَيِيِّ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ وَهَبْتُ نَصِيبِي مِنْ مُرَيْدٍ لِجَعْدَرٍ ... وَفَاءً وَبَيْتُ اللَّهِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ (تَشْبِيبُ كَعْبٍ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحِيلَةُ فِي قَتْلِهِ) : ثُمَّ رَجَعَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ إلَى الْمَدِينَةِ فَشَبَّبَ [5] بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى آذَاهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغِيثِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ مَنْ لِي بِابْنِ الْأَشْرَفِ؟ فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ: أَنَا لَكَ بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَقْتُلُهُ، قَالَ: فَافْعَلْ إنْ قَدَرْتَ عَلَى ذَلِكَ [6] . فَرَجَعَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَمَكَثَ ثَلَاثًا لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ إلَّا مَا يُعْلِقُ بِهِ نَفْسَهُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: لِمَ تَرَكْتَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ؟ فَقَالَ:

_ [1] يُرِيد «بالسفيه» : مَيْمُونَة، قائلة الشّعْر السَّابِق، وَذكر لِأَنَّهُ حمل ذَلِك على معنى الشَّخْص، والشخص يذكر وَيُؤَنث. [2] الجباجب: منَازِل مَكَّة. [3] كَذَا فِي م، ر. واحتالت: تَغَيَّرت. وَفِي سَائِر الْأُصُول «فاختالت» بِالْحَاء الْمُعْجَمَة، وَهُوَ من الاختيال، بِمَعْنى الزهو. ويروى: «فاجتالت» بِالْجِيم، واجتال الشَّيْء: تحرّك. ونصبت «وُجُوه الثعالب» على الذَّم. [4] فِي أ: «تجذ» . [5] يرْوى أَنه شَبَّبَ بِأم الْفضل زوج الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، فَقَالَ: أراحل أَنْت لم ترحل لمنقبة ... وتارك أَنْت أم الْفضل بِالْحرم فِي أَبْيَات لَهُ. [6] قَالَ السهيليّ: «فِي هَذِه من الْفِقْه وجوب قتل من سبّ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِن كَانَ ذَا عهد، خلافًا لأبى حنيفَة رَحمَه الله، فَإِنَّهُ لَا يرى قتل الذِّمِّيّ فِي مثل هَذَا» .

يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْتُ لَكَ قَوْلًا لَا أَدْرِي هَلْ أَفِيَنَّ لَكَ بِهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: إنَّمَا عَلَيْكَ الْجَهْدُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُ لَا بُدَّ لَنَا مِنْ أَنْ نَقُولَ: قَالَ: قُولُوا مَا بَدَا لَكُمْ، فَأَنْتُمْ فِي حِلٍّ مِنْ ذَلِكَ. فَاجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَسِلْكَانُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ، وَهُوَ أَبُو نَائِلَةَ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَكَانَ أَخَا كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ ابْن مُعَاذٍ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَأَبُو عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ [1] ، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ، ثُمَّ قَدَّمُوا إلَى عَدُوِّ اللَّهِ كَعْب بن لأشرف، قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُ، سِلْكَانَ بْنَ سَلَامَةَ، أَبَا نَائِلَةَ، فَجَاءَهُ، فَتَحَدَّثَ مَعَهُ سَاعَةً، وَتَنَاشَدُوا شِعْرًا، وَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ يَقُولُ الشِّعْرَ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ يَا بن الْأَشْرَفِ! إنِّي قَدْ جِئْتُكَ لِحَاجَةِ أُرِيدُ ذِكْرَهَا لَكَ، فَاكْتُمْ عَنِّي، قَالَ: أَفْعَلُ، قَالَ: كَانَ قُدُومُ هَذَا الرَّجُلِ عَلَيْنَا بَلَاءً مِنْ الْبَلَاءِ، عَادَتْنَا بِهِ الْعَرَبُ، وَرَمَتْنَا عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، وَقَطَعَتْ عَنَّا السُّبُلَ حَتَّى ضَاعَ الْعِيَالُ، وَجُهِدَتْ الْأَنْفُسُ، وَأَصْبَحْنَا قَدْ جُهِدْنَا وَجُهِدَ عِيَالُنَا، فَقَالَ كَعْبٌ: أَنَا ابْنُ الْأَشْرَفِ، أَمَا وَاَللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أُخْبِرُكَ يَا بن سَلَامَةَ أَنَّ الْأَمْرَ سَيَصِيرُ إلَى مَا أَقُولُ، فَقَالَ لَهُ سِلْكَانُ: إنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ تَبِيعَنَا طَعَامًا وَنَرْهَنَكَ وَنُوثِقَ لَكَ، وَنُحْسِنُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: أترهنوني أَبْنَاءَكُمْ؟ قَالَ: لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَفْضَحَنَا إنَّ مَعِي أَصْحَابًا لِي عَلَى مِثْلِ رَأْيِي، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ آتِيَكَ بِهِمْ، فَتَبِيعُهُمْ وَتُحْسِنُ فِي ذَلِكَ، وَنَرْهَنُكَ مِنْ الْحَلْقَةِ [2] مَا فِيهِ وَفَاءٌ، وَأَرَادَ سِلْكَانُ أَنْ لَا يُنْكِرَ السِّلَاحَ إذَا جَاءُوا بِهَا، قَالَ: إنَّ فِي الْحَلْقَةِ لَوَفَاءً، قَالَ: فَرَجَعَ سِلْكَانُ إلَى أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَهُ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا السِّلَاحَ، ثُمَّ يَنْطَلِقُوا فَيَجْتَمِعُوا إلَيْهِ، فَاجْتَمَعُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَام: وَيُقَال: أترهنوني نِسَاءَكُمْ؟ قَالَ: كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا، وَأَنْتَ أَشَبُّ أَهْلِ يَثْرِبَ وأعطوهم، قَالَ: أترهنوني أَبْنَاءَكُمْ؟ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ

_ [1] فِي م: «حبر» بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَهُوَ تَصْحِيف. (رَاجع الِاسْتِيعَاب) . [2] يُرِيد «بالحلقة» : السِّلَاح كُله، وَأَصلهَا فِي الدروع.

مَشَى مَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، ثُمَّ وَجَّهَهُمْ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ، اللَّهمّ أَعِنْهُمْ، ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَيْتِهِ، وَهُوَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ، وَأَقْبَلُوا حَتَّى انْتَهَوْا إلَى حِصْنِهِ، فَهَتَفَ بِهِ أَبُو نَائِلَةَ، وَكَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، فَوَثَبَ فِي [1] مِلْحَفَتِهِ، فَأَخَذَتْ امْرَأَتُهُ [2] بِنَاحِيَتِهَا، وَقَالَتْ: إنَّكَ امْرُؤٌ مُحَارِبٌ، وَإِنَّ أَصْحَابَ الْحَرْبِ لَا يَنْزِلُونَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ، قَالَ: إنَّهُ أَبُو نَائِلَةَ، لَوْ وَجَدَنِي نَائِمًا لَمَا أَيْقَظَنِي، فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ إنِّي لَأَعْرِفُ فِي صَوْتِهِ الشَّرَّ، قَالَ: يَقُولُ لَهَا كَعْبٌ: لَوْ يُدْعَى الْفَتَى لِطَعْنَةٍ لَأَجَابَ. فَنَزَلَ فَتَحَدَّثَ مَعَهُمْ سَاعَةً، وَتَحَدَّثُوا مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ يَا بن الْأَشْرَفِ أَنْ تَتَمَاشَى إلَى شِعْبِ الْعَجُوزِ [3] ، فَنَتَحَدَّثَ بِهِ بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ؟ قَالَ: إنْ شِئْتُمْ. فَخَرَجُوا يَتَمَاشَوْنَ، فَمَشَوْا سَاعَةً، ثُمَّ إنَّ أَبَا نَائِلَةَ شَامَ [4] يَدَهُ فِي فَوْدِ رَأْسِهِ، ثُمَّ شَمَّ يَدَهُ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَاللَّيْلَةِ طِيبًا أَعْطَرَ قَطُّ، ثُمَّ مَشَى سَاعَةً، ثُمَّ عَادَ لِمِثْلِهَا حَتَّى اطْمَأَنَّ، ثُمَّ مَشَى سَاعَةً، ثُمَّ عَادَ لِمِثْلِهَا، فَأَخَذَ بِفَوْدِ رَأْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: اضْرِبُوا عَدُوَّ اللَّهِ، فَضَرَبُوهُ، فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ [5] أَسْيَافُهُمْ، فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَذَكَرْتُ مِغْوَلًا [6] فِي سَيْفِي، حِينَ رَأَيْتُ أَسْيَافَنَا لَا تُغْنِي شَيْئًا، فَأَخَذْتُهُ، وَقَدْ صَاحَ عَدُوُّ اللَّهِ صَيْحَةً لَمْ يَبْقَ حَوْلَنَا حِصْنٌ إلَّا وَقَدْ أُوقِدَتْ عَلَيْهِ نَارٌ قَالَ: فَوَضَعْتُهُ فِي ثُنَّتِهِ [7] ثُمَّ تَحَامَلْتُ عَلَيْهِ حَتَّى بَلَغْتُ عَانَتَهُ فَوَقَعَ عَدُوُّ اللَّهِ، وَقَدْ أُصِيبَ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ، فَجُرِحَ فِي رَأْسِهِ أَوْ فِي رِجْلِهِ، أَصَابَهُ بَعْضُ أَسْيَافِنَا. قَالَ: فَخَرَجْنَا حَتَّى سَلَكْنَا عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ،

_ [1] فِي ر: «عَلَيْهِ» . وَفِي م: «إِن» . وَهُوَ تَحْرِيف. [2] فِي م، ر: «امْرَأَة» . [3] شعب الْعَجُوز: بِظَاهِر الْمَدِينَة. [4] شام يَده: أدخلها. [5] فِي م، ر: «عَلَيْهِم» . [6] المغول: السكين الَّتِي تكون فِي السَّوْط. [7] الثنة: مَا بَين السُّرَّة والعانة.

(شعر كعب بن مالك في مقتل ابن الأشرف) :

ثُمَّ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، ثُمَّ عَلَى بُعَاثٍ حَتَّى أَسْنَدْنَا [1] فِي حَرَّةِ [2] الْعَرِيضِ [3] ، وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْنَا صَاحِبُنَا الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ، وَنَزَفَهُ [4] الدَّمُ، فَوَقَفْنَا لَهُ سَاعَةً، ثُمَّ أَتَانَا يَتْبَعُ آثَارَنَا. قَالَ: فَاحْتَمَلْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرَ اللَّيْلِ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَخَرَجَ إلَيْنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَتْلِ عَدُوِّ اللَّهِ، وَتَفَلَ عَلَى جُرْحِ صَاحِبِنَا، فَرَجَعَ وَرَجَعْنَا إلَى أَهْلِنَا فَأَصْبَحْنَا وَقَدْ خَافَتْ يَهُودُ لِوَقْعَتِنَا بِعَدُوِّ اللَّهِ، فَلَيْسَ بِهَا يَهُودِيٌّ إلَّا وَهُوَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ. (شِعْرُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي مَقْتَلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَغُودِرَ مِنْهُمْ كَعْبٌ صَرِيعًا ... فَذَلَّتْ بَعْدَ مَصْرَعِهِ النَّضِيرُ عَلَى الْكَفَّيْنِ ثَمَّ وَقَدْ عَلَتْهُ ... بِأَيْدِينَا مُشْهَرَةٌ ذُكُورُ بِأَمْرِ مُحَمَّدٍ إذْ دَسَّ لَيْلًا ... إلَى كَعْبٍ أَخَا كَعْب يسير فماكره فَأَنْزَلَهُ بِمَكْرٍ ... وَمَحْمُودٌ أَخُو ثِقَةٍ جَسُورُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي يَوْمِ بَنِي النَّضِيرِ، سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي حَدِيثِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. (شِعْرُ حَسَّانَ فِي مُقْتَلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ وَابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَذْكُرُ قَتْلَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَقَتْلَ سَلَّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ: للَّه دَرُّ عِصَابَةٍ لَاقَيْتهمْ ... يَا بن الْحُقَيْقِ وَأَنْتَ يَا بن الْأَشْرَفِ يَسْرُونَ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ إلَيْكُمْ ... مَرَحًا كَأُسْدٍ فِي عَرِينٍ مُغْرِفِ [5] حَتَّى أَتَوْكُمْ فِي مَحِلِّ بِلَادِكُمْ ... فَسَقَوْكُمْ حَتْفًا بِبِيضٍ ذُفَّفِ [6]

_ [1] أسندنا: ارتفعنا. [2] الْحرَّة: أَرض فِيهَا حِجَارَة سود. [3] العريض: وَادي الْمَدِينَة. [4] نزفه: أضعفه بِكَثْرَة سيلانه. [5] العرين: مَوضِع الْأسد. ومغرف: ملتف الشّجر. [6] يُرِيد «بالبيض» : السيوف. وذفف: سريعة الْقَتْل.

أمر محيصة وحويصه

مُسْتَنْصِرِينَ لِنَصْرِ دِينِ نَبِيِّهِمْ ... مُسْتَصْغَرِينَ لِكُلِّ أَمْرٍ مُجْحِفِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَسَأَذْكُرُ قَتْلَ سَلَّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَوْلُهُ: «ذُفَّفِ» ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. أَمْرُ مُحَيِّصَةَ وَحُوَيِّصَةَ (لَوْمُ حُوَيِّصَةَ لِأَخِيهِ مُحَيِّصَةَ لِقَتْلِهِ يَهُودِيًّا ثُمَّ إسْلَامُهُ) ، قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ ظَفَرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجَالِ يَهُودَ فَاقْتُلُوهُ، فَوَثَبَ مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: (مُحَيِّصَةُ) [1] ، وَيُقَالُ: مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ- عَلَى ابْنِ سُنَيْنَةَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ سُبَيْنَةُ [2]- رَجُلٌ مِنْ تُجَّارِ يَهُودَ، كَانَ يُلَابِسُهُمْ وَيُبَايِعُهُمْ فَقَتَلَهُ وَكَانَ حُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إذْ ذَاكَ لَمْ يُسْلِمْ، وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ مُحَيِّصَةَ، فَلَمَّا قَتَلَهُ جَعَلَ حُوَيِّصَةَ يَضْرِبُهُ، وَيَقُولُ: أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ، أَقَتَلْتَهُ، أَمَا وَاَللَّهِ لَرُبَّ شَحْمٍ فِي بَطْنِكَ مِنْ مَالِهِ. قَالَ مُحَيِّصَةُ، فَقُلْتُ: وَاَللَّهِ لَقَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ مَنْ لَو أمرنى يقتلك لَضَرَبْتُ عُنُقك، قَالَ: فو الله إنْ كَانَ لِأَوَّلِ إسْلَامِ حويّصة قَالَ: آو للَّه لَوْ أَمَرَكَ مُحَمَّدٌ بِقَتْلِي لَقَتَلْتَنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَاَللَّهِ لَوْ أَمَرَنِي بِضَرْبِ عُنُقِكَ لَضَرَبْتُهَا! قَالَ: وَاَللَّهِ إنَّ دِينًا بَلَغَ بِكَ هَذَا لَعَجَبٌ، فَأَسْلَمَ حُوَيِّصَةُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ مَوْلًى لِبَنِي حَارِثَةَ، عَنْ ابْنِهِ مُحَيِّصَةَ، عَنْ أَبِيهَا مُحَيِّصَةَ. (شِعْرُ مُحَيِّصَةَ فِي لَوْمِ أَخِيهِ لَهُ) . فَقَالَ مُحَيِّصَةُ فِي ذَلِكَ:

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول. «شبينة» وَظَاهر أَن كليهمَا محرف عَن «شنينة» بنونين. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) ..

(رواية أخرى في إسلام حويصة) :

يَلُومُ ابْنُ أُمِّي لَوْ أُمِرْتُ بِقَتْلِهِ ... لَطَبَّقْتُ ذِفْرَاهُ بِأَبْيَضَ قَاضِبِ [1] حُسَامٍ كَلَوْنِ الْمِلْحِ أُخْلِصَ صَقْلُهُ ... مَتَى مَا أُصَوِّبْهُ فَلَيْسَ بِكَاذِبِ وَمَا سَرَّنِي أَنِّي قَتَلْتُكَ طَائِعًا ... وَأَنَّ لَنَا مَا بَيْنَ بُصْرَى وَمَأْرِبِ (رِوَايَةٌ أُخْرَى فِي إسْلَامِ حُوَيِّصَةَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيِّ، قَالَ: لَمَّا ظَفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَنِي قُرَيْظَةَ أَخَذَ مِنْهُمْ نَحْوًا من أَربع مائَة رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ، وَكَانُوا حَلْفَاءَ الْأَوْسِ عَلَى الْخَزْرَجِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ تُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ، فَجَعَلَتْ الْخَزْرَجُ تَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ وَيَسُرُّهُمْ ذَلِكَ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْخَزْرَجِ وَوُجُوهُهُمْ مُسْتَبْشِرَةٌ، وَنَظَرَ إلَى الْأَوْسِ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ فِيهِمْ، فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لِلْحِلْفِ الَّذِي بَيْنَ الْأَوْسِ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ إلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَدَفَعَهُمْ إلَى الْأَوْسِ، فَدَفَعَ إلَى كُلِّ رَجُلَيْنِ مِنْ الْأَوْسِ رَجُلًا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَقَالَ: لِيَضْرِبَ فُلَانٌ وَلْيُذَفِّفْ فُلَانٌ فَكَانَ مِمَّنْ دَفَعَ إلَيْهِمْ كَعْبُ بْنُ يَهُوذَا، وَكَانَ عَظِيمًا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَدَفَعَهُ إلَى مُحَيِّصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَإِلَى أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ- وَأَبُو بُرْدَةَ الَّذِي رَخَّصَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ يَذْبَحَ جَذَعًا مِنْ الْمَعْزِ فِي الْأَضْحَى- وَقَالَ: لِيَضْرِبَهُ مُحَيِّصَةُ وَلِيُذَفِّفْ عَلَيْهِ أَبُو بُرْدَةَ، فَضَرَبَهُ مُحَيِّصَةُ ضَرْبَةً لَمْ تَقْطَعْ، وَذَفَّفَ أَبُو بُرْدَةَ فَأَجْهَزَ عَلَيْهِ. فَقَالَ حُوَيِّصَةُ، وَكَانَ كَافِرًا، لِأَخِيهِ مُحَيِّصَةَ: أَقَتَلْتَ كَعْبَ ابْنَ يَهُوذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ حُوَيِّصَةُ: أَمَا وَاَللَّهِ لَرُبَّ شَحْمٍ قَدْ نَبَتَ فِي بَطْنِكَ مِنْ مَالِهِ، إنَّكَ لَلَئِيمٌ يَا مُحَيِّصَةُ، فَقَالَ لَهُ مُحَيِّصَةُ: لَقَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ مَنْ لَو أمرنى بقتلك لَقَتَلْتُكَ، فَعَجِبَ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ ذَهَبَ عَنْهُ مُتَعَجِّبًا. فَذَكَرُوا أَنَّهُ جَعَلَ يَتَيَقَّظُ مِنْ اللَّيْلِ: فَيَعْجَبُ مِنْ قَوْلِ أَخِيهِ مُحَيِّصَةَ. حَتَّى أَصْبَحَ وَهُوَ يَقُولُ: وَاَللَّهِ إنَّ هَذَا لَدِينٌ. ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ، فَقَالَ مُحَيِّصَةُ فِي ذَلِكَ أَبْيَاتًا قَدْ كَتَبْنَاهَا. (الْمُدَّةُ بَيْنَ قدوم الرَّسُول بحران وَغَزْوَةِ أُحُدٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ إقَامَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ قُدُومِهِ مِنْ

_ [1] طبق: قطع وَأصَاب الْمفصل. والذفرى: عظم ناتىء خلف الْأذن. والأبيض القاضب: السَّيْف الْقَاطِع.

غزوة أحد

نَجْرَانَ، جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ، وَغَزَتْهُ قُرَيْشٌ غَزْوَةَ أُحُدٍ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ. غَزْوَةُ أُحُدٍ وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ أُحُدٍ، كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ابْن حِبَّانَ وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَالْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا، كُلُّهُمْ قَدْ حَدَّثَ بَعْضَ الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ، وَقَدْ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ كُلُّهُ فِيمَا سُقْتُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالُوا، أَوْ مَنْ قَالَهُ مِنْهُمْ: (التَّحْرِيضُ عَلَى غَزْوِ الرَّسُولِ) : لَمَّا أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ، وَرَجَعَ فَلُّهُمْ إلَى مَكَّةَ، وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِعِيرِهِ، مَشَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، مِمَّنْ أُصِيبَ آبَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَكَلَّمُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ فِي تِلْكَ الْعِيرِ مِنْ قُرَيْشٍ تِجَارَةٌ، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنَّ مُحَمَّدًا قَدْ وَتَرَكُمْ، وَقَتَلَ خِيَارَكُمْ، فَأَعِينُونَا بِهَذَا الْمَالِ عَلَى حَرْبِهِ، فَلَعَلَّنَا نُدْرِكُ مِنْهُ ثَأْرَنَا بِمَنْ أَصَابَ مِنَّا، فَفَعَلُوا. (مَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَفِيهِمْ، كَمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً، ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ» 8: 36. (اجْتِمَاعُ قُرَيْشٍ لِلْحَرْبِ) : فَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِحَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ

(خروج قريش معهم نساؤهم) :

ابْنُ حَرْبٍ، وَأَصْحَابُ الْعِيرِ بِأَحَابِيشِهَا [1] ، وَمَنْ أَطَاعَهَا مِنْ قَبَائِلِ كِنَانَةَ، وَأَهْلِ تِهَامَةَ، وَكَانَ أَبُو عَزَّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُمَحِيُّ قَدْ مَنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ فَقِيرًا ذَا عِيَالٍ وَحَاجَةٍ، وَكَانَ فِي الْأُسَارَى فَقَالَ: إنِّي فَقِيرٌ ذُو عِيَالٍ وَحَاجَةٍ قَدْ عَرَفْتَهَا فَامْنُنْ عَلَيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَسَلَّمَ، فَمَنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ: يَا أَبَا عَزَّةَ إنَّكَ امْرُؤٌ شَاعِرٌ، فَأُعِنَّا بِلِسَانِكَ، فَاخْرُجْ مَعَنَا، فَقَالَ: إنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَنَّ عَلَيَّ فَلَا أُرِيدُ أَنْ أُظَاهِرَ عَلَيْهِ، قَالَ: (بَلَى) [2] فَأَعِنَّا بِنَفْسِكَ، فَلَكَ اللَّهُ عَلَيَّ إنْ رَجَعْتُ أَنْ أُغْنِيَكَ، وَإِنْ أُصِبْتَ أَنْ أَجَعَلَ بَنَاتِكَ مَعَ بَنَاتِي، يُصِيبُهُنَّ مَا أَصَابَهُنَّ مِنْ عُسْرٍ وَيُسْرٍ. فَخَرَجَ أَبُو عَزَّةَ فِي تِهَامَةَ، وَيَدْعُو بَنِي كِنَانَةَ وَيَقُولُ: إيهًا [3] بَنِي عَبْدِ مَنَاةَ الرُّزَّامِ ... أَنْتُمْ حُمَاةٌ وَأَبُوكُمْ حَامْ [4] لَا تَعْدُونِي نَصَّرَكُمْ بَعْدَ الْعَامِ ... لَا تُسْلِمُونِي لَا يَحِلُّ إسْلَامْ وَخَرَجَ مُسَافِعُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ إلَى بَنِي مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ، يُحَرِّضُهُمْ وَيَدْعُوهُمْ إلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مَالُ، مَالُ الْحَسَبَ الْمُقَدَّمِ ... أَنْشُدُ ذَا الْقُرْبَى وَذَا التَّذَمُّمْ [5] مَنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ وَمَنْ لَمْ يَرْحَمْ ... الْحِلْفَ وَسْطَ الْبَلَدِ الْمُحَرَّمْ عِنْدَ حَطِيمِ الْكَعْبَةِ الْمُعَظَّمْ وَدَعَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ غُلَامًا لَهُ حَبَشِيًّا يُقَالُ لَهُ: وَحْشِيٌّ، يَقْذِفُ بِحَرْبَةِ لَهُ قَذْفَ الْحَبَشَةِ، قَلَّمَا يُخْطِئُ بِهَا، فَقَالَ لَهُ: اُخْرُجْ مَعَ النَّاسِ، فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْتُ حَمْزَةَ عَمَّ مُحَمَّدٍ بِعَمِّي طُعَيْمَةَ بْنِ عَدِيٍّ، فَأَنْتَ عَتِيقٌ. (خُرُوجُ قُرَيْشٍ مَعَهُمْ نِسَاؤُهُمْ) : (قَالَ) [2] فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ بِحَدِّهَا وَجَدِّهَا وَحَدِيدِهَا وَأَحَابِيشِهَا، وَمَنْ تَابَعَهَا

_ [1] يُرِيد «بأحابيشها» : من اجْتمع إِلَى الْعَرَب وانضم إِلَيْهِم من غَيرهم. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] كَذَا فِي أ: وَفِي سَائِر الْأُصُول «أيا» . [4] الرزام: جمع رازم، وَهُوَ الّذي يثبت وَلَا يبرح مَكَانَهُ. يُرِيد أَنهم يثبتون فِي الْحَرْب وَلَا ينهزمون. [5] يَا مَال: أَرَادَ: يَا مَالك، فَحذف الْكَاف للترخيم. وَذُو التذمم: هُوَ الّذي لَهُ ذمام، أَي عهد.

(رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم) :

مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، وَأَهْلِ تِهَامَةَ، وَخَرَجُوا مَعَهُمْ بِالظُّعْنِ [1] ؟ الْتِمَاسَ الْحَفِيظَةِ، وَأَلَّا يَفِرُّوا. فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَهُوَ قَائِدُ النَّاسِ، بهند بنت عُتْبَةَ وَخَرَجَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ بِأُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَخَرَجَ الْحَارِثُ ابْن هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَخَرَجَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بِبَرْزَةَ بِنْتِ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثَّقَفِيَّةِ، وَهِيَ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ ابْن أُمَيَّةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: رُقَيَّةُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِرَيْطَةَ بِنْتِ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَهِيَ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَخَرَجَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَأَبُو طَلْحَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، بِسُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ شَهِيدٍ الْأَنْصَارِيَّةِ وَهِيَ أُمُّ بَنِي طَلْحَةَ: مُسَافِعُ وَالْجُلَاسُ وَكِلَابٌ، قُتِلُوا يَوْمئِذٍ (هُمْ) [2] وَأَبُوهُمْ، وَخَرَجَتْ خُنَاسُ بِنْتُ مَالِكٍ بْنِ الْمُضْرِبِ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ مَعَ ابْنِهَا أَبِي عَزِيزِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَهِيَ أُمُّ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَخَرَجَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ. وَكَانَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ كُلَّمَا مَرَّتْ بِوَحْشِيٍّ أَوْ مَرَّ بِهَا، قَالَتْ: وَيْهَا [3] أَبَا دَسْمَةَ اشْفِ وَاسْتَشْفِ، وَكَانَ وَحْشِيٌّ يُكَنَّى بِأَبِي دَسْمَةَ، فَأَقْبَلُوا حَتَّى تزلوا بِعَيْنَيْنِ، بِجَبَلٍ بِبَطْنِ السَّبْخَةِ مِنْ قَنَاةٍ عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي، مُقَابِلَ الْمَدِينَةِ. (رُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (قَالَ) [2] فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ نَزَلُوا حَيْثُ نَزَلُوا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ: إنِّي قَدْ رَأَيْتُ وَاَللَّهِ خَيْرًا، رَأَيْتُ بَقَرًا، وَرَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي ثَلْمًا، وَرَأَيْتُ أَنِّي أَدْخَلْتُ يَدِي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ، فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ.

_ [1] يُرِيد «بالظعن» : النِّسَاء فِي الهوادج. [2] الزِّيَادَة عَن أ. [3] وَبهَا: كلمة مَعْنَاهَا الإغراء والتحضيض.

(مشاورة الرسول القوم في الخروج أو البقاء) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رَأَيْتُ بَقَرًا لِي تُذْبَحُ؟ قَالَ: فَأَمَّا الْبَقَرُ فَهِيَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي يُقْتَلُونَ، وَأَمَّا الثَّلْمُ الَّذِي رَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي، فَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُقْتَلُ. (مُشَاوَرَةُ الرَّسُولِ الْقَوْمَ فِي الْخُرُوجِ أَوْ الْبَقَاءِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُقِيمُوا بِالْمَدِينَةِ وَتَدْعُوهُمْ حَيْثُ نَزَلُوا، فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرِّ مُقَامٍ، وَإِنْ هُمْ دَخَلُوا عَلَيْنَا قَاتَلْنَاهُمْ فِيهَا وَكَانَ رَأْيُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ مَعَ رَأْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَرَى رَأْيَهُ فِي ذَلِكَ، وَأَلَّا يَخْرَجَ إلَيْهِمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ الْخُرُوجَ، فَقَالَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، مِمَّنْ أَكْرَمَ اللَّهُ بِالشَّهَادَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَغَيْرِهِ، مِمَّنْ كَانَ فَاتَهُ بَدْرٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اُخْرُجْ بِنَا إلَى أَعْدَائِنَا، لَا يَرَوْنَ أَنَّا جَبُنَّا عَنْهُمْ وَضَعُفْنَا؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بن سَلُولَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقِمْ بِالْمَدِينَةِ لَا تخرج إِلَيْهِم، فو الله مَا خَرَجْنَا مِنْهَا إلَى عَدُوٍّ لَنَا قَطُّ إلَّا أَصَابَ مِنَّا، وَلَا دَخَلَهَا عَلَيْنَا إلَّا أَصَبْنَا مِنْهُ، فَدَعْهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرِّ مَحْبِسٍ وَإِنْ دَخَلُوا قَاتَلَهُمْ الرِّجَالُ فِي وَجْهِهِمْ، وَرَمَاهُمْ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ بِالْحِجَارَةِ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَإِنْ رَجَعُوا رَجَعُوا خَائِبِينَ كَمَا جَاءُوا. فَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ حُبُّ لِقَاءِ الْقَوْمِ، حَتَّى دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَهُ [1] ، فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَيْنَ فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ. وَقَدْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو، أَحَدُ بَنِي النَّجَّارِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ نَدِمَ النَّاسُ، وَقَالُوا: اسْتَكْرَهْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَكُنْ لَنَا ذَلِكَ. فَلَمَّا خَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: اسْتَكْرَهْنَاكَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَنَا، فَإِنْ شِئْتَ فَاقْعُدْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إذَا لَبِسَ لَأَمْتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَلْفٍ مِنْ أَصْحَابِهِ.

_ [1] زِيَادَة عَن أ.

(انخذال المنافقين) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ [1] ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الصَّلَاةِ بِالنَّاسِ. (انْخِذَالُ الْمُنَافِقِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتَّى إذَا كَانُوا بِالشَّوْطِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٍ، انْخَزَلَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بن سَلُولَ بِثُلُثِ النَّاسِ، وَقَالَ: أَطَاعَهُمْ وَعَصَانِي، مَا نَدْرِي عَلَامَ نَقْتُلُ أَنْفُسَنَا هَاهُنَا أَيُّهَا النَّاسُ فَرَجَعَ بِمَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالرَّيْبِ، وَاتَّبَعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، يَقُولُ: يَا قَوْمِ، أذكِّركم اللَّهَ أَلَّا تَخْذُلُوا قومكم ونبيّكم عِنْد مَا حَضَرَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَقَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَمَا أَسْلَمْنَاكُمْ، وَلَكِنَّا لَا نَرَى أَنَّهُ يَكُونُ قِتَالٌ. قَالَ: فَلَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ وَأَبَوْا إلَّا الِانْصِرَافَ عَنْهُمْ، قَالَ: أَبْعَدَكُمْ اللَّهُ أَعْدَاءَ اللَّهِ، فَسَيُغْنِي اللَّهُ عَنْكُمْ نَبِيَّهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ غَيْرُ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ الْأَنْصَارَ يَوْمَ أُحُدٍ، قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَسْتَعِينُ بِحُلَفَائِنَا مِنْ يَهُودَ؟ فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِمْ. (حَادِثَةٌ تَفَاءَلَ بِهَا الرَّسُولُ) : قَالَ زِيَادٌ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ، قَالَ: وَمَضَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلّم حَتَّى سَلَكَ فِي حَرَّةِ بَنِي حَارِثَةَ، فَذَبَّ [2] فَرَسُ بِذَنَبِهِ، فَأَصَابَ كَلَّابَ سَيْفٍ [3] فَاسْتَلَّهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: كِلَابُ سَيْفٍ [4] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يُحِبُّ الْفَأْلَ وَلَا يَعْتَافُ [5] ، لِصَاحِبِ السَّيْفِ: شِمْ سَيْفَكَ [6] ، فَإِنِّي أَرَى السُّيُوفَ سَتُسَلُّ الْيَوْمَ.

_ [1] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ. [2] ذب بِذَنبِهِ، أَي حركه ليذب بِهِ الطير. [3] الْكلاب: مِسْمَار يكون فِي قَائِم السَّيْف، وَفِيه الذؤابة لتَعَلُّقه بهَا. [4] لَعَلَّه: «كلب سيف» بِالْفَتْح، إِذْ الْكلاب وَالْكَلب بِمَعْنى وَاحِد. [5] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَلَا يعتاف: لَا يتطير. وَفِي أ: «يعتان بالنُّون» . [6] شم سَيْفك، أَي أغمده. وَهَذَا الْفِعْل من الأضداد.

(ما كان من مربع حين سلك المسلمون حائطه) :

(مَا كَانَ مِنْ مِرْبَعٍ حِينَ سَلَكَ الْمُسْلِمُونَ حَائِطَهُ) : ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ بِنَا عَلَى الْقَوْمِ مِنْ كَثَبٍ: أَيْ مِنْ قُرْبٍ، مِنْ طَرِيقٍ لَا يَمُرُّ بِنَا عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَنَفَذَ بِهِ فِي حَرَّةِ بَنِي حَارِثَةَ، وَبَيْنَ أَمْوَالِهِمْ، حَتَّى سَلَكَ فِي مَالٍ لِمِرْبَعِ بْنِ قَيْظِيٍّ، وَكَانَ رَجُلًا مُنَافِقًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ، فَلَمَّا سَمِعَ حِسَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، قَامَ يَحْثِي فِي وُجُوهِهِمْ التُّرَابَ، وَيَقُولُ: إنْ كُنْتَ رَسُولَ اللَّهِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ حَائِطِي. وَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّهُ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي لَا أُصِيبُ بِهَا غَيْرَكَ يَا مُحَمَّدُ لَضَرَبْتُ بِهَا وَجْهَكَ. فَابْتَدَرَهُ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقْتُلُوهُ، فَهَذَا الْأَعْمَى أَعْمَى الْقَلْبِ، أَعْمَى الْبَصَرِ. وَقَدْ بَدَرَ إلَيْهِ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، قَبْلَ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، فَضَرَبَهُ بِالْقَوْسِ فِي رَأْسِهِ، فَشَجَّهُ. (نُزُولُ الرَّسُولِ بِالشِّعْبِ وَتَعْبِيَتُهُ لِلْقِتَالِ) : قَالَ: وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ الشِّعْبَ مِنْ أُحُدٍ، فِي عُدْوَةِ الْوَادِي إلَى الْجَبَلِ، فَجَعَلَ ظَهْرَهُ وَعَسْكَرَهُ إلَى أُحُدٍ، وَقَالَ: لَا يُقَاتِلُنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ حَتَّى نَأْمُرُهُ بِالْقِتَالِ. وَقَدْ سَرَّحَتْ قُرَيْشٌ الظَّهْرَ وَالْكُرَاعَ [1] فِي زُرُوعٍ كَانَتْ بِالصَّمْغَةِ [2] ، مِنْ قَنَاةِ لِلْمُسْلِمِينَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْقِتَالِ: أَتُرْعَى زُرُوعُ بَنِي قَيْلَةَ [3] وَلِمَا نُضَارِبُ! وَتُعَبَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْقِتَالِ، وَهُوَ فِي سبع مائَة رَجُلٍ، وَأَمَّرَ عَلَى الرُّمَاةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ مُعْلَمٌ يَوْمئِذٍ بِثِيَابِ بِيضٍ، وَالرُّمَاةُ خَمْسُونَ رَجُلًا، فَقَالَ: انْضَحْ [4] الْخَيْلَ عَنَّا بِالنَّبْلِ،

_ [1] الظّهْر: الْإِبِل. والكراع: الْخَيل. [2] الصمغة: أَرض قرب أحد. [3] بَنو قيلة: هم الْأَوْس والخزرج وقيلة: أم من أُمَّهَات الْأَنْصَار نسبوا إِلَيْهَا. [4] انْضَحْ الْخَيل، أَي ادفعهم. 5- سيرة ابْن هِشَام- 2

(من أجازهم الرسول وهم في الخامسة عشرة) :

لَا يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا، إنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا، فَاثْبُتْ مَكَانَكَ لَا نُؤْتَيَنَّ مِنْ قِبَلِكِ. وَظَاهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ [1] ، وَدَفَعَ اللِّوَاءَ إلَى مُصْعَبِ ابْن عُمَيْرٍ، أَخِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ. (مَنْ أَجَازَهُمْ الرَّسُولُ وَهُمْ فِي الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيَّ، وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، أَخَا بَنِي حَارِثَةَ، وَهُمَا ابْنَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ قَدْ رَدَّهُمَا، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ رَافِعًا رَامٍ، فَأَجَازَهُ، فَلَمَّا أَجَازَ رَافِعًا، قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ سَمُرَةَ يَصْرَعُ رَافِعًا، فَأَجَازَهُ. وَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، أَحَدَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، أَحَدَ بَنِي حَارِثَةَ، وَعَمْرَو بْنَ حَزْمٍ، أَحَدَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَأُسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ، أَحَدَ بَنِي حَارِثَةَ، ثُمَّ أَجَازَهُمْ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَهُمْ أَبْنَاءُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَتَعَبَّأَتْ قُرَيْشٌ، وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافِ رجل، وَمَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ قَدْ جَنَبُوهَا [2] ، فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَةِ الْخَيْلِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهَا عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ. (أَمْرُ أَبِي دُجَانَةَ) : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ؟ فَقَامَ إلَيْهِ رِجَالٌ، فَأَمْسَكَهُ عَنْهُمْ، حَتَّى قَامَ إلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ، أَخُو بَنِي سَاعِدَةَ، فَقَالَ: وَمَا حَقُّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَن تشرب بِهِ الْعَدُوَّ حَتَّى يَنْحَنِيَ، قَالَ: أَنَا آخُذُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِحَقِّهِ، فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ. وَكَانَ أَبُو دُجَانَةَ رَجُلًا شُجَاعًا يَخْتَالُ عِنْدَ الْحَرْبِ، إذَا كَانَتْ، وَكَانَ إذَا أَعُلِمَ بِعِصَابَةِ لَهُ حَمْرَاءَ، فاعتصب بهَا على لناس أَنَّهُ سَيُقَاتِلُ، فَلَمَّا أَخَذَ السَّيْفَ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَ عِصَابَتَهُ تِلْكَ، فَعَصَبَ بِهَا رَأْسَهُ، وَجَعَلَ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ.

_ [1] ظَاهر بَين درعين، أَي لبس درعا فَوق درع. [2] جنبوها: قادوها إِلَى جنُوبهم يستعملونها إِذا أعيا بعض خيلهم أَو قتل.

(أمر أبى عامر الفاسق) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسْلَمَ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ رَأَى أَبَا دُجَانَةَ يَتَبَخْتَرُ: إنَّهَا لمشية يبغضها انه، إلَّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ. (أَمْرُ أَبِي عَامِرٍ الْفَاسِقُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ أَبَا عَامِرٍ، عَبْدَ عَمْرِو ابْن صَيْفِيِّ بْنِ مَالِكِ بْنِ النُّعْمَانِ، أَحَدَ بَنِي ضُبَيْعَةَ، وَقَدْ كَانَ خَرَجَ حِينَ خَرَجَ إلَى مَكَّةَ مُبَاعِدًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَهُ خَمْسُونَ غُلَامًا مِنْ الْأَوْسِ، وَبَعْضُ النَّاسِ كَانَ يَقُولُ: كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَكَانَ يَعِدُ قُرَيْشًا أَنْ لَوْ قَدْ لَقِيَ قَوْمَهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمْ رَجُلَانِ، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيَهُمْ أَبُو عَامِرٍ فِي الْأَحَابِيشِ وَعُبْدَانُ أَهْلِ مَكَّةَ، فَنَادَى: يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ، أَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالُوا: فَلَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِكَ عَيْنًا يَا فَاسِقُ- وَكَانَ أَبُو عَامِرٍ يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ: الرَّاهِبَ، فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْفَاسِقَ- فَلَمَّا سَمِعَ رَدَّهُمْ عَلَيْهِ قَالَ: لَقَدْ أَصَابَ قَوْمِي بَعْدِي شَرٌّ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمَّ رَاضَخَهُمْ [1] بِالْحِجَارَةِ. (أُسْلُوبُ أَبِي سُفْيَانَ فِي تَحْرِيضِ قُرَيْشٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِأَصْحَابِ اللِّوَاءِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ يُحَرِّضُهُمْ بِذَلِكَ عَلَى الْقِتَالِ: يَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، إنَّكُمْ قَدْ وَلَّيْتُمْ لِوَاءَنَا يَوْمَ بَدْرٍ، فَأَصَابَنَا مَا قَدْ رَأَيْتُمْ، وَإِنَّمَا يُؤْتَى النَّاسُ مِنْ قِبَلِ رَايَاتِهِمْ إذَا زَالَتْ زَالُوا، فَإِمَّا أَنْ تَكْفُونَا لِوَاءَنَا، وَإِمَّا أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَنَكْفِيكُمُوهُ، فَهَمُّوا بِهِ وَتُوَاعَدُوهُ، وَقَالُوا: نَحْنُ نُسْلِمُ إلَيْكَ لِوَاءَنَا، سَتَعْلَمُ غَدًا إذَا الْتَقَيْنَا كَيْفَ نَصْنَعُ! وَذَلِكَ أَرَادَ أَبُو سُفْيَانَ. (تَحْرِيضُ هِنْدَ وَالنِّسْوَةِ مَعَهَا) : فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ، وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، قَامَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ فِي النِّسْوَةِ اللَّاتِي مَعَهَا، وَأَخَذْنَ الدُّفُوفَ يَضْرِبْنَ بِهَا خَلَفَ الرِّجَالِ، وَيُحَرِّضْنَهُمْ، فَقَالَتْ هِنْدُ فِيمَا تَقُولُ:

_ [1] راضخهم: راماهم.

(شعار المسلمين) :

وَيْهَا بَنِي عَبْدِ الدَّارْ ... وَيْهَا حُمَاةَ الْأَدْبَارْ [1] ضَرْبًا بِكُلِّ بَتَّارْ [2] وَتَقُولُ: إنْ تُقْبِلُوا نُعَانِقْ ... وَنَفْرِشُ النَّمَارِقْ [3] أَوْ تُدْبِرُوا نُفَارِقْ ... فِرَاقَ غَيْرَ وَامِقْ [4] (شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ) : وَكَانَ شِعَارُ [5] أَصْحَابِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلّم يَوْمَ أُحُدٍ: أَمِتْ، أَمِتْ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. (تَمَامُ قِصَّةِ أَبِي دُجَانَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَاقْتَتَلَ النَّاسُ حَتَّى حَمِيَتْ الْحَرْبُ، وَقَاتَلَ أَبُو دُجَانَةَ حَتَّى أَمْعَنَ فِي النَّاسِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ قَالَ: وَجِدْتُ فِي نَفْسِي حِينَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّيْفَ فَمَنَعْنِيهِ وَأَعْطَاهُ أَبَا دُجَانَةَ، وَقُلْتُ: أَنَا ابْنُ صَفِيَّةَ عَمَّتَهِ، وَمِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ قُمْتُ إلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ إيَّاهُ قَبْلَهُ، فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ وَتَرَكَنِي، وَاَللَّهِ لَأَنْظُرَنَّ مَا يَصْنَعُ، فَاتَّبَعَتْهُ، فَأَخْرَجَ عِصَابَةً لَهُ حَمْرَاءَ، فَعَصَبَ بِهَا رَأْسَهُ، فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: أَخْرِجْ أَبُو دُجَانَةَ عِصَابَةَ الْمَوْتِ، وَهَكَذَا كَانَتْ تَقُولُ لَهُ إذَا تَعَصَّبَ بِهَا. فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا الَّذِي عَاهَدَنِي خَلِيلِي ... وَنَحْنُ بِالسَّفْحِ لَدَى النَّخِيلِ أَلَّا أَقَوْمَ الدَّهْرَ فِي الْكَيُّولِ ... أَضْرِبُ بِسَيْفِ اللَّهِ وَالرَّسُولِ [6]

_ [1] ويها: كلمة مَعْنَاهَا الإغراء. حماة الأدبار، أَي الَّذين يحْمُونَ أعقاب النَّاس. [2] البتار: الْقَاطِع. [3] النمارق: جمع نمرقة، وَهِي الوسادة الصَّغِيرَة. [4] الوامق: الْمُحب وَهَذَا الرجز لهِنْد بنت طَارق بن بياضة الإيادية قالته فِي حَرْب الْفرس لإياد وتمثلت بِهِ هِنْد بنت عتبَة (السهيليّ وَاللِّسَان) . [5] الشعار (هُنَا) : عَلامَة ينادون بهَا فِي الْحَرْب، ليعرف بَعضهم بَعْضًا. [6] الكيول: آخر الصُّفُوف فِي الْحَرْب. وَلم يسمع إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث وَهُوَ عَليّ التَّشْبِيه بكيول الزندى، وَهُوَ سَواد ودخان يخرج مِنْهُ آخرا بعد الْقدح إِذا لم يور نَارا، وَذَلِكَ شَيْء لَا غناء فِيهِ.

(مقتل حمزة) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى فِي الْكُبُولِ [1] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَعَلَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إلَّا قَتَلَهُ. وَكَانَ فِي الْمُشْرِكِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَنَا جَرِيحًا إلَّا ذَفَّفَ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدْنُو مِنْ صَاحِبِهِ. فَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَالْتَقَيَا، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، فَضَرَبَ الْمُشْرِكُ أَبَا دُجَانَةَ، فَاتَّقَاهُ بِدَرَقَتِهِ، فَعَضَّتْ بِسَيْفِهِ، وَضَرَبَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَقَتَلَهُ ثُمَّ رَأَيْتُهُ قَدْ حَمَلَ السَّيْفَ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ، ثُمَّ عَدَلَ السَّيْفَ عَنْهَا. قَالَ الزَّبِيرُ فَقُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ: رَأَيْتُ إنْسَانًا يَخْمُشُ [2] النَّاسَ خَمْشًا شَدِيدًا، فَصَمَدْتُ لَهُ، فَلَمَّا حَمَلْتُ عَلَيْهِ السَّيْفَ وَلْوَلَ فَإِذَا امْرَأَةٌ، فَأَكْرَمْتُ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَضْرِبَ بِهِ امْرَأَةً. (مَقْتَلُ حَمْزَةَ) : وَقَاتَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى قَتَلَ أَرْطَاةَ بْنَ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، وَكَانَ أَحَدَ النَّفَرِ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ اللِّوَاءَ ثُمَّ مَرَّ بِهِ سِبَاعُ ابْن عَبْدِ الْعُزَّى الْغُبْشَانِيُّ، وَكَانَ يُكَنَّى بِأَبِي نِيَارٍ، فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ: هَلُمَّ إلَيَّ يَا بن مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ- وَكَانَتْ أُمُّهُ أُمَّ أَنْمَارٍ مَوْلَاةُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيِّ. (قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: شَرِيقُ بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ) [3] . وَكَانَتْ خَتَّانَةً بِمَكَّةَ- فَلَمَّا الْتَقَيَا ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَقَتَلَهُ. قَالَ وَحْشِيٌّ، غُلَامُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: وَاَللَّهِ إنِّي لَأَنْظُرُ إلَى حَمْزَةَ يَهُدُّ [4]

_ [1] الكبول: الْقُيُود، الْوَاحِد: كبل (بِالْفَتْح، وَيكسر) . وَقد زَادَت م، ب بعد هَذِه الْكَلِمَة: «يعْنى آخر الصُّفُوف» وَهِي تَفْسِير الكيول (بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة) [2] فِي م، ر: «يحمش» بِالْحَاء الْمُهْملَة. [3] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ. [4] يهد، قَالَ أَبُو ذَر: «من رَوَاهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، فَمَعْنَاه. يسْرع فِي قطع لُحُوم النَّاس بِسَيْفِهِ. وَمن رَوَاهُ بِالدَّال الْمُهْملَة، فَمَعْنَاه يرديهم ويهلكهم» .

(وحشي يحدث الضمري وابن الخيار عن قتله حمزة) :

النَّاسَ بِسَيْفِهِ مَا يُلِيقُ [1] بِهِ شَيْئًا، مِثْلَ الْجَمَلِ الْأَوْرَقِ [2] إذْ تَقَدَّمَنِي إلَيْهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ: هَلُمَّ إلَيَّ يَا بن مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ، فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً، فَكَأَنَّ مَا أَخْطَأَ رَأْسَهُ [3] ، وَهَزَزْتُ حَرْبَتِي حَتَّى إذَا رَضِيتُ مِنْهَا دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ، فَوَقَعَتْ فِي ثُنَّتِهِ [4] حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، فَأَقْبَلَ نَحْوِي، فَغُلِبَ فَوَقَعَ، وَأَمْهَلْتُهُ حَتَّى إذَا مَاتَ جِئْتُ فَأَخَذْتُ حَرْبَتِي، ثُمَّ تَنَحَّيْتُ إلَى الْعَسْكَرِ، وَلَمْ تَكُنْ لِي بِشَيْءِ حَاجَةٌ غَيْرَهُ. (وَحْشِيٌّ يُحَدِّثُ الضَّمْرِيَّ وَابْنَ الْخِيَارِ عَنْ قَتْلِهِ حَمْزَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسِ [5] بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمِّيَّةَ الضَّمْرِيَّ قَالَ: خُرِجْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، أَخُو بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَأَدْرَبْنَا مَعَ النَّاسِ [6] ، فَلَمَّا قَفَلْنَا مَرَرْنَا بِحِمْصَ- وَكَانَ وَحْشِيٌّ، مَوْلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَدْ سَكَنَهَا، وَأَقَامَ بِهَا- فَلَمَّا قَدِمْنَاهَا، قَالَ لِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ: هَلْ لَكَ فِي أَنْ نَأْتِيَ وَحْشِيًّا فَنَسْأَلَهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ كَيْفَ قَتَلَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إنْ شِئْتَ. فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْهُ بِحِمْصَ، فَقَالَ لَنَا رَجُلٌ، وَنَحْنُ نَسْأَلُ عَنْهُ: إنَّكُمَا سَتَجِدَانِهِ بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْخَمْرُ، فَإِنْ تَجِدَاهُ صَاحِيًا تَجِدَا رَجُلًا عَرَبِيًّا، وَتَجِدَا عِنْدَهُ بَعْضَ مَا تُرِيدَانِ، وَتُصِيبَا عِنْدَهُ مَا شِئْتُمَا مِنْ حَدِيثٍ تَسْأَلَانِهِ عَنْهُ، وَإِنْ تَجِدَاهُ وَبَهْ بَعْضُ مَا يَكُونُ بِهِ، فَانْصَرَفَا

_ [1] مَا يَلِيق: مَا يبْقى. [2] الأورق: الّذي لَونه إِلَى الغبرة. [3] كَأَن مَا أَخطَأ رَأسه، أَي كَانَ الْأَمر والشأن مَا أَخطَأ رَأسه، وَمَا: نَافِيَة وَالنُّون فِي «كَأَن» مُنْفَصِلَة عَن «مَا» . وَيجوز أَن تكون «مَا» مُتَّصِلَة بكأن، وَيكون الْمَعْنى: كَأَنَّهُ أَخطَأ رَأسه، أَي أسْرع الضَّرْب وَالْقطع وَكَأن السَّيْف لم يُصَادف مَا يُريدهُ. (رَاجع شرح السِّيرَة لأبى ذَر) . [4] الثنة: مَا بَين أَسْفَل الْبَطن إِلَى الْعَانَة. [5] فِي أ: «عَيَّاش» . وَهُوَ تَحْرِيف. قَالَ أَبُو ذَر: «الصَّوَاب: ابْن عَبَّاس، بِالْبَاء وَالسِّين الْمُهْملَة» [6] فأدربنا مَعَ النَّاس، أَي جزنا الدروب.

عَنْهُ وَدَعَاهُ، قَالَ: فَخَرَجْنَا نَمْشِي حَتَّى جِئْنَاهُ، فَإِذَا هُوَ بِفِنَاءِ دَارِهِ عَلَى طَنْفَسَةٍ لَهُ [1] ، فَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ مِثْلُ الْبُغَاثِ. - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْبُغَاثُ: ضَرْبٌ مِنْ الطَّيْرِ إلَى السَّوَادِ [2]- فَإِذَا هُوَ صَاحٍ لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إلَيْهِ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ، فَقَالَ: ابْنٌ لِعَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْتُكَ مُنْذُ نَاوَلْتُكَ أُمَّكَ السَّعْدِيَّةَ الَّتِي أَرْضَعَتْكَ بِذِي طُوًى [3] ، فَإِنِّي نَاوَلْتُكهَا وَهِيَ عَلَى بَعِيرِهَا، فَأَخَذَتْكَ بِعُرْضَيْكَ [4] ، فَلَمَعَتْ لِي قَدَمَاكَ حِينَ رفعتك إِلَيْهَا، فو الله مَا هُوَ إلَّا أَنْ وَقَفْتَ عَلَيَّ فَعَرَفْتُهُمَا. قَالَ: فَجَلَسْنَا إلَيْهِ، فَقُلْنَا لَهُ: جِئْنَاكَ لِتُحَدِّثَنَا عَنْ قَتْلِكَ حَمْزَة، كَيفَ قتلت؟ فَقَالَ: أَمَا إنِّي سَأُحَدِّثُكُمَا كَمَا حَدَّثْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ، كُنْتُ غُلَامًا لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَكَانَ عَمُّهُ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيٍّ قَدْ أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَمَّا سَارَتْ قُرَيْشٌ إلَى أُحُدٍ، قَالَ لِي جُبَيْرٌ: إنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ عَمَّ مُحَمَّدٍ بِعَمِّي فَأَنْتَ عَتِيقٌ قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ، وَكُنْتُ رَجُلًا حَبَشِيًّا أَقْذِفُ بِالْحَرْبَةِ قَذْفَ الْحَبَشَةِ، قَلَّمَا أُخْطِئُ بِهَا شَيْئًا، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ خَرَجْتُ انْظُر حَمْزَة وأ تبصّره، حَتَّى رَأَيْتُهُ فِي عُرْضِ النَّاسِ مِثْلَ الْجَمْلِ الْأَوْرَقِ [5] ، يَهُدُّ النَّاسَ بِسَيْفِهِ هَدًّا، مَا يَقُومُ لَهُ شَيْء، فو الله إنِّي لَأَتَهَيَّأُ لَهُ، أُرِيدُهُ وَأَسْتَتِرُ مِنْهُ بِشَجَرَةِ أَوْ حَجَرٍ لِيَدْنُوَ مِنِّي إذْ تَقَدَّمَنِي إلَيْهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، فَلَمَّا رَآهُ حَمْزَةُ قَالَ لَهُ: هَلُمَّ إلَيَّ يَا بن مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ. قَالَ: فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً كَأَنَّ مَا أَخَطَأَ رَأْسَهُ. قَالَ: وَهَزَّزَتْ

_ [1] الطنفسة (مُثَلّثَة الطَّاء وَالْفَاء، وبكسر الطَّاء وَفتح الْفَاء، وَبِالْعَكْسِ) : وَاحِدَة الطنافس من الْبسط وَالثيَاب والحصير. [2] فِي أ: «قَالَ ابْن هِشَام: مثل البغاثة، وَهِي ضرب من الطير» . [3] ذُو طوى: مَوضِع بِمَكَّة. [4] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «بعرضك» . قَالَ أَبُو ذَر: «أخذتك بعرضتك» من رَوَاهُ هَكَذَا، فالعرضة: الْجلد الّذي يكون فِيهِ الصبى إِذا أرضع، ويربى فِيهِ. وَمن رَوَاهُ «بعرصتك» بالصَّاد الْمُهْملَة، فَمَعْنَاه أَنه رَفعه إِلَيْهَا بِالثَّوْبِ الّذي كَانَ تَحْتَهُ، وَمِنْه عَرصَة الدَّار- وَهُوَ مَا يَقع عَلَيْهِ الْبناء- وَمن رَوَاهُ «بعرضيك» فَمَعْنَاه بجانبيك. وَعرض الشَّيْء (بِضَم الْعين) : جَانِبه» . [5] الْجمل الأورق: الّذي لَونه بَين الغبرة والسواد، سَمَّاهُ كَذَلِك لما عَلَيْهِ من الْغُبَار.

(وحشي بين يدي الرسول يسلم) :

حَرْبَتِي، حَتَّى إذَا رَضِيتُ مِنْهَا، دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ، فَوَقَعَتْ فِي ثُنَّتِهِ، حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، وَذَهَبَ لِيَنُوءَ [1] نَحْوِي، فَغُلِبَ، وَتَرَكْتُهُ وَإِيَّاهَا حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ حَرْبَتِي، ثُمَّ رَجَعْتُ إلَى الْعَسْكَرِ، فَقَعَدْتُ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي بِغَيْرِهِ حَاجَةٌ، وَإِنَّمَا قَتَلْتُهُ لِأُعْتَقَ. فَلَمَّا قَدِمْتُ مَكَّةَ أُعْتِقْتُ، ثُمَّ أَقَمْتُ حَتَّى إذَا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ هَرَبْتُ إلَى الطَّائِفِ، فَمَكَثْتُ [2] بِهَا، فَلَمَّا خَرَجَ وَفْدُ الطَّائِفِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُسْلِمُوا تَعَيَّتْ عَلَيَّ الْمَذَاهِبُ، فَقُلْتُ: أَلْحَقُ بِالشَّأْمِ، أَوْ الْيَمَنِ، أَوْ بِبَعْض الْبِلَاد، فو الله إنِّي لَفِي ذَلِكَ مِنْ هَمِّي، إذْ قَالَ لِي رَجُلٌ: وَيْحَكَ! إنَّهُ وَاَللَّهِ مَا يَقْتُلُ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ دَخَلَ فِي دِينِهِ، وَتَشَهَّدَ شَهَادَتَهُ [3] . (وَحْشِيٌّ بَيْنَ يَدَيْ الرَّسُولِ يُسْلِمُ) : فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ، خَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَلَمْ يَرُعْهُ إلَّا بِي قَائِمًا عَلَى رَأْسِهِ أَتَشَهَّدُ بِشَهَادَةِ الْحَقِّ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: أَوَحْشِيٌّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: اُقْعُدْ فَحَدِّثْنِي كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ، قَالَ: فَحَدَّثْتُهُ كَمَا حَدَّثْتُكُمَا، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ حَدِيثِي قَالَ: وَيْحَكَ! غَيِّبْ عَنِّي وَجْهَكَ، فَلَا أُرَيَنَّكَ. قَالَ: فَكُنْتُ أَتَنَكَّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ كَانَ لِئَلَّا يَرَانِي، حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (قَتْلُ وَحْشِيٍّ لَمُسَيْلِمَةَ) : فَلَمَّا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ إلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ خَرَجْتُ مَعَهُمْ، وَأَخَذْتُ حَرْبَتِي الَّتِي قَتَلْتُ بِهَا حَمْزَةَ، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ رَأَيْتُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ قَائِمًا فِي يَدِهِ السَّيْفَ، وَمَا أَعْرِفُهُ، فَتَهَيَّأْتُ لَهُ، وَتَهَيَّأَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، كِلَانَا يُرِيدُهُ، فَهَزَزْتُ حَرْبَتِي حَتَّى إذَا رَضِيتُ مِنْهَا دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ، فَوَقَعَتْ فِيهِ، وَشَدَّ عَلَيْهِ الْأَنْصَارِيُّ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ، فَرَبُّكَ أَعْلَمُ أَيُّنَا قَتَلَهُ،

_ [1] ينوء: ينْهض متثاقلا. [2] فِي أ: فَكنت. [3] فِي م، ر: شَهَادَة الْحق.

(خلع وحشي من الديوان) :

فَإِنْ كُنْتُ قَتَلْتَهُ، فَقَدْ قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ قَتَلْتُ شَرَّ النَّاسِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ الْيَمَامَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ يَوْمئِذٍ صَارِخًا يَقُولُ: قَتَلَهُ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ. (خَلْعُ وَحْشِيٍّ مِنْ الدِّيوَانِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبَلَغَنِي أَنَّ وَحْشِيًّا لَمْ يَزَلْ يُحَدُّ فِي الْخَمْرِ حَتَّى خُلِعَ مِنْ الدِّيوَانِ، فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ قَاتِلَ حَمْزَةَ. (مَقْتَلُ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَاتَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُتِلَ، وَكَانَ الَّذِي قَتَلَهُ ابْنُ قَمِئَةَ اللَّيْثِيُّ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: قَتَلْتُ مُحَمَّدًا. فَلَمَّا قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللِّوَاءَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَقَاتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَرِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَازِنِيَّ، قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ الْقِتَالُ يَوْمَ أُحُدٍ، جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ رَايَةِ الْأَنْصَارِ، وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: أَنْ قَدَّمَ الرَّايَةَ. فَتَقَدَّمَ عَلِيٌّ، فَقَالَ: أَنَا أَبُو الْفُصَمِ [1] ، وَيُقَالُ: أَبُو الْقُصَمِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- فَنَادَاهُ أَبُو سَعْدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَهُوَ صَاحِبُ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ: أَنْ هَلْ لَكَ يَا أَبَا الْقُصَمِ فِي الْبِرَازِ مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَبَرَزَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ

_ [1] فِي أ، ط هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي رِوَايَة عَن ابْن هِشَام: «القصم» بِالْقَافِ. مَعَ اخْتِلَاف فِي الضَّبْط، فضبطت هُنَا بِالْفَتْح، وَفِي الثَّانِيَة بِضَم فَفتح. وَفِي سَائِر الْأُصُول هُنَا: «القصيم» وَفِيمَا سَيَأْتِي: «الفصيم» والتصويب عَن الرَّوْض الْأنف. وَقد اخْتَار السهيليّ أَن تضبط على الرِّوَايَتَيْنِ بِضَم فَفتح على أَنَّهَا جمع قصمى أَو فصمى. والقصم: كسر ببينونة. والفصم: كسر بِغَيْر بينونة، ككسر الْقَضِيب الرطب وَنَحْوه.

(شأن عاصم بن ثابت) :

فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ فَصَرَعَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ وَلَمْ يُجْهَزْ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: أَفَلَا أُجْهِزْتُ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: إنَّهُ اسْتَقْبَلَنِي بِعَوْرَتِهِ، فَعَطَفَتْنِي عَنْهُ الرَّحِمُ [1] ، وَعَرَفْتُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَتَلَهُ. وَيُقَالُ: إنَّ أَبَا سَعْدِ [2] بْنِ أَبِي طَلْحَةَ خَرَجَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَنَادَى: [أَنَا قَاصِمٌ [3]] مَنْ يُبَارِزُ بِرَازًا، فَلَمْ يَخْرَجْ إلَيْهِ أَحَدٌ. فَقَالَ: يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ، زَعَمْتُمْ أَنَّ قَتْلَاكُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَأَنَّ قَتْلَانَا فِي النَّار، كَذبْتُمْ وَاللات! لَوْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ حَقًّا لَخَرَجَ إلَيَّ بَعْضُكُمْ، فَخَرَجَ إلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ فَقَتَلَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَتَلَ أَبَا سَعْدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ [4] . (شَأْنُ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ) : وَقَاتَلَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ، فَقَتَلَ مُسَافِعَ بْنَ طَلْحَةَ وَأَخَاهُ الْجُلَاسَ ابْن طَلْحَةَ، كِلَاهُمَا يَشْعُرُهُ [5] سَهْمًا، فَيَأْتِي أُمَّهُ سُلَافَةَ، فَيَضَعُ رَأْسَهُ فِي حِجْرِهَا فَتَقُولُ: يَا بُنَيَّ، مَنْ أَصَابَكَ؟ فَيَقُولُ: سَمِعْتُ رَجُلًا حِينَ رَمَانِي وَهُوَ يَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ أَبِي الْأَقْلَحِ. فَنَذَرْتُ إنْ أَمْكَنَهَا اللَّهُ مِنْ رَأْسِ عَاصِمٍ أَنْ تُشْرَبَ فِيهِ الْخَمْرُ، وَكَانَ عَاصِمٌ قَدْ عَاهَدَ اللَّهَ أَنْ لَا يَمَسَّ مُشْرِكًا أَبَدًا، وَلَا يَمَسَّهُ مُشْرِكٌ. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمئِذٍ، وَهُوَ يَحْمِلُ لِوَاءَ الْمُشْرِكِينَ: إنَّ عَلَى أَهْلِ اللِّوَاءِ حَقَّا ... أَنْ يَخْضِبُوا الصَّعْدَةَ أَوْ تَنْدَقَّا [6] فَقَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.

_ [1] وَقد فعل على رضى الله عَنهُ هَذِه مرّة أُخْرَى يَوْم صفّين، حمل على بسر بن أَرْطَاة، فَلَمَّا رأى بسر أَنه مقتول كشف عَن عَوْرَته، فَانْصَرف عَنهُ، ويروى أَيْضا مثل ذَلِك عَن عَمْرو بن الْعَاصِ مَعَ على رضى الله عَنهُ يَوْم صفّين. [2] فِي م، ر: «أَبَا قَاسم» . [3] زِيَادَة عَن أ، ط. [4] قَالَ السهيليّ: رَوَاهُ الْكشِّي فِي تَفْسِيره عَن سعد، قَالَ: «لما كف عَنهُ على طعنته فِي حنجرته، فدلع لِسَانه إِلَى كَمَا يصنع الْكَلْب، ثمَّ مَاتَ» . [5] يشعره سَهْما، اى يُصِيبهُ بِهِ فِي جسده، فَيصير لَهُ مثل الشعار. والشعار: مَا ولى الْجَسَد من الثِّيَاب. [6] الصعدة: الْقَنَاة.

(حنظلة غسيل الملائكة) :

(حَنْظَلَةُ غَسِيلُ الْمَلَائِكَةِ) : وَالْتَقَى حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الْغَسِيلُ وَأَبُو سُفْيَانَ، فَلَمَّا اسْتَعْلَاهُ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ رَآهُ شَدَّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ [1] ، وَهُوَ ابْنُ شَعُوبٍ، قَدْ عَلَا أَبَا سُفْيَانَ. فَضَرَبَهُ شَدَّادٌ فَقَتَلَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ صَاحِبَكُمْ، يَعْنِي حَنْظَلَةَ لَتُغَسِّلَهُ الْمَلَائِكَةُ. فَسَأَلُوا أَهْلَهُ مَا شَأْنُهُ؟ فَسُئِلَتْ [2] صَاحِبَتُهُ عَنْهُ. فَقَالَتْ: خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَاتِفَةَ [3] . - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الْهَائِعَةُ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: خَيْرُ النَّاسِ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ، كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةَ طَارَ إلَيْهَا. قَالَ الطّرمّاح بن حكم الطَّائِيُّ، وَالطِّرِمَّاحُ: الطَّوِيلُ مِنْ الرِّجَالِ-: أَنَا ابْنُ حُمَاةَ الْمَجْدِ مِنْ آلِ مَالِكٍ ... إذَا جَعَلَتْ خُورُ الرِّجَالِ تَهِيعُ [4] (وَالْهَيْعَةُ: الصَّيْحَةُ الَّتِي فِيهَا الْفَزَعُ) [5] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ. سلم: لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ. (شِعْرُ الْأَسْوَدِ فِي قَتْلِهِمَا حَنْظَلَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ) : (قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ) [5] : وَقَالَ شَدَّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ فِي قَتْلِهِ حَنْظَلَةَ: لَأَحْمِيَنَّ صَاحِبِي وَنَفْسِي ... بِطَعْنَةِ مِثْلِ شُعَاعِ الشَّمْسِ وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَهُوَ يَذْكُرُ صَبْرَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَمُعَاوَنَةَ ابْنِ شَعُوبٍ إيَّاهُ عَلَى حَنْظَلَةَ: وَلَوْ شِئْتُ نَجَّتْنِي كُمَيْتٌ طِمَرَّةٍ ... وَلَمْ أَحْمِلْ النَّعْمَاءَ لِابْنِ شَعُوبِ [6] وَمَا زَالَ مُهْرِي مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمْ ... لَدُنْ غُدْوَةٍ حَتَّى دَنَتْ لِغُرُوبِ [7]

_ [1] وَقيل: إِن الّذي قتل حَنْظَلَة جَعونَة بن شعوب اللَّيْثِيّ، مولى نَافِع بن أَبى نعيم. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . [2] فِي م، ر: «فَسَأَلت» . [3] الهاتفة: الصَّيْحَة. [4] الخور: جمع أخور، وَهُوَ الضَّعِيف الجبان. [5] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ: [6] الطمرة: الْفرس السريعة الوثب. [7] مزجر الْكَلْب: يُرِيد أَنه لم يبعد مِنْهُم إِلَّا بِمِقْدَار الْموضع الّذي يزْجر الْكَلْب فِيهِ. وَدنت لغروب

(شعر حسان في الرد على أبى سفيان) :

أُقَاتِلُهُمْ وَأَدَّعِي يَا لَغَالِبٍ ... وَأَدْفَعُهُمْ عَنِّي بِرُكْنٍ صَلِيبِ فَبَكِّي وَلَا تَرْعَى مَقَالَةَ عَاذِلٍ ... وَلَا تَسْأَمِي مِنْ عَبْرَةٍ وَنَحِيبِ أَبَاكِ وَإِخْوَانًا لَهُ قَدْ تَتَابَعُوا ... وَحُقَّ لَهُمْ مِنْ عَبْرَةٍ بِنَصِيبِ وَسَلَّى الَّذِي قَدْ كَانَ فِي النَّفْسِ أَنَّنِي ... قَتَلْتُ مِنْ النَّجَّارِ كُلَّ نَجِيبِ وَمِنْ هَاشِمٍ قَرْمًا كَرِيمًا وَمُصْعَبًا ... وَكَانَ لَدَى الْهَيْجَاءِ غَيْرُ هَيُوبِ [1] وَلَوْ أَنَّنِي لَمْ أَشْفِ نَفْسِي مِنْهُمْ ... لَكَانَتْ شَجًا فِي الْقَلْبِ ذَاتَ نُدُوبِ [2] فَآبَوْا وَقَدْ أَوْدَى الْجَلَابِيبُ مِنْهُمْ ... بِهِمْ خَدَبٌ مِنْ مُعْطِبٍ وَكَئِيبِ [3] أَصَابَهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ لِدِمَائِهِمْ ... كِفَاءً وَلَا فِي خُطَّةٍ بِضَرِيبِ [4] (شِعْرُ حَسَّانَ فِي الرَّدِّ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ) : فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ: ذَكَرْتَ الْقُرُومَ الصَّيْدَ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... وَلَسْتَ لِزُورٍ قُلْتَهُ بِمُصِيبِ أَتَعْجَبُ أَنْ أَقَصَدْتُ حَمْزَةَ مِنْهُمْ ... نَجِيبًا وَقَدْ سَمَّيْتَهُ بِنَجِيبِ [5] أَلَمْ يَقْتُلُوا عَمْرًا وَعُتْبَةُ وَابْنَهُ ... وَشَيْبَةَ وَالْحَجَّاجَ وَابْنَ حَبِيبِ غَدَاةَ دَعَا الْعَاصِي عَلِيًّا فَرَاعَهُ ... بِضَرْبَةِ عَضْبٍ بَلَّهُ بِخَضِيبِ [6] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ ابْنُ شَعُوبٍ يَذْكُرُ يَدَهُ عِنْدَ أَبِي سُفْيَانَ فِيمَا دَفَعَ عَنْهُ، فَقَالَ:

_ [ () ] أَي الشَّمْس، وَقد أضمرها وَلم يتَقَدَّم لَهَا ذكر، لِأَن الغدوة دلّت عَلَيْهَا. وروى بخفض غدْوَة ونصبه. [1] القرم: الْفَحْل الْكَرِيم من الْإِبِل، وَيُرِيد بِهِ هُنَا حَمْزَة رضى الله عَنهُ. والهجاء الْحَرْب. [2] الشجا: الْحزن. والندوب: أثار الجروح، الْوَاحِد: ندب. [3] الجلابيب: جمع جِلْبَاب، وَهُوَ (هَا هُنَا) : الْإِزَار الخشن. وَكَانَ مشركو أهل مَكَّة يسمون من أسلم مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الجلابيب، يلقبونهم بذلك. وأودى: هلك. والخدب: الطعْن النَّافِذ إِلَى الْجوف. والمعطب، قَالَ أَبُو ذَر: هُوَ الّذي يسيل دَمه. والكثيب: الحزين. ويروى: كبيب أَي قد كب على وَجهه. [4] الخطة (هُنَا) : الْخصْلَة الرفيعة. والضريب: الشبيه. [5] أقصده: رَمَاه فَأَصَابَهُ. [6] العضب: السَّيْف الْقَاطِع. وبخضيب: أَي خضيب بِدَم.

(شعر الحارث في الرد على أبى سفيان أيضا) :

وَلَوْلَا دِفَاعِي يَا بن حَرْبٍ وَمَشْهَدِي ... لَأُلْفِيَتْ يَوْمَ النَّعْفِ غَيْرَ مُجِيبِ [1] وَلَوْلَا مَكَرِّي الْمُهْرَ بِالنَّعْفِ [2] قَرْقَرَتْ ... ضِبَاعٌ عَلَيْهِ أَوْ ضِرَاءُ كَلِيبِ [3] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «عَلَيْهِ أَوْ ضِرَاءُ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. (شِعْرُ الْحَارِثِ فِي الرَّدِّ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ أَيْضًا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ يُجِيبُ أَبَا سُفْيَانَ: جَزَيْتهمْ يَوْمًا بِبَدْرٍ كَمِثْلِهِ ... عَلَى سَابِحٍ ذِي مَيْعَةٍ وَشَبِيبِ [4] لَدَى صَحْنِ بَدْرٍ أَوْ أَقَمْتُ نَوَائِحًا ... عَلَيْكَ وَلَمْ تَحْفِلْ مُصَابَ حَبِيبِ وَإِنَّكَ لَوْ عَايَنْتَ مَا كَانَ مِنْهُمْ ... لَأُبْتَ بِقَلْبِ مَا بَقِيتُ نَخِيبُ [5] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنَّمَا أَجَابَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ أَبَا سُفْيَانَ لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ عَرَّضَ بِهِ فِي قَوْلِهِ: وَمَا زَالَ مُهْرِي مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمْ لِفِرَارِ الْحَارِثِ يَوْمِ بَدْرٍ. (حَدِيثُ الزُّبَيْرِ عَنْ سَبَبِ الْهَزِيمَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ نَصْرَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَصَدَقَهُمْ وَعْدَهُ، فَحَسُّوهُمْ بِالسُّيُوفِ [6] حَتَّى كَشَفُوهُمْ عَنْ الْعَسْكَرِ، وَكَانَتْ الْهَزِيمَةُ لَا شَكَّ فِيهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتنِي أَنْظُرُ إلَى خَدَمِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةُ وَصَوَاحِبُهَا مُشَمَّرَاتٌ هَوَارِبُ، مَا دُونِ أَخْذِهِنَّ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ

_ [1] النعف: أَسْفَل الْحَبل. [2] فِي م، ر: «النَّعْت» وَهُوَ تَحْرِيف. [3] قرقرت: أسرعت وَخفت لأكله. وَالضَّرَّاء: الضاربة المتعودة الصَّيْد أَو أكل لُحُوم النَّاس. وكليب: اسْم لجَماعَة الْكلاب. [4] السابح: الْفرس الّذي كَأَنَّهُ يسبح فِي جريه. والميعة: الخفة والنشاط. وشبيب، أَي شباب، وَهُوَ أَن يرفع الْفرس يَدَيْهِ جَمِيعًا. ويروى: «سبيب» بِالسِّين الْمُهْملَة، والسبيب،: شعر نَاصِيَة الْفرس. [5] أَبَت: رجعت. والنخيب: الجبان الْفَزع. [6] حسوهم بِالسُّيُوفِ: قتلوهم واستأصلوهم.

(شجاعة صؤاب وشعر حسان في ذلك) :

إذْ [1] مَالَتْ الرُّمَاةُ إلَى الْعَسْكَرِ، حِينَ كَشَفْنَا الْقَوْمَ عَنْهُ وَخَلَّوْا ظُهُورَنَا لِلْخَيْلِ، فَأُتِينَا مِنْ خَلْفِنَا، وَصَرَخَ صَارِخٌ: أَلَا إنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَانْكَفَأْنَا [2] وَانْكَفَأَ عَلَيْنَا الْقَوْمُ بَعْدَ أَنْ أَصَبْنَا أَصْحَابَ اللِّوَاءِ حَتَّى مَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَدٌ مِنْ الْقَوْمِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الصَّارِخُ: أَزَبُّ الْعَقَبَةِ، يَعْنِي الشَّيْطَانَ. (شَجَاعَةُ صُؤَابٍ وَشِعْرُ حَسَّانَ فِي ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ اللِّوَاءَ لَمْ يَزَلْ صَرِيعًا حَتَّى أَخَذَتْهُ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيَّةُ، فَرَفَعته لقريش، فَلَا ثَوَابه [3] . وَكَانَ اللِّوَاءُ مَعَ صُؤَابٍ، غُلَامٌ لِبَنِي أَبِي طَلْحَةَ، حَبَشِيٌّ وَكَانَ آخِرُ مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ، فَقَاتَلَ بِهِ حَتَّى قُطِعَتْ يَدَاهُ، ثُمَّ بَرَكَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَ اللِّوَاءَ بِصَدْرِهِ وَعُنُقِهِ حَتَّى قُتِلَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهمّ هَلْ أَعْزَرْتُ- يَقُولُ: أَعَذَرْتُ [4]- فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ: فَخَرْتُمْ بِاللِّوَاءِ وَشَرُّ فَخْرٍ ... لِوَاءٌ حِينَ رُدَّ إلَى صُؤَابِ جَعَلْتُمْ فَخَرَكُمْ فِيهِ بِعَبْدٍ ... وَأَلْأَمُ مَنْ يَطَا عَفَرَ التُّرَابِ [5] ظَنَنْتُمْ، وَالسَّفِيهُ لَهُ ظُنُونُ ... وَمَا إنْ ذَاكَ مِنْ أَمْرِ الصَّوَابِ بِأَنَّ جِلَادَنَا [6] يَوْمَ الْتَقَيْنَا ... بِمَكَّةَ بَيْعُكُمْ حُمْرَ الْعِيَابِ [7] أَقَرَّ الْعَيْنَ أَنْ عُصِبَتْ يَدَاهُ ... وَمَا إنْ تُعْصَبَانِ عَلَى خِضَابِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: آخِرُهَا بَيْتًا يُرْوَى لِأَبِي خِرَاشٍ الْهُذَلِيِّ، وَأَنْشَدَنِيهِ لَهُ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ:

_ [1] فِي م، ر: «إِذا» . [2] انكفأنا: رَجعْنَا. [3] لاثوا بِهِ: اجْتَمعُوا حوله والتفوا. [4] قَالَ أَبُو ذَر: «يعْنى أَنه كَانَ فِي لِسَانه لكنة أَعْجَمِيَّة فَغير الذَّال من «أعذرت» إِلَى الزاء، لِأَنَّهُ كَانَ حَبَشِيًّا» . [5] يطا، الأَصْل فِيهِ الْهَمْز وَسَهل للشعر. وعفر التُّرَاب: الّذي لَونه بَين الْحمرَة والغبرة. [6] فِي م، ر: «جلادكم» . [7] العياب. جمع عَيْبَة، وَهِي مَا يضع فِيهَا الرجل مَتَاعه.

(شعر حسان في عمرة الحارثية) :

أَقَرَّ الْعَيْنَ أَنْ عُصِبَتْ يَدَاهَا ... وَمَا إنْ تُعْصَبَانِ عَلَى خِضَابِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ، يَعْنِي امْرَأَتَهُ، فِي غَيْرِ حَدِيثِ أُحُدٍ. وَتُرْوَى الْأَبْيَاتُ أَيْضًا لِمَعْقِلِ ابْن خُوَيْلِدٍ الْهُذَلِيُّ. (شِعْرُ حَسَّانَ فِي عَمْرَةِ الْحَارِثِيَّةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَأْنِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيَّةِ وَرَفْعِهَا اللِّوَاءِ: إذَا عَضَلٌ سِيقَتْ إلَيْنَا كَأَنَّهَا ... جِدَايَةُ شِرْكٍ مُعْلِمَاتِ الْحَوَاجِبِ [1] أَقَمْنَا لَهُمْ طَعْنًا مُبِيرًا مُنَكِّلًا ... وَحُزْنَاهُمْ بِالضَّرْبِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ [2] فَلَوْلَا لِوَاءُ الْحَارِثِيَّةِ أَصْبَحُوا ... يُبَاعُونَ فِي الْأَسْوَاقِ بَيْعَ الْجَلَائِبِ [3] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. (مَا لَقِيَهُ الرَّسُولُ يَوْمَ أُحُدٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ، فَأَصَابَ فِيهِمْ الْعَدُوَّ، وَكَانَ يَوْمَ بَلَاءٍ وَتَمْحِيصٍ، أَكْرَمَ اللَّهُ فِيهِ مَنْ أَكْرَمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالشَّهَادَةِ، حَتَّى خَلَصَ الْعَدُوُّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَدُثَّ [4] بِالْحِجَارَةِ حَتَّى وَقَعَ لِشِقِّهِ [5] ، فَأُصِيبَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَشُجَّ [6] فِي وَجْهِهِ، وَكُلِمَتْ [7] شَفَتُهُ، وَكَانَ الَّذِي أَصَابَهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي حُمَيْدُ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:

_ [1] عضل: اسْم قَبيلَة من خُزَيْمَة، والجداية (بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا) : الصَّغِير من أَوْلَاد الظباء. وشرك، قَالَ أَبُو ذَر: بِضَم الشين وَكسرهَا: مَوضِع، وَلم نجد فِي المعاجم بِهَذَا الِاسْم غير موضِعين، أَحدهمَا بِالْفَتْح، وَهُوَ جبل بالحجاز، وَالْآخر بِالْكَسْرِ، وَهُوَ مَاء وَرَاء جبل القنان لبني منقذ بن أعيا، من أَسد. [2] مبيرا: مهْلكا. ومنكلا: قامعا لَهُم ولغيرهم. [3] الجلائب: مَا يجلب إِلَى الْأَسْوَاق ليباع فِيهَا. [4] فَدُثَّ، قَالَ أَبُو ذَر: «من رَوَاهُ بالراء فَمَعْنَاه أُصِيب بهَا. وَمن رَوَاهُ (فَدُثَّ) بِالدَّال الْمُهْملَة، فَمَعْنَاه رمى حَتَّى التوى بعض جسده» . [5] الشق: الْجَانِب. [6] شج: أَصَابَته شجة. [7] كلم: جرح (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول فيهمَا) .

كُسِرَتْ رَبَاعِيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَشُجَّ فِي وَجْهِهِ، فَجَعَلَ الدَّمُ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ، وَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَبُوا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى رَبِّهِمْ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ: «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ 3: 128» . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ رُبَيْحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ عُتْبَةُ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رَمَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ، فَكَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ الْيُمْنَى السُّفْلَى، وَجَرَحَ شَفَتَهُ السُّفْلَى، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ ابْن شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ شَجَّهُ فِي جَبْهَتِهِ، وَأَنَّ ابْنَ قَمِئَةَ جَرَحَ وَجْنَتَهُ [1] فَدَخَلَتْ حَلْقَتَانِ مِنْ حَلَقِ المغفر [2] فِي وَجْنَتَهُ، وَوَقَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُفْرَةٍ مِنْ الْحُفَرِ الَّتِي عَمِلَ أَبُو عَامِرٍ لِيَقَعَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ، وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، فَأَخَذَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَفَعَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ حَتَّى اسْتَوَى قَائِمًا، وَمَصَّ مَالِكُ بْنُ سِنَانٍ، أَبُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، الدَّمَّ: عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ازْدَرَدَهُ [3] ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَسَّ دَمِي دَمَهُ لَمْ تُصِبْهُ النَّارُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [4] : وَذَكَرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلْيَنْظُرْ إلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ. وَذَكَرَ، يَعْنِي [5] عَبْدَ الْعَزِيزِ الدراوَرْديّ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ نَزَعَ إحْدَى الْحَلْقَتَيْنِ مِنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ، ثُمَّ نَزَعَ الْأُخْرَى، فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ الْأُخْرَى، فَكَانَ سَاقِطَ الثَّنِيَّتَيْنِ.

_ [1] الوجنة: أَعلَى الخد. [2] المغفر: شَبيه بحلق الدرْع يَجْعَل على الرَّأْس يتّقى بِهِ فِي الْحَرْب. [3] ازْدَردهُ: ابتلعه. [4] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ. [5] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ.

(شعر حسان في عتبة وما أصاب به الرسول) :

(شِعْرُ حَسَّانَ فِي عُتْبَةَ وَمَا أَصَابَ بِهِ الرَّسُولَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ لِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: إذَا اللَّهُ جَازَى مَعْشَرًا بِفِعَالِهِمْ ... وَضَرَّهُمْ [1] الرَّحْمَنُ رَبُّ الْمَشَارِقِ فَأَخْزَاكَ رَبِّي يَا عُتَيْبُ بْنَ مَالِكٍ ... وَلَقَّاكَ قَبْلَ الْمَوْتِ إحْدَى الصَّوَاعِقِ بَسَطْتَ يَمِينًا لِلنَّبِيِّ تَعَمُّدًا ... فَأَدْمَيْتُ فَاهُ، قُطِّعَتْ بِالْبَوَارِقِ [2] فَهَلَّا ذَكَرْتَ اللَّهَ وَالْمَنْزِلَ الَّذِي ... تَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ إحْدَى الْبَوَائِقِ [3] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتَيْنِ أَقْذَعَ فِيهِمَا. (ابْنُ السَّكَنِ وَبَلَاؤُهُ يَوْمَ أُحُدٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ غَشِيَهُ الْقَوْمُ: مَنْ رَجُلٌ يَشْرِي لَنَا نَفْسَهُ؟ كَمَا حَدَّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ ابْن مَعَاذٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: فَقَامَ زِيَادُ [4] بْنُ السَّكَنِ فِي نَفَرٍ خَمْسَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ- وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: إنَّمَا هُوَ عُمَارَةُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ- فَقَاتَلُوا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجُلًا ثُمَّ رَجُلًا، يُقْتَلُونَ دُونَهُ، حَتَّى كَانَ آخِرُهُمْ زِيَادَ أَوْ عُمَارَةَ، فَقَاتَلَ حَتَّى أَثَبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ، ثُمَّ فَاءَتْ فِئَةٌ [5] مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَأَجْهَضُوهُمْ [6] عَنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَدْنُوهُ مِنِّي، فَأَدْنَوْهُ مِنْهُ، فَوَسَّدَهُ قَدِمَهُ، فَمَاتَ وَخَدُّهُ عَلَى قَدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (حَدِيثُ أُمِّ سَعْدٍ عَنْ نَصِيبِهَا فِي الْجِهَادِ يَوْمَ أُحُدٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَاتَلَتْ أُمُّ عُمَارَةَ، نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ الْمَازِنِيَّةُ يَوْمَ أُحُدٍ. فَذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ: أَنَّ أُمَّ سَعْدِ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ كَانَتْ تَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ عُمَارَةَ، فَقُلْتُ لَهَا: يَا خَالَةُ، أَخْبِرِينِي خَبَرَكَ، فَقَالَتْ:

_ [1] كَذَا فِي ط. وَفِي أ: «وبضرهم» . وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ونصرهم» وَظَاهر أَن كليهمَا محرف عَمَّا أَثْبَتْنَاهُ. [2] البوارق: السيوف. [3] البوائق: الدَّوَاهِي ومصائب الدَّهْر. [4] فِي م، ر: «زيد» . [5] الفئة: الْجَمَاعَة. [6] أجهضوهم: أزالوهم وغلبوهم. 6- سيرة ابْن هِشَام- 2

(أبو دجانة وابن أبى وقاص يدفعان عن الرسول) :

خَرَجْتُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَأَنَا أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ النَّاسُ، وَمَعِي سِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ، فَانْتَهَيْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ، وَالدَّوْلَةُ وَالرِّيحُ [1] لِلْمُسْلِمِينَ. فَلَمَّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ، انْحَزْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُمْتُ أُبَاشِرُ الْقِتَالَ، وَأَذُبُّ عَنْهُ بِالسَّيْفِ، وَأَرْمِي عَنْ الْقَوْسِ، حَتَّى خَلَصَتْ الْجِرَاحُ إلَيَّ. قَالَتْ: فَرَأَيْتُ عَلَى عَاتِقِهَا جُرْحًا أَجْوَفَ لَهُ غَوْرٌ، فَقُلْتُ: مَنْ أَصَابَكَ بِهَذَا؟ قَالَتْ: ابْنُ قَمِئَةَ، أَقْمَأَهُ [2] اللَّهُ! لَمَّا وَلَّى النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ يَقُولُ: دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ، فَلَا نَجَوْتُ إنْ نَجَا، فَاعْتَرَضْتُ لَهُ أَنَا وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَأُنَاسٌ مِمَّنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَنِي هَذِهِ الضَّرْبَةَ وَلَكِنْ فَلَقَدْ ضَرَبْتُهُ عَلَى ذَلِكَ ضَرْبَاتٍ، وَلَكِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ كَانَ عَلَيْهِ دِرْعَانِ. (أَبُو دُجَانَةَ وَابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَدْفَعَانِ عَنْ الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَتَرَّسَ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو دُجَانَةَ بِنَفْسِهِ، يَقَعُ النَّبْلُ فِي ظَهْرِهِ، وَهُوَ مُنْحَنٍ عَلَيْهِ، حَتَّى كَثُرَ فِيهِ النَّبْلُ. وَرَمَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ سَعْدٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يُنَاوِلُنِي النَّبْلَ وَهُوَ يَقُولُ: ارْمِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، حَتَّى إنَّهُ لَيُنَاوِلُنِي السَّهْمَ مَا لَهُ نَصْلٌ، فَيَقُولُ: ارْمِ بِهِ. (بَلَاءُ قَتَادَةَ وَحَدِيثُ عَيْنِه) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَمَى عَنْ قَوْسِهِ حَتَّى انْدَقَّتْ سِيَتُهَا [3] ، فَأَخَذَهَا قَتَادَةَ بْنُ النُّعْمَانِ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ، وَأُصِيبَتْ يَوْمئِذٍ عَيْنُ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، حَتَّى وَقَعَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّهَا بِيَدِهِ، فَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وَأَحَدَّهُمَا.

_ [1] يُرِيد «بِالرِّيحِ» النَّصْر. [2] أقمأه الله: أذله. [3] السية: طرف الْقوس.

(شأن أنس بن النضر) :

(شَأْنُ أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ أَخُو بَنِي عدىّ بن لنجّار، قَالَ: انْتَهَى أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ، عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فِي رِجَالٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَقَدْ أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ: مَا يُجْلِسُكُمْ؟ قَالُوا: قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَمَاذَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ؟ (قُومُوا) [1] فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَبَهْ سُمِّيَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي حُمَيْدُ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا بِأَنَسِ بْنِ النَّضْرِ يَوْمئِذٍ سَبْعِينَ ضَرْبَةً، فَمَا عَرَفَهُ إلَّا أُخْتُهُ، عَرَفَتْهُ بِبَنَاتِهِ. (مَا أَصَابَ ابْنَ عَوْفٍ مِنْ الْجِرَاحَاتِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أُصِيبَ فُوهُ يَوْمئِذٍ فَهُتِمَ [2] ، وَجُرِحَ عِشْرِينَ جِرَاحَةً أَوْ أَكْثَرَ، أَصَابَهُ بَعْضُهَا فِي رِجْلِهِ فَعَرِجَ. (أَوَّلُ مَنْ عَرَفَ الرَّسُولَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ عَرَفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ، وَقَوْلُ النَّاسِ: قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا ذَكَرَ لِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: عَرَفْتُ عَيْنَيْهِ تَزْهَرَانِ [3] مِنْ تَحْتِ الْمِغْفَرِ، فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَبْشِرُوا، هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَشَارَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ أَنْصِتْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَضُوا بِهِ، وَنَهَضَ مَعَهُمْ نَحْوَ الشِّعْبِ، مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ، وَرَهْطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] همّ: كسرت ثنيته. [3] تزهران: تضيئان.

(مقتل أبى بن خلف) :

(مَقْتَلُ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ) : (قَالَ) [1] : فَلَمَّا أُسْنِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْبِ أَدْرَكَهُ أُبَيُّ ابْن خَلَفٍ وَهُوَ يَقُولُ: أَيْ [2] مُحَمَّدُ، لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَوْتَ، فَقَالَ الْقَوْمُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَعْطِفُ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَّا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهُ، فَلَمَّا دَنَا، تَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَرْبَةَ مِنْ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ، يَقُولُ بَعْضُ الْقَوْمِ، فِيمَا ذُكِرَ لِي: فَلَمَّا أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ انْتَفَضَ بِهَا انْتِفَاضَةً، تَطَايَرْنَا عَنْهُ تَطَايُرَ الشَّعْرَاءِ عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ إذَا انْتَفَضَ بِهَا- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الشَّعْرَاءُ: ذُبَابٌ لَهُ لَدْغٌ- ثُمَّ اسْتَقْبَلَهُ فَطَعَنَهُ فِي عُنُقِهِ طَعْنَةً تَدَأْدَأَ مِنْهَا عَنْ فَرَسِهِ مِرَارًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَدَأْدَأَ، يَقُولُ: تَقَلَّبَ عَنْ فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَتَدَحْرَجُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، كَمَا حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، يَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ إنَّ عِنْدِي الْعَوْذَ، فَرَسًا أَعْلِفُهُ كُلَّ يَوْمٍ فَرَقًا [3] مِنْ ذُرَةٍ، أَقْتُلُكَ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَنَا أَقْتُلُكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ. فَلَمَّا رَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ وَقَدْ خَدَشَهُ فِي عُنُقِهِ خَدْشًا غَيْرَ كَبِيرٍ، فَاحْتَقَنَ الدَّمُ، قَالَ: قَتَلَنِي وَاَللَّهِ مُحَمَّدٌ! قَالُوا لَهُ: ذَهَبَ وَاَللَّهِ فُؤَادُكَ! وَاَللَّهِ إنْ بِكَ مِنْ بَأْسٍ، قَالَ: إنَّهُ قَدْ كَانَ قَالَ لِي بِمَكَّةَ: أَنا أَقْتلك، فو الله لَوْ بَصَقَ عَلَيَّ لَقَتَلَنِي. فَمَاتَ عدوّ الله بسرف [4] وَهُمْ قَافِلُونَ بِهِ إلَى مَكَّةَ. (شِعْرُ حَسَّانَ فِي مَقْتَلِ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ: لَقَدْ وَرِثَ الضَّلَالَةَ عَنْ أَبِيهِ ... أُبَيٌّ يَوْمَ بَارَزَهُ الرَّسُولُ

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] فِي أ: «أَي» وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أَيْن» . [3] الْفرق (بِفَتْح الرَّاء وإسكانها) : مكيال يسع سِتَّة عشر منا، وَقيل: اثنى عشر رطلا. [4] سرف: مَوضِع على سِتَّة أَمْيَال من مَكَّة، وَقيل، سَبْعَة وَتِسْعَة واثنى عشر، تزوج بِهِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَة بنت الْحَارِث، وَهُنَاكَ بنى بهَا، وَهُنَاكَ توفيت. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .

(انتهاء الرسول إلى الشعب) :

أَتَيْتَ إلَيْهِ تَحْمِلُ رِمَّ عَظْمٍ ... وَتُوعِدُهُ وَأَنْتَ بِهِ جَهُولُ [1] وَقَدْ قَتَلَتْ بَنُو النَّجَّارِ مِنْكُمْ ... أُمَيَّةَ إذْ [2] يُغَوَّثُ: يَا عَقِيلُ وَتَبَّ ابْنَا رَبِيعَةَ إذْ أَطَاعَا ... أَبَا جَهْلٍ، لِأُمِّهِمَا الْهَبُولُ [3] وَأَفْلَتْ حَارِثٌ لَمَّا شَغَلْنَا ... بِأَسْرِ الْقَوْمِ، أُسْرَتُهُ فَلَيْلُ [4] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أُسْرَتُهُ: قَبِيلَتُهُ. وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا فِي ذَلِكَ: أَلَا مَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي أُبَيَّا ... لَقَدْ أُلْقِيَتْ فِي سُحْقِ السَّعِيرِ [5] تَمَنَّى بِالضَّلَالَةِ مِنْ بَعِيدٍ ... وَتُقْسِمُ أَنْ قَدَرْتُ مَعَ [6] النُّذُورِ تَمَنِّيكَ الْأَمَانِيِّ مِنْ بَعِيدٍ ... وَقَوْلُ الْكُفْرِ يَرْجِعُ فِي غُرُورِ فَقَدْ لَاقَتْكَ طَعْنَةُ ذِي حِفَاظٍ ... كَرِيمِ الْبَيْتِ لَيْسَ بِذِي فُجُورِ [7] لَهُ فَضْلٌ عَلَى الْأَحْيَاءِ طُرَّا ... إذَا نَابَتْ مُلِمَّاتُ الْأُمُورِ (انْتِهَاءُ الرَّسُولِ إلَى الشِّعْبِ) : (قَالَ) [8] : فَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى فَمِ الشِّعْبِ خَرَجَ عَلِيُّ ابْن أَبِي طَالِبٍ، حَتَّى مَلَأَ دَرَقَتَهُ مَاءً مِنْ الْمِهْرَاسِ [9] ، فَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَشْرَبَ مِنْهُ، فَوَجَدَ لَهُ رِيحًا، فَعَافَهُ [10] ، فَلَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ، وَغَسَلَ عَنْ وَجْهِهِ الدَّمَ، وَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ دَمَّى وَجْهَ نَبِيِّهِ

_ [1] الرم: الْعظم الْبَالِي. [2] فِي أ: «إِن» . [3] تب: هلك. والهبول: الْفَقْد، يُقَال: هبلته أمه، أَي فقدته. [4] الفليل: المنهزمون. ويروى. «قَلِيل» بِالْقَافِ، وَهُوَ مَعْلُوم. [5] السحق: الْبعد والعمق. [6] فِي م، ر: «على» . [7] الْحفاظ: الْغَضَب فِي الْحَرْب. [8] زِيَادَة عَن أ. [9] قَالَ أَبُو ذَر: «قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: المهراس: مَاء بِأحد. وَقَالَ غَيره: المهراس: حجر ينقر وَيجْعَل إِلَى جَانب الْبِئْر، وَيصب فِيهِ المَاء لينْتَفع بِهِ النَّاس» . [10] عافه: كرهه.

(حرص ابن أبى وقاص على قتل عتبة) :

(حِرْصُ ابْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَلَى قَتْلِ عُتْبَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا حَرَصْتُ عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ قَطُّ كَحِرْصِي عَلَى قَتْلِ عُتْبَةَ ابْن أَبِي وَقَّاصٍ، وَإِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ لِسَيِّئِ الْخَلْقِ مُبْغَضًا فِي قَوْمِهِ، وَلَقَدْ كَفَانِي مِنْهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ دَمَّى وَجْهَ رَسُولِهِ. (صُعُودُ قُرَيْشٍ الْجَبَلَ وَقِتَالُ عُمَرَ لَهُمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشِّعْبِ، مَعَهُ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِنْ أَصْحَابِهِ، إذْ عَلَتْ عَالِيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ الْجَبَلَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: كَانَ عَلَى تِلْكَ الْخَيْلِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهمّ إنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا! فَقَاتَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَرَهْطٌ مَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى أَهْبَطُوهُمْ مِنْ الْجَبَلِ. (ضَعْفُ الرَّسُولِ عَنْ النُّهُوضِ وَمُعَاوَنَةُ طَلْحَةَ لَهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَنَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى صَخْرَةٍ مِنْ الْجَبَلِ لِيَعْلُوَهَا، وَقَدْ كَانَ بَدُنَ [1] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَنْهَضَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَجَلَسَ تَحْتَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَنَهَضَ بِهِ، حَتَّى اسْتَوَى عَلَيْهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ يَقُولُ: أَوْجَبَ [2] طَلْحَةُ حِينَ صَنَعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا صَنَعَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَبْلُغْ الدَّرَجَةَ الْمَبْنِيَّةَ فِي الشِّعْبِ.

_ [1] بدن: أسن وَضعف. [2] أوجب: وَجَبت لَهُ الْجنَّة.

(صلاة الرسول قاعدا) :

(صَلَاةُ الرَّسُولِ قَاعِدًا) : قَالَ ابْنُ هِشَام: وَذكر عمره ولى غُفْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ أُحُدٍ قَاعِدًا مِنْ الْجِرَاحِ الَّتِي أَصَابَتْهُ، وَصَلَّى الْمُسْلِمُونَ خَلْفَهُ قُعُودًا. (مَقْتَلُ الْيَمَانِ وَابْنِ وَقْشٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ النَّاسُ انْهَزَمُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَى بَعْضُهُمْ إلَى الْمُنَقَّى، دُونَ الْأَعْوَصِ [1] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أُحُدٍ، رَفَعَ حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ، وَهُوَ الْيَمَانُ [2] أَبُو حُذَيْفَةَ [3] بْنُ الْيَمَانِ، وَثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فِي الْآطَامِ مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَهُمَا شَيْخَانِ كَبِيرَانِ: مَا أَبَا لَكَ، مَا تنْتَظر؟ فو الله لَا بَقِيَ لِوَاحِدِ مِنَّا مِنْ عُمْرِهِ إلَّا ظِمْءُ [4] حِمَارٍ، إنَّمَا نَحْنُ هَامَةُ [5] الْيَوْمِ أَوْ غَدٍ، أَفَلَا نَأْخُذُ أَسْيَافَنَا، ثُمَّ نَلْحَقُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُنَا شَهَادَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَخَذَا أَسْيَافَهُمَا ثُمَّ خَرَجَا، حَتَّى دَخَلَا فِي النَّاسِ، وَلَمْ يُعْلَمْ بِهِمَا، فَأَمَّا ثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فَقَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ، وَأَمَّا حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ، فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُ الْمُسْلِمِينَ، فَقَتَلُوهُ وَلَا يَعْرِفُونَهُ [6] ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَبِي [7] ، فَقَالُوا: وَاَللَّهِ إنْ عَرَفْنَاهُ، وَصَدَقُوا. قَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ

_ [1] الأعوص: مَوضِع قرب الْمَدِينَة. [2] قَالَ السهيليّ: «وسمى حسيل بن جَابر: الْيَمَانِيّ، لِأَنَّهُ من ولد جروة بن مَازِن بن قطيعة بن عبس، وَكَانَ جروة قد بعد عَن أَهله فِي الْيمن زَمنا طَويلا ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِم فَسَموهُ الْيَمَانِيّ» . [3] ويكنى حُذَيْفَة: أَبَا عبد الله، وَهُوَ حَلِيف لبني عبد الْأَشْهَل. وَأمه الربَاب بنت كَعْب. (رَاجع الرَّوْض) . [4] الظمء: مِقْدَار مَا يكون بَين الشربتين. وأقصر الأظماء ظمء الْحمار، لِأَنَّهُ لَا يصبر عَن المَاء، فَضرب مثلا لقرب الْأَجَل. [5] الهامة: طَائِر يخرج من رَأس الْقَتِيل إِذا قتل (زَعَمُوا) فَلَا يزَال يَصِيح: اسقوني اسقوني! حَتَّى يُؤْخَذ بثأره فضربته الْعَرَب مثلا للْمَوْت. [6] قيل إِن الّذي قَتله خطأ هُوَ عتبَة بن مَسْعُود، أَخُو عبد الله بن مَسْعُود، وجد عبد الله بن عبد الله ابْن عتبَة بن مَسْعُود الْفَقِيه. وَعتبَة هَذَا هُوَ أول من سمى الْمُصحف مُصحفا. [7] فِي م، ر: «أَبى وَالله» .

(مقتل حاطب ومقالة أبيه) :

الرَّاحِمِينَ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدِيَهُ، فَتَصَدَّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَزَادَهُ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا. (مَقْتَلُ حَاطِبٍ وَمَقَالَةُ أَبِيهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ كَانَ يُدْعَى حَاطِبَ بْنَ أُمِّيَّةَ بْنِ رَافِعٍ، وَكَانَ لَهُ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ حَاطِبٍ، أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأُتِيَ بِهِ إلَى دَارِ قَوْمِهِ وَهُوَ بِالْمَوْتِ، فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ أَهْلُ الدَّارِ، فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ لَهُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ: أَبْشِرْ يَا بن حَاطِبٍ بِالْجَنَّةِ، قَالَ: وَكَانَ حَاطِبٌ شَيْخًا قَدْ عَسَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَنَجَمَ يَوْمئِذٍ نِفَاقُهُ، فَقَالَ: بِأَيِّ شَيْءٍ تُبَشِّرُونَهُ؟ بِجَنَّةٍ مِنْ حَرْمَلٍ [1] ! غَرَرْتُمْ وَاَللَّهِ هَذَا الْغُلَامَ مِنْ نَفْسِهِ. (مَقْتَلُ قُزْمَانَ مُنَافِقًا كَمَا حَدَّثَ الرَّسُولُ بِذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ فِينَا رَجُلٌ أَتَى [2] لَا يُدْرَى مِمَّنْ هُوَ، يُقَالُ لَهُ: قُزْمَانُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، إذَا ذُكِرَ لَهُ: إنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا، فَقَتَلَ وَحْدَهُ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ ذَا بَأْسٍ، فَأَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ، فَاحْتُمِلَ إلَى دَارِ بَنِي ظَفَرٍ، قَالَ: فَجَعَلَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ لَهُ: وَاَللَّهِ لَقَدْ أَبْلَيْتَ الْيَوْمَ يَا قُزْمَانُ، فأبشر، قَالَ: بِمَاذَا أبشر؟ فو الله إنْ قَاتَلْتُ إلَّا عَنْ أَحْسَابِ قَوْمِي، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا قَاتَلْتُ. قَالَ: فَلَمَّا اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ جِرَاحَتُهُ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، فَقَتَلَ بِهِ نَفْسَهُ. (قَتْلُ مُخَيْرِيقٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمَّنْ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ مُخَيْرِيقَ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ الْفِطْيُونِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، وَاَللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ نَصْرَ مُحَمَّدٍ عَلَيْكُمْ لَحَقٌّ، قَالُوا: إنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ السَّبْتِ، قَالَ: لَا سَبْتَ لَكُمْ.

_ [1] قَالَ السهيليّ: «من حرمل، يُرِيد الأَرْض الَّتِي دفن فِيهَا، وَكَانَت تنْبت الحرمل، أَي لَيْسَ لَهُ جنَّة إِلَّا ذَاك» . [2] أَتَى: غَرِيب.

(أمر الحارث بن سويد) :

فَأَخَذَ سَيْفَهُ وَعُدَّتَهُ، وَقَالَ: إنْ أُصِبْتُ فَمَالِي لِمُحَمَّدٍ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ، ثُمَّ غَدَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَاتَلَ مَعَهُ حَتَّى قُتِلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنَا- مُخَيْرِيقَ خَيْرُ يَهُودٍ. (أَمْرُ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ صَامَتْ مُنَافِقًا، فَخَرَجَ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ، عَدَا عَلَى الْمُجَذَّرِ بْنِ ذِيَادٍ الْبَلَوِيِّ، وَقَيْسِ بْنِ زَيْدٍ، أَحَدِ بَنِي ضُبَيْعَةَ، فَقَتَلَهُمَا، ثُمَّ لَحِقَ بِمَكَّةَ بِقُرَيْشٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- قَدْ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِقَتْلِهِ إنْ هُوَ ظَفِرَ بِهِ، فَفَاتَهُ، فَكَانَ بِمَكَّةَ، ثُمَّ بَعَثَ إلَى أَخِيهِ الْجُلَاسِ بْنِ سُوَيْدٍ يَطْلُبُ التَّوْبَةَ، لِيَرْجِعَ إلَى قَوْمِهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ، فِيمَا بَلَغَنِي، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ، وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ، وَالله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 3: 86» إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. (تَحْقِيقُ ابْنِ هِشَامٍ فِيمَنْ قَتَلَ الْمُجَذَّرَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْدٍ قَتَلَ الْمُجَذَّرَ بْنَ ذِيَادٍ، وَلَمْ يَقْتُلْ قِيسَ بْنَ زَيْدٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ ابْنَ إسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي قَتْلَى أُحُدٍ، وَإِنَّمَا قَتَلَ الْمُجَذَّرَ، لِأَنَّ الْمُجَذَّرَ بْنَ ذِيَادٍ كَانَ قَتَلَ أَبَاهُ سُوَيْدًا فِي بَعْضِ الْحُرُوبِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ. فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، إذْ خَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ مِنْ بَعْضِ حَوَائِطِ الْمَدِينَةِ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُضَرَّجَانِ [1] ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَيُقَالُ: بَعْضُ الْأَنْصَارِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَتَلَ سُوَيْدَ بْنَ الصَّامِتِ مَعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ غِيلَةً، فِي غَيْرِ حَرْبٍ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ قَبْلَ يَوْمِ بُعَاثٍ.

_ [1] المضرج: المشبع حمرَة، كَأَنَّهُ ضرج بِالدَّمِ، أَي لطخ بِهِ.

(أمر أصيرم) :

(أَمْرُ أُصَيْرِمٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مَعَاذٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ يَقُولُ: حَدِّثُونِي عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَمْ يُصَلِّ قَطُّ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ النَّاسُ سَأَلُوهُ: مَنْ هُوَ؟ فَيَقُولُ: أُصَيْرِمٌ، بَنِي [1] عَبْدِ الْأَشْهَلِ، عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ. قَالَ الْحُصَيْنُ: فَقُلْتُ لِمَحْمُودِ بْنِ أَسَدٍ: كَيْفَ كَانَ شَأْنُ الْأُصَيْرِمِ؟ قَالَ: كَانَ يَأْبَى الْإِسْلَامَ عَلَى قَوْمِهِ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أُحُدٍ، بَدَا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ أَخَذَ سَيْفَهُ، فَعَدَا حَتَّى دَخَلَ فِي عُرْضِ النَّاسِ، فَقَاتَلَ حَتَّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ. قَالَ: فَبَيْنَا رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَلْتَمِسُونَ قَتَلَاهُمْ فِي الْمَعْرَكَةِ إذَا هُمْ بِهِ، فَقَالُوا: وَاَللَّهِ إنَّ هَذَا لَلْأُصَيْرِمُ، مَا جَاءَ بِهِ؟ لَقَدْ تَرَكْنَاهُ وَإِنَّهُ لِمُنْكِرٍ لِهَذَا الْحَدِيثَ، فَسَأَلُوهُ مَا جَاءَ بِهِ، فَقَالُوا: مَا جَاءَ بِكَ يَا عَمْرُو؟ أَحَدَبٌ عَلَى قَوْمِكَ أَمْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: بَلْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ، آمَنْتُ باللَّه وَبِرَسُولِهِ وَأَسْلَمْتُ، ثُمَّ أَخَذْتُ سَيْفِي، فَغَدَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَاتَلْتُ حَتَّى أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ فِي أَيْدِيهِمْ. فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. (مَقْتَلُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ كَانَ رَجُلًا أَعْرَجَ شَدِيدَ الْعَرَجِ، وَكَانَ لَهُ بَنُونَ أَرْبَعَةٌ مِثْلَ الْأُسْدِ، يَشْهَدُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَشَاهِدَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أَرَادُوا حَبْسَهُ، وَقَالُوا لَهُ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ: قَدْ عَذَرَكَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنَّ بَنِيَّ يُرِيدُونَ أَنْ يَحْبِسُونِي عَنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالْخُرُوجِ مَعَك فِيهِ، فو الله إنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَطَأَ بِعَرْجَتِي هَذِهِ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ عَذَرَكَ اللَّهُ فَلَا جِهَادَ عَلَيْكَ، وَقَالَ لِبَنِيهِ:

_ [1] فِي أ: «من بنى» .

(هند وتمثيلها بحمزة) :

مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَمْنَعُوهُ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهُ الشَّهَادَةَ فَخَرَجَ مَعَهُ فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ [1] . (هِنْدُ وَتَمْثِيلُهَا بِحَمْزَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَوَقَعَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، كَمَا حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَالنِّسْوَةُ اللَّاتِي مَعَهَا، يُمَثِّلْنَ بِالْقَتْلَى مِنْ أَصْحَابِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يجدّ عَن [2] الْآذَانَ وَالْأُنُفَ، حَتَّى اتَّخَذَتْ هِنْدُ مِنْ آذَانِ الرِّجَالِ وَآنُفِهِمْ خَدَمًا [3] وَقَلَائِدَ، وَأَعْطَتْ خَدَمَهَا وَقَلَائِدَهَا وَقِرَطَتَهَا وَحْشِيًّا، غُلَامَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَبَقَرَتْ [4] عَنْ كَبِدِ حَمْزَةَ، فَلَاكَتْهَا [5] ، فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُسِيغَهَا [6] ، فَلَفَظَتْهَا [7] ، ثُمَّ عَلَتْ عَلَى صَخْرَةٍ مُشْرِفَةٍ، فَصَرَخَتْ بِأَعْلَى صَوْتِهَا فَقَالَتْ: نَحْنُ جَزَيْنَاكُمْ بِيَوْمِ بَدْرٍ ... وَالْحَرْبُ بَعْدَ الْحَرْبِ ذَاتِ سُعْرِ [8] مَا كَانَ عَنْ عُتْبَةَ لِي مِنْ صَبْرِ ... وَلَا أَخِي وَعَمِّهِ وَبَكْرِي شَفَيْتُ نَفْسِي وَقَضَيْتُ نَذْرِي ... شَفَيْتَ وَحْشِيُّ غَلِيلَ صَدْرِي [9] فَشُكْرُ وَحْشِيٍّ عَلَيَّ عُمْرِي ... حَتَّى تَرُمَّ أَعْظُمِي فِي قَبْرِي [10] (شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ أُثَاثَةَ فِي الرَّدِّ عَلَى هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ) : فَأَجَابَتْهَا هِنْدُ بِنْتُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَتْ: خَزِيتُ فِي بَدْرٍ وَبَعْدَ بدر ... يَا بت وَقَّاعٍ عَظِيمِ الْكُفْرِ [11]

_ [1] قَالَ السهيليّ: «وَزَاد غير ابْن إِسْحَاق: أَنه لما خرج قَالَ: اللَّهمّ لَا تردني، فاستشهد، فَجعله بنوه على بعير ليحملوه إِلَى الْمَدِينَة، فاستصعب عَلَيْهِم الْبَعِير، فَكَانَ إِذا وجهوه إِلَى كل جِهَة سارع إِلَّا جِهَة الْمَدِينَة، فَكَانَ يَأْبَى الرُّجُوع إِلَيْهَا، فَلَمَّا لم يقدروا عَلَيْهِ، ذكرُوا قَوْله: اللَّهمّ لَا تردني إِلَيْهَا، فدفنوه فِي مصرعه» . [2] يجدعن: يقطعن. [3] الخدم: جمع خدمَة، وَهِي الخلخال. [4] بقرت: شقَّتْ. [5] لاكتها: مضغتها. [6] أَن تسيغها: أَن تبتلعها. [7] لفظتها: طرحتها. [8] السّعر (بِضَمَّتَيْنِ وَسكن للشعر) : الالتهاب. [9] الغليل: الْعَطش، أَو حرارة الْجوف. [10] ترم: تبلى وتفتت. [11] الوقاع، الْكثير الْوُقُوع فِي الدُّنْيَا.

(شعر لهند بنت عتبة أيضا) :

صَبَّحَكَ اللَّهُ غَدَاةَ الْفَجْرِ ... مَلْهَاشِمَيَّيْنِ الطِّوَالِ الزُّهْرِ [1] بِكُلِّ قَطَّاعٍ حُسَامٍ يَفْرِي ... حَمْزَةُ لَيْثِي وَعَلِيٌّ صَقْرِي [2] إذْ رَامَ شَيْبٌ وَأَبُوكَ غَدْرِي ... فَخَضَّبَا مِنْهُ ضَوَاحِي النَّحْرِ [3] وَنَذْرُكَ السُّوءَ فَشَرُّ نَذْرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ أَقْذَعَتْ فِيهَا. (شِعْرُ لِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ أَيْضًا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ أَيْضًا: شَفَيْتُ مِنْ حَمْزَةَ نَفْسِي بِأُحُدْ ... حَتَّى بَقَرْتُ بَطْنَهُ عَنِ الْكَبِدْ أَذْهَبَ عَنِّي ذَاكَ مَا كُنْتُ أَجِدْ ... مِنْ لَذْعَةِ الْحُزْنِ الشَّدِيدِ الْمُعْتَمِدْ [4] وَالْحَرْبُ تَعْلُوكُمْ بِشَؤْبُوبِ بَرِدْ ... تُقْدِمُ إقْدَامًا عَلَيْكُمْ كَالْأَسَدْ [5] (تَحْرِيضُ عُمَرَ لِحَسَّانَ عَلَى هَجْوِ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ أَنَّهُ حُدِّثَ: أَنَّ عُمْرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: يَا بن الْفُرَيْعَةِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْفُرَيْعَةُ بِنْتُ خَالِدِ بْنِ خُنَيْسٍ، وَيُقَالُ: خُنَيْسٌ: ابْنُ حَارِثَةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ- لَوْ سَمِعْتَ مَا تَقُولُ هِنْدُ، وَرَأَيْتُ أَشْرَهَا [6] قَائِمَةً عَلَى صَخْرَةٍ تَرْتَجِزُ بِنَا، وَتَذْكُرُ مَا صَنَعَتْ بِحَمْزَةِ؟ قَالَ لَهُ حَسَّانُ: وَاَللَّهِ إنِّي لَأَنْظُرُ إلَى الْحَرْبَةِ تَهْوِي وَأَنَا عَلَى رَأْسِ فَارِعٍ- يَعْنِي أُطُمَهُ- فَقُلْتُ: وَاَللَّهِ إنَّ هَذِهِ لَسِلَاحٌ مَا هِيَ بِسِلَاحِ الْعَرَبِ، وَكَأَنَّهَا إنَّمَا تهوى إِلَى جمزة وَلَا أَدْرِي، لَكِنْ

_ [1] ملهاشميين، أَرَادَ: من الهاشميين، فَحذف النُّون من (من) لالتقاء الساكنين، وَلَا يجوز ذَلِك إِلَّا فِي (من) وَحدهَا لِكَثْرَة اسْتِعْمَالهَا. والزهر: الْبيض، الْوَاحِد: أَزْهَر. [2] الحسام: السَّيْف الْقَاطِع. ويفرى: يقطع. [3] شيب: أَرَادَت شيبَة. فرخمته فِي غير النداء. وضواحي النَّحْر: مَا ظهر من الصَّدْر. [4] اللذعة: ألم النَّار، أَو مَا يشبه بهَا. وَالْمُعْتَمد: القاصد المؤلم. [5] الشؤبوب: دفْعَة الْمَطَر الشَّدِيدَة. وَبرد، أَي ذُو برد، شبهت الْحَرْب بهَا. [6] الأشر: البطر.

(استنكار الحليس على أبى سفيان تمثيله بحمزة) :

أَسْمِعْنِي بَعْضَ قَوْلِهَا أَكْفِكُمُوهَا، قَالَ: فَأَنْشَدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَعْضَ مَا قَالَتْ، فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: أَشْرَتْ لَكَاعُ وَكَانَ عَادَتُهَا ... لُؤْمًا إذَا أَشْرَتْ مَعَ الْكُفْرِ [1] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ تَرَكْنَاهَا، وَأَبْيَاتًا أَيْضًا لَهُ عَلَى الدَّالِ. وَأَبْيَاتًا أُخَرَ عَلَى الذَّالِ، لِأَنَّهُ أَقْذَعَ فِيهَا. (اسْتِنْكَارُ الْحُلَيْسِ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ تَمْثِيلَهُ بِحَمْزَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ الْحُلَيْسُ بْنُ زَبَّانٍ، أَخُو بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ، وَهُوَ يَوْمئِذٍ سَيِّدُ الْأُبَيْشِ، قَدْ مَرَّ بِأَبِي سُفْيَانَ، وَهُوَ يَضْرِبُ فِي شَدْقِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِزُجِّ الرُّمْحِ وَيَقُولُ: ذُقْ [2] عُقَقُ، فَقَالَ الْحُلَيْسُ: يَا بَنِي كِنَانَةَ، هَذَا سَيِّدُ قُرَيْشٍ يَصْنَعُ بِابْنِ عَمِّهِ مَا تَرَوْنَ لَحْمًا [3] ؟ فَقَالَ: وَيْحَكَ! اُكْتُمْهَا عَنِّي، فَإِنَّهَا كَانَتْ زَلَّةً. (شَمَاتَةُ أَبِي سُفْيَانَ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أُحُدٍ وَحَدِيثُهُ مَعَ عُمَرَ) : ثُمَّ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، حِينَ أَرَادَ الِانْصِرَافَ، أَشْرَفَ عَلَى الْجَبَلِ، ثُمَّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ فَقَالَ: أَنْعَمْتَ فَعَالِ [4] ، وَإِنَّ الْحَرْبَ سِجَالٌ [5] يَوْمٌ بِيَوْمِ، أُعْلُ هُبَلُ [6] ، أَيْ أَظْهِرْ دِينَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُمْ يَا عُمَرُ فَأَجِبْهُ، فَقُلْ: اللَّهُ أَعَلَى وَأَجَلُّ، لَا سَوَاءَ [7] ، قَتَلَانَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلَاكُمْ

_ [1] قَالَ السهيليّ: «لكاع، جعله اسْما لَهَا فِي غير مَوضِع النداء، وَذَلِكَ جَائِز، وَإِن كَانَ فِي النداء أَكثر، نَحْو يَا غدار وَيَا فساق. واللكاع: اللئيمة» . [2] ذُقْ عُقُق، أَرَادَ ياعاق، فعدله إِلَى فعل. [3] لَحْمًا: أَي مَيتا لَا يقدر على الِانْتِصَار. [4] أَنْعَمت فعال، أَي بالغت، يُقَال: أنعم فِي الشَّيْء، إِذا بَالغ فِيهِ. قَالَ أَبُو ذَر. «أَنْعَمت (بِفَتْح التَّاء) يُخَاطب بِهِ نَفسه. وَمن رَوَاهُ أَنْعَمت (بِسُكُون التَّاء) ، فَإِنَّهُ يعْنى بِهِ الْحَرْب أَو الوقيعة. وَقَوله فعال، أَي ارْتَفع (بِصِيغَة الْأَمر فيهمَا) يُقَال: أعل عَن الوسادة، وَعَاد عَنْهَا، أَي ارْتَفع. وَقد يجوز أَن تكون معدولة من الفعلة، كَمَا عدلوا فجار عَن الفجرة، أَي بالغت فِي هَذِه الفعلة، ويعنى بالفعلة الوقيعة» [5] السجال: الْمُكَافَأَة فِي الْحَرْب وَغَيرهَا وَأَصله أَن السَّاقَيْن على بِئْر يتساجلان يمْلَأ هَذَا سجلا. وَهَذَا سجلا. والسجل: الدَّلْو. [6] هُبل: اسْم صنم. [7] لَا سَوَاء أَي لَا نَحن سَوَاء. قَالَ السهيليّ: «وَلَا يجوز دُخُول (لَا) على اسْم مبتدإ معرفَة إِلَّا مَعَ التّكْرَار وَلكنه جَازَ فِي هَذَا الْموضع لِأَن الْقَصْد فِيهِ إِلَى نفى الْفِعْل: أَي لَا نستوى.

(توعد أبى سفيان المسلمين) :

فِي النَّارِ. فَلَمَّا أَجَابَ عُمَرُ أَبَا سُفْيَانَ، قَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: هَلُمَّ إلَيَّ يَا عُمَرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرِ: ائْتِهِ فَانْظُرْ مَا شَأْنُهُ، فَجَاءَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا عُمَرُ، أَقَتَلْنَا مُحَمَّدًا؟ قَالَ عُمَرُ: اللَّهمّ لَا، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ كَلَامَكَ الْآنَ، قَالَ: أَنْتَ أَصْدَقُ عِنْدِي مِنْ ابْنِ قَمِئَةَ وَأَبَرُّ، لِقَوْلِ ابْنِ قَمِئَةَ لَهُمْ: إنِّي قَدْ قَتَلْتُ مُحَمَّدًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ ابْنِ قَمِئَةَ عَبْدُ اللَّهِ. (تَوَعُّدُ أَبِي سُفْيَانَ الْمُسْلِمِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ نَادَى أَبُو سُفْيَانَ: إنَّهُ قَدْ كَانَ فِي قَتْلَاكُمْ مُثُلٌ، وَاَللَّهِ مَا رَضِيتُ، وَمَا سَخِطْتُ، وَمَا نَهَيْتُ، وَمَا أَمَرْتُ. وَلَمَّا انْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ، نَادَى: إنَّ مَوْعِدَكُمْ بَدْرٌ لِلْعَامِ الْقَابِلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلِ مِنْ أَصْحَابِهِ: قُلْ: نَعَمْ، هُوَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ مَوْعِدٌ. (خُرُوجُ عَلِيٍّ فِي آثَارِ الْمُشْرِكِينَ) : ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: اُخْرُجْ فِي آثَارِ الْقَوْمِ، فَانْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُونَ وَمَا يُرِيدُونَ فَإِنْ كَانُوا قَدْ جَنَّبُوا الْخَيْلَ [1] ، وَامْتَطَوْا الْإِبِلَ، فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ مَكَّةَ، وَإِنْ رَكِبُوا الْخَيْلَ وَسَاقُوا الْإِبِلَ، فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْمَدِينَةَ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِنْ أَرَادُوهَا لَأَسِيرَنَّ إلَيْهِمْ فِيهَا، ثُمَّ لَأُنَاجِزَنَّهُمْ قَالَ عَلِيٌّ: فَخَرَجْتُ فِي آثَارِهِمْ أَنْظُرُ مَاذَا يَصْنَعُونَ، فَجَنَّبُوا الْخَيْلَ، وَامْتَطَوْا الْإِبِلَ، وَوَجَّهُوا إِلَى مَكَّة. (مر الْقَتْلَى بِأُحُدِ) : وَفَرَغَ [2] النَّاسُ لِقَتْلَاهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيَّ، أَخُو بَنِي النَّجَّارِ: مَنْ رَجُلٌ يَنْظُرُ لِي مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ؟ أَفِي الْأَحْيَاءِ هُوَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ

_ [1] جَنبُوا الْخَيل: قادوها إِلَى جنُوبهم. [2] ويروى: «فزع» أَي خَافُوا لَهُم وَلم يشتغلوا بِشَيْء سواهُم.

(حزن الرسول على حمزة وتوعده المشركين بالمثلة) :

مِنْ الْأَنْصَارِ [1] : أَنَا أَنْظُرُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فَعَلَ سَعْدٌ، فَنَظَرَ فَوَجَدَهُ جَرِيحًا فِي الْقَتْلَى وَبِهِ رَمَقٌ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ، أَفِي الْأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ؟ قَالَ: أَنَا فِي الْأَمْوَاتِ، فَأَبْلِغْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: إنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ لَكَ: جَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ، وَأَبْلِغْ قَوْمَكَ عَنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُمْ: إنَّ سَعْدَ ابْن الرَّبِيعِ يَقُولُ لَكُمْ: إنَّهُ لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ إنْ خَلُصَ إلَى نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ [2] . قَالَ: ثُمَّ لَمْ أَبْرَحْ حَتَّى مَاتَ، قَالَ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الزُّبَيْرِيُّ: أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَبِنْتٌ لِسَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ جَارِيَةٌ صَغِيرَةٌ عَلَى صَدْرِهِ يَرْشُفُهَا [3] وَيُقَبِّلُهَا، فَقَالَ لَهَ الرَّجُلُ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: هَذِهِ بِنْتُ رَجُلٍ خَيْرٍ مِنِّي، سَعْدِ ابْن الرَّبِيعِ، كَانَ مِنْ النُّقَبَاءِ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، وَشَهِدَ بَدْرًا، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ (حُزْنُ الرَّسُولِ عَلَى حَمْزَةَ وَتَوَعُّدُهُ الْمُشْرِكِينَ بِالْمُثْلَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا بَلَغَنِي، يَلْتَمِسُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَوَجَدَهُ بِبَطْنِ الْوَادِي قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ عَنْ كَبِدِهِ، وَمُثِّلَ بِهِ، فَجُدِعَ أَنْفُهُ وَأُذُنَاهُ. فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ رَأَى مَا رَأَى: لَوْلَا أَنْ تَحْزَنَ صَفِيَّةُ، وَيَكُونُ سُنَّةً مِنْ بَعْدِي لَتَرَكْتُهُ، حَتَّى يَكُونَ فِي بِطُونِ السِّبَاعِ، وَحَوَاصِلِ الطَّيْرِ، وَلَئِنْ أَظْهَرنِي اللَّهُ عَلَى قُرَيْشٍ

_ [1] قَالَ السهيليّ: «الرجل هُوَ مُحَمَّد بن مسلمة، ذكره الْوَاقِدِيّ، وَذكر أَنه نَادَى فِي الْقَتْلَى: يَا سعد بن الرّبيع، مرّة بعد مرّة، فَلم يجبهُ أحد، حَتَّى قَالَ: يَا سعد، إِن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسلنى انْظُر مَا صنعت، فَأَجَابَهُ حِينَئِذٍ بِصَوْت ضَعِيف وَذكر الحَدِيث. وَهَذَا خلاف مَا ذكره أَبُو عمر فِي كتاب الصَّحَابَة، فَإِنَّهُ ذكر فِيهِ من طَرِيق ربيح بن عبد الرَّحْمَن بن أَبى سعيد الخدريّ عَن أَبِيه عَن جده أَن الرجل الّذي التمس سَعْدا فِي الْقَتْلَى هُوَ ابْن أَبى كَعْب» . [2] يُقَال: طرف بِعَيْنِه يطرف: إِذا ضرب بجفن عينه الْأَعْلَى على جفن عينه الْأَسْفَل. [3] يرشفها: يمص رِيقهَا.

(ما نزل في النهى عن المثلة) :

فِي مَوْطِنٍ مِنْ الْمَوَاطِنِ لَأُمَثِّلَنَّ بِثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ. فَلَمَّا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حُزْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْظَهُ عَلَى مَنْ فَعَلَ بِعَمِّهِ مَا فَعَلَ، قَالُوا: وَاَللَّهِ لَئِنْ أَظْفَرَنَا اللَّهُ بِهِمْ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ لَنُمَثِّلَنَّ بِهِمْ مُثْلَةً لَمْ يُمَثِّلْهَا أَحَدٌ مِنْ الْعَرَبِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَمَّا وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَمْزَةَ قَالَ: لَنْ أُصَابَ بِمِثْلِكَ أَبَدًا! مَا وَقَفْتُ مَوْقِفًا قَطُّ أَغْيَظَ إلَيَّ مِنْ هَذَا! ثُمَّ قَالَ: جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَكْتُوبٌ فِي أَهْلِ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ: حَمْزَةُ ابْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَسَدُ اللَّهِ، وَأَسَدُ رَسُولِهِ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَمْزَةُ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ، إخْوَةٌ مِنْ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْهُمْ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ [1] . (مَا نَزَلَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ فَرْوَةَ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ فِي ذَلِكَ، مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلِ أَصْحَابِهِ: «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا باللَّه، وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ، وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ» ، فَعَفَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَبَرَ وَنَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي حُمَيْدُ الطَّوِيلُ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: مَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَامٍ قَطُّ فَفَارَقَهُ، حَتَّى يَأْمُرَنَا بِالصَّدَقَةِ، وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ [2] .

_ [1] اسْمهَا ثويبة. [2] قَالَ السهيليّ: «وَهُوَ حَدِيث صَحِيح فِي النهى عَن الْمثلَة، فَإِن قيل: فقد مثل رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعرنيين فَقطع أَيْديهم وأرجلهم، وسمل أَعينهم، وتركهم بِالْحرَّةِ؟ قُلْنَا: فِي ذَلِك جوابان: أَحدهمَا أَنه فعل ذَلِك قصاصا لأَنهم قطعُوا أَيدي الرعاء وأرجلهم وسملوا أَعينهم، وَقيل إِن ذَلِك قبل تَحْرِيم الْمثلَة، فَإِن قيل: فقد تَركهم يستسقون فَلَا يسقون حَتَّى مَاتُوا عطاشا. قُلْنَا: عطشهم لأَنهم عطشوا أهل بَيت النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَة،.

(صلاة الرسول على حمزة والقتلى) :

(صَلَاةُ الرَّسُولِ عَلَى حَمْزَةَ وَالْقَتْلَى) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَمْزَةِ فَسُجِّيَ [1] بِبُرْدَةِ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ، فَكَبَّرَ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ أُتِيَ بِالْقَتْلَى فَيُوضَعُونَ إلَى حَمْزَةَ، فَصَلَّى عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ مَعَهُمْ، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ صَلَاةً [2] . (صَفِيَّةُ وَحُزْنُهَا عَلَى حَمْزَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ أَقْبَلَتْ فِيمَا بَلَغَنِي، صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِتَنْظُرَ إلَيْهِ، وَكَانَ أَخَاهَا لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِهَا الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: الْقَهَا فَأَرْجِعْهَا، لَا تَرَى مَا بِأَخِيهَا، فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّهُ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَرْجِعِي، قَالَتْ: وَلِمَ؟ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنْ قَدْ مُثِّلَ بِأَخِي، وَذَلِكَ فِي اللَّهِ، فَمَا أَرْضَانَا بِمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ! لَأَحْتَسِبَنَّ وَلَأَصْبِرَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ. فَلَمَّا جَاءَ الزُّبَيْرُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، قَالَ: خَلِّ سَبِيلَهَا، فَأَتَتْهُ، فَنَظَرَتْ إلَيْهِ، فَصَلَّتْ عَلَيْهِ، وَاسْتَرْجَعَتْ [3] ، وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدُفِنَ. (دَفْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ مَعَ حَمْزَةَ) : قَالَ: فَزَعَمَ لِي آلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ- وَكَانَ لِأُمَيْمَةِ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، حَمْزَةُ خَالُهُ، وَقَدْ كَانَ مُثِّلَ بِهِ كَمَا مُثِّلَ بِحَمْزَةِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُبْقَرْ عَنْ كَبِدِهِ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَنَهُ مَعَ حَمْزَةَ فِي قَبْرِهِ، وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ إلَّا عَنْ أَهْلِهِ

_ [1] سجى: غطى. [2] قَالَ السهيليّ: «وَلم يَأْخُذ بِهَذَا الحَدِيث فُقَهَاء الْحجاز وَلَا الْأَوْزَاعِيّ لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا ضعف إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث. قَالَ ابْن إِسْحَاق: حَدثنِي من لَا أتهم يعْنى الْحسن بن عمَارَة فِيمَا ذكرُوا وَلَا خلاف فِي ضعف الْحسن بن عمَارَة عِنْد أهل الحَدِيث، وَأَكْثَرهم لَا يرونه شَيْئا، وَإِن كَانَ الّذي قَالَ فِيهِ ابْن إِسْحَاق حَدثنِي من لَا أتهم غير الْحسن، فَهُوَ مَجْهُول، وَالْجهل يوبقه. وَالْوَجْه الثَّانِي، أَنه حَدِيث لم يَصْحَبهُ الْعَمَل، وَلَا يرْوى عَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه صلى على شَهِيد فِي شَيْء من مغازيه إِلَّا هَذِه الرِّوَايَة فِي غَزْوَة أحد، وَكَذَلِكَ فِي مُدَّة الخليفتين، إِلَّا أَن يكون الشَّهِيد مرتثا من المعركة» . [3] استرجعت: قَالَت: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156. 7- سيرة ابْن هِشَام- 2

(دفن الشهداء) :

(دَفْنُ الشُّهَدَاءِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ قَدْ احْتَمَلَ نَاسٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتْلَاهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ، فَدَفَنُوهُمْ بِهَا، ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: ادْفِنُوهُمْ حَيْثُ صُرِعُوا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيِّ، حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْقَتْلَى يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ: أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ، إنَّهُ مَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي اللَّهِ، إلَّا وَاَللَّهُ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى جُرْحُهُ، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ، اُنْظُرُوا أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ جَمْعًا لِلْقُرْآنِ، فَاجْعَلُوهُ أَمَامَ أَصْحَابِهِ فِي الْقَبْرِ- وَكَانُوا يَدْفِنُونَ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَمِّي مُوسَى بْنُ يَسَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي اللَّهِ إلَّا وَاَللَّهُ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَدْمَى، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ يَوْمَئِذٍ، حِينَ أَمَرَ بِدَفْنِ الْقَتْلَى: اُنْظُرُوا إلَى عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، فَإِنَّهُمَا كَانَا مُتَصَافِيَيْنِ فِي الدُّنْيَا، فَاجْعَلُوهُمَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ. (حُزْنُ حَمْنَةَ عَلَى حَمْزَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَة، فَلَقِيته حمتة بِنْتُ جَحْشٍ، كَمَا ذُكِرَ لِي، فَلَمَّا لَقِيَتْ النَّاسَ نُعِيَ إلَيْهَا أَخُوهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، فَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ، ثُمَّ نُعِيَ لَهَا خَالُهَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ، ثُمَّ نُعِيَ لَهَا زَوْجُهَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَصَاحَتْ وَوَلْوَلَتْ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ مِنْهَا لَبِمَكَانِ! لِمَا رَأَى مِنْ تَثَبُّتِهَا عِنْدَ أَخِيهَا وَخَالِهَا، وَصِيَاحِهَا عَلَى زَوْجِهَا.

(بكاء نساء الأنصار على حمزة) :

(بُكَاءُ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ عَلَى حَمْزَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَارِ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَظَفَرٍ، فَسَمِعَ الْبُكَاءَ وَالنَّوَائِحَ عَلَى قَتْلَاهُمْ، فَذَرَفَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِيَ لَهُ! فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ إلَى دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَمَرَا نِسَاءَهُمْ أَنْ يَتَحَزَّمْنَ، ثُمَّ يَذْهَبْنَ فَيَبْكِينَ عَلَى عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، قَالَ: لَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُكَاءَهُنَّ عَلَى حَمْزَةَ خَرَجَ عَلَيْهِنَّ وَهُنَّ عَلَى بَابِ مَسْجِدِهِ يَبْكِينَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: ارْجِعْنَ يَرْحَمْكُنَّ اللَّهُ، فَقَدْ آسَيْتُنَّ [1] بِأَنْفُسِكُنَّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَنُهِيَ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّوْحِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَمِعَ بُكَاءَهُنَّ، قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ الْأَنْصَارَ! فَإِنَّ الْمُوَاسَاةَ مِنْهُمْ مَا عَتَّمَتْ [2] لَقَدِيمَةٌ، مُرُوهُنَّ فَلْيَنْصَرِفْنَ. (شَأْنُ الْمَرْأَةِ الدِّينَارِيَّةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةِ مِنْ بَنِي دِينَارٍ، وَقَدْ أُصِيبَ زَوْجُهَا وَأَخُوهَا وَأَبُوهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُحُدٍ، فَلَمَّا نُعُوا لَهَا، قَالَتْ: فَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: خَيْرًا يَا أُمَّ فُلَانٍ، هُوَ بِحَمْدِ اللَّهِ كَمَا تُحِبِّينَ، قَالَتْ: أَرُونِيهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ؟ قَالَ: فَأُشِيرَ لَهَا إلَيْهِ، حَتَّى إذَا رَأَتْهُ قَالَتْ: كُلُّ مُصِيبَةٍ بَعْدَكَ جَلَلٌ! تُرِيدُ صَغِيرَةً قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْجَلَلُ: يَكُونُ مِنْ الْقَلِيلِ، وَمِنْ الْكثير، وَهُوَ هَا هُنَا مِنْ الْقَلِيلِ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ فِي الْجَلَلِ الْقَلِيلِ:

_ [1] آسيتن: عزيتن وعاوقتن، وَأكْثر مَا يُقَال فِي المعونة. [2] فِي أ: «مَا علمت» .

(غسل السيوف) :

لَقَتْلُ بَنِي أَسَدٍ رَبَّهُمْ [1] ... أَلَا كُلُّ شَيْءٍ سِوَاهُ جَلَلُ [2] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [3] : وَأَمَّا قَوْلُ الشَّاعِرِ، وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ وَعْلَةَ الْجَرْمِيُّ: وَلَئِنْ عَفَوْتُ لَأَعْفُوَنَّ جَلَلًا ... وَلَئِنْ سَطَوْتُ لَأُوْهِنَنْ عَظْمِي (فَهُوَ مِنْ الْكَثِيرِ) [4] . (غَسْلُ السُّيُوفِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَهْلِهِ نَاوَلَ سَيْفَهُ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ، فَقَالَ: اغْسِلِي عَنْ هَذَا دَمَهُ يَا بنيّة، فو الله لَقَدْ صَدَقَنِي الْيَوْمَ، وَنَاوَلَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سَيْفَهُ، فَقَالَ: وَهَذَا أَيْضًا، فَاغْسِلِي عَنهُ دَمه، فو الله لَقَدْ صَدَقَنِي الْيَوْمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَئِنْ كُنْتُ صَدَقْتَ الْقِتَالَ لَقَدْ صَدَقَ مَعَكَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَأَبُو دُجَانَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ يُقَالُ لِسَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذُو الْفَقَارِ [5] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ: نَادَى مُنَادٍ يَوْمَ أُحُدٍ: لَا سَيْفَ إلَّا ذُو الْفَقَارِ، وَلَا فَتَى إلَّا عَلِيٌّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: لَا يُصِيبُ الْمُشْرِكُونَ مِنَّا مِثْلَهَا حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [6] : وَكَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ.

_ [1] رَبهم: أَي ملكهم، ويعنى بِهِ وَالِده حجرا، لِأَنَّهُ كَانَ ملكا على بنى أَسد فَقَتَلُوهُ. [2] فِي أ: «خلاه» . [3] كَذَا وَردت هَذِه الْعبارَة فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أَي صَغِير قَلِيل. قَالَ ابْن هِشَام: والجلل أَيْضا الْعَظِيم. قَالَ الشَّاعِر ... إِلَخ» . [4] زِيَادَة عَن أ، ط. [5] وَكَانَ ذُو الفقار سيف العَاصِي بن مُنَبّه، فَلَمَّا قتل كَافِرًا يَوْم بدر صَار إِلَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمَّ جَاءَ إِلَى على بن أَبى طَالب. [6] فِي أ: «قَالَ ابْن هِشَام» .

(خروج الرسول في أثر العدو ليرهبه) :

(خُرُوجُ الرَّسُولِ فِي أَثَرِ الْعَدُوِّ لِيُرْهِبَهُ) : قَالَ: فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ (مِنْ) [1] يَوْمِ الْأَحَدِ لِسِتَّ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَوَّالٍ، أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ بِطَلَبِ الْعَدُوِّ، فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُهُ أَنْ لَا يَخْرُجَنَّ مَعَنَا أَحَدٌ إلَّا أَحَدٌ حَضَرَ يَوْمَنَا بِالْأَمْسِ. فَكَلَّمَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أَبِي كَانَ خَلَّفَنِي عَلَى أَخَوَاتٍ لِي سَبْعٍ، وَقَالَ: يَا بُنَيَّ، إنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِي وَلَا لَكَ أَنْ نَتْرُكَ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةَ لَا رَجُلَ فِيهِنَّ، وَلَسْتُ بِاَلَّذِي أُوثِرُكَ بِالْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفْسِي، فَتَخَلَّفْ عَلَى أَخَوَاتِكَ، فَتَخَلَّفْتُ عَلَيْهِنَّ. فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ مَعَهُ. وَإِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْهِبًا لِلْعَدُوِّ، وَلِيُبَلِّغَهُمْ أَنَّهُ خَرَجَ فِي طَلَبِهِمْ، لِيَظُنُّوا بِهِ قُوَّةً، وَأَنَّ الَّذِي أَصَابَهُمْ لَمْ يُوهِنْهُمْ عَنْ عَدُوِّهِمْ. (مَثَلٌ مِنْ اسْتِمَاتَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي نُصْرَةِ الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي السَّائِبِ مَوْلَى عَائِشَةَ بِنْتِ عُثْمَانَ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، كَانَ شَهِدَ أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: شَهِدْتُ أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَا وَأَخٌ لِي، فَرَجَعْنَا جَرِيحَيْنِ، فَلَمَّا أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ، قُلْتُ لِأَخِي أَوْ [2] قَالَ لِي: أَتَفُوتُنَا غَزْوَةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَاَللَّهِ مَا لَنَا مِنْ دَابَّةٍ نَرْكَبُهَا، وَمَا مِنَّا إلَّا جَرِيحٌ ثَقِيلٌ، فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْتُ أَيْسَرَ جُرْحًا، فَكَانَ إذَا غُلِبَ حَمَلْتُهُ عُقْبَةً [3] ، وَمَشَى عُقْبَةً، حَتَّى انْتَهَيْنَا إلَى مَا انْتَهَى إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ. (اسْتِعْمَالُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَى إلَى حَمْرَاءِ

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] فِي أ: «وَقَالَ» . [3] عقبَة: من الاعتقاب فِي الرّكُوب.

(شأن معبد الخزاعي) :

الْأَسَدِ، وَهِيَ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ بِهَا الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ. (شَأْنُ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيِّ) : قَالَ: وَقَدْ مَرَّ بِهِ كَمَا حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، مَعْبَدُ بْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيُّ، وَكَانَتْ خُزَاعَةُ، مُسْلِمُهُمْ وَمُشْرِكُهُمْ عَيْبَةَ [1] نُصْحٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِتِهَامَةَ، صَفْقَتُهُمْ [2] مَعَهُ، لَا يُخْفُونَ عَنْهُ شَيْئًا كَانَ بِهَا، وَمَعْبَدٌ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَمَا وَاَللَّهِ لَقَدْ عَزَّ عَلَيْنَا مَا أَصَابَكَ، وَلَوَدِدْنَا أَنَّ اللَّهَ عَافَاكَ فِيهِمْ، ثُمَّ خَرَجَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ، حَتَّى لَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَمَنْ مَعَهُ بِالرَّوْحَاءِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا الرَّجْعَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَقَالُوا: أَصَبْنَا حَدَّ أَصْحَابِهِ وَأَشْرَافَهُمْ وَقَادَتَهُمْ، ثُمَّ نَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ نَسْتَأْصِلَهُمْ! لَنَكُرَنَّ عَلَى بَقِيَّتِهِمْ، فَلَنَفْرُغَنَّ مِنْهُمْ. فَلَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ مَعْبَدًا، قَالَ: مَا وَرَاءَكَ يَا مَعْبَدُ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ قَدْ خَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ يَطْلُبُكُمْ فِي جَمْعٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطُّ، يَتَحَرَّقُونَ [3] عَلَيْكُمْ تَحَرُّقًا، قَدْ اجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ فِي يَوْمِكُمْ، وَنَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا [4] ، فِيهِمْ مِنْ الْحَنَقِ [5] عَلَيْكُمْ شَيْءٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطُّ، قَالَ: وَيْحكَ! مَا تَقُولُ؟ قَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَرَى أَنْ تَرْتَحِلَ حَتَّى أَرَى نَوَاصِيَ الْخَيل، قَالَ: فو الله لَقَدْ أَجْمَعْنَا الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ، لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيَّتَهُمْ: قَالَ: فَإِنِّي أَنْهَاكَ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْتُ عَلَى أَنْ قُلْتُ فِيهِمْ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ، قَالَ: وَمَا قُلْتُ؟ قَالَ: قُلْتُ:

_ [1] عَيْبَة نصح لرَسُول الله: أَي مَوضِع سره. [2] صفقتهم مَعَه، أَي اتِّفَاقهم مَعَه. يُقَال: أصفقت مَعَ فلَان على الْأَمر: إِذا اجْتمعت مَعَه عَلَيْهِ. وَكَانَ الأَصْل أَن يُقَال: إصفاقهم مَعَه، إِلَّا أنّه اسْتعْمل الْمصدر ثلاثيا. ويروى: «ضلعهم مَعَه» وَمَعْنَاهُ: ميلهم. [3] يتحرقون: يلتهبون من الغيظ. [4] فِي م، ر: «ضيعوا» . [5] الحنق: شدَّة الغيظ.

(رسالة أبى سفيان إلى الرسول على لسان ركب) :

كَادَتْ تُهَدُّ مِنْ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي ... إذْ سَالَتْ الْأَرْضُ بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيلِ [1] تَرْدِى بِأُسْدٍ كَرَامٍ لَا تَنَابِلَةٍ ... عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا مِيلٍ مَعَازِيلِ [2] فَظَلْتُ عَدْوًا أَظُنُّ الْأَرْضَ مَائِلَةً ... لَمَّا سَمَوْا بِرَئِيسٍ غَيْرِ مَخْذُولِ [3] فَقُلْتُ: وَيْلَ ابْنِ حَرْبٍ مِنْ لِقَائِكُمْ [4] ... إذَا تَغَطمطتُ الْبَطْحَاءُ بِالْجِيلِ [5] إنِّي نَذِيرٌ لِأَهْلِ الْبَسْلِ ضَاحِيَةً ... لِكُلِّ ذِي إرْبَةٍ مِنْهُمْ وَمَعْقُولِ [6] مِنْ جَيْشِ أَحْمَدَ لَا وَخَشٍ تَنَابِلَةٍ ... وَلَيْسَ يُوصَفُ مَا أَنْذَرْتُ بِالْقِيلِ [7] فَثَنَى ذَلِكَ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ. (رِسَالَةُ أَبِي سُفْيَانَ إلَى الرَّسُولِ عَلَى لِسَانِ رَكْبٍ) : وَمَرَّ بِهِ رَكْبٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: وَلِمَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ الْمِيرَةَ، قَالَ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُبَلِّغُونَ عَنِّي مُحَمَّدًا رِسَالَةً أُرْسِلُكُمْ بِهَا إلَيْهِ، وَأُحَمِّلُ لَكُمْ هَذِهِ غَدًا زَبِيبًا بِعُكَاظٍ إذَا وَافَيْتُمُوهَا؟ قَالُوا نَعَمْ، قَالَ: فَإِذَا وَافَيْتُمُوهُ فَأَخْبِرُوهُ أَنَّا قَدْ أَجْمَعْنَا السَّيْرَ إلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيَّتَهُمْ، فَمَرَّ الرَّكْبُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ، فَأَخْبَرُوهُ بِاَلَّذِي قَالَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ،

_ [1] تهد: تسْقط لهول مَا رَأَتْ من أصوات الْجَيْش وكثرته. والجرد: الْخَيل الْعتاق. والأبابيل: الْجَمَاعَات. [2] تردى: تسرع. والتنابلة: الْقصار. والميل: جمع أميل، وَهُوَ الّذي لَا رمح أَو لَا ترس مَعَه، وَقيل: هُوَ الّذي لَا يثبت على السرج. والمعازيل: الَّذين لَا سلَاح مَعَهم. [3] الْعَدو: الْمَشْي السَّرِيع. وَسموا: علوا وارتفعوا. [4] ابْن حَرْب: هُوَ أَبُو سُفْيَان. [5] كَذَا ورد هَذَا الشّطْر فِي أ، ط. وتغطمطت: اهتزت وارتجت، وَمِنْه: بَحر غطامط، إِذا علت أمواجه. والبطحاء: السهل من الأَرْض. والجيل: الصِّنْف من النَّاس. وَفِي سَائِر الْأُصُول: إِذا تعظمت الْبَطْحَاء بِالْخَيْلِ وَهُوَ ظَاهر التحريف. [6] أهل البسل: قُرَيْش، لأَنهم أهل مَكَّة، وَمَكَّة حرَام. والضاحية: البارزة للشمس. والإربة: الْعقل. [7] الوخش: رذالة النَّاس وأخساؤهم. والتنابلة: الْقصار. والقيل: القَوْل.

كف صفوان لأبى سفيان عن معاودة الكرة) :

( كَفُّ صَفْوَانَ لِأَبِي سُفْيَانَ عَنْ مُعَاوَدَةِ الْكَرَّةِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ لَمَّا انْصَرَفَ يَوْمَ أُحُدٍ، أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى الْمَدِينَةِ، لِيَسْتَأْصِلَ [1] بَقِيَّةَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ: لَا تَفْعَلُوا، فَإِنَّ الْقَوْمَ قَدْ حَرِبُوا [2] ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ قِتَالٌ غَيْرُ الَّذِي كَانَ، فَارْجِعُوا، فَرَجَعُوا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ، حِينَ بَلَغَهُ أَنَّهُمْ هَمُّوا بِالرَّجْعَةِ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ سُوِّمَتْ [3] لَهُمْ حِجَارَةٌ، لَوْ صُبِّحُوا بِهَا لَكَانُوا كَأَمْسِ الذَّاهِبِ [4] . (مَقْتَلُ أَبِي عَزَّةَ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ) : قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ [5] : وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِهَةِ ذَلِكَ، قَبْلَ رُجُوعِهِ إلَى الْمَدِينَةِ، مُعَاوِيَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَهُوَ جَدُّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، أَبُو أُمِّهِ عَائِشَةَ بِنْتِ مُعَاوِيَةَ، وَأَبَا عَزَّةَ الْجُمَحِيَّ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَهُ بِبَدْرِ، ثُمَّ مَنَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقِلْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاَللَّهِ لَا تَمْسَحْ عَارِضَيْكَ بِمَكَّةَ بَعْدَهَا وَتَقُولُ: خَدَعْتُ مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنِ، اضْرِبْ عُنُقَهُ يَا زُبَيْرُ. فَضَرَبَ عُنُقَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ، اضْرِبْ عُنُقَهُ يَا عَاصِمُ ابْن ثَابِتٍ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ. (مَقْتَلُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: إنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَتَلَا مُعَاوِيَةَ

_ [1] فِي م، ر: «ليستأصل فِيمَا زَعَمُوا» . [2] حربوا: غضبوا. [3] سومت، أَي جعلت لَهَا عَلامَة يعرف بهَا أَنَّهَا من عِنْد الله. [4] فِي أ: «قَالَ» . [5] قَالَ أَبُو ذَر: «وَوَقع فِي كتاب أَبى على الغساني بعد هَذَا: حَدثنَا أَبُو صَالح وَابْن بكير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب، قَالَ أخبرنى سعيد بن الْمسيب أَن أَبَا هُرَيْرَة أخبرهُ أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يلْدغ الْمُؤمن من جُحر وَاحِد مرَّتَيْنِ، هَذَا الحَدِيث حَاشِيَة فِي كتاب أَبى على الغساني رَحمَه الله» .

(شأن عبد الله بن أبى بعد ذلك) :

ابْن الْمُغِيرَةِ بَعْدَ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، كَانَ لَجَأَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَاسْتَأْمَنَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّنَهُ، عَلَى أَنَّهُ إنْ وُجِدَ بَعْدَ ثَلَاثٍ قُتِلَ، فَأَقَامَ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَتَوَارَى فَبَعَثَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: إنَّكُمَا سَتَجِدَانِهِ بِمَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فَوَجَدَاهُ فَقَتَلَاهُ. (شَأْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بَعْدَ ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ، كَمَا حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، لَهُ مَقَامٌ يَقُومُهُ كُلَّ جُمُعَةٍ لَا يُنْكَرُ، شَرَفًا لَهُ فِي نَفْسِهِ وَفِي قَوْمِهِ، وَكَانَ فِيهِمْ شَرِيفًا، إذَا جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ، قَامَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، أَكْرَمَكُمْ اللَّهُ وَأَعَزَّكُمْ بِهِ، فَانْصُرُوهُ وَعَزِّرُوهُ، وَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا، ثُمَّ يَجْلِسُ حَتَّى إذَا صَنَعَ يَوْمَ أُحُدٍ مَا صَنَعَ، وَرَجَعَ بِالنَّاسِ، قَامَ يَفْعَلُ ذَلِكَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ، فَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ بِثِيَابِهِ مِنْ نَوَاحِيهِ، وَقَالُوا: اجْلِسْ، أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ، لَسْتُ لِذَلِكَ بِأَهْلِ، وَقَدْ صَنَعْتَ مَا صَنَعْتَ، فَخَرَجَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ وَهُوَ يَقُولُ: وَاَللَّهِ لَكَأَنَّمَا قُلْتُ بَجْرًا [1] أَنْ قُمْتُ أُشَدِّدُ أَمْرَهُ. فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِبَابِ الْمَسْجِد، فَقَالَ: مَالك؟ وَيْلَكَ! قَالَ: قُمْتُ أُشَدِّدُ أَمْرَهُ، فَوَثَبَ عَلَيَّ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَجْذِبُونَنِي وَيُعَنِّفُونَنِي، لَكَأَنَّمَا قُلْتُ بَجْرًا أَنْ قُمْتُ أُشَدِّدُ أَمْرَهُ، قَالَ: وَيْلَكَ! ارْجِعْ يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَبْتَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي. (كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ مِحْنَةٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ بَلَاءٍ وَمُصِيبَةٍ وَتَمْحِيصٍ، اخْتَبَرَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَحَنَ بِهِ الْمُنَافِقِينَ، مِمَّنْ كَانَ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ بِلِسَانِهِ، وَهُوَ مُسْتَخْفٍ بِالْكُفْرِ فِي قَلْبِهِ، وَيَوْمًا أَكْرَمَ اللَّهُ فِيهِ مَنْ أَرَادَ كَرَامَتَهُ بِالشَّهَادَةِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ.

_ [1] بجزا: أمرا عَظِيما. ويروى: «هجرا» ، وَهُوَ الْكَلَام الْقَبِيح.

ذكر ما أنزل الله في أحد من القرآن

ذِكْرُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي أُحُدٍ مِنْ الْقُرْآنِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيِّ، قَالَ: فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ مِنْ الْقُرْآنِ سِتُّونَ آيَةً مِنْ آلِ عِمْرَانَ، فِيهَا صِفَةُ مَا كَانَ فِي يَوْمِهِمْ ذَلِكَ، وَمُعَاتَبَةُ مَنْ عَاتَبَ مِنْهُمْ، يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ، وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ» 3: 121. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ: تَتَّخِذُ لَهُمْ مَقَاعِدَ وَمَنَازِلَ. قَالَ الْكُمَيْتُ ابْن زَيْدٍ: لَيْتَنِي كُنْتُ قَبْلَهُ ... قَدْ تَبَوَّأْتُ مَضْجَعَا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. أَيْ سَمِيعٌ بِمَا تَقُولُونَ، عَلِيمٌ بِمَا تُخْفُونَ. «إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا 3: 122» : أَنْ تَتَخَاذَلَا، وَالطَّائِفَتَانِ: بَنُو سَلَمَةَ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَبَنُو حَارِثَةَ بْنِ النَّبِيتُ مِنْ الْأَوْسِ، وَهُمَا الْجَنَاحَانِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: «وَالله وَلِيُّهُما 3: 122» : أَيْ الْمُدَافِعُ عَنْهُمَا مَا هَمَّتَا بِهِ مِنْ فَشَلِهِمَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا عَنْ ضَعْفٍ وَوَهَنٍ أَصَابَهُمَا غَيْرَ شَكٍّ فِي دِينِهِمَا، فَتَوَلَّى دَفْعَ ذَلِكَ عَنْهُمَا بِرَحْمَتِهِ وَعَائِدَتِهِ، حَتَّى سَلِمَتَا مِنْ وُهُونِهِمَا وَضَعْفِهِمَا، وَلَحِقَتَا بِنَبِيِّهِمَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ الْأَسْدِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ: قَالَتْ الطَّائِفَتَانِ: مَا نُحِبُّ أَنَّا لَمْ نَهُمَّ بِمَا هَمَمْنَا بِهِ، لَتَوَلَّى اللَّهُ إيَّانَا فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: «وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ 3: 122» : أَيْ مَنْ كَانَ بِهِ ضَعْفٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَيَّ، وَلْيَسْتَعِنْ بِي، أُعِنْهُ عَلَى أَمْرِهِ، وَأُدَافِعْ عَنْهُ، حَتَّى أَبْلُغَ بِهِ، وَأَدْفَعَ عَنْهُ، وَأُقَوِّيَهُ عَلَى نِيَّتِهِ. «وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» 3: 123:

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

أَيْ فَاتَّقُونِي، فَإِنَّهُ شُكْرُ نِعْمَتِي. «وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ» 3: 123 وَأَنْتُمْ أَقَلُّ عَدَدًا وَأَضْعَفُ قُوَّةً «إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ. بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ» 3: 124- 125: أَيْ إنْ تَصْبِرُوا لِعَدُوِّي، وَتُطِيعُوا أَمْرِي، وَيَأْتُوكُمْ مِنْ وَجْهِهِمْ هَذَا، أُمِدُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُسَوِّمِينَ: مُعْلَمِينَ. بَلَغَنَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَعْلَمُوا عَلَى أَذْنَابِ خَيْلِهِمْ وَنَوَاصِيهَا بِصُوفِ أَبْيَضَ. فَأَمَّا ابْنُ إسْحَاقَ فَقَالَ: كَانَتْ سِيمَاهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ عَمَائِمَ بِيضًا. وَقَدْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ بَدْرٍ. وَالسِّيمَا: الْعَلَامَةُ. وَفِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ» 48: 29: أَيْ عَلَامَتُهُمْ. وَ «حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ. مُسَوَّمَةً» 11: 82- 83 يَقُولُ: مُعْلَمَةً. بَلَغَنَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: عَلَيْهَا عَلَامَةٌ، أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ حِجَارَةِ الدُّنْيَا، وَأَنَّهَا مِنْ حِجَارَةِ الْعَذَابِ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ: فَالْآنَ تُبْلَى بِي الْجِيَادُ السَّهَمُ ... وَلَا تُجَارِينِي إذَا مَا سَوَّمُوا [1] وَشَخَصَتْ أَبْصَارُهُمْ وَأَجْذَمُوا (أَجْذَمُوا «بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ» : أَيْ أَسْرَعُوا، وَأَجْدَمُوا «بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ» : أَقْطَعُوا) [2] . وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. وَالْمُسَوَّمَةُ (أَيْضًا) : الْمَرْعِيَّةُ. وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: «وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ» 3: 14 و «شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ» 16: 10. تَقُولُ الْعَرَبُ: سَوَّمَ خَيْلَهُ وَإِبِلَهُ، وَأَسَامَهَا: إذَا رَعَاهَا. قَالَ الْكُمَيْت من زَيْدٍ: رَاعِيًا كَانَ مُسْجِحًا فَفَقَدْنَاهُ ... وَفَقْدُ الْمُسِيمِ هُلْكُ السَّوَامِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُسْجِحًا: سَلِسُ السِّيَاسَةِ مُحْسِنٌ (إلَى الْغَنَمِ) [2] . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.

_ [1] الْجِيَاد: الْخَيل الْعتاق. والسهم: العابسة المتغيرة من شدَّة الْحَرْب. [2] زِيَادَة عَن أ.

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

«وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ، وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ، وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ» 3: 126: أَيْ مَا سَمَّيْتُ لَكُمْ مَنْ سَمَّيْتُ مِنْ جُنُودِ مَلَائِكَتِي إلَّا بُشْرَى لَكُمْ، وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ، لِمَا أَعْرِفُ مِنْ ضَعْفِكُمْ، وَمَا النَّصْرُ إلَّا مِنْ عِنْدِي، لِسُلْطَانِي وَقُدْرَتِي، وَذَلِكَ أَنَّ الْعِزَّ وَالْحُكْمَ إلَيَّ، لَا إلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِي. ثُمَّ قَالَ: «لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ» 3: 127: أَيْ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِقَتْلٍ يَنْتَقِمُ بِهِ مِنْهُمْ، أَوْ يَرُدَّهُمْ خَائِبِينَ: أَيْ وَيَرْجِعُ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ فَلًّا خَائِبِينَ، لَمْ يَنَالُوا شَيْئًا مِمَّا كَانُوا يَأْمُلُونَ. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَكْبِتُهُمْ: يَغُمُّهُمْ أَشَدَّ الْغَمِّ، وَيَمْنَعُهُمْ مَا أَرَادُوا. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ: مَا أَنْسَ مِنْ شَجَنٍ لَا أَنْسَ مَوْقِفَنَا ... فِي حَيْرَةٍ بَيْنَ مَسْرُورٍ وَمَكْبُوتِ [1] وَيَكْبِتُهُمْ (أَيْضًا) : يَصْرَعُهُمْ لِوُجُوهِهِمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ قَالَ لِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ 3: 128» : أَيْ لَيْسَ لَكَ مِنْ الْحُكْمِ شَيْءٌ فِي عِبَادِي، إلَّا مَا أَمَرْتُكَ بِهِ فِيهِمْ، أَوْ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ بِرَحْمَتِي، فَإِنْ شِئْتُ فَعَلْتُ، أَوْ أُعَذِّبُهُمْ بِذُنُوبِهِمْ فَبِحَقِّي «فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ» 3: 128: أَيْ قَدْ اسْتَوْجَبُوا ذَلِكَ بِمَعْصِيَتِهِمْ إيَّايَ «وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ» 3: 129: أَيْ يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَرْحَمُ الْعِبَادَ، عَلَى مَا فِيهِمْ [2] .

_ [1] الشجن: الْحزن. [2] قَالَ السهيليّ، عِنْد ذكر قَوْله تَعَالَى «لَيْسَ لَكَ من الْأَمْرِ شَيْءٌ» 3: 128: «وَفِي تَفْسِير التِّرْمِذِيّ حَدِيث مَرْفُوع: أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو على أَبى سُفْيَان والْحَارث بن هِشَام وَعَمْرو بن الْعَاصِ حَتَّى أنزل الله تَعَالَى «لَيْسَ لَكَ من الْأَمْرِ شَيْءٌ» 3: 128 قَالَ فتابوا وَأَسْلمُوا وَحسن إسْلَامهمْ، وَهَذَا حَدِيث ثَابت فِي حسن إِسْلَام أَبى سُفْيَان، خلافًا لمن زعم غير ذَلِك، وَأما الْحَارِث بن هِشَام فَلَا خلاف فِي حسن إِسْلَامه وَفِي مَوته شَهِيدا بِالشَّام، وَأما عَمْرو بن الْعَاصِ فقد قَالَ فِيهِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أسلم النَّاس وآمن عَمْرو» .

(النهى عن الربا) :

(النَّهْيُ عَنْ الرِّبَا) : ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً» 3: 130، أَيْ لَا تَأْكُلُوا فِي الْإِسْلَامِ، إذْ هَدَاكُمْ اللَّهُ بِهِ مَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ إذْ أَنْتُمْ عَلَى غَيْرِهِ، مِمَّا لَا يَحِلُّ لَكُمْ فِي دِينِكُمْ «وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» 3: 130: أَيْ فَأَطِيعُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَنْجُونَ مِمَّا حَذَّرَكُمْ اللَّهُ مِنْ عَذَابِهِ، وتدركون مَا رَغَّبَكُمْ اللَّهُ فِيهِ مِنْ ثَوَابِهِ، «وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ» 3: 131: أَيْ الَّتِي جُعِلَتْ دَارًا لِمِنْ كَفَرَ بِي. (الْحَضُّ عَلَى الطَّاعَةِ) : ثُمَّ قَالَ: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» 3: 132 مُعَاتَبَةً لِلَّذِينَ عَصَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَمَرَهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِي غَيْرِهِ. ثُمَّ قَالَ: «وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» 3: 133: أَيْ دَارًا لِمَنْ أَطَاعَنِي وَأَطَاعَ رَسُولِي. «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ، وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ، وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» 3: 134: أَيْ وَذَلِكَ هُوَ الْإِحْسَانُ، وَأَنَا أُحِبُّ مَنْ عَمِلَ بِهِ، «وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ، وَمن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ» 3: 135: أَيْ إنْ أَتَوْا فَاحِشَةً، أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَعْصِيَةٍ ذَكَرُوا نَهْيَ اللَّهِ عَنْهَا، وَمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ لَهَا، وَعَرَفُوا أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا هُوَ. «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ» 3: 135: أَيْ لَمْ يُقِيمُوا عَلَى مَعْصِيَتِي كَفِعْلِ مَنْ أَشْرَكَ بِي فِيمَا غَلَوْا بِهِ فِي كُفْرِهِمْ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِي. «أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها، وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ» 3: 136: أَيْ ثَوَابُ الْمُطِيعِينَ. (ذِكْرُ مَا أَصَابَهُمْ وَتَعْزِيَتُهُمْ عَنْهُ) : ثُمَّ اسْتَقْبَلَ ذِكْرَ الْمُصِيبَةِ الَّتِي نَزَلَتْ بِهِمْ، وَالْبَلَاءَ الَّذِي أَصَابَهُمْ، وَالتَّمْحِيصَ لِمَا كَانَ فِيهِمْ، وَاِتِّخَاذَهُ الشُّهَدَاءَ مِنْهُمْ، فَقَالَ: تَعْزِيَةً لَهُمْ، وَتَعْرِيفًا لَهُمْ فِيمَا صَنَعُوا، وَفِيمَا هُوَ صَانِعٌ بِهِمْ. «قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا

(دعوة الجنة للمجاهدين) :

فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ» 3: 137: أَيْ قَدْ مَضَتْ مِنِّي وَقَائِعُ نِقْمَةٍ فِي أَهْلِ التَّكْذِيبِ لِرُسُلِي وَالشِّرْكِ بِي: عَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ، فَرَأَوْا مَثُلَاتٍ قَدْ مَضَتْ مِنِّي فِيهِمْ، وَلِمَنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مِنِّي، فَإِنِّي أَمْلَيْتُ لَهُمْ: أَيْ لِئَلَّا يَظُنُّوا أَنَّ نِقْمَتِي انْقَطَعَتْ عَنْ عَدُوِّكُمْ وَعَدُوِّي، لِلدَّوْلَةِ الَّتِي أَدْلَتْهُمْ بِهَا عَلَيْكُمْ، لِيَبْتَلِيَكُمْ بِذَلِكَ، لِيُعَلِّمَكُمْ مَا عِنْدَكُمْ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: «هَذَا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ» 3: 138: أَيْ هَذَا تَفْسِيرٌ لِلنَّاسِ إنْ قَبِلُوا الْهُدَى «وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ» 3: 138: أَيْ نُورٌ وَأَدَبٌ «لِلْمُتَّقِينَ» 3: 138 أَيْ لِمَنْ أَطَاعَنِي وَعَرَفَ أَمْرِي. «وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا» 3: 139: أَيْ لَا تَضْعُفُوا وَلَا تَبْتَئِسُوا عَلَى مَا أَصَابَكُمْ، «وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ» 3: 139: أَيْ لَكُمْ تَكُونُ الْعَاقِبَةُ وَالظُّهُورُ «إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» 3: 139: أَيْ إنْ كُنْتُم صدّقتم نَبِي بِمَا بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ عَنِّي. «إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ» 3: 140: أَيْ جِرَاحُ [1] مِثْلُهَا، «وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ» 3: 140: أَيْ نُصَرِّفُهَا بَيْنَ النَّاسِ لِلْبَلَاءِ وَالتَّمْحِيصِ «وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا، وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ، وَالله لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» 3: 140: أَيْ لِيُمَيِّزَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، وَلِيُكْرِمَ مَنْ أَكْرَمَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِالشَّهَادَةِ «وَالله لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» 3: 140: أَيْ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ الطَّاعَةَ وَقُلُوبُهُمْ مُصِرَّةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ «وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا» 3: 141: أَيْ يَخْتَبِرَ الَّذِينَ آمَنُوا حَتَّى يُخَلِّصَهُمْ بِالْبَلَاءِ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ، وَكَيْفَ صَبْرُهُمْ وَيَقِينُهُمْ «وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ» 3: 141: أَيْ يُبْطِلَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ قَوْلَهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ، حَتَّى يَظْهَرَ مِنْهُمْ كُفْرُهُمْ الَّذِي يَسْتَتِرُونَ بِهِ. (دَعْوَةُ الْجَنَّةِ لِلْمُجَاهِدِينَ) : ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ» 3: 142: أَيْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ، فَتُصِيبُوا مِنْ ثَوَابِي الْكَرَامَةَ، وَلَمْ أَخْتَبِرْكُمْ بِالشِّدَّةِ، وَأَبْتَلِيَكُمْ بِالْمَكَارِهِ، حَتَّى أَعْلَمَ صِدْقَ

_ [1] قَالَ أَبُو ذَر: «قَالَ للفراء: الْقرح (بِفَتْح الْقَاف) : الْجراح. والقرح (بِضَم الْقَاف) ألم الْجراح. وَغَيره لَا يفرق بَينهمَا.

(ذكره أن الموت بإذن الله) :

ذَلِكَ مِنْكُمْ بِالْإِيمَانِ بِي، وَالصَّبْرَ عَلَى مَا أَصَابَكُمْ فِيَّ، وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الشَّهَادَةَ عَلَى الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ قَبْلَ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، يَعْنِي الَّذِينَ اسْتَنْهَضُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى خُرُوجِهِ بِهِمْ إلَى عَدُوِّهِمْ، لِمَا فاتهم من حضورا الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ بِبَدْرٍ، وَرَغْبَةً فِي الشَّهَادَةِ الَّتِي فَاتَتْهُمْ بِهَا، فَقَالَ: «وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ» 3: 143 يَقُولُ: «فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ» 3: 143: أَيْ الْمَوْتُ بِالسُّيُوفِ فِي أَيْدِي الرِّجَالِ قَدْ خُلِّيَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ، ثُمَّ صَدَّهُمْ عَنْكُمْ. «وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ، وَمن يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً، وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» 3: 144: أَيْ لِقَوْلِ النَّاسِ: قُتِلَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْهِزَامُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ، وَانْصِرَافُهُمْ عَنْ عَدُوِّهِمْ «أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ» 3: 144 رَجَعْتُمْ عَنْ دِينِكُمْ كُفَّارًا كَمَا كُنْتُمْ، وَتَرَكْتُمْ جِهَادَ عَدُوِّكُمْ، وَكِتَابَ اللَّهِ. وَمَا خَلَّفَ نَبِيُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ دِينِهِ مَعَكُمْ وَعِنْدَكُمْ، وَقَدْ بَيَّنَ لَكُمْ فِيمَا جَاءَكُمْ بِهِ عَنِّي أَنَّهُ مَيِّتٌ وَمُفَارِقُكُمْ، «وَمن يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ» 3: 144: أَيْ يَرْجِعُ عَنْ دِينِهِ «فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً» 3: 144: أَيْ لَيْسَ يُنْقِصُ ذَلِكَ عِزَّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مُلْكَهُ وَلَا سُلْطَانَهُ وَلَا قُدْرَتَهُ، «وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» 3: 144: أَيْ مَنْ أَطَاعَهُ وَعَمِلَ بِأَمْرِهِ [1] . (ذِكْرُهُ أَنَّ الْمَوْتَ بِإِذْنِ اللَّهِ) : ثُمَّ قَالَ: «وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا» 3: 145: أَيْ أَنَّ لِمُحَمَّدِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَلًا هُوَ بَالِغُهُ، فَإِذَا أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ كَانَ. «وَمن يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمن يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها، وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ» 3: 145: أَيْ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الدُّنْيَا، لَيْسَتْ لَهُ رَغْبَةٌ فِي الْآخِرَةِ، نُؤْتِهِ مِنْهَا مَا قُسِمَ لَهُ مِنْ رِزْقٍ، وَلَا يَعْدُوهُ فِيهَا، وَلَيْسَ لَهُ

_ [1] قَالَ السهيليّ: «تَأْوِيل هَذِه الْآيَة حِين انْقَلب أهل الرِّدَّة على أَعْقَابهم فَلم يضر ذَلِك دين الله وَلَا أمة نبيه. وَكَانَ أَبُو بكر يُسمى أَمِير الشَّاكِرِينَ لذَلِك. وَفِي هَذِه الْآيَة دَلِيل على صِحَة خِلَافَته، لِأَنَّهُ الّذي قَاتل المنقلبين على أَعْقَابهم من ردهم إِلَى الدَّين الّذي خَرجُوا مِنْهُ» .

(ذكر شجاعة المجاهدين من قبل مع الأنبياء) :

فِي الْآخِرَةِ مِنْ حَظٍّ «وَمن يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها» 3: 145 مَا وُعِدَ بِهِ، مَعَ مَا يُجْزَى عَلَيْهِ مِنْ رِزْقِهِ فِي دُنْيَاهُ، وَذَلِكَ جَزَاءُ الشَّاكِرِينَ، أَيْ الْمُتَّقِينَ. (ذِكْرُ شَجَاعَةِ الْمُجَاهِدِينَ مِنْ قَبْلُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ) : ثُمَّ قَالَ: «وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ، فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا، وَالله يُحِبُّ الصَّابِرِينَ» 3: 146: أَيْ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ أَصَابَهُ الْقَتْلُ، وَمَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ: أَيْ جَمَاعَةٌ، فَمَا وَهَنُوا لِفَقْدِ نَبِيِّهِمْ، وَمَا ضَعُفُوا عَنْ عَدُوِّهِمْ، وَمَا اسْتَكَانُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي الْجِهَادِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ دِينِهِمْ، وَذَلِكَ الصَّبْرُ، وَاَللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ «وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا، وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا، وَثَبِّتْ أَقْدامَنا، وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ» 3: 147. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاحِدُ الرِّبِّيِّينَ: رِبِّيٌّ، وَقَوْلُهُمْ: الرِّبَابُ، لِوَلَدِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ أدّ بن طابخة بْنِ إلْيَاسَ، وَلِضَبَّةَ، لِأَنَّهُمْ تَجَمَّعُوا وَتَحَالَفُوا، مِنْ هَذَا، يُرِيدُونَ الْجَمَاعَاتِ. وَوَاحِدَةُ الرِّبَابِ: رِبَّةٌ (وَرِبَابَةٌ) [1] وَهِيَ جَمَاعَاتُ قِدَاحٍ أَوْ عِصِيٍّ وَنَحْوِهَا، فَشَبَّهُوهَا بِهَا. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيُّ [2] : وَكَأَنَّهُنَّ رِبَابَةٌ وَكَأَنَّهُ ... يَسَرٌ يَفِيصُ عَلَى الْقِدَاحِ وَيَصْدَعُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ: حَوْلَ شياطينهم أبابيل ربّ ... يون شَدُّوا سَنَوَّرًا مَدْسُورَا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالرِّبَابَةُ (أَيْضًا) : الْخِرْقَةُ الَّتِي تُلَفُّ فِيهَا الْقِدَاحُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: والسَّنَوَّرُ: الدُّرُوعُ. وَالدُّسُرُ، هِيَ الْمَسَامِيرُ الَّتِي فِي الْحِلَقِ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ «وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ» 54: 13. قَالَ الشَّاعِرُ، وَهُوَ أَبُو الْأَخْزَرِ الْحِمَّانِيُّ، مِنْ تَمِيمٍ:

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] هَذِه الْعبارَة من قَوْله «قَالَ أَبُو ذُؤَيْب» إِلَى أول قَوْله «وَقَالَ أُميَّة» سَاقِطَة فِي أ.

(تحذيره إياهم من إطاعة الكفار) :

دَسْرًا بِأَطْرَافِ الْقَنَا الْمُقَوَّمِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَيْ فَقُولُوا مِثْلَ مَا قَالُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّمَا ذَلِكَ بِذُنُوبِ مِنْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ كَمَا اسْتَغْفَرُوهُ، وَامْضُوا عَلَى دِينِكُمْ كَمَا مَضَوْا عَلَى دِينِهِمْ، وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ رَاجِعِينَ، وَاسْأَلُوهُ كَمَا سَأَلُوهُ أَنْ يُثَبِّتَ أَقْدَامَكُمْ، وَاسْتَنْصِرُوهُ كَمَا اسْتَنْصَرُوهُ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، فَكُلُّ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْ كَانَ، وَقَدْ قُتِلَ نَبِيُّهُمْ، فَلَمْ يَفْعَلُوا كَمَا فَعَلْتُمْ، فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا بِالظُّهُورِ عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَمَا وَعَدَ اللَّهُ فِيهَا، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. (تَحْذِيرُهُ إيَّاهُمْ مِنْ إطَاعَةِ الْكُفَّارِ) : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ» 3: 149: أَيْ عَنْ عَدُوِّكُمْ، فَتَذْهَبُ دُنْيَاكُمْ وآخِرَتُكُمْ «بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ» 3: 150، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِكُمْ صِدْقًا فِي قُلُوبِكُمْ فَاعْتَصِمُوا بِهِ، وَلَا تَسْتَنْصِرُوا بِغَيْرِهِ، وَلَا تَرْجِعُوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ مُرْتَدِّينَ عَنْ دِينِهِ. «سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ» 3: 151: أَيْ الَّذِي بِهِ كُنْتُ أَنْصُرُكُمْ عَلَيْهِمْ بِمَا أَشْرَكُوا بِي مَا لَمْ أَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ حُجَّةٍ، أَيْ فَلَا تَظُنُّوا أَنَّ لَهُمْ عَاقِبَةَ نَصْرٍ وَلَا ظُهُورٍ عَلَيْكُمْ مَا اعْتَصَمْتُمْ بِي، وَاتَّبَعْتُمْ أَمْرِي، لِلْمُصِيبَةِ الَّتِي أَصَابَتْكُمْ مِنْهُمْ بِذُنُوبٍ قَدَّمْتُمُوهَا لِأَنْفُسِكُمْ، خَالَفْتُمْ بِهَا أَمْرِي لِلْمَعْصِيَةِ، وَعَصَيْتُمْ بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. «وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ، حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ، وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَراكُمْ مَا تُحِبُّونَ، مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا، وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ [1] ، ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ، وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ، وَالله ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ 3: 152» أَيْ وَقَدْ وَفَّيْتُ لَكُمْ بِمَا وَعَدْتُكُمْ مِنْ النَّصْرِ عَلَى عَدُوِّكُمْ، إذْ تُحِسُّونَهُمْ بِالسُّيُوفِ، أَيْ الْقَتْلِ، بِإِذْنِي وَتَسْلِيطِي أَيْدِيكُمْ عَلَيْهِمْ، وَكَفَّى أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ.

_ [1] قَالَ السهيليّ: «قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ عبد الله بن جُبَير الّذي كَانَ أَمِيرا على الرُّمَاة، وَكَانَ أَمرهم أَن يلزموا مكانهم، وَلَا يخالفوا أَمر نَبِيّهم، فثبتت مَعَه طَائِفَة، فاستشهد واستشهدوا، وهم الَّذين أَرَادوا الْآخِرَة، وَأَقْبَلت طَائِفَة على الْمغنم وَأخذ السَّلب، فكر عَلَيْهِم الْعَدو وَكَانَت الْمُصِيبَة» . 8- سيرة ابْن هِشَام- 2

(تأنيبه إياهم لفرارهم عن نبيهم) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْحَسُّ: الِاسْتِئْصَالُ: يُقَالُ: حَسَسْتُ الشَّيْءَ: أَيْ اسْتَأْصَلْتُهُ بِالسَّيْفِ وَغَيْرِهِ. قَالَ جَرِيرٌ: تَحُسُّهُمْ السُّيُوفُ كَمَا تَسَامَى ... حَرِيقُ النَّارِ فِي الْأَجَمِ الْحَصِيدِ [1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ: إذَا شَكَوْنَا سَنَةً حَسُوسا ... تَأْكُلُ بَعْدَ الْأَخْضَرِ الْيَبِيسَا وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: «حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ 3: 152» : أَيْ تَخَاذَلْتُمْ «وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ 3: 152» أَيْ اخْتَلَفْتُمْ فِي أَمْرِي، أَيْ تَرَكْتُمْ أَمْرَ نَبِيِّكُمْ وَمَا عَهِدَ إلَيْكُمْ، يَعْنِي الرُّمَاةَ «وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَراكُمْ مَا تُحِبُّونَ 3: 152» : أَيْ الْفَتْحُ، لَا شَكَّ فِيهِ، وَهَزِيمَةُ الْقَوْمِ عَنْ نِسَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، «مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا 3: 152» : أَيْ الَّذِينَ أَرَادُوا النَّهْبَ فِي الدُّنْيَا وَتَرْكَ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الطَّاعَةِ الَّتِي عَلَيْهَا ثَوَابُ الْآخِرَةِ «وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ 3: 152» : أَيْ الَّذِينَ جَاهَدُوا فِي اللَّهِ، وَلَمْ يُخَالِفُوا إلَى مَا نُهُوا عَنْهُ، لِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا، رَغْبَةً فِيهَا، رَجَاءَ مَا عِنْدِ اللَّهِ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِهِ فِي الْآخِرَةِ، أَيْ الَّذِينَ جَاهَدُوا فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخَالِفُوا إلَى مَا نُهُوا عَنْهُ، لِعَرَضِ مِنْ الدُّنْيَا، لِيَخْتَبِرَكُمْ، وَذَلِكَ بِبَعْضِ ذُنُوبِكُمْ، وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْ عَظِيمِ ذَلِكَ، أَنْ لَا يُهْلِكَكُمْ بِمَا أَتَيْتُمْ مِنْ مَعْصِيَةِ نَبِيِّكُمْ، وَلَكِنِّي عُدْتُ بِفَضْلِي عَلَيْكُمْ، وَكَذَلِكَ «مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ 3: 164» أَنْ عَاقَبَ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا أَدَبًا وَمَوْعِظَةً، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَأْصِلٍ لِكُلِّ مَا فِيهِمْ مِنْ الْحَقِّ لَهُ عَلَيْهِمْ، بِمَا أَصَابُوا مِنْ مَعْصِيَتِهِ، رَحْمَةً لَهُمْ، وَعَائِدَةً عَلَيْهِمْ، لِمَا فِيهِمْ مِنْ الْإِيمَانِ. (تَأْنِيبُهُ إيَّاهُمْ لِفِرَارِهِمْ عَنْ نَبِيّهم) : ثمَّ أنبّههم بِالْفِرَارِ عَنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ يُدْعَوْنَ لَا يَعْطِفُونَ عَلَيْهِ لِدُعَائِهِ إيَّاهُمْ، فَقَالَ: «إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ، وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ، فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ، لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى مَا فاتَكُمْ وَلا مَا أَصابَكُمْ 3: 153» : أَيْ كَرْبًا بَعْدَ كَرْبٍ، بِقَتْلِ مَنْ قُتِلَ مِنْ إخْوَانِكُمْ، وَعُلُوِّ

_ [1] تسامى: ارْتَفع. والأجم: جمع أجمة، وَهُوَ الشّجر الملتف والحصيد: المحصود الْمَقْطُوع.

عَدُوِّكُمْ عَلَيْكُمْ، وَبِمَا وَقَعَ فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: قُتِلَ نَبِيُّكُمْ، فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا تَتَابَعَ عَلَيْكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ، لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ، مِنْ ظُهُورِكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ، بَعْدَ أَنْ رَأَيْتُمُوهُ بِأَعْيُنِكُمْ، وَلَا مَا أَصَابَكُمْ مِنْ قَتْلِ إخْوَانِكُمْ، حَتَّى فَرَّجْتُ ذَلِكَ الْكَرْبَ عَنْكُمْ «وَالله خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ» 3: 153. وَكَانَ الَّذِي فَرَّجَ اللَّهُ بِهِ عَنْهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الْكَرْبِ وَالْغَمِّ الَّذِي أَصَابَهُمْ، أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَدَّ عَنْهُمْ كِذْبَةَ الشَّيْطَانِ بِقَتْلِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، هَانَ عَلَيْهِمْ مَا فَاتَهُمْ مِنْ الْقَوْمِ بَعْدَ الظُّهُورِ عَلَيْهِمْ، وَالْمُصِيبَةُ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ فِي إخْوَانِهِمْ، حِينَ صَرَفَ اللَّهُ الْقَتْلَ عَنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. «ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ، يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ، يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ، قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ، يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا، قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ، وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ، وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ، وَالله عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ 3: 154» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ عَلَى أَهْلِ الْيَقِينِ بِهِ، فَهُمْ نِيَامٌ لَا يَخَافُونَ، وَأَهْلُ النِّفَاقِ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ، يَظُنُّونَ باللَّه غَيْرَ [1] الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ [2] ، تَخَوُّفَ الْقَتْلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ عَاقِبَةً، فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَلَاوُمَهُمْ وَحَسْرَتَهُمْ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ. ثُمَّ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ» 3: 154 لَمْ تَحْضُرُوا هَذَا الْمَوْطِنَ الَّذِي أَظْهَرَ اللَّهُ فِيهِ مِنْكُمْ مَا أَظْهَرَ مِنْ سَرَائِرِكُمْ «لَبَرَزَ 3: 154» لَأَخْرَجَ «الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ 3: 154» إلَى مَوْطِنٍ غَيْرِهِ يُصْرَعُونَ فِيهِ، حَتَّى يُبْتَلَى بِهِ مَا فِي صُدُورِهِمْ «وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ، وَالله عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ 3: 154» : أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا فِي صُدُورِهِمْ مِمَّا اسْتَخْفَوْا بِهِ مِنْكُمْ.

_ [1] أَي يظنون أَن الله خاذل دينه وَنبيه. [2] أَي أهل الْجَاهِلِيَّة كأبى سُفْيَان وَأَصْحَابه.

(تحذيرهم أن يكونوا ممن يخشون الموت في الله) :

(تَحْذِيرُهُمْ أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَخْشَوْنَ الْمَوْتَ فِي اللَّهِ) : ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى، لَوْ كانُوا عِنْدَنا مَا ماتُوا وَما قُتِلُوا، لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ، وَالله يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَالله بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» 3: 156: أَيْ لَا تَكُونُوا كَالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَنْهَوْنَ إخْوَانَهُمْ عَنْ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُونَ إذَا مَاتُوا أَوْ قُتِلُوا: لَوْ أَطَاعُونَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا «لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ 3: 156» لِقِلَّةِ الْيَقِينِ بِرَبِّهِمْ، «وَالله يُحْيِي وَيُمِيتُ 3: 156» : أَيْ يُعَجِّلُ مَا يَشَاءُ وَيُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ آجَالِهِمْ بِقُدْرَتِهِ. قَالَ تَعَالَى: «وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» 3: 157: أَيْ إنَّ الْمَوْتَ لَكَائِنٌ لَا بُدَّ مِنْهُ، فَمَوْتٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ قَتْلٌ، خَيْرٌ لَوْ عَلِمُوا وَأَيْقَنُوا مِمَّا يَجْمَعُونَ مِنْ الدُّنْيَا الَّتِي لَهَا يَتَأَخَّرُونَ عَنْ الْجِهَادِ، تَخَوُّفَ الْمَوْتِ وَالْقَتْلِ لِمَا جَمَعُوا مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا زَهَادَةً فِي الْآخِرَةِ «وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ 3: 158» أَيُّ ذَلِكَ كَانَ «لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ 3: 158» : أَيْ أَنَّ إلَى اللَّهِ الْمَرْجِعَ، فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الدُّنْيَا، وَلَا تَغْتَرُّوا بِهَا، وَلْيَكُنْ الْجِهَادُ وَمَا رَغَّبَكُمْ اللَّهُ فِيهِ مِنْ ثَوَابِهِ آثَرَ عِنْدَكُمْ مِنْهَا. (ذِكْرُهُ رَحْمَةَ الرَّسُولِ عَلَيْهِمْ) : ثُمَّ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ» 3: 159: أَيْ لَتَرَكُوكَ «فَاعْفُ عَنْهُمْ» 3: 159: أَيْ فَتَجَاوَزْ عَنْهُمْ «وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ، وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» 3: 159 فَذَكَرَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِينَهُ لَهُمْ، وَصَبْرَهُ عَلَيْهِمْ، لِضَعْفِهِمْ، وَقِلَّةِ صَبْرِهِمْ عَلَى الْغِلْظَةِ لَوْ كَانَتْ مِنْهُ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ مَا خَالَفُوا عَنْهُ مِمَّا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ طَاعَةِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «فَاعْفُ عَنْهُمْ 3: 159» : أَيْ تَجَاوَزْ عَنْهُمْ، «وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ 3: 159» ذُنُوبَهُمْ، مَنْ قَارَفَ [1] مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ 3: 159: أَيْ

_ [1] يُقَال: قارف الرجل الذَّنب: إِذا دخل فِيهِ ولابسه.

(ما نزل في الغلول) :

لِتُرِيهِمْ أَنَّكَ تَسْمَعُ مِنْهُمْ، وَتَسْتَعِينُ بِهِمْ، وَإِنْ كُنْتُ غَنِيًّا عَنْهُمْ، تَأَلُّفًا لَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى دِينِهِمْ فَإِذا عَزَمْتَ 3: 159: أَيْ عَلَى أَمْرٍ جَاءَكَ مِنِّي وَأَمْرٍ مِنْ دِينِكَ فِي جِهَادِ عَدُوِّكَ لَا يُصْلِحُكَ وَلَا يُصْلِحُهُمْ إلَّا ذَلِكَ، فَامْضِ عَلَى مَا أُمِرْتَ بِهِ، عَلَى خِلَافِ مَنْ خَالَفَكَ، وَمُوَافَقَةِ من وَافَقَك، فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ 3: 159، أَيْ ارْضَ بِهِ مِنْ الْعِبَادِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ. إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ، وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ 3: 159- 160: أَيْ لِئَلَّا تَتْرُكَ أَمْرِي لِلنَّاسِ، وَارْفُضْ أَمْرَ النَّاسِ إلَى أَمْرِي، وَعَلَى اللَّهِ لَا عَلَى النَّاسِ، فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ. (مَا نَزَلَ فِي الْغُلُولِ) : ثُمَّ قَالَ: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ، وَمن يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ، ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ 3: 161: أَيْ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكْتُمَ النَّاسَ مَا بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ إلَيْهِمْ، عَنْ رَهْبَةٍ مِنْ النَّاسِ وَلَا رَغْبَةٍ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَأْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِهِ، ثُمَّ يُجْزَى بِكَسْبِهِ، غَيْرَ مَظْلُومٍ وَلَا مُعْتَدًى عَلَيْهِ «أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ 3: 162» عَلَى مَا أَحَبَّ النَّاسُ أَوْ سَخِطُوا «كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ 3: 162» لِرِضَا النَّاسِ أَوْ لِسَخَطِهِمْ. يَقُولُ: أَفَمَنْ كَانَ عَلَى طَاعَتِي، فَثَوَابُهُ الْجَنَّةُ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَاسْتَوْجَبَ سَخَطَهُ، فَكَانَ «مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ 3: 162» أَسَوَاءٌ الْمِثْلَانِ! فَاعْرِفُوا. «هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَالله بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ 3: 163» لِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ: أَيْ إنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَهْلُ طَاعَتِهِ مِنْ أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ. (فَضْلُ اللَّهِ عَلَى النَّاسِ بِبَعْثِ الرُّسُلِ) : ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا من أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ، وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ 3: 164: أَيْ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ، إذْ بَعَثَ فِيكُمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِهِ فِيمَا أَحْدَثْتُمْ، وَفِيمَا عَمِلْتُمْ، فَيُعَلِّمَكُمْ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، لِتَعْرِفُوا الْخَيْرَ فَتَعْمَلُوا بِهِ، وَالشَّرَّ فَتَتَّقُوهُ، وَيُخْبِرَكُمْ بِرِضَاهُ عَنْكُمْ إذَا أَطَعْتُمُوهُ فَتَسْتَكْثِرُوا مِنْ طَاعَتِهِ وَتَجْتَنِبُوا مَا سَخِطَ مِنْكُمْ مِنْ مَعْصِيَتِهِ،

(ذكره المصيبة التي أصابتهم) :

لِتَتَخَلَّصُوا بِذَلِكَ مِنْ نِقْمَتِهِ، وَتُدْرِكُوا بِذَلِكَ ثَوَابَهُ مِنْ جَنَّتِهِ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مَبِينٍ: أَيْ لَفِي عَمْيَاءَ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ، أَيْ لَا تَعْرِفُونَ حَسَنَةً ولَا تَسْتَغْفِرُونَ مِنْ سَيِّئَةٍ، صُمٌّ عَنْ الْخَيْرِ، بُكْمٌ عَنْ الْحَقِّ، عُمْيٌ عَنْ الْهُدَى. (ذِكْرُهُ الْمُصِيبَةَ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ) : ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصِيبَةَ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ، فَقَالَ: «أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ: أَنَّى هَذَا؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 3: 165» : أَيْ إنْ تَكُ قَدْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ فِي إخْوَانِكُمْ بِذُنُوبِكُمْ فَقَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قَبْلُ مِنْ عَدُوِّكُمْ، فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ بِبَدْرِ، قَتْلًا وَأَسْرًا وَنَسِيتُمْ مَعْصِيَتَكُمْ وَخِلَافَكُمْ عَمَّا أَمَرَكُمْ بِهِ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْتُمْ أَحْلَلْتُمْ ذَلِكَ بِأَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 3: 165: أَيْ إنَّ اللَّهَ عَلَى مَا أَرَادَ بِعِبَادِهِ مِنْ نِقْمَةٍ أَوْ عَفْوٍ قَدِيرٌ وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ، وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ 3: 166: أَيْ مَا أَصَابَكُمْ حِينَ الْتَقَيْتُمْ أَنْتُمْ وَعَدُوُّكُمْ فَبِإِذْنِي، كَانَ ذَلِكَ حِينَ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بَعْدَ أَنْ جَاءَكُمْ نَصْرِي، وَصَدَقَتْكُمْ وَعْدِي، لِيُمَيِّزَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، «وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا 3: 167» مِنْكُمْ: أَيْ لِيُظْهِرَ مَا فِيهِمْ. «وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا 3: 167» : يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَأَصْحَابَهُ الَّذِينَ رَجَعُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ سَارَ إلَى عَدُوِّهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدِ، وَقَوْلَهُمْ: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَسِرْنَا مَعَكُمْ، وَلَدَفَعْنَا عَنْكُمْ، وَلَكِنَّا لَا نَظُنُّ أَنَّهُ يَكُونُ قِتَالٌ. فَأَظْهَرَ مِنْهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ، يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ 3: 167 أَيْ يُظْهِرُونَ لَكَ الْإِيمَانَ وَلَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَالله أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ 3: 167: أَيْ مَا يُخْفُونَ الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ 3: 168 الَّذِينَ أُصِيبُوا مَعَكُمْ مِنْ عَشَائِرِهِمْ وَقَوْمِهِمْ: لَوْ أَطاعُونا مَا قُتِلُوا، قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ 3: 168: أَيْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمَوْتِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَدْفَعُوهُ عَنْ أَنْفُسِكُمْ فَافْعَلُوا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إنَّمَا نَافَقُوا وَتَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، حِرْصًا عَلَى الْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا، وَفِرَارًا مِنْ الْمَوْتِ.

(الترغيب في الجهاد) :

(التَّرْغِيبُ فِي الْجِهَادِ) : ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُرَغِّبُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجِهَادِ، وَيُهَوِّنُ عَلَيْهِمْ الْقَتْلَ: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ 3: 169- 170: أَيْ لَا تَظُنَّنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا: أَيْ قَدْ أَحْيَيْتهمْ، فَهُمْ عِنْدِي يُرْزَقُونَ فِي رَوْحِ الْجَنَّةِ وَفَضْلِهَا، مَسْرُورِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى جِهَادِهِمْ عَنْهُ، وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ: أَيْ وَيُسَرُّونَ بِلُحُوقِ مَنْ لَحِقَهُمْ مِنْ إخْوَانِهِمْ عَلَى مَا مَضَوْا عَلَيْهِ مِنْ جِهَادِهِمْ، لِيَشْرَكُوهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ الَّذِي أَعْطَاهُمْ، قَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْخَوْفَ وَالْحَزَنَ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ 3: 171 لِمَا عَايَنُوا مِنْ وَفَاءِ الْمَوْعُودِ، وَعَظِيمِ الثَّوَابِ. (مَصِيرُ قَتْلَى أُحُدٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا أُصِيبَ إخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ، جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرِ خُضْرٍ، تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ، وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ، فِي ظِلِّ الْعَرْشِ، فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَشْرَبِهِمْ وَمَأْكَلِهِمْ، وَحُسْنَ مَقِيلِهِمْ، قَالُوا: يَا لَيْتَ إخْوَانَنَا يَعْلَمُونَ مَا صَنَعَ اللَّهُ بِنَا، لِئَلَّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ، وَلَا يَنْكُلُوا [1] عَنْ [2] الْحَرْبِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَأَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ: وَلا تَحْسَبَنَّ 3: 169 ... » . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ الْفَضِيلِ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهْرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ، فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا

_ [1] لَا ينكلُوا: أَي لَا يرجِعوا هائبين لعدوهم، خَائِفين مِنْهُ. [2] فِي م، ر: «عِنْد» .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ 3: 169 فَقَالَ: أَمَا إنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْهَا فَقِيلَ لَنَا: إنَّهُ لَمَّا أُصِيبَ إخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ، وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ، فَيَطَّلِعُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ اطِّلَاعَةً فَيَقُولُ: يَا عِبَادِي، مَا تَشْتَهُونَ فَأَزِيدَكُمْ؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ رَبَّنَا لَا فَوْقَ مَا أَعْطَيْتنَا، الْجَنَّةُ [1] نَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا! قَالَ: ثُمَّ يَطَّلِعُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ اطِّلَاعَةً، فَيَقُولُ: يَا عِبَادِي، مَا تَشْتَهُونَ، فَأَزِيدَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا لَا فَوْقَ مَا أَعْطَيْتنَا، الْجَنَّةُ نَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا! قَالَ: ثُمَّ يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ اطِّلَاعَةً، فَيَقُولُ: يَا عِبَادِي، مَا تَشْتَهُونَ فَأَزِيدَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا لَا فَوْقَ مَا أَعْطَيْتنَا، الْجَنَّةُ نَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا. إلَّا أَنَّا نُحِبُّ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا، ثُمَّ نُرَدُّ إلَى الدُّنْيَا، فَنُقَاتِلُ فِيكَ، حَتَّى نُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أُبَشِّرُكَ يَا جَابِرُ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ: إنَّ أَبَاكَ حَيْثُ أُصِيبَ بِأُحُدٍ أَحْيَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا تُحِبُّ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟ قَالَ: أَيْ رَبِّ، أُحِبُّ أَنْ تَرُدَّنِي إلَى الدُّنْيَا فَأُقَاتِلَ فِيكَ، فَأُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُفَارِقُ الدُّنْيَا يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إلَّا الشَّهِيدُ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُرَدَّ إلَى الدُّنْيَا، فَيُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى.

_ [1] قَالَ أَبُو ذَر فِي التَّعْلِيق على هَذِه الْعبارَة «يرْوى هُنَا بالخفض وَالرَّفْع، وبخفض الْجنَّة على الْبَدَل من (مَا) فِي قَوْله (مَا أَعطيتنَا) ورفعها على خبر مبتدإ مُضْمر، تَقْدِيره: الْجنَّة، أَو هِيَ الْجنَّة» .

(ذكر من خرجوا على الرسول إلى حمراء الأسد) :

(ذِكْرُ من خَرجُوا على الرَّسُولِ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصابَهُمُ الْقَرْحُ 3: 172: أَيْ الْجِرَاحُ، وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ سَارُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ [1] عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ أَلَمِ الْجِرَاحِ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ. الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ، فَزادَهُمْ إِيماناً، وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ 3: 172- 173، وَالنَّاسُ الَّذِينَ قَالُوا لَهُمْ مَا قَالُوا، النَّفَرُ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ مَا قَالَ؟ قَالُوا إنَّ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ رَاجِعُونَ إلَيْكُمْ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ، وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ، وَالله ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ 3: 174 لِمَا صَرَفَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ لِقَاءِ عَدُوِّهِمْ، إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ، أَيْ لِأُولَئِكَ الرَّهْطِ وَمَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ «يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ» : أَيْ يُرْهِبُكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ، فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ 3: 175- 176: أَيْ الْمُنَافِقُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً، يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ، وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ، إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ. مَا كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ 3: 176- 179: أَيْ الْمُنَافِقِينَ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ 3: 179: أَيْ فِيمَا يُرِيدُ أَنْ يَبْتَلِيَكُمْ بِهِ، لِتَحْذَرُوا مَا يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ فِيهِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ 3: 179 أَيْ يُعَلِّمُهُ ذَلِكَ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا 3: 179: أَيْ تَرْجِعُوا وَتَتُوبُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ 3: 179.

_ [1] حَمْرَاء الْأسد: مَوضِع على ثَمَانِيَة أَمْيَال من الْمَدِينَة، عَن يسَار الطَّرِيق إِذا أردْت ذَا الحليفة. (انْظُر مُعْجم مَا استعجم للبكرى، فِي رسم حَمْرَاء الْأسد، ورسم النقيع) .

ذكر من استشهد بأحد من المهاجرين

ذِكْرُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ بِأُحُدِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ (مِنْ بَنِي هَاشِمٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: حَمْزَةُ ابْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَتَلَهُ وَحْشِيٌّ، غُلَامُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ. (مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ) . وَمِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي أَسَدِ ابْنِ خُزَيْمَةَ. (مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ) : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قَتَلَهُ ابْنُ قَمِئَةَ اللَّيْثِيُّ (مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ) : وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ: شَمَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ. أَرْبَعَةُ نَفَرٍ. (مِنَ الْأَنْصَارِ) : وَمِنْ الْأَنْصَارِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ: عَمْرُو بْنُ مُعَاذِ بْنِ النُّعْمَانِ، وَالْحَارِثُ ابْن أَنَسِ بْنِ رَافِعٍ، وَعُمَارَةُ بْنُ زِيَادِ بْنِ السَّكَنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: السَّكَنُ: ابْنُ رَافِعِ بْنُ امْرِئِ الْقَيْسِ، وَيُقَالُ: السَّكْنُ [1] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَلَمَةُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ، وَعَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ زَعَمَ لِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ أَبَاهُمَا ثَابِتًا قُتِلَ يَوْمَئِذٍ. وَرِفَاعَةُ بْنُ وَقْشٍ. وَحُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ، أَبُو حُذَيْفَةَ وَهُوَ الْيَمَانُ، أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَلَا يَدْرُونَ، فَتَصَدَّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ، وَصَيْفِيُّ

_ [1] ضبط فِي بعض النّسخ بِفَتْح الْكَاف فِي الأولى، وبسكونها فِي الثَّانِيَة.

(من راتج) :

ابْن قَيْظِي. وَحَبَابُ [1] بْنُ قَيْظِي. وَعَبَّادُ بْنُ سَهْلٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ. اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا. (مِنْ رَاتِجٍ) : وَمِنْ أَهْلِ رَاتِجٍ [2] : إيَاسُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَمِ بْنِ زَعُوراء بْنِ جُشَمِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَعُبَيْدُ بْنُ التَّيْهَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَتِيكُ بْنُ التَّيْهَانِ. وَحَبِيبُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ تَيْمٍ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي ظُفَرَ) : وَمِنْ بَنِي ظَفَرٍ: يَزِيدُ بْنُ خَاطِبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ رَافِعٍ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي ضَبِيعَةَ) : وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ زَيْدٍ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرِ بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ نُعْمَانَ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَمَةَ، وَهُوَ غَسِيلُ الْمَلَائِكَةِ، قَتَلَهُ شَدَّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ شُعُوبٍ اللَّيْثِيُّ. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَيْسُ: ابْنُ زَيْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ، وَمَالِكُ: ابْنُ أَمَةَ بْنِ ضُبَيْعَةَ. (مِنْ بَنِي عُبَيْدٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدٍ: أُنَيْسُ بْنُ قَتَادَةَ. رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: أَبُو حَيَّةَ [3] ، وَهُوَ أَخُو سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ لِأُمِّهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو حَيَّةَ: ابْنُ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النُّعْمَانِ، وَهُوَ أَمِيرُ الرُّمَاةِ. رَجُلَانِ.

_ [1] قَالَ أَبُو ذَر: «وحباب بن قيظى، وَقع هُنَا بحاء مُهْملَة مَفْتُوحَة وباء، وجناب، بِالْجِيم الْمَفْتُوحَة وبالنون حَكَاهُ الدَّار قطنى عَن ابْن إِسْحَاق. وَالْمَحْفُوظ بِالْحَاء» . [2] راتج (بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة وَالْجِيم) : أَطَم من آطام الْمَدِينَة. [3] كَذَا فِي جَمِيع الْأُصُول. قَالَ أَبُو ذَر: «أَبُو حنة، وَكَذَا روى هُنَا بِالْبَاء وَالنُّون مَعًا والحاء الْمُهْملَة، وَقَالَ الدَّار قطنى: ابْن إِسْحَاق وَأَبُو معشر يَقُولَانِ فِيهِ: أَبُو حَيَّة، بِالْيَاءِ، والواقدي يَقُوله بالنُّون» . وَمن رِوَايَة أبي ذَر يُسْتَفَاد أَنه كَانَ فِي الأَصْل كَمَا روى هُوَ بِالْبَاء أَو بالنُّون. وَلَعَلَّ وُقُوعه بِالْبَاء، كَمَا فِي الْأُصُول، تَصْحِيف من النساخ.

(من بنى السلم) :

(مِنْ بَنِي السَّلَمِ) : وَمِنْ بَنِي السَّلْمِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ: خَيْثَمَةُ أَبُو سَعْدِ بْنُ خَيْثَمَةَ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ) : وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ [1] . رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ) : وَمِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكٍ: سُبَيْعُ بْنُ حَاطِبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ هَيْشَةَ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي النَّجَّارِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: سُويْبِقُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبِ بْنِ هَيْشَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي النَّجَّارِ: ثُمَّ مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنِيٍّ: عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، وَابْنُهُ قَيْسُ بْنُ عَمْرٍو. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ: ابْنُ زَيْدِ بْنِ سَوَادٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَثَابِتُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدٍ، وَعَامِرُ بْنُ مَخْلَدٍ. أَرْبَعَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي مَبْذُولٍ) : وَمن بنى بَنِي مَبْذُولٍ: أَبُو هُبَيْرَةَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَقْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ مَبْذُولٍ، وَعَمْرُو بْنُ مُطَرِّفِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَمْرٍو. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي عَمْرٍو) : وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكِ: أَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ. رَجُلٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَوْسُ بْنُ ثَابِتٍ، أَخُو حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ. (مِنْ بَنِي عَدِيٍّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ: أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ ضَمْضَمِ ابْن زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ. رَجُلٌ.

_ [1] يرْوى بِفَتْح اللَّام وَكسرهَا. (رَاجع شرح السِّيرَة لأبى ذَر) .

(من بنى مازن) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ، عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: خَادِمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (مِنْ بَنِي مَازِنٍ) : وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ: قَيْسُ بْنُ مَخْلَدٍ، وَكَيْسَانُ، عَبْدٌ لَهُمْ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي دِينَارٍ) : وَمِنْ بَنِي دِينَارِ بْنِ النَّجَّارِ: سُلَيْمُ بْنُ الْحَارِثِ، وَنُعْمَانُ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي الْحَارِثِ) : وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ، وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ، دُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَأَوْسُ بْنُ الْأَرْقَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبٍ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي الْأَبْجَرِ) : وَمِنْ بَنِي الْأَبْجَرِ، وَهُمْ بَنُو خُدْرَةَ: مَالِكُ بْنُ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ [1] بْنِ الْأَبْجَرِ، وَهُوَ أَبُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اسْمُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: سِنَانُ، وَيُقَالُ: سَعْدٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَعِيدُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْأَبْجَرِ، وَعُتْبَةُ، بْنُ رَبِيعِ، بْنِ رَافِعِ، بْنِ مُعَاوِيَةَ، بْنِ عُبَيْدِ، بْنِ ثَعْلَبَةَ، بْنِ عُبَيْدِ، ابْن الْأَبْجَرِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ) : وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ: ثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَالِدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ، وَثَقْفُ بْنُ فَرْوَةَ بْنِ الْبَدِيِّ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي طَرِيفٍ) : وَمِنْ بَنِي طَرِيفٍ، رَهْطُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ وَهْبِ

_ [1] كَذَا فِي أ: وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عبد» .

(من بنى عوف) :

ابْن ثَعْلَبَةَ بْنِ وَقْشِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ طَرِيفٍ، وَضَمْرَةُ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي جُهَيْنَةَ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي عَوْفٍ) : وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي سَالِمٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ: نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ مَالِكِ ابْن الْعَجْلَانِ، وَنُعْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ فِهْرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ، وَالْمُجَذَّرُ. ابْن ذِيَادٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيٍّ، وَعُبَادَةُ بْنُ الْحَسْحَاسِ. دُفِنَ النُّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ، وَالْمُجَذَّرُ، وَعُبَادَةُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ. خَمْسَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي الْحُبْلَى) : وَمِنْ بَنِي الْحُبْلَى: رِفَاعَةُ بْنُ عَمْرٍو. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي سَلَمَةَ) : وَمِنْ بَنِي سَلِمَةَ، ثُمَّ مِنْ بَنِي حَرَامٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَرَامٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ، دُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَخَلَّادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ، وَأَبُو أَيْمَنَ، مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ. أَرْبَعَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي سَوَادٍ) : وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمٍ: سُلَيْمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَدِيدَةَ، وَمَوْلَاهُ عَنْتَرَةُ، وَسَهْلُ بْنُ قَيْسِ بْنِ أَبِي كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ) : وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِرٍ: ذَكْوَانُ بن عبد قيسى، وَعُبَيْدُ بْنُ الْمُعَلَّى بْنِ لَوْذَانَ. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عُبَيْدُ بْنُ الْمُعَلَّى، مِنْ بَنِي حَبِيبٍ. (عَدَدُ الشُّهَدَاء) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَمِيعُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. خَمْسَةٌ وَسِتُّونَ رَجُلًا.

(من بنى معاوية) :

(مِنْ بَنِي مُعَاوَيِةَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمِمَّنْ لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ السَّبْعِينَ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْنَا، مِنْ الْأَوْسِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكٍ: مَالِكُ بْنُ نُمَيْلَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ مُزَيْنَةَ. (مِنْ بَنِي خُطَمَةَ) : وَمِنْ بَنِي خَطْمَةَ- وَاسْمُ خَطْمَةَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُشَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ خَطْمَةَ. (مِنْ بَنِي الْخَزَرَجِ) : وَمِنْ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ مَالِكِ: مَالِكُ بْنُ إيَاسٍ. (مِنْ بَنِي عَمْرٍو) : وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ: إيَاسُ بْنُ عَدِيٍّ. (مِنْ بَنِي سَالِمٍ) : وَمِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ: عَمْرُو بْنُ إيَاسٍ. ذِكْرُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ (مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ مِنْ أَصْحَابِ اللِّوَاءِ: طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَاسْمُ أَبِي طَلْحَةَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، (و) [1] أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَمُسَافِعُ ابْن طَلْحَةَ، وَالْجُلَّاسُ بْنُ طَلْحَةَ، قَتَلَهُمَا عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ. وَكِلَابُ ابْن طَلْحَةَ، وَالْحَارِثُ بْنُ طَلْحَةَ، قَتَلَهُمَا قُزْمَانُ، حَلِيفٌ لِبَنِي ظَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: قَتَلَ كِلَابًا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ.

_ [1] زِيَادَة عَن أ.

(من بنى أسد) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَرْطَاةُ بْنُ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبُو يَزِيدَ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ، وَصُؤَابُ: غُلَامٌ لَهُ [1] حَبَشِيٌّ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَيُقَالُ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَيُقَالُ: أَبُو دُجَانَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْقَاسِطُ بْنُ شُرَيْحِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ. أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا. (مِنْ بَنِي أَسَدٍ) : وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ. قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي زُهْرَةَ) : وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ: أَبُو الْحَكَمِ بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيُّ، حَلِيفٌ لَهُمْ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَسِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى- وَاسْمُ عَبْدِ الْعُزَّى: عَمْرُو بْنُ نَضْلَةَ بْنِ غُبْشَانَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مَلَكَانِ بْنِ أَفْصَى- حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ) : وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ، هِشَامُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ: وَأَبُو أُمَيَّةَ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ، حَلِيفٌ لَهُمْ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ. أَرْبَعَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي جُمَحَ) : وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرٍو: عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، وَهُوَ أَبُو عَزَّةَ، قَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَبْرًا،

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «لَهُم» .

(من بنى عامر) :

وَأُبَيُّ بْنُ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، قَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ. (رَجُلَانِ) . (مِنْ بَنِي عَامِرٍ) : وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ: عُبَيْدَةُ بْنُ جَابِرٍ، وَشَيْبَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْمُضَرَّبِ، قَتَلَهُمَا قُزْمَانُ. (رَجُلَانِ) . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: قَتَلَ عُبَيْدَةَ بْنَ جَابِرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ . (عَدَدُ قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَمِيعُ مَنْ قَتَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، اثْنَانِ وَعِشْرُونَ رَجُلًا. ذِكْرُ مَا قِيلَ مِنْ الشِّعْرِ يَوْمَ أُحُدٍ (شِعْرُ هُبَيْرَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمَّا قِيلَ مِنْ الشِّعْرِ فِي يَوْمِ أُحُدٍ، قَوْلُ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَائِذٌ: ابْنُ عِمْرَانَ بْنُ مَخْزُومٍ: مَا بَالُ هَمٍّ عَمِيدٍ بَاتَ يَطْرُقنِي ... بِالْوُدِّ مِنْ هِنْدَ إذْ تَعْدُو عَوَادِيهَا [1] بَاتَتْ تُعَاتِبنِي هِنْدٌ وَتَعْذُلُنِي ... وَالْحَرْبُ قَدْ شُغِلَتْ عَنِّي مَوَالِيهَا مَهْلًا فَلَا تَعْذُلِينِي إنَّ مِنْ خُلُقِي ... مَا قَدْ عَلِمْتِ وَمَا إنْ لَسْتُ أُخْفِيهَا مُسَاعِفٌ لِبَنِي كَعْبٍ بِمَا كَلِفُوا ... حَمَّالُ عِبْءٍ وَأَثْقَالٌ أُعَانِيهَا [2] وَقَدْ حَمَلْتُ سِلَاحِي فَوْقَ مُشْتَرَفٍ ... سَاطٍ سَبُوحٍ إذَا تَجْرِي يُبَارِيهَا [3]

_ [1] العميد، المؤلم الموجع. والعوادي: الشواغل. [2] مساعف: مُطِيع موَات. وَبِمَا كلفوا: أَي بِمَا أولعوا بِهِ وأحبوه. والعبء: الْحمل الثقيل، فاستعاره هُنَا لما يكلفونه من الْأُمُور الشاقة الْعِظَام. [3] مشترف (بِفَتْح الرَّاء) أَي فرس يستشرفه النَّاس، أَي ينظرُونَ إِلَيْهِ لحسنه. (وبكسر الرَّاء) أَي مشرف. والساطى: الْبعيد الخطو إِذا مَشى. والسبوح: الّذي يسبح فِي جريه كَأَنَّهُ يعوم. ويباريها: يعارضها. وَأعَاد (الْهَاء) على الْخَيل، وَإِن لم يتَقَدَّم لَهَا ذكر، لِأَن الْكَلَام يدل عَلَيْهَا. 9- سيرة ابْن هِشَام- 2

كَأَنَّهُ إذْ جَرَى عَيْرٌ بِفَدْفَدَةٍ ... مُكَدَّمٌ لَاحِقٌ بِالْعُونِ يَحْمِيهَا [1] مِنْ آلِ أَعْوَجَ يَرْتَاحُ النَّدِيُّ لَهُ ... كَجِذْعِ شَعْرَاءَ مُسْتَعْلٍ مَرَاقِيهَا [2] أَعْدَدْتُهُ وَرِقَاقَ الْحَدِّ مُنْتَخَلًا ... وَمَارِنًا لِخُطُوبٍ قَدْ أُلَاقِيهَا [3] هَذَا وَبَيْضَاءَ مِثْلَ النِّهْيِ مُحْكَمَةٌ ... نِيطَتْ عَلَيَّ فَمَا تَبْدُو مَسَاوِيهَا [4] سُقْنَا كِنَانَةَ مِنْ أَطْرَافِ ذِي يَمَنٍ ... عُرْضُ الْبِلَادِ عَلَى مَا كَانَ يُزْجِيهَا [5] قَالَتْ كِنَانَةُ: أنَّي تَذْهَبُونَ بِنَا؟ ... قُلْنَا: النُّخَيْلُ، فَأَمُّوهَا وَمَنْ فِيهَا [6] نَحْنُ الْفَوَارِسُ يَوْمَ الْجَرِّ مِنْ أُحُدٍ ... هَابَتْ مَعَدٌّ فَقُلْنَا نَحْنُ نَأْتِيهَا [7] هَابُوا ضِرَابًا وَطَعْنًا صَادِقًا خَذِمًا ... مِمَّا يَرَوْنَ وَقَدْ ضُمَّتْ قَوَاصِيهَا [8] ثُمَّتَ رُحْنَا كَأَنَّا عَارِضٌ بَرِدٌ ... وَقَامَ هَامُ بَنِي النَّجَّارِ يَبْكِيهَا [9] كَأَنَّ هَامَهُمْ عِنْدَ الْوَغَى فِلَقٌ ... مِنْ قَيْضِ رُبْدٍ نَفَتْهُ عَنْ أَدَاحِيهَا [10]

_ [1] العير: الْحمار الوحشي. والفدفدة: الفلاة. والمكدم: المعضض، عضته: أَتَتْهُ. والعون: جمع عانة من حمر الْوَحْش. [2] أَعْوَج: اسْم فرس مَشْهُور فِي الْعَرَب. ويرتاح: يستبشر ويهتز. والندى: الْمجْلس من الْقَوْم. والجذع: الْفَرْع. وشعراء: نَخْلَة كَثِيرَة الأغصان. ومراقيها: معاليها. [3] رقاق الْحَد: يُرِيد سَيْفا ومنتخلا: متخيرا. والمارن: الرمْح اللين عِنْد الهز. والخطوب: حوادث الدَّهْر. [4] يُرِيد «بالبيضاء» : الدرْع. والنهى (بِفَتْح النُّون وَكسرهَا) : الغدير من المَاء. ونيطت: علقت. وَهِي رِوَايَة أبي ذَر. وَرِوَايَة الْأُصُول: «لظت» أَي لصقت. ومساويها: عيوبها: [5] عرض الْبِلَاد: سعتها. ويزجيها: يَسُوقهَا. [6] يُرِيد بالنخيل (كزبير) : مَدِينَة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِي اسْم لعين قرب الْمَدِينَة. وأموها: قصدوها. [7] الْجَرّ: أصل الْجَبَل. [8] الخذم (بِالْخَاءِ والذال المعجمتين) : الّذي يقطع اللَّحْم سَرِيعا. وقواصيها: مَا تفرق مِنْهَا وَبعد. [9] الْعَارِض: السَّحَاب. وَالْبرد: الّذي فِيهِ برد. والهام: جمع هَامة، وَهِي الطَّائِر الّذي تزْعم الْعَرَب أَنه يخرج من رَأس الْقَتِيل. [10] الْهَام: جمع هَامة، وَهِي الرَّأْس. والوغى: الْحَرْب. والفلق: جمع فلقَة، وَهِي الْقطعَة من الشَّيْء والقيض: قشر الْبيض الْأَعْلَى. والربد: النعام، لِأَن ألوانها بَين الْبيَاض والسواد، وَهُوَ اللَّوْن الأربد. والأداحى: جمع أدحى، وَهُوَ الْموضع الّذي تبيض فِيهِ النعام.

(شعر حسان في الرد على هبيرة) :

أَوْ حَنْظَلُ ذَعْذَعَتْهُ الرِّيحُ فِي غُصُنٍ ... بَالٍ تَعَاوَرَهُ مِنْهَا سَوَافِيهَا [1] قَدْ نَبْذُلُ الْمَالَ سَحًّا لَا حِسَابَ لَهُ ... وَنَطْعَنُ الْخَيْلَ شَزْرًا فِي مَآقِيُهَا [2] وَلَيْلَةٍ يَصْطَلِي بِالْفَرْثِ جَازِرُهَا ... يَخْتَصُّ بِالنَّقَرَى الْمُثَرِينَ دَاعِيهَا [3] وَلَيْلَةٍ مِنْ جُمَادَى ذَاتِ أَنْدِيَةٍ ... جَرْبَا جُمَادِيَّةٍ قَدْ بِتُّ أَسْرِيهَا [4] لَا يَنْبَحُ الْكَلْبُ فِيهَا غَيْرَ وَاحِدَةٍ ... مِنْ الْقَرِيسِ وَلَا تَسْرَى أَفَاعِيهَا [5] أَوْقَدْتُ فِيهَا لِذِي الضَّرَّاءِ [6] جَاحِمَةً [7] ... كَالْبَرْقِ ذَاكِيَةَ الْأَرْكَانِ أَحْمِيهَا [8] أَوْرَثَنِي ذَاكُمْ عَمْروٌ وَوَالِدُهُ ... مِنْ قَبْلِهِ كَانَ بِالْمَثْنَى يُغَالِيهَا [9] كَانُوا يُبَارُونَ أَنْوَاءَ النُّجُومِ فَمَا ... دَنَّتْ عَنْ السَّوْرَةِ الْعُلْيَا مَسَاعِيهَا [10] (شِعْرُ حَسَّانٍ فِي الرَّدِّ عَلَى هُبَيْرَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، فَقَالَ:

_ [1] ذعذعته: حركته. وتعاوره: تتداوله. والسوافي: الرِّيَاح الَّتِي تقلع التُّرَاب والرمل من الأَرْض [2] سَحا: صبا، يُرِيد أَنه عَطاء كثير. والشزر: الطعْن عَن يَمِين وشمال. والمآقي: مجاري الدُّمُوع من الْعين. والمآقي (أَيْضا) : الْمُقدمَات. وكلا الْمَعْنيين يَسْتَقِيم بِهِ الْكَلَام. [3] يصطلى: يستدفئ من شدَّة الْبرد. والنقرى: أَن تَدْعُو قوما دون قوم، يُقَال: هُوَ يَدْعُو الجفلى: إِذا عَم، وَهُوَ يَدْعُو النقرى إِذا خص. والمثرين: الْأَغْنِيَاء. [4] الأندية: جمع ندي (على غير قِيَاس) وَقد قيل: إِنَّه جمع الْجمع، كَأَنَّهُ جمع ندي على نِدَاء (مثل جمل وجمال) ثمَّ جمع الْجمع على أفعلة، وَهَذَا بعيد فِي الْقيَاس، لِأَن الْجمع الْكثير لَا يجمع، وفعال من أبنية الْجمع الْكثير. وَقد قيل هُوَ جمع ندي، والندى: الْمجْلس. وَهَذَا لَا يشبه معنى الْبَيْت، وَلكنه جمع جَاءَ على أَمْثَال أفعلة، لِأَنَّهُ فِي معنى الأهوية والأشتية، وَنَحْو ذَلِك. وَأقرب من ذَلِك أَنه فِي معنى الرذاذ والرشاش، وهما يجمعان على أفعلة. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) . وجربا: شَدِيدَة الْبرد مؤلمة أَو قحطة لَا مطر فِيهَا، وَيُرِيد بجمادية نِسْبَة إِلَى شهر جُمَادَى. وَكَانَ هَذَا الِاسْم قد وَقع على هَذَا الشَّهْر فِي زمن جمود المَاء، ثمَّ انْتقل بِالْأَهِلَّةِ، وَبَقِي الِاسْم عَلَيْهِ وَإِن كَانَ فِي الصَّيف والقيظ. وَكَذَلِكَ أَكثر هَذِه الشُّهُور الْعَرَبيَّة سميت بأسماء مَأْخُوذَة من أَحْوَال السّنة الشمسية، ثمَّ لزمتها وَإِن خرجت عَن تِلْكَ الْأَوْقَات. (رَاجع الرَّوْض) . [5] القريس: الْبرد مَعَ الصقيع. [6] لذِي الضراء، أَي لذِي الجاحمة والعوز. [7] كَذَا فِي أ، ط. والجاحمة: الملتهبة. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «حامية» . [8] ذاكية: مضيئة. [9] بالمثنى، أَي مرّة بعد مرّة. [10] يبارون: يعارضون. وَدنت: قصرت. وَالسورَة: الرّفْعَة والمنزلة. والمساعي: مَا يسْعَى فِيهِ من المكارم.

(شعر كعب في الرد على هبيرة) :

سُقْتُمْ كِنَانَةَ جَهْلًا مِنْ سَفَاهَتِكُمْ ... إلَى الرَّسُولِ فَجُنْدُ اللَّهِ مُخْزِيهَا أَوْرَدْتُمُوهَا حِيَاضَ الْمَوْتِ ضَاحِيَةً ... فَالنَّارُ مَوْعِدُهَا، وَالْقَتْلُ لَاقِيهَا [1] جَمَّعْتُمُوهَا أحابِيشًا بِلَا حَسَبٍ ... أَئِمَّةَ الْكُفْرِ غَرَّتْكُمْ طَوَاغِيهَا [2] أَلَا اعْتَبَرْتُمْ بِخَيْلِ اللَّهِ إذْ قَتَلَتْ ... أَهْلَ الْقَلِيبِ وَمَنْ أَلْقَيْنَهُ فِيهَا [3] كَمْ مِنْ أَسِيرٍ فَكَكْنَاهُ بِلَا ثَمَنٍ ... وَجَزِّ نَاصِيَةٍ كُنَّا مَوَالِيهَا [4] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِيهَا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَيْتُ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ: وَلَيْلَةٍ يَصْطَلِي بِالْفَرْثِ جَازِرُهَا ... يَخْتَصُّ بِالنَّقَرَى الْمُثَرِينَ دَاعِيهَا يُرْوَى لِجَنُوبٍ، أُخْتِ عَمْرِو ذِي الْكَلْبِ الْهُذَلِيِّ، فِي أَبْيَاتٍ لَهَا فِي غَيْرِ يَوْمِ أُحُدٍ. (شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرَّدِّ عَلَى هُبَيْرَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يُجِيبُ هُبَيْرَةَ بْنَ أَبِي وَهْبٍ أَيْضًا: أَلَا هَلْ أَتَى غَسَّانَ عَنَّا وَدُونَهُمْ ... مِنْ الْأَرْضِ خَرْقٌ سَيْرُهُ مُتَنَعْنِعُ [5] صَحَارٍ وَأَعْلَامٌ كَأَنَّ قَتَامَهَا ... مِنْ الْبُعْدِ نَقْعٌ هَامِدٌ مُتَقَطِّعُ [6] تَظَلُّ بِهِ الْبُزَّلُ العَرامِيسُ رُزَّحًا ... وَيَخْلُو بِهِ غَيْثُ السِّنِينَ فَيُمْرِعُ [7] بِهِ جِيَفُ الْحَسْرَى يَلُوحُ صَلِيبُهَا ... كَمَا لَاحَ كَتَّانُ التِّجَارِ الْمُوَضَّعُ [8] بِهِ الْعَيْنُ وَالْآرَامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً ... وَبَيْضُ نَعَامٍ قَيْضُهُ يَتَقَلَّعُ [9]

_ [1] الْحِيَاض: جمع حَوْض. والضاحية: البارزة للشمس. [2] الْحسب: الشّرف، والطواغي: جمع طاغية، وَهُوَ المتكبر المتمرد. [3] يعْنى «بِأَهْل القليب» : من قتل ببدر من الْمُشْركين. [4] مواليها: أهل النِّعْمَة عَلَيْهَا. [5] الْخرق: الفلاة الواسعة، الَّتِي تنخرق فِيهَا الرّيح. ومتنعنع، أَي مُضْطَرب، وروى «متتعتع» بِالتَّاءِ أَي مُتَرَدّد. [6] الْأَعْلَام: الْجبَال المرتفعة. والقتام: مَا مَال لَونه إِلَى السوَاد. وَالنَّقْع: الْغُبَار. والهامد: المتلبد السَّاكِن. [7] البزل: الْإِبِل القوية، وَاحِدهَا: بازل. والعراميس: الشَّدِيدَة، والرزح: المعيية. [8] الصَّلِيب: الودك. والموضع: الْمَبْسُوط المنقوش. [9] الْعين: بقر الْوَحْش. والآرام: الْبيض الْبُطُون السمر الظُّهُور. وخلفة: أَي يَمْشين قِطْعَة خلف قِطْعَة. والقيض: قشر الْبيض الْأَعْلَى. ويتقلع: يتشقق.

مُجَالَدُنَا [1] عَنْ دِينِنَا كُلُّ فَخْمَةٍ ... مُذَرَّبَةٍ فِيهَا الْقَوَانِسُ تَلْمَعُ [2] وَكُلُّ صَمُوتٍ فِي الصِّوَانِ كَأَنَّهَا ... إذَا لُبِسَتْ تهي من المَاء مترع [3] وَلَكِنْ بِبَدْرٍ سَائِلُوا مَنْ لَقِيُتمُ ... مِنْ النَّاسِ وَالْأَنْبَاءُ بِالْغَيْبِ تَنْفَعُ وَإِنَّا بِأَرْضِ الْخَوْفِ لَوْ كَانَ أَهْلُهَا ... سِوَانَا لَقَدْ أَجْلَوْا بِلَيْلٍ فَأَقْشَعُوا [4] إذَا جَاءَ مِنَّا رَاكِبٌ كَانَ قَوْلُهُ ... أَعِدُّوا لِمَا يُزْجِي ابْنُ حَرْبٍ وَيَجْمَعُ [5] فَمَهْمَا يُهِمُّ النَّاسَ مِمَّا يَكِيدُنَا ... فَنَحْنُ لَهُ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ أَوْسَعُ فَلَوْ غَيْرُنَا كَانَتْ جَمِيعًا تكيده ... البريّة قَدْ أَعْطَوْا يَدًا وَتَوَزَّعُوا [6] نُجَالِدُ لَا تَبْقَى عَلَيْنَا قَبِيلَةٌ ... مِنْ النَّاسِ إلَّا أَنْ يَهَابُوا وَيَفْظُعُوا [7] وَلَمَّا ابْتَنَوْا بِالْعَرْضِ قَالَ سَرَاتُنَا ... عَلَامَ إذَا لَمْ تَمْنَعْ الْعِرْضَ نَزْرَعُ؟ [8] وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ نَتْبَعُ أَمْرَهُ ... إذَا قَالَ فِينَا الْقَوْلَ لَا نَتَطَلَّعُ [9] تَدَلَّى عَلَيْهِ الرُّوحُ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ ... يُنَزَّلُ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ وَيُرْفَعُ [10] نُشَاوِرُهُ فِيمَا نُرِيدُ وَقَصْرُنَا ... إذَا مَا اشْتَهَى أَنَّا نُطِيعُ وَنَسْمَعُ [11] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لَمَّا بَدَوْا لَنَا ... ذَرُوا عَنْكُمْ هَوْلَ الْمَنِيَّاتِ وَاطْمَعُوا وَكُونُوا كَمَنْ يَشْرِي الْحَيَاةَ تَقَرُّبًا ... إلَى مَلِكٍ يُحْيَا لَدَيْهِ وَيُرْجَعُ [12]

_ [1] فِي أ «مجادلنا» . [2] الفخمة: الكتيبة الْعَظِيمَة. والمدربة: المتعودة الْقِتَال الماهرة فِيهِ. وَهِي رِوَايَة أ. وتروى «مذربة» بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، أَي محددة، وَهِي رِوَايَة سَائِر الْأُصُول. والقوانس: رُءُوس بيض السِّلَاح. [3] الصموت: الدرْع أحكم نسجها وتقارب حلقها فَلَا يسمع لَهَا صَوت. والصوان: كل مَا يصان فِيهِ الشَّيْء، درعا كَانَ أَو ثوبا أَو غَيرهمَا. والتهى: الغدير. ومترع: مَمْلُوء. [4] أقشعوا: فروا وزالوا. [5] يزجى: يَسُوق. [6] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول، وَشرح السِّيرَة. وتوزعوا تقسموا. وَفِي: أ «تورعوا» . وتورعوا: ذلوا. [7] يفظعوا: يهابوا ويفزعوا. [8] ابْتَنَوْا: ضربوا أبنيتهم. وَالْعرض: وَاحِد أَعْرَاض الْمَدِينَة، وَهِي قراها الَّتِي فِي أَوديتهَا. وسراتنا: خيارنا. [9] لَا نتطلع: لَا نَنْظُر إِلَيْهِ إجلالا وهيبة لَهُ. وَهِي رِوَايَة أ، ويروى: «لَا نتظلع» أَي لَا نَمِيل عَنهُ. وَهِي رِوَايَة سَائِر الْأُصُول. [10] الرّوح: جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام. [11] قَصرنَا: غايتنا. [12] يشرى: يَبِيع.

وَلَكِنْ خُذُوا أَسْيَافَكُمْ وَتَوَكَّلُوا ... عَلَى اللَّهِ إنَّ الْأَمْرَ للَّه أَجْمَعُ فَسِرْنَا إلَيْهِمْ جَهْرَةً فِي رِحَالهِمْ ... ضُحَيًّا عَلَيْنَا الْبِيضُ لَا نَتَخَشَّعُ [1] بِمَلْمُومَةٍ فِيهَا السَّنَوُّرُ وَالْقَنَا ... إذَا ضَرَبُوا أَقْدَامَهَا لَا تَوَرَّعُ [2] فَجِئْنَا إلَى مَوْجٍ مِنْ الْبَحْرِ وَسْطَهُ ... أَحَابِيشُ مِنْهُمْ حَاسِرٌ وَمُقَنَّعُ [3] ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَنَحْنُ نَصِيَّةٌ ... ثَلَاثُ مِئِينٍ إنْ كَثُرْنَا وَأَرْبَعُ [4] نُغَاوِرهُمْ تَجْرِي الْمَنِيَّةُ بَيْنَنَا ... نُشَارِعُهُمْ حَوْضَ الْمَنَايَا وَنَشْرَعُ [5] تَهَادَى قِسِيُّ النَّبْعِ فِينَا وَفِيّهُمْ ... وَمَا هُوَ إلَّا الْيَثْرِبِيُّ الْمُقَطَّعُ [6] وَمَنْجُوفَةٌ حَمِيَّةٌ صَاعِدِيَّةٌ ... يُذَرُّ عَلَيْهَا السَّمُّ سَاعَةَ تُصْنَعُ [7] تَصُوبُ بِأَبْدَانِ الرِّجَالِ وَتَارَةً ... تَمُرُّ بِأَعْرَاضِ الْبِصَارِ تَقَعْقَعُ [8] وَخَيْلٌ تَرَاهَا بِالْفَضَاءِ كَأَنَّهَا ... جَرَادٌ صَبًا فِي قَرَّةٍ يَتَرَيَّعُ [9] فَلَمَّا تَلَاقَيْنَا وَدَارَتْ بِنَا الرَّحَى ... وَلَيْسَ لِأَمْرٍ حَمَّهُ اللَّهُ مَدْفَعُ [10] ضَرَبْنَاهُمْ حَتَّى تَرَكْنَا سَرَاتَهُمْ ... كَأَنَّهُمْ بِالْقَاعِ خُشْبٌ مُصَرَّعُ [11] لَدُنْ غُدْوَةً حَتَّى اسْتَفَقْنَا عَشِيَّةً ... كَأَنَّ ذَكَانَا حَرُّ نَارٍ تَلَفَّعُ [12]

_ [1] الْبيض: السيوف. [2] الملمومة: الكتيبة المجتمعة. والسنور: السِّلَاح. وَلَا تورع: لَا تكف. ويروى: «لَا توزع» : أَي لَا تتفرق. [3] الحاسر: الّذي لَا درع عَلَيْهِ وَلَا مغفر. وَالْمقنع: الّذي لبس المغفر على رَأسه وَهُوَ القناع. [4] النصية: الْخِيَار من الْقَوْم. [5] نغاورهم: نداولهم. ونشارعهم: نشاربهم. ونشرع: نشرب. [6] النبع: شجر تصنع مِنْهُ القسي. واليثربي: الأوتار، نِسْبَة إِلَى يثرب. [7] المنجوفة: السِّهَام. والحرمية: نِسْبَة إِلَى أهل الْحرم، يُقَال: رجل حرمي، إِذا كَانَ من أهل الْحرم. والصاعدية: نِسْبَة إِلَى صاعد، صانع مَعْرُوف. [8] تصوب: تقع. والبصار: حِجَارَة لينَة، وتقعقع: تصوت. [9] الصِّبَا: ريح شرقية. والقرة: الْبرد. ويتريع: يَجِيء وَيذْهب. [10] رحى الْحَرْب: مُعظم مَوضِع الْقِتَال فِيهَا. حمه الله: قدره. [11] سراتهم: خيارهم. والقاع: المنخفض من الأَرْض. [12] ذكانا، أَي التهابنا فِي الْحَرْب. وتلفع. يشْتَمل حرهَا على من دنا مِنْهَا.

وَرَاحُوا سِرَاعًا مُوجِفِينَ كَأَنَّهُمْ ... جَهَامٌ هَرَاقَتْ مَاءَهُ الرِّيحُ مُقْلَعُ [1] وَرُحْنَا وَأُخْرَانَا بِطَاءٌ كَأَنَّنَا ... أُسُودٌ عَلَى لَحْمٍ بِبِيشَةَ ظُلَّعُ [2] فَنِلْنَا وَنَالَ الْقَوْمُ مِنَّا وَرُبَّمَا ... فَعَلْنَا وَلَكِنْ مَا لَدَى اللَّهِ أَوْسَعُ وَدَارَتْ رَحَانَا وَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ ... وَقَدْ جُعِلُوا كُلٌّ مِنْ الشَّرِّ يَشْبَعُ وَنَحْنُ أُنَاسٌ لَا نَرَى الْقَتْلَ سُبَّةً ... عَلَى كُلِّ مَنْ يَحْمِي الذِّمَارَ وَيَمْنَعُ [3] جِلَادٌ عَلَى رَيْبِ الْحَوَادِثِ لَا نَرَى ... عَلَى هَالِكٍ عَيْنًا لَنَا الدَّهْرَ تَدْمَعُ [4] بَنُو الْحَرْبِ لَا نَعْيَا [5] بِشَيْءٍ نَقُولُهُ ... وَلَا نَحْنُ مِمَّا جَرَّتْ الْحَرْبُ نَجْزَعُ بَنُو الْحَرْبِ إنْ نَظْفَرْ فَلَسْنَا بِفُحَّشٍ ... وَلَا نَحْنُ مِنْ أَظْفَارِهَا نَتَوَجَّعُ وَكُنَّا شِهَابًا يُتَّقَى النَّاسُ حَرُّهُ ... وَيَفْرُجُ عَنْهُ مَنْ يَلِيهِ وَيَسْفَعُ [6] فَخَرْتَ عَلَيَّ ابْنَ الزِّبَعْرَى وَقَدْ سَرَى ... لَكُمْ طَلَبٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ مُتْبَعُ فَسَلْ عَنْكَ فِي عُلْيَا مَعَدٍّ وَغَيْرِهَا ... مِنْ النَّاسِ مَنْ أَخْزَى مَقَامًا وَأَشْنَعُ وَمَنْ هُوَ لَمْ تَتْرُكْ لَهُ الْحَرْبُ مَفْخَرًا ... وَمَنْ خَدُّهُ يَوْمَ الْكَرِيهَةِ أَضْرَعُ [7] شَدَدْنَا بِحَوْلِ اللَّهِ وَالنَّصْرِ شَدَّةً ... عَلَيْكُمْ وأطراف الأسنّة شرّع تَكُرُّ الْقَنَا فِيكُمْ كَأَنَّ فُرُوعَهَا ... عَزَالِي مَزَادٍ مَاؤُهَا يَتَهَزَّعُ [8] عَمَدْنَا إلَى أَهْلِ اللِّوَاءِ وَمَنْ يَطِرْ ... بِذِكْرِ اللِّوَاءِ فَهُوَ فِي الْحَمْدِ أَسْرَعُ فَخَانُوا وَقَدْ أَعْطَوْا يَدًا وَتَخَاذَلُوا ... أَبَى اللَّهُ إلَّا أَمْرَهُ وَهُوَ أَصْنَعُ

_ [1] موجفين، مُسْرِعين. والجهام: السَّحَاب الرَّقِيق الّذي لَيْسَ فِيهِ مَاء. [2] بيشة: مَوضِع تنْسب إِلَيْهِ الْأسود. [3] الذمار: مَا يجب على الرجل أَن يحميه. [4] جلاد: جمع جليد، وَهُوَ الصبور. [5] فِي أ: «لَا نعنى» . [6] الشهَاب: الْقطعَة من النَّار. ويسفع: يحرق ويغير. وَفِي أ: «يشفع» بالشين الْمُعْجَمَة، وَهُوَ تَصْحِيف. [7] أضرع: ذليل. [8] الفروغ: الطعنات المتسعة. وَقد وَردت هَذِه الْكَلِمَة فِي الأَصْل بِالْعينِ الْمُهْملَة. وَهُوَ تَصْحِيف. وعزالي: جمع عزلاء، وَهِي فَم المزادة، ويتهزع: يتقطع. ويروى «يتهرع» أَي يتفرغ ويسرع سيلانه.

(شعر لابن الزبعري) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ قَدْ قَالَ: مُجَالَدُنَا عَنْ جِذْمِنَا [1] كُلُّ فَخْمَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَصْلُحُ أَنْ تَقُولَ: مُجَالَدُنَا عَنْ دِينِنَا؟ فَقَالَ كَعْبٌ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَهُوَ أَحْسَنُ، فَقَالَ كَعْبٌ: مُجَالَدُنَا عَنْ دِينِنَا. (شِعْرٌ لِابْنِ الزِّبَعْرَى) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ: يَا غُرَابَ الْبَيْنِ أَسْمَعْتَ فَقُلْ ... إنَّمَا تَنْطِقُ شَيْئًا قَدْ فُعِلْ إنَّ لِلْخَيْرِ وَلِلشَّرِّ مَدًى ... وَكِلَا ذَلِكَ وَجْهٌ وَقَبَلْ [2] وَالْعَطِيَّاتُ خِسَاسٌ بَيْنَهُمْ ... وَسَوَاءٌ قَبْرٌ مُثْرٍ وَمُقِلْ [3] كُلُّ عَيْشٍ وَنَعِيمٍ زَائِلٌ ... وَبَنَاتُ الدَّهْرِ يَلْعَبْنَ بِكُلْ [4] أَبْلِغْنَ حَسَّانَ عَنِّي آيَةً ... فَقَرِيضُ الشِّعْرِ يَشْفِي ذَا الْغُلَلْ [5] كَمْ تَرَى بِالْجَرِّ مِنْ جُمْجُمَةٍ ... وَأَكُفٍّ قَدْ أُتِرَّتْ وَرِجِلْ [6] وَسَرَابِيلَ حِسَانٍ سُرِيَتْ ... عَنْ كُمَاةٍ أُهْلِكُوا فِي الْمُنْتَزَلْ [7] كَمْ قتلنَا من كيم سَيِّدٍ ... مَاجِدْ الْجَدَّيْنِ مِقْدَامٍ بَطَلْ صَادِقِ النَّجْدَةِ قَرْمٍ بَارِعٍ ... غَيْرِ مُلْتَاثٍ لَدَى وَقْعِ الْأَسَلْ [8] فَسَلْ الْمِهْرَاسَ مَنْ سَاكِنُهُ؟ ... بَيْنَ أَقْحَافٍ وَهَامٍ كَالْحَجَلْ [9]

_ [1] الجذم: الأَصْل. [2] المدى: الْغَايَة. والقبل: المواجهة والمقابلة. يُرِيد أَن كل ذَلِك ملاقيه الْإِنْسَان فِي مُسْتَقْبل أَيَّامه. [3] خساس: حقيرة. والمثري: الْغنى. والمقل: الْفَقِير. [4] بَنَات الدَّهْر: حوادثه. [5] الْآيَة: الْعَلامَة. والغلل: جمع غلَّة، وَهِي حرارة الْعَطش. [6] الْجَرّ: أصل الْجَبَل. وأترت: قطعت. وَالرجل: الأرجل. [7] السرابيل: الدروع. وسريت: جردت. والكماة: الشجعان. والمنتزل: مَوضِع الْحَرْب والنزال. [8] النجدة: الْقُوَّة والشجاعة. وَالْقَرْمُ: الْفَحْل الْكَرِيم. والبارع: المبرز على غَيره. والملتاث: الضَّعِيف. والأسل: الرماح. [9] الأقحاف: جمع قحف. والهام: الرُّءُوس.

(رد حسان على ابن الزبعري) :

لَيْتُ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا ... جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الْأَسَلْ حِينَ حَكَّتْ بِقُبَاءٍ بَرْكَهَا ... وَاسْتَحَرَّ الْقَتْلُ فِي عبد الأشل [1] ثمّ خفّوا عِنْد ذَاكُمْ رُقَّصًا ... رَقَصَ الْحَفَّانِ يَعْلُو فِي الْجَبَلْ [2] فَقَتَلْنَا الضِّعْفَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ ... وَعَدَلْنَا مَيْلَ بَدْرٍ فَاعْتَدَلْ لَا أَلُومُ النَّفْسَ إلَّا أَنَّنَا ... لَوْ كَرَرْنَا لَفَعَلْنَا الْمُفْتَعَلْ بِسُيُوفِ الْهِنْدِ تَعْلُو هَامَهُمْ ... عَلَلًا تَعْلُوهُمْ بَعْدَ نَهَلْ [3] (رَدُّ حَسَّانٍ عَلَى ابْنِ الزِّبَعْرَى) : فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ذَهَبْتُ يَا بْنَ الزِّبَعْرَى وَقْعَةٌ ... كَانَ مِنَّا الْفَضْلُ فِيهَا لَوْ عَدَلْ وَلَقَدْ نِلْتُمْ وَنِلْنَا مِنْكُمْ ... وَكَذَاكَ الْحَرْبُ أَحْيَانًا دُوَلْ نَضَعُ الْأَسْيَافَ فِي أَكْتَافِكُمْ ... حَيْثُ نَهْوِى عَلَلًا بَعْدَ نَهَلْ [4] نُخْرِجُ الْأَضْيَاحَ [5] مِنْ أَسْتَاهِكُمْ ... كَسُلَاحِ النِّيبِ يَأْكُلْنَ الْعَصَلْ [6] إذْ تُوَلُّونَ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ... هُرَّبًا فِي الشِّعْبِ أَشْبَاهَ الرَّسَلْ [7] إذْ شَدَدْنَا شَدَّةً صَادِقَةً ... فَأَجَأْنَاكُمْ إلَى سَفْحِ الْجَبَلْ [8] بِخَنَاطِيلَ [9] كَأَشْدَافِ [10] الْمَلَا ... مَنْ يُلَاقُوهُ مِنْ النَّاسِ يُهَلْ [11]

_ [1] البرك: الصَّدْر. وَبَنُو عبد الأشل: يُرِيد بنى عبد الْأَشْهَل، فَحذف الْهَاء. [2] الرقص: مَشى سريع. والحفان: صغَار النعام. [3] الْعِلَل: الشّرْب الثَّانِي. والنهل: الشّرْب الأول. يُرِيد الضَّرْب بعد الضَّرْب. [4] فِي شرح السِّيرَة: «الخطى» فِي مَوضِع الأسياف. والخطى: الرماح، نِسْبَة إِلَى الْخط، وَهُوَ مَوضِع. [5] كَذَا فِي شرح السِّيرَة. والأضياح: جمع ضيح، وَهُوَ اللَّبن الْمَخْلُوط بِالْمَاءِ. وَفِي الْأُصُول «الأصبح» . [6] النيب: جمع نَاب، وَهِي النَّاقة المسنة. والعصل: نَبَات تَأْكُله الْإِبِل فَيخرج مِنْهَا أَحْمَر. [7] الرُّسُل: الْإِبِل الْمُرْسلَة بَعْضهَا فِي إِثْر بعض. [8] فأجأناكم: أَي ألجأناكم. [9] الخناطيل: الْجَمَاعَات من كل شَيْء. [10] كَذَا فِي أ. قَالَ أَبُو ذَر. ويروى: «كأمذاق» . والأمذاق: الأخلاط من النَّاس. غير أَن كتب اللُّغَة لم تجمع شدفا على أشداف، وَإِنَّمَا جمعته على شدوف، وَفِي سَائِر الْأُصُول: كأشداق «بِالْقَافِ» وَهُوَ تَحْرِيف. ويروى: «كجنان الملا» والجنان: الْجِنّ. [11] الملا: المتسع من الأَرْض. ويهل: يرتاع، من الهول، وَهُوَ الْفَزع.

(شعر كعب في بكاء حمزة وقتلى أحد) :

ضَاقَ عَنَّا الشِّعْبُ إذْ نَجْزَعُهُ ... وَمَلَأْنَا الْفَرْطَ مِنْهُ وَالرَّجَلْ [1] بِرِجَالٍ لَسْتُمْ أَمْثَالَهُمْ ... أُيِّدُوا جِبْرِيلَ نَصْرًا فَنَزَلْ [2] وَعَلَوْنَا يَوْمَ بَدْرٍ بِالتُّقَى ... طَاعَةِ اللَّهِ وَتَصْدِيقِ الرُّسُلْ وَقَتَلْنَا كُلَّ رَأْسٍ مِنْهُمْ ... وَقَتَلْنَا كُلَّ جَحْجَاحٍ رِفَلْ [3] وَتَرَكْنَا فِي قُرَيْشٍ عَوْرَةً ... يَوْمَ بَدْرٍ وَأَحَادِيثَ الْمَثَلْ وَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا شَاهِدٌ ... يَوْمَ بَدْرٍ وَالتَّنَابِيلُ الْهُبُلْ [4] فِي قُرَيْشٍ مِنْ جُمُوعٍ جُمِّعُوا ... مِثْلَ مَا يُجْمَعُ فِي الْخِصْبِ الْهَمَلْ [5] نَحْنُ لَا أَمْثَالُكُمْ وُلْدَ اسْتِهَا ... نَحْضُرُ النَّاسَ إذَا الْبَأْسُ نَزَلْ [6] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ: «وَأَحَادِيثَ الْمَثَلْ» وَالْبَيْتَ الَّذِي قَبْلَهُ. وَقَوْلَهُ: « فِي قُرَيْشٍ مِنْ جُمُوعٍ جُمِّعُوا » عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. (شِعْرُ كَعْبٍ فِي بُكَاءِ حَمْزَةَ وَقَتْلَى أُحُدٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يَبْكِي حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَتْلَى أُحُدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. نَشَجْتَ وَهَلْ لَكَ مِنْ مَنْشجِ ... وَكُنْتَ مَتَى تَذَّكِرْ تَلْجَجْ [7] تَذَكُّرَ قَوْمٍ أَتَانِي لَهُمْ ... أَحَادِيثُ فِي الزَّمَنِ الْأَعْوَجْ فَقَلْبُكَ مِنْ ذِكْرِهِمْ خَافِقٌ ... مِنْ الشَّوْقِ وَالْحَزَنِ الْمُنْضِجْ وَقَتْلَاهُمْ فِي جِنَانِ النَّعِيمِ ... كِرَامُ الْمَدَاخِلِ وَالْمَخْرَجْ

_ [1] نجزعه: نقطعه عرضا. والفرط: مَا علا من الأَرْض. وَالرجل: جمع رجلة، وَهُوَ المطمئن من الأَرْض. [2] قَالَ أَبُو ذَر: «أيدوا جِبْرِيل» أَرَادَ أيدوا بِجِبْرِيل، فَحذف حرف الْجَرّ، وعدي الْفِعْل. [3] الجحجاح: السَّيِّد. والرفل: الّذي يجر ثَوْبه خُيَلَاء. [4] التنابيل الْقصار: اللئام، ويروى: القنابل. يُرِيد الْخَيل، الْوَاحِدَة قنبلة. وَهِي الْقطعَة من الْخَيل. والهبل، قَالَ أَبُو ذَر: من رَوَاهُ بِضَم الْهَاء وَالْبَاء، فَمَعْنَاه الَّذين ثقلوا لِكَثْرَة اللَّحْم عَلَيْهِم، وَمِنْه يُقَال: رجل مهبل: إِذا كثر لَحْمه. وَمن رَوَاهُ بِفَتْح الْهَاء وَالْبَاء، أَو بِضَم الْهَاء وَفتح الْبَاء، فَهُوَ من الثكل، يُقَال: هبلته أمه: إِذا ثكلته. [5] الهمل: الْإِبِل الْمُهْملَة، وَهِي الَّتِي ترسل فِي المرعى دون رَاع. [6] ولد: جمع ولد. [7] نشجت: بَكَيْت، وتلجج، من اللجج، وَهُوَ الْإِقَامَة على الشَّيْء والتمادي فِيهِ.

(شعر ضرار في الرد على كعب) :

بِمَا صَبَرُوا تَحْتَ ظِلِّ اللِّوَاءِ ... لِوَاءِ الرَّسُولِ بِذِي الْأَضْوُجْ [1] غَدَاةَ أَجَابَتْ بِأَسْيَافِهَا ... جَمِيعًا بَنُو الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجْ وَأَشْيَاعُ أَحْمَدَ إذْ شَايَعُوا ... عَلَى الْحَقِّ ذِي النُّورِ وَالْمَنْهَجْ [2] فَمَا بَرِحُوا يَضْرِبُونَ الْكُمَاةَ ... وَيَمْضُونَ فِي الْقَسْطَلِ الْمُرْهَجْ [3] كَذَلِكَ حَتَّى دَعَاهُمْ مَلِيكٌ ... إلَى جَنَّةِ دَوْحَةِ الْمَوْلِجْ [4] فَكُلُّهُمْ مَاتَ حُرَّ الْبَلَاء ... عَلَى مِلَّةِ اللَّهِ لَمْ يَحْرَجْ [5] كَحَمْزَةِ لَمَّا وَفَى صَادِقًا ... بِذِي هَبَّةٍ صَارِمٍ سَلْجَجْ [6] فَلَاقَاهُ عَبْدُ بَنِي نَوْفَلٍ ... يُبَرْبِرُ كَالْجَمَلِ الْأَدْعَجْ [7] فَأَوْجَرَهُ حَرْبَةً كَالشِّهَابِ ... تَلَهَّبُ فِي اللَّهَبِ الْمُوهَجْ [8] وَنُعْمَانُ أَوْفَى بِمِيثَاقِهِ ... وَحَنْظَلَةُ الْخَيْرِ لَمْ يُحْنِجْ [9] عَنْ الْحَقِّ حَتَّى غَدَتْ رُوحُهُ ... إلَى مَنْزِلٍ فَاخِرْ الزِّبْرِجْ [10] أُولَئِكَ لَا مَنْ ثَوَى مِنْكُمْ ... مِنْ النَّارِ فِي الدَّرْكِ الْمُرْتَجْ [11] (شِعْرُ ضِرَارٍ فِي الرَّدِّ عَلَى كَعْبٍ) : فَأَجَابَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ الْفِهْرِيُّ، فَقَالَ: أَيَجْزَعُ كَعْبٌ لِأَشْيَاعِهِ ... وَيَبْكِي مِنْ الزَّمَنِ الْأَعْوَجْ [12]

_ [1] الأضوج (بِضَم الْوَاو) : جمع ضوج، وَهُوَ جَانب الْوَادي. والأضوج (بِفَتْح الْوَاو) : اسْم مَكَان. [2] شايعوا: تابعوا. والمنهج: الطَّرِيق الْوَاضِح. [3] الكماة: الشجعان. والقسطل: الْغُبَار. والمرهج: الّذي علا فِي الجو. [4] الدوحة: الشَّجَرَة الْكَثِيرَة الأغصان. والمولج: الْمدْخل. [5] حر الْبلَاء: خَالص الاختبار. [6] بِذِي هبة: يعْنى سَيْفا، وَهبة السَّيْف: وُقُوعه بالعظم. والصارم: الْقَاطِع. وسلجج: مرهف. [7] عبد بنى نَوْفَل: هُوَ وَحشِي قَاتل حَمْزَة. ويبربر: يَصِيح. والجمل الأدعج: الْأسود. [8] أوجره: طعنه فِي صَدره. والشهاب: الْقطعَة من النَّار. والموهج: الموقد. [9] لم يحنج: لم يصرف عَن وَجهه الّذي أَرَادَهُ من الْحق. [10] الزبرج: الوشي. [11] الدَّرك: مَا كَانَ إِلَى أَسْفَل. والدرج: مَا كَانَ إِلَى فَوق. [12] الأشياع: الأتباع.

عَجِيجَ الْمُذَكِّي رَأَى إلْفَهُ ... تَرَوَّحَ فِي صَادِرٍ مُحْنَجْ [1] فَرَاحَ الرَّوَايَا وَغَادَرْنَهُ ... يُعَجْعِجُ قسرا وَلم يجدج [2] فَقُولَا لِكَعْبٍ يُثَنِّي اُلْبُكَا ... وَلِلنِّيءِ مِنْ لَحْمِهِ يَنْضَجْ لِمَصْرَعِ إخْوَانِهِ فِي مَكَرٍّ ... مِنْ الْخَيْلِ ذِي قَسْطَلٍ مُرْهَجْ [3] فَيَا لَيْتَ عَمْرًا وَأَشْيَاعَهُ ... وَعُتْبَةَ فِي جَمْعِنَا السَّوْرَجْ [4] فَيَشْفُوا النُّفُوسَ بِأَوْتَارِهَا ... بِقَتْلَى أُصِيبَتْ مِنْ الْخَزْرَجْ [5] وَقَتْلَى مِنْ الْأَوْسِ فِي مَعْرَكٍ ... أُصِيبُوا جَمِيعًا بِذِي الْأَضْوُجْ [6] وَمَقْتَلِ حَمْزَةَ تَحْتَ اللِّوَاءِ ... بِمُطَّرِدِ، مَارِنٍ، مُخْلَجْ [7] وَحَيْثُ انْثَنَى مُصْعَبٌ ثَاوِيًا ... بِضَرْبَةٍ ذِي هَبَّةٍ سَلْجَجْ [8] بِأُحُدٍ وَأَسْيَافُنَا فِيهِمْ ... تَلَهَّبُ كَاللَّهَبِ الْمُوهَجِ غَدَاةَ لَقِينَاكُمْ فِي الْحَدِيدِ ... كَأُسْدِ الْبَرَاحِ [9] فَلَمْ تُعْنَجْ [10] بِكُلِّ مُجَلِّحَةٍ كَالْعُقَابِ ... وَأَجْرَدَ ذِي مَيْعَةٍ مُسْرَجْ [11] فَدُسْنَاهُمْ ثَمَّ حَتَّى انْثَنَوْا ... سِوَى زَاهِقِ النَّفْسِ أَوْ مُحْرَجْ [12]

_ [1] العجيج: الصياح. والمذكى (هُنَا) : المسن من الْإِبِل، وَأكْثر مَا يُقَال فِي الْخَيل. والصادر: الْجَمَاعَة الصادرة عَن المَاء. ومحنج:، أَي مَصْرُوف عَن وَجهه. [2] الروايا: الْإِبِل الَّتِي تحمل المَاء. وغادرنه: تركنه. ويعجعج: يصوت، وقسرا قهرا. وَلم يحدج: لم يَجْعَل عَلَيْهِ الحدج، وَهُوَ مركب من مراكب النِّسَاء. [3] القسطل: الْغُبَار. والمرهج: الْمُرْتَفع. [4] السورج: المتقد. [5] الأوتار: جمع وتر، وَهُوَ طلب الثأر. [6] المعرك: مَوضِع الْحَرْب. [7] المطرد: الّذي يَهْتَز، ويعنى بِهِ رمحا. والمارن: اللين. والمخلج: الّذي يطعن بِسُرْعَة. [8] الّذي يطعن بِسُرْعَة. [9] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والبراح: المتسع من الأَرْض. وَفِي أ: «البراج» بِالْجِيم، وَهُوَ تَصْحِيف [10] لم تعنج: لم تكف وَلم تصرف. [11] المجلحة: الْمَاضِيَة الْمُتَقَدّمَة. ويعنى بهَا فرسا، وَمن رَوَاهُ: «محجلة» فَهُوَ من التحجيل فِي الْخَيل. والأجرد: الْفرس الْعَتِيق. والميعة: النشاط. [12] دسناهم: وطئناهم. والمحرج: الْمضيق عَلَيْهِ.

(شعر ابن الزبعري في يوم أحد) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِضِرَارٍ. وَقَوْلُ كَعْبٍ: «ذِي النُّورِ وَالْمَنْهَجْ» عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ. (شِعْرُ ابْنِ الزِّبَعْرَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ، يَبْكِي الْقَتْلَى [1] : أَلَا ذَرَفَتْ مِنْ مُقْلَتَيْكَ دُمُوعُ ... وَقَدْ بَانَ مِنْ حَبْلِ الشَّبَابِ قُطُوعُ [2] وَشَطَّ بِمَنْ تَهْوَى الْمَزَارُ وَفَرَّقَتْ ... نَوَى الْحَيِّ دَارٌ بِالْحَبِيبِ فَجُوعُ [3] وَلَيْسَ لِمَا وَلَّى عَلَى ذِي حَرَارَةٍ ... وَإِنْ طَالَ تذْرَافُ الدُّمُوعِ رُجُوعُ فَذَرْ ذَا [4] وَلَكِنْ هَلْ أَتَى أُمَّ مَالِكٍ ... أَحَادِيثُ قَوْمِي وَالْحَدِيثُ يَشِيعُ وَمُجْنَبُنَا جُرْدًا إلَى أَهْلِ يَثْرِبَ ... عَناجيجَ مِنْهَا مُتْلَدٌ وَنَزِيعُ [5] عَشِيَّةَ سِرْنَا فِي لُهَامٍ [6] يَقُودُنَا [7] ... ضَرُورُ الْأَعَادِي لِلصَّدِيقِ نَفُوعُ نَشُدُّ عَلَيْنَا كُلَّ زَغْفٍ كَأَنَّهَا ... غَدِيرٌ بضوج الواديين نَقِيع [8] فَلَمَّا رَأَوْنَا خَالَطَتْهُمْ مَهَابَةٌ ... وَعَايَنَهُمْ أَمْرٌ هُنَاكَ فَظِيعُ وَوَدُّوا لَوْ أَنَّ الْأَرْضَ يَنْشَقُّ ظَهْرُهَا ... بِهِمْ وَصَبُورُ الْقَوْمِ ثَمَّ جَزُوعُ وَقَدْ عُرِّيَتْ بِيضٌ كَأَنَّ وَمِيضَهَا ... حَرِيقٌ تَرَقَّى فِي الْآبَاءِ سَرِيعُ [9] بِأَيْمَانِنَا نَعْلُو بِهَا كُلَّ هَامَةٍ ... وَمِنْهَا سِمَامٌ لِلْعَدُوِّ ذَرِيعُ [10]

_ [1] هَذِه الْعبارَة «يبكى الْقَتْلَى» سَاقِطَة فِي أ. [2] ذرفت: سَالَتْ. [3] شط: بعد. والنوى: الْبعد والفرقة. [4] فِي أ: «فذرنا» . [5] مجنبنا: أَي قودنا، يُقَال: جنبت الْخَيل: إِذا قدتها وَلم تركبها. والعناجيج: الطوَال الحسان. والمتلد: الّذي ولد عنْدك. والنزيع. الْغَرِيب. [6] اللهام: الْجَيْش الْكثير. [7] فِي أ: «يَقُودهَا» . [8] الزغف: الدروع اللينة، والضوج: جَانب الْوَادي، ونقيع: مَمْلُوء بِالْمَاءِ. [9] الوميض: الضَّوْء. والأباء: الأجمة الملتفة الأغصان. [10] الذريع، الّذي يقتل سَرِيعا.

(شعر حسان في الرد على ابن الزبعري) :

فَغَادَرْنَ قَتْلَى الْأَوْسِ غَاصِبَةً بِهِمْ [1] ... ضِبَاعٌ وَطَيْرٌ يَعْتَفِيَنَ وُقُوعُ [2] وَجَمْعُ بَنِي النَّجَّارِ فِي كُلِّ تَلْعَةٍ ... بِأَبْدَانِهِمْ مِنْ وَقْعِهِنَّ نَجِيعُ [3] وَلَوْلَا عُلُوُّ الشِّعْبِ غَادَرْنَ أَحْمَدَا ... وَلَكِنْ عَلَا والسَّمْهَرِيُّ شُرُوعُ [4] كَمَا غَادَرَتْ فِي الْكَرِّ حَمْزَةَ ثَاوِيًا ... وَفِي صَدْرِهِ مَاضِي الشّباة وقيع [5] ونعمان قَدْ غَادَرْنَ تَحْتَ لِوَائِهِ ... عَلَى لَحْمِهِ طَيْرٌ يَجُفْنَ وُقُوعُ [6] بِأُحُدِ وَأَرْمَاحُ الْكُمَاةِ يُرِدْنَهُمْ ... كَمَا غَالَ أَشْطَانَ الدِّلَاءِ نُزُوعُ [7] (شِعْرُ حَسَّانٍ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ الزِّبَعْرَى) : فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، فَقَالَ: أَشَاقَكَ مِنْ أُمِّ الْوَلِيدِ رُبُوعٌ ... بَلَاقِعُ مَا مِنْ أَهْلِهِنَّ جَمِيعُ [8] عَفَاهُنَّ صَيْفِيُّ الرِّيَاحِ وَوَاكِفٌ ... مِنْ الدَّلْوِ رَجَّافُ السَّحَابِ هَمُوعُ [9] فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَوْقِدُ النَّارِ حَوْلَهُ ... رَوَاكِدُ أَمْثَالِ الْحَمَامِ كُنُوعُ [10] فَدَعْ ذِكْرَ دَارٍ بَدَّدَتْ بَيْنَ أَهْلِهَا ... نَوًى لِمَتِينَاتِ الْحِبَالِ قَطُوعُ [11] وَقُلْ إنْ يَكُنْ يَوْمٌ بِأُحْدٍ يَعُدُّهُ ... سَفِيهٌ فَإِنَّ الْحَقَّ سَوْفَ يَشِيعُ فَقَدْ صَابَرَتْ فِيهِ بَنُو الْأَوْسِ كُلُّهُمْ ... وَكَانَ لَهُمْ ذِكْرٌ هُنَاكَ رَفِيعُ

_ [1] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وعاصبة: لاصقة. وَفِي أ: «عاصية» بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة. وَهُوَ تَصْحِيف. [2] يعتفين: يطلبن الرزق. [3] والنجيع: الدَّم. [4] الشّعب: الطَّرِيق فِي الْجَبَل. والسمهري: الرماح. وشروع:: ماثلة لِلطَّعْنِ. [5] شباة كل شَيْء: حَده. ووقيع: أَي محدد. [6] كَذَا فِي أ، ط. ويجفن: يدخلن جَوْفه، أَو يطالبن مَا فِي جَوْفه. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «يحفن» : أَي يقعن على لَحْمه. ويروى: «يحمن» ، أَي يستدرن. [7] الكماة: الشجعان. وغال: أهلك. والأشطان: الحبال. والدلاء: جمع دلو. والنزوع (بِضَم النُّون) : جذب الدَّلْو وإخراجها من الْبِئْر. والنزع (بِفَتْحِهَا) : المستقى. [8] البلقع: القفر الْخَالِي. [9] عفاهن: غَيْرهنَّ ودرسهن. والواكف: الْمَطَر السَّائِل، وَمن الدَّلْو: يعْنى برجا فِي السَّمَاء. ورجاف: أَي متحرك مصوت. وهموع: أَي سَائل. [10] الرواكد: الثوابت. يعْنى الأثافي. وكنوع: أَي لاصقة بِالْأَرْضِ. [11] النَّوَى: الْبعد. والمتينات: الغليظات الشديدات.

(شعر عمرو بن العاص في يوم أحد) :

وَحَامَى بَنُو النَّجَّارِ فِيهِ وَصَابَرُوا ... وَمَا كَانَ مِنْهُمْ فِي اللِّقَاءِ جَزُوعُ أَمَامَ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَخْذُلُونَهُ ... لَهُمْ نَاصِرٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَشَفِيعُ وَفَوْا إذْ كَفَرْتُمْ يَا سَخِينَ بِرَبِّكُمْ ... وَلَا يَسْتَوِي عَبْدٌ وَفَى وَمُضِيعُ [1] بِأَيْدِيهِمْ بِيضٌ إذَا حمش الوغى ... فَلَا بُدَّ أَنْ يَرْدَى لَهُنَّ صَرِيعُ [2] كَمَا غَادَرَتْ فِي النَّقْعِ عُتْبَةَ ثَاوِيًا ... وَسَعْدًا صَرِيعًا وَالْوَشِيجُ شُرُوعُ [3] وَقَدْ غَادَرَتْ تَحْتَ الْعَنَاجَةِ مُسْنَدًا ... أَبِيًّا وَقَدْ بَلَّ الْقَمِيصَ نَجِيعُ [4] يَكُفُّ رَسُولُ اللَّهِ حَيْثُ تَنَصَّبَتْ ... عَلَى الْقَوْمِ مِمَّا قَدْ يُثِرْنَ نُقُوعُ [5] أُولَئِكَ قَوْمٌ سَادَةٌ مِنْ فُرُوعِكُمْ ... وَفِي كُلِّ قَوْمٍ [6] سَادَةٌ وَفُرُوعُ بِهِنَّ نُعِزُّ اللَّهَ حَتَّى يُعَزِّنَا ... وَإِنْ كَانَ أَمْرٌ يَا سَخِينَ فَظِيعُ فَلَا تَذْكُرُوا قَتْلَى وَحَمْزَةُ فِيهُمُ ... قَتِيلٌ ثَوَى للَّه وَهْوَ مُطِيعُ فَإِنَّ جِنَانَ الْخُلْدِ مَنْزِلَةٌ لَهُ ... وَأَمْرُ الَّذِي يَقْضِي الْأُمُورَ سَرِيعُ وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ أَفْضَلُ رِزْقِهِمْ ... حَمِيمٌ مَعَا فِي جَوْفِهَا وَضَرِيعُ [7] (شِعْرُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي يَوْمِ أُحُدٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهُمَا لِحَسَّانٍ وَابْنِ الزِّبَعْرَى. وَقَوْلُهُ: «مَاضِي الشَّبَاةِ، وَطَيْرٌ يَجِفْنَ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَمْرو بن العَاصِي (فِي) يَوْمِ أُحُدٍ: خَرَجْنَا مِنْ الْفَيْفَا عَلَيْهِمْ كَأَنَّنَا ... مَعَ الصُّبْحِ مِنْ رَضْوَى الْحَبِيكِ الْمُنَطَّقِ [8]

_ [1] ياسخين: أَرَادَ ياسخينة، فرخم. وَكَانَت قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة تلقب سخينة لمداومتهم على أكل السخينة، وَهِي دَقِيق أغْلظ من الحساء، وأرق من العصيدة، وَإِنَّمَا تُؤْكَل فِي الجدب وَشدَّة الدَّهْر. [2] حمش: اشْتَدَّ، والوغى: الْحَرْب. ويردى: يهْلك. [3] النَّقْع: الْغُبَار. وَعتبَة: يعْنى عُثْمَان بن أَبى طَلْحَة. والوشيج: الرماح. وشروع: مائلة لِلطَّعْنِ. [4] الْعَجَاجَة: الْغيرَة، والنجيع: الدَّم. [5] نقوع: جمع نقع، وَهُوَ التُّرَاب. [6] فِي أ «يَوْم» . [7] الضريع: نَبَات أَخْضَر يرميه الْبَحْر. [8] الفيفا: القفر الّذي لَا ينْبت شَيْئا، وقصره هُنَا للشعر. ورضوى: اسْم جبل، والحبيك: الّذي فِيهِ طرائق. والمنطق: المحزم.

(شعر كعب في الرد على ابن العاصي) :

تَمَنَّتْ بَنُو النَّجَّارِ جَهْلًا لِقَاءَنَا ... لَدَى جَنْبِ سَلْعٍ وَالْأَمَانِيُّ تَصْدُقُ [1] فَمَا رَاعَهُمْ بِالشَّرِّ [2] إلَّا فُجَاءَةَ ... كَرَادِيسُ خَيْلٍ فِي الأزقّة تمرق [3] وادوا لِكَيْمَا يَسْتَبِيحُوا قِبَابَنَا ... وَدُونِ الْقِبَابِ الْيَوْمَ ضَرْبٌ مُحَرَّقُ وَكَانَت قبابا أَو منت قَبْلَ مَا تَرَى ... إذْ رَامَهَا قَوْمٌ أُبِيحُوا وَأُحْنِقُوا [4] كَأَنَّ رُءُوسَ الْخَزْرَجِيَّيْنِ غَدْوَةً ... وَأَيْمَانَهُمْ بِالْمُشْرِفِيَّةِ بَرْوَقُ [5] (شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرَّدِّ على ابْن العَاصِي) : فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ: أَلَا أَبْلَغَا فِهْرًا عَلَى نَأْيِ دَارِهَا ... وَعِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِنَا الْيَوْمَ مَصْدَقُ بِأَنَّا غَدَاةَ السَّفْحِ مِنْ بَطْنِ يَثْرِبِ ... صَبَرْنَا وَرَايَاتُ الْمَنِيَّةِ تَخْفِقُ [6] صَبَرْنَا لَهُمْ وَالصَّبْرُ مِنَّا سَجِيَّةٌ ... إذَا طَارَتْ الْأَبْرَامُ نَسْمُو نرتق [7] عَلَى عَادَةِ تِلْكُمْ جرينا بصبرنا ... وَقد مَا لَدَى الْغَايَاتِ نَجْرِي فَنَسْبِقُ لَنَا حَوْمَةٌ لَا تُسْتَطَاعُ يَقُودُهَا ... نَبِيٌّ أَتَى بِالْحَقِّ عَفٌّ مُصَدَّقُ [8] أَلَا هَلْ أَتَى أَفْنَاءَ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ ... مُقَطَّعُ أَطْرَافٍ وَهَامٌ مُفَلَّقُ [9] (شِعْرُ ضِرَارٍ فِي يَوْمِ أُحُدٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ:

_ [1] سلع: اسْم جبل فِي ظَاهر الْمَدِينَة. [2] فِي أ: «بالسر» بِالسِّين الْمُهْملَة. [3] الكراديس: جماعات الْخَيل، وتمرق: تخرج. [4] أحنقوا: أَي أغضبوا وزادت (أ) بعد هَذَا الْبَيْت: كَأَن رُءُوس الخزرجيين غدْوَة ... لَدَى جنب سلع حنظل متفلق [5] البروق: نَبَات لَهُ أصُول تشبه البصل. [6] السفح: جَانب الْجَبَل. وتخفق: تضطرب وتتحول. [7] السجية: الْعَادة. والأبرام: اللئام، الْوَاحِد: برم. وَأَصله الّذي لَا يدْخل مَعَ الْقَوْم فِي الميسر للؤمه. ونرتق: نسد ونصلح. [8] الحومة: الجمة. والعف: الْعَفِيف. [9] أفناء الْقَبَائِل: الْمُخْتَلط مِنْهَا. والهام: جمع هَامة، وَهِي الرَّأْس.

إنِّي وَجَدُّكَ لَوْلَا مُقْدَمِي فَرَسِي ... إذْ جَالَتْ الْخَيْلُ بَيْنَ الْجِزْعِ وَالْقَاعِ [1] مَا زَالَ مِنْكُمْ بِجَنْبِ الْجَزْعِ مِنْ أُحُدٍ ... أَصْوَاتُ هَامٍ تَزَاقى أَمْرُهَا شَاعِي [2] وَفَارِسٌ قَدْ أَصَابَ السَّيْفُ مَفْرِقَهُ [3] ... أَفْلَاقُ هَامَتِهِ كَفَرْوَةِ [4] الرَّاعِي إنِّي وَجَدُّكَ لَا أَنْفَكَ مُنْتَطِقًا ... بِصَارِمٍ مِثْلَ لَوْنِ الْمِلْحِ قَطَّاعِ [5] عَلَى رِحَالَةِ مِلْوَاحٍ مُثَابِرَةٍ ... نَحْوَ الصَّرِيخِ إذَا مَا ثَوَّبَ الدَّاعِي [6] وَمَا انْتَمَيْتُ إلَى خُورٍ وَلَا كُشُفٍ ... وَلَا لِئَامٍ غَدَاةَ الْبَأْسِ أَوْرَاعِ [7] بَلْ ضَارِبِينَ حَبِيكَ الْبِيضِ إذْ لَحِقُوا ... شُمَّ الْعَرَانِينِ عِنْدَ الْمَوْتِ لُذَّاعِ [8] شُمٌّ بَهَالِيلُ مُسْتَرْخٍ حَمَائِلُهُمْ ... يَسْعَوْنَ لِلْمَوْتِ سَعْيًا غَيْرَ دَعْدَاعِ [9] وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ أَيْضًا: لَمَّا أَتَتْ مِنْ بَنِي كَعْبٍ مُزَيَّنَةً ... وَالْخَزْرَجِيَّةُ فِيهَا الْبِيضُ تَأْتَلِقُ [10] وَجَرَّدُوا مَشْرَفِيَّاتٍ مُهَنَّدَةً ... وَرَايَةً كَجَنَاحِ النَّسْرِ تَخْتَفِقُ [11] فَقُلْتُ يَوْمٌ بَأيَّامٍ وَمَعْرَكَةٌ ... تُنْبِى لِمَا خَلْفَهَا مَا هُزْهِزَ الْوَرَقُ [12]

_ [1] الْجزع: منعطف الْوَادي. والقاع: المنخفض من الأَرْض. [2] الْهَام: جمع هَامة. وَهِي الطَّائِر الّذي يزْعم الْعَرَب أَنه يخرج من رَأس الْقَتِيل فَيَصِيح، وتزاقى تصيح، وَرِوَايَة هَذِه الْكَلِمَة فِي أ: «تزفى» . وشاعى: أَرَادَ شَائِع، فَقلب. [3] المفرق: حَيْثُ تفرق الشّعْر فَوق الْجَبْهَة. [4] الفروة «بِالْفَاءِ» : مَعْرُوفَة، وتروى: كقروة «بِالْقَافِ» . والقروة: إِنَاء من خشب يحملهُ الرَّاعِي مَعَه. [5] منتطق: محتزم. والصارم: السَّيْف الْقَاطِع. [6] الرحالة: السرج. والملواح: الْفرس الشَّدِيدَة الَّتِي ضمر لَحمهَا، ومثابرة: مُتَابعَة. والصريخ: المستغيث. وثوب: كرر الدُّعَاء. [7] الخور: الضُّعَفَاء. والكشف: جمع أكشف، وَهُوَ الّذي لَا ترس لَهُ فِي الْحَرْب. والأوراع جمع ورع. وَهُوَ الجبان. ويروى: أوزاع «بالزاي» ، أَي متفرقون. [8] الحبيك: الْأَبْيَض طرائقه. وشم: مُرْتَفعَة. والعرانين: الأنوف، يصفهم بِالْعِزَّةِ. [9] البهاليل: السَّادة، الْوَاحِد: بهْلُول. ومسترخ حمائلهم: يعْنى حمائل سيوفهم، وَفِيه إِشَارَة إِلَى طولهم. والدعداع: الضَّعِيف البطيء. [10] مزينة، يعْنى كَتِيبَة فِيهَا ألوان من السِّلَاح، وتأتلق: تضيء وتلمع. [11] المشرفيات: سيوف منسوبة إِلَى المشارف، وَهِي قرى بِالشَّام. [12] تنبى، يُرِيد تنبئ، فَخفف وَحذف الْهمزَة، ويروى ثنيا، أَي ثَانِيَة على أولى، وهزهز (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول) أَي حرك. ويروى هزهز (بِفَتْح الْهَاء) أَي تحرّك. 10- سيرة ابْن هِشَام-

(شعر عمرو في يوم أحد) :

قَدْ عُوِّدُوا كُلَّ يَوْمٍ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ ... رِيحُ الْقِتَالِ وَأَسْلَابُ الَّذِينَ لَقُوا [1] خَيَّرْتُ [2] نَفْسِي عَلَى مَا كَانَ مِنْ وَجَلٍ [3] ... مِنْهَا وَأَيْقَنْتُ أَنَّ الْمَجْدَ مُسْتَبَقُ أَكْرَهْتُ مُهْرِي حَتَّى خَاضَ غَمْرَتَهُمْ ... وَبَلَّهُ مِنْ نَجِيعٍ عَانِكٍ عَلَقُ [4] فَظَلَّ مُهْرِي وَسِرْبَالِي جَسِيدُهُمَا ... نَفْخُ الْعُرُوقِ رِشَاشُ الطَّعْنِ وَالْوَرَقُ [5] أَيْقَنْتُ أَنِّي مُقِيمٌ فِي دِيَارِهُمُ ... حَتَّى يُفَارِقَ مَا فِي جَوْفِهِ الْحَدَقُ [6] لَا تَجْزَعُوا يَا بَنِي مَخْزُومَ إنَّ لَكُمْ ... مِثْلَ الْمُغِيرَةِ فِيكُمْ مَا بِهِ زَهَقُ [7] صَبْرًا فِدًى لَكُمْ أُمِّي وَمَا وَلَدَتْ ... تَعَاوَرُوا الضَّرْبَ حَتَّى يُدْبِرَ الشَّفَقُ [8] (شِعْرُ عَمْرٍو فِي يَوْمِ أُحُدٍ) : وَقَالَ عَمْرو بن العَاصِي: لَمَّا رَأَيْت الْحَرْب ينزو ... شَرُّهَا بِالرَّضْفِ نَزْوَا [9] وتناولت شهباء تلحو ... النَّاسَ بِالضَّرَّاءِ لَحْوَا [10] أَيْقَنْتُ أَنَّ الْمَوْتَ حَقٌّ ... . وَالْحَيَاةُ تَكُونُ لَغْوَا حَمَّلْتُ أَثْوَابِي عَلَى ... عَتَدٍ يَبُذُّ الْخَيْلَ رَهْوَا [11] سَلِسٍ إذَا نكبن فِي ... الْبَيْدَاء يَعْلُو الطِّرْفَ عُلْوَا

_ [1] الأسلاب: جمع سلب. [2] فِي أ: «خبرت» بِالْبَاء الْمُوَحدَة. [3] الوجل: الْفَزع. [4] غمرتهم: جَمَاعَتهمْ، والنجيع: الدَّم، وعانك: أَحْمَر، ويروى: عاند، أَي لَا يَنْقَطِع. والعلق: من أَسمَاء الدَّم. [5] جسيدهما: لونهما أَو صبغهما، ونفح الْعُرُوق: مَا ترمى بِهِ من الدَّم، ويروى: نفخ الْعُرُوق «بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة» . وَالْوَرق: الدَّم الْمُنْقَطع، ويروى: الْعرق. [6] الحدق: جمع حدقة، وَهِي سَواد الْعين. [7] الزهق: الْعَيْب. [8] تعاوروا: تداولوا. [9] ينزو: يرْتَفع ويشب. والرضف: الْحِجَارَة المحماة بالنَّار. [10] شهباء: أَي كَتِيبَة كَثِيرَة السِّلَاح. وتلحو: تقشر وتضعف، تَقول: لحوت الْعود: إِذا قشرته. [11] العتد: الْفرس الشَّديد. يبذ: يسْبق. والرهو: السَّاكِن الين.

(شعر كعب في الرد على عمرو بن العاصي) :

وَإِذَا تَنَزَّلَ مَاؤُهُ ... مِنْ عِطْفِهِ يَزْدَادُ زَهْوَا [1] ربذ كيعفور الصّريمة ... رَاعَهُ الرَّامُونَ دَحْوَا [2] شَنِجٍ نَسَاهُ ضَابِطٍ ... لِلْخَيْلِ إرْخَاءً وَعَدْوَا [3] فَفِدًى لَهُم أمّى غَدَاة ... الرَّوْعِ إذْ يَمْشُونَ قَطْوَا [4] سَيْرًا إِلَى كَبْش الكتيبة ... إذْ جَلَتْهُ الشَّمْسُ جَلْوَا [5] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِعَمْرِو. (شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرَّدِّ عَلَى عَمْرو بن العَاصِي) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَجَابَهُمَا كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، فَقَالَ: أَبْلِغْ قُرَيْشًا وَخَيْرُ الْقَوْلِ أَصْدَقُهُ ... وَالصِّدْقُ عِنْدَ ذَوِي الْأَلْبَابِ مَقْبُولُ [6] أَنْ قَدْ قَتَلْنَا بِقَتْلَانَا سَرَاتَكُمْ ... أَهْلَ اللِّوَاءِ فَفِيمَا يَكْثُرُ الْقِيلُ [7] وَيَوْمَ بَدْرٍ لَقِينَاكُمْ لَنَا مَدَدٌ ... فِيهِ مَعَ النَّصْرِ مِيكَالُ وَجِبْرِيلُ إنْ تَقْتُلُونَا فَدِينُ الْحَقِّ فِطْرَتُنَا ... وَالْقَتْلُ فِي الْحَقِّ عِنْدَ اللَّهِ تَفْضِيلُ وَإِنْ تَرَوْا أَمْرَنَا فِي رَأْيِكُمْ سَفَهًا ... فَرَأْيُ مَنْ خَالَفَ الْإِسْلَامَ تَضْلِيلُ فَلَا تَمَنَّوْا لِقَاحَ الْحَرْبِ وَاقْتَعِدُوا ... إنَّ أَخَا الْحَرْبِ أَصْدَى اللَّوْنِ مَشْغُولُ [8] إنَّ لَكُمْ عِنْدَنَا ضَرْبًا تَرَاحُ لَهُ ... عُرْجُ الضِّبَاعِ لَهُ خَذْمٌ رَعَابِيلُ [9]

_ [1] مَاؤُهُ: أَي عرقه. والعطف: الْجَانِب. والزهو: الْإِعْجَاب والتكبر. [2] ربذ: سريع. واليعفور: ولد الظبية، والصريمة: الرملة المنقطعة. وراعه: أفزعه. والدحو: الانبساط. [3] شنج: منقبض. والنسا: عرق مستبطن الفخذين. وَضَابِط: مُمْسك. والإرخاء والعدو: ضَرْبَان من السّير. [4] القطو: مشي فِيهِ تبختر كمشي القطاة. [5] كَبْش الكتيبة: رئيسها. وجلته: أبرزته. [6] الْأَلْبَاب: الْعُقُول. [7] سراة الْقَوْم: خيارهم. والقيل: القَوْل. [8] لقاح الْحَرْب: زيادتها ونموها، وأصدى اللَّوْن: لَونه بَين السوَاد والحمرة، ومشغول: من الشّغل. ويروى: «مشعول» بِالْعينِ الْمُهْملَة، كَذَا ورد فِي (أ) أَي متقد ملتهب. [9] تراح: تفرح وتهتز. والخذم (بِضَم الْخَاء) : قطع اللَّحْم، (وَبِفَتْحِهَا) الْمصدر. والرعابيل: المنقطعة.

إنَّا بَنُو الْحَرْبِ نَمْرِيهَا وَنَنْتِجُهَا ... وَعِنْدَنَا لِذَوِي الْأَضْغَانِ تَنْكِيلُ [1] إنْ يَنْجُ مِنْهَا ابْنُ حَرْبٍ بَعْدَ مَا بَلَغَتْ ... مِنْهُ التَّرَاقِي وَأَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولُ [2] فَقَدْ أَفَادَتْ لَهُ حِلْمًا وَمَوْعِظَةً ... لِمَنْ يَكُونُ لَهُ لُبٌّ وَمَعْقُولُ وَلَوْ هَبَطْتُمْ بِبَطْنِ السَّيْلِ كَافَحَكُمْ ... ضَرْبٌ بِشَاكِلَةِ الْبَطْحَاءِ تَرْعِيلُ [3] تَلْقَاكُمْ عُصَبٌ حَوْلَ النَّبِيِّ لَهُمْ ... مِمَّا يُعِدُّونَ لِلْهَيْجَا سَرَابِيلُ [4] مِنْ جِذْمِ غَسَّانَ مُسْتَرْخٍ حَمَائِلُهُمْ ... لَا جُبَنَاءُ وَلَا مِيلٌ مَعَازِيلُ [5] يَمْشُونَ تَحْتَ [6] عَمَايَاتِ الْقِتَالِ كَمَا ... تَمْشِي الْمَصَاعِبَةُ الْأُدْمُ الْمَرَاسِيلُ [7] أَوْ مِثْلُ مَشْيِ أُسُودِ الظِّلِّ أَلْثَقَهَا [8] ... يَوْمُ رَذَاذٍ مِنْ الْجَوْزَاءِ مَشْمُولُ [9] فِي كُلِّ سَابِغَةٍ كَالنِّهْيِ مُحْكَمَةٍ [10] ... قِيَامُهَا [11] فَلَجٌ كَالسَّيْفِ بُهْلُولُ [12] تَرُدُّ حَدَّ قِرَامِ النَّبْلِ خَاسِئَةً ... وَيَرْجِعُ السَّيْفُ عَنْهَا وَهُوَ مَفْلُولُ [13] وَلَوْ قَذَفْتُمْ بِسَلْعِ عَنْ ظُهُورِكُمْ ... وَلِلْحَيَاةِ وَدَفْعِ الْمَوْتِ تَأْجِيلُ [14]

_ [1] نمريها: نستدرها. وننتجها: من النِّتَاج. والأضغان: العداوات. والتنكيل: الزّجر المؤلم. [2] التراقي: عِظَام الصَّدْر. [3] كافحكم: واجهكم. وبشاكلة: أَي بِطرف. والبطحاء: الأَرْض السهلة. والترعيل: الضَّرْب السَّرِيع. [4] الهيجاء: الْحَرْب. [5] الجذم: الأَصْل. وحمائلهم: أَي حمائل سيوفهم. والميل: جمع أميل، وَهُوَ الّذي لَا ترس لَهُ. والمعازيل: الَّذين لَا رماح مَعَهم، مُفْردَة: معزال. [6] فِي أ: «نَحْو» . [7] عمايات الْقِتَال: ظلماته. ويروى: غيابات، أَي سحابات. والمصاعبة: الفحول من الْإِبِل، وَاحِدهَا: مُصعب. والأدم: الْإِبِل الْبيض. والمراسيل الَّتِي يمشى بَعْضهَا إِثْر بعض. [8] كَذَا فِي الْأُصُول. وَفِي شرح السِّيرَة: «الطل» وَهُوَ الْمَطَر الضَّعِيف. [9] ألثقها: بلها. والرذاذ: الْمَطَر الضَّعِيف. والجوزاء: اسْم لنجم مَعْرُوف. والمشمول: الّذي هبت فِيهِ ريح الشمَال. [10] السابغة: الدرْع الْكَامِلَة. والنهى: الغدير من المَاء. [11] كَذَا فِي أوشرح السِّيرَة. وقيامها، أَي الْقَائِم بأمرها ومعظمها. وفلج: نهر. وَفِي سَائِر الْأُصُول «فثامها فلح» . [12] البهلول: الْأَبْيَض. [13] خاسئة: ذليلة. [14] سلع: جبل.

(شعر حسان في أصحاب اللواء)

مَا زَالَ فِي الْقَوْمِ وِتْرٌ مِنْكُمْ أَبَدًا ... تَعْفُو السِّلَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَطْلُولُ [1] عَبْدٌ وَحُرٌّ كَرِيمٌ مُوثِقٌ قَنَصًا ... شَطْرَ الْمَدِينَةِ مَأْسُورٌ وَمَقْتُولُ [2] كُنَّا نُؤَمِّلُ أُخْرَاكُمْ فَأَعْجَلَكُمْ ... مِنَّا فَوَارِسُ لَا عُزْلٌ وَلَا مِيلُ [3] إذَا جَنَى فِيهِمْ الْجَانِي فَقَدْ عَلِمُوا ... حَقًّا بِأَنَّ الَّذِي قَدْ جَرَّ مَحْمُولُ مَا نَحْنُ لَا نَحْنُ [4] مِنْ إثْمٍ مُجَاهَرَةً ... وَلَا مَلُومٌ وَلَا فِي الْغُرْمِ مَخْذُولُ (شِعْرُ حَسَّانٍ فِي أَصْحَابِ اللِّوَاءِ) وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، يَذْكُرُ عُدَّةَ أَصْحَابِ اللِّوَاءِ يَوْمَ أُحُدٍ: - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذِهِ أَحْسَنُ مَا قِيلَ- مَنَعَ النَّوْمَ بِالْعَشَاءِ الْهُمُومُ ... وَخَيَّالٌ إذَا تَغُورُ النُّجُومُ مِنْ حَبِيبٍ أَضَافَ قَلْبَكَ مِنْهُ ... سَقَمٌ فَهُوَ دَاخِلٌ مَكْتُومُ [5] يَا لَقَوْمِي هَلْ يَقْتُلُ الْمَرْءَ مِثْلِي ... وَاهِنُ الْبَطْش وَالْعِظَام سئوم [6] لَوْ يَدِبُّ الْحَوْلِيُّ من ولد الذرّ ... عَلَيْهَا لَأَنْدَبَتْهَا الْكُلُومُ [7] شَأْنُهَا الْعِطْرُ وَالْفِرَاشُ وَيَعْلُو ... هَا لُجَيْنٌ وَلُؤْلُؤٌ مَنْظُومُ [8] لَمْ تَفُتْهَا شَمْسُ النَّهَارِ بِشَيْءٍ ... غَيْرَ أَنَّ الشَّبَابَ لَيْسَ يَدُومُ إنَّ خَالِي خَطِيبُ جَابِيَةِ الْجَوْ ... لَانِ عِنْدَ النُّعْمَانِ حِينَ يَقُومُ [9] وَأَنَا الصَّقْرُ عِنْدَ بَابِ ابْنِ سَلْمَى ... يَوْمَ نُعْمَانَ فِي الْكُبُولِ سَقِيمُ وَأَبِيٌّ وَوَاقِدٌ أُطْلِقَا لِي ... يَوْمَ رَاحَا وَكَبْلُهُمْ مَخْطُومُ [10]

_ [1] يعْفُو: يدرس ويتغير. وَالسَّلَام: الْحِجَارَة. ومطلول: أَي لم يُؤْخَذ بثأره. [2] القنص: الصَّيْد، وَشطر الْمَدِينَة: نَحْوهَا وقصدها. [3] الْميل: الَّذين لَا تراس مَعَهم. [4] فِي أ: «مَا يجن لَا نجن» . [5] أضَاف: نزل وزار. [6] الوهن: الضَّعِيف، والسئوم: الملول. [7] الحولي، الصَّغِير، وأندبتها: أثرت فِيهَا، من النّدب، وَهُوَ أثر الْجرْح. والكلوم: الْجِرَاحَات. [8] اللجين: الْفضة. [9] خَالِي: يُرِيد بِهِ مسلمة بن مخلد بن الصَّامِت. والجابية: الْحَوْض الصَّغِير. والجولان: مَوضِع بِالشَّام. [10] مَخْطُوم: مكسور.

وَرَهَنْتُ الْيَدَيْنِ عَنْهُمْ جَمِيعًا ... كُلُّ كَفِّ جُزْءٍ لَهَا مقسوم وسطت نسبنى الذَّوَائِبَ مِنْهُمْ ... كُلَّ دَارٍ فِيهَا أَبٌ لِي عَظِيمُ [1] وَأُبَيٌّ فِي سميحة الْقَائِل الْفَاصِل ... يَوْمَ الْتَقَتْ عَلَيْهِ الْخُصُومُ [2] تِلْكَ أَفْعَالُنَا وَفِعْلُ الزِّبَعْرَى ... خَامِلٌ فِي صَدِيقِهِ مَذْمُومُ رُبَّ حِلْمٍ أضاعه عدم المَال ... وَجَهْلٌ غَطَّى [3] عَلَيْهِ النَّعِيمُ [4] لَا تُسَبَّنَّني فَلَسْتَ بِسَبِّي ... إنَّ سَبِّي مِنْ الرِّجَالِ الْكَرِيمُ [5] مَا أُبَالِي أَنَبَّ بِالْحَزْنِ تَيْسٌ ... أَمْ لَحَانِي بِظَهْرِ غَيْبٍ لَئِيمُ [6] وَلِيَ الْبَأْسَ مِنْكُمْ إذْ رَحَلْتُمْ ... أَسِرَّةٌ مِنْ بَنِي قُصَيٍّ صَمِيمُ [7] تِسْعَةٌ تَحْمِلُ اللِّوَاءَ وَطَارَتْ ... فِي رَعَاعٍ مِنْ الْقَنَا مَخْزُومُ [8] وَأَقَامُوا حَتَّى أُبِيحُوا جَمِيعًا ... فِي مَقَامٍ وَكُلُّهُمْ مَذْمُومُ بِدَمٍ عَانِكٍ وَكَانَ حِفَاظًا ... أَنْ يُقِيمُوا إنَّ الْكَرِيمَ كَرِيمُ [9] وَأَقَامُوا حَتَّى أُزِيروا شَعُوبًا ... وَالْقَنَا فِي نُحُورِهِمْ مَحْطُومُ [10] وَقُرَيْشٌ تَفِرُّ مِنَّا لِوَاذًا ... أَنْ يُقِيمُوا وَخَفَّ مِنْهَا الْحُلُومُ [11] لَمْ تُطِقْ حَمْلَهُ الْعَوَاتِقُ مِنْهُمْ ... إنَّمَا يَحْمِلُ اللِّوَاءَ النُّجُومُ [12]

_ [1] وسطت: توسطت، والذوائب: الأعالي. [2] سميحة: بِئْر بِالْمَدِينَةِ، كَانَ عِنْدهَا احتكام الْأَوْس والخزرج فِي حروبهم إِلَى ثَابت بن الْمُنْذر وَالِد حسان بن ثَابت. [3] ويروى. غطا «بتَخْفِيف الطَّاء» ، أَي علا وارتفع [4] زَادَت م، ر، بعد هَذَا الْبَيْت: إِن دهرا يبور فِيهِ ذَوُو الْعلم ... لدهر هُوَ العتو الزنيم [5] السب: هُوَ الّذي يُقَاوم الرجل فِي السب، وَيكون شرفه مثل شرفه. [6] نب: صَاح. ولحاني: ذَكرنِي عائبا. [7] الصميم الْخَالِص النّسَب. [8] الرعاع: الضُّعَفَاء. [9] العانك: الْأَحْمَر. [10] شعوب: اسْم للمنية. [11] لِوَاذًا: مستترين. والحلوم: الْعُقُول. [12] الْعَوَاتِق: جمع عاتق، وَهُوَ مَا بَين الْكَتف والعنق. والنجوم: الْمَشَاهِير من النَّاس.

(شعر حسان في قتلى يوم أحد) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ حَسَّانٌ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ: مَنَعَ النَّوْمَ بِالْعِشَاءِ الْهُمُومُ لَيْلًا، فَدَعَا قَوْمَهُ، فَقَالَ لَهُمْ: خَشِيتُ أَنْ يُدْرِكَنِي أَجَلِي قَبْلَ أَنْ أُصْبِحَ، فَلَا تَرْوُوهَا عَنِّي [1] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَة للحجّاج بْنِ عِلَاطٍ السُّلَمِيِّ يَمْدَحُ (أَبَا الْحَسَنِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ) [2] عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَيَذْكُرُ قَتْلَهُ طَلْحَةَ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ ابْن عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، صَاحِبِ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ: للَّه أَيُّ مُذَبِّبٍ عَنْ حُرْمَةٍ ... أَعْنِي ابْنَ فَاطِمَةَ الْمُعَمَّ الْمُخْوِلَا [3] سَبَقَتْ يَدَاكَ لَهُ بِعَاجِلِ طَعْنَةٍ ... تَرَكَتْ طُلَيْحَةَ لِلْجَبِينِ مُجَدَّلَا [4] وَشَدَدْتَ شَدَّةَ بَاسِلٍ فَكَشَفْتهمْ ... بِالْجَرِّ إذْ يَهْوُونَ أَخْوَلَ أَخْوَلَا [5] (شِعْرُ حَسَّانٍ فِي قَتْلَى يَوْمِ أُحُدٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَمَنْ أُصِيبَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ: يَا مَيَّ قُومِي فَانْدُبِنْ ... بِسُحَيْرَةٍ شَجْوَ النَّوَائِحِ [6] كالحاملات الوقر ... بالثّقل الْمُلِحَّاتِ الدّوالح [7] المعولات الحامشات ... وُجُوهَ حُرَّاتٍ صَحَائِحِ [8]

_ [1] هَذِه الْعبارَة من قَوْله «قَالَ ابْن هِشَام» إِلَى هُنَا سَاقِطَة فِي أ. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] المذبب: الدَّافِع، يُقَال ذبب عَن حرمه: إِذا دفع عَنْهَا. وَابْن فَاطِمَة: يُرِيد على بن أَبى طَالب رضى الله عَنهُ، وَأمه فَاطِمَة بنت أَسد بن هَاشم، وَهِي أول هاشمية ولدت لهاشمى، والمعم: الْكَرِيم الْأَعْمَام. والمخول: الْكَرِيم الأخوال. [4] المجدل: اللاصق بِالْأَرْضِ. [5] الباسل: الشجاع. والجر: أصل الْجَبَل. ويهوون: يسقطون. وأخول أخولا: أَي وَاحِدًا بعد وَاحِد. [6] الشجو: الْحزن، وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي أ. يَا مى قومِي فاندبن ... بسحرة شجو النوائح [7] الملحات: الثابتات الَّتِي لَا تَبْرَح. والدوالح: الَّتِي تحمل الثّقل. [8] المعولات: الباكيات بِصَوْت. والخامشات: الخادشات.

وَكَأَنَّ سيل دموعها ... الأنصاب تُخْضَبُ بِالذَّبَائِحِ [1] يَنْقُضْنَ أَشْعَارًا لَهُنَّ ... هُنَاكَ بَادِيَةً الْمَسَائِحِ [2] وكأنّها أَذْنَاب خيل ... بِالضُّحَى شُمْسٍ رَوَامِحِ [3] مِنْ بَين مشزور [4] و ... مجزور يُذَعْذَعُ بِالْبَوَارِحِ [5] يبْكين شجوا مسلبات ... كَدَّحَتْهُنَّ الكَوَادِحْ [6] وَلَقَدْ أَصَابَ قُلُوبَهَا ... مَجْلٌ لَهُ جُلَبٌ قَوَارِحُ [7] إذْ أَقْصَدِ الْحِدْثَانَ مَنْ ... كُنَّا نُرَجِّي إذْ نُشَايِحُ [8] أَصْحَابَ أُحْدٍ غَالَهُمْ ... دَهْرٌ أَلَمَّ [9] لَهُ جَوَارِحُ [10] مَنْ كَانَ فارسنا وحامينا ... إذَا بُعِثَ الْمَسَالِحُ [11] يَا حَمْزَ، لَا وَاَللَّهِ لَا ... أَنْسَاكَ مَا صُرَّ اللَّقَائِحُ [12] لمناخ أَيْتَام وأضياف ... وَأَرْمَلَةٍ تُلَامِحُ [13]

_ [1] الأنصاب: حِجَارَة كَانُوا يذبحون لَهَا، ويطلونها بِالدَّمِ. [2] المسائح: ذوائب الشّعْر، الْوَاحِدَة: مسيحة. [3] الشَّمْس: النوافر، وَهِي جمع شموس، والروامح: الَّتِي ترمح بأرجلها، أَي تدفع عَنْهَا. [4] كَذَا فِي شرح السِّيرَة. ومشرور: مفتول وَهُوَ تَصْحِيف، وَفِي جَمِيع الْأُصُول: «مشرور» بالراء الْمُهْملَة، من شرى اللَّحْم يشره شرى إِذا وَضعه على خصفة أَو نَحْوهَا ليجف. [5] يذعذع: يغرق (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول) فيهمَا. والبوارح: الرِّيَاح الشَّدِيدَة. [6] مسلبات (بِفَتْح اللَّام وَكسرهَا) اللائي يلبسن السلاب، ثِيَاب الْحزن. وَمن رَوَاهُ بِالتَّخْفِيفِ فَهُوَ بذلك الْمَعْنى. وكدحتهن: أثرت فِيهِنَّ، والكوادح: نَوَائِب الدَّهْر. [7] مجل: أَي جرح ندي. وجلب: جمع جلبة، وَهِي قشرة الْجرْح الَّتِي تكون عِنْد الْبُرْء. وقوارح: موجعة. [8] أقصد: أصَاب. والحدثان: حَادث الدَّهْر، ونشايح: نحذر. [9] غالهم: أهلكهم: وألم: نزل. [10] فِي شرح السِّيرَة: بوارح (بِالْبَاء) . والبوارح: الأحزان الشَّدِيدَة. [11] المسالح: الْقَوْم الَّذين يحملون السِّلَاح، ويحمون المراقب لِئَلَّا يطرقهم الْعَدو على غَفلَة، وَهُوَ مُشْتَقّ من لفظ السِّلَاح. [12] صر: ربط. واللقائح: جمع لقحة بِالْكَسْرِ، وَهِي النَّاقة لَهَا لبن. وَقد وَردت هَذِه الْكَلِمَة فِي أ: اللقالح (بِاللَّامِ) وَهُوَ تَحْرِيف. [13] المناخ: الْمنزل. وتلامح: أَي تنظر بِعَينهَا نظرا سَرِيعا ثمَّ تغضها.

وَلِمَا يَنُوبُ الدَّهْرُ فِي ... حَرْبٍ لِحَرْبٍ وَهْيَ لَاقِحُ [1] يَا فَارِسًا يَا مِدْرَهًا ... يَا حَمْزَ قَدْ كُنْتَ الْمُصَامِحَ [2] عنّا شديدات الخطوب ... إذَا يَنُوبُ لَهُنَّ فَادِحْ ذكّرتني أَسد الرّسول ... ، وَذَاكَ مِدْرَهُنَا الْمُنَافِحْ [3] عَنَّا وَكَانَ يُعَدُّ إذْ ... عُدَّ الشَّرِيفُونَ الْجَحَاجِحْ [4] يَعْلُو الْقَمَاقِمَ جَهْرَةً ... سَبْطَ الْيَدَيْنِ أَغَرَّ وَاضِحْ [5] لَا طَائِشٌ رَعِشٌ وَلَا ... ذُو عِلَّةٍ بِالْحِمْلِ آنِحْ [6] بَحْرٌ فَلَيْسَ يغبّ جارا ... مِنْهُ سَيْبٌ أَوْ مَنَادِحْ [7] أَوْدَى شباب أولى الحفائظ ... وَالثَّقِيلُونَ الْمَرَاجِحْ [8] المطعمون إِذا المشاتي ... مَا يُصَفِّفهُنَّ نَاضِحْ [9] لَحْمَ الْجِلَادِ وَفَوْقَهُ ... مِنْ شَحْمِهِ شُطَبٌ شَرَائِحْ [10] لِيُدَافِعُوا عَنْ جَارِهِمْ ... مَا رَامَ ذُو الضِّغْنِ الْمُكَاشِحْ [11] لهفي لشبّان رزئناهم ... كَأَنَّهُمْ المَصَابِحْ

_ [1] اللاقح من الحروب: الَّتِي يتزيد شَرها. [2] المدرة: المدافع عَن الْقَوْم بِلِسَانِهِ وَيَده. والمصامح: الشَّديد الدفاع. ويروى: المصافح (بِالْفَاءِ) . والمصافح: الرَّاد للشَّيْء، تَقول: أتانى فلَان فصفحته عَن حَاجته، أَي رَددته عَنْهَا. [3] المنافح: المدافع عَن الْقَوْم، وَكَانَ حَمْزَة ينافح عَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [4] الجحاجح: جمع جحجاح، وَهُوَ السَّيِّد. [5] القماقم: السَّادة. وسبط الْيَدَيْنِ: جواد، وَيُقَال للبخيل: جعد الْيَدَيْنِ. وأغر: أَبيض. وواضح: مضيء مشرق. [6] الطائش: الْخَفِيف الّذي لَيْسَ لَهُ وقار. والآنح: الْبَعِير الّذي إِذا حمل الثّقل أخرج من صَدره. صَوت المعتصر. [7] السيب: الْعَطاء. والمنادح: جمع مندحة، وَهِي السعَة. ويروى: منائح، والمنائح: العطايا. [8] أودى: هلك. والحفائظ: جمع حفيظة وَهِي الْغَضَب. والمراجح: الَّذين يزِيدُونَ على غَيرهم فِي الْحلم. [9] مَا يصففهن: مَا يحلبهن. والناضح: الّذي يشرب دون الرّيّ. [10] الشطب: الطرائق فِي السَّيْف. [11] ذُو الضغن: ذُو الْعَدَاوَة. والمكاشح: المعادي.

شمّ، بطارقة، غطارفة ... ، خَضَارِمَةٌ، مَسَامِحْ [1] المشترون الْحَمد بالأموال ... إنَّ الْحَمد رابح والجامزون بِلُجْمِهِمْ ... يَوْمًا إذَا مَا صَاحَ صَائِحْ [2] مَنْ كَانَ يرْمى بالنّواقر ... [3] مِنْ زَمَانٍ غَيْرِ صَالِحْ مَا إنْ تَزَالُ رِكَابُهُ ... يَرْسِمْنَ فِي غُبْرٍ صَحَاصِحْ [4] رَاحَتْ تَبَارَى وَهُوَ فِي ... رَكْبٍ صُدُورُهُمْ رَوَاشِحْ [5] حَتَّى تئوب لَهُ الْمَعَالِي ... لَيْسَ مِنْ فَوْزِ السَّفائِحْ [6] يَا حَمْزَ قَدْ أَوْحَدْتَنِي ... كَالْعُودِ شَذَّ بِهِ الكَوافِحْ [7] أَشْكُو إِلَيْك وفوقك ... التّرب الْمُكَوَّرُ وَالصَّفَائِحْ [8] مِنْ جندل نلقيه فَوْقك ... إذْ أَجَادَ الضَّرْحَ ضَارِحْ [9] فِي وَاسِعٍ يَحْشُونَهُ ... بِالتُّرْبِ سَوَّتْهُ الْمَمَاسِحْ [10] فعزاؤنا أنّا نقُول ... وَقَوْلُنَا بَرْحٌ بَوَارِحْ [11] مَنْ كَانَ أَمْسَى وَهُوَ عَمَّا ... أَوْقَعَ الْحِدْثَانُ جَانِحْ [12]

_ [1] شم: أعزاء. وبطارقة: رُؤَسَاء. وغطارفة: سادة، والخضارمة: الَّذين يكثرون الْعَطاء. والمسامح: الأجواد. [2] الجامزون: الواثبون. ولجم: جمع لجام، وَهُوَ بِضَم الْجِيم، وَسكن للشعر. [3] كَذَا فِي الْأُصُول. والنواقر: غوائل الدَّهْر، الَّتِي تنقر عَن الْإِنْسَان، أَي تبحث عَنهُ. ويروى البواقر «بِالْبَاء» ، وَهِي الدَّوَاهِي. [4] الركاب: الْإِبِل. ويرسمن، من الرَّسْم، وَهُوَ ضرب من السّير. والصحاصح: جمح صحصح، وَهُوَ الأَرْض المستوية الملساء. [5] تباري: تتبارى أَي تتعارض. ورواشح: أَي أَنَّهَا ترشح بالعرق. [6] قَالَ أَبُو ذَر: «تئوب: ترجع. والسفائح، جمع سفيح، وَهُوَ من قداح الْمسير» لَا نصيب لَهُ. أَو السفائح: جمع سفيحة، وَهِي كالجوالق وَنَحْوه. كَمَا فِي الرَّوْض الْأنف. [7] شذبه: أَزَال أغصانه وشوكه. والكوافح: الَّذين يتناولونه بِالْقطعِ. [8] المكور: الّذي بعضه فَوق بعض. والصفائح: الْحِجَارَة العريضة. [9] الضرح: الشق، ويعنى بِهِ شقّ الْقَبْر. [10] يحشونه: يملئونه. والمماسح: مَا يمسح بِهِ التُّرَاب ويسوى. [11] البرح: الْأَمر الشاق. [12] الجانح: المائل إِلَى جِهَة.

(شعر حسان، في بكاء حمزة)

فليأتنا فلتبك عَيناهُ ... لِهَلْكَانَا النَّوَافِحْ [1] الْقَائِلِينَ الْفَاعِلِينَ ... ذَوِي السَّمَاحَةِ وَالْمَمَادِحْ مَنْ لَا يزَال ندي يَدَيْهِ ... لَهُ طَوَالَ الدَّهْرِ مَائِحْ [2] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِحَسَّانٍ، وَبَيْتُهُ: «الْمُطْعِمُونَ إذَا الْمَشَاتِي » ، وَبَيْتُهُ: « الْجَامِزُونَ بِلُجْمِهِمْ » ، وَبَيْتُهُ: « مَنْ كَانَ يُرْمَى بِالنَّوَاقِرِ » عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ : (شِعْرُ حَسَّانٍ، فِي بُكَاءِ حَمْزَةَ) قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا يَبْكِي حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَتَعْرِفُ الدَّارَ عَفَا رَسْمُهَا ... بَعْدَكَ صَوْبُ الْمُسْبِلِ الْهَاطِلِ [3] بَيْنَ السَّرادِيحِ فأُدْمانَةٍ ... فَمَدْفَعُ الرَّوْحَاءِ فِي حَائِلِ [4] سَاءَلْتُهَا عَنْ ذَاكَ فَاسْتَعْجَمَتْ ... لَمْ تَدْرِ مَا مَرْجُوعَةُ السَّائِلِ؟ [5] دَعْ عَنْكَ دَارًا قَدْ عَفَا رَسْمُهَا ... وَابْكِ عَلَى حَمْزَةَ ذِي النَّائِلِ [6] الْمَالِئِ الشِّيزَى إذَا أَعْصَفَتْ ... غَبْرَاءُ فِي ذِي الشَّبِمِ الْمَاحِلِ [7] وَالتَّارِكِ الْقِرْنَ لَدَى لِبْدَةٍ ... يَعْثُرُ فِي ذِي الْخُرُصِ الذَّابِلِ [8]

_ [1] النوافح: الَّذين كَانُوا ينفحون بِالْمَعْرُوفِ، ويوسعون بِهِ. [2] المائح: الّذي ينزل فِي الْبِئْر فَيمْلَأ الدَّلْو إِذا كَانَ مَاؤُهَا قَلِيلا، ويروى: الماتح «بِالتَّاءِ» أَي الّذي يجذب الدَّلْو عَلَيْهِ. فضربها مثلا للقاصدين لَهُ، الَّذين ينتجعون معروفه. [3] عَفا: درس وَتغَير. والرسم: الْأَثر. والصوب: الْمَطَر. والمسبل: الْمَطَر السَّائِل. والهاطل: الْكثير السيلان. [4] سراديح: جمع سرداح، وَهُوَ الْوَادي، أَو الْمَكَان المتسع. وأدمانة: مَوضِع. والمدفع: حَيْثُ ينْدَفع السَّيْل. والروحاء: من عمل الْفَرْع على نَحْو من أَرْبَعِينَ ميلًا. وَحَائِل: وَاد فِي جبلي طيِّئ. [5] استعجمت: أَي لم ترد جَوَابا. ومرجوعة السَّائِل: رَجَعَ الْجَواب. [6] النائل: الْعَطاء. [7] الشيزى: جفان من خشب. وأعصفت: اشتدت. والغبراء: الرّيح الَّتِي تثير الْغُبَار. والشبم: المَاء الْبَارِد. وَيُرِيد بِذِي الشبم: زمن اشتداد الْبرد والقحط. والماحل: من الْمحل، وَهُوَ الجدب. [8] الْقرن: الْمنَازل فِي الْقِتَال. وَذُو الْخرص: الرمْح. والخرص: سنانه، وَجمعه: خرصان. والذابل: الرَّقِيق.

(شعر كعب، في بكاء حمزة) :

وَاللَّابِسِ الْخَيْلِ إذْ أَجْحَمَتْ [1] ... كَاللَّيْثِ فِي غَابَتِهِ الْبَاسِلِ أَبْيَضُ فِي الذَّرْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... لَمْ يَمْرِ دُونَ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ [2] مَالَ شَهِيدًا بَيْنَ أَسْيَافِكُمْ ... شلَّتْ يَدَا وَحْشِيِّ مِنْ قَاتِلٍ [3] أَيَّ امْرِئِ غَادَرَ فِي أَلَّةٍ ... مَطْرُورَةِ مَارِنَةِ الْعَامِلِ [4] أَظْلَمَتْ الْأَرْضُ لِفِقْدَانِهِ ... وَاسْوَدَّ نُورُ الْقَمَرِ النَّاصِلِ [5] صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ فِي جَنَّةٍ ... عَالِيَةٍ مُكْرَمَةَ الدَّاخِلِ كُنَّا نَرَى حَمْزَةَ حِرْزًا لَنَا ... فِي كُلِّ أَمْرٍ نَابَنَا نَازِلِ وَكَانَ فِي الْإِسْلَامِ ذَا تُدْرَأٍ ... يَكْفِيكَ فَقْدَ الْقَاعِدِ الْخَاذِلِ [6] لَا تَفْرَحِي يَا هِنْدُ وَاسْتَحْلِبِي ... دَمْعًا وَأَذْرِي عَبْرَةَ الثَّاكِلِ وَابْكِي عَلَى عُتْبَةَ إذْ قَطَّهُ ... بِالسَّيْفِ تَحْتَ الرَّهْجِ الْجَائِلِ [7] إذَا خُرَّ فِي مَشْيَخَةٍ مِنْكُمْ ... مِنْ كُلِّ عَاتٍ قَلْتُهُ جَاهِلِ [8] أَرْدَاهُمْ حَمْزَةُ فِي أُسْرَةٍ ... يَمْشُونَ تَحْتَ الْحَلَقِ الْفَاضِلِ [9] غَدَاةَ جِبْرِيلَ وَزِيرٌ لَهُ ... نِعْمَ وَزِيرُ الْفَارِسِ الْحَامِلِ (شِعْرُ كَعْبٍ، فِي بُكَاءِ حَمْزَةَ) : وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يَبْكِي حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ:

_ [1] كَذَا فِي شرح السِّيرَة. وَفِي الْأُصُول: أحجمت «بِتَقْدِيم الْحَاء» وهما بِمَعْنى. [2] لم يمر: من المراء، وَهُوَ الجدل. [3] حذف التَّنْوِين من وَحشِي للضَّرُورَة. لِأَنَّهُ علم، وَالْعلم قد يتْرك صرفه كثيرا. [4] غادر: ترك. والألة. الحربة لَهَا سِنَان طَوِيل. والمطرورة: المحددة. ومارنة: أَي لينَة. وَالْعَامِل: أَعلَى الرمْح. [5] الناصل: الْخَارِج من السَّحَاب، وَيُقَال نصل الْقَمَر من السَّحَاب: إِذا خرج مِنْهُ. [6] ذَا تدرإ: أَي ذَا مدافعة. [7] قطه: قطعه. والرهج: الْغُبَار. والجائل: المتحرك ذَاهِبًا رَاجعا. وَقد وَردت هَذِه الْكَلِمَة فِي أبالحاء الْمُهْملَة. [8] خر: سقط. [9] أرداهم: أهلكهم. وأسرة: أَي قرَابَة. وَالْحلق: الدروع. والفاضل: الّذي يفضل مِنْهُ وينجر على الأَرْض.

طَرَقَتْ هُمُومُكَ فَالرُّقَادُ مَسَهَّدُ ... وَجَزِعَتْ أَنْ سُلِخَ الشَّبَابُ الْأَغْيَدُ [1] وَدَعَتْ فُؤَادَكَ لِلْهَوَى ضَمْريَّةٌ ... فَهَوَاكَ غَوْرِيٌّ وَصَحْوكَ مُنْجِدُ [2] فَدَعْ التَّمَادِيَ فِي الْغَوَايَةِ سَادِرًا ... قَدْ كُنْتَ فِي طَلَبِ الْغَوَايَةِ تُفْنَدُ [3] وَلَقَدْ أَنَّى لَكَ أَنْ تَنَاهَى طَائِعًا ... أَوْ تَسْتَفِيقَ إذَا نَهَاكَ الْمُرْشِدُ [4] وَلَقَدْ هُدِدْتُ لِفَقْدِ حَمْزَةَ هَدَّةً ... ظَلَّتْ بَنَاتُ الْجَوْفِ مِنْهَا تَرْعَدُ [5] وَلَوْ أَنَّهُ فُجِعَتْ حِرَاءُ بِمِثْلِهِ ... لَرَأَيْتُ رَاسِيَ صَخْرِهَا يَتَبَدَّدُ [6] قَرْمٌ تَمَكَّنَ فِي ذُؤَابَةِ هَاشِمٍ ... حَيْثُ النّبوّة والنّدى والسّؤدد [7] وَالْعَاقِرُ الْكُومَ الْجِلَادَ إذَا غَدَتْ ... رِيحٌ يَكَادُ الْمَاءُ مِنْهَا يَجْمُدُ [8] وَالتَّارِكُ الْقِرْنَ الْكَمِيَّ مُجَدَّلًا ... يَوْمَ الْكَرِيهَةِ وَالْقَنَا يَتَقَصَّدُ [9] وَتَرَاهُ يَرْفُلُ فِي الْحَدِيدِ كَأَنَّهُ ... ذُو لِبْدَةٍ شَثْنُ الْبَرَاثِنِ أَرْبَدُ [10] عَمُّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ وَصَفِيُّهُ ... وَرَدَ الْحِمَامَ فَطَابَ ذَاكَ الْمَوْرِدُ وَأَتَى الْمَنِيَّةَ مُعْلِمًا فِي أُسْرَةٍ ... نَصَرُوا النَّبِيَّ وَمِنْهُمْ الْمُسْتَشْهَدُ [11]

_ [1] مسهد: قَلِيل النّوم. وَأَرَادَ: فالرقاد رقاد مسهد، فَحذف الْمُضَاف وَأقَام الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه. وَيجوز أَن يكون وصف الرقاد بِأَنَّهُ مسهد من الْمجَاز. وسلخ: أزيل (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول فيهمَا) . والأغيد: الناعم. [2] ضمرية: نِسْبَة إِلَى ضَمرَة، وَهِي قَبيلَة. وغورى: نِسْبَة إِلَى الْغَوْر، وَهُوَ المنخفض من الأَرْض وَفِي رِوَايَة: «وصحبك» بدل «وصحوك» . [3] تفند: تلام وَتكذب. [4] أَنى: حَان. [5] بَنَات الْجوف: يعْنى قلبه وَمَا اتَّصل بِهِ من كبده وأمعائه، وسماها بَنَات الْجوف، لِأَن الْجوف يشْتَمل عَلَيْهَا. [6] حراء: جبل، وأنثه هُنَا حملا على الْبقْعَة. والراسى: الثَّابِت. [7] القرم: السَّيِّد الشريف. وذؤابة هَاشم: أعاليها. [8] الكوم: جمع كوماء، وَهِي الْعَظِيمَة السنام من الْإِبِل. والجلاد: القوية. [9] الكمي: الشجاع. ومجدلا: مطروحا على الجدالة، وَهِي الأَرْض. ويتقصد: ينكسر. [10] ذُو لبدة: يعْنى أسدا. واللبدة: الشّعْر الّذي على كَتِفي الْأسد. وشثن: غليظ. والبراثن للسباع: بِمَنْزِلَة الْأَصَابِع للنَّاس. والأربد: الأغبر يخالطه سَواد. [11] معلما: مشهرا نَفسه بعلامة يعرف بهَا فِي الْحَرْب. والأسرة: الرَّهْط.

(شعر كعب في أحد) :

وَلَقَدْ إخَالُ بِذَاكَ هِنْدًا بُشِّرَتْ ... لَتُمِيتُ دَاخِلَ غُصَّةٍ لَا تَبْرُدُ [1] مِمَّا صَبَّحْنَا بالعَقَنْقَلِ قَوْمَهَا ... يَوْمًا تَغَيَّبْ فِيهِ عَنْهَا الْأَسْعَدُ [2] وَبِبِئْرِ بَدْرٍ إذْ يَرُدُّ وُجُوهَهُمْ ... جِبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا وَمُحَمَّدُ حَتَّى رَأَيْتُ لَدَى النَّبِيِّ سَرَاتَهُمْ ... قِسْمَيْنِ: يَقْتُلُ مَنْ نَشَاءُ وَيَطْرُدُ [3] فَأَقَامَ بِالْعَطَنِ الْمُعَطَّنِ مِنْهُمْ ... سَبْعُونَ: عُتْبَةُ مِنْهُمْ وَالْأَسْوَدُ [4] وَابْنُ الْمُغِيرَةِ قَدْ ضَرَبْنَا ضَرْبَةً ... فَوْقَ الْوَرِيدِ لَهَا رَشَّاشٌ مُزْبِدُ [5] وَأُمَيَّةُ الْجُمَحِيُّ قَوَّمَ مَيْلَهُ ... عَضْبٌ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ مُهَنَّدُ فَأَتَاكَ فَلُّ الْمُشْرِكِينَ كَأَنَّهُمْ ... وَالْخَيْلُ تَثْفِنُهُمْ نَعَامٌ شُرَّدُ [6] شَتَّانَ مَنْ هُوَ فِي جَهَنَّمَ ثَاوِيًا ... أَبَدًا وَمَنْ هُوَ فِي الْجِنَانِ مُخَلَّدُ وَقَالَ كَعْبٌ أَيْضًا يَبْكِي حَمْزَةَ: صَفِيَّةَ قُومِي وَلَا تَعْجِزِي ... وَبَكِّي النِّسَاءَ عَلَى حَمْزَةِ وَلَا تَسْأَمِي أَنْ تُطِيلِي اُلْبُكَا ... عَلَى أَسَدِ اللَّهِ فِي الْهِزَّةِ [7] فَقَدْ كَانَ عِزًّا لِأَيْتَامِنَا ... وَلَيْثَ الْمَلَاحِمِ فِي الْبِزَّةِ [8] يُرِيدُ بِذَاكَ رِضَا أَحْمَدٍ ... وَرِضْوَانَ ذِي الْعَرْشِ وَالْعِزَّةِ (شِعْرُ كَعْبٍ فِي أُحُدٍ) : وَقَالَ كَعْبٌ أَيْضًا فِي أُحُدٍ: إنَّكِ عمر أَبِيك الْكَرِيم ... أَنْ تَسْأَلِي عَنْكِ مَنْ يَجْتَدينا [9]

_ [1] إخال: أَظن (وَكسر الْهمزَة لُغَة تَمِيم) . والغصة: مَا يعْتَرض فِي الْحلق فيشرق. [2] الْعَقَنْقَل: الْكَثِيب من الرمل. [3] سراتهم: خيارهم. [4] العطن: مبرك الْإِبِل حول المَاء. والمعطن: الّذي قد عود أَن يتَّخذ عطنا. [5] الوريد: عرق فِي صفحة الْعُنُق. والرشاش المزبد: الدَّم تعلوه رغوة. [6] الفل: الْقَوْم المنهزمون. وتثفنهم: تطردهم وتتبع آثَارهم. [7] الهزة: الاهتزاز والاختلاط فِي الْحَرْب. [8] الْمَلَاحِم: جمع ملحمة، وَهِي الْحَرْب الَّتِي يكثر الْقَتْل فِيهَا. البزة: السِّلَاح. [9] عمر أَبِيك. يجوز فِيهِ الرّفْع وَالنّصب، وَإِن أدخلت عَلَيْهِ اللَّام فَقيل: لعمر أَبِيك لم يجز فِيهِ إِلَّا الرّفْع. ويجتدينا: يطْلب معونتنا.

فَإِنْ تَسْأَلِي ثَمَّ لَا تُكْذَبِي ... يُخْبِرُكَ مَنْ قَدْ سَأَلْتِ الْيَقِينَا بِأَنَّا ليَالِي ذَات الْعِظَام ... كُنَّا ثِمَالًا لِمَنْ يَعْتَرِينَا [1] تَلُوذُ الْبُجُودُ [2] بِأَذْرَائِنَا ... مِنْ الضُّرِّ فِي أَزَمَاتِ السِّنِينَا [3] بِجَدْوَى فُضُولٍ أُولِي وُجْدِنَا ... وَبِالصَّبْرِ وَالْبَذْلِ فِي الْمُعْدِمِينَا [4] وَأَبْقَتْ لنا جلمات الحروب ... مِمَّنْ نُوَازِي لَدُنْ أَنْ بُرِينَا [5] مَعَاطِنَ تهوى إِلَيْهَا الْحُقُوق ... يَحْسِبُهَا مَنْ رَآهَا الْفَتِينَا [6] تُخَيِّسُ فِيهَا عتاق الْجمال ... صُحْمًّا دَوَاجِنُ حُمْرًا وُجُونَا [7] وَدُفَّاعُ رَجْلٍ كَمَوْجِ الْفُرَا ... تِ يَقْدُمُ جَأْوَاء جُولَا طَحُونَا [8] تَرَى لَوْنَهَا مثل لون النّجوم ... رَجْرَاجَةً تُبْرِقُ النَّاظِرِينَا [9] فَإِنْ كُنْتَ عَنْ شَأْنِنَا جَاهِلًا ... فَسَلْ عَنْهُ ذَا الْعِلْمِ مِمَّنْ يَلِينَا

_ [1] ليَالِي ذَات الْعِظَام: ليَالِي الْجُوع الَّتِي تجمع فِيهَا الْعِظَام فتطبخ، فيستخرج ودكّها، فيؤتدم بِهِ، وَذَلِكَ الودك يُسمى الصَّلِيب، قَالَ الشَّاعِر: وَبَات شيخ الْعِيَال يصطلب. والثمال: الغياث. ويعترينا: يزورنا. [2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والبجود: جماعات النَّاس، الْوَاحِد: بجد. وَفِي (أ) وديوان كَعْب المخطوط: «النجُود» بِفَتْح النُّون، وَهِي الْمَرْأَة المكروبة. [3] والأذراء: الأكناف، الْوَاحِد: ذراى. والأزمات: الشدائد. [4] الجدوى: الْعَطِيَّة. والوجد (بِضَم الْوَاو) : سَعَة المَال. [5] جلمات الحروب: من الجلم، وَهُوَ الْقطع، ويروى: جِلْبَاب (بِالْبَاء) . ونوازى: نساوى. وبرينا: خلقنَا. وَأَصله الْهَمْز، فسهل. [6] المعاطن: مَوَاضِع الْإِبِل حول المَاء. وَأَرَادَ بهَا هُنَا الْإِبِل بِعَينهَا. والفتين: الْحرار، وَهِي الْأَرَاضِي فِيهَا حِجَارَة سود، سميت بذلك لِأَنَّهَا تشبه مَا فتن بالنَّار، أَي أحرق. [7] تخيس: تذلل. والصحم: السود، ويروى: (طمحا) بِالطَّاءِ، والحاء الْمُهْمَلَتَيْنِ. والطحم: الْكَثِيرَة بِهِ كَمَا يرْوى: طخما (بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة) ، وَهِي الَّتِي بهَا سَواد. والدواجن. المقيمة، والجون: السود، وَقد تكون الْبيض أَيْضا، وَهِي من الأضداد. [8] الدفاع: مَا ينْدَفع من السَّيْل، شبه كَثْرَة الرجل بِهِ. وَالرجل: الرجالة. والفرات: اسْم نهر. وجأواء: كَتِيبَة لَوْنهَا السوَاد والحمرة من كَثْرَة السِّلَاح. والجول: الكتيبة الضخمة، ويروى: جونا أَي سَوْدَاء. والطحون: الَّتِي تهْلك مَا مرت بِهِ. [9] الرجراجة: الَّتِي يموج بَعْضهَا فِي بعض. وتبرق: تحير وتبهت.

بِنَا كَيْفَ نَفْعَلُ إنْ قَلَّصَتْ ... عَوَانًا ضَرُوسًا عَضُوضًا حَجُونَا [1] أَلَسْنَا نَشُدُّ عَلَيْهَا الْعِصَا ... بَ حَتَّى تَدُرَّ وَحَتَّى تَلِينَا [2] وَيَوْمٌ لَهُ وَهَجٌ دَائِمٌ ... شَدِيدُ التَّهاوُلِ حَامِي الأرِينا [3] طَوِيلٌ شَدِيد أوار الْقِتَال ... تَنْفِي قَواحِزُهُ الْمُقْرِفِينَا [4] تَخَالُ الْكُمَاةَ بِأَعْرَاضِهِ ... ثِمَالًا عَلَى لَذَّةٍ مُنزفِينا [5] تَعاوَرُ أَيْمَانهم بَينهم ... كئوس الْمَنَايَا بِحَدِّ الظُّبِينَا [6] شَهِدْنَا ككُنَّا أُولِي بَأْسِهِ ... وَتَحْتَ العَمَايَةِ وَالْمُعْلِمِينَا [7] بِخُرْسِ الْحَسِيسِ حِسَانٍ رِوَاءٍ ... وَبُصْرِيَّةٍ قَدْ أُجِمْنَ الجُفونا [8] فَمَا يَنْفَلِلْنَ وَمَا يَنْحَنِينَ ... وَمَا يَنْتَهِينَ إذَا مَا نُهِينَا كَبَرْقِ الْخَرِيفِ بِأَيْدِي الْكُمَاةِ ... يُفَجِّعْنَ بِالظِّلِّ هَامًا سُكُونَا [9] وَعَلَّمْنَا الضَّرْبَ آبَاؤُنَا ... وَسَوْفَ نُعَلِّمُ أَيْضًا بَنِينَا جِلَادَ الكماة، وبذل التّلاد ... ، عَنْ جُلِّ أَحْسَابِنَا مَا بَقِينَا [10]

_ [1] قلصت: ارْتَفَعت وانقبضت، والتقليص: كِنَايَة عَن الشدّة فِي الْحَرْب. والعوان: الْحَرْب الَّتِي قوتل فِيهَا مرّة بعد مرّة. والضروس: الشَّدِيدَة. والعضوض: الْكَثِيرَة العض. والحجون: المعوجة الْأَسْنَان. [2] العصاب: مَا يعصب الضَّرع. [3] الوهج: الْحَرْب ويروى: الرهج، وَهُوَ الْغُبَار. والتهاول: الهول والشدة. والأرين: جمع إرة، وَهِي مستوقد النَّار. وَقد جمع كجمع الْمُذكر السَّالِم، لِأَنَّهُ مؤنث مَحْذُوف اللَّام. [4] الأوار: الْحر، والقواحز: من القحز، وَهُوَ القلق وَعدم التثبت. والمقرفون: اللئام. [5] الكماة: الشجعان. وبأعراضه، أَي بنواحيه. وثمالا سكارى، ويروى: ثمالي. ومنزفينا: قد ذهبت الْخمر بعقولهم. ويروى: مترفينا. والمترفون، جمع مترف، المسرف فِي التنعم. [6] تعاور: تداول. والظبين: جمع ظبة، وَهِي حد السَّيْف. [7] العماية: السحابة، والمعلمون: من يعلمُونَ أنفسهم بعلامة فِي الْحَرْب يعْرفُونَ بهَا. [8] الخرس: الَّتِي لَا صَوت لَهَا، ويعنى بهَا السيوف، أَي ورواء، أَي ممتلئة من الدَّم وبصرية: سيوف منسوبة إِلَى بصرى، وَهِي مَدِينَة بِالشَّام. وأجمن: مللن وكرهن. والجفون: الأغماد. [9] الكماة: الشجعان. وبالظل: أَي ظلال السيوف. ويروى: «بالطل» بِالطَّاءِ الْمُهْملَة. يُرِيد مَا طل من دمهم وَلم يُؤْخَذ لَهُ بثأر. والهام: جمع هَامة، وَهِي الرَّأْس. والسكون: الْمُقِيم الثَّابِت. [10] الجلاد: الْمُضَاربَة بِالسُّيُوفِ. والتلاد: المَال الْقَدِيم. وَجل الشَّيْء: معظمه.

إذَا مَرَّ قَرْنٌ كَفَى نَسْلُهُ ... وَأَوْرَثَهُ بَعْدَهُ آخَرِينَا [1] نَشِبُّ وَتَهْلِكُ آبَاؤُنَا ... وَبَيْنَا نُرَبِّي بَنِينَا فَنِينَا سَأَلْتُ بِكَ ابْنَ الزِّبَعْرَى فَلَمْ ... أُنَبَّأْكَ فِي الْقَوْمِ إلَّا هَجِينَا خَبِيثًا تُطِيفُ بِكَ الْمُنْدِيَاتُ ... مُقِيمًا عَلَى اللُّؤْمِ حِينًا فَحِينَا [2] تَبَجَّسْتُ تهجو رَسُول المليك ... قَاتَلَكَ اللَّهُ جِلْفًا لَعِينَا [3] تَقُولُ الْخَنَا ثُمَّ تَرْمِي بِهِ ... نَقِيَّ الثِّيَابِ تَقِيًّا أَمِينَا [4] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَيْتَهُ: «بِنَا كَيْفَ نَفْعَلُ» ، وَالْبَيْتَ الَّذِي يَلِيهِ، وَالْبَيْتَ الثَّالِثَ مِنْهُ، وَصَدْرَ الرَّابِعِ مِنْهُ، وَقَوْلَهُ « نَشِبُّ وَتَهْلِكُ آبَاؤُنَا » وَالْبَيْتَ الَّذِي يَلِيهِ. وَالْبَيْتَ الثَّالِثَ مِنْهُ، أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا، فِي يَوْمِ أُحُدٍ: سَائِلْ قُرَيْشًا غَدَاةَ السَّفْحِ مِنْ أُحُدٍ ... مَاذَا لَقِينَا وَمَا لَاقَوْا مِنْ الْهَرَبِ [5] كُنَّا الْأُسُودَ وَكَانُوا النُّمْرَ إذْ زَحَفُوا ... مَا إنْ نُرَاقِبُ مِنْ آلٍ وَلَا نَسَبِ [6] فَكَمْ تَرَكْنَا بِهَا مِنْ سَيِّدٍ بَطَلٍ ... حَامِي الذِّمَارَ كَرِيمِ الْجَدِّ وَالْحَسَبِ [7] فِينَا الرَّسُولُ شِهَابٌ ثُمَّ يَتْبَعُهُ ... نُورٌ مُضِىءٌ لَهُ فَضْلٌ عَلَى الشُّهُبِ الْحَقُّ مَنْطِقُهُ وَالْعَدْلُ سِيرَتُهُ ... فَمَنْ يُجِبْهُ إلَيْهِ يَنْجُ مِنْ تَبَبِ [8] نَجْدُ الْمُقَدَّمِ، مَاضِي الْهَمِّ، مُعْتَزِمٌ ... حِينَ الْقُلُوبِ عَلَى رَجْفٍ مِنْ الرُّعُبِ [9]

_ [1] الْقرن (بِفَتْح الْقَاف) : الْأمة من النَّاس. (وبكسر الْقَاف) : الّذي يُقَاوم فِي شدَّة أَو قتال أَو علم [2] المنديات: المخزيات يندى مِنْهَا الجبين والأمور الشنيعة. [3] تبجست: نطقت وَأَكْثَرت، كَمَا يتبجس المَاء، إِذا تفجر وسال. ويروى: تنجست (بالنُّون) أَي دخلت فِي أهل النَّجس والخبث. والجلف: الجافي. [4] الْخَنَا: الْكَلَام الّذي فِيهِ فحش. [5] السفح: جَانب الْجَبَل مِمَّا يَلِي أَصله. [6] النمر: جمع نمر، وَهُوَ مَعْرُوف. [7] حامي الذمار. أَي يحمى مَا تجب حمايته. [8] التبب: الخسران. [9] الرجف: التحرك. والرعب: الْفَزع. 11- سيرة ابْن هِشَام- 2

(شعر ابن رواحة في بكاء حمزة) :

يَمْضِي ويَذْمُرنا عَنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ... كَأَنَّهُ الْبَدْرُ لَمْ يُطْبَعْ عَلَى الْكَذِبِ [1] بَدَا لَنَا فَاتَّبَعْنَاهُ نُصَدِّقُهُ ... وَكَذَّبُوهُ فَكُنَّا أَسْعَدَ الْعَرَبِ جَالُوا وَجُلْنَا فَمَا فَاءُوا وَمَا رَجَعُوا ... وَنَحْنُ نَثْفِنَّهُمْ لَمْ نَأْلُ فِي الطَّلَبِ [2] لَيْسَا سَوَاءً وَشَتَّى بَيْنَ أَمْرِهِمَا ... حِزْبُ الْإِلَهِ وَأَهْلِ الشِّرْكِ وَالنُّصُبِ [3] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي مِنْ قَوْلِهِ: «يَمْضِي ويَذْمُرنا» إلَى آخِرِهَا، أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ. (شِعْرُ ابْنِ رَوَاحَةَ فِي بُكَاءِ حَمْزَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَبْكِي حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِيهَا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: بَكَتْ عَيْنِي وَحَقَّ لَهَا بُكَاهَا ... وَمَا يُغِني الْبُكَاءُ وَلَا الْعَوِيلُ عَلَى أَسَدِ الْإِلَهِ غَدَاةَ قَالُوا ... أَحَمْزَةُ ذَاكُمْ الرَّجُلُ الْقَتِيلُ أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ جَمِيعًا ... هُنَاكَ وَقَدْ أُصِيبَ بِهِ الرَّسُولُ أَبَا يَعْلِي لَكَ الْأَرْكَانُ هُدَّتْ ... وَأَنْتَ الْمَاجِدُ الْبَرُّ الْوَصُولُ [4] عَلَيْكَ سَلَامُ رَبِّكَ فِي جِنَانٍ ... مُخَالِطُهَا نَعِيمٌ لَا يَزُولُ أَلَا يَا هَاشِمَ الْأَخْيَارِ صَبْرًا ... فَكُلُّ فِعَالِكُمْ حَسَنٌ جَمِيلُ رَسُولُ اللَّهِ مُصْطَبِرٌ كَرِيمٌ ... بِأَمْرِ اللَّهِ يَنْطِقُ إذْ يَقُولُ أَلَا مِنْ مُبْلِغٍ عَنِّي لُؤَيًّا ... فَبَعْدَ الْيَوْمِ دَائِلَةٌ تَدُولُ [5] وَقَبْلَ الْيَوْمِ مَا عَرَفُوا وَذَاقُوا ... وَقَائِعَنَا بِهَا يُشْفَى الْغَلِيلُ [6] نَسِيتُمْ ضَرْبنَا بِقَلِيبِ بَدْرٍ ... غَدَاةَ أَتَاكُمْ الْمَوْتُ الْعَجِيلُ

_ [1] لم يطبع: لم يخلق. [2] جالوا: تحركوا. وفاءوا: رجعُوا. ونثفنهم: نتبعهم. وَلم نأل: لم نقصر. [3] النصب: حِجَارَة كَانُوا يذبحون لَهَا ويعظمونها. [4] أَبُو يعلى: كنية حَمْزَة رضى الله عَنهُ. والماجد: الشريف. [5] الدائلة: الْحَرْب. [6] الغليل: حرارة الْعَطش والحزن.

(شعر كعب في أحد) :

غَدَاةً ثَوَى أَبُو جَهْلٍ صَرِيعًا ... عَلَيْهِ الطَّيْرُ حَائِمَةٌ تَجُولُ [1] وَعُتْبَةُ وَابْنُهُ خَرَّا جَمِيعًا ... وَشَيْبَةُ عَضَّهُ السَّيْفُ الصَّقِيلُ [2] وَمَتْرَكُنَا أُمَيَّةَ مُجْلَعِبًّا ... وَفِي حَيْزُومِهِ لَدْنٌ نَبِيلُ [3] وَهَامَ بَنِي رَبِيعَةَ. سَائِلُوهَا ... فَفِي أَسْيَافِنَا مِنْهَا فُلُولُ أَلَا يَا هِنْدُ فَابْكِي لَا تَمَلِّي ... فَأَنْتِ الْوَالِهُ العَبْرَى الْهَبُولُ [4] أَلَا يَا هِنْدُ لَا تُبْدِي شِمَاتًا ... بِحَمْزَةِ إنَّ عِزَّكُمْ ذَلِيلُ (شِعْرُ كَعْبٍ فِي أُحُدٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: أَبْلِغْ قُرَيْشًا عَلَى نَأْيِهَا ... أَتُفْخَرُ مِنَّا بِمَا لَمْ تَلِي [5] فَخَرْتُمْ بِقَتْلَى أَصَابَتْهُمْ ... فَوَاضِلُ مِنْ نعم الْمفضل فحلّوا جِنَانًا وَأَبْقَوْا لَكُمْ ... أُسُودًا تُحَامِي عَنْ الْأَشْبُلِ [6] تُقَاتِلُ عَنْ دِينِهَا، وَسْطَهَا ... نَبِيٌّ عَنْ الْحَقِّ لَمْ يَنْكُلْ [7] رَمَتْهُ مَعَدٌّ بِعُورِ الْكَلَامِ ... وَنَبْلِ الْعَدَاوَةِ لَا تَأْتَلِي [8] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي قَوْلَهُ: «لَمْ تَلِي» ، وَقَوْلَهُ: «مِنْ نعم الْمفضل» أَبُو زَيْدٌ الْأَنْصَارِيُّ. (شِعْرُ ضِرَارٍ فِي أُحُدٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي يَوْمِ أُحُدٍ:

_ [1] حائمة: مستديرة، يُقَال: حام الطَّائِر حول المَاء.، إِذا اسْتَدَارَ حوله. وتجول: تَجِيء وَتذهب. [2] خرا: سقطا. [3] مجلعبا: ممتدا مَعَ الأَرْض. والحيزوم: أَسْفَل الصَّدْر. واللدن الرمْح اللين. والنبيل: الْعَظِيم. [4] الواله: الفاقدة. والعبري: الْكَثِيرَة الدمع. والهبول: الفاقدة (أَيْضا) . [5] النأى: الْبعد. [6] تحامى: تمنع. والأشبل: جمع شبْل، وَهُوَ ولد الْأسد. [7] لم ينكل: لم ينقص. [8] عور الْكَلَام: قبيحه والفاحش مِنْهُ. وَاحِدَة: عوراء. وَلَا تأتلى: لَا تقصر.

مَا بَالُ عَيْنُكَ قَدْ أَزْرَى بِهَا السُّهْدُ ... كَأَنَّمَا جَالَ فِي أَجْفَانِهَا الرَّمَدُ [1] أَمِنْ فِرَاقِ حَبِيبٍ كُنْتَ تَأْلَفَهُ ... قَدْ حَالَ مِنْ دُونِهِ الْأَعْدَاءُ وَالْبُعْدُ أَمْ ذَاكَ مِنْ شغب قوم لاجداء بِهِمْ ... إذْ الْحُرُوبُ تَلَظَّتْ نَارُهَا تَقِدُ [2] مَا يَنْتَهُونَ عَنْ الْغَيِّ الَّذِي رَكِبُوا ... وَمَا لَهُمْ مِنْ لُؤَيٍّ وَيْحهمْ عَضُدُ وَقَدْ نَشَدْنَاهُمْ باللَّه قَاطِبَةً ... فَمَا تَرُدُّهُمْ الْأَرْحَامُ وَالنِّشَدُ [3] حَتَّى إذَا مَا أَبَوْا إلَّا مُحَارَبَةً ... وَاسْتَحْصَدَتْ بَيْنَنَا الْأَضْغَانُ وَالْحِقَدُ [4] سِرْنَا إلَيْهِمْ بِجَيْشٍ فِي جَوَانِبِهِ ... قَوَانِسُ الْبَيْضِ وَالْمَحْبُوكَةُ السُّرُدُ [5] وَالْجُرْدُ تَرْفُلُ بِالْأَبْطَالِ شَازِبَةً ... كَأَنَّهَا حِدَأٌ فِي سَيْرِهَا تُؤَدُ [6] جَيْشٌ يَقُودُهُمْ صَخْرٌ وَيَرْأَسُهُمْ ... كَأَنَّهُ لَيْثُ غَابٍ هَاصِرٌ حَرِدُ [7] فَأَبْرَزَ الْحَيْنَ قَوْمًا مِنْ مَنَازِلِهِمْ ... فَكَانَ مِنَّا وَمِنْهُمْ مُلْتَقًى أُحُدُ فَغُودِرَتْ مِنْهُمْ قَتْلَى مُجَدَّلَةٌ ... كَالْمَعْزِ أَصْرَدَهُ بالصَّرْدحِ الْبَرَدُ [8] قَتْلَى كِرَامٌ بَنُو النَّجَّارِ وَسْطَهُمْ ... وَمُصْعَبٌ مِنْ قَنَانَا حَوْلَهُ قِصَدُ [9] وَحَمْزَةُ الْقَرْمُ مَصْرُوعٌ تُطِيفُ بِهِ ... ثَكْلَى وَقَدْ حُزَّ مِنْهُ الْأَنْفُ وَالْكَبِدُ [10]

_ [1] أزرى: قصر، يُقَال أزريت بِالرجلِ، إِذا قصرت بِهِ، وزريت على الرجل، إِذا عبت عَلَيْهِ فعله، والسهد: عدم النّوم. والرمد: وجع الْعين. [2] لَا جداء: لَا مَنْفَعَة وَلَا قُوَّة. وتلظت: التهبت. [3] قاطبة: جَمِيعًا. والنشد: جمع نشدة، وَهِي الْيَمين. [4] استحصدت: تقوت واستحكمت، مَأْخُوذ من قَوْلك: حَبل محصد، إِذا كَانَ شَدِيد الفتل محكمه، والحقد: أَصله بِسُكُون الْقَاف، وحركه بِالْكَسْرِ للضَّرُورَة. [5] القوانس: أعالى بيض السِّلَاح. والمحبوكة: الشَّدِيدَة. والسرد: المنسوجة. يُرِيد: الأدرع. [6] الجرد: الْخَيل الْعتاق. وشازبة: ضامرة شَدِيدَة اللَّحْم. والحدأ: جمع حدأة. وتؤد: ترفق وتمهل. [7] صَخْر: اسْم أَبى سُفْيَان. وَغَابَ: جمع غابة وَهِي مَوضِع الْأسد. وهاصر: كاسر، أَي يكسر فريسته إِذا أَخذهَا. وحرد: غاضب. [8] مجدلة: صرعى على الأَرْض. وَاسم الأَرْض الجدالة. وأصرده: بَالغ فِي برده. والصرد: الْبرد. والصردح: الْمَكَان الصلب الغليظ. [9] وَقصد: قطع متكسرة. [10] القرم: السَّيِّد. وثكلى: حزينة فاقدة. وحز: قطع (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول فيهمَا) .

(رجز أبى زعنة يوم أحد) :

كَأَنَّهُ حِينَ يَكْبُو فِي جَدِيَّتِهِ ... تَحْتَ الْعَجَاجِ وَفِيهِ ثَعْلَبٌ جَسَدُ [1] حُوَارُ نَابٍ وَقَدْ وَلَّى صَحَابَتُهُ ... كَمَا تَوَلَّى النَّعَامُ الْهَارِبُ الشُّرُدُ [2] مُجَلِّحِينَ وَلَا يَلُوونَ قَدْ مُلِئُوا ... رُعْبًا، فَنَجَّتْهُمْ الْعَوْصَاءُ وَالْكُؤُدُ [3] تَبْكِي عَلَيْهِمْ نِسَاءٌ لَا بُعُولَ لَهَا ... مِنْ كُلِّ سَالِبَةٍ أَثْوَابُهَا قِدَدُ [4] وَقَدْ تَرَكْنَاهُمْ لِلطَّيْرِ مَلْحَمَةً ... وَلِلضِّبَاعِ إلَى أَجْسَادِهِمْ تَفِدُ [5] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِضِرَارِ: (رَجَزُ أَبِي زَعْنَةَ يَوْمَ أُحُدٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو زَعْنَةَ [6] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُتْبَةَ، أَخُو بَنِي جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، يَوْمَ أُحُدٍ: أَنَا أَبُو زَعْنَةَ يَعْدُو بِي الهُزَمْ ... لَمْ تُمْنَعْ الْمَخْزَاةُ إلَّا بِالْأَلَمْ [7] يَحْمِي الذِّمَارَ خَزْرَجِيٌّ مِنْ جُشَمْ [8] (رَجَزٌ يُنْسَبُ لِعَلِيِّ فِي يَوْمِ أُحُدٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَهَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ غَيْرَ عَلِيٍّ، فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ يعرفهَا لعلّى:

_ [1] يكبو: يسْقط. والجدية: طَريقَة الدَّم. والعجاج: الْغُبَار. والثعلب (هُنَا) : مَا دخل من الرمْح فِي السنان. وجسد: قد يبس عَلَيْهِ الدَّم. [2] الحوار: ولد النَّاقة. والناب: المسنة من الْإِبِل. والشرد: النافرة. [3] مجلحين: مصممين لَا يردهم شَيْء. والعوصاء: عقبَة صعبة تعتاص على سالكها. والكؤد جمع كؤود وَهِي عقبَة صعبة المرتقى. [4] السالبة (هُنَا) : الَّتِي لبست السلاب، وَهُوَ ثِيَاب الْحزن. وقدد: قطع، يعْنى أَنَّهَا مزقت ثِيَابهَا. [5] الملحمة: الْموضع الّذي تقع فِيهِ الْقَتْلَى فِي الْحَرْب. وتفد: تقدم وتزور. [6] قَالَ أَبُو ذَر: «كَذَا وَقع هُنَا بالنُّون، وزعبة، بالزاي وَالْعين الْمُهْملَة وَالْبَاء المنقوطة بِوَاحِدَة من أَسْفَلهَا، كَذَا قَيده الدَّار قطنى» . [7] يعدو: يسْرع. والهزم (بِضَم الْهَاء وَفتح الزاى) : اسْم فرس، ويروى: الهزم (بِفَتْح الْهَاء وَكسر الزاى) وَهُوَ الْكثير الجرى. [8] الذمار: مَا يحب على الْمَرْء أَن يحميه.

(رجز عكرمة في يوم أحد) :

لاهمّ إنَّ الْحَارِثَ بْنَ الصِّمَّهْ ... كَانَ وَفِيًّا وَبِنَا ذَا ذِمَّهْ [1] أَقْبَلَ فِي مَهَامَهٍ مُهِمَّهْ ... كَلِيلَةٍ ظَلْمَاءَ مُدْلَهِمَّهْ [2] بَيْنَ سُيُوفٍ وَرِمَاحٍ جَمَّهْ ... يَبْغِي رَسُولَ اللَّهِ فِيمَا ثَمَّهْ [3] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلَهُ: «كَلِيلَةٍ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. (رَجَزُ عِكْرِمَةَ فِي يَوْمِ أُحُدٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ فِي يَوْمِ أُحُدٍ: كُلُّهُمْ يَزْجُرُهُ أَرْحِبْ هَلَا ... وَلَنْ يَرَوْهُ الْيَوْمَ إلَّا مُقْبِلَا [4] يَحْمِلُ رُمْحًا وَرَئِيسًا جَحْفَلَا [5] (شِعْرُ الْأَعْشَى التَّمِيمِيِّ فِي بُكَاءِ قَتْلَى بَنِي عَبْدِ الدَّارِ يَوْمَ أُحُدٍ) : وَقَالَ الْأَعْشَى بْنُ زُرَارَةَ بْنِ النَّبَّاشِ التَّمِيمِيُّ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمَّ أَحَدُ بَنِي أَسَدِ ابْن عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ- يَبْكِي قَتْلَى بَنِي عَبْدِ الدَّارِ يَوْمَ أُحُدٍ: حُيِّيَ مِنْ حَيٍّ عَلَيَّ نَأْيُهُمْ ... بَنُو أَبِي طَلْحَةَ لَا تُصْرَفُ [6] يَمُرُّ سَاقِيهِمْ عَلَيْهِمْ بِهَا ... وَكُلُّ سَاقٍ لَهُمْ يَعْرِفُ لَا جَارُهُمْ يَشْكُو وَلَا ضَيْفُهُمْ ... مِنْ دُونِهِ بَابٌ لَهُمْ يَصْرِفُ [7] وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى يَوْمَ أُحُدٍ: قَتَلْنَا ابْنَ جَحْشٍ فَاغْتَبَطْنَا بِقَتْلِهِ ... وَحَمْزَةَ فِي فُرْسَانِهِ وَابْنَ قَوْقَلِ وَأَفْلَتَنَا مِنْهُمْ رِجَالٌ فَأَسْرَعُوا ... فَلَيْتَهُمْ عَاجُوا وَلَمْ نَتَعَجَّلْ [8] أَقَامُوا لَنَا حَتَّى تَعَضُّ سُيُوفُنَا ... سَرَاتَهُمْ وَكُلُّنَا غَيْرُ عُزَّلِ [9]

_ [1] الذِّمَّة: الْعَهْد. [2] المهامة: جمع مهمه. وَهُوَ القفر. والمدلهمة: الشَّدِيدَة السوَاد. [3] جمة: كَثِيرَة. [4] أرحب هلا: كلمتان لزجر الْخَيل. [5] الجحفل: الْعَظِيم. [6] النأى: الْبعد. وَلَا تصرف: لَا ترد، وَيُرِيد التَّحِيَّة، وَدلّ على ذَلِك قَوْله «حَيّ» . [7] يصرف، يغلق فَيسمع لَهُ صَوت. [8] عاجوا: عطفوا وَأَقَامُوا. [9] سراتهم: خيارهم. الْعَزْل: الَّذين لَا سلَاح لَهُم. جمع أعزل.

(شعر صفية في بكاء حمزة) :

وَحَتَّى يَكُونَ الْقَتْلُ فِينَا وَفِيهِمْ ... وَيَلْقَوْا صَبُوحًا شَرَّهُ غَيْرَ مُنْجَلِي [1] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَوْلَهُ: «وَكُلُّنَا» ، وَقَوْلَهُ: «وَيَلْقَوْا صَبُوحًا» : عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. (شِعْرُ صَفِيَّةَ فِي بُكَاءِ حَمْزَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَبْكِي أَخَاهَا حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَسَائِلَةً أَصْحَابَ أُحْدٍ مَخَافَةً ... بَنَاتُ أَبِي مِنْ أَعْجَمٍ وَخَبِيرِ [2] فَقَالَ الْخَبِيرُ إنَّ حَمْزَةَ قَدْ ثَوَى ... وَزِيرُ رَسُولِ اللَّهِ خَيْرُ وَزِيرِ دَعَاهُ إلَهُ الْحَقِّ ذُو الْعَرْشِ دَعْوَةً ... إلَى جَنَّةٍ يَحْيَا بِهَا وَسُرُورِ فَذَلِكَ مَا كُنَّا نُرَجِّي وَنَرْتَجِي ... لِحَمْزَةِ يَوْمَ الْحَشْرِ خير مصير فو الله لَا أَنْسَاكَ مَا هَبَّتْ الصِّبَا ... بُكَاءً وَحُزْنًا مَحْضَرِي وَمَسِيرِي [3] عَلَى أَسَدِ اللَّهِ الَّذِي كَانَ مِدْرَهَا ... يَذُودُ عَنْ الْإِسْلَامِ كُلَّ كَفُورِ [4] فَيَا لَيْتَ شِلْوِي عِنْدَ ذَاكَ وَأَعْظُمِي ... لَدَى أضبع تعتادنى ونسوره [5] أَقُولُ وَقَدْ أَعْلَى النَّعِيَّ عَشِيرَتِي ... جَزَى اللَّهُ خَيْرًا من أَخ ونصير [6] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ قَوْلَهَا: بُكَاءً وَحُزْنًا مَحْضَرِي وَمَسِيرِي (شِعْرُ نُعَمَ فِي بُكَاءِ شَمَّاسٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ نُعَمُ، امْرَأَةُ شَمَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ، تَبْكِي شَمَّاسًا، وَأُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ:

_ [1] الصبوح: شرب الْغَدَاة. يعْنى أَنهم يسقونهم كأس الْمنية ومنجلى: منكشف. وَفِي رِوَايَة: «صباحا» . [2] الْأَعْجَم: الّذي لَا يفصح. [3] الصِّبَا: ريح شرقية. ومسيري: أَي غيابى. [4] المدرة: الّذي يدْفع عَن الْقَوْم. ويذود: يمْنَع. [5] الشلو: الْبَقِيَّة. تعتادنى: تتعاهدنى. [6] النعي: يرْوى بِالرَّفْع على أَنه فَاعل، وَمَعْنَاهُ الّذي يأتى بِخَبَر الْمَيِّت، كَمَا يرْوى بِالنّصب على أَنه مفعول، وَمَعْنَاهُ النوح والبكاء بِصَوْت.

(شعر أبى الحكم في تعزية نعم) :

يَا عَيْنُ جُودِي بِفَيْضٍ غَيْرِ إبْسَاسِ [1] ... عَلَى كَرِيمٍ مِنْ الْفِتْيَانِ أبَّاسِ [2] صَعْبِ الْبَدِيهَةِ مَيْمُونٍ نَقِيبَتُهُ ... حَمَّالِ أَلْوِيَةٍ رَكَّابِ أَفْرَاسِ [3] أَقُولُ لَمَا أَتَى النَّاعِي لَهُ جَزَعًا ... أَوْدَى الْجَوَادُ وَأَوْدَى الْمُطْعِمُ الْكَاسِي [4] وَقُلْتُ لَمَّا خَلَتْ مِنْهُ مَجَالِسُهُ ... لَا يُبْعِدُ اللَّهُ عَنَّا قُرْبَ شَمَّاسِ (شِعْرُ أَبِي الْحَكَمِ فِي تَعْزِيَةِ نُعَمَ) : فَأَجَابَهَا أَخُوهَا، وَهُوَ أَبُو الْحَكَمِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ، يُعَزِّيهَا، فَقَالَ: إقْنَى حَيَاءَكَ فِي سِتْرٍ وَفِي كَرَمٍ ... فَإِنَّمَا كَانَ شَمَّاسٌ مِنْ النَّاسِ [5] لَا تَقْتُلِي النَّفْسَ إذْ حَانَتْ مَنِيَّتُهُ ... فِي طَاعَةِ اللَّهِ يَوْمَ الرَّوْعِ وَالْبَاسِ [6] قَدْ كَانَ حَمْزَةُ لَيْثَ اللَّهِ فَاصْطَبِرِي ... فَذَاقَ يَوْمَئِذٍ مِنْ كَأْسِ شَمَّاسِ (شِعْرُ هِنْدٍ بَعْدَ عَوْدَتِهَا مِنْ أُحُدٍ) : وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، حِينَ انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ أُحُدٍ: رَجَعْتُ وَفِي نَفْسِي بَلَابِلُ جَمَّةٌ ... وَقَدْ فَاتَنِي بَعْضُ الَّذِي كَانَ مَطْلَبِي [7] مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ ... بَنِي هَاشِمٍ مِنْهُمْ وَمِنْ أَهْلِ يَثْرِبِ وَلَكِنَّنِي قَدْ نِلْتُ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ ... كَمَا كُنْتُ أَرْجُو فِي مَسِيرِي وَمَرْكَبِي قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ قَوْلَهَا: وَقَدْ فَاتَنِي بَعْضُ الَّذِي كَانَ مَطْلَبِي وَبَعْضُهُمْ يُنْكِرُهَا لِهِنْدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [8] .

_ [1] الإبساس: أَن تمسح ضرع النَّاقة لتدر، وَتقول لَهَا: بس بس، وَقد استعارت هَذَا الْمَعْنى للدمع الفائض بِغَيْر تكلّف. [2] كَذَا فِي شرح السِّيرَة لأبى ذَر. والأباس: الشَّديد الّذي يغلب غَيره. وَفِي الْأُصُول: «لِبَاس» وَهُوَ صِيغَة مُبَالغَة للَّذي يلبس أَدَاة الْحَرْب. [3] البديهة: أول الرأى وَالْأَمر. وَمَيْمُون النقيبة: مَسْعُود الفعال. والألوية: جمع لِوَاء، وَهُوَ الْعلم [4] أودى: هلك. والمطعم الكاسي: الْجواد الّذي يطعم النَّاس ويكسوهم. [5] اقنى حياءك: الزمى حياءك. [6] يَوْم الروع: يَوْم الْفَزع، وَهُوَ يَوْم الْبَأْس والقتال. [7] البلابل: الأحزان. وجمة: كَثِيرَة. [8] إِلَى هُنَا انْتهى الْجُزْء الثَّانِي عشر من أَجزَاء السِّيرَة.

ذكر يوم الرجيع في سنة ثلاث

ذِكْرُ يَوْمِ الرَّجِيعِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ (طَلَبَتْ عَضَلُ وَالْقَارَّةُ نَفَرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِيُعَلِّمُوهُمْ فَأَوْفَدَ الرَّسُولُ سِتَّةً) : قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أُحُدٍ رَهْطٌ مِنْ عَضَلٍ وَالْقَارَّةِ. (نَسَبُ عَضَلٍ وَالْقَارَّةِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَضَلٌ وَالْقَارَّةُ، مِنْ الْهَوْنِ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الْهُونُ، بِضَمِّ الْهَاءِ [1] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ فِينَا إسْلَامًا، فَابْعَثْ مَعَنَا نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِكَ يُفَقِّهُونَنَا فِي الدِّينِ، وَيُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ، وَيُعَلِّمُونَنَا شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ. فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرًا سِتَّةً [2] مِنْ أَصْحَابِهِ، وَهُمْ: مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ، حَلِيفُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ اللَّيْثِيُّ، حَلِيفُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، وَخُبَيْبٌ بْنُ عَدِيٍّ، أَخُو بَنِي جَحْجَبَى بْنِ كُلْفَةَ ابْن عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَزَيْدُ بْنُ الدَّثِنَّةِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، أَخُو بَنِي بَيَاضَةَ بْنِ عَمْرِو [3] بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَارِقٍ حَلِيفُ بَنِي ظَفَرِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ. (غَدْرُ عَضَلٍ وَالْقَارَّةِ بِالنَّفَرِ السِّتَّةِ) : وَأَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَوْمِ مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ [4] ، فَخَرَجَ

_ [1] وعَلى هَذِه الرِّوَايَة اقْتصر الصِّحَاح والقاموس وَشرح الْمَوَاهِب. [2] قيل: إِنَّهُم كَانُوا عشرَة، وَهُوَ أصح، سِتَّة من الْمُهَاجِرين وَأَرْبَعَة من الْأَنْصَار. (رَاجع الرَّوْض وَشرح ديوَان حسان طبع أوربا ص 66، وَشرح الْمَوَاهِب اللدنية ج 2 ص 64) . [3] فِي ر: «عَامر» . [4] قيل إِن الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمر عَلَيْهِم عَاصِم بن ثَابت. (رَاجع الرَّوْض وَشرح الْمَوَاهِب) .

(مقتل مرثد وابن البكير وعاصم) :

مَعَ الْقَوْمِ. حَتَّى إذَا كَانُوا عَلَى الرَّجِيعِ، مَاءٍ لِهُذَيْلٍ بِنَاحِيَةِ الْحِجَازِ، عَلَى صُدُورِ الْهَدْأَةِ [1] غَدَرُوا بِهِمْ، فَاسْتَصْرَخُوا [2] عَلَيْهِمْ هُذَيْلًا، فَلَمْ يَرُعْ الْقَوْمَ، وَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ، إلَّا الرِّجَالُ بِأَيْدِيهِمْ السُّيُوفُ، قَدْ غَشُوهُمْ، فَأَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ لِيُقَاتِلُوهُمْ فَقَالُوا لَهُمْ: إنَّا وَاَللَّهِ مَا نُرِيدُ قَتْلَكُمْ، وَلَكِنَّا نُرِيدُ أَنْ نُصِيبَ بِكُمْ شَيْئًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَلَكُمْ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ أَنْ لَا نَقْتُلَكُمْ. (مَقْتَلُ مَرْثَدٍ وَابْنِ الْبُكَيْرِ وَعَاصِمٍ) : فَأُمَّا مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ، وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالُوا: وَاَللَّهِ لَا نَقْبَلُ مِنْ مُشْرِكٍ عَهْدًا وَلَا عَقْدًا أَبَدًا، فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا عِلَّتِي وَأَنَا جَلْدٌ نَابِلُ ... وَالْقَوْسُ فِيهَا وَتَرٌ عُنَابِلُ [3] تَزَلُّ عَنْ صَفْحَتِهَا الْمَعَابِلُ ... الْمَوْتُ حَقٌّ وَالْحَيَاةُ بَاطِلُ [4] وَكُلُّ مَا حَمَّ الْإِلَهُ نَازِلٌ ... بِالْمَرْءِ وَالْمَرْءُ إلَيْهِ آئِلُ [5] إنْ لَمْ أُقَاتِلْكُمْ فَأُمِّي هَابِلُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَابِلُ: ثَاكِلُ. وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا: أَبُو سُلَيْمَانَ وَرِيشُ الْمُقْعَدِ ... وَضَالَةٌ مِثْلَ الْجَحِيمِ الْمُوقَدِ [6] إذَا النَّوَاجِي افْتُرِشْتِ لَمْ أُرْعَدْ ... وَمُجْنَأٌ مِنْ جَلَدٍ ثَوْرٍ أَجْرَدِ [7] وَمُؤْمِنٌ بِمَا عَلَى مُحَمَّدِ

_ [1] قَالَ ياقوت: «الهدأة، كَمَا ذكره البُخَارِيّ فِي قتل عَاصِم، قَالَ: وَهُوَ مَوضِع بَين عسفان وَمَكَّة، وَكَذَا ضَبطه أَبُو عبيد الْبكْرِيّ الأندلسى. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يُقَال لموْضِع بَين مَكَّة والطائف: الهدة، بِغَيْر ألف، وَهُوَ غير الأول، ذكر مَعَه لنفى الْوَهم» . [2] استصرخوا: استنصروا. [3] النابل: صَاحب النبل. ويروى: «بازل» وَهُوَ القوى. وعنابل (بِالضَّمِّ) : غليظ شَدِيد. [4] المعابل: جمع معبلة، وَهُوَ نصل عريض طَوِيل. [5] حم الْإِلَه: قدره. وآثل: صائر. [6] المقعد: رجل كَانَ يريش النبل. والضالة: شجر تصنع مِنْهُ القسي والسهام، وَالْجمع: ضال. ويعنى بالضالة (هُنَا) : الْقوس. [7] النواجى: الْإِبِل السريعة. ويروى: «النواحي،» بِالْحَاء الْمُهْملَة. وافترشت: عمرت، والمجنأ: الترس لَا حَدِيد فِيهِ. والأجرد: الأملس.

(حديث حماية الدبر لعاصم) :

وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتُ أَيْضًا: أَبُو سُلَيْمَانَ ومثلي رَامَى ... وَكَانَ قَوْمِي مَعْشَرًا كِرَامَا وَكَانَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ يُكَنَّى: أَبَا سُلَيْمَانَ. ثُمَّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ وَقُتِلَ صَاحِبَاهُ. (حَدِيثُ حِمَايَةِ الدَّبْرِ لِعَاصِمِ) : فَلَمَّا قُتِلَ عَاصِمٌ أَرَادَتْ هُذَيْلٌ أَخْذَ رَأْسِهِ، لِيَبِيعُوهُ مِنْ سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ شُهَيْدٍ، وَكَانَتْ قَدْ نَذَرَتْ حِينَ أَصَابَ ابْنَيْهَا يَوْمَ أُحُدٍ: لَئِنْ قَدَرَتْ عَلَى رَأْسِ عَاصِمٍ لَتَشْرَبَنَّ فِي قِحْفِهِ الْخَمْرَ، فَمَنَعَتْهُ الدَّبْرُ [1] ، فَلَمَّا حَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ [الدَّبْرُ] [2] قَالُوا: دَعُوهُ يُمْسِي فَتَذْهَبُ عَنْهُ، فَنَأْخُذُهُ. فَبَعَثَ اللَّهُ الْوَادِيَ، فَاحْتَمَلَ عَاصِمًا، فَذَهَبَ بِهِ. وَقَدْ كَانَ عَاصِمٌ قَدْ أَعْطَى اللَّهَ عَهْدًا أَنْ لَا يَمَسَّهُ مُشْرِكٌ، وَلَا يَمَسَّ مُشْرِكًا أَبَدًا، تَنَجُّسًا، فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ الدَّبْرَ مَنَعَتْهُ: يَحْفَظُ اللَّهُ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ، كَانَ عَاصِمٌ نَذَرَ أَنْ لَا يَمَسَّهُ مُشْرِكٌ، وَلَا يَمَسَّ مُشْرِكًا أَبَدًا فِي حَيَاتِهِ، فَمَنَعَهُ اللَّهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، كَمَا امْتَنَعَ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ. (مَقْتَلُ ابْنِ طَارِقٍ وَبَيْعُ خُبَيْبٍ وَابْنِ الدَّثِنَّةِ) : وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ الدَّثِنَّةِ وَخُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَارِقٍ، فَلَانُوا وَرَقُّوا وَرَغِبُوا فِي الْحَيَاةِ، فَأَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ، فَأَسَرُوهُمْ، ثُمَّ خَرَجُوا إلَى مَكَّةَ، لِيَبِيعُوهُمْ بِهَا، حَتَّى إذَا كَانُوا بِالظَّهْرَانِ [3] انْتَزَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَارِقٍ يَدَهُ مِنْ الْقِرَانِ [4] ، ثُمَّ أَخَذَ سَيْفَهُ، وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُ الْقَوْمُ، فَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى قَتَلُوهُ، فَقَبْرُهُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، بِالظَّهْرَانِ، وَأَمَّا خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ وَزَيْدُ بْنُ الدَّثِنَّةِ فَقَدِمُوا بِهِمَا مَكَّةَ. قَالَ ابْن هِشَام: فباعوهما مِنْ قُرَيْشٍ بِأَسِيرَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ كَانَا بِمَكَّةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَابْتَاعَ خُبَيْبًا حُجَيْرُ بْنُ أَبِي إهَابٍ التَّمِيمِيُّ، حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلٍ، لِعُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ أَبُو إهَابٍ أَخَا الْحَارِثِ بْنِ عَامِرٍ لِأُمِّهِ لِقَتْلِهِ بِأَبِيهِ.

_ [1] الدبر: الزنابير والنحل. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] الظهْرَان: وَاد قرب مَكَّة. (عَن مُعْجم الْبلدَانِ) . [4] الْقرَان: الْحَبل يرْبط بِهِ الْأَسير.

(مقتل ابن الدثنة ومثل من وفائه للرسول) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْحَارِثُ بْنُ عَامِرٍ، خَالُ أَبِي إهَابٍ، وَأَبُو إهَابٍ، أَحَدُ بَنِي أُسَيِّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، وَيُقَالُ: أَحَدُ بَنِي عُدَسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَارِمٍ، مِنْ بَنِي تَمِيمٍ. (مَقْتَلُ ابْنِ الدَّثِنَّةِ وَمَثَلٌ مِنْ وَفَائِهِ لِلرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ الدَّثِنَّةِ فَابْتَاعَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ لِيَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ، أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَبَعَثَ بِهِ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مَعَ مَوْلًى لَهُ، يُقَالُ لَهُ نِسْطَاسُ، إلَى التَّنْعِيمِ [1] ، وَأَخْرَجُوهُ مِنْ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ. وَاجْتَمَعَ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ ابْن حَرْبٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ قَدِمَ لِيُقْتَلَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا زَيْدُ، أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا عِنْدَنَا الْآنَ فِي مَكَانِكَ نَضْرِبُ عُنُقَهُ، وَأَنَّكَ فِي أَهْلِكَ؟ قَالَ: وَاَللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا الْآنَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ تُصِيبُهُ شَوْكَة تؤذيه، وأنّى جَالِسٌ فِي أَهْلِي. قَالَ: يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ: مَا رَأَيْتُ مِنْ النَّاسِ أَحَدًا يُحِبُّ أَحَدًا كَحُبِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا، ثُمَّ قَتَلَهُ نِسْطَاسُ، يَرْحَمُهُ اللَّهُ. (مَقْتَلُ خُبَيْبٍ وَحَدِيثُ دَعْوَتِهِ) : وَأَمَّا خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ، فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، أَنَّهُ حُدِّثَ عَنْ مَاوِيَّةَ [2] ، مَوْلَاةِ حُجَيْرِ بْنِ أَبِي إهَابٍ، وَكَانَتْ قَدْ أَسْلَمَتْ، قَالَتْ: كَانَ خُبَيْبٌ عِنْدِي، حُبِسَ فِي بَيْتِي، فَلَقَدْ اطَّلَعَتْ عَلَيْهِ يَوْمًا، وَإِنَّ فِي يَدِهِ لَقِطْفًا مِنْ عِنَبٍ، مِثْلَ رَأْسِ الرَّجُلِ يَأْكُلُ مِنْهُ، وَمَا أَعْلَمُ فِي أَرْضِ اللَّهِ عِنَبًا يُؤْكَلُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ جَمِيعًا أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ لِي حِينَ حَضَرَهُ الْقَتْلُ: ابْعَثِي إلَيَّ بِحَدِيدَةٍ أَتَطَهَّرُ بِهَا لِلْقَتْلِ، قَالَتْ: فَأَعْطَيْتُ غُلَامًا مِنْ الْحَيِّ الْمُوسَى، فَقُلْتُ: اُدْخُلْ بِهَا عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الْبَيْت، قَالَت: فو الله مَا هُوَ إلَّا أَنْ وَلَّى الْغُلَامُ بِهَا إلَيْهِ، فَقُلْتُ: مَاذَا صَنَعْتُ! أَصَابَ وَاَللَّهِ الرَّجُلُ ثَأْرَهُ بِقَتْلِ هَذَا الْغُلَامِ، فَيَكُونُ رَجُلًا بِرَجُلِ، فَلَمَّا نَاوَلَهُ الْحَدِيدَةَ أَخَذَهَا مِنْ

_ [1] التَّنْعِيم: مَوضِع بِمَكَّة فِي الْحل، وَهُوَ بَين مَكَّة وسرف على فرسخين من مَكَّة، (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [2] تروى بالراء وبالواو. (رَاجع الرَّوْض والاستيعاب وَشرح الْمَوَاهِب) .

يَدِهِ ثُمَّ قَالَ: لَعَمْرَكَ، مَا خَافَتْ أُمُّكَ غَدْرِي حِينَ بَعَثَتْكَ بِهَذِهِ الْحَدِيدَةِ إلَيَّ! ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: إنَّ الْغُلَامَ ابْنُهَا [1] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ عَاصِمٌ: ثُمَّ خَرَجُوا بِخُبَيْبٍ، حَتَّى إذَا جَاءُوا بِهِ إلَى التَّنْعِيمِ لِيَصْلُبُوهُ، قَالَ لَهُمْ: إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تَدَعُونِي حَتَّى أَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ فَافْعَلُوا، قَالُوا: دُونَكَ فَارْكَعْ. فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ أَتَمَّهُمَا وَأَحْسَنَهُمَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْلَا أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي إنَّمَا طَوَّلْتُ جَزَعًا مِنْ الْقَتْلِ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الصَّلَاةِ. قَالَ: فَكَانَ خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ لِلْمُسْلِمِينَ. قَالَ: ثُمَّ رَفَعُوهُ عَلَى خَشَبَةٍ، فَلَمَّا أَوْثَقُوهُ، قَالَ: اللَّهمّ إنَّا قَدْ بَلَّغْنَا رِسَالَةَ رَسُولِكَ، فَبَلِّغْهُ الْغَدَاةَ مَا يُصْنَعُ بِنَا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهمّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا [2] ، وَلَا تُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا. ثُمَّ قَتَلُوهُ رَحِمَهُ اللَّهُ. فَكَانَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ يَقُولُ: حَضَرْتُهُ يَوْمَئِذٍ فِيمَنْ حَضَرَهُ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يُلْقِينِي إلَى الْأَرْضِ فَرْقًا مِنْ دَعْوَةِ خُبَيْبٍ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: إنَّ الرَّجُلَ إذَا دُعِيَ عَلَيْهِ، فَاضْطَجَعَ لِجَنْبِهِ زَالَتْ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا أَنَا وَاَللَّهِ قَتَلْتُ خُبَيْبًا، لِأَنِّي كُنْتُ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ أَبَا مَيْسَرَةَ، أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، أَخَذَ الْحَرْبَةَ فَجَعَلَهَا فِي يَدِي، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي وَبِالْحَرْبَةِ، ثُمَّ طَعَنَهُ بِهَا حَتَّى قَتَلَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَعْمَلَ سَعِيدَ بْنَ عَامِرِ بْنِ حِذْيَمٍ الْجُمَحِيَّ عَلَى بَعْضِ الشَّامِ، فَكَانَتْ تُصِيبُهُ غَشْيَةٌ، وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَيْ الْقَوْمِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ، وَقِيلَ: إنَّ الرَّجُلَ مُصَابٌ، فَسَأَلَهُ عُمَرُ فِي قَدْمَةٍ قَدِمَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا سَعِيدُ، مَا هَذَا الَّذِي يُصِيبُكَ؟ فَقَالَ: وَاَللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا بِي مِنْ بَأْسٍ، وَلَكِنِّي كُنْتُ فِيمَنْ

_ [1] وَقيل: هُوَ أَبُو حُسَيْن بن الْحَارِث بن عدي بن نَوْفَل بن عبد منَاف. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) . [2] بددا: مُتَفَرّقين.

(ما نزل في سرية الرجيع من القرآن) :

حَضَرَ خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ حِينَ قُتِلَ، وَسمعت دَعوته، فو الله مَا خَطَرَتْ عَلَى قَلْبِي وَأَنَا فِي مَجْلِسٍ قَطُّ إلَّا غُشِيَ عَلَيَّ، فَزَادَتْهُ عِنْدَ عُمَرَ خَيْرًا. قَالَ ابْنُ هِشَام: أَقَامَ لخبيب فِي أَيْدِيهِمْ حَتَّى انْقَضَتْ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ، ثُمَّ قَتَلُوهُ- (مَا نَزَلَ فِي سَرِيَّةِ الرَّجِيعِ مِنْ الْقُرْآنِ) : قَالَ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمَّا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي تِلْكَ السَّرِيَّةِ، كَمَا حَدَّثَنِي مَوْلًى لِآلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا أُصِيبَتْ السَّرِيَّةُ الَّتِي كَانَ فِيهَا مَرْثَدٌ وَعَاصِمٌ بِالرَّجِيعِ، قَالَ رِجَالٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ: يَا وَيْحَ هَؤُلَاءِ الْمَفْتُونِينَ الَّذِينَ هَلَكُوا (هَكَذَا) [1] ، لَا هُمْ قَعَدُوا فِي أَهْلِيهِمْ، وَلَا هُمْ أَدَّوْا رِسَالَةَ صَاحِبِهِمْ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُنَافِقِينَ، وَمَا أَصَابَ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِنْ الْخَيْرِ بِاَلَّذِي أَصَابَهُمْ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: وَمن النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا 2: 204: أَيْ لِمَا يُظْهِرُ مِنْ الْإِسْلَامِ بِلِسَانِهِ، «وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى مَا فِي قَلْبِهِ» 2: 204، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا يَقُولُ بِلِسَانِهِ، «وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ» 2: 204: أَيْ ذُو جِدَالٍ إذَا كَلَّمَكَ وَرَاجَعَكَ. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَلَدُّ: الَّذِي يَشْغَبُ، فَتَشْتَدُّ خُصُومَتُهُ، وَجَمْعُهُ: لُدٌّ. وَفِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا [2] 19: 97. وَقَالَ الْمُهَلْهَلُ بْنُ رَبِيعَةَ التَّغْلِبِيُّ، وَاسْمُهُ امْرُؤُ الْقَيْسِ، وَيُقَالُ: عَدِيُّ [3] بْنُ رَبِيعَةَ: إنَّ تَحْتَ الْأَحْجَارِ حَدًّا وَلِينَا ... وَخَصِيمًا أَلَدَّ ذَا مِعْلَاقِ [4] وَيُرْوَى «ذَا مِغْلَاقِ [5] » فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَهُوَ الْأَلَنْدَدُ.

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ. [3] فِي القصيدة مَا يرجح أَن اسْمه عدي، وَهُوَ قَوْله: ضربت صدرها إِلَى وَقَالَت ... يَا عديا لقد وقتك الأواقى [4] يَقُول إِن فِيهِ حِدة لأعدائه ولينا لأوليائه، والألد: الشَّديد الْخُصُومَة. وَذَا معلاق: أَي أَنه يتَعَلَّق بِحجَّة خَصمه. [5] ذَا مغلاق: أَي أَنه يغلق الْكَلَام على خَصمه، فَلَا يقدر أَن يتَكَلَّم مَعَه

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

قَالَ الطِّرِمَّاحُ بْنُ حَكِيمٍ الطَّائِيُّ يَصِفُ الْحِرْبَاءَ: يُوفِي عَلَى جِذْمِ الْجُذُولِ كَأَنَّهُ ... خَصْمٌ أَبَرَّ عَلَى الْخُصُومِ أَلَنْدَدِ [1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [2] : قَالَ تَعَالَى: وَإِذا تَوَلَّى 2: 205: أَيْ خَرَجَ مِنْ عِنْدِكَ سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها، وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ، وَالله لَا يُحِبُّ الْفَسادَ 2: 205 أَيْ لَا يُحِبُّ عَمَلَهُ وَلَا يَرْضَاهُ. وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ. وَمن النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ الله، وَالله رَؤُفٌ بِالْعِبادِ 2: 206- 207: أَيْ قَدْ شَرَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْ اللَّهِ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، وَالْقِيَامِ بِحَقِّهِ، حَتَّى هَلَكُوا عَلَى ذَلِكَ، يَعْنِي تِلْكَ السَّرِيَّةَ. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَشْرِي نَفْسَهُ: يَبِيعُ نَفْسَهُ، وَشَرَوْا: بَاعُوا. قَالَ يَزِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ [3] بْنِ مُفَرَّغٍ الْحِمْيَرِيُّ: وَشَرَيْتُ بُرْدًا لَيْتَنِي ... مِنْ [4] بَعْدِ بُرْدٍ كُنْتُ هَامَهُ [5] بُرْدٌ: غُلَامٌ لَهُ بَاعَهُ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَشَرَى أَيْضًا: اشْتَرَى. قَالَ الشَّاعِرُ:

_ [1] يُوفى: يشرف. والجذم: الْقطعَة من الشَّيْء، وَقد يكون الأَصْل أَيْضا. والجذول: الْأُصُول، الْوَاحِد: جذل. وَأبر: أَي زَاد وَظهر عَلَيْهِم. ويروى «أبن» بالنُّون، أَي أَقَامَ وَلم يفهم الْخُصُومَة، يُقَال: ابْن فلَان بِالْمَكَانِ: إِذا أَقَامَ بِهِ. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ 2: 205» . قَالَ ابْن إِسْحَاق حَدثنِي مولى لآل زيد بن ثَابت عَن عِكْرِمَة أَو عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «أَي خرج من عنْدك سعى فِي الأَرْض» . [3] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ. [4] فِي أ: «من قبل» وَهِي رِوَايَة فِيهِ. [5] الهامة: طَائِر كَانَت الْعَرَب تزْعم أَنه يخرج من رَأس الْقَتِيل، فَلَا يزَال يَقُول: اسقوني اسقوني، حَتَّى يُؤْخَذ بثأره.

(شعر خبيب حين أريد صلبه) :

فَقُلْتُ لَهَا لَا تَجْزَعِي أُمَّ مَالِكٍ ... عَلَى ابْنَيْكَ إنْ عَبْدٌ لَئِيمٌ شَرَاهُمَا (شِعْرُ خُبَيْبٍ حِينَ أُرِيدَ صَلْبُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمَّا قِيلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الشِّعْرِ، قَوْلُ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ، حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ اجْتَمَعُوا لِصَلْبِهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لَهُ. لَقَدْ جَمَّعَ الْأَحْزَابُ حَوْلِي وَأَلَّبُوا ... قَبَائِلَهُمْ وَاسْتَجْمَعُوا كُلَّ مَجْمَعِ [1] وَكُلُّهُمْ مُبْدِي الْعَدَاوَةَ جَاهِدٌ ... عَلَيَّ لِأَنِّي فِي وِثَاقٍ بِمَصْيَعِ [2] وَقَدْ جَمَّعُوا أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ ... وَقُرِّبْتُ مِنْ جِذْعٍ طَوِيلٍ مُمَنَّعِ إلَى اللَّهِ أَشْكُو غُرْبَتِي ثُمَّ كُرْبَتِي ... وَمَا أَرْصَدَ الْأَحْزَابُ لِي عِنْدَ مَصْرَعِي [3] فَذَا الْعَرْشِ، صَبِّرْنِي عَلَى مَا يُرَادُ بِي [4] ... فَقَدْ بَضَّعُوا لَحْمِي وَقَدْ يَاسَ مَطْمَعِي [5] وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ [6] وَقَدْ خَيَّرُونِي الْكُفْرَ وَالْمَوْتُ دُونَهُ ... وَقَدْ هَمَلَتْ عَيْنَايَ مِنْ غَيْرِ مَجْزَعِ [7] وَمَا بِي حِذَارُ الْمَوْتِ، إنِّي لَمَيِّتٌ ... وَلَكِنْ حِذَارِي جَحْمُ نَار ملفّع [8] فو الله مَا أَرْجُو [9] إذَا مِتُّ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ فِي اللَّهِ مَصْرَعِي [10]

_ [1] ألبوا: جمعُوا، يُقَال: ألبت الْقَوْم على فلَان: إِذا جمعتهم عَلَيْهِ وحضضتهم. [2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «مضيع» . [3] أرصد: أعد. [4] فِي أ: «يرادنى» وَهُوَ تَصْحِيف. [5] وبضعوا: قطعُوا. وياس: لُغَة فِي يئس. [6] الشلو: الْبَقِيَّة. والممزع: المقطع. [7] هملت: سَالَ دمعها. [8] كَذَا فِي أ. والجحم (بِتَقْدِيم الْمُعْجَمَة على الْمُهْملَة) : الملتهب المتقد، وَمِنْه سميت الْجَحِيم. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «حجم» (بِتَقْدِيم الْمُهْملَة على الْمُعْجَمَة) وَهُوَ تَحْرِيف. وملفع: مُشْتَمل عَام، يُقَال: تلفع بِالثَّوْبِ، إِذا اشْتَمَل بِهِ. [9] أَرْجُو، أَي أَخَاف، وَهِي لُغَة، وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين فِي قَوْله تَعَالَى: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً 71: 13» ، أَي لَا تخافون. [10] فِي أ: «مضجعي» .

(شعر حسان في بكاء خبيب) :

فَلَسْتُ بِمُبْدٍ لِلْعَدُوِّ تَخَشُّعًا ... وَلَا جَزَعًا إنِّي إلَى اللَّهِ مَرْجِعِي [1] (شِعْرُ حَسَّانٍ فِي بُكَاءِ خُبَيْبٍ) : وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي خُبَيْبًا: مَا بَالُ عَيْنِكِ لَا تَرْقَا مَدَامِعُهَا [2] ... سَحًّا عَلَى الصَّدْرِ مِثْلَ اللُّؤْلُؤِ الْقَلِقِ [3] عَلَى خُبَيْبٍ فَتَى الْفِتْيَانِ قَدْ عَلِمُوا ... لَا فَشِلٍ حِينَ تَلْقَاهُ وَلَا نَزِقِ [4] فَاذْهَبْ خُبَيْبُ جَزَاكَ اللَّهُ طَيِّبَةً ... وَجَنَّةُ الْخُلْدِ عِنْدَ الْحُورِ فِي الرُّفُقِ [5] مَاذَا تَقُولُونَ إنْ قَالَ النَّبِيُّ لَكُمْ ... حِينَ الْمَلَائِكَةِ الْأَبْرَارِ فِي الْأُفُقِ فِيمَ قَتَلْتُمْ شَهِيدَ اللَّهِ فِي رَجُلٍ ... طَاغٍ قَدْ أَوْعَثَ فِي الْبُلْدَانِ وَالرُّفَقِ [6] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: «الطُّرُقِ» [7] . وَتَرَكْنَا مَا بَقِيَ مِنْهَا، لِأَنَّهُ أَقْذَعَ فِيهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا يَبْكِي خُبَيْبًا: يَا عَيْنُ جُودِي بِدَمْعٍ مِنْكِ مُنْسَكِبٍ ... وَابْكِي خُبَيْبًا مَعَ الْفِتْيَانِ لَمْ يَؤُبْ [8] صَقْرًا تَوَسَّطَ فِي الْأَنْصَارِ مَنْصِبُهُ ... سَمْحَ السَّجِيَّةَ مَحْضًا غَيْرَ مُؤْتَشِبِ [9] قَدْ هَاجَ عَيْنِي عَلَى عِلَّاتِ عَبْرَتِهَا ... إِذْ قيل نضّ إلَى جِذْعٍ من الْخشب [10]

_ [1] التخشع: التذلل. [2] كَذَا فِي أ، والديوان. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عَيْنَيْك» . وَالصَّوَاب مَا أَثْبَتْنَاهُ. وَلَا ترقا مدامعها: لَا تكف، وَأَصله الْهَمْز فسهله. [3] كَذَا فِي أ. والديوان. والقلق: المتحرك السَّاقِط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الفلق» بِالْفَاءِ، وَهُوَ تَصْحِيف. [4] الفشل: الْجنان الضَّعِيف الْقُوَّة. والنزق: السيّئ الْخلق. وَرِوَايَة الشّطْر الأول من هَذَا الْبَيْت فِي الدِّيوَان: على خبيب وَفِي الرَّحْمَن مصرعه [5] قَالَ أَبُو ذَر: الرّفق (بِضَم الرَّاء وَالْفَاء) : جمع رَفِيق. [6] أوعث: اشْتَدَّ فَسَاده. والرّفق (بِفَتْح الْفَاء) جمع رفْقَة (بِضَم الرَّاء وَكسرهَا) . [7] وَهِي رِوَايَة الدِّيوَان. [8] منسكب: سَائل، وَلم يؤب: لم يرجع. [9] السجية: الطبيعة. وَفِي الدِّيوَان: «حُلْو السجية» والمحض: الْخَالِص، وَأَرَادَ بِهِ هُنَا: خلوص نسبه. والمؤتشب: الْمُخْتَلط. [10] العلات: المشقات. وَنَصّ: رفع (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول فيهمَا) ، مَأْخُوذ من النَّص فِي السّير وَهُوَ أرفعه. 12- سيرة ابْن هِشَام- 2

يَا أَيهَا الرَّاكِبُ الْغَادِي لِطَيَّتِهِ ... أَبْلِغْ لَدَيْكَ وَعِيدًا لَيْسَ بِالْكَذِبِ [1] بَنِي كُهَيْبَةَ [2] أَنَّ الْحَرْبَ قَدْ لَقِحَتْ ... مَحْلُوبُهَا الصَّابُ إذْ تُمْرَى لَمُحْتَلِبِ [3] فِيهَا أُسُودُ بَنِي النَّجَّارِ تَقْدُمُهُمْ ... شُهْبُ الْأَسِنَّةِ فِي مُعْصَوْصَبٍ لَجِبِ [4] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْقَصِيدَةُ مِثْلُ الَّتِي قَبْلَهَا، وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهُمَا لِحَسَّانٍ، وَقَدْ تَرَكْنَا أَشْيَاءَ قَالَهَا حَسَّانٌ فِي أَمْرِ خُبَيْبٍ لِمَا ذَكَرْتُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا: لَوْ كَانَ فِي الدَّارِ قَرِمٌ مَاجِدٌ بَطِلٌ ... أَلْوَى مِنْ الْقَوْمِ صَقْرٌ خَالُهُ أَنَسُ [5] إذَنْ وَجَدْتَ خُبَيْبًا مَجْلِسًا فَسِحًا ... وَلَمْ يُشَدَّ عَلَيْكَ السِّجْنُ وَالْحَرَسُ وَلَمْ تَسُقْكَ إلَى التَّنْعِيمِ زِعْنِفَةٌ ... مِنْ الْقَبَائِلِ مِنْهُمْ مَنْ نَفَتْ عُدَسُ [6] دَلَّوْكَ غَدْرًا وَهُمْ فِيهَا أُولُو خُلُفٍ ... وَأَنْتَ ضَيْمٌ لَهَا فِي الدَّارِ مُحْتَبَسُ [7] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنَسٌ: الْأَصَمُّ السُّلَمِيُّ: خَالُ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ

_ [1] الطية: مَا انطوت عَلَيْهِ نيتك. [2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول وَالرَّوْض. قَالَ السهيليّ: «جعل كهيبة كَأَنَّهُ اسْم علم لأمهم، وَهَذَا كَمَا يُقَال: بنى ضوطرى وَبنى القبرة وَبنى درزة. قَالَ الشَّاعِر: أَوْلَاد درزة أسلموك وطاروا وَهَذَا كُله اسْم لمن يسب، وَعبارَة عَن السفلة من النَّاس. وكهيبة: من الكهبة، وَهِي الغبرة، وَهَذَا كَمَا قَالُوا: «بنى الغبراء» . وَفِي أ: «كهينة» بالنُّون. وَفِي الدِّيوَان «فكيهة» . [3] لقحت: ازْدَادَ شَرها. ومحلوبها: لَبنهَا. والصاب: العلقم. وتمرى: تمسح. [4] المعصوصب: الْجَيْش الْكثير. واللجب: الْكثير الْأَصْوَات. [5] القرم: السَّيِّد، وَأَصله الْفَحْل من الْإِبِل. والماجد: الشريف. وألوى، أَي شَدِيد الْخُصُومَة. وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي الدِّيوَان: لَو كَانَ فِي الدَّار قوم ذُو مُحَافظَة ... حامي الْحَقِيقَة مَاض خَاله أنس [6] الزعنفة: الَّذين ينتمون إِلَى الْقَبَائِل وَيَكُونُونَ أتباعا لَهُم. وعدس: قَبيلَة من لقيم. وَرِوَايَة هَذَا الشّطْر الْأَخير فِي الدِّيوَان: من المعاشر مِمَّن قد نفث عدس [7] دلوك، أَي غروك. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: «فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ» 7: 22. وَالْخلف (بِضَمَّتَيْنِ) : الْخلف (بِضَم فَسُكُون) ، وضمت لامه فِي الشّعْر إتباعا للخاء. والضيم: الذل، وَالْمرَاد «ذُو ضيم» فَحذف الْمُضَاف وَأقَام الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه. وَلم يذكر هَذَا الْبَيْت فِي الدِّيوَان وَذكر مَكَانَهُ: صبرا خبيب فَإِن الْقَتْل مكرمَة ... إِلَى جنان نعيم يرجع النَّفس

(من اجتمعوا لقتل خبيب) :

ابْن عَبْدِ مَنَافٍ. وَقَوْلَهُ: «مِنْ «نَفْثِ عُدَسُ» يَعْنِي حُجَيْرَ بْنَ أَبِي إهَابٍ، وَيُقَالُ الْأَعْشَى بْنُ زُرَارَةَ بْنِ النَّبَّاشِ الْأَسَدِيُّ، وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. (مَنْ اجْتَمَعُوا لِقَتْلِ خُبَيْبٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الَّذِينَ أَجْلَبُوا [1] عَلَى خُبَيْبٍ فِي قَتْلِهِ حِينَ قُتِلَ مِنْ قُرَيْشٍ: عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدٍّ، وَالْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ الثَّقَفِيُّ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْأَوْقَصِ السُّلَمِيُّ، حَلِيفُ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ أَبِي عُتْبَةَ، وَبَنُو الْحَضْرَمِيِّ. (شِعْرُ حَسَّانٍ فِي هِجَاءِ هُذَيْلٍ لِقَتْلِهِمْ خُبَيْبًا) : وَقَالَ حَسَّانٌ أَيْضًا يَهْجُو هُذَيْلًا [2] فِيمَا صَنَعُوا بِخُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ: أَبْلِغْ بَنِي عَمْرٍو بِأَنَّ أَخَاهُم ... شراه أَمر وَقد كَانَ لِلْغَدْرِ لَازِمَا [3] شَرَاهُ زُهَيْرُ بْنُ الْأَغَرِّ وَجَامِعٌ ... وَكَانَا جَمِيعًا يَرْكَبَانِ الْمَحَارِمَا أَجَرْتُمْ فَلَمَّا أَنْ أَجَرْتُمْ غَدَرْتُمْ ... وَكُنْتُمْ بِأَكْنَافِ الرَّجِيعِ لَهَاذِمَا [4] فَلَيْتَ [5] خُبَيْبًا لَمْ تَخُنْهُ أَمَانَةٌ ... وَلَيْتَ خُبَيْبًا كَانَ بِالْقَوْمِ عَالِمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: زُهَيْرُ بْنُ الْأَغَرِّ وَجَامِعٌ: الْهُذَلِيَّانِ اللَّذَانِ بَاعَا خُبَيْبًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا: إنْ سَرَّكَ الْغَدْرُ صِرْفًا لَا مِزَاجَ لَهُ ... فَأْتِ الرَّجِيعَ فَسَلْ عَنْ دَارِ لِحْيَانَ [6]

_ [1] أجلبوا: اجْتَمعُوا وصاحوا. [2] هجا حسان هذيلا، لأَنهم إخْوَة القارة والمشاركون لَهُم فِي الْغدر بخبيب وَأَصْحَابه. وهذيل وَخُزَيْمَة أَبنَاء مدركة بن إلْيَاس. وعضل والقارة من بنى خُزَيْمَة. (رَاجع الرَّوْض) . [3] شراه: بَاعه، وَهُوَ من الأضداد. [4] لهاذما (بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة) : جمع لهذم، وَهُوَ الْقَاطِع من السيوف. (وبالزاي) : الضُّعَفَاء والفقراء. وأصل اللهزمتين: مضغتان تَكُونَانِ فِي الحنك، واحدتهما: لهزمة، وَالْجمع: لهازم، فشبههم بهَا لحقارتها. [5] فِي م: «فَلَيْسَتْ» ، وَهُوَ تَحْرِيف. [6] لحيان (بِكَسْر اللَّام وَقيل بِفَتْحِهَا) : ابْن هُذَيْل بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) .

قَوْمٌ تَوَاصَوْا بِأَكْلِ الْجَارِ بَيْنَهُمْ ... فَالْكَلْبُ وَالْقِرْدُ وَالْإِنْسَانُ مِثْلَانِ [1] لَوْ يَنْطِقُ التَّيْسُ يَوْمًا قَامَ يَخْطُبُهُمْ ... وَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِيهِمْ وَذَا شَانِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَوْلَهُ: لَوْ يَنْطِقُ التَّيْسُ يَوْمًا قَامَ يَخْطُبُهُمْ ... وَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِيهِمْ وَذَا شَانِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا يَهْجُو هُذَيْلًا: سَالَتْ هُذَيْلٌ رَسُولَ اللَّهِ فَاحِشَةً ... ضَلَّتْ هُذَيْلٌ بِمَا سَالَتْ وَلَمْ تُصِبْ [2] سَالُوا رَسُولَهُمْ مَا لَيْسَ مُعْطِيَهُمْ ... حَتَّى الْمَمَاتِ، وَكَانُوا سُبَّةَ الْعَرَبِ وَلَنْ تَرَى لِهُذَيْلٍ دَاعِيًا أَبَدًا ... يَدْعُو لِمَكْرُمَةٍ عَنْ مَنْزِلِ الْحَرْبِ [3] لَقَدْ أَرَادُوا خِلَالَ الْفُحْشِ وَيْحَهُمْ ... وَأَنْ يُحِلُّوا حَرَامًا كَانَ فِي الْكُتُبِ [4] وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا يَهْجُو هُذَيْلًا: لَعَمْرِي لَقَدْ شَانَتْ هُذَيْلَ بْنَ مُدْرِكٍ ... أَحَادِيثُ كَانَتْ فِي خُبَيْبٍ وَعَاصِمِ [5] أَحَادِيثُ لِحْيَانٍ صَلَوْا بِقَبِيحِهَا [6] ... وَلِحْيَانُ جَرَّامُونَ شَرَّ الْجَرَائِمِ [7]

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ميلان» . [2] قَالَ أَبُو ذَر «سَالَتْ. أَرَادَ: سَأَلت، ثمَّ خفف الْهمزَة، وَقد يُقَال: سَالَ يسْأَل (بِغَيْر همز) وَهِي لُغَة. وَيُشِير حسان إِلَى مَا سَأَلت هُذَيْل رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أَرَادوا الْإِسْلَام أَن يحل لَهُم الزِّنَا، فَهُوَ يعيرهم ذَلِك» . وَقَالَ السهيليّ: «وَقَوله سَالَتْ هُذَيْل، لَيْسَ على تسهيل الْهمزَة فِي سَأَلت، وَلكنهَا لُغَة، بِدَلِيل قَوْلهم تسايل القَوْل، وَلَو كَانَ تسهيلا لكَانَتْ الْهمزَة بَين بَين وَلم يستقم وزن الشّعْر بهَا لِأَنَّهَا كالمتحركة، وَقد تقلب ألفا سَاكِنة كَمَا قَالُوا المنساة، وَلكنه شَيْء لَا يُقَاس عَلَيْهِ، وَإِذا كَانَت سَالَ لُغَة فِي سَأَلَ فَيلْزم أَن يكون الْمُضَارع يسيل، وَلَكِن قد حكى يُونُس: سلت تسْأَل، مثل خفت تخَاف، وَهُوَ عِنْده من ذَوَات الْوَاو. وَقَالَ الزّجاج: الرّجلَانِ يتسايلان. وَقَالَ النّحاس والمبرد: يتساولان، وَهُوَ مثل مَا حكى يُونُس» . [3] الْحَرْب: السَّلب، يُقَال: حَرْب الرجل، إِذا سلب (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول فيهمَا) . [4] الْخلال: الْخِصَال. [5] شانت: عابت. [6] كَذَا فِي أ. وصلوا بقبيحها: أَي أَصَابَهُم شَرها. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «صلوب قبيحها» وَهُوَ تَحْرِيف. [7] جرامون: كاسبون.

أُنَاسٌ هُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ فِي صَمِيمِهِمْ ... بِمَنْزِلَةِ الزَّمْعَانِ دُبْرَ الْقَوَادِمِ [1] هُمْ غَدَرُوا يَوْمَ الرَّجِيعِ وَأَسْلَمَتْ ... أَمَانَتُهُمْ ذَا عِفَّةٍ وَمَكَارِمِ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ غَدْرًا وَلَمْ تَكُنْ ... هُذَيْلٌ تَوَقَّى مُنْكَرَاتِ الْمَحَارِمِ فَسَوْفَ يَرَوْنَ النَّصْرَ يَوْمًا عَلَيْهِمْ ... بِقَتْلِ الَّذِي تَحْمِيهِ دُونَ الْحَرَائِمِ [2] أَبَابِيلُ دَبْرٍ شُمَّسٍ دُونَ لَحْمِهِ ... حَمَتْ لَحْمَ شَهَّادٍ عِظَامَ الْمَلَاحِمِ [3] لَعَلَّ هُذَيْلًا أَنْ يَرَوْا بِمَصَابِّهِ ... مَصَارِعَ قَتْلَى أَوْ مَقَامًا لِمَأْتَمِ [4] وَنُوقِعَ فِيهِمْ [5] وَقْعَةً ذَاتَ صَوْلَةٍ [6] ... يُوَافِي بِهَا الرُّكْبَانُ أَهْلَ الْمَوَاسِمِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ إنَّ رَسُولَهُ ... رَأَى رَأْيَ ذِي حَزْمٍ بِلِحْيَانَ عَالِمِ قُبَيِّلةٌ لَيْسَ الْوَفَاءُ يُهِمُّهُمْ ... وَإِنْ ظُلِمُوا لَمْ يَدْفَعُوا كَفَّ ظَالِمِ إذَا النَّاسُ حَلُّوا بِالْفَضَاءِ رَأَيْتهمْ ... بِمَجْرَى مَسِيلِ الْمَاءِ بَيْنَ الْمَخَارِمِ [7] مَحَلُّهُمْ دَارُ الْبَوَارِ وَرَأْيُهُمْ ... إذَا نَابَهُمْ أَمْرٌ كَرَأْيِ الْبَهَائِمِ [8] وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَهْجُو هُذَيْلًا: لَحَى اللَّهُ لِحْيَانًا فَلَيْسَتْ دِمَاؤُهُمْ ... لَنَا مِنْ قَتِيلَيْ غَدْرَةٍ بِوَفَاءِ [9] هُمُو قَتَلُوا يَوْمَ الرَّجِيعِ ابْنَ حُرَّةٍ ... أَخَا ثِقَةٍ فِي وُدِّهِ وَصَفَاءِ فَلَوْ قُتِلُوا يَوْمَ الرَّجِيعِ بِأَسْرِهِمْ ... بِذِي الدَّبْرِ مَا كَانُوا لَهُ بِكِفَاءِ [10]

_ [1] صميم الْقَوْم: خالصهم فِي النّسَب. والزمعان: جمع زمع. وَهُوَ الشّعْر الّذي يكون فَوق الرسغ من الدَّابَّة وَغَيرهَا. ودبر: خلف. والقوادم (هُنَا) : الْأَيْدِي. لِأَنَّهَا تقدم الأرجل. [2] تحميه، يعْنى عَاصِم بن الأقلح الّذي حمته النَّحْل، وَدون الحرائم: أَي دون أَن يحْبسهُ أحد من الْكفَّار. [3] الأبابيل: الْجَمَاعَات، يُقَال: إِن وَاحِدهَا، إبيل. والدبر: الزنابير، وَيُقَال للنحل أَيْضا: دبر. وَالشَّمْس: المدافعة. والملاحم: جمع ملحمة، وَهِي الْحَرْب. [4] المأتم: جمَاعَة النِّسَاء يجتمعن فِي الْخَيْر وَالشَّر، وَأَرَادَ بِهِ هُنَا أَنَّهُنَّ يجتمعن فِي مناحته. وَقد سهل همزَة «المأتم» لِأَن القافية هُنَا موسومة بِالْألف. [5] كَذَا فِي أَفِي سَائِر الْأُصُول: «فِيهَا» . [6] الصولة: الشدَّة. [7] المخارم: مسايل المَاء الَّتِي يجرى فِيهَا السَّيْل. [8] الْبَوَار: الْهَلَاك. [9] لحي: أَضْعَف وَبَالغ فِي أَخذهم، وَهُوَ من قَوْلهم: لحوت الْعود، إِذا قشرته. [10] يُرِيد «بِذِي الدبر» : عَاصِمًا، وَقد تقدم ذكره.

قَتِيلٌ حَمَتْهُ الدَّبْرُ بَيْنَ بُيُوتِهِمْ ... لَدَى أَهْلِ كُفْرٍ ظَاهِرٍ وَجَفَاءِ فَقَدْ قَتَلَتْ لِحْيَانُ أَكْرَمَ مِنْهُمْ ... وَبَاعُوا خُبَيْبًا وَيْلَهُمْ بِلَفَاءِ [1] فَأُفٍّ لِلِحْيَانٍ عَلَى كُلِّ حَالَةٍ ... عَلَى ذِكْرِهِمْ فِي الذِّكْرِ كُلَّ عَفَاءِ [2] قُبَيِّلةٌ بِاللُّؤْمِ وَالْغَدْرِ تَغْتَرِي ... فَلَمْ تُمْسِ يَخْفَى لُؤْمُهَا بِخَفَاءِ [3] فَلَوْ [4] قُتِلُوا لَمْ تُوفِ مِنْهُ دِمَاؤُهُمْ ... بَلَى إنَّ قَتْلَ الْقَاتِلِيهِ شِفَائِي فَالَّا أَمُتْ أَذْعَرُ هُذَيْلًا بِغَارَةٍ ... كَغَادِي الْجَهَامِ الْمُغْتَدِي بَافَاءِ [5] بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ وَالْأَمْرُ أَمْرُهُ ... يَبِيتُ لِلِحْيَانَ الْخَنَا بِفَنَاءِ يُصَبِّحُ قَوْمًا بِالرَّجِيعِ كَأَنَّهُمْ ... جِدَاءُ شِتَاءٍ بِتْنَ غَيْرَ دِفَاءِ [6] وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا يَهْجُو هُذَيْلًا: فَلَا وَاَللَّهِ، مَا تَدْرِي [7] هُذَيْلٌ [8] ... أَصَافٍ [9] مَاءُ زَمْزَمَ أَمْ مَشُوبُ [10] وَلَا لَهُمْ إذَا اعْتَمَرُوا وَحَجُّوا ... مِنْ الْحِجْرَيْنِ وَالْمَسْعَى نَصِيبُ [11] وَلَكِنَّ الرَّجِيعَ لَهُمْ مَحَلٌّ ... بِهِ اللُّؤْمُ الْمُبَيَّنُ وَالْعُيُوبُ كَأَنَّهُمْ لَدَى الكَّنَّاتُ أُصْلًا ... تُيُوسٌ بِالْحِجَازِ لَهَا نَبِيبُ [12]

_ [1] اللفاء: الشَّيْء الحقير الْيَسِير. وَمِنْه قَوْلهم: قنع من الْوَفَاء باللفاء. [2] كَذَا فِي أوشرح السِّيرَة لأبى ذَر. والعفاء: الدّروس والتغير. [3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وتغترى: يغرى بَعْضهَا بَعْضًا. وَفِي أ: «تعتزى «» أَي تنتسب [4] فِي أ: «وَلَو» . [5] أَذْعَر: أفزع. والغادي: المبكر. والجهام: السَّحَاب الرَّقِيق. والإفاء (هُنَا) الْغَنِيمَة. [6] الجداء: جمع جدي. وَرِوَايَة هَذَا الشّطْر الثَّانِي فِي أ. جداء وشتائين غير دفاء [7] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أَتَدْرِي» . [8] فِي أ: «هذيلا» وَهُوَ تَحْرِيف. [9] فِي ديوَان حسان طبع أوربا: «أمحض» . [10] المشوب: العكر الْمُخْتَلط بِغَيْرِهِ. [11] يعْنى بالحجرين: حجر الْكَعْبَة، فثناه مَعَ مَا يَلِيهِ. وَمن رَوَاهُ «الحجرين» بِالتَّحْرِيكِ، أَرَادَ الْحجر الْأسود، وَالْحجر الّذي فِيهِ مقَام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام. والمسعى: حَيْثُ يسْعَى بَين الصَّفَا والمروة. [12] الكنات: جمع كنة، وَهِي شَيْء يلصق بِالْبَيْتِ يكن بِهِ. وأصل (بِضَمَّتَيْنِ وَسكن تَخْفِيفًا) جمع أصيل، وَهُوَ الْعشي. والنبيب: الصَّوْت. وَقد أسقط الدِّيوَان هَذَا الْبَيْت وَأثبت بدله: تجوزهم وتدفعهم على ... فقد عاشوا وَلَيْسَ لَهُم قُلُوب

(شعر حسان في بكاء خبيب وأصحابه) :

هُمْ غَرَوْا بِذِمَّتِهِمْ خُبَيْبًا ... فَبِئْسَ الْعَهْدُ عَهْدُهُمْ الْكَذُوبُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: آخِرُهَا بَيْتًا عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ. (شِعْرُ حَسَّانٍ فِي بُكَاءِ خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي خُبَيْبًا وَأَصْحَابَهُ: صَلَّى الْإِلَهُ عَلَى الَّذِينَ تَتَابَعُوا ... يَوْمَ الرَّجِيعِ فَأُكْرِمُوا وَأُثِيبُوا [1] رَأْسُ السَّرِيَّةِ مَرْثَدٌ وَأَمِيرُهُمْ ... وَابْنُ الْبُكَيْرِ إمَامُهُمْ وَخُبَيْبُ [2] وَابْنٌ لِطَارِقَ وَابْنُ دَثْنَةَ مِنْهُمْ ... وَافَاهُ ثَمَّ حِمَامُهُ الْمَكْتُوبُ [3] وَالْعَاصِمُ الْمَقْتُولُ عِنْدَ رَجِيعِهِمْ ... كَسَبَ الْمَعَالِيَ إنَّهُ لَكَسُوبُ مَنَعَ الْمَقَادَةَ أَنْ يَنَالُوا ظَهْرَهُ ... حَتَّى يُجَالِدَ إنَّهُ لَنَجِيبُ [4] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: حَتَّى يُجَدَّلَ إنَّهُ لَنُجِيبُ [5] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِحَسَّانٍ. حَدِيثُ بِئْرِ مَعُونَةَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ (بَعْثُ بِئْرِ مَعُونَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَقِيَّةَ شَوَّالٍ وَذَا الْقَعْدَةِ وَذَا الْحِجَّةِ- وَوَلِيَ تِلْكَ الْحِجَّةَ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُحَرَّمَ-، ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ فِي صَفَرٍ، عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ أُحُدٍ.

_ [ () ] وَقَالَ فِي التَّعْلِيق عَلَيْهِ: على بن مَسْعُود الغساني، وحضن بنى عبد منَاف بن كنَانَة فنسبوا إِلَيْهِ. [1] أثيبوا: من الثَّوَاب. [2] أرْدف حرف الروي بباء مَفْتُوح مَا قبلهَا، فَخَالف بذلك سَائِر أَبْيَات القصيدة، وَهَذَا عيب من عُيُوب القافية، يُسمى: التَّوْجِيه، وَهُوَ أَن يخْتَلف مَا قبل الردف. [3] ترك تَنْوِين «طَارق» هُنَا لضَرُورَة إِقَامَة وزن الشّعْر، وَهُوَ سَائِغ على مَذْهَب الْكُوفِيّين، والبصريون لَا يرونه. وَالْحمام: الْمَوْت [4] المقادة: الانقياد والمذلة، ويجالد: يضارب بِالسَّيْفِ. [5] يجدل: يَقع بِالْأَرْضِ، وَاسم الأَرْض: الحدالة.

(سبب إرساله) :

(سَبَبُ إرْسَالِهِ) : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ، كَمَا حَدَّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرو بن جزم، وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: قَدِمَ أَبُو بَرَاءٍ عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ مُلَاعِبُ الْأَسِنَّةِ [1] عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامَ، وَدَعَاهُ إلَيْهِ، فَلَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يَبْعُدْ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، لَوْ بَعَثْتَ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِكَ إلَى أَهْلِ نَجْدٍ، فَدَعَوْهُمْ إلَى أَمْرِكَ، رَجَوْتُ أَنْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنِّي أَخْشَى عَلَيْهِمْ أَهْلَ نَجْدٍ، قَالَ أَبُو بَرَاءٍ: أَنَا لَهُمْ جَارٍ، فَابْعَثْهُمْ فَلْيَدْعُوا النَّاسَ إلَى أَمْرِكَ. (رِجَالُ الْبَعْثِ) : فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو، أَخَا بَنِي سَاعِدَةَ، الْمُعْنِقَ لِيَمُوتَ [2] فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا [3] مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، مِنْهُمْ: الْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ، وَحَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، وَعُرْوَةُ بْنُ أَسْمَاءَ بْنِ الصَّلْتِ السُّلَمِيُّ، وَنَافِعُ بْنُ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فِي رِجَالٍ مُسَمَّيْنَ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ. فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ، وَهِيَ بَيْنَ أَرْضِ بَنِي عَامِرٍ وَحَرَّةِ بَنِي سُلَيْمٍ، كِلَا الْبَلَدَيْنِ مِنْهَا قَرِيبٌ، وَهِيَ إلَى حَرَّةِ بَنِي سُلَيْمٍ أَقْرَبُ. (غَدْرُ عَامِرٍ بِهِمْ) : فَلَمَّا نَزَلُوهَا بَعَثُوا حَرَامَ بْنَ مِلْحَانَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عَدُوِّ اللَّهِ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ، فَلَمَّا أَتَاهُ لَمْ يَنْظُرْ فِي كِتَابِهِ حَتَّى عَدَا عَلَى الرَّجُلِ فَقَتَلَهُ،

_ [1] وسمى أَبُو برَاء ملاعب الأسنة بقوله يُخَاطب أَخَاهُ فَارس قرزل، وَكَانَ قد فر عَنهُ فِي حَرْب كَانَت بَين قيس وَتَمِيم. فَرَرْت وَأسْلمت ابْن أمك عَامِرًا ... يلاعب أَطْرَاف الوشيج المزعزع [2] المعنق ليَمُوت، أَي المسرع، وَإِنَّمَا لقب بذلك لِأَنَّهُ أسْرع إِلَى الشَّهَادَة. [3] الصَّحِيح أَنهم كَانُوا سبعين رجلا. (رَاجع البُخَارِيّ، وَمُسلم، وَالرَّوْض وَشرح الْمَوَاهِب) .

(ابن أمية والمنذر وموقفهما من القوم بعد علمهما بمقتل أصحابهما) :

ثُمَّ اسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ بَنِي عَامِرٍ، فَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوهُ إلَى مَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ، وَقَالُوا: لَنْ نَخْفِرَ [1] أَبَا بَرَاءٍ، وَقَدْ عَقَدَ لَهُمْ عَقْدًا وَجِوَارًا، فَاسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ قَبَائِلَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ (مِنْ [2] ) عُصَيَّةَ وَرِعْلٍ وَذَكْوَانَ، فَأَجَابُوهُ إلَى ذَلِكَ، فَخَرَجُوا حَتَّى غَشُوا الْقَوْمَ، فَأَحَاطُوا بِهِمْ فِي رِحَالِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ أَخَذُوا سُيُوفَهُمْ، ثُمَّ قَاتَلُوهُمْ حَتَّى قُتِلُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ، يَرْحَمُهُمْ اللَّهُ، إلَّا كَعْبَ بْنَ زَيْدٍ، أَخَا بَنِي دِينَارِ بْنِ النَّجَّارِ، فَإِنَّهُمْ تَرَكُوهُ وَبِهِ رَمَقٌ، فَارْتُثَّ [3] مِنْ بَيْنِ الْقَتْلَى، فَعَاشَ حَتَّى قُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ شَهِيدًا، رَحِمَهُ اللَّهُ. (ابْنُ أُمَيَّةَ وَالْمُنْذِرُ وَمَوْقِفُهُمَا مِنْ الْقَوْمِ بَعْدَ عِلْمِهِمَا بِمَقْتَلِ أَصْحَابِهِمَا) : وَكَانَ فِي سَرْحِ الْقَوْمِ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ الْمُنْذِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمْ يُنْبِئْهُمَا بِمُصَابِ أَصْحَابِهِمَا إلَّا الطَّيْرُ تَحُومُ على الْعَسْكَر، فَقَالَا: وَاَللَّهِ إنَّ لِهَذِهِ الطَّيْرِ لَشَأْنًا، فَأَقْبَلَا لِيَنْظُرَا، فَإِذَا الْقَوْمُ فِي دِمَائِهِمْ، وَإِذَا الْخَيْلُ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ وَاقِفَةٌ. فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ: مَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ نَلْحَقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنُخْبِرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: لَكِنِّي مَا كُنْتُ لِأَرْغَبَ بِنَفْسِي عَنْ مَوْطِنٍ قُتِلَ فِيهِ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَمَا كُنْتُ لِتُخْبِرَنِي عَنْهُ الرِّجَالُ، ثُمَّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ، وَأَخَذُوا عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ أَسِيرًا، فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ مِنْ مُضَرَ، أَطْلَقَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، وَجَزَّ نَاصِيَتَهُ، وَأَعْتَقَهُ عَنْ رَقَبَةٍ زَعَمَ أَنَّهَا كَانَتْ عَلَى أُمِّهِ.

_ [1] نخفر: ننقض عَهده. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] ارتث: أَي رفع وَبِه جراح، يُقَال: ارتث الرجل من معركة الْحَرْب: إِذا رفع مِنْهَا وَبِه بَقِيَّة حَيَاة.

(قتل العامريين) :

(قَتْلُ الْعَامِرِيَّيْنِ) : فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ، حَتَّى إذَا كَانَ بِالْقَرْقَرَةِ [1] مِنْ صَدْرِ قَنَاةٍ [2] ، أَقْبَلَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: (ثُمَّ [3] ) مِنْ بَنِي كِلَابٍ، وَذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيُّ أَنَّهُمَا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتَّى نَزَلَا مَعَهُ فِي ظِلٍّ هُوَ فِيهِ. وَكَانَ مَعَ الْعَامِرِيَّيْنِ عَقْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِوَارٌ، لَمْ يَعْلَمْ بِهِ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ، وَقَدْ سَأَلَهُمَا حِينَ نَزَلَا، مِمَّنْ أَنْتُمَا؟ فَقَالَا: مِنْ بَنِي عَامِرٍ، فَأَمْهَلَهُمَا، حَتَّى إذَا نَامَا، عَدَا عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ قَدْ أَصَابَ بِهِمَا ثُؤْرَةً [4] مِنْ بَنِي عَامِرٍ، فِيمَا أَصَابُوا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ قَتَلْتَ قَتِيلَيْنِ، لَأَدِيَنَّهُمَا! (حُزْنُ الرَّسُولِ مِنْ عَمَلِ أَبِي بَرَاءٍ) : ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ، قَدْ كُنْتُ لِهَذَا كَارِهًا مُتَخَوِّفًا. فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا بَرَاءٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِ إخْفَارُ عَامِرٍ إيَّاهُ، وَمَا أَصَابَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِهِ وَجِوَارِهِ، وَكَانَ فِيمَنْ أُصِيبَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ. (أَمْرُ ابْنِ فُهَيْرَةَ بَعْدَ مَقْتَلِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ كَانَ يَقُولُ: مَنْ رَجُلٌ مِنْهُمْ لَمَّا قُتِلَ رَأَيْتُهُ رُفِعَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى رَأَيْتُ السَّمَاءَ مِنْ دُونِهِ؟ قَالُوا: هُوَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ [5] .

_ [1] هِيَ قرقرة الكدر، مَوضِع بِنَاحِيَة الْمَعْدن، قريب من الأرحضية، بَينه وَبَين الْمَدِينَة ثَمَانِيَة برد. (عَن مُعْجم الْبلدَانِ) . [2] قناة: وَاد يأتى من الطَّائِف وَيصب فِي الأرحضية وقرقرة الكدر. (عَن مُعْجم الْبلدَانِ) . [3] زِيَادَة عَن أ. [4] الثؤرة: الثأر. [5] قَالَ السهيليّ: «هَذِه رِوَايَة البكائي عَن ابْن إِسْحَاق. وروى يُونُس بن بكير عَنهُ بِهَذَا الْإِسْنَاد

(سبب إسلام بن سلمى) :

(سَبَبُ إسْلَامِ بن سَلْمَى) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدَّثَنِي بَعْضُ بَنِي جَبَّارِ بْنِ سَلْمَى بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ- وَكَانَ جَبَّارٌ فِيمَنْ حَضَرَهَا [1] يَوْمَئِذٍ مَعَ عَامِرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ- (قَالَ) [2] فَكَانَ يَقُولُ: إنَّ مِمَّا دَعَانِي إلَى الْإِسْلَامِ أَنِّي طَعَنْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ بِالرُّمْحِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَنَظَرْتُ إلَى سِنَانِ الرُّمْحِ حِينَ خَرَجَ مِنْ صَدْرِهِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فُزْتُ وَاَللَّهِ! فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا فَازَ! أَلَسْتُ قَدْ قَتَلْتُ الرَّجُلَ! قَالَ: حَتَّى سَأَلْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ، فَقَالُوا: لِلشَّهَادَةِ، فَقلت: فَازَ لعمر وَالله. (شِعْرُ حَسَّانٍ فِي تَحْرِيضِ بَنِي أَبِي بَرَاءٍ عَلَى عَامِرٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُحَرِّضُ بَنِي أَبِي بَرَاءٍ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ: بَنِي أُمَّ الْبَنِينَ أَلَمْ يَرُعْكُمْ ... وَأَنْتُمْ مِنْ ذَوَائِبِ أَهْلِ نَجْدِ [3] تَهَكُّمُ عَامِرٍ بِأَبِي بَرَاءٍ ... لِيُخْفِرَهُ وَمَا خَطَأٌ كَعَمْدِ

_ [ () ] أَن عَامر بن الطُّفَيْل قدم الْمَدِينَة بعد ذَلِك، وَقَالَ للنّبيّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: من رجل يَا مُحَمَّد لما طعنته رفع إِلَى السَّمَاء؟ فَقَالَ: هُوَ عَامر بن فهَيْرَة» . [1] حضرها، أَي حضر يَوْم بِئْر مَعُونَة. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] قَالَ أَبُو ذَر: يُرِيد قَول لبيد: نَحن بنى أم الْبَنِينَ الْأَرْبَعَة وَكَانُوا نجباء فُرْسَانًا، وَيُقَال إِنَّهُم كَانُوا خَمْسَة، لَكِن لبيدا جعلهم أَرْبَعَة لإِقَامَة القافية ... وَقَالَ السهيليّ: وَإِنَّمَا قَالَ الْأَرْبَعَة وهم خَمْسَة (طفيل وعامر وَرَبِيعَة وَعبيدَة الوضاح وَمُعَاوِيَة، ومعوذ الْحُكَمَاء) لِأَن أَبَاهُ ربيعَة قد كَانَ مَاتَ قبل ذَلِك، لَا كَمَا قَالَ بعض النَّاس، وَهُوَ قَول يعزى إِلَى الْفراء. أَنه قَالَ أَرْبَعَة وَلم يقل خَمْسَة، من أجل القوافي. فَيُقَال لَهُ: لَا يجوز للشاعر أَن يلحن لإِقَامَة وزن الشّعْر، فَكيف بِأَن يكذب لإِقَامَة الْوَزْن، وأعجب من هَذَا أَنه اسْتشْهد بِهِ على تَأْوِيل فَاسد تَأْوِيله فِي قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى «وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ» 55: 46. وَقَالَ: أَرَادَ جنَّة وَاحِدَة، وَجَاء بِلَفْظَة التَّثْنِيَة ليتفق رُءُوس الْآي أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ» . ثمَّ قَالَ السهيليّ: «وَمِمَّا يدلك على أَنهم كَانُوا أَرْبَعَة حِين قَالَ لبيد هَذِه الْمقَالة، أَن فِي الْخَبَر ذكر يتم لبيد وَصغر سنه، وَأَن أَعْمَامه الْأَرْبَعَة استصغروه أَن يدخلوه مَعَهم على النُّعْمَان حِين هَمهمْ مَا قاولهم بِهِ الرّبيع ابْن زِيَاد، فسمعهم لبيد يتحدثون بذلك ويهتمون لَهُ، فَسَأَلَهُمْ أَن يدخلوه مَعَهم على النُّعْمَان وَزعم أَنه سيفحمه، فتهاونوا بقوله، واختبروه بأَشْيَاء، وَكَانَ من حَدِيث ذَلِك أَن دخل وَألقى بَين يَدَيْهِ قصيدته: نَحن بنى أم الْبَنِينَ الأربعه ... المطعمون الْجَفْنَة المدعدعه والذوائب: الأعالي.

(نسب حكم وأم البنين) :

أَلَا أَبْلِغْ رَبِيعَةَ ذَا الْمَسَاعِي ... فَمَا أَحْدَثْتَ فِي الْحَدَثَانِ بَعْدِي [1] أَبُوكَ أَبُو الْحُرُوبِ أَبُو بَرَاءٍ ... وَخَالُكَ مَاجِدٌ حَكَمُ بْنُ سَعْدِ (نَسَبُ حَكَمِ وَأُمِّ الْبَنِينَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَكَمُ بْنُ سَعْدٍ: مِنْ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ، وَأُمُّ الْبَنِينَ: بِنْتُ عَمْرِو [2] بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَهِيَ أُمُّ أَبِي بَرَاءٍ. (طَعْنُ رَبِيعَةَ لِعَامِرِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَمَلَ رَبِيعَةُ (بْنُ عَامِرِ) [3] بْنِ مَالِكِ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ، فَطَعَنَهُ بِالرُّمْحِ، فَوَقَعَ فِي فَخِذِهِ، فَأَشْوَاهُ [4] ، وَوَقَعَ عَنْ فَرَسِهِ، فَقَالَ: هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ، إنْ أَمُتْ فَدَمِي لِعَمِّي، فَلَا يُتْبَعَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَعِشْ فَسَأَرَى رَأْيِي فِيمَا أُتِيَ إلَيَّ. (مَقْتَلُ ابْنِ وَرْقَاءَ وَرِثَاءُ ابْنِ رَوَاحَةَ لَهُ) : وَقَالَ أَنَسُ بْنُ عَبَّاسٍ السُّلَمِيُّ، وَكَانَ خَالَ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلٍ، وَقَتَلَ يَوْمَئِذٍ نَافِعَ بْنَ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيَّ: تَرَكْتُ ابْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيَّ ثَاوِيًا ... بِمُعْتَرَكِ تَسْفِي عَلَيْهِ الْأَعَاصِرُ [5] ذَكَرْتُ أَبَا الرَّيَّانِ لَمَّا رَأَيْتُهُ [6] ... وَأَيْقَنْتُ أَنِّي عِنْدَ ذَلِكَ ثَائِرُ [7] وَأَبُو الرَّيَّانِ: طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَبْكِي نَافِعَ بْنَ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ: رَحِمَ اللَّهُ نَافِعَ بْنَ بُدَيْلٍ ... رَحْمَةَ الْمُبْتَغِي ثَوَابَ الْجِهَادِ صَابِرٌ صَادِقٌ وَفِيٌّ إذَا مَا ... أَكْثَرَ الْقَوْمُ قَالَ قَوْلَ السِّدَادِ

_ [1] المساعي: السَّعْي فِي طلب الْمجد والمكارم. [2] قَالَ السهيليّ: «وَاسْمهَا ليلى بنت عَامر، فِيمَا زَعَمُوا» [3] زِيَادَة عَن أ. [4] أشواه: أَخطَأ مَقْتَله. [5] المعترك: الْموضع الضّيق فِي الْحَرْب. وتسفى: تأتى إِلَيْهِ بِالتُّرَابِ. والأعاصر: الرِّيَاح الَّتِي يلتف مَعهَا الْغُبَار. [6] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والمؤتلف والمختلف وَالرَّوْض رِوَايَة عَن إِبْرَاهِيم بن سعد. وَفِي أ: «الزبان» وَذكر أَبُو ذَر أَن الأولى هِيَ الصَّوَاب فِيهِ. [7] ثَائِر: آخذ بِثَأْرِي.

(شعر حسان في بكاء قتلى بئر معونة) :

(شِعْرُ حَسَّانٍ فِي بُكَاءِ قَتْلَى بِئْرِ مَعُونَةَ) : وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي قَتْلَى بِئْرِ مَعُونَةَ، وَيَخُصُّ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو: عَلَى قَتْلَى مَعُونَةَ فَاسْتَهِلِّي ... بِدَمْعِ الْعَيْنِ سَحًّا غَيْرَ نَزْرِ [1] عَلَى خَيْلِ الرَّسُولِ غَدَاةَ لَاقَوْا ... مَنَايَاهُمْ وَلَاقَتْهُمْ بِقَدْرِ [2] أَصَابَهُمْ الْفَنَاءُ بِعَقْدِ قَوْمٍ ... تُخُوِّنَ عَقْدُ حَبْلِهِمْ بِغَدْرِ [3] فَيَا لَهْفِي لِمُنْذِرٍ إذْ تَوَلَّى ... وَأَعْنَقَ فِي مَنِيَّتِهِ بِصَبْرِ [4] وَكَائِنْ قَدْ أُصِيبَ غَدَاةَ ذَاكُمْ ... مِنْ أَبْيَضَ مَاجِدٍ مِنْ سِرِّ عَمْرِو [5] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي آخِرَهَا بَيْتًا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ. (شِعْرُ كَعْبٍ فِي يَوْمِ بِئْرِ مَعُونَةَ) : وَأَنْشَدَنِي لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي يَوْمِ بِئْرِ مَعُونَةَ، يُعَيِّرُ بَنِي جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ: تَرَكْتُمْ جَارَكُمْ لِبَنِي سُلَيْمٍ ... مَخَافَةَ حَرْبِهِمْ عَجْزًا وَهُونَا [6] فَلَوْ حَبْلًا تَنَاوَلَ مِنْ عُقَيْلٍ ... لَمَدَّ بِحَبْلِهَا حَبْلًا مَتِينَا [7] أَوْ الْقُرَطُاءُ مَا إنْ أَسْلَمُوهُ ... وَقِدْمًا مَا وَفَوْا إذْ لَا تَفُونَا (نَسَبُ الْقُرَطَاءِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْقُرَطَاءُ: قَبِيلَةٌ مِنْ هَوَازِنَ، وَيُرْوَى «مِنْ نُفَيْلٍ» مَكَانَ «مِنْ عُقَيْلٍ» ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ الْقُرَطَاءَ مِنْ نُفَيْلٍ قَرِيبٌ [8] .

_ [1] استهلى: أسبلى دمعك. والسح: الصب، والنزر: الْقَلِيل. [2] كَذَا فِي ديوانه. وَفِي الْأُصُول: ولاقتهم مناياهم بِقدر [3] تخون: تنقص (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول فيهمَا) . [4] أعنق: أسْرع. والعنق بِفتْحَتَيْنِ: ضرب من السّير سريع. [5] سر الْقَوْم: خبرهم وخالصهم. [6] الْهون: الهوان، والهون لُغَة الْحِجَازِيِّينَ. [7] يعْنى «بالحبل» : الْعَهْد والذمة. [8] قَالَ أَبُو ذَر: «القرطاء: بطُون من الْعَرَب من بنى كلاب، وهم: قراط (بِالضَّمِّ) وقريط (بِالتَّصْغِيرِ) وقريط (بِفَتْح فَكسر) . ويسمون القروط أَيْضا» .

أمر إجلاء بنى النضير في سنة أربع

أَمْرُ إجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ (خُرُوجُ الرَّسُولِ إلَى بَنِي النَّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ قَتْلَى بَنِي عَامِرٍ وَهَمُّهُمْ بِالْغَدْرِ بِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَنِي النَّضِيرِ [1] يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ ذَيْنِكَ الْقَتِيلَيْنِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، اللَّذَيْنِ قَتَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، لِلْجِوَارِ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَدَ لَهُمَا، كَمَا حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، وَكَانَ بَيْنَ بَنِي النَّضِيرِ وَبَيْنَ بَنِي عَامِرٍ عَقْدٌ وَحِلْفٌ. فَلَمَّا أَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ ذَيْنِكَ الْقَتِيلَيْنِ، قَالُوا نَعَمْ، يَا أَبَا الْقَاسِمِ، نُعِينُكَ عَلَى مَا أَحْبَبْتُ، مِمَّا اسْتَعَنْتُ بِنَا عَلَيْهِ. ثُمَّ خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ، فَقَالُوا: إنَّكُمْ لَنْ تَجِدُوا الرَّجُلَ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ هَذِهِ- وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى جَنْبِ جِدَارٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ قَاعِدٌ- فَمَنْ رَجُلٌ يَعْلُو عَلَى هَذَا الْبَيْتِ، فَيُلْقِي عَلَيْهِ صَخْرَةً، فَيُرِيحُنَا مِنْهُ؟ فَانْتَدَبَ لِذَلِكَ عَمْرُو بْنُ جَحَّاشِ بْنِ كَعْبٍ، أَحَدَهُمْ، فَقَالَ: أَنَا لِذَلِكَ، فَصَعِدَ لِيُلْقِيَ عَلَيْهِ صَخْرَةً كَمَا قَالَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. (انْكِشَافُ نِيَّتِهِمْ لِلرَّسُولِ وَاسْتِعْدَادُهُ لِحَرْبِهِمْ) : فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ مِنْ السَّمَاءِ بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ، فَقَامَ وَخَرَجَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ. فَلَمَّا اسْتَلْبَثَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابُهُ، قَامُوا فِي طَلَبِهِ، فَلَقُوا رَجُلًا مُقْبِلًا مِنْ الْمَدِينَةِ، فَسَأَلُوهُ عَنْهُ، فَقَالَ: رَأَيْتُهُ دَاخِلًا الْمَدِينَةَ. فَأَقْبَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى انْتَهَوْا إلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ، بِمَا كَانَتْ الْيَهُودُ أَرَادَتْ مِنْ الْغَدْرِ بِهِ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّهَيُّؤِ لِحَرْبِهِمْ، وَالسَّيْرِ إلَيْهِمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: [2] : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ.

_ [1] قَالَ السهيليّ: «ذكر ابْن إِسْحَاق هَذِه الْغَزْوَة فِي هَذَا الْموضع وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يذكرهَا بعد بدر» لما روى عقيل وَغَيره عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: كَانَت غَزْوَة بنى النَّضِير بعد بدر بِسِتَّة شهور. [2] فِي أ: «فِيمَا قَالَ ابْن هِشَام» وَقد وَردت هَذِه الْعبارَة بعقب كلمة «مَكْتُوم» .

(حصار الرسول لهم وتقطيع نخلهم) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ سَارَ بِالنَّاسِ [1] حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَحَاصَرَهُمْ سِتَّ لَيَالٍ، وَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ (حِصَارُ الرَّسُولِ لَهُمْ وَتَقْطِيعُ نَخْلِهِمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَتَحَصَّنُوا مِنْهُ فِي الْحُصُونِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ النَّخِيلِ وَالتَّحْرِيقِ فِيهَا، فَنَادَوْهُ: أَنْ يَا مُحَمَّدُ، قَدْ كُنْتَ تَنْهَى عَنْ الْفَسَادِ، وَتَعِيبُهُ عَلَى مَنْ صَنَعَهُ، فَمَا بَالُ قَطْعِ النَّخْلِ وَتَحْرِيقِهَا [2] ؟ (تَحْرِيضُ الرَّهْطِ لَهُمْ ثُمَّ مُحَاوَلَتُهُمْ الصُّلْحَ) : وَقَدْ كَانَ رَهْطٌ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، مِنْهُمْ (عَدُوُّ اللَّهِ) [3] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ (و [4] ) وَدِيعَةُ وَمَالِكُ بْنُ أَبِي قَوْقَلٍ، وَسُوَيْدُ وَدَاعِسٌ، قَدْ بَعَثُوا إلَى بَنِي النَّضِيرِ: أَنْ اُثْبُتُوا وَتَمَنَّعُوا، فَإِنَّا لَنْ نُسَلِّمَكُمْ، إنْ قُوتِلْتُمْ [5] قَاتَلْنَا مَعَكُمْ، وَإِنْ أُخْرِجْتُمْ خَرَجْنَا مَعَكُمْ، فَتَرَبَّصُوا ذَلِكَ مِنْ نَصْرِهِمْ، فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ، وَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجْلِيَهُمْ وَيَكُفَّ عَنْ دِمَائِهِمْ، عَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا حَمَلَتْ الْإِبِلُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلَّا الْحَلْقَةَ [6] ، فَفَعَلَ. فَاحْتَمَلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ الْإِبِلُ، فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَهْدِمُ بَيْتَهُ عَنْ نِجَافِ [7] بَابِهِ، فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ فَيَنْطَلِقُ بِهِ. فَخَرَجُوا إلَى خَيْبَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ سَارَ إلَى الشَّامِ. (مَنْ هَاجَرَ مِنْهُمْ إلَى خَيْبَرَ) : فَكَانَ أَشْرَافُهُمْ مَنْ سَارَ مِنْهُمْ [8] إلَى خَيْبَرَ: سَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحَقِيقِ، وَكِنَانَةُ ابْن الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحَقِيقِ، وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ. فَلَمَّا نَزَلُوهَا دَانَ لَهُمْ أَهْلُهَا.

_ [1] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ. [2] قَالَ السهيليّ: «قَالَ أهل التَّأْوِيل: وَقع فِي نفوس الْمُسلمين من هَذَا الْكَلَام شَيْء حَتَّى أنزل الله تَعَالَى: «مَا قَطَعْتُمْ من لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها 59: 5 ... » الْآيَة. [3] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ [4] زِيَادَة عَن أ. [5] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قتلتم» وَهِي ظَاهِرَة التحريف. [6] الْحلقَة: السِّلَاح كُله، أَو خَاص بالدروع. [7] النجاف (بِوَزْن كتاب) : العتبة الَّتِي بِأَعْلَى الْبَاب. والأسكفة: العتبة الَّتِي بأسفله. [8] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ.

(تقسيم الرسول أموالهم بين المهاجرين) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ حُدِّثَ: أَنَّهُمْ اسْتَقَلُّوا بِالنِّسَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْأَمْوَالِ، مَعَهُمْ الدُّفُوفُ وَالْمَزَامِيرُ، وَالْقِيَانُ يَعْزِفْنَ خَلْفَهُمْ، وَإِنَّ فِيهِمْ لِأُمِّ عَمْرٍو صَاحِبَةَ عُرْوَةَ بْنِ الْوَرْدِ الْعَبْسِيِّ، الَّتِي ابْتَاعُوا مِنْهُ، وَكَانَتْ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي غِفَارٍ [1] ، بِزُهَاءِ [2] وَفَخْرٍ مَا رُئِيَ مِثْلُهُ مِنْ حَيٍّ مِنْ النَّاسِ فِي زَمَانِهِمْ. (تَقْسِيمُ الرَّسُولِ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ) : وَخَلَّوْا الْأَمْوَالَ لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَت لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً، يَضَعُهَا حَيْثُ يَشَاءُ، فَقَسَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ دُونَ الْأَنْصَارِ. إلَّا أَنَّ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ وَأَبَا دُجَانَةَ سِمَاكَ ابْن خَرَشَةَ ذَكَرَا فَقْرًا، فَأَعْطَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [3] . (مَنْ أَسْلَمَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ) : وَلَمْ يُسْلِمْ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ إلَّا رَجُلَانِ: يَامِينُ بْنُ عُمَيْرٍ، أَبُو [4] كَعْبِ بْنُ عَمْرِو ابْن جِحَاشٍ، وَأَبُو سَعْدِ بْنُ وَهْبٍ، أَسْلَمَا عَلَى أَمْوَالِهِمَا فَأَحْرَزَاهَا. (تَحْرِيضُ يَامِينَ عَلَى قَتْلِ ابْنِ جِحَاشٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ- وَقَدْ حَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ يَامِينَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِيَامِينَ: أَلَمْ تَرَ مَا لَقِيتُ مِنْ ابْنِ عَمِّكَ، وَمَا هُمْ بِهِ مِنْ شَأْنِي؟ فَجَعَلَ يَامِينُ ابْن عُمَيْرٍ لِرَجُلِ جُعْلًا عَلَى أَنْ يَقْتُلَ لَهُ عَمْرَو بْنَ جِحَاشٍ، فَقَتَلَهُ فِيمَا يَزْعُمُونَ. (مَا نَزَلَ فِي بَنِي النَّضِيرِ مِنْ الْقُرْآنِ) : وَنَزَلَ فِي بَنِي النَّضِيرِ سُورَةُ الْحَشْرِ بِأَسْرِهَا، يَذْكُرُ فِيهَا مَا أَصَابَهُمْ اللَّهُ بِهِ مِنْ نِقْمَتِهِ. وَمَا سَلَّطَ عَلَيْهِمْ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا عَمِلَ بِهِ فِيهِمْ، فَقَالَ

_ [1] هِيَ سلمى. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: اسْمهَا ليلى بنت شعواء. وَقَالَ أَبُو الْفرج: «هِيَ سلمى أم وهب» امْرَأَة من كنَانَة كَانَت (ناكحة فِي مزينة) ، فَأَغَارَ عَلَيْهِم عُرْوَة بن الْورْد فسباها. قَالَ السهيليّ: وَكَونهَا من كنَانَة لَا يدْفع قَول ابْن إِسْحَاق إِنَّهَا من غفار، لِأَن غفار من كنَانَة، فَهُوَ غفار بن مليل بن ضَمرَة ابْن لَيْث بن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة. «رَاجع الرَّوْض الْأنف السهيليّ» . [2] الزهاء: الْإِعْجَاب والتكبر. [3] قَالَ السهيليّ: «وَقَالَ غير ابْن إِسْحَاق: وَأعْطى ثَلَاثَة من الْأَنْصَار» . [4] فِي الْأُصُول: «ابْن» والتصويب عَن شرح السِّيرَة لأبى ذَر.

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

تَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ [1] ، مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ، فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ 59: 2، وَذَلِكَ لِهَدْمِهِمْ بُيُوتَهُمْ عَنْ نُجُفِ أَبْوَابِهِمْ إذَا احْتَمَلُوهَا. «فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصارِ، وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ 59: 2- 3» وَكَانَ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ نِقْمَةٌ، «لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا 59: 3» : أَيْ بِالسَّيْفِ، «وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ 59: 3» مَعَ ذَلِكَ. «مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها 59: 5» . وَاللِّينَةُ: مَا خَالَفَ الْعَجْوَةَ مِنْ النَّخْلِ «فَبِإِذْنِ اللَّهِ 59: 5» : أَيْ فَبِأَمْرِ اللَّهِ قُطِعَتْ، لَمْ يَكُنْ فَسَادًا، وَلَكِنْ كَانَ نِقْمَةً مِنْ اللَّهِ «وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ 59: 5» . (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اللِّينَةُ: مِنْ الْأَلْوَانِ، وَهِيَ مَا لَمْ تَكُنْ بَرْنِيَّةَ وَلَا عَجْوَةً مِنْ النَّخْلِ، فِيمَا حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ [2] . قَالَ ذُو الرُّمَّةِ: كَأَنَّ قُتُودِي فَوْقَهَا عُشُّ طَائِرٍ ... عَلَى لِينَةٍ سَوْقَاءَ تَهْفُو جُنُوبُهَا [3] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. «وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ 59: 6» - قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: يَعْنِي مِنْ بَنِي النَّضِيرِ- «فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ، وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ، وَالله عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 59: 6» : أَيْ لَهُ خَاصَّةً. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أوْجَفْتُمْ: حَرَّكْتُمْ وَأَتْعَبْتُمْ فِي السَّيْرِ. قَالَ تَمِيمُ بْنُ أُبَيِّ بْنِ مُقْبِلٍ أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ:

_ [1] قَالَ السهيليّ: روى مُوسَى بن عقبَة أَنهم قَالُوا لَهُ: إِلَى أَيْن نخرج يَا مُحَمَّد؟ قَالَ: إِلَى الْحَشْر، يعْنى أَرض الْحَشْر، وَهِي الشَّام، وَقيل إِنَّهُم كَانُوا فِي بسطة لم يصبهم جلاء قبلهَا. فَلذَلِك قَالَ: لأوّل الْحَشْر، والحشر: الْجلاء. [2] فِي أ: «قَالَ ابْن هِشَام: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة» . [3] القتود: الرحل مَعَ أدواته. وسوقاء: غَلِيظَة السَّاق. وتهفو: تهتز وتضطرب وجنوبها: نَوَاحِيهَا. 13- سيرة ابْن هِشَام- 2

مَذَاوِيدُ بِالْبِيضِ الْحَدِيثِ صِقَالُهَا ... عَنْ الرَّكْبِ أَحْيَانًا إذَا الرَّكْبُ أَوْجَفُوا [1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَهُوَ الْوَجِيفُ. (و [2] ) قَالَ أَبُو زُبَيْدٍ [3] الطَّائِيُّ، وَاسْمُهُ حَرْمَلَةُ بْنُ الْمُنْذِرِ: مُسْنِفَاتٌ كَأَنَّهُنَّ قَنَا الْهِنْدِ ... لِطُولِ الْوَجِيفِ جَدْبَ الْمَرُودِ [4] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: السِّنَافُ: الْبِطَانُ [5] . وَالْوَجِيفُ (أَيْضًا) : وَجِيفُ الْقَلْبِ وَالْكَبِدِ، وَهُوَ الضَّرَبَانُ. قَالَ قَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ الظَّفَرِيُّ: إنَّا وَإِنْ قَدَّمُوا الَّتِي عَلِمُوا [6] ... أَكْبَادُنَا مِنْ وَرَائِهِمْ تَجِفُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. «مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ 59: 7» - قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: مَا يُوجِفُ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، وَفُتِحَ بِالْحَرْبِ عَنْوَةً فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ- «وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ، وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا 59: 7» . يَقُولُ: هَذَا قِسْمٌ آخَرُ فِيمَا أُصِيبَ بِالْحَرْبِ [7] بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى مَا وَضَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا 59: 11 يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَأَصْحَابَهُ، وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ أَمْرِهِمْ يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ 59: 11: يَعْنِي بَنِي النَّضِيرِ، إلَى قَوْلِهِ

_ [1] المذاويد: جمع مذواد، وَهُوَ الّذي يدافع عَن قومه. وَالْبيض: السيوف. والْحَدِيث صقالها، أَي الْقَرِيب عهدها بالصقل. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «زيد» وَهُوَ تَحْرِيف. [4] مسنفات: مشدودات بالسنف، وَهُوَ الحزام. والجدب: القفر، والمرود: الْموضع الّذي يرتاده الرائد، أَي الطَّالِب للرعي. [5] البطان: حزَام منسوج. [6] فِي م، ر: «عمِلُوا.» . [7] فِي م، ر: «الْحَرْب» .

(ما قيل في بنى النضير من الشعر) :

كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ 59: 15: يَعْنِي بَنِي قَيْنُقَاعَ. ثُمَّ الْقِصَّةُ ... إلَى قَوْلِهِ: كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ، فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ، إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ، فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها، وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ 59: 16- 17. (مَا قِيلَ فِي بَنِي النَّضِيرِ مِنْ الشِّعْرِ) : وَكَانَ مِمَّا قِيلَ فِي بَنِي النَّضِيرِ مِنْ الشِّعْرِ قَوْلُ ابْنِ لُقَيْمٍ الْعَبْسِيِّ، وَيُقَالُ: قَالَهُ قَيْسُ بْنُ بَحْرِ بْنِ طَرِيفٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَيْسُ بْنُ بَحْرٍ الْأَشْجَعِيُّ- فَقَالَ: أَهْلِي فِدَاءٌ لِامْرِئٍ غَيْرِ هَالِكٍ ... أَحَلَّ الْيَهُودَ بِالْحَسِيِّ الْمُزَنَّمِ [1] يَقِيلُونَ فِي جَمْرِ الغَضَاةِ وَبُدِّلُوا [2] ... أُهَيْضِبُ [3] عُودى [4] بِالْوَدِيِّ الْمُكَمَّمِ [5] فَإِنْ يَكُ ظَنِّيُّ صَادِقًا بِمُحَمَّدٍ ... تَرَوْا خَيْلَهُ بَيْنَ الصَّلَا وَيَرَمْرَمَ [6]

_ [1] قَالَ أَبُو ذَر: «الْحسي والحساء: مياه تغور فِي الرمل تمسكها صلابة الأَرْض، فَإِذا حفر عَنْهَا وجدت. والمزنم (على هَذَا القَوْل) : المقلل الْيَسِير. وَمن رَوَاهُ: بالحشى، أَرَادَ بِهِ حَاشِيَة الْإِبِل، وَهِي صغارها وضعافها، وَهُوَ الصَّوَاب. والمزنم (على هَذَا القَوْل) : أَوْلَاد الْإِبِل الصغار. وَقد يكون المزنم (هُنَا) : الْمعز، سميت بذلك للزنمتين اللَّتَيْنِ فِي أعناقها، وهما الهنتان اللَّتَان تتعلقان من أعناقها» . وَقَالَ السهيليّ: «يُرِيد أحلّهُم دَار غربَة فِي غير عَشَائِرهمْ، والزنيم والمزنم: الرجل يكون فِي الْقَوْم وَلَيْسَ مِنْهُم، أَي أنزلهم بِمَنْزِلَة الْحسي، أَي المبعد الطريد، وَإِنَّمَا جعل الطريد الذَّلِيل حسيا، لِأَنَّهُ عرضة الْأكل. والحسي والحسو: مَا يحسى من الطَّعَام حسوا، أَي أَنه لَا يمْتَنع على آكل. وَيجوز أَن يُرِيد بالحسى معنى الغذى من الْغنم، وَهُوَ الصَّغِير الضَّعِيف. الّذي لَا يَسْتَطِيع الرَّعْي، يُقَال: بدلُوا بِالْمَالِ الدثر وَالْإِبِل الكوم رذال المَال وغذاء الْغنم والمزنم مِنْهُ. فَهَذَا وَجه يحْتَمل. وَقد أكثرت التنقير عَن الْحسي فِي مظانه من اللُّغَة فَلم أجد نصا شافيا أَكثر من قَول أَبى على: الحسية والحسي: مَا يحسى من الطَّعَام. وَإِذا قد وجدنَا الغذى، وَاحِدَة غذَاء الْغنم، فالحسى فِي مَعْنَاهُ غير مُمْتَنع أَن يُقَال، وَالله أعلم. والمزنم (أَيْضا) صغَار الْإِبِل» . وَقد يكون الْحسي أَيْضا: الْغُصْن من النَّبَات. وَيكون المزنم مَا لَهُ زنم وَهُوَ الْوَرق. [2] كَذَا فِي أ. والغضاة: وَاحِدَة الغضى، وَهُوَ شجر. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الْعضَاة» وَهُوَ شجر أَيْضا، الْوَاحِدَة: عضة. [3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول وَشرح السِّيرَة لأبى ذَر. والأهيضب: الْمَكَان الْمُرْتَفع. وَفِي أ «أهيصب» بالصَّاد الْمُهْملَة. [4] كَذَا فِي أ. قَالَ أَبُو ذَر: «غودى» : اسْم مَوضِع. وَمن رَوَاهُ: عودا، فَهُوَ من عَاد يعود، أَو الصَّوَاب رِوَايَة من رَوَاهُ: «عودي» . وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عورى» . [5] الودي: صغَار النّخل. والمكمم: الّذي خرج طلعه. [6] الصلا ويرمرم: موضعان.

يَؤُمُّ بِهَا عَمْرَو بْنَ بُهْثَةَ إنَّهُمْ ... عَدْوٌّ وَمَا حَيٌّ صَدِيقٌ كَمُجْرِمِ عَلَيْهِنَّ أَبْطَالٌ مَسَاعِيرُ فِي الْوَغَى ... يَهُزُّونَ أَطْرَافَ الْوَشِيجِ الْمُقَوَّمِ [1] وَكُلَّ رَقِيقِ الشَّفْرَتَيْنِ مُهَنَّدٌ ... تُوُورِثْنَ مِنْ أَزْمَانِ عَادٍ وَجُرْهُمِ فَمَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي قُرَيْشًا رِسَالَةً ... فَهَلْ بَعْدَهُمْ فِي الْمَجْدِ مِنْ مُتَكَرِّمِ بِأَنَّ أَخَاكُمْ فَاعْلَمُنَّ مُحَمَّدًا ... تَلِيدُ النَّدَى بَيْنَ الْحَجُونِ وَزَمْزَمِ [2] فَدِينُوا لَهُ بِالْحَقِّ تَجْسُمُ أُمُورُكُمْ ... وَتَسْمُوا مِنْ الدُّنْيَا إلَى كُلِّ مُعْظَمِ [3] نَبِيٌّ تَلَاقَتْهُ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ ... وَلَا تَسْأَلُوهُ أَمْرَ غَيْبٍ مُرَجَّمِ [4] فَقَدْ كَانَ فِي بَدْرٍ لعمري عِبْرَة ... لكم يَا قُرَيْشًا وَالْقَلِيبِ الْمُلَمَّمِ [5] غَدَاةَ أَتَى فِي الْخَزْرَجِيَّةِ عَامِدًا ... إلَيْكُمْ مُطِيعًا لِلْعَظِيمِ الْمُكَرَّمِ مُعَانًا بِرُوحِ الْقُدْسِ يُنْكَى عَدُوُّهُ ... رَسُولًا مِنْ الرَّحْمَنِ حَقًّا بِمَعْلَمِ [6] رَسُولًا مِنْ الرَّحْمَنِ يَتْلُو كِتَابَهُ ... فَلَمَّا أَنَارَ الْحَقُّ لَمْ يَتَلَعْثَمْ [7] أَرَى أَمْرَهُ يَزْدَادُ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ ... عُلُوًّا لِأَمْرِ حَمَّهُ اللَّهُ مُحْكَمِ [8] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمْرُو بْنُ بُهْثَةَ، مِنْ غَطَفَانَ. وَقَوْلُهُ «بِالْحَسِيِّ الْمُزَنَّمِ» ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يَذْكُرُ إجْلَاءَ بَنِي النَّضِيرِ، وَقَتْلَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَهَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ يَعْرِفُهَا لِعَلِيٍّ:

_ [1] مساعير: يسعرون الْحَرْب ويهيجونها. والوشيج: الرماح. [2] تليد. قديم. والندى: الْكَرم. والحجون: مَوضِع بِمَكَّة. [3] فدينوا، أَي أطِيعُوا. وتجسم: تعظم. وتسمو: ترفع. [4] المرجم: المظنون الّذي لَا يتَيَقَّن. [5] الملمم: الْمَجْمُوع. [6] روح الْقُدس: جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام. وينكى عدوه: يُبَالغ فِي ضَرَره. والمعلم: الْموضع الْمُرْتَفع المشرف. [7] لم يتلعثم: لم يتَأَخَّر وَلم يتَوَقَّف. [8] حمه: قدره.

عَرَفْتُ وَمَنْ يَعْتَدِلْ يَعْرِفْ ... وَأَيْقَنْتُ حَقًّا وَلَمْ أَصْدِفْ [1] عَنْ الْكَلِمِ الْمُحْكَمِ اللَّاءِ [2] مِنْ ... لَدَى اللَّهِ ذِي الرَّأْفَةِ الْأَرْأَفِ رَسَائِلُ تُدْرَسُ فِي الْمُؤْمِنِينَ ... بِهِنَّ اصْطَفَى أَحْمَدَ الْمُصْطَفَى فَأَصْبَحَ أَحْمَدُ فِينَا عَزِيزًا ... عَزِيزَ الْمُقَامَةِ وَالْمَوْقِفِ [3] فَيَأَيُّهَا الْمُوعِدُوهُ سَفَاهًا ... وَلَمْ يَأْتِ جَوْرًا وَلَمْ يَعْنُفْ [4] أَلَسْتُمْ تَخَافُونَ أَدْنَى الْعَذَابِ ... وَمَا آمِنُ اللَّهِ كَالْأَخْوَفِ وَأَنْ تُصْرَعُوا تَحْتَ أَسْيَافِهِ ... كَمَصْرَعِ كَعْبٍ أَبِي الْأَشْرَفِ غَدَاةَ رَأَى اللَّهُ طُغْيَانَهُ ... وَأَعْرَضَ كَالْجَمَلِ الْأَجْنَفِ [5] فَأَنْزَلَ جِبْرِيلَ فِي قَتْلِهِ ... بِوَحْيٍ إلَى عَبْدِهِ مُلْطَفِ فَدَسَّ الرَّسُولُ رَسُولًا لَهُ ... بِأَبْيَضَ ذِي هَبَّةٍ مُرْهَفِ [6] فَبَاتَتْ عُيُونٌ لَهُ مُعْوِلَاتٍ ... مَتَى يُنْعَ كَعْبٌ لَهَا تَذْرِفْ [7] وَقُلْنَ لِأَحْمَدَ ذَرْنَا قَلِيلًا ... فَإِنَّا مِنْ النَّوْحِ لَمْ نَشْتَفِ فَخَلَّاهُمْ ثُمَّ قَالَ اظْعَنُوا ... دُحُورًا عَلَى رَغْمِ الْآنُفِ [8] وَأَجْلَى النَّضِيرَ إلَى غُرْبَةٍ ... وَكَانُوا بِدَارٍ ذَوِي زُخْرُفِ [9] إِلَى أَذْرُعَات ردا فِي وَهُمْ ... عَلَى كُلِّ ذِي دَبَرٍ أَعْجَفِ [10]

_ [1] لم أَصْدف: لم أعرض. [2] فِي أ: «الْآي» . [3] المقامة (بِضَم الْمِيم) : مَوضِع الْإِقَامَة. [4] الموعدوه: المهددوه. والسفاة: الضلال. وَلم يعنف: لم يَأْتِ غير الرّفق. [5] الأجنف: المائل إِلَى جِهَة. [6] بأبيض: يعْنى سَيْفا. وَالْهِبَة: الاعتزاز. والمرهف: الْقَاطِع. [7] معولات: باكيات بِصَوْت. وينعى: يذكر خبر قَتله. وتذرف: تسيل بالدموع. [8] اظعنوا: ارحلوا. والدحور (بِالدَّال الْمُهْملَة) : الذل والهوان. وعَلى رغم الآنف: على المذلة، يُقَال: أرْغم الله أَنفه، إِذا أذله. والآنف: جمع أنف. [9] الغربة (بِضَم الْغَيْن) : الاغتراب. (وبفتح الْغَيْن) : الْبعد. والزخرف: الزِّينَة وَحسن التنعم. [10] أَذْرُعَات: مَوضِع بِالشَّام. وردا فِي: أَي مرتدفين يردف بَعضهم بعض، الْوَاحِد: رد فِي (كسْرَى وسكارى) . ويروى: ردافا، وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى. وَذُو دبر أعجف: يعْنى جملا. ودبر: جرح. والأعجف: الهزيل الضَّعِيف.

(شعر كعب في إجلاء بنى النضير وقتل ابن الأشرف) :

فَأَجَابَهُ سَمَّاكٌ [1] الْيَهُودِيُّ، فَقَالَ: إنْ تَفْخَرُوا فَهُوَ فَخْرٌ لَكُمْ ... بِمَقْتَلِ كَعْبٍ أَبِي الْأَشْرَفِ غَدَاةَ غَدَوْتُمْ عَلَى حَتْفِهِ ... وَلَمْ يَأْتِ غَدِرًا وَلَمْ يُخْلِفْ فَعَلَّ اللَّيَالِيَ وَصَرَفَ الدُّهُورَ ... يُدِيلُ [2] مِنْ الْعَادِلِ الْمُنْصِفِ [3] بِقَتْلِ النَّضِيرِ وَأَحْلَافِهَا ... وَعَقْرِ النَّخِيلِ وَلَمْ تُقْطَفْ [4] فَإِنْ لَا أَمُتْ نَأْتِكُمْ بِالْقَنَا ... وَكُلُّ حُسَامٍ مَعًا مُرْهَفِ [5] بِكَفٍّ كَمِىٍّ بِهِ يَحْتَمِي ... مَتَى يَلْقَ قِرْنًا لَهُ يُتْلِفْ [6] مَعَ الْقَوْمِ صَخْرٌ وَأَشْيَاعُهُ ... إذَا غَاوَرَ الْقَوْمَ لَمْ يَضْعُفْ [7] كَلَيْثِ بِتَرْجِ حَمَى غِيلَهُ ... أَخِي غَابَةٍ هَاصِرٍ أَجْوَفِ [8] (شِعْرُ كَعْبٍ فِي إجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ وَقَتْلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يَذْكُرُ إجْلَاءَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَتْلَ كَعْبِ ابْن الْأَشْرَفِ:

_ [1] كَذَا فِي أ: وَفِي سَائِر الْأُصُول: «سمال» وَهُوَ تَحْرِيف. [2] كَذَا فِي شرح السِّيرَة لأبى ذَر. ويديل: من الدولة، أَي نصيب مِنْهُ مثل مَا أصَاب منا. وَفِي أ: «يدين» وَفِي سَائِر الْأُصُول: «يدان» . [3] وَيُرِيد بالعادل المُصَنّف: النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو ذَر: فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ الْيَهُودِيّ فِيهِ: الْعَادِل الْمنصف، وَهُوَ لَا يعْتَقد ذَلِك؟ فَالْجَوَاب أَن يُقَال: أَن يكون ذَلِك مِمَّا لَفظه لفظ الْمَدْح وَمَعْنَاهُ الذَّم، مثل قَوْله تَعَالَى: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ 44: 49 وكما قَالَ الآخر: يجزون من ظلم أهل الظُّلم مغْفرَة ... وَمن إساءة أهل السوء إحسانا فَهَذَا إِن كَانَ ظَاهره الْمَدْح، فَمَعْنَاه الذَّم. [4] الأحلاف: جمع حلف، وَهُوَ الصاحب. ويروى: وإجلائها، يعْنى وإخراجها من بلادها. وَلم تقطف (بِفَتْح الطَّاء) لم يُؤْخَذ ثَمَرهَا، ويروى بِكَسْر الطَّاء، أَي لم تبلغ زمن القطاف. [5] الحسام المرهف: السَّيْف الْقَاطِع. [6] الكمي: الشجاع. والقرن: الّذي يقاومك فِي قتال. [7] صَخْر هُوَ أَبُو سُفْيَان بن حَرْب. [8] ترج: جبل بالحجاز تنْسب إِلَيْهِ الْأسود. والغيل: أجمة الْأسد. والهاصر: الّذي يكسر فريسته إِذا أَخذهَا. والأجوف: الْعَظِيم الْجوف.

لَقَدْ خَزِيَتْ بِغَدْرَتِهَا الْحُبُورُ ... كَذَاكَ الدَّهْرُ ذُو صَرْفٍ يَدُورُ [1] وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِرَبٍّ ... عَزِيزٍ أَمْرُهُ أَمْرٌ كَبِيرُ وَقَدْ أُوتُوا مَعًا فَهْمًا وَعِلْمًا ... وَجَاءَهُمْ مِنْ اللَّهِ النَّذِيرُ نَذِيرٌ صَادِقٌ أَدَّى كِتَابًا ... وَآيَاتٍ مُبَيَّنَةً تُنِيرُ فَقَالُوا مَا أَتَيْتَ بِأَمْرِ صِدْقٍ ... وَأَنْتَ بِمُنْكَرٍ مِنَّا جَدِيرُ [2] فَقَالَ بَلَى لَقَدْ أَدَّيْتُ حَقًّا ... يُصَدِّقُنِي بِهِ الْفَهِمُ الْخَبِيرُ فَمَنْ يَتْبَعْهُ يُهْدَ لِكُلِّ رُشْدٍ ... وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ يُجْزَ الْكَفُورَ فَلَمَّا أُشْرِبُوا غَدِرًا وَكُفْرًا ... وَحَادَ بِهِمْ [3] عَنْ الْحَقِّ النُّفُورِ أَرَى اللَّهُ النَّبِيَّ بِرَأْيِ صَدْقٍ ... وَكَانَ اللَّهُ يَحْكُمُ لَا يَجُورُ فَأَيَّدَهُ وَسَلَّطَهُ عَلَيْهِمْ ... وَكَانَ نَصِيرُهُ نِعْمَ النَّصِيرِ فَغُودِرَ مِنْهُمْ كَعْبٌ صَرِيعًا ... فَذَلَّتْ بَعْدَ مَصْرَعِهِ النَّضِيرُ عَلَى الْكَفَّيْنِ ثَمَّ وَقَدْ عَلَتْهُ ... بِأَيْدِينَا مُشَهَّرَةٌ ذُكُورُ [4] بِأَمْرِ مُحَمَّدٍ إذْ دَسَّ [5] لَيْلًا ... إلَى كَعْبٍ أَخَا كَعْبٍ يَسِيرُ فَمَا كَرِهَ فَأَنْزَلَهُ بِمَكْرٍ ... وَمَحْمُودٌ أَخُو ثِقَةٍ جَسُورُ فَتِلْكَ بَنُو النَّضِيرِ بِدَارِ سَوْءٍ ... أَبَارَهُمْ بِمَا اجْتَرَمُوا الْمُبِيرُ [6] غَدَاةَ أَتَاهُمْ فِي الزَّحْفِ رَهْوًا ... رَسُولُ اللَّهِ وَهْوَ بِهِمْ بَصِيرُ [7] وَغَسَّانَ الْحُمَاةَ مُوَازِرُوهُ ... عَلَى الْأَعْدَاءِ وَهْوَ لَهُمْ وَزِيرُ فَقَالَ السِّلَمُ [8] وَيْحَكُمْ فَصَدُّوا ... وَحَالَفَ [9] أَمْرَهُمْ كَذِبٌ وَزُورُ

_ [1] الحبور: جمع حبر، وَهُوَ الْعَالم، وَيُقَال فِي جمعه: أَحْبَار (أَيْضا) وَيُرِيد «بالحبور» : عُلَمَاء الْيَهُود. [2] جدير: حقيق وخليق. [3] كَذَا فِي شرح السِّيرَة لأبى ذَر: وحادبهم، أَي مَال بهم وَفِي جَمِيع الْأُصُول: «وجد بهم» . [4] مشهرة ذُكُور: سيوف مسلولة من أغمادها، قَوِيَّة قَاطِعَة. [5] فِي أ: «دش» (بالشين الْمُعْجَمَة) . [6] أبارهم: أهلكهم. واجترموا: كسبوا. [7] الرهو: مَشى فِي سُكُون. [8] السّلم (بِفَتْح السِّين وَكسرهَا) : الصُّلْح. [9] كَذَا فِي أوشرح السِّيرَة، وحالف: صَاحب- وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وَخَالف» بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة.

(شعر سماك في الرد على كعب) :

فَذَاقُوا غِبَّ أَمْرِهِمْ وَبَالًا ... لِكُلِّ ثَلَاثَة مِنْهُم بَعِيرًا [1] وَأَجْلَوْا عَامِدِينَ لِقَيْنُقَاعَ ... وَغُودِرَ مِنْهُمْ نَخْلٌ وَدُورُ [2] (شِعْرُ سَمَّاكٍ فِي الرَّدِّ عَلَى كَعْبٍ) : فَأَجَابَهُ سَمَّاكٌ الْيَهُودِيُّ، فَقَالَ: أَرِقْتُ وَضَافَنِي هَمٌّ كَبِيرُ ... بِلَيْلٍ غَيْرُهُ لَيْلٌ قَصِيرُ [3] أَرَى الْأَحْبَارَ تُنْكِرُهُ جَمِيعًا ... وَكُلُّهُمْ لَهُ عِلْمٌ خَبِيرُ وَكَانُوا الدَّارِسِينَ لِكُلِّ عِلْمٍ ... بِهِ التَّوْرَاةُ تَنْطِقُ وَالزَّبُورُ قَتَلْتُمْ سَيِّدَ الْأَحْبَار كَعْبًا ... وَقد مَا كَانَ يَأْمَنُ مَنْ يُجِيرُ تَدَلَّى نَحْوَ مَحْمُودٍ أَخِيهِ ... وَمَحْمُودٌ سَرِيرَتُهُ الْفُجُورُ فَغَادَرَهُ كَأَنَّ دَمًا نَجِيعًا ... يَسِيلُ عَلَى مَدَارِعِهِ عَبِيرُ [4] فُقِدَ وَأَبِيكُمْ وَأَبِي جَمِيعًا ... أُصِيبَتْ إذْ أُصِيبَ بِهِ النَّضِيرُ فَإِنْ نَسْلَمُ لَكُمْ نَتْرُكُ رِجَالًا ... بِكَعْبٍ حَوْلَهُمْ طَيْرٌ تَدُورُ كَأَنَّهُمْ عَتَائِرُ يَوْمَ عِيدٍ ... تُذَبَّحُ وَهْيَ لَيْسَ لَهَا نَكِيرُ [5] بِبِيضٍ لَا تُلِيقُ لَهُنَّ عَظْمًا ... صَوَافِي الْحَدِّ أَكْثَرُهَا ذُكُورُ [6] كَمَا لَاقَيْتُمْ مِنْ بَأْسِ صَخْرٍ ... بِأُحْدٍ حَيْثُ لَيْسَ لَكُمْ نَصِيرُ [7] (شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي امْتِدَاحِ رِجَالِ بَنِي النَّضِيرِ) : وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَخُو بَنِي سُلَيْمٍ يَمْتَدِحُ رِجَالَ بَنِي النَّضِيرِ:

_ [1] الوبال: النكال. [2] عَامِدين: قَاصِدين. وقينقاع: قَبيلَة من الْيَهُود. [3] أرقت: امْتنع النّوم عَنى. وضافنى: نزل بى. [4] النجيع: الدَّم الطري، والمدارع: جمع مدرعة، وَهِي ثوب يلبس. وَقَالَ بَعضهم: لَا تكون المدرعة إِلَّا من صوف. ويروى: (مذارعه) . بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، والمذارع من الْبَعِير وَالدَّابَّة: قوائمهما، وَأَرَادَ بِهِ هُنَا: الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ. والعبير: الزَّعْفَرَان: [5] العتائر جمع عتيرة، وَهِي الذَّبِيحَة. [6] لَا تلِيق: لَا تبقى. [7] صَخْر: هُوَ أَبُو سُفْيَان بن حَرْب.

(شعر خوات في الرد على ابن مرداس) :

لَوْ أَنَّ أَهْلَ الدَّارِ لَمْ يَتَصَدَّعُوا ... رَأَيْتَ خِلَالَ الدَّارِ مَلْهًى وَمَلْعَبَا [1] فَإِنَّكَ عَمْرِي هَلْ أُرِيكَ ظَعَائِنَا [2] ... سَلَكْنَ عَلَى رُكْنِ الشَّطَاةِ [3] فَتَيْأَبَا [4] عَلَيْهِنَّ عِينٌ [5] مِنْ ظباء تبَالَة ... أَو انس يُصْبِيَنَ الْحَلِيمَ الْمُجَرِّبَا [6] إذَا جَاءَ بَاغِي الْخَيْرِ قُلْنَ فُجَاءَةً ... لَهُ بِوُجُوهٍ كَالدَّنَانِيرِ مَرْحَبَا وَأَهْلًا فَلَا مَمْنُوعَ خَيْرٍ طَلَبْتَهُ ... وَلَا أَنْتَ تَخْشَى عِنْدَنَا أَنْ تُؤَنَّبَا فَلَا تَحْسَبَنِّي كُنْتُ مَوْلَى ابْنِ مِشْكَمٍ ... سَلَامٍ وَلَا مَوْلَى حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَا [7] (شِعْرُ خَوَّاتٍ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ مِرْدَاسٍ) : فَأَجَابَهُ خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ: تُبَكِّي عَلَى قَتْلَى يَهُودَ وَقَدْ تَرَى ... مِنْ الشَّجْوِ لَوْ تَبْكِي أَحَبَّ وَأَقْرَبَا [8] فَهَلَّا عَلَى قَتْلَى بِبَطْنِ أُرَيْنِقٍ ... بَكَيْتَ وَلَمْ تُعْوِلْ مِنْ الشَّجْوِ مُسْهِبَا [9] إذَا السِّلْمُ دَارَتْ فِي صَدِيقٍ رَدَدْتَهَا ... وَفِي الدِّينِ صَدَّادًا وَفِي الْحَرْبِ ثَعْلَبَا [10] عَمَدْتَ إلَى قَدْرٍ لِقَوْمِكَ تَبْتَغِي ... لَهُمْ شَبَهًا كَيْمَا تَعِزَّ وَتَغْلِبَا فَإِنَّكَ لَمَّا أَنْ كَلِفْتَ تَمَدُّحًا ... لِمَنْ كَانَ عَيْبًا مَدْحُهُ وَتَكَذُّبَا رَحَلْتَ بِأَمْرٍ كُنْتَ أَهْلًا لِمِثْلِهِ ... وَلَمْ تُلْفِ فِيهِمْ قَائِلًا لَكَ مَرْحَبَا فَهَلَّا إلَى قَوْمٍ مُلُوكٍ مَدَحْتَهُمْ ... تَبَنَّوْا مِنْ الْعَزِّ الْمُؤَثَّلِ مَنْصِبَا [11]

_ [1] لم يتصدعوا: لم يتفرقوا. [2] الظعائن: النِّسَاء فِي الهوادج. [3] كَذَا فِي أوشرح السِّيرَة لأبى ذَر. والشطاة (بِالطَّاءِ الْمُهْملَة) : مَوضِع. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الشظاة» . [4] تيأب: مَوضِع. [5] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَالْعين: جمع عيناء، وَهِي الْكَبِيرَة الْعين وَفِي أ: «عير» . [6] تبَالَة: مَوضِع الْيمن. ويصبين: يذْهبن الْعقل. [7] الْمولى (هُنَا) : الحليف والصاحب. [8] الشجو: الْحزن. [9] أرينق (بالراء والزاى) : مَوضِع. وَلم تعول: لم ترفع صَوْتك بالبكاء. والمسهب: الْمُتَغَيّر الْوَجْه [10] الصداد: الّذي يصد عَن الدَّين وَالْحق. وثعلبا، أَي كثير الروغان، أَي لَا يصدق فِي الْحَرْب. [11] المؤثل: الْقَدِيم.

(شعر ابن مرداس في الرد على خوات) :

إلَى مَعْشَرٍ صَارُوا مُلُوكًا وَكُرِّمُوا ... وَلَمْ يُلْفَ فِيهِمْ طَالِبُ الْعُرْفِ مُجْدِبَا [1] أُولَئِكَ أَحْرَى مِنْ يهود بمدحة ... نراهم وَفِيهِمْ عِزَّةُ الْمَجْدِ تُرْتُبَا [2] (شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي الرَّدِّ عَلَى خَوَّاتٍ) : فَأَجَابَهُ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ، فَقَالَ: هَجَوْتَ صَرِيحَ الْكَاهِنَيْنِ وَفِيكُمْ ... لَهُمْ نِعَمٌ كَانَتْ مِنْ الدَّهْرِ تُرْتُبَا [3] أُولَئِكَ أَحْرَى لَوْ بَكَيْتَ عَلَيْهِمْ ... وَقَوْمُكَ لَوْ أَدَّوْا مِنْ الْحَقِّ مُوجَبَا مِنْ الشُّكْرِ إنَّ الشُّكْرَ خَيْرٌ مغبَّة ... وَأَوْفَقُ فِعْلًا لِلَّذِي كَانَ أَصْوَبَا [4] فَكُنْتَ كَمَنْ أَمْسَى يُقَطِّعُ رَأْسَهُ ... لِيَبْلُغَ عِزًّا كَانَ فِيهِ مُرَكَّبَا فَبَكِّ بَنِي هَارُونَ وَاذْكُرْ فِعَالَهُمْ ... وَقَتْلَهُمْ لِلْجُوعِ إذْ كُنْتَ مُجْدِبَا أَخَوَّاتُ أَذِرْ الدَّمْعَ بِالدَّمْعِ وَابْكِهِمْ ... وَأَعْرِضْ عَنْ الْمَكْرُوهِ مِنْهُمْ وَنَكِّبَا [5] فَإِنَّكَ لَوْ لَاقَيْتَهُمْ فِي دِيَارِهِمْ ... لَأُلْفِيتَ عَمَّا قَدْ تَقُولُ مُنَكِّبَا سِرَاعٌ إلَى الْعَلْيَا كِرَامٌ لَدَى الْوَغَى ... يُقَالُ لِبَاغِي الْخَيْرِ أَهْلًا وَمَرْحَبَا (شِعْرٌ لِكَعْبِ أَوْ ابْنِ رَوَاحَةَ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ مِرْدَاسٍ) : فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، أَوْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ. لَعَمْرِي لَقَدْ حَكَّتْ رحى الْحَرْب بعد مَا ... أَطَارَتْ لُؤَيًّا قَبْلُ شَرْقًا وَمَغْرِبَا بَقِيَّةَ آلِ الْكَاهِنَيْنِ وَعِزَّهَا ... فَعَادَ ذَلِيلًا بَعْدَ مَا كَانَ أَغْلَبَا [6] فَطَاحَ سَلَامٌ وَابْنُ سَعْيَةَ عَنْوَةً ... وَقِيدَ ذَلِيلًا لِلْمَنَايَا ابْنُ أَخْطَبَا [7]

_ [1] مجدب: من الجدب، وَهُوَ الْقَحْط وَقلة الْخَيْر. [2] ترَتّب: (بِضَم التَّاء الثَّانِيَة وَفتحهَا) : ثَابت. وَالتَّاء الأولى فِيهِ زَائِدَة، وَهُوَ من «رتب» عِنْد سِيبَوَيْهٍ. [3] الصَّرِيح: الْخَالِص النّسَب. والكاهنان: قبيلان من يهود الْمَدِينَة، يَزْعمُونَ أَنهم من ولد هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام. ويروى: «الكاهنين» للْجمع. [4] خير مغبة، أَي خير عَاقِبَة بعد. [5] نكب: عرج عَنْهُم. [6] الْأَغْلَب: الشَّديد. [7] طاح: ذهب وَهلك. والعنوة: الْقَهْر والذلة.

غزوة ذات الرقاع في سنة أربع

وَأَجْلَبَ [1] يَبْغِي العزّ والذلّ ببتغى ... خِلَافَ يَدَيْهِ مَا جَنَى حِينَ أَجْلَبَا كَتَارِكِ سَهْلِ الْأَرْضِ وَالْحَزَنُ هَمَّهُ ... وَقَدْ كَانَ ذَا فِي النَّاسِ أَكْدَى وَأَصْعَبَا [2] وَشَأْسٌ وعَزُّالٌ وَقَدْ صَلَيَا بِهَا ... وَمَا غُيِّبَا عَنْ ذَاكَ فِيمَنْ تَغَيَّبَا وَعَوْفُ بْنُ سَلْمَى وَابْنُ عَوْفٍ كِلَاهُمَا ... وَكَعْبٌ رَئِيسُ الْقَوْمِ حَانَ وَخُيِّبَا [3] فَبُعْدًا وَسُحْقًا لِلنَّضِيرِ وَمِثْلِهَا ... إنْ أَعْقَبَ فَتْحٌ أَوْ إنْ اللَّهُ أَعْقَبَا [4] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيُّ: ثُمَّ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ بَنِي النَّضِيرِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ. وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَهُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِيهِ. غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ (الْأُهْبَةُ لَهَا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ شَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَبَعْضَ جُمَادَى [5] ، ثُمَّ غَزَا نَجْدًا يُرِيدُ بَنِي مُحَارِبٍ وَبَنِيَّ ثَعْلَبَةَ مِنْ غَطَفَانَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ [6] ، وَيُقَالُ: عُثْمَانَ ابْن عَفَّانَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:

_ [1] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ «وأحلب» . قَالَ أَبُو ذَر: «من رَوَاهُ بِالْجِيم، فَمَعْنَاه جمع وَصَاح، وَمن رَوَاهُ بِالْحَاء الْمُهْملَة. فَمَعْنَاه جمع (أَيْضا) ، إِلَّا أَن الّذي بِالْجِيم لَا يكون إِلَّا مَعَ صياح. [2] الْحزن: مَا علا من الأَرْض. وأكدى: لم ينجح فِي سَعْيه، يُقَال: أكدى الرجل فِي حَاجته، إِذا لم يظفر بهَا. [3] حَان: هلك. [4] إِن الله أعقبا: أَي إِن الله جَاءَ بالنصر عَلَيْهِم. [5] قَالَ الزرقانى: «وَعند ابْن سعد وَابْن حبَان أَنَّهَا كَانَت فِي الْمحرم سنة خمس» وَجزم أَبُو معشر أَنَّهَا بعد بنى قُرَيْظَة. [6] قَالَ الزرقانى: «قَالَه ابْن إِسْحَاق، وَتعقبه ابْن عبد الْبر بِأَنَّهُ خلاف مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَر، وَبِأَن أَبَا ذَر لما أسلم بِمَكَّة رَجَعَ إِلَى بِلَاده فَلم يجِئ إِلَّا بعد الخَنْدَق» .

(سبب تسميتها بذات الرقاع) :

(سَبَبُ تَسْمِيَتِهَا بِذَاتِ الرِّقَاعِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتَّى نَزَلَ نَخْلًا [1] ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ، لِأَنَّهُمْ رَقَّعُوا فِيهَا رَايَاتِهِمْ، وَيُقَالُ: ذَاتُ الرِّقَاعِ: شَجَرَةٌ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ، يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ الرِّقَاعِ [2] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَقِيَ بِهَا جَمْعًا عَظِيمًا [3] مِنْ غَطَفَانَ، فَتَقَارَبَ النَّاسُ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ، وَقَدْ خَافَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَتَّى صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْخَوْفِ، ثُمَّ انْصَرَفَ بِالنَّاسِ. (صَلَاةُ الْخَوْفِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ- وَكَانَ يُكَنَّى: أَبَا عُبَيْدَةَ [4]- قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [5] بِطَائِفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، وَطَائِفَةٌ مُقْبِلُونَ عَلَى الْعَدُوِّ. قَالَ: فَجَاءُوا فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: صَفَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفَّيْنِ، فَرَكَعَ بِنَا جَمِيعًا،

_ [1] نخل: مَوضِع بِنَجْد من أَرض غطفان. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [2] قَالَ أَبُو ذَر: «إِنَّمَا قيل لَهَا ذَات الرّقاع. لأَنهم نزلُوا بجبل يُقَال لَهُ ذَات الرّقاع. وَقيل أَيْضا: إِنَّمَا قيل لَهَا ذَلِك، لِأَن الْحِجَارَة أوهنت أَقْدَامهم، فشدوا رِقَاعًا، فَقيل لَهَا: ذَات الرّقاع» . وَقَالَ السهيليّ بعد مَا عرض رأى ابْن هِشَام «وَذكر غَيره أَنَّهَا أَرض فِيهَا بقع سود، وبقع بيض، كلهَا مرقعة برقاع مُخْتَلفَة، قد سميت ذَات الرّقاع لذَلِك، وَكَانُوا قد نزلُوا فِيهَا فِي تِلْكَ الْغُزَاة، وَأَصَح هَذِه الْأَقْوَال كلهَا مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ من طَرِيق أَبى مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، قَالَ: خرجنَا مَعَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزَاة، وَنحن سِتَّة بَيْننَا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قَدَمَايَ وَسَقَطت أظفارى، فَكُنَّا نلف على أَرْجُلنَا الْخرق، فسميت غَزْوَة ذَات الرّقاع، لما كُنَّا نعصب من الْخرق على أَرْجُلنَا» . وَقَالَ الزرقانى فِي شرح الْمَوَاهِب بعد مَا سَاق كلَاما لَا يخرج عَن هَذَا: «وَهِي غَزْوَة محَارب، وغزوة بنى ثَعْلَبَة، وغزوة بنى أَنْمَار، وغزوة صَلَاة الْخَوْف، لوقوعها بهَا، وغزوة الْأَعَاجِيب. لما وَقع فِيهَا من الْأُمُور العجيبة» . [3] فِي أ: «جمعا مَعَ غطفان» . [4] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ. [5] كَذَا فِي أ. وزادت سَائِر الْأُصُول: «صَلَاة الْخَوْف ثمَّ انْصَرف بِالنَّاسِ. قَالَ ابْن هِشَام» .

(غورث وما هم به من قتل الرسول) :

ثُمَّ سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَجَدَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ، فَلَمَّا رَفَعُوا سَجَدَ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ، وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الْآخَرُ حَتَّى قَامُوا مَقَامَهُمْ ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَجَدَ الَّذِينَ يَلُونَهُ مَعَهُ، فَلَمَّا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ سَجَدَ الْآخَرُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، فَرَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ جَمِيعًا، وَسَجَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْفُسِهِمْ سَجْدَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [1] : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: يَقُومُ الْإِمَامُ وَتَقُومُ مَعَهُ طَائِفَةٌ، وَطَائِفَةٌ مِمَّا يَلِي عَدُوَّهُمْ، فَيَرْكَعُ بِهِمْ الْإِمَامُ وَيَسْجُدُ بِهِمْ، ثُمَّ يَتَأَخَّرُونَ فَيَكُونُونَ مِمَّا يَلِي الْعَدُوَّ، يَتَقَدَّمُ الْآخَرُونَ فَيَرْكَعُ بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَةً، وَيَسْجُدُ بِهِمْ، ثُمَّ تُصَلِّي كُلُّ طَائِفَةٍ بِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، فَكَانَتْ لَهُمْ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً رَكْعَةً، وَصَلَّوْا بِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً رَكْعَةً. (غُوْرَثُ وَمَا هَمَّ بِهِ مِنْ قَتْلِ الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُحَارِبٍ، يُقَالُ لَهُ: غُوْرَثُ [2] ، قَالَ لِقَوْمِهِ مِنْ غَطَفَانَ وَمُحَارِبٍ: أَلَا أَقْتُلُ لَكُمْ مُحَمَّدًا؟ قَالُوا: بَلَى، وَكَيْفَ تَقْتُلُهُ؟ قَالَ: أَفْتِكُ بِهِ. قَالَ: فَأَقْبَلَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ، وَسَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِجْرِهِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْظُرُ إلَى سَيْفِكَ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ- وَكَانَ مُحَلًّى بِفِضَّةِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- قَالَ: فَأَخَذَهُ فَاسْتَلَّهُ، ثُمَّ جَعَلَ يَهُزُّهُ، وَيَهُمُّ فَيَكْبِتُهُ اللَّهُ [3] ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَمَا تَخَافَنِي؟ قَالَ: لَا، وَمَا أَخَافُ مِنْكَ؟ قَالَ: أَمَا تَخَافَنِي وَفِي يَدِي السَّيْفُ؟ قَالَ: لَا، يَمْنَعُنِي (اللَّهُ [4] ) مِنْكَ. ثُمَّ عَمَدَ إلَى سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا 5: 11

_ [1] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ. [2] يحْكى بِالْفَتْح على وزن جَعْفَر، كَمَا يحْكى بِضَم أَوله. وَوَقع عِنْد الْخَطِيب بِالْكَاف بدل المثلاثة، وَحكى الْخطابِيّ فِيهِ غويرث، بِالتَّصْغِيرِ (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) . [3] يكبته الله: يذله ويقمعه. [4] زِيَادَة عَن أ.

(جابر وقصته هو وجمله مع الرسول) :

إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ، فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ 5: 11. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ: أَنَّهَا إنَّمَا أُنْزِلَتْ فِي عَمْرِو بْنِ جِحَاشٍ، أَخِي بَنِي النَّضِيرِ وَمَا هَمَّ بِهِ، فاللَّه أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ. (جَابِرٌ وَقِصَّتُهُ هُوَ وَجَمَلُهُ مَعَ الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ، عَلَى جَمَلٍ لِي ضَعِيفٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: جَعَلَتْ الرِّفَاقُ [1] تَمْضِي، وَجَعَلْتُ أَتَخَلَّفُ، حَتَّى أَدْرَكَنِي رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَالك يَا جَابِرُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبْطَأَ بِي جَمَلِي هَذَا، قَالَ: أَنِخْهُ، قَالَ: فَأَنَخْتُهُ، وَأَنَاخَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: أَعْطِنِي هَذِهِ الْعَصَا مِنْ يَدِكَ، أَوْ اقْطَعْ لِي عَصًا مِنْ شَجَرَةٍ، قَالَ: فَفَعَلْتُ. قَالَ: فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَخَسَهُ بِهَا نَخَسَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: ارْكَبْ، فَرَكِبْتُ، فَخَرَجَ، وَاَلَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، يُوَاهِقُ [2] نَاقَتَهُ مُوَاهَقَةً. قَالَ: وَتَحَدَّثْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي: أَتَبِيعُنِي جَمَلَكَ هَذَا يَا جَابِرُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلْ أَهَبُهُ لَكَ، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ بِعْنِيهِ، قَالَ: قُلْتُ: فَسُمْنِيهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ بِدِرْهَمِ، قَالَ: قُلْتُ: لَا. إذَنْ، تَغْبِنُنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: فَبِدِرْهَمَيْنِ، قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ يَرْفَعُ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَمَنِهِ حَتَّى بَلَغَ الْأُوقِيَّةَ. قَالَ: فَقُلْتُ: أَفَقَدْ رَضِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَهُوَ لَكَ، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: يَا جَابِرُ، هَلْ تَزَوَّجْتَ بَعْدُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَثَيِّبًا أَمْ بِكْرًا؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: أَفَلَا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ! قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أَبِي أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ بَنَاتٍ لَهُ سَبْعًا، فَنَكَحْتُ

_ [1] فِي أ: «الرّقاع» وَلَا معنى لَهَا. [2] يواهق نَاقَته: يعارضها فِي الْمثنى لسرعته.

امْرَأَةً جَامِعَةً، تَجْمَعُ رُءُوسَهُنَّ، وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ، قَالَ: أَصَبْتَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَمَا إنَّا لَوْ قَدْ جِئْنَا صِرَارًا [1] أَمَرْنَا بِجَزُورٍ فَنُحِرَتْ، وَأَقَمْنَا عَلَيْهَا يَوْمَنَا ذَاكَ، وَسَمِعَتْ بِنَا، فَنَفَضَتْ نَمَارِقَهَا [2] . قَالَ: قُلْتُ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا مِنْ نَمَارِقَ، قَالَ: إنَّهَا سَتَكُونُ، فَإِذَا أَنْتَ قَدِمْتُ فَاعْمَلْ عَمَلًا كَيِّسًا. قَالَ: فَلَمَّا جِئْنَا صِرَارًا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَزُورٍ فَنُحِرَتْ، وَأَقَمْنَا عَلَيْهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَلَمَّا أَمْسَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ وَدَخَلْنَا، قَالَ: فَحَدَّثْتُ الْمَرْأَةَ الْحَدِيثَ، وَمَا قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَدُونَكَ، فَسَمْعٌ [3] وَطَاعَةٌ. قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَخَذْتُ بِرَأْسِ الْجَمَلِ، فَأَقْبَلْتُ بِهِ حَتَّى أَنَخْتُهُ عَلَى بَابِ [4] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ثُمَّ جَلَسْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَرِيبًا مِنْهُ، قَالَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَى الْجَمَلَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا جَمَلٌ جَاءَ بِهِ جَابِرٌ، قَالَ: فَأَيْنَ جَابِرٌ؟ قَالَ: فَدُعِيتُ لَهُ، قَالَ: فَقَالَ: يَا بن أَخِي خُذْ بِرَأْسِ جَمَلِكَ، فَهُوَ لَكَ، وَدَعَا بِلَالًا، فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ بِجَابِرِ، فَأَعْطِهِ أُوقِيَّةً. قَالَ: فَذَهَبْتُ مَعَهُ، فَأَعْطَانِي أُوقِيَّةً، وَزَادَنِي شَيْئًا يَسِيرا. قَالَ: فو الله مَا زَالَ يَنْمِى عِنْدِي، وَيَرَى مَكَانَهُ مِنْ بَيْتِنَا، حَتَّى أُصِيبَ أَمْسِ فِيمَا أُصِيبَ لَنَا يَعْنِي يَوْمَ الْحَرَّةِ [5] .

_ [1] صرار: مَوضِع على ثَلَاثَة أَمْيَال من الْمَدِينَة. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [2] النمارق: جمع نمرقة، وَهِي الوسادة الصَّغِيرَة. [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «سمع» . [4] فِي أ: «على بَاب مَسْجِد» . [5] يُرِيد وقْعَة الْحرَّة الَّتِي كَانَت بِالْمَدِينَةِ أَيَّام يزِيد بن مُعَاوِيَة على يَد مُسلم بن عقبَة المري، الّذي يُسَمِّيه أهل الْمَدِينَة: مُسْرِف بن عقبَة. وَكَانَ سَببهَا أَن أهل الْمَدِينَة خلعوا يزِيد بن مُعَاوِيَة، وأخرجوا مَرْوَان ابْن الحكم وَبنى أُميَّة، وَأمرُوا عَلَيْهِم عبد الله بن حَنْظَلَة الغسيل، الّذي غسلت أَبَاهُ الْمَلَائِكَة يَوْم أحد. وَلم يُوَافق على هَذَا الْخلْع أحد من أكَابِر الصَّحَابَة الَّذين كَانُوا فيهم. وَكَانَ من أَمر جَابر هَذَا فِي هَذَا الْيَوْم أَنه أَخذ يطوف فِي أَزِقَّة الْمَدِينَة، والبيوت تنتهب وَهُوَ أعمى، وَهُوَ يعثر فِي الْقَتْلَى، وَيَقُول: تعس من أَخَاف رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُرِيد حَدِيثه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أَخَاف الْمَدِينَة فقد أَخَاف مَا بَين جَنْبي فحملوا عَلَيْهِ ليقتلوه، فأجاره مَرْوَان، وَأدْخلهُ بَيته. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .

(ابن ياسر وابن بشر، وقيامهما على حراسة جيش الرسول، وما أصيبا به) :

(ابْنُ يَاسِرٍ وَابْنُ بِشْرٍ، وَقِيَامُهُمَا عَلَى حِرَاسَةِ جَيْشِ الرَّسُولِ، وَمَا أُصِيبَا بِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَمِّي صَدَقَةُ [1] بْنُ يَسَارٍ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ، فَأَصَابَ رَجُلٌ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَافِلًا، أَتَى زَوْجُهَا وَكَانَ غَائِبًا، فَلَمَّا أُخْبِرَ الْخَبَرَ حَلَفَ لَا يَنْتَهِي حَتَّى يُهْرِيقَ فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمًا، فَخَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلًا، فَقَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا [2] لَيْلَتَنَا (هَذِهِ) [3] ؟ قَالَ: فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَا: نَحْنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَكُونَا بِفَمِ الشِّعْبِ. قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ قَدْ نَزَلُوا إلَى شِعْبٍ مِنْ الْوَادِي، وَهُمَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلَانِ إلَى فَمِ الشِّعْبِ، قَالَ الْأَنْصَارِيُّ لِلْمُهَاجِرِيِّ أَيَّ اللَّيْلِ تُحِبُّ أَنْ أَكْفِيكَهُ: أَوَّلَهُ أَمْ آخِرَهُ؟ قَالَ: بَلْ اكْفِنِي أَوَّلَهُ، قَالَ: فَاضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيُّ فَنَامَ، وَقَامَ الْأَنْصَارِيُّ يُصَلِّي، قَالَ: وَأَتَى الرَّجُلُ، فَلَمَّا رَأَى شَخْصَ الرَّجُلِ عَرَفَ أَنَّهُ رَبِيئَةُ [4] الْقَوْمِ. قَالَ: فَرَمَى بِسَهْمِ، فَوَضَعَهُ فِيهِ، قَالَ: فَنَزَعَهُ وَوَضَعَهُ، فَثَبَتَ قَائِمًا، قَالَ: ثُمَّ رَمَاهُ بِسَهْمِ آخَرَ فَوَضَعَهُ فِيهِ. قَالَ: فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ، وَثَبَتَ قَائِمًا، ثُمَّ عَادَ لَهُ بِالثَّالِثِ، فَوَضَعَهُ فِيهِ، قَالَ: فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ، ثُمَّ أَهَبَّ [5] صَاحِبَهُ فَقَالَ: اجْلِسْ فَقَدْ أَثْبَتُّ [6] ، قَالَ: فَوَثَبَ

_ [1] صَدَقَة هَذَا خزرى سكن بِمَكَّة، وَلَيْسَ بعم مُحَمَّد بن إِسْحَاق. قَالَ أَبُو ذَر: «وَقد خرجه أَبُو دَاوُد عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق وَلم يذكر فِيهِ «عمى» . [2] يكلؤنا: يحفظنا. [3] زِيَادَة عَن أ. [4] الربيئة: الطليعة الّذي يحرس الْقَوْم. [5] أهب: أيقظ. [6] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَأثبت: جرحت جرحا لَا يُمكن التحرك مَعَه. وَفِي: أ «أتيت» . وَأثبت: أصبت.

(رجوع الرسول) :

فَلَمَّا رَآهُمَا الرَّجُلُ عَرَفَ أَنْ [1] قَدْ نَذِرَا [2] بِهِ، فَهَرَبَ. قَالَ: وَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالْأَنْصَارِيِّ مِنْ الدِّمَاءِ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! أَفَلَا أَهْبَبْتَنِي أَوَّلَ مَا رَمَاكَ؟ قَالَ: كُنْتُ فِي سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا حَتَّى أُنْفِدَهَا، فَلَمَّا تَابَعَ عَلَيَّ الرَّمْيَ رَكَعْتُ فَأَذِنْتُكَ، وَأَيْمُ اللَّهِ، لَوْلَا أَنْ أُضَيِّعَ ثَغْرًا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِهِ، لَقَطَعَ نَفْسِي قَبْلَ أَنْ أَقْطَعَهَا أَوْ أُنْفِدَها. (رُجُوعُ الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: أَنْفَذَهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ مِنْ غَزْوَةِ الرِّقَاعِ، أَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ جُمَادَى الْأُولَى وَجُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا. غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ (خُرُوجُ الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ فِي شَعْبَانَ إلَى بَدْرٍ، لِمِيعَادِ أَبِي سُفْيَانَ، حَتَّى نَزَلَهُ. (اسْتِعْمَالُهُ ابْنِ أُبَيٍّ عَلَى الْمَدِينَةِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بن سَلُولَ الْأَنْصَارِيَّ. (رُجُوعُ أَبِي سُفْيَانَ فِي رِجَالِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَمَانِي لَيَالٍ يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ، وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ فِي أَهْلِ مَكَّةَ حَتَّى نَزَلَ مَجِنَّةَ، مِنْ نَاحِيَةِ الظَّهْرَانِ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: قَدْ بَلَغَ عُسْفَانَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فِي الرُّجُوعِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنَّهُ لَا يُصْلِحُكُمْ إلَّا عَامٌ خَصِيبٌ تَرْعَوْنَ فِيهِ الشَّجَرَ، وَتَشْرَبُونَ فِيهِ اللَّبَنَ، وَإِنَّ عَامَكُمْ هَذَا عَامُ جَدْبٍ،

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أَنه» . [2] نذرا بِهِ: علما. 14- سيرة ابْن هِشَام- 2

(الرسول ومخشى الضمري) :

وَإِنِّي رَاجِعٌ، فَارْجِعُوا، فَرَجَعَ النَّاسُ. فَسَمَّاهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ جَيْشَ السَّوِيقِ، يَقُولُونَ: إنَّمَا خَرَجْتُمْ تَشْرَبُونَ السَّوِيقَ. (الرَّسُولُ وَمَخْشِيٌّ الضَّمْرِيُّ) : وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَدْرٍ يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ لِمِيعَادِهِ، فَأَتَاهُ مَخْشِيُّ بْنُ عَمْرٍو الضَّمْرِيُّ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ وَادَعَهُ عَلَى بَنِي ضَمْرَةَ فِي غَزْوَةِ وَدَّانَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَجِئْتَ لِلِقَاءِ قُرَيْشٍ عَلَى هَذَا الْمَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَا أَخَا بَنِي ضَمْرَةَ، وَإِنْ شِئْتَ مَعَ ذَلِكَ رَدَدْنَا إلَيْكَ مَا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، ثُمَّ جَالَدْنَاكَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، قَالَ: لَا وَاَللَّهِ يَا مُحَمَّدُ، مَا لَنَا بِذَلِكَ مِنْكَ مِنْ حَاجَةٍ. (مَعْبَدٌ وَشِعْرُهُ فِي نَاقَةٍ لِلرَّسُولِ هَوَتْ) : فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ، فَمَرَّ بِهِ مَعْبَدُ بْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيُّ، فَقَالَ، وَقَدْ رَأَى مَكَانَ [1] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَاقَتُهُ تَهْوَى [2] بِهِ: قَدْ نَفَرَتْ مِنْ رُفْقَتَيْ مُحَمَّدِ ... وَعَجْوَةٍ مِنْ يَثْرِبَ كالعَنْجَدِ [3] تَهْوَى عَلَى دِينِ أَبِيهَا الْأَتْلَدِ ... قَدْ جَعَلَتْ مَاءَ قُدَيْدٍ مَوْعِدِي [4] وَمَاءَ ضَجْنَانَ [5] لَهَا ضُحَى الْغَدِ (شِعْرٌ لِابْنِ رَوَاحَةَ أَوْ كَعْبٍ فِي بَدْرٍ) : وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي ذَلِكَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِيهَا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: وَعَدْنَا أَبَا سُفْيَانَ بَدْرًا فَلَمْ نَجِدْ ... لِمِيعَادِهِ صِدْقًا وَمَا كَانَ وَافِيَا فَأُقْسِمُ لَوْ وَافَيْتَنَا فَلَقِيتنَا ... لَأُبْتَ ذَمِيمًا وَافْتَقَدْتَ الْمَوَالِيَا [6]

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وَقد كَانَ رَسُول الله.. إِلَخ» . [2] تهوى: تسرع. [3] العنجد: حب الزَّبِيب، وَيُقَال: هُوَ الزَّبِيب الْأسود. [4] الدَّين: الدأب وَالْعَادَة. والأتلد: الأقدم. وقديد: مَوضِع قرب مَكَّة. [5] ضجنَان (بِالْفَتْح وبالتحريك) : جبل بِنَاحِيَة تهَامَة، وَقيل على بريد من مَكَّة. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [6] افتقدت: فقدت. والموالي: الْقَرَابَة.

(شعر حسان في بدر) :

تَرَكْنَا بِهِ أَوْصَالَ عُتْبَةَ وَابْنَهُ ... وَعَمْرًا أَبَا جَهْلٍ تَرَكْنَاهُ ثَاوِيَا [1] عَصَيْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ أُفٍّ لِدِينِكُمْ ... وَأَمْرِكُمْ السَّيْءِ الَّذِي كَانَ غَاوِيَا [2] فَإِنِّي وَإِنْ عَنَّفْتُمُونِي لَقَائِلٌ ... فِدًى لِرَسُولِ اللَّهِ أَهْلِي وَمَالِيَا [3] أَطَعْنَاهُ لَمْ نَعْدِلْهُ فِينَا بِغَيْرِهِ ... شِهَابًا لَنَا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ هَادِيَا [4] (شِعْرُ حَسَّانٍ فِي بَدْرٍ) : وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ: دَعُوا فَلَجَاتِ الشَّامِ قَدْ حَالَ دُونَهَا ... جَلَّادٌ كَأَفْوَاهِ الْمَخَاضِ الْأَوَارِكِ [5] بِأَيْدِي رِجَالٍ هَاجَرُوا نَحْوَ رَبِّهِمْ ... وَأَنْصَارِهِ حَقًّا وَأَيْدِي الْمَلَائِكِ إذَا سَلَكْتَ لِلْغَوْرِ مِنْ بَطْنِ عَالِجٍ ... فَقُولَا لَهَا لَيْسَ الطّريق لَك [6] أَقَمْنَا عَلَى الرَّسِّ النَّزُوعِ ثَمَانِيَا ... بِأَرْعَنَ جَرَّارٍ عَرِيضِ الْمَبَارِكِ [7] بِكُلِّ كُمَيْتٍ جَوْزُهُ نِصْفُ خَلْقِهِ ... وَقُبٍّ طُوَّالٍ مُشْرِفَاتِ الْحَوَارِكِ [8] تَرَى الْعَرْفَجَ الْعَامِيَّ تَذْرِي أُصُولَهُ ... مَنَاسِمُ أَخْفَافِ الْمَطِيِّ الرَّوَاتِكَ [9] فَإِنْ نَلْقَ فِي تَطْوَافِنَا وَالْتِمَاسِنَا ... فُرَاتَ بْنَ حَيَّانٍ يَكُنْ رَهْنَ هَالِكِ وَإِنْ تَلْقَ قَيْسَ بْنَ امْرِئِ الْقَيْسِ بَعْدَهُ ... يُزَدْ فِي سَوَادٍ لَوْنُهُ لَوْنُ حَالِكِ [10]

_ [1] ثاويا: مُقيما. [2] السيّئ (بِالتَّخْفِيفِ) : السيّئ (بِالتَّشْدِيدِ) . [3] عنفتموني: لمتمونى. [4] لم نعدله: لم نر مَعَه غَيره. [5] الفلجات: جمع فلج، وَهُوَ المَاء الْجَارِي، سمى فلجا لِأَنَّهُ فدخ فِي الأَرْض، وَفرق بَين جانبيه. والمخاض: الْحَوَامِل من الْإِبِل. والأوارك: الَّتِي ترعى الْأَرَاك، وَهُوَ شجر. [6] الْغَوْر: المنخفض من الأَرْض. وعالج: مَكَان فِيهِ رمل كثير. [7] الرس: الْبِئْر. والنزوع: الَّتِي يخرج مَاؤُهَا بِالْأَيْدِي. والأرعن: الْجَيْش الْكثير الّذي لَهُ أَتبَاع وفضول. [8] الْكُمَيْت: الْفرس. وَجوزهُ: وَسطه، وَيُرِيد بَطْنه. وَقب: جمع أقب، وَهُوَ الضامر. والحوارك جمع حارك، وَهُوَ أَعلَى الْكَتِفَيْنِ من الْفرس. [9] العرفج: نَبَات. والعامي: الّذي أَتَى عَلَيْهِ الْعَام. وتذرى أُصُوله: تعقلها وتطرحها. ومناسم: جمع منسم، وَهُوَ طرف خف الْبَعِير. والرواتك: المسرعة. [10] الحالك: الشَّديد السوَاد.

(شعر أبى سفيان في الرد على حسان) :

فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنِّي رِسَالَةً ... فَإِنَّكَ مِنْ غُرِّ الرِّجَالِ الصَّعَالِكِ [1] (شِعْرُ أَبِي سُفْيَانَ فِي الرَّدِّ عَلَى حَسَّانٍ) : فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: أَحَسَّانُ إنَّا يَا بن آكِلَةِ الْفَغَا ... وَجَدُّكَ نَغْتَالُ الْخُرُوقَ كَذَلِكِ [2] خَرَجْنَا وَمَا تَنْجُو الْيَعَافِيرُ بَيْنَنَا ... وَلَوْ وَأَلَتْ مِنَّا بِشَدٍّ مُدَارِكِ [3] إذَا مَا انْبَعَثْنَا مِنْ مُنَاخٍ حَسِبْتَهُ ... مُدَمَّنَ أَهْلِ الْمَوْسِمِ الْمُتَعَارِكِ [4] أَقَمْتَ عَلَى الرَّسِّ النَّزُوعِ تُرِيدُنَا ... وَتَتْرُكُنَا فِي النَّخْلِ عِنْدَ الْمَدَارِكِ [5] عَلَى الزَّرْعِ تَمْشِي خَيْلُنَا وَرِكَابُنَا ... فَمَا وَطِئَتْ أَلْصَقْنَهُ بِالدَّكَادِكِ [6] أَقَمْنَا ثَلَاثًا بَيْنَ سَلْعٍ وَفَارِعٍ ... بِجُرْدِ الْجِيَادِ وَالْمَطِيِّ الرَّوَاتِكِ [7] حَسِبْتُمْ جِلَادَ الْقَوْمِ عِنْدَ قِبَابِهِمْ ... كَمَأْخَذِكُمْ بِالْعَيْنِ أَرْطَالَ آنُكِ [8] فَلَا تَبْعَثْ [9] الْخَيْلَ الْجِيَادَ وَقُلْ لَهَا ... عَلَى نَحْوِ قَوْلِ الْمُعْصِمِ الْمُتَمَاسِكِ [10]

_ [1] الغر: الْبيض. والصعالك: جمع صعلوك: وَأَصله الصعاليك، حذفت ياؤه لإِقَامَة الْوَزْن، وَهُوَ الْفَقِير الّذي لَا مَال لَهُ. [2] الفغا: التَّمْر، وَقيل: هُوَ غبرة تعلو التَّمْر قبل أَن يطيب. قَالَ أَبُو ذَر: يُرِيد أَنهم أهل نخيل وتمر. ونغتال: نقطع. والخروق: جمع خرق، وَهُوَ الفلاة الواسعة [3] اليعافير: جمع يَعْفُور، وَهُوَ ولد الظبية، يُرِيد أَنهم لكثرتهم لَا تنجو مَعَهم الظباء. ووألت: اعتصمت ولجأت، يُقَال: وألت إِلَى الْجَبَل، أَي اعتصمت بِهِ، وَمِنْه: الموئل، وَهُوَ الملجأ. والشد: الجرى. والمدارك: المتتابع. [4] المدمن: الْموضع الّذي ينزلون فِيهِ فيتركون بِهِ الدمن، أَي آثَار الدَّوَابّ وَالْإِبِل، وأرواثها وبعارها. وَأهل الْمَوْسِم، أَي جمَاعَة الْحجَّاج، وكل مَكَان كَانَت الْعَرَب تَجْتَمِع فِيهِ فَهُوَ موسم، إِذا كَانَ ذَلِك عَادَة مِنْهُم فِي ذَلِك الْمَكَان، كسوق عكاظ وَذي الْمجَاز وأشباهها. والمتعارك: الّذي يزدحم فِيهِ النَّاس. [5] الرس النُّزُوع: الْبِئْر الَّتِي تنْزع مَاؤُهَا بِالْأَيْدِي والمدارك: الْمَوَاضِع الْقَرِيبَة. ويروى: «الْمُبَارك» . [6] الدكادك: جمع دكدك، وَهُوَ الرمل اللين. [7] سلع وفارع: جبلان. والرواتك: المسرعة. [8] كَذَا فِي أ. قَالَ أَبُو ذَر: «الْعين (هُنَا) : المَال الْحَاضِر. وَالْعين (أَيْضا) : الدّرّ، وَكِلَاهُمَا يصلح هَا هُنَا» . وَفِي سَائِر الْأُصُول: «العبر» . قَالَ أَبُو ذَر: «وَمن رَوَاهُ «بالعير» فالعير: الرّفْقَة من الْإِبِل. والآنك: القزدير. [9] فِي أ: «لَا تنْعَت» . [10] المعصم: المستمسك بالشَّيْء.

غزوة دومة الجندل في شهر ربيع الأول سنة خمس

سَعِدْتُمْ بِهَا وَغَيْرُكُمْ كَانَ أَهْلَهَا [1] ... فَوَارِسُ مِنْ أَبْنَاءِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ فَإِنَّكَ لَا فِي هِجْرَةٍ إنْ ذَكَرْتَهَا ... وَلَا حُرُمَاتِ الدِّينِ أَنْتَ بِنَاسِكِ [2] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَقِيَتْ مِنْهَا أَبْيَاتٌ تَرَكْنَاهَا، لِقُبْحِ اخْتِلَافِ قَوَافِيهَا. وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ هَذَا الْبَيْتَ: خَرَجْنَا وَمَا تَنْجُو الْيَعَافِيرُ بَيْنَنَا وَالْبَيْتَ الَّذِي بَعْدَهُ لِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ فِي قَوْلِهِ: دَعُوا فَلَجَاتِ الشَّأْمِ قَدْ حَالَ دُونَهَا وَأَنْشَدَنِي لَهُ فِيهَا بَيْتَهُ «فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ» . غَزْوَةُ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ خَمْسٍ (مَوْعِدُهَا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَأَقَامَ مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا أَشْهُرًا حَتَّى مَضَى ذُو الْحِجَّةِ وَوَلِيَ تِلْكَ الْحِجَّةَ الْمُشْرِكُونَ وَهِيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ ثُمَّ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَوْمَةَ الْجَنْدَلِ [3] (اسْتِعْمَالُ ابْنِ عُرْفُطَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيَّ. (رُجُوعُ الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّةَ سَنَتِهِ.

_ [1] قَالَ السهيليّ: «وَفِي حَاشِيَة الشَّيْخ: شقيتم بهَا وغيركم أهل ذكرهَا» . [2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والناسك: المتبع لمعالم دينه وشرائعه. ويروى «ناسكى» مَنْسُوبا، وخففت الْيَاء للقافية. وَرِوَايَة الشّطْر الثَّانِي فِي أ: وَلَا حرمات دينهَا أَنْت ناسك [3] دومة (بِضَم الدَّال وتفتح) من أَعمال الْمَدِينَة، وَبَينهَا وَبَينهَا خمس عشرَة لَيْلَة، سميت بدومى بن إِسْمَاعِيل، كَانَ نزلها. (رَاجع الرَّوْض ومعجم الْبلدَانِ وَشرح الْمَوَاهِب) .

غزوة الخندق [1] في شوال سنة خمس

غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ [1] فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ (تَارِيخُهَا) : حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيِّ، قَالَ: ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ [2] . (تَحْرِيضُ الْيَهُودِ لِقُرَيْشِ وَمَا نَزَلَ فِيهِمْ) : فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَاصِمِ ابْن عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَائِنَا، كُلُّهُمْ قَدْ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُ فِي الْحَدِيثِ عَنْ الْخَنْدَقِ، وَبَعْضُهُمْ يُحَدِّثُ مَا لَا يُحَدِّثُ بِهِ [3] بَعْضٌ، قَالُوا: إنَّهُ كَانَ مِنْ حَدِيثِ الْخَنْدَقِ أَنَّ نَفَرًا مِنْ الْيَهُودِ، مِنْهُمْ: سَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحَقِيقِ النَّضْرِيُّ [4] ، وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ النَّضْرِيُّ، وَكِنَانَةُ [5] بْنُ أَبِي الْحَقِيقِ النَّضْرِيُّ، وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ الْوَائِلِيُّ، وَأَبُو عَمَّارٍ الْوَائِلِيُّ، فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، وَنَفَرٍ مِنْ بَنِي وَائِلٍ، وَهُمْ الَّذِينَ حَزَّبُوا الْأَحْزَابَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَجُوا حَتَّى قَدِمُوا عَلَى قُرَيْشٍ مَكَّةَ، فَدَعَوْهُمْ إلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا: إنَّا سَنَكُونُ مَعَكُمْ عَلَيْهِ، حَتَّى نَسْتَأْصِلَهُ، فَقَالَتْ لَهُمْ قُرَيْشٌ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، إنَّكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ وَالْعِلْمِ بِمَا أَصْبَحْنَا نَخْتَلِفُ فِيهِ نَحْنُ وَمُحَمَّدٌ، أَفَدِينُنَا خَيْرٌ أَمْ دِينُهُ؟ قَالُوا: بَلْ دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ، وَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالْحَقِّ

_ [1] بِهَذِهِ الْغَزْوَة يبتدى الْجُزْء الرَّابِع عشر من أَجزَاء السِّيرَة. [2] قَالَ الزرقانى: «وَاخْتلف فِي تاريخها.، فَقَالَ مُوسَى بن عقبَة فِي مغازيه الَّتِي شهد مَالك والشافعيّ بِأَنَّهَا أصح الْمَغَازِي، كَانَت سنة أَربع. قَالَ الْحَافِظ: وَتَابعه على ذَلِك الإِمَام مَالك» . [3] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ. [4] قَالَ السهيليّ: «وَنسب طَائِفَة من بنى النَّضِير، فَقَالَ فيهم: النضري، وَهَكَذَا تقيد فِي النُّسْخَة العتيقة، وَقِيَاسه: النضيري، إِلَّا أَن يكون من بَاب قَوْلهم: ثقفي وقرشي، وَهُوَ خَارج عَن الْقيَاس» . [5] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وكنانة بن الرّبيع بن أَبى الْحقيق النضري» .

(تحريض اليهود لغطفان) :

(مِنْهُ) [1] . فَهُمْ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [2] ، وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا. أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ، وَمن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً» 4: 51- 52 ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» 4: 54: أَيْ النُّبُوَّةَ [3] ، «فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً. فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ، وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً» 4: 54- 55. (تَحْرِيضُ الْيَهُودِ لِغَطَفَانَ) : قَالَ [3] : فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ لِقُرَيْشٍ، سَرَّهُمْ وَنَشَطُوا لِمَا دَعَوْهُمْ إلَيْهِ، مِنْ حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاجْتَمَعُوا لِذَلِكَ وَاتَّعَدُوا لَهُ. ثُمَّ خَرَجَ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِنْ يَهُودَ، حَتَّى جَاءُوا غَطَفَانَ، مِنْ قَيْسِ عَيْلَانَ، فَدَعَوْهُمْ إلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّهُمْ سَيَكُونُونَ مَعَهُمْ عَلَيْهِ، وَأَنَّ قُرَيْشًا قَدْ تَابَعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَاجْتَمَعُوا مَعَهُمْ فِيهِ. (خُرُوجُ الْأَحْزَابِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ، وَقَائِدُهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَخَرَجَتْ غَطَفَانُ، وَقَائِدُهَا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ [4] ، فِي بَنِي فَزَارَةَ، وَالْحَارِثُ ابْن عَوْفِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرِّيُّ، فِي بَنِي مُرَّةَ، وَمِسْعَرُ بْنُ رُخَيْلَةَ بْنِ نُوَيْرَةَ بْنِ طَرِيفِ بْنِ سُحْمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ خَلَاوَةَ بْنِ أَشْجَعَ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ، فِيمَنْ تَابَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ من أَشْجَع.

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] الجبت والطاغوت: كل مَا يعبد من دون الله. [3] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ. [4] كَانَ اسْم عُيَيْنَة بن حصن: حُذَيْفَة، وسمى عُيَيْنَة، لشتر كَانَ بِعَيْنِه. أسلم ثمَّ ارْتَدَّ وآمن بطليحة حِين تنبأ وَأخذ أَسِيرًا، فَأتى بِهِ أَبُو بكر رضى الله عَنهُ فَمن عَلَيْهِ، وَلم يزل مظْهرا الْإِسْلَام على جفوته وعنجهيته ولوثة أعرابيته حَتَّى مَاتَ. وَهُوَ الّذي قَالَ فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الأحمق المطاع، لِأَنَّهُ كَانَ يتبعهُ عشرَة آلَاف قناة. (رَاجع الرَّوْض وَشرح الْمَوَاهِب) .

(جفر الخندق وتخاذل المنافقين وجد المؤمنين) :

(جفر الْخَنْدَقِ وَتَخَاذُلُ الْمُنَافِقِينَ وَجِدُّ الْمُؤْمِنِينَ) : فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا أَجْمَعُوا لَهُ مِنْ الْأَمْرِ، ضَرَبَ الْخَنْدَقَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَعَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْغِيبًا لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْأَجْرِ، وَعَمِلَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ، فَدَأَبَ فِيهِ وَدَأَبُوا. وَأَبْطَأَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي عَمَلِهِمْ ذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، وَجَعَلُوا يُوَرُّونَ [1] بِالضَّعِيفِ مِنْ الْعَمَلِ، وَيَتَسَلَّلُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا إذْنٍ. وَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذَا نَابَتْهُ النَّائِبَةُ، مِنْ الْحَاجَةِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا، يَذْكُرُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَسْتَأْذِنُهُ فِي اللُّحُوقِ بِحَاجَتِهِ، فَيَأْذَنُ لَهُ، فَإِذَا قَضَى حَاجَتَهُ رَجَعَ إلَى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ عَمَلِهِ، رَغْبَةً فِي الْخَيْرِ، وَاحْتِسَابًا لَهُ. (مَا نَزَلَ فِي الْعَامِلِينَ فِي الْخَنْدَقِ مُؤْمِنِينَ وَمُنَافِقِينَ) : فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أُولَئِكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ الله، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 24: 62. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيمَنْ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْحِسْبَةِ وَالرَّغْبَةِ فِي الْخَيْرِ، وَالطَّاعَةِ للَّه وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى، يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَتَسَلَّلُونَ مِنْ الْعَمَلِ، وَيَذْهَبُونَ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً، قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ، أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ 24: 63. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اللِّوَاذُ: الِاسْتِتَارُ بِالشَّيْءِ عِنْدَ الْهَرَبِ، قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:

_ [1] يورون: يستترون.

(ارتجاز المسلمين في حفر الخندق) :

وَقُرَيْشٌ تَفِرُّ مِنَّا لِوَاذًا ... أَنْ يُقِيمُوا وَخَفَّ مِنْهَا الْحُلُومُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، قَدْ ذَكَرْتهَا فِي أَشْعَارِ يَوْمِ أُحُدٍ. «أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ 24: 64» . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: مِنْ صَدْقٍ أَوْ كَذِبٍ. «وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا، وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 24: 64» . (ارْتِجَازُ الْمُسْلِمِينَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَمِلَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ حَتَّى أَحْكَمُوهُ، وَارْتَجَزُوا فِيهِ بِرَجُلِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، يُقَالُ لَهُ جُعَيْلٌ، سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَمْرًا، فَقَالُوا: سَمَّاهُ مِنْ بَعْدِ جُعَيْلٍ عَمْرَا ... وَكَانَ لِلْبَائِسِ يَوْمًا ظَهْرَا [1] فَإِذَا [2] مَرُّوا «بِعَمْرٍو» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَمْرًا، وَإِذَا مَرُّوا «بِظَهْرٍ» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ظَهْرًا [3] . (مَا ظَهَرَ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ أَحَادِيثُ بَلَغَتْنِي، فِيهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عِبْرَةٌ فِي تَصْدِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَحْقِيقِ نُبُوَّتِهِ، عَايَنَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ. (مُعْجِزَةُ الْكُدْيَةِ) : فَكَانَ مِمَّا بَلَغَنِي أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّهُ اشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ فِي بَعْضِ الْخَنْدَقِ كُدْيَةٌ، فَشَكَوْهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا بِإِنَاءِ مِنْ مَاءٍ، فَتَفَلَ فِيهِ، ثُمَّ دَعَا بِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ، ثُمَّ نَضَحَ ذَلِكَ الْمَاءَ عَلَى تِلْكَ الْكُدْيَةِ،

_ [1] الظّهْر: الْقُوَّة والمعونة. وَالضَّمِير فِي «سَمَّاهُ» و «كَانَ» للنّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو ذَر «وَقد يجوز فِيهِ وَجه ثَان، وَهُوَ أَن يكون الظّهْر (هُنَا) : الْإِبِل، فَيكون الْبَيْت على وَجه آخر، تَقْدِيره وَكَانَ المَال للبائس يَوْمًا ظهرا، فأضمر اسْم كَانَ وَإِن لم يتَقَدَّم مَا يفسره، لِأَن مساق الْكَلَام يدل عَلَيْهِ، كَمَا قَالُوا: إِذا كَانَ غَدا فأتنى، أَي إِذا كَانَ الْيَوْم غَدا» . [2] زَادَت أبعد هَذَا الْبَيْت «فِي كتاب ابْن إِسْحَاق طهرا» . [3] أَي قَالَ مَعَهم آخر أَيْضا، فَكَانُوا يرتجزون هَذَا الشّعْر، وَكَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول مَعَهم أَوَاخِر أبياته.

(البركة في تمر ابنة بشير) :

فَيَقُولُ من حضرها: فو الّذي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ نبيّا، لَا نهالت [1] حَتَّى عَادَتْ كَالْكَثِيبِ، لَا تَرُدُّ فَأْسًا وَلَا مِسْحَاةً. (الْبَرَكَةُ فِي تَمْرِ ابْنَةِ بَشِيرٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مِينَا أَنَّهُ حُدِّثَ: أَنَّ ابْنَةً لِبَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ، أُخْتِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَتْ: دَعَتْنِي أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ، فَأَعْطَتْنِي حَفْنَةً مِنْ تَمْرٍ فِي ثَوْبِي، ثُمَّ قَالَتْ: أَيْ بُنَيَّةُ، اذْهَبِي إلَى أَبِيكَ وَخَالِكَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِغَدَائِهِمَا، قَالَتْ: فَأَخَذْتهَا، فَانْطَلَقْتُ بِهَا، فَمَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَلْتَمِسُ أَبِي وَخَالِي، فَقَالَ: تَعَالَيْ يَا بُنَيَّةُ، مَا هَذَا مَعَكَ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا تَمْرٌ، بَعَثَتْنِي بِهِ أُمِّي إلَى أَبِي بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ، وَخَالِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ يَتَغَدَّيَانِهِ، قَالَ: هَاتِيهِ، قَالَتْ: فَصَبَبْتُهُ فِي كَفَّيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا مَلَأَتْهُمَا، ثُمَّ أَمَرَ بِثَوْبِ فَبُسِطَ لَهُ، ثُمَّ دَحَا بِالتَّمْرِ عَلَيْهِ، فَتَبَدَّدَ فَوْقَ الثَّوْبِ، ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانِ عِنْدَهُ: اُصْرُخْ فِي أَهْلِ الْخَنْدَقِ: أَنْ هَلُمَّ إلَى الْغَدَاءِ. فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَلَيْهِ، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْهُ، وَجَعَلَ يَزِيدُ، حَتَّى صَدَرَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْهُ، وَإِنَّهُ لَيَسْقُطُ مِنْ أَطْرَافِ الثَّوْبِ. (الْبَرَكَةُ فِي طَعَامِ جَابِرٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مِينَا، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: عَمِلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَنْدَقِ، فَكَانَتْ عِنْدِي شُوَيْهَةٌ، غَيْرُ جِدٍّ سَمِينَةٌ [2] . قَالَ: فَقُلْتُ: وَاَللَّهِ لَوْ صَنَعْنَاهَا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلّم، قَالَ: فَأَمَرْتُ امْرَأَتِي، فَطَحَنَتْ لَنَا شَيْئًا مِنْ شَعِيرٍ، فَصَنَعَتْ لَنَا مِنْهُ خُبْزًا، وَذَبَحَتْ تِلْكَ الشَّاةَ، فَشَوَيْنَاهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَلَمَّا أَمْسَيْنَا وَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِانْصِرَافَ عَنْ الْخَنْدَقِ- قَالَ: وَكُنَّا نَعْمَلُ فِيهِ نَهَارَنَا، فَإِذَا أَمْسَيْنَا رَجَعْنَا إلَى أَهَالِيِنَا- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي قَدْ صَنَعْتُ لَكَ شُوَيْهَةً كَانَتْ عِنْدَنَا، وَصَنَعْنَا مَعَهَا شَيْئًا مِنْ خُبْزِ هَذَا الشَّعِيرِ، فَأُحِبُّ أَنْ تَنْصَرِفَ

_ [1] انهالت: تفتتت. [2] غير جد سَمِينَة: غير كَامِلَة السّمن.

(ما أرى الله رسوله من الفتح) :

مَعِي إلَى مَنْزِلِي، وَإِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ يَنْصَرِفَ مَعِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ. قَالَ: فَلَمَّا أَنْ قُلْتُ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ أَمَرَ صَارِخًا فَصَرَخَ: أَنْ انْصَرِفُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَيْتِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156! قَالَ: فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْبَلَ النَّاسُ مَعَهُ، قَالَ: فَجَلَسَ وَأَخْرَجْنَاهَا إلَيْهِ. قَالَ: فَبَرَّكَ وَسَمَّى (اللَّهَ) [1] ، ثُمَّ أَكَلَ، وَتَوَارَدَهَا النَّاسُ، كُلَّمَا فَرَغَ قَوْمٌ قَامُوا وَجَاءَ نَاسٌ، حَتَّى صَدَرَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْهَا. (مَا أَرَى اللَّهُ رَسُولَهُ مِنْ الْفَتْحِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدِّثْتُ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: ضَرَبْتُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْخَنْدَقِ، فَغَلُظَتْ عَلَيَّ صَخْرَةٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرِيبٌ مِنِّي، فَلَمَّا رَآنِي أَضْرِبُ وَرَأَى شِدَّةَ الْمَكَانِ عَلَيَّ، نَزَلَ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ مِنْ يَدِي، فَضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً لَمَعَتْ تَحْتَ الْمِعْوَلِ بُرْقَةٌ، قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً أُخْرَى، فَلَمَعَتْ تَحْتَهُ بُرْقَةٌ أُخْرَى، قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ الثَّالِثَةَ، فَلَمَعَتْ تَحْتَهُ بُرْقَةٌ أُخْرَى. قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ لَمَعَ تَحْتَ الْمِعْوَلِ وَأَنْتَ تَضْرِبُ؟ قَالَ: أَوَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ يَا سَلْمَانُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَّا الْأُولَى فَإِنَّ اللَّهَ فَتَحَ عَلَيَّ بِهَا الْيَمَنَ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّ اللَّهَ فَتَحَ عَلَيَّ بِهَا الشَّامَ وَالْمَغْرِبَ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَإِنَّ اللَّهَ فَتَحَ عَلَيَّ بِهَا الْمَشْرِقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ، حِينَ فُتِحَتْ هَذِهِ الْأَمْصَارُ فِي زَمَانِ عُمَرَ وَزَمَانِ عُثْمَانَ وَمَا بَعْدَهُ: افْتَتِحُوا مَا بدا لكم، فو الّذي نفس أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، مَا افْتَتَحْتُمْ مِنْ مَدِينَةٍ وَلَا تَفْتَتِحُونَهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلَّا وَقَدْ أَعْطَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَفَاتِيحَهَا قَبْلَ ذَلِكَ. (نُزُولُ قُرَيْشٍ الْمَدِينَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخَنْدَقِ، أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ حَتَّى نَزَلَتْ بِمُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ مِنْ رُومَةَ، بَيْنَ الْجُرُفِ وَزَغَابَةَ [2] فِي عَشْرَةِ آلَافٍ

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] قَالَ أَبُو ذَر: «كَذَا وَقع هُنَا بالزاء مَفْتُوحَة. ورغابة بالراء الْمَفْتُوحَة هُوَ الْجيد، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الوقشى» .

(استعمال ابن أم مكتوم على المدينة) :

مِنْ أَحَابِيشِهِمْ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ، وَأَقْبَلَتْ غَطَفَانُ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، حَتَّى نَزَلُوا بِذَنَبِ نَقْمَى، إلَى جَانِبِ أُحُدٍ. وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ، حَتَّى جَعَلُوا ظُهُورَهُمْ إلَى سَلْعٍ [1] ، فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنْ الْمُسلمين، فَضرب لَك عَسْكَرَهُ، وَالْخَنْدَقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْمِ. (اسْتِعْمَالُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمَرَ بِالذَّرَارِيِّ وَالنِّسَاءِ فَجُعِلُوا فِي الْآطَامِ [2] . (حَمْلُ حُيَيٍّ كَعْبًا عَلَى نَقْضِ عَهْدِهِ لِلرَّسُولِ) : (قَالَ) [3] : وَخَرَجَ عَدُوُّ اللَّهِ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ النَّضْرِيُّ، حَتَّى أَتَى كَعْبَ ابْن أَسَدٍ الْقُرَظِيَّ، صَاحِبَ عَقْدِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَعَهْدِهِمْ، وَكَانَ قَدْ وَادَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمِهِ، وَعَاقَدَهُ عَلَى ذَلِكَ وَعَاهَدَهُ، فَلَمَّا سَمِعَ كَعْبٌ بِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ أَغْلَقَ دُونَهُ بَابَ حِصْنِهِ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ، فَنَادَاهُ حُيَيٌّ: وَيْحَكَ يَا كَعْبُ! افْتَحْ لِي، قَالَ: وَيْحكَ يَا حُيَيُّ: إنَّكَ امْرُؤٌ مَشْئُومٌ، وَإِنِّي قَدْ عَاهَدْتُ مُحَمَّدًا، فَلَسْتُ بِنَاقِضٍ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَلَمْ أَرَ مِنْهُ إلَّا وَفَاءً وَصِدْقًا، قَالَ وَيْحَكَ افْتَحْ لِي أُكَلِّمْكَ، قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلِ، قَالَ: وَاَللَّهِ إنْ أَغْلَقْتُ دُونِي إلَّا عَنْ جَشِيشَتِكَ [4]

_ [ () ] وَقَالَ السهيليّ: «زغابة: اسْم مَوضِع، بالغين المنقوطة والزاى الْمَفْتُوحَة. وَذكره الْبكْرِيّ بِهَذَا اللَّفْظ بعد أَن قدم القَوْل بِأَنَّهُ زغابة، بِضَم الزاى وَالْعين الْمُهْملَة. وَحكى عَن الطَّبَرِيّ أَنه قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث: بَين الجرف والغابة، وَاخْتَارَ هَذِه الرِّوَايَة وَقَالَ: لِأَن زغابة لَا تعرف. قَالَ السهيليّ: والأعرف عِنْدِي فِي هَذِه الرِّوَايَة رِوَايَة من قَالَ زغابة، بالغين المنقوطة، لِأَن فِي الحَدِيث الْمسند أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ فِي نَاقَة أهداها إِلَيْهِ أعرابى، فكافأه بست بكرات، فَلم يرض، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: أَلا تعْجبُونَ لهَذَا الْأَعرَابِي: أهْدى إِلَى نَاقَة أعرفهَا بِعَينهَا كَمَا أعرف بعض أَهلِي، ذهبت منى يَوْم زغابة، وَقد كافأته بست فسخط» . [1] سلع: جبل بِالْمَدِينَةِ. [2] الْآطَام: الْحُصُون، الْوَاحِد: أَطَم. [3] زِيَادَة عَن أ. [4] الجشيشة: طَعَام يصنع من الجشيش، وَهُوَ الْبر يطحن غليظا، وَهُوَ الّذي تَقول لَهُ الْعَامَّة: «دشيش» بِالدَّال، وَالصَّوَاب الْجِيم.

(تحرى الرسول عن نقض كعب للعهد) :

أَنْ آكُلَ مَعَكَ مِنْهَا [1] ، فَاحْفَظْ [2] الرَّجُلَ، فَفَتَحَ لَهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا كَعْبُ، جِئْتُكَ بِعِزِّ الدَّهْرِ وَبِبَحْرٍ طَامٍّ [3] ، جِئْتُكَ بِقُرَيْشٍ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا، حَتَّى أَنْزَلْتهمْ بِمُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ مِنْ رُومَةَ، وَبِغَطَفَانَ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا حَتَّى أَنْزَلَتْهُمْ بِذَنَبِ نَقْمَى إلَى جَانِبِ أُحُدٍ، قَدْ عَاهَدُونِي وَعَاقَدُونِي عَلَى أَنْ لَا يَبْرَحُوا حَتَّى نَسْتَأْصِلَ مُحَمَّدًا وَمَنْ مَعَهُ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ: جِئْتنِي وَاَللَّهِ بِذُلِّ الدَّهْرِ، وَبِجَهَامٍ [4] . قَدْ هَرَاقَ مَاءَهُ، فَهُوَ يَرْعَدُ وَيَبْرُقُ، لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، وَيْحَكَ يَا حُيَيُّ! فَدَعْنِي وَمَا أَنَا عَلَيْهِ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ مِنْ مُحَمَّدٍ إلَّا صِدْقًا وَوَفَاءً. فَلَمْ يَزَلْ حُيَيٌّ بِكَعْبِ يَفْتِلُهُ فِي الذَّرْوَةِ وَالْغَارِبِ [5] ، حَتَّى سَمَحَ لَهُ، عَلَى أَنْ أَعْطَاهُ عَهْدًا (مِنْ اللَّهِ) [6] وَمِيثَاقًا: لَئِنْ رَجَعَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ، وَلَمْ يُصِيبُوا مُحَمَّدًا أَنْ أَدْخُلَ مَعَكَ فِي حِصْنِكَ حَتَّى يُصِيبَنِي مَا أَصَابَكَ. فَنَقَضَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ عَهْدَهُ، وَبَرِئَ مِمَّا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (تَحَرِّي الرَّسُولِ عَنْ نَقْضِ كَعْبٍ لِلْعَهْدِ) : فَلَمَّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ وَإِلَى الْمُسْلِمِينَ، بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذِ بْنِ النُّعْمَانِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الْأَوْسِ، وَسَعْدَ ابْن عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمٍ، أَحَدَ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ وَمَعَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ [7] ، وَخَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَنْظُرُوا، أَحَقٌّ مَا بَلَغَنَا عَنْ هَؤُلَاءِ

_ [1] كَذَا وَردت هَذِه الْعبارَة فِي أ. وَنَصهَا فِي سَائِر الْأُصُول: «إِن أغلقت الْحصن دوني إِلَّا تخوفت على جشيشتك أَن آكل مِنْهَا مَعَك» . [2] أحفظه: أغضبهُ. [3] آطام: مُرْتَفع، وَيُرِيد كَثْرَة الرِّجَال. [4] الجهام: السَّحَاب الرَّقِيق الّذي لَا مَاء فِيهِ. [5] هَذَا مثل، وَأَصله فِي الْبَعِير يستصعب عَلَيْك، فتأخذ القرادة من ذروته وغارب سنامه وتفتل هُنَاكَ، فيجد الْبَعِير لَذَّة، فيأنس عِنْد ذَلِك. فَضرب هَذَا الْكَلَام مثلا فِي المراوضة والمخاتلة. [6] زِيَادَة عَن أ. [7] فِي أ: «أَخُو بنى الْخَزْرَج» .

(ما عم المسلمين من الخوف وظهور نفاق المنافقين) :

الْقَوْمِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَالْحَنُوا لِي لَحْنًا [1] أَعْرِفُهُ، وَلَا تَفُتُّوا فِي أَعْضَادِ النَّاسِ [2] وَإِنْ كَانُوا عَلَى الْوَفَاءِ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْهَرُوا بِهِ لِلنَّاسِ. قَالَ: فَخَرَجُوا حَتَّى أَتَوْهُمْ، فَوَجَدُوهُمْ عَلَى أَخْبَثِ مَا بَلَغَهُمْ عَنْهُمْ، (فِيمَا) [3] نَالُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا: مَنْ رَسُولُ اللَّهِ؟ لَا عَهْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ وَلَا عَقْدَ. فَشَاتَمَهُمْ سَعْدُ ابْن مُعَاذٍ وَشَاتَمُوهُ، وَكَانَ رَجُلًا فِيهِ حِدَّةٌ، فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: دَعْ عَنْكَ مُشَاتَمَتَهُمْ، فَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَرْبَى [4] مِنْ الْمُشَاتَمَةِ. ثُمَّ أَقْبَلَ سَعْدٌ وَسَعْدٌ وَمَنْ مَعَهُمَا، إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالُوا: عَضَلٌ وَالْقَارَّةُ، أَيْ كَغَدْرِ عَضَلٍ وَالْقَارَّةِ بِأَصْحَابِ الرَّجِيعِ، خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ. (مَا عَمَّ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْخَوْفِ وَظُهُورُ نِفَاقِ الْمُنَافِقِينَ) : (قَالَ) [3] : وَعَظُمَ عِنْدَ ذَلِكَ الْبَلَاءُ، وَاشْتَدَّ الْخَوْفُ، وَأَتَاهُمْ عَدُوُّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، حَتَّى ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ كُلَّ ظَنٍّ، وَنَجَمَ النِّفَاقُ مِنْ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ، حَتَّى قَالَ مُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: كَانَ مُحَمَّدٌ يَعِدُنَا أَنْ نَأْكُلَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَأَحَدُنَا الْيَوْمَ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْغَائِطِ. (رَأْيُ ابْنِ هِشَامٍ فِي نِفَاقِ مُعَتِّبٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ مُعَتِّبَ بْنَ قُشَيْرٍ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَتَّى قَالَ أَوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ مِنْ الْعَدُوِّ، وَذَلِكَ عَنْ مَلَأٍ مِنْ رِجَالِ قَوْمِهِ، فَأْذَنْ لَنَا أَنْ نَخْرُجَ فَنَرْجِعَ إلَى دَارِنَا، فَإِنَّهَا خَارِجٌ مِنْ الْمَدِينَةِ. فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ [1] اللّحن: اللغز، وَهُوَ أَنه يُخَالف ظَاهر الْكَلَام مَعْنَاهُ. [2] يُقَال: فت فِي عضده، إِذا أضعفه وأوهنه. [3] زِيَادَة عَن أ. [4] أربى: أعظم.

(هم الرسول بعقد الصلح بينه وبين غطفان ثم عدل) :

وَأَقَامَ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ، لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ إلَّا الرَّمِّيا [1] بِالنَّبْلِ وَالْحِصَارُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ الرَّمْيَا. (هَمَّ الرَّسُولُ بِعَقْدِ الصُّلْحِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَطَفَانَ ثُمَّ عَدَلَ) : فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَى النَّاسِ الْبَلَاءُ، بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَمَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ [2] اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَإِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَوْفِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرِّيِّ، وَهُمَا قَائِدَا غَطَفَانَ، فَأَعْطَاهُمَا ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَا بِمَنْ مَعَهُمَا عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ، فَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا الصُّلْحُ، حَتَّى كَتَبُوا الْكِتَابَ وَلَمْ تَقَعْ الشَّهَادَةُ وَلَا عَزِيمَةُ الصُّلْحِ، إلَّا الْمُرَاوَضَةُ فِي ذَلِكَ. فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْعَلَ، بَعَثَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمَا، وَاسْتَشَارَهُمَا فِيهِ، فَقَالَا لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْرًا نُحِبُّهُ فَنَصْنَعُهُ، أَمْ شَيْئًا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ، لَا بُدَّ لَنَا مِنْ الْعَمَلِ بِهِ، أَمْ شَيْئًا تَصْنَعُهُ لَنَا؟ قَالَ: بَلْ شَيْءٌ أَصْنَعُهُ لَكُمْ، وَاَللَّهِ مَا أَصْنَعُ ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّنِي رَأَيْتُ الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، وَكَالَبُوكُمْ [3] مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَكْسِرَ عَنْكُمْ مِنْ شَوْكَتِهِمْ إلَى أَمْرٍ مَا، فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ كُنَّا نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَى الشِّرْكِ باللَّه وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، لَا نَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا نَعْرِفُهُ، وَهُمْ لَا يَطْمَعُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا تَمْرَةً إلَّا قِرًى [4] أَوْ بَيْعًا، أَفَحِينَ أَكْرَمْنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَهَدَانَا لَهُ وَأَعَزَّنَا بِكَ وَبِهِ، نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا! (وَاَللَّهِ) [5] مَا لَنَا بِهَذَا مِنْ حَاجَةٍ، وَاَللَّهِ لَا نُعْطِيهِمْ إلَّا السَّيْفَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَنْتَ وَذَاكَ. فَتَنَاوَلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الصَّحِيفَةَ، فَمَحَا مَا فِيهَا مِنْ الْكِتَابِ، ثُمَّ قَالَ: لِيَجْهَدُوا عَلَيْنَا.

_ [1] الرميا (بِكَسْر الرَّاء وَالْمِيم مشددتين وَتَخْفِيف الْيَاء) : المراماة. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عبد الله» . [3] كالبوكم: اشتدوا عَلَيْكُم. [4] الْقرى: مَا يصنع للضيف من الطَّعَام. [5] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ.

(عبور نفر من المشركين الخندق) :

(عُبُورُ نَفَرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ الْخَنْدَقَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ، وَعَدُوُّهُمْ مُحَاصِرُوهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، إلَّا أَنَّ فَوَارِسَ مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدِّ بْنِ أَبِي قَيْسٍ، أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ. - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَمْرُو بْنُ عَبْدِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيَّانِ، وَضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ الشَّاعِرُ [1] ابْن مِرْدَاسٍ، أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ، تَلَبَّسُوا لِلْقِتَالِ، ثُمَّ خَرَجُوا عَلَى خَيْلِهِمْ، حَتَّى مَرُّوا بِمَنَازِلِ بَنِي كِنَانَةَ، فَقَالُوا: تَهَيَّئُوا يَا بَنِي كِنَانَةَ لِلْحَرْبِ [2] ، فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ الْفُرْسَانُ الْيَوْمَ. ثُمَّ أَقْبَلُوا تُعْنِقُ [3] بِهِمْ خَيْلُهُمْ، حَتَّى وَقَفُوا عَلَى الْخَنْدَقِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: وَاَللَّهِ إنَّ هَذِهِ لَمَكِيدَةٌ مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَكِيدُهَا. (سَلْمَانُ وَإِشَارَتُهُ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَالُ: إنَّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ أَشَارَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحَدَّثَنِي [4] بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ قَالُوا: سَلْمَانُ مِنَّا، وَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: سَلْمَانُ مِنَّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ. (قَتْلُ عَلِيٍّ لِعَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدٍّ وَشِعْرُهُ فِي ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ تَيَمَّمُوا مَكَانًا ضَيِّقًا مِنْ الْخَنْدَقِ، فَضَرَبُوا خَيْلَهُمْ فَاقْتَحَمَتْ مِنْهُ، فَجَالَتْ بِهِمْ فِي السَّبْخَةِ بَيْنَ الْخَنْدَقِ وَسَلْعٍ، وَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي نَفَرٍ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى أَخَذُوا عَلَيْهِمْ الثَّغْرَةَ [5] الَّتِي أَقْحَمُوا مِنْهَا خَيْلَهُمْ

_ [1] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ. [2] فِي أ: «لِلْقِتَالِ» . [3] تعنق: تسرع. [4] زَادَت م، ر قبل هَذِه الْكَلِمَة: «قَالَ ابْن هِشَام» . [5] الثغرة: الثلم الّذي كَانَ هُنَاكَ فِي الخَنْدَق.

وَأَقْبَلَتْ الْفُرْسَانُ تُعْنِقُ نَحْوَهُمْ، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ قَدْ قَاتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ، فَلَمْ يَشْهَدْ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ خَرَجَ مُعْلِمًا [1] لِيُرِيَ مَكَانَهُ. فَلَمَّا وَقَفَ هُوَ وَخَيْلُهُ، قَالَ: مَنْ يُبَارِزُ؟ فَبَرَزَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ: يَا عَمْرُو، إنَّكَ قَدْ كُنْتُ عَاهَدْتُ اللَّهَ أَلَّا يَدْعُوكَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى إحْدَى خَلَّتَيْنِ إلَّا أَخَذْتَهَا مِنْهُ، قَالَ لَهُ: أَجَلْ، قَالَ لَهُ عَلِيٌّ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، وَإِلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ، قَالَ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ إلَى النِّزَالِ، فَقَالَ لَهُ: لِمَ يَا بن أخى؟ فو الله مَا أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ، قَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لَكِنِّي وَاَللَّهِ أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ، فَحَمَى [2] عَمْرٌو عِنْدَ ذَلِكَ، فَاقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ، فَعَقَرَهُ، وَضَرَبَ وَجْهَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ، فَتَنَازَلَا وَتَجَاوَلَا، فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [3] . وَخَرَجَتْ خَيْلُهُمْ مُنْهَزِمَةً، حَتَّى اقْتَحَمَتْ مِنْ الْخَنْدَقِ هَارِبَةً. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ: نَصَرَ الْحِجَارَةَ مِنْ سَفَاهَةِ رَأْيِهِ ... وَنَصَرْتُ رَبَّ مُحَمَّدٍ بِصَوَابِي [4] فَصَدَدْتُ حِينَ تَرَكْتُهُ مُتَجَدِّلًا ... كَالْجِذْعِ بَين دكادك وروابي [5] وَعَفَفْتُ عَنْ أَثْوَابِهِ وَلَوْ أَنَّنِي ... كُنْتُ الْمُقَطَّرَ بَزَّنِى أَثْوَابِي [6] لَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ خَاذِلَ دِينِهِ ... وَنَبِيِّهِ يَا مَعْشَرَ الْأَحْزَابِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يَشُكُّ فِيهَا لِعَلِيَّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.

_ [1] الْمعلم: الّذي جعل لَهُ عَلامَة يعرف بهَا. [2] حمى: اشْتَدَّ غَضَبه. [3] سَاق السهيليّ هَذِه الْقِصَّة عَن ابْن إِسْحَاق من غير رِوَايَة ابْن هِشَام عَن البكائي بِزِيَادَة عَمَّا هُنَا، نكتفي بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهَا (رَاجع الرَّوْض ج 2 ص 191) . [4] الْحِجَارَة (هُنَا) : الأنصاب الَّتِي كَانُوا يعبدونها ويذبحون لَهَا. [5] متجدلا: لاصقا بِالْأَرْضِ وَاسْمهَا الجدالة. والجذع: فرع النَّخْلَة. والدكادك: جمع دكداك، هُوَ الرمل اللين. والروابي: جمع رابية، وَهِي الكدية المرتفعة. [6] المقطر: الّذي. ألْقى على أحد قطريه، أَي جَنْبَيْهِ. والقطر. الْجَانِب، يُقَال: طعنه فقطره، أَي أَلْقَاهُ على أحد جَنْبَيْهِ. وبزنى: سلبنى وجردنى. 15- سيرة ابْن هِشَام- 2

(شعر حسان في فرار عكرمة) :

(شِعْرُ حَسَّانَ فِي فِرَارِ عِكْرِمَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [1] : وَأَلْقَى عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ رُمْحَهُ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ مُنْهَزِمٌ عَنْ عَمْرٍو، فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ: فَرَّ وَأَلْقَى لَنَا رُمْحَهُ ... لَعَلَّكَ عِكْرِمَ لَمْ تَفْعَلْ وَوَلَّيْتَ تَعْدُو كَعَدْوِ الظَّلِيمِ [2] ... مَا إنْ تَجُورُ [3] عَنْ الْمَعْدِلِ وَلَمْ تَلْقَ ظَهْرَكَ [4] مُسْتَأْنِسًا ... كَأَنَّ قَفَاكَ قَفَا فُرْعُلِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْفُرْعُلُ: صَغِيرُ الضِّبَاعِ، وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. (شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ) : وَكَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَبَنِيَّ قُرَيْظَةَ: حم، لَا يُنْصَرُونَ. (شَأْنُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ [5] الْأَنْصَارِيُّ، أَخُو بَنِي حَارِثَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ فِي حِصْنِ بَنِي حَارِثَةَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَكَانَ مِنْ أَحْرَزِ حُصُونِ الْمَدِينَةِ. قَالَ: وَكَانَتْ أُمُّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ مَعَهَا فِي الْحِصْنِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ: فَمَرَّ سَعْدٌ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ لَهُ مُقَلَّصَةٌ [6] ، قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا ذِرَاعُهُ كُلُّهَا، وَفِي يَدِهِ حَرْبَتُهُ يَرْقُدُ [7] بِهَا وَيَقُولُ لَبِّثْ قَلِيلًا يَشْهَدْ الْهَيْجَا جَمَلْ ... لَا بَأْسَ بِالْمَوْتِ إذَا حَانَ الْأَجَلْ [8]

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ ابْن هِشَام» . [2] الظليم: ذكر النعام. [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «تحور» بِالْحَاء الْمُهْملَة. [4] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول «وَلم تلو» . [5] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ. [6] مقلصة: قَصِيرَة قد ارْتَفَعت، يُقَال: تقلص الشَّيْء، إِذا ارْتَفع وانقبض. [7] كَذَا فِي أ. ويرقد: يسْرع. وَفِي سَائِر الْأُصُول «يرقل» . [8] كَذَا فِي الْأُصُول. قَالَ أَبُو ذَر: «جمل: اسْم رجل. وَهَذَا الرجز قديم تمثل بِهِ سعد» . وَفِي الرَّوْض: «حمل» بِالْحَاء الْمُهْملَة، قَالَ السهيليّ: «هُوَ بَيت تمثل بِهِ، يعْنى بِهِ حمل بن سعدانة بن الْحَارِث ابْن معقل بن كَعْب بن عليم بن جناب الْكَلْبِيّ» .

(شعر لأسامة يدل على أنه قاتل سعد) :

(قَالَ) فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: الحقّ: أَي ابْني، فَقَدْ وَاَللَّهِ أَخَّرْتُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّ سَعْدٍ، وَاَللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ دِرْعَ سَعْدٍ كَانَتْ أَسْبَغَ [1] مِمَّا هِيَ، قَالَتْ: وَخِفْتِ عَلَيْهِ حَيْثُ أَصَابَ السَّهْمُ مِنْهُ، فَرُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ بِسَهْمِ، فَقَطَعَ مِنْهُ الْأَكْحَلَ [2] ، رَمَاهُ كَمَا حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، حِبَّانُ [3] بْنُ قَيْسِ بْنِ الْعَرِقَةِ [4] ، أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، فَلَمَّا أَصَابَهُ، قَالَ: خُذْهَا مِنِّي وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ، فَقَالَ لَهُ سَعْدُ: عَرَّقَ اللَّهُ وَجْهَكَ فِي النَّارِ، اللَّهمّ إنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا فَأَبْقِنِي لَهَا، فَإِنَّهُ لَا قَوْمَ أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ مِنْ قَوْمٍ آذَوْا رَسُولَكَ وَكَذَّبُوهُ وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهمّ وَإِنْ كُنْتُ قَدْ وَضَعْتُ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْعَلْهُ لِي شَهَادَةً، وَلَا تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ. (شِعْرٌ لِأُسَامَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَاتِلُ سَعْدٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا أَصَابَ سَعْدًا يَوْمَئِذٍ إلَّا أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِي، حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ. وَقَدْ قَالَ أَبُو أُسَامَةَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا [5] لِعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ: أَعِكْرِمُ هَلَّا لُمْتنِي إذْ تَقُولُ لِي ... فِدَاكَ بِآطَامِ الْمَدِينَةِ خَالِدُ [6] أَلَسْتُ الَّذِي أَلْزَمْتُ سَعْدًا مُرِشَّةً [7] ... لَهَا بَيْنَ أَثْنَاءِ الْمَرَافِقِ عَانِدُ [8] قَضَى نَحْبَهُ مِنْهَا سَعِيدٌ فَأَعْوَلَتْ ... عَلَيْهِ مَعَ الشُّمْطِ الْعَذَارَى النَّوَاهِدُ [9]

_ [1] أَسْبغ: أكمل وأطول. [2] الأكحل: عرق فِي الذِّرَاع. [3] قَالَ السهيليّ: «حبَان» هُوَ ابْن عبد منَاف بن منقذ بن عَمْرو بن معيص بن عَامر بن لؤيّ» . [4] العرقة: هِيَ قلَابَة بنت سعد بن سعد بن سهم، وتكنى أم فَاطِمَة، وَسميت العرقة لطيب رِيحهَا، وَهِي جدة خَدِيجَة، أم أمهَا هَالة. (رَاجع الرَّوْض) . [5] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ لعكرمة ... إِلَخ» . [6] الْآطَام: الْحُصُون والقصور، الْوَاحِد: أَطَم. [7] كَذَا فِي أ. ومرشة: يعْنى رمية أَصَابَته فأطارت رشاش الدَّم مِنْهُ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «مريشة» . [8] العاند: الْعرق الّذي لَا يَنْقَطِع مِنْهُ الدَّم. [9] النحب: الأَصْل. وأعولت: بَكت بِصَوْت مُرْتَفع. والشمط: جمع شَمْطَاء، وَهِي الَّتِي خالط شعرهَا الشيب. والعذارى: الْأَبْكَار. والنواهد: جمع ناهد، وَهِي الَّتِي ظهر نهدها.

(قاتل سعد في رأى ابن هشام) :

وَأَنْتَ الَّذِي دَافَعْتَ عَنْهُ وَقَدْ دَعَا ... عُبَيْدَةُ جَمْعًا مِنْهُمْ إذْ يُكَابِدُ عَلَى حِينِ مَا هُمْ جَائِرٌ عَنْ طَرِيقِهِ ... وَآخَرُ مَرْعُوبٌ عَنْ الْقَصْدِ قَاصِدُ [1] (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ) [2] . (قَاتِلُ سَعْدٍ فِي رَأْيِ ابْنِ هَشَّامٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: إنَّ الَّذِي رَمَى سَعْدًا خَفَاجَةُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ حِبَّانَ. (صَفِيَّةُ وَحَسَّانُ وَمَا ذَكَرَتْهُ عَنْ جُبْنِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ قَالَ: كَانَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي فَارِعٍ، حِصْنُ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَتْ: وَكَانَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ مَعَنَا فِيهِ، مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. قَالَتْ صَفِيَّةُ، فَمَرَّ بِنَا رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ، فَجَعَلَ يُطِيفُ بِالْحِصْنِ، وَقَدْ حَارَبَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ، وَقَطَعَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَحَدٌ يَدْفَعُ عَنَّا، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ فِي نُحُورِ عَدُوِّهِمْ، لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْصَرِفُوا عَنْهُمْ إلَيْنَا إنْ أَتَانَا آتٍ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا حَسَّانُ، إنَّ هَذَا الْيَهُودِيَّ كَمَا تَرَى يُطِيفُ بِالْحِصْنِ، وَإِنِّي وَاَللَّهِ مَا آمَنُهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى عَوْرَتِنَا مَنْ وَرَاءَنَا مِنْ يَهُودَ، وَقَدْ شُغِلَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، فَانْزِلْ إلَيْهِ فَاقْتُلْهُ، قَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا بْنَةَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَاَللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ مَا أَنَا بِصَاحِبِ هَذَا: قَالَتْ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ عِنْدَهُ شَيْئًا، احْتَجَزْتُ [3] ثُمَّ أَخَذْتُ عَمُودًا، ثُمَّ نَزَلْتُ مِنْ الْحِصْنِ إلَيْهِ، فَضَرَبْتُهُ بِالْعَمُودِ حَتَّى قَتَلْتُهُ. قَالَتْ: فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْهُ، رَجَعْتُ إلَى الْحِصْنِ، فَقُلْتُ: يَا حَسَّانُ، انْزِلْ إلَيْهِ فَاسْلُبْهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ سَلَبِهِ إلَّا أَنَّهُ رَجُلٌ، قَالَ: مَا لِي بِسَلَبِهِ مِنْ حَاجَة يَا بنت عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [4] .

_ [1] المرعوب: المفزع. قَالَ أَبُو ذَر: من رَوَاهُ مَرْغُوب، بالغين الْمُعْجَمَة، فَمَعْنَاه: رغب عَن الْقَصْد: أَي تَركه، وَهُوَ على معنى النّسَب: أَي ذُو رَغْبَة. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] احتجزت: شددت وسطى. قَالَ أَبُو ذَر: «وَمن رَوَاهُ: اعتجرت، فَمَعْنَاه: شددت معجرى» . [4] قَالَ السهيليّ: «ومجمل هَذَا الحَدِيث عِنْد النَّاس على أَن حسان كَانَ جَبَانًا شَدِيد الْجُبْن. وَقد دفع هَذَا بعض الْعلمَاء وَأنْكرهُ، وَذَلِكَ أَنه حَدِيث مُنْقَطع الْإِسْنَاد، وَقَالَ: لَو صَحَّ هَذَا لهجي بِهِ حسان، فَإِنَّهُ كَانَ

(شأن نعيم في تخذيل المشركين عن المسلمين) :

(شَأْنُ نُعَيْمٍ فِي تَخْذِيلِ الْمُشْرِكِينَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، فِيمَا وَصَفَ اللَّهُ مِنْ الْخَوْفِ وَالشِّدَّةِ، لِتَظَاهُرِ عَدُوِّهِمْ عَلَيْهِمْ، وَإِتْيَانِهِمْ إيَّاهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ. (قَالَ) [1] : ثُمَّ إنَّ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودِ بْنِ عَامِرِ بْنِ أُنَيْفِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ قُنْفُدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ خَلَاوَةَ بْنِ أَشْجَعَ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، وَإِنَّ قَوْمِي لَمْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي، فَمُرْنِي بِمَا شِئْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّمَا أَنْتُ فِينَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَخَذِّلْ عَنَّا [2] إنْ اسْتَطَعْتُ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ. فَخَرَجَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى أَتَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانَ لَهُمْ نَدِيمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ، قَدْ عَرَفْتُمْ وُدِّي إيَّاكُمْ، وَخَاصَّةً مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، قَالُوا: صَدَقْتُ، لَسْتُ عِنْدَنَا بِمُتَّهَمٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إنَّ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ لَيْسُوا كَأَنْتُمْ، الْبَلَدُ بَلَدُكُمْ، فِيهِ أَمْوَالُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ، لَا تَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ تَحَوَّلُوا مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ قَدْ جَاءُوا لِحَرْبِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقَدْ ظَاهَرْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ، وَبَلَدُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ بِغَيْرِهِ، فَلَيْسُوا كَأَنْتُمْ، فَإِنْ رَأَوْا نُهْزَةً [3] أَصَابُوهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ لَحِقُوا بِبِلَادِهِمْ وَخَلَّوْا بَيْنَكُمْ

_ [ () ] يهاجى الشُّعَرَاء كضرار وَابْن الزبعري وَغَيرهمَا، وَكَانُوا يناقضونه ويردون عَلَيْهِ، فَمَا عيره أحد مِنْهُم بجبن، وَلَا وسمه بِهِ، فَدلَّ هَذَا على ضعف حَدِيث ابْن إِسْحَاق، وَإِن صَحَّ فَلَعَلَّ حسان أَن يكون مُعْتَلًّا فِي ذَلِك الْيَوْم بعلة منعته من شُهُود الْقِتَال، وَهَذَا أولى مَا تَأَول عَلَيْهِ. وَمِمَّنْ أنكر أَن يكون هَذَا صَحِيحا أَبُو عمر رَحمَه الله فِي كتاب الدُّرَر لَهُ. وعقب على هَذَا الحَدِيث أَبُو ذَر أَيْضا بِمَا لَا يخرج عَمَّا ذكر السهيليّ. وَقَالَ الزرقانى بعد مَا سَاق رأى أَبى عمر فِي الدُّرَر، واستبعاده هَذَا على حسان: «وَإِنَّمَا كَانَ أولى، لِأَن ابْن إِسْحَاق لم ينْفَرد بِهِ، بل جَاءَ بِسَنَد مُتَّصِل حسن كَمَا علم، فاعتضد حَدِيثه. وَقد قَالَ ابْن السراج: سكُوت الشُّعَرَاء عَن تعييره بذلك من أَعْلَام النُّبُوَّة، لِأَنَّهُ شاعره صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم» . [1] زِيَادَة عَن أ. [2] خذل عَنَّا: أَدخل بَين الْقَوْم حَتَّى يخذل بَعضهم بَعْضًا. [3] النهزة: انتهاز الشَّيْء واختلاسه.

(دبيب الفرقة بين المشركين) :

وَبَيْنَ الرَّجُلِ بِبَلَدِكُمْ، وَلَا طَاقَةَ لَكُمْ بَهْ إنْ خَلَا بِكُمْ، فَلَا تُقَاتِلُوا مَعَ الْقَوْمِ حَتَّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رَهْنًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ، يَكُونُونَ بِأَيْدِيكُمْ ثِقَةً لَكُمْ عَلَى أَنْ تُقَاتِلُوا مَعَهُمْ مُحَمَّدًا حَتَّى تُنَاجِزُوهُ، فَقَالُوا لَهُ: لَقَدْ أَشَرْتُ بِالرَّأْيِ. ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا، فَقَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ: قَدْ عَرَفْتُمْ وُدِّي لَكُمْ وَفِرَاقِي مُحَمَّدًا، وَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَمْرٌ قَدْ رَأَيْتُ عَلَيَّ حَقًّا أَنْ أُبْلِغَكُمُوهُ، نُصْحًا لَكُمْ، فَاكْتُمُوا عَنِّي، فَقَالُوا: نَفْعَلُ، قَالَ: تَعْلَمُوا أَنَّ مَعْشَرَ يَهُودَ قَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ أَرْسَلُوا إلَيْهِ: إنَّا قَدْ نَدِمْنَا عَلَى مَا فَعَلْنَا، فَهَلْ يُرْضِيكَ أَنْ نَأْخُذَ لَكَ مِنْ الْقَبِيلَتَيْنِ، مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ رِجَالًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَنُعْطِيكَهُمْ، فَتَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ ثُمَّ نَكُونُ مَعَكَ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ حَتَّى نَسْتَأْصِلَهُمْ؟ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ: أَنْ نَعَمْ. فَإِنْ بَعَثَتْ إلَيْكُمْ يَهُودُ يَلْتَمِسُونَ مِنْكُمْ رَهْنًا مِنْ رِجَالِكُمْ فَلَا تَدْفَعُوا إلَيْهِمْ مِنْكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا. ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى غَطَفَانَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ غَطَفَانَ، إنَّكُمْ أَصْلِي وَعَشِيرَتِي، وَأَحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ، وَلَا أَرَاكُمْ تَتَّهِمُونِي، قَالُوا: صَدَقْتُ، مَا أَنْتَ عِنْدَنَا بِمُتَّهَمٍ، قَالَ: فَاكْتُمُوا عَنِّي، قَالُوا: نَفْعَلُ، فَمَا أَمْرُكَ؟ [1] ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ لِقُرَيْشِ وَحَذَّرَهُمْ مَا حَذَّرَهُمْ. (دَبِيبُ الْفُرْقَةِ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ) : فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ السَّبْتِ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ، وَكَانَ مِنْ صُنْعِ اللَّهِ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ [2] أَرْسَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَرُءُوسُ غَطَفَانَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ، فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ، فَقَالُوا لَهُمْ: إنَّا لَسْنَا بِدَارِ مُقَامٍ، قَدْ هَلَكَ الْخُفُّ وَالْحَافِرُ [3] ، فَاغْدُوَا لِلْقِتَالِ حَتَّى نُنَاجِزَ مُحَمَّدًا، وَنَفْرُغَ مِمَّا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَأَرْسَلُوا إلَيْهِمْ: إنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ السَّبْتِ، وَهُوَ (يَوْمٌ) [4] لَا نَعْمَلُ فِيهِ

_ [1] هَذِه الْعبارَة «فَمَا أَمرك» سَاقِطَة فِي أ. [2] فِي أ: «أَنه» . [3] يُرِيد «بالخف» : الْإِبِل، و «بالحافر» : الْخَيل. [4] زِيَادَة عَن أ.

(أرسل الرسول حذيفة ليتعرف ما حل بالمشركين) :

شَيْئًا، وَقَدْ كَانَ أَحْدَثَ فِيهِ بَعْضُنَا حَدَثًا، فَأَصَابَهُ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكُمْ، وَلَسْنَا مَعَ ذَلِكَ بِاَلَّذِينَ نُقَاتِلُ مَعَكُمْ مُحَمَّدًا حَتَّى تُعْطُونَا رَهْنًا مِنْ رِجَالِكُمْ، يَكُونُونَ بِأَيْدِينَا ثِقَةً لَنَا حَتَّى نُنَاجِزَ مُحَمَّدًا، فَإِنَّا نَخْشَى إنَّ ضَرَّسَتْكُمْ [1] الْحَرْبُ، وَاشْتَدَّ عَلَيْكُمْ الْقِتَال أَن تنشروا [2] إلَى بِلَادِكُمْ وَتَتْرُكُونَا، وَالرَّجُلَ فِي بَلَدِنَا، وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِذَلِكَ مِنْهُ. فَلَمَّا رَجَعَتْ إلَيْهِمْ الرُّسُلُ بِمَا قَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ، قَالَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ: وَاَللَّهِ إنَّ الَّذِي حَدَّثَكُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقٌّ، فَأَرْسِلُوا بَنِي قُرَيْظَةَ: إنَّا وَاَللَّهِ لَا نَدْفَعُ إلَيْكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا مِنْ رِجَالِنَا، فَإِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ الْقِتَالَ فَاخْرُجُوا فَقَاتِلُوا، فَقَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ، حِينَ انْتَهَتْ الرُّسُلُ إلَيْهِمْ بِهَذَا: إنَّ الَّذِي ذَكَرَ لَكُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقٌّ، مَا يُرِيدُ الْقَوْمُ إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا، فَإِنْ رَأَوْا فُرْصَةً انْتَهَزُوهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ انْشَمَرُوا إلَى بِلَادِهِمْ. وَخَلَّوْا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الرَّجُلِ فِي بَلَدِكُمْ، فَأَرْسِلُوا إلَى قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ: إنَّا وَاَللَّهِ لَا نُقَاتِلُ مَعَكُمْ مُحَمَّدًا [3] حَتَّى تُعْطُونَا رَهْنًا، فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ، وَخَذَّلَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ، وَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الرِّيحَ فِي لَيَالٍ شَاتِيَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَجَعَلَتْ تَكْفَأُ قُدُورَهُمْ [4] ، وَتَطْرَحُ أَبْنِيَتَهُمْ [5] . (أَرْسَلَ الرَّسُولُ حُذَيْفَةَ لِيَتَعَرَّفَ مَا حَلَّ بِالْمُشْرِكِينَ) : (قَالَ) [6] : فَلَمَّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اخْتَلَفَ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَمَا فَرَّقَ اللَّهُ مِنْ جَمَاعَتِهِمْ، دَعَا حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، فَبَعَثَهُ إلَيْهِمْ، لِيَنْظُرَ مَا فَعَلَ الْقَوْمُ لَيْلًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، أَرَأَيْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحِبْتُمُوهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَا بن أَخِي، قَالَ: فَكَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟

_ [1] ضرستكم الْحَرْب: نَالَتْ مِنْكُم، كَمَا يُصِيب ذُو الأضراس بأضراسه. [2] أَن تنشمروا: أَن تنقبضوا وتسرعوا إِلَى بِلَادكُمْ. [3] هَذِه الْكَلِمَة «مُحَمَّدًا» سَاقِطَة فِي أ. [4] تكفأ قدورهم: تميلها وَتَقَلُّبهَا. [5] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «آنيتهم» . [6] زِيَادَة عَن أ.

(مناداة أبى سفيان فيهم بالرحيل) :

قَالَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ كُنَّا نَجْهَدُ، قَالَ: فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَوْ أَدْرَكْنَاهُ مَا تَرَكْنَاهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَلَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَعْنَاقِنَا. قَالَ: فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَا بن أَخِي، وَاَللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَنْدَقِ، وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوِيًّا [1] مِنْ اللَّيْلِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْنَا فَقَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرُ لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْمُ ثُمَّ يَرْجِعُ- يَشْرِطُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجْعَةَ- أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ؟ فَمَا قَامَ [2] رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَشِدَّةِ الْجُوعِ، وَشِدَّةِ الْبَرْدِ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ، دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَكُنْ لِي بُدٌّ مِنْ الْقِيَامِ حِينَ دَعَانِي، فَقَالَ: يَا حُذَيْفَةُ، اذْهَبْ فَادْخُلْ فِي الْقَوْمِ، فَانْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُونَ [3] ، وَلَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنَا. قَالَ: فَذَهَبْتُ فَدَخَلْتُ فِي الْقَوْمِ وَالرِّيحُ وَجُنُودُ اللَّهِ تَفْعَلُ بِهِمْ مَا تَفْعَلُ، لَا تُقِرُّ لَهُمْ قِدْرًا وَلَا نَارًا وَلَا بِنَاءً. فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ: لِيَنْظُرْ امْرُؤٌ مَنْ جَلِيسُهُ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ: فَأَخَذْتُ بِيَدِ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ إلَى جَنْبِي، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ [4] . (مُنَادَاةُ أَبَى سُفْيَانَ فِيهِمْ بِالرَّحِيلِ) : ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنَّكُمْ وَاَللَّهِ مَا أَصْبَحْتُمْ بِدَارِ مُقَامٍ، لَقَدْ هَلَكَ الْكُرَاعُ [5] وَالْخُفُّ، وَأَخْلَفَتْنَا بَنُو قُرَيْظَةَ، وَبَلَغَنَا عَنْهُمْ الَّذِي نَكْرَهُ، وَلَقِينَا مِنْ شِدَّةِ الرِّيحِ مَا تَرَوْنَ، مَا تَطْمَئِنُّ لَنَا قِدْرٌ، وَلَا تَقُومُ لَنَا نَارٌ، وَلَا يَسْتَمْسِكُ لَنَا بِنَاءٌ، فَارْتَحِلُوا فَإِنِّي مُرْتَحِلٌ، ثُمَّ قَامَ إلَى جَمَلِهِ وَهُوَ مَعْقُولٌ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ، فَوَثَبَ بِهِ على ثَلَاث، فو الله مَا أَطْلَقَ عِقَالَهُ إلَّا وَهُوَ قَائِمٌ، وَلَوْلَا عَهْدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيَّ «أَنْ لَا تُحْدِثَ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي» ، ثُمَّ شِئْتُ، لَقَتَلْتُهُ بِسَهْمِ.

_ [1] هويا من اللَّيْل (بِفَتْح الْهَاء وَضمّهَا) : قِطْعَة مِنْهُ. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ» . [3] فِي أ: «يَفْعَلُونَ» . [4] فِي شرح الْمَوَاهِب: «فَضربت بيَدي على يَد الّذي عَن يَمِيني، فَأخذت بِيَدِهِ، فَقلت: من أَنْت؟ قَالَ: مُعَاوِيَة بن أَبى سُفْيَان، ثمَّ ضربت بيَدي على يَد الّذي عَن شمَالي، فَقلت: من أَنْت؟ قَالَ: عَمْرو ابْن الْعَاصِ» . [5] الكراع: الْخَيل.

(رجوع حذيفة إلى الرسول بتخاذل المشركين وانصرافهم) :

(رُجُوعُ حُذَيْفَةَ إلَى الرَّسُولِ بِتَخَاذُلِ الْمُشْرِكِينَ وَانْصِرَافِهِمْ) : قَالَ حُذَيْفَةُ: فَرَجَعْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي مِرْطٍ [1] لِبَعْضِ نِسَائِهِ، مَرَاجِلُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمَرَاجِلُ: ضَرْبٌ مِنْ وَشَى الْيَمَنِ. فَلَمَّا رَآنِي أَدْخَلَنِي إلَى رِجْلَيْهِ، وَطَرَحَ عَلَيَّ طَرَفَ الْمِرْطِ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ، وَإِنِّي لِفِيهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ، وَسَمِعَتْ غَطَفَانُ بِمَا فَعَلَتْ قُرَيْشٌ، فَانْشَمَرُوا رَاجِعِينَ إلَى بِلَادِهِمْ. (انْصِرَافُ الرَّسُولِ عَنْ الْخَنْدَقِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ عَنْ الْخَنْدَقِ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ [2] وَالْمُسْلِمُونَ، وَوَضَعُوا السِّلَاحَ. غَزْوَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ (أَمْرُ اللَّهِ لِرَسُولِهِ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ بِحَرْبِ بَنِي قُرَيْظَةَ) : فَلَمَّا كَانَتْ الظُّهْرُ، أَتَى جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، مُعْتَجِرًا [3] بِعِمَامَةِ مِنْ إسْتَبْرَقٍ [4] ، عَلَى بَغْلَةٍ عَلَيْهَا رِحَالَةٌ [5] ، عَلَيْهَا قَطِيفَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ، فَقَالَ: أَوَقَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: فَمَا وَضَعَتْ الْمَلَائِكَةُ السِّلَاحَ بَعْدُ، وَمَا رَجَعَتْ الْآنَ إلَّا مِنْ طَلَبِ الْقَوْمِ، إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَأْمُرُكَ يَا مُحَمَّدُ بِالْمَسِيرِ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَإِنِّي عَامِدٌ إلَيْهِمْ فَمُزَلْزِلٌ بِهِمْ.

_ [1] المرط: الكساء. [2] كَانَ دُخُول الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة يَوْم الْأَرْبَعَاء، يَوْم مُنْصَرفه من الخَنْدَق، لسبع بَقينَ من ذِي الْقعدَة. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) . [3] الاعتجار: أَن يتعمم الرجل دون تلح، أَي لَا يلقى شَيْئا تَحت لحيته. [4] الإستبرق: ضرب من الديباج غليظ. [5] الرحالة: السرج.

(دعوة الرسول المسلمين للقتال) :

(دَعْوَةُ الرَّسُولِ الْمُسْلِمِينَ لِلْقِتَالِ) : فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَذِّنًا، فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ: مَنْ كَانَ سَامِعًا مُطِيعًا، فَلَا يُصَلِّيَنَّ الْعَصْرَ إلَّا بِبَنِي قُرَيْظَةَ. (اسْتِعْمَالُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ) : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. (تَقَدُّمُ عَلِيٍّ وَتَبْلِيغُهُ الرَّسُولَ مَا سَمِعَهُ مِنْ سُفَهَائِهِمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بِرَايَتِهِ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَابْتَدَرَهَا النَّاسُ. فَسَارَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَتَّى إذَا دَنَا مِنْ الْحُصُونِ سَمِعَ مِنْهَا مَقَالَةً قَبِيحَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَجَعَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّرِيقِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا عَلَيْكَ أَنْ لَا تَدْنُوَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَخَابِثِ، قَالَ: لِمَ؟ أَظُنُّكَ سَمِعْتُ مِنْهُمْ لِي أَذًى؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لَوْ رَأَوْنِي لَمْ يَقُولُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. فَلَمَّا دَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُصُونِهِمْ. قَالَ: يَا إخْوَانَ الْقِرَدَةِ، هَلْ أَخْزَاكُمْ اللَّهُ وَأَنْزَلَ بِكُمْ نِقْمَتَهُ؟ قَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، مَا كُنْتُ جَهُولًا. (سَأَلَ الرَّسُولُ عَمَّنْ مَرَّ بِهِمْ فَقِيلَ دِحْيَةُ فَعَرَفَ أَنَّهُ جِبْرِيلُ) : وَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ بِالصَّوْرَيْنِ [1] قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَالَ: هَلْ مَرَّ بِكُمْ أَحَدٌ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ مَرَّ بِنَا دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ، عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ عَلَيْهَا رِحَالَةٌ، عَلَيْهَا قَطِيفَةٌ دِيبَاجٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَلِكَ جِبْرِيلُ، بُعِثَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ يُزَلْزِلُ بِهِمْ حُصُونَهُمْ، وَيَقْذِفُ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ. وَلَمَّا أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي قُرَيْظَةَ: نَزَلَ عَلَى بِئْرٍ مِنْ آبَارِهَا مِنْ نَاحِيَةِ أَمْوَالِهِمْ، يُقَالُ لَهَا بِئْرُ أُنَا [2] .

_ [1] الصورين: مَوضِع قرب الْمَدِينَة. (عَن مُعْجم الْبلدَانِ) . [2] أَنا (كهنا أَو كحتى أَو بِكَسْر النُّون الْمُشَدّدَة، ويروى بموحدة بدل النُّون) : من آبار بنى قُرَيْظَة. (رَاجع الرَّوْض وَشرح الْمَوَاهِب ومعجم الْبلدَانِ) .

(تلاحق المسلمين بالرسول) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بِئْرُ أَنَّى. (تَلَاحُقُ الْمُسْلِمِينَ بِالرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَتَلَاحَقَ بِهِ النَّاسُ، فَأَتَى رِجَالٌ مِنْهُمْ [1] مِنْ بَعْدِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، وَلَمْ يُصَلُّوا الْعَصْرَ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إلَّا بِبَنِي قُرَيْظَةَ، فَشَغَلَهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ بُدٌّ فِي حَرْبِهِمْ، وَأَبَوْا أَنْ يُصَلُّوا، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَتَّى تَأْتُوا بَنِي قُرَيْظَةَ. فَصَلَّوْا الْعَصْرَ بِهَا، بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، فَمَا عَابَهُمْ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، وَلَا عَنَّفَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2] . حَدَّثَنِي بِهَذَا الحَدِيث أَبى إسْحَاقَ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ. (حِصَارُهُمْ وَمَقَالَةُ كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ لَهُمْ) : (قَالَ) [3] : وَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ [4] لَيْلَةً، حَتَّى جَهَدَهُمْ الْحِصَارُ، وَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ. وَقَدْ كَانَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ دَخَلَ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي حِصْنِهِمْ، حِينَ رَجَعَتْ عَنْهُمْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ، وَفَاءً لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ بِمَا كَانَ عَاهَدَهُ عَلَيْهِ. فَلَمَّا أَيْقَنُوا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ عَنْهُمْ حَتَّى يُنَاجِزَهُمْ، قَالَ كَعْبُ ابْن أَسَدٍ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنْ الْأَمْرِ مَا تَرَوْنَ، وَإِنِّي عَارِضٌ عَلَيْكُمْ خِلَالًا ثَلَاثًا، فَخُذُوا أَيَّهَا شِئْتُمْ، قَالُوا: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: نُتَابِعُ هَذَا الرجل ونصدّقه فو الله لَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ أَنَّهُ لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَأَنَّهُ لَلَّذِي تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ، فَتَأْمَنُونَ عَلَى دِمَائِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ وَنِسَائِكُمْ [5] ، قَالُوا: لَا نُفَارِقُ حُكْمَ التَّوْرَاةِ أَبَدًا، وَلَا نَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ، قَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ عَلَيَّ هَذِهِ، فَهَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا،

_ [1] هَذِه الْكَلِمَة «مِنْهُم» سَاقِطَة فِي أ. [2] يُؤْخَذ من هَذَا أَنه لَا يعاب من أَخذ بِظَاهِر حَدِيث أَو آيَة وَلَا من استنبط من النَّص معنى يخصصه، كَمَا يُؤْخَذ مِنْهُ أَن كل مُجْتَهد فِي الْفُرُوع مُصِيب. (رَاجع الرَّوْض وَشرح الْمَوَاهِب) . [3] زِيَادَة عَن. [4] وَقيل: خمس عشرَة لَيْلَة، وَقيل بضع عشرَة. (رَاجع الطَّبَقَات وَشرح الْمَوَاهِب) . [5] هَذِه الْكَلِمَة «ونسائكم» سَاقِطَة فِي أ.

(أبو لبابة وتوبته) :

ثُمَّ نَخْرُجُ إلَى مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ رِجَالًا مُصْلِتِينَ السُّيُوفَ، لَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا ثَقَلًا، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، فَإِنْ نَهْلِكْ نَهْلِكُ، وَلَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا نَسْلًا نَخْشَى عَلَيْهِ، وَإِنْ نَظْهَرْ فَلَعَمْرِي لِنَجِدَنَّ [1] النِّسَاءَ وَالْأَبْنَاءَ، قَالُوا: نَقْتُلُ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينِ! فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ؟ قَالَ: فَإِنْ أَبَيْتُمْ عَلَيَّ هَذِهِ، فَإِنَّ اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ السَّبْتِ، وَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَدْ أَمَّنُونَا [2] فِيهَا، فَانْزِلُوا لَعَلَّنَا نُصِيبُ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ غِرَّةً، قَالُوا: نُفْسِدُ سَبْتَنَا عَلَيْنَا، وَنُحْدِثُ فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا إلَّا مَنْ قَدْ عَلِمْتُ، فَأَصَابَهُ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ مِنْ الْمَسْخِ! قَالَ: مَا بَاتَ رَجُلٌ مِنْكُمْ مُنْذُ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لَيْلَةً وَاحِدَةً مِنْ الدَّهْرِ حَازِمًا. (أَبُو لُبَابَةَ وَتَوْبَتُهُ) : (قَالَ) [3] : ثُمَّ إنَّهُمْ بَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ ابْعَثْ إلَيْنَا أَبَا لُبَابَةَ [4] بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْأَوْسِ، لِنَسْتَشِيرَهُ فِي أَمْرِنَا، فَأَرْسَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامَ إلَيْهِ الرِّجَالُ، وَجَهَشَ [5] إلَيْهِ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ يَبْكُونَ فِي وَجْهِهِ، فَرَقَّ لَهُمْ، وَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ! أَتَرَى أَنْ نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ مُحَمَّدٍ [6] ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى حَلْقِهِ، إنَّهُ الذَّبْحُ [7] . قَالَ أَبُو لبَابَة: فول الله مَا زَالَتْ قَدَمَايَ مِنْ مَكَانِهِمَا حَتَّى عَرَفْتُ

_ [1] فِي أ: «لنتخذن» . [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أمنُوا» . [3] زِيَادَة عَن أ. [4] هُوَ أَبُو لبَابَة بن عبد الْمُنْذر الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، وَاخْتلف فِي اسْمه، فَقيل: رِفَاعَة، وَقيل: مُبشر، وَقيل: بشير، وَهُوَ أحد النُّقَبَاء، عَاشَ إِلَى خلَافَة على (رَاجع الِاسْتِيعَاب وَالرَّوْض وَشرح الْمَوَاهِب) . [5] جهش: بَكَى. [6] قَالَ الزرقانى: «وَذَلِكَ أَنهم لما حوصروا حَتَّى أيقنوا بالهلكة، أنزلوا شأس بن قيس فَكَلمهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن ينزلُوا على مَا نزل بَنو النَّضِير من ترك الْأَمْوَال وَالْحَلقَة وَالْخُرُوج بِالنسَاء والذراري وَمَا حملت الْإِبِل إِلَّا الْحلقَة، فَأبى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: تحقن دماءنا وتسلم لنا النِّسَاء والذرية وَلَا حَاجَة لنا فِيمَا حملت الْإِبِل، فَأبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَن ينزلُوا على حكمه، وَعَاد شأس إِلَيْهِم بذلك» . (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) . [7] كَأَن أَبَا لبَابَة فهم ذَلِك من عدم إِجَابَة الرَّسُول لَهُم بحقن دِمَائِهِمْ، وَعرف أَن الرَّسُول سيذبحهم إِن نزلُوا على حكمه، وَبِهَذَا أَشَارَ لبني قُرَيْظَة. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) .

(ما نزل في خيانة أبى لبابة) :

أَنِّي قَدْ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ انْطَلَقَ أَبُو لُبَابَةَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ارْتَبَطَ فِي الْمَسْجِدِ إلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِهِ. وَقَالَ: لَا أَبْرَحُ مَكَانِي هَذَا حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ مِمَّا صَنَعْتُ، وَعَاهَدَ اللَّهَ: أَنْ لَا أَطَأَ بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا، وَلَا أُرَى فِي بَلَدٍ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيهِ أَبَدًا. (مَا نَزَلَ فِي خِيَانَةِ أَبَى لُبَابَةَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَبِي لُبَابَةَ، فِيمَا قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ 8: 27. (مَوْقِفُ الرَّسُولِ مِنْ أَبِي لُبَابَةَ وَتَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرُهُ، وَكَانَ قَدْ اَسْتَبْطَأَهُ، قَالَ: أَمَا إنَّهُ [1] لَوْ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ، فَأَمَّا إذْ قَدْ فَعَلَ مَا فَعَلَ، فَمَا أَنَا بِاَلَّذِي أُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ: أَنَّ تَوْبَةَ أَبَى لُبَابَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ السَّحَرِ [2] ، وَهُوَ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ. (فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ [3] ) : فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ السَّحَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ، قَالَ: تِيبَ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: أَفَلَا أُبَشِّرُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بَلَى، إنْ شِئْتِ. قَالَ: فَقَامَتْ عَلَى بَابِ حُجْرَتِهَا، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِنَّ الْحِجَابُ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا لُبَابَةَ، أَبْشِرْ فَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَيْكَ. قَالَتْ [4] : فَثَارَ النَّاسُ إلَيْهِ لِيُطْلِقُوهُ فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي يُطْلِقُنِي بِيَدِهِ، فَلَمَّا مَرَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجًا إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ أَطْلَقَهُ.

_ [1] فِي أ: «أما إِن لَو كَانَ ... إِلَخ» . [2] هَذِه الْكَلِمَة «من السحر» سَاقِطَة فِي أ. [3] زِيَادَة عَن أ. [4] فِي م، ر: «قَالَ» .

(ما نزل في التوبة على أبى لبابة) :

(مَا نَزَلَ فِي التَّوْبَةِ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ مُرْتَبِطًا بِالْجِذْعِ سِتَّ لَيَالٍ. تَأْتِيهِ امْرَأَتُهُ فِي كُلِّ وَقْتِ صَلَاةٍ، فَتَحُلُّهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَرْتَبِطُ بِالْجِذْعِ، فِيمَا حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْآيَةُ [1] الَّتِي نَزَلَتْ فِي تَوْبَتِهِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 9: 102. (إسْلَامُ نَفَرٍ مِنْ بَنِي هُدَلٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ ثَعْلَبَةَ بْنَ سَعْيَةَ، وَأُسَيْدَ بْنَ سَعْيَةَ، وَأَسَدَ بْنَ عُبَيْدٍ، وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي هُدَلٍ، لَيْسُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَلَا النَّضِيرِ، نَسَبُهُمْ فَوْقَ ذَلِكَ، هُمْ بَنُو عَمِّ الْقَوْمِ، أَسْلَمُوا تِلْكَ اللَّيْلَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا بَنُو قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (أَمْرُ عَمْرِو بْنِ سُعْدَى) : وَخَرَجَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ عَمْرُو بْنُ سُعْدَى الْقَرَظِيُ، فَمَرَّ بِحَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا عَمْرُو بْنُ سُعْدَى- وَكَانَ عَمْرٌو قَدْ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي غَدْرِهِمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: لَا أَغْدِرُ بِمُحَمَّدِ أَبَدًا- فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمَةَ حِينَ عَرَفَهُ [2] : اللَّهمّ لَا تَحْرِمْنِي إقَالَةَ عَثَرَاتِ الْكِرَامِ، ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ. فَخَرَجَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أَتَى [3] بَابَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، ثُمَّ ذَهَبَ فَلَمْ يُدْرَ أَيْنَ تَوَجَّهَ مِنْ الْأَرْضِ إلَى يَوْمِهِ هَذَا، فَذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَأْنُهُ، فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ نَجَّاهُ اللَّهُ بِوَفَائِهِ. وَبَعْضُ النَّاسِ يَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ أُوثِقَ بِرُمَّةِ [4] فِيمَنْ أُوثِقَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، حِينَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ

_ [1] فِي أ: «الْآيَات» . [2] فِي م، ر: «طرفه» وَهُوَ تَحْرِيف. [3] فِي أ: «حَتَّى بَات فِي مَسْجِد ... إِلَخ» . [4] الرمة: الْحَبل الْبَالِي.

(نزول بنى قريظة على حكم الرسول وتحكيم سعد) :

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَصْبَحَتْ رُمَّتُهُ مُلْقَاةً، وَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ. (نُزُولُ بَنِي قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ الرَّسُولِ وَتَحْكِيمُ سَعْدٍ) : (قَالَ) [1] فَلَمَّا أَصْبَحُوا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَوَاثَبَتْ الْأَوْسُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُمْ [2] مَوَالِينَا دُونَ الْخَزْرَجِ، وَقَدْ فَعَلْتَ فِي مَوَالِي إخْوَانِنَا بِالْأَمْسِ مَا قَدْ عَلِمْتُ- وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَدْ حَاصَرَ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَسَأَلَهُ إيَّاهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بن سَلُولَ، فَوَهَبَهُمْ لَهُ- فَلَمَّا كَلَّمَتْهُ الْأَوْسُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَذَاكَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَلَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي خَيْمَةٍ لِامْرَأَةِ مِنْ أَسْلَمَ [3] ، يُقَالُ لَهَا رُفَيْدَةُ، فِي مَسْجِدِهِ، كَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى، وَتَحْتَسِبُ بِنَفْسِهَا عَلَى خِدْمَةِ مَنْ كَانَتْ بِهِ ضَيْعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ لِقَوْمِهِ حِينَ أَصَابَهُ السَّهْمُ بِالْخَنْدَقِ: اجْعَلُوهُ فِي خَيْمَةِ رُفَيْدَةَ حَتَّى أَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ. فَلَمَّا حَكَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، أَتَاهُ قَوْمُهُ فَحَمَلُوهُ عَلَى حِمَارٍ قَدْ وَطَّئُوا لَهُ بِوِسَادَةِ مِنْ أَدَمٍ، وَكَانَ رَجُلًا جَسِيمًا جَمِيلًا، ثُمَّ أَقْبَلُوا مَعَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ يَقُولُونَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، أَحْسِنْ فِي مَوَالِيكَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا وَلَّاكَ ذَلِكَ لِتُحْسِنَ فِيهِمْ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ: لقد أَنى لِسَعْدٍ أَنْ لَا تَأْخُذَهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ. فَرَجَعَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ إلَى دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَنَعَى لَهُمْ رِجَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ، قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِمْ سَعْدٌ، عَنْ كَلِمَتِهِ الَّتِي سَمِعَ مِنْهُ. فَلَمَّا انْتَهَى سَعْدٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] فِي م، ر: «إِنَّهُم كَانُوا» . [3] وَقيل إِنَّهَا أنصارية. (رَاجع الْإِصَابَة وَشرح الْمَوَاهِب) .

(رضاء الرسول بحكم سعد) :

قُومُوا إلَى سَيِّدِكُمْ- فَأَمَّا الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَيَقُولُونَ: إنَّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْصَارَ، وَأَمَّا الْأَنْصَارُ، فَيَقُولُونَ: قَدْ عَمَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامُوا إلَيْهِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَمْرٍو، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَلَّاكَ أَمْرَ مَوَالِيكَ لِتَحْكُمَ فِيهِمْ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ، أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمْ لَمَا حَكَمْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ: وعَلى من هَا هُنَا؟ فِي النَّاحِيَةِ الَّتِي فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إجْلَالًا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، قَالَ سَعْدٌ: فَإِنِّي أَحُكْمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الرِّجَالُ، وَتُقَسَّمُ الْأَمْوَالُ، وَتُسْبَى الذَّرَارِيُّ وَالنِّسَاءُ. (رِضَاءُ الرَّسُولِ بِحُكْمِ سَعْدٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو ابْن سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدٍ: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ [1] . (سَبَبُ نُزُولِ بَنِي قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ فِي رَأْيِ ابْنِ هِشَامٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ صَاحَ وَهُمْ مُحَاصِرُو بَنِي قُرَيْظَةَ: يَا كَتِيبَةَ الْإِيمَانِ، وَتَقَدَّمَ هُوَ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَقَالَ: وَاَللَّهِ لَأَذُوقَنَّ مَا ذَاقَ حَمْزَةُ أَوْ لَأُفْتَحَنَّ حِصْنَهُمْ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. (مَقْتَلُ بَنِي قُرَيْظَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ اسْتَنْزَلُوا، فَحَبَسَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ [2] ، امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ [1] الأرقعة: السَّمَوَات، الْوَاحِدَة: رقيع. [2] قَالَ السهيليّ: «وَاسْمهَا: كيسة بنت الْحَارِث بن كريز بن حبيب بن عبد شمس. وَكَانَت تَحت مُسَيْلمَة الْكذَّاب، ثمَّ خلف عَلَيْهَا عبد الله بن عَامر بن كريز» . وَقَالَ الزرقانى: «هِيَ رَملَة بنت الْحَارِث بن ثَعْلَبَة بن الْحَارِث بن زيد، زَوْجَة معَاذ بن الْحَارِث ابْن رِفَاعَة، تكَرر ذكرهَا فِي السِّيرَة. والواقدي يَقُول: رَملَة بنت الْحَدث (بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة) . وَلَيْسَت هِيَ كيسة بنت الْحَارِث» .

(مقتل ابن أخطب وشعر ابن جوال فيه) :

إلَى سُوقِ الْمَدِينَةِ، الَّتِي هِيَ سُوقُهَا الْيَوْمَ، فَخَنْدَقَ بِهَا خَنَادِقَ، ثُمَّ بَعَثَ إلَيْهِمْ، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ فِي تِلْكَ الْخَنَادِقِ، يُخْرَجُ بِهِمْ إلَيْهِ أَرْسَالًا [1] ، وَفِيهِمْ عَدُوُّ اللَّهِ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، رَأْسُ الْقَوْمِ، وهم ستّ مائَة أَو سبع مائَة، وَالْمُكْثِرُ لَهُمْ يَقُولُ: كَانُوا بَين الثمان مائَة وَالتسع مائَة. وَقَدْ قَالُوا لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ، وَهُمْ يُذْهَبُ بِهِمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَالًا: يَا كَعْبُ، مَا تَرَاهُ يُصْنَعُ بِنَا؟ قَالَ: أَفِي كُلِّ مَوْطِنٍ لَا تَعْقِلُونَ؟ أَلَا تَرَوْنَ الدَّاعِيَ لَا يَنْزِعُ، وَأَنَّهُ مَنْ ذُهِبَ بِهِ مِنْكُمْ لَا يَرْجِعُ؟ هُوَ وَاَللَّهِ الْقَتْلُ! فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الدَّأْبُ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (مَقْتَلُ ابْنِ أَخْطَبَ وَشِعْرُ ابْنِ جَوَّالٍ فِيهِ) : وَأُتِيَ بِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ عَدُوِّ اللَّهِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ لَهُ فَقَّاحِيَّةٌ [2]- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَقَّاحِيَّةٌ: ضَرْبٌ مِنْ الْوَشَى- قَدْ شَقَّهَا عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ (أُنْمُلَةٍ) [3] لِئَلَّا يُسْلَبَهَا، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ بِحَبْلِ. فَلَمَّا نَظَرَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ مَا لُمْتُ نَفْسِي فِي عَدَاوَتِكَ، وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلُ اللَّهَ يُخْذَلْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَمْرِ اللَّهِ، كِتَابٌ وَقَدَرٌ وَمَلْحَمَةٌ كَتَبَهَا [4] اللَّهُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، ثُمَّ جَلَسَ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ. فَقَالَ جَبَلُ بْنُ جَوَّالٍ الثَّعْلَبِيُّ [5] : لَعَمْرُكَ مَا لَامَ ابْنُ أَخْطَبَ نَفْسَهُ ... وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلُ اللَّهُ يُخْذَلْ لَجَاهَدَ حَتَّى أَبْلَغَ النَّفْسَ عُذْرَهَا ... وَقَلْقَلَ يَبْغِي الْعِزَّ كُلَّ مُقَلْقَلِ [6]

_ [1] أَرْسَالًا، أَي طَائِفَة بعد طَائِفَة. [2] فقاحية: تضرب إِلَى الْحمرَة، أَي على لون الْورْد حِين هم أَن يتفتح (اللِّسَان) . [3] زِيَادَة عَن أ. [4] فِي أ: «كتبت» . [5] كَانَ ابْن جوال هَذَا من بنى ثَعْلَبَة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان، وَكَانَ يَهُودِيّا فَأسلم، وَكَانَت لَهُ صُحْبَة. (رَاجع الرَّوْض والاستيعاب) . [6] قلقل: تحرّك. 16- سيرة ابْن هِشَام- 2

(قتل من نسائهم امرأة واحدة) :

(قَتَلَ مِنْ نِسَائِهِمْ امْرَأَةً وَاحِدَةً) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمْ يُقْتَلْ مِنْ نِسَائِهِمْ إلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَتْ: وَاَللَّهِ إِنَّهَا لعندي تحدّث مَعِي، وَتَضْحَكُ ظَهْرًا وَبَطْنًا، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُ رِجَالَهَا فِي السُّوقِ، إذْ هَتَفَ هَاتِفٌ بِاسْمِهَا: أَيْنَ فُلَانَةُ؟ قَالَتْ: أَنَا وَاَللَّهِ قَالَتْ: قُلْتُ لَهَا: وَيلك، مَالك؟ قَالَتْ: أُقْتَلُ، قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَتْ: لِحَدَثِ أَحْدَثْتُهُ، قَالَتْ: فَانْطَلَقَ بِهَا، فَضُرِبَتْ عُنُقُهَا [1] ، فَكَانَتْ عَائِشَة تَقول: فو الله مَا أَنْسَى عَجَبًا مِنْهَا، طِيبَ نَفْسِهَا، وَكَثْرَةَ ضَحِكِهَا، وَقَدْ عَرَفَتْ أَنَّهَا تُقْتَلُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ الَّتِي طَرَحَتْ الرَّحَا عَلَى خَلَّادِ بْنِ سُوَيْدٍ، فَقَتَلَتْهُ. (شَأْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ بَاطَا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ، كَمَا ذَكَرَ لِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، أَتَى الزُّبَيْرَ [2] بْنَ بَاطَا الْقُرَظِيُّ، وَكَانَ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ- وَكَانَ الزُّبَيْرُ قَدْ مَنَّ عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ [3] . ذَكَرَ لِي بَعْضُ وَلَدِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ مَنَّ عَلَيْهِ يَوْمَ بُعَاثٍ، أَخَذَهُ فَجَزَّ نَاصِيَتَهُ، ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ- فَجَاءَهُ ثَابِتٌ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، هَلْ تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: وَهَلْ يَجْهَلُ مِثْلِي مِثْلَكَ، قَالَ: إنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَجْزِيَكَ بِيَدِكَ عِنْدِي، قَالَ: إنَّ الْكَرِيمَ يَجْزِي الْكَرِيمَ، ثُمَّ أَتَى ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِلزُّبَيْرِ عَلَيَّ مِنَّةٌ، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَجْزِيَهُ بِهَا، فَهَبْ لِي دَمَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ لَكَ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَهَبَ لِي دَمَكَ، فَهُوَ لَكَ، قَالَ: شَيْخُ كَبِيرٌ لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا وَلَدٌ، فَمَا يَصْنَعُ بِالْحَيَاةِ؟ قَالَ: فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي

_ [1] قَالَ أَبُو ذَر: «هِيَ امْرَأَة الْحسن الْقرظِيّ» . [2] قَالَ السهيليّ: «هُوَ الزبير، بِفَتْح الزاى وَكسر الْبَاء، جد الزبير بن عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور فِي الْمُوَطَّأ فِي كتاب النِّكَاح. وَاخْتلف فِي الزبير بن عبد الرَّحْمَن، فَقيل: الزبير، بِفَتْح الزاى وَكسر الْبَاء، كاسم جده، وَقيل الزبير» . [3] فِي أ: «ذكر» .

يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَبْ [1] لِي امْرَأَتَهُ وَوَلَدَهُ، قَالَ: هُمْ لَكَ. قَالَ: فَأَتَاهُ فَقَالَ: قَدْ وَهَبَ لِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ سلم أَهْلَكَ وَوَلَدَكَ، فَهُمْ لَكَ، قَالَ: أَهْلُ بَيْتٍ بِالْحِجَازِ لَا مَالَ لَهُمْ، فَمَا بَقَاؤُهُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، مَا لَهُ، قَالَ: هُوَ لَكَ. فَأَتَاهُ ثَابِتٌ فَقَالَ: قَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالَكَ، فَهُوَ لَكَ، قَالَ: أَيْ ثَابِتٌ، مَا فَعَلَ الَّذِي كَأَنَّ وَجْهَهُ مِرْآةٌ صِينِيَّةٌ يَتَرَاءَى فِيهَا عَذَارَى الْحَيِّ، كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ سَيِّدُ الْحَاضِرِ وَالْبَادِي حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ مُقَدِّمَتُنَا إذَا شَدَدْنَا، وَحَامِيَتُنَا إذَا فَرَرْنَا، عَزَّالُ بْنُ سَمَوْأَلَ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ الْمُجْلِسَانِ؟ يَعْنِي بَنِي كَعْبِ بْنِ قُرَيْظَةَ وَبَنِيَّ عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ، قَالَ: ذَهَبُوا قُتِلُوا؟ قَالَ: فَأَنِّي أَسْأَلُكَ يَا ثَابِتُ بِيَدِي عِنْدَكَ إلَّا ألحقتنى بالقوم، فو الله مَا فِي الْعَيْشِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ مِنْ خَيْرٍ، فَمَا أَنَا بِصَابِرِ للَّه فَتْلَةَ دَلْوٍ نَاضِحٍ [2] حَتَّى أَلْقَى الْأَحِبَّةَ. فَقَدَّمَهُ ثَابِتٌ، فَضُرِبَ عُنُقُهُ. فَلَمَّا بَلَغَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَوْلَهُ «أَلْقَى الْأَحِبَّةَ» . قَالَ: يَلْقَاهُمْ وَاَللَّهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا (فِيهَا) [3] مُخَلَّدًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قِبْلَةَ دَلْوٍ [4] نَاضِحٍ. (و) [3] قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سَلْمَى فِي «قِبْلَةٍ» : وَقَابِلٍ يَتَغَنَّى كُلَّمَا قَدَرَتْ ... عَلَى الْعَرَاقَى يَدَاهُ قَائِما دفقا [5] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: وَقَابِلٌ يُتَلَقَّى، يَعْنِي قَابِلَ الدَّلْوِ يَتَنَاوَلُ [6] .

_ [1] فِي أ: «يَا رَسُول الله، امْرَأَته وَولده» . [2] الناضح: الْحَبل الّذي يسْتَخْرج عَلَيْهِ المَاء من الْبِئْر بالسانية. وَأَرَادَ بقوله لَهُ: فتلة دلو نَاضِح، مِقْدَار مَا يَأْخُذ الرجل الدَّلْو إِذا أخرجت فيصبها فِي الْحَوْض، يفتلها أَو يردهَا إِلَى مَوْضِعه. [3] زِيَادَة عَن أ. [4] قَالَ أَبُو ذَر: «وَمن رَوَاهُ: قبْلَة، بِالْقَافِ وَالْبَاء، فَهُوَ بِمِقْدَار مَا يقبل الرجل الدَّلْو، ليصبها فِي الْحَوْض ثمَّ يصرفهَا، وَهَذَا كُله لَا يكون إِلَّا عَن استعجال وَسُرْعَة» . [5] الْقَابِل: الّذي يقبل الدَّلْو. ودفق المَاء صبه، والعراقي: جمع عرقوة، وَهِي الْعود الّذي يكون فِي أدنى الدَّلْو. [6] كَذَا وَردت هَذِه الْعبارَة الَّتِي تلى بَيت زُهَيْر مروية عَن ابْن هِشَام فِي أَكثر الْأُصُول، وَهِي

(أمر عطية ورفاعة) :

(أَمْرُ عَطِيَّةَ وَرِفَاعَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ كُلًّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ أَنْ يُقْتَلَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ كُلُّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ، وَكُنْتُ غُلَامًا، فَوَجَدُونِي لَمْ أُنْبِتْ، فَخَلَّوْا سَبِيلِي. قَالَ (ابْنُ إسْحَاقَ) [1] : وَحَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ: أَنَّ سَلْمَى بِنْتَ قَيْسٍ، أُمَّ الْمُنْذِرِ، أُخْتَ سليط بن أُخْت سُلَيْطِ بْنِ قَيْسٍ- وَكَانَتْ إحْدَى خَالَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ صَلَّتْ مَعَهُ الْقِبْلَتَيْنِ، وَبَايَعَتْهُ بَيْعَةَ النِّسَاءِ- سَأَلَتْهُ رِفَاعَةَ بْنَ سَمَوْأَلَ الْقُرَظِيَّ، وَكَانَ رَجُلًا قَدْ بَلَغَ، فَلَاذَ [2] بِهَا، وَكَانَ يَعْرِفُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، هَبْ لِي رِفَاعَةَ، فَإِنَّهُ قَدْ زَعَمَ أَنَّهُ سَيُصَلِّي وَيَأْكُلُ لَحْمَ الْجَمَلِ، قَالَ: فَوَهَبَهُ لَهَا، فَاسْتَحْيَتْهُ. (قَسْمُ فَيْءِ بَنِي قُرَيْظَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ أَمْوَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَعْلَمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سُهْمَانَ الْخَيْلِ وَسُهْمَانَ الرِّجَالِ، وَأَخْرَجَ مِنْهَا الْخُمُسَ، فَكَانَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِفَارِسِهِ سَهْمٌ، وَلِلرَّاجِلِ، مَنْ لَيْسَ لَهُ فَرَسٌ، سَهْمٌ. وَكَانَتْ الْخَيْلُ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ فَرَسًا، وَكَانَ أَوَّلَ فَيْءٍ وَقَعَتْ فِيهِ السُّهْمَانُ، وَأُخْرِجَ مِنْهَا الْخُمْسُ، فَعَلَى سُنَّتِهَا وَمَا مَضَى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَقَعَتْ الْمَقَاسِمُ، وَمَضَتْ السُّنَّةُ فِي الْمَغَازِي.

_ [ () ] فِي «أ» على الْوَجْه الْآتِي: «قَالَ ابْن هِشَام: هُوَ تَفْسِير بَيت زُهَيْر، ويعنى قَابل الّذي يتلَقَّى الدَّلْو إِذا خرج من الْبِئْر. والناضح: الْبَعِير الّذي يستقى المَاء لسقي النّخل، وَهَذَا الْبَيْت فِي قصيدة لَهُ» . [1] زِيَادَة عَن أ. [2] لَاذَ بهَا: التجأ إِلَيْهَا.

(شأن ريحانة) :

ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ أَخَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ بِسَبَايَا مِنْ سَبَايَا بَنِي قُرَيْظَةَ إلَى نَجْدٍ، فَابْتَاعَ لَهُمْ بِهَا خَيْلًا وَسِلَاحًا. (شَأْنُ رَيْحَانَةَ) : (قَالَ) [1] : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اصْطَفَى لِنَفْسِهِ مِنْ نِسَائِهِمْ رَيْحَانَةَ بِنْتَ عَمْرِو بْنِ خُنَافَةَ [2] ، إحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ [3] ، فَكَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ عَنْهَا وَهِيَ فِي مِلْكِهِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَ عَلَيْهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَيَضْرِبَ عَلَيْهَا الْحِجَابَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلْ تَتْرُكُنِي فِي مِلْكِكَ، فَهُوَ أَخَفُّ عَلَيَّ وَعَلَيْكَ، فَتَرَكَهَا. وَقَدْ كَانَتْ حِينَ سَبَاهَا قَدْ تَعَصَّتْ بِالْإِسْلَامِ، وَأَبَتْ إلَّا الْيَهُودِيَّةَ، فَعَزَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ لِذَلِكَ مِنْ أَمْرِهَا. فَبَيْنَا هُوَ مَعَ أَصْحَابِهِ، إذْ سَمِعَ وَقْعَ نَعْلَيْنِ خَلْفَهُ، فَقَالَ: إنَّ هَذَا لِثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ يُبَشِّرُنِي بِإِسْلَامِ رَيْحَانَةَ، فَجَاءَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَسْلَمَتْ رَيْحَانَةُ، فَسَرَّهُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهَا. (مَا نَزَلَ فِي الْخَنْدَقِ وَبَنِيَّ قُرَيْظَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [4] : وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَمْرِ الْخَنْدَقِ، وَأَمْرِ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، الْقِصَّةَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ، يَذْكُرُ فِيهَا مَا نَزَلَ مِنْ الْبَلَاءِ، وَنِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ، وَكِفَايَتِهِ إيَّاهُمْ حِينَ فَرَّجَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، بَعْدَ مَقَالَةِ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها، وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً 33: 9. وَالْجُنُودُ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ وَبَنُو قُرَيْظَةَ، وَكَانَتْ الْجُنُودُ الَّتِي أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَعَ الرِّيحِ الْمَلَائِكَةَ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمن أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ، وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا» 33: 10.

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول وَشرح الْمَوَاهِب مضبوطة بالعبارة. وَفِي أ: «جنافة» . [3] وَقيل: كَانَت من بنى النَّضِير متزوجة فِي قُرَيْظَة رجلا يُقَال لَهُ الحكم. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) . [4] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ.

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

فَاَلَّذِينَ جَاءُوهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ بَنُو قُرَيْظَةَ، وَاَلَّذِينَ جَاءُوهُمْ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ. يَقُولُ اللَّهُ (تَبَارَكَ و) [1] تَعَالَى: هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً، وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً 33: 11- 12 لِقَوْلِ مُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ إذْ يَقُولُ مَا قَالَ. وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً 33: 13 لِقَوْلِ أَوْسِ بْنِ قَيْظِيٍّ وَمَنْ كَانَ عَلَى رَأْيِهِ مِنْ قَوْمِهِ «وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا» : أَيْ الْمَدِينَةِ. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَقْطَارُ: الْجَوَانِبُ، وَوَاحِدُهَا: قُطْرٌ، وَهِيَ الْأَقْتَارُ، وَوَاحِدُهَا: قَتَرٌ. قَالَ الْفَرَزْدَقُ: كَمْ مِنْ غِنًى فَتَحَ الْإِلَهُ لَهُمْ بِهِ ... وَالْخَيْلُ مُقْعِيَةٌ عَلَى الْأَقْطَارِ [2] وَيُرْوَى: «عَلَى الْأَقْتَارِ» . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. «ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ 33: 14» : أَيْ الرُّجُوعَ إلَى الشِّرْكِ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً. وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ، وَكانَ عَهْدُ الله مَسْؤُلًا 33: 14- 15، فَهُمْ بَنُو حَارِثَةَ، وَهُمْ الَّذِينَ هَمُّوا أَنْ يَفْشَلُوا يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ بَنِي سَلِمَةَ حَيْنَ هَمَّتَا بِالْفَشَلِ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ عَاهَدُوا اللَّهَ أَنْ لَا يَعُودُوا لِمِثْلِهَا أَبَدًا، فَذَكَرَ لَهُمْ الَّذِي أَعْطَوْا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ، وَإِذاً لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا. قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً، أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً، وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً. قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ 33: 16- 18: أَيْ أَهْلَ النِّفَاقِ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا، وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا 33: 18:

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] مقعية: أَي سَاقِطَة على أجنابها تروم الْقيام، كَمَا تقعى الْكلاب على أذنابها وأفخاذها.

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

أَيْ إلَّا دَفْعًا وَتَعْذِيرًا [1] «أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ 33: 19» : أَيْ لِلضَّغَنِ الَّذِي فِي أَنْفُسِهِمْ «فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ، تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ 33: 19» : أَيْ إعْظَامًا لَهُ وَفَرَقًا مِنْهُ «فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ 33: 19» : أَيْ فِي الْقَوْلِ بِمَا لَا تُحِبُّونَ، لِأَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ آخِرَةً، وَلَا تَحْمِلهُمْ حِسْبَةٌ [2] ، فَهُمْ يَهَابُونَ الْمَوْتَ هَيْبَةَ مَنْ لَا يَرْجُو مَا بَعْدَهُ. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَلَقُوكُمْ: بَالَغُوا فِيكُمْ بِالْكَلَامِ، فَأَحْرَقُوكُمْ وَآذَوْكُمْ. تَقُولُ الْعَرَبُ: خَطِيبٌ سَلَّاقٌ، وَخَطِيبٌ مُسْلِقٌ وَمِسْلَاقٌ. قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ ابْنِ ثَعْلَبَةَ: فِيهِمْ الْمجد والسّماحة والنجدة ... فِيهِمْ وَالْخَاطِبُ السَّلَّاقُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. «يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا 33: 20» قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ «وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ مَا قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا 33: 20» . ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ 33: 21» : أَيْ لِئَلَّا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا عَنْ مَكَانٍ هُوَ بِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ وَصِدْقَهُمْ وَتَصْدِيقَهُمْ بِمَا وَعَدَهُمْ اللَّهُ مِنْ الْبَلَاءِ يَخْتَبِرُهُمْ [3] بِهِ، فَقَالَ: وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ [4] قالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً 33: 22: أَيْ صَبْرًا عَلَى الْبَلَاءِ وَتَسْلِيمًا لِلْقَضَاءِ، وَتَصْدِيقًا لِلْحَقِّ، لَمَّا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَدَهُمْ وَرَسُولُهُ [5] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ [1] التعذير: أَن يفعل الرجل الشَّيْء بِغَيْر نِيَّة، وَإِنَّمَا يُرِيد أَن يُقيم بِهِ الْعذر عِنْد من يرَاهُ. [2] كَذَا فِي «أ» . والحسبة (بِالْكَسْرِ) : طلب الْأجر. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «حَسَنَة» . [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ليختبر» . [4] هَذِه الْجُمْلَة: «وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ 33: 22» من الْآيَة سَاقِطَة فِي أ. [5] فِي أ: «لما كَانَ الله وعدهم الله وَرَسُوله» .

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

ثُمَّ قَالَ: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ» : أَيْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ، وَرَجَعَ إلَى رَبِّهِ، كَمَنْ [1] اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ أُحُدٍ. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَضَى نَحْبَهُ: مَاتَ، وَالنَّحْبُ: النَّفْسُ، فِيمَا أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ وَجَمْعُهُ: نُحُوبٌ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ: عَشِيَّةَ فرّ الحارثيّون بعد مَا ... قضى نحبه فِي [2] ملتقى الْخَيل هوبر وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَهَوْبَرُ: مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، أَرَادَ: يَزِيدَ ابْن هَوْبَرٍ. وَالنَّحْبُ (أَيْضًا) : النَّذْرُ. قَالَ جَرِيرُ بْنُ الْخَطْفِيِّ: بِطِخْفَةَ جَالَدْنَا [3] الْمُلُوكَ وَخَيْلُنَا ... عَشِيَّةَ بِسْطَامٍ جَرَيْنَ عَلَى نَحْبِ يَقُولُ: عَلَى نَذْرٍ كَانَتْ نَذَرَتْ أَنْ تَقْتُلَهُ فَقَتَلَتْهُ، وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَبِسْطَامٌ: بِسْطَامُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَسْعُودٍ الشَّيْبَانِيِّ، وَهُوَ ابْنُ ذِي الْجَدَّيْنِ. حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَّهُ كَانَ فَارِسَ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ. وَطِخْفَةُ: مَوْضِعٌ بِطَرِيقِ الْبَصْرَةِ [4] وَالنَّحْبُ (أَيْضًا) : الْخِطَارُ، وَهُوَ: الرِّهَانُ. قَالَ الْفَرَزْدَقُ: وَإِذْ نَحَبَتْ كَلْبٌ عَلَى النَّاسِ أَيُّنَا ... عَلَى النَّحْبِ أَعْطَى لِلْجَزِيلِ وَأَفْضَلُ وَالنَّحْبُ (أَيْضًا) : الْبُكَاءُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ يُنْتَحَبُ. وَالنَّحْبُ (أَيْضًا) : الْحَاجَةُ وَالْهِمَّةُ، تَقُولُ: مَا لِي عِنْدَهُمْ نَحْبٌ. قَالَ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ الْيَرْبُوعِي: وَمَا لِي نَحْبٌ عِنْدَهُمْ غَيْرَ أَنَّنِي ... تَلَمَّسْتُ مَا تَبْغِي من الشّدن الشّجر [5] وَقَالَ نَهَارُ بْنُ تَوْسِعَةَ، أَحَدُ بَنِي تَيْمِ اللَّاتِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ.

_ [1] فِي أ: «لمن» . [2] هَذِه الْكَلِمَة: «فِي» سَاقِطَة فِي أ. وَلَا يَسْتَقِيم الْوَزْن بِدُونِهَا. [3] فِي أ: «خالدنا» . [4] هَذِه الْعبارَة: «بطرِيق الْبَصْرَة» سَاقِطَة فِي أ. [5] الشدن: الْإِبِل منسوبة إِلَى شدن، مَوضِع بِالْيمن. وَالشَّجر: الَّتِي فِي أعينها حمرَة.

قَالَ ابْنُ هِشَام: هَؤُلَاءِ موَالٍ بَنِي حَنِيفَةَ [1] : وَنَجَّى يُوسُفَ الثَّقَفِيَّ رَكْضٌ ... دِرَاكٌ بَعْدَ مَا وَقَعَ اللِّوَاءُ [2] وَلَوْ أَدْرَكْنَهُ لَقَضَيْنَ نَحْبًا [3] ... بِهِ وَلِكُلِّ مُخْطَأَةٍ وِقَاءُ وَالنَّحْبُ (أَيْضًا) : السَّيْرُ الْخَفِيفُ الْمُرُّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [4] : «وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ 33: 23» : أَيْ مَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ مِنْ نَصْرِهِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا 33: 23: أَيْ مَا شَكُّوا وَمَا تَرَدَّدُوا فِي دِينِهِمْ، وَمَا اسْتَبْدَلُوا بِهِ غَيْرَهُ. لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ، وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ، أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً. وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ 33: 24- 25: أَيْ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ لَمْ يَنالُوا خَيْراً، وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً. وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ 33: 25- 26: أَيْ بَنِي قُرَيْظَةَ «مِنْ صَياصِيهِمْ 33: 26» ، وَالصَّيَاصِي: الْحُصُونُ وَالْآطَامُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ سُحَيْمٌ عَبْدُ بَنِي الْحِسْحَاسِ، وَبَنُو الْحِسْحَاسِ مِنْ بَنِي أَسَدِ ابْن خُزَيْمَةَ: وَأَصْبَحَتْ الثِّيرَانُ صَرْعَى وَأَصْبَحَتْ ... نِسَاءُ تَمِيمٍ يَبْتَدِرْنَ الصَّيَاصِيَا [5] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالصَّيَاصِيُّ (أَيْضًا) : الْقُرُونُ. قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ: وِسَادَةَ رَهْطِي حَتَّى بَقِيتُ ... فَرْدًا كَصَيْصِيَةِ الْأَعْضَبِ [6] يَقُولُ: أَصَابَ الْمَوْتُ سَادَةَ رَهْطِي [7] . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ أَبُو دَواُدَ الْإِيَادِيُّ [8] :

_ [1] فِي م، ر: «هُوَ مولى أَبى حنيفَة الْفَقِيه» . [2] الركض: الجرى. ودراك: متتابع. [3] فِي م، ر: «وَلَو أَدْرَكته لقضيت» . [4] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ. [5] كَذَا فِي أ. وَفِي م، ر: «يلتقطن» . وَزيد فيهمَا بعد هَذَا الْبَيْت: «ويروى يبتدرون» . [6] الأعضب: المكسور الْقرن. [7] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ. [8] فِي الْأُصُول: «أَبُو دَاوُد» وَهُوَ تَحْرِيف.

(وفاة سعد بن معاذ وما ظهر مع ذلك) :

فَذَعَرْنَا سُحْمَ الصَّيَاصِي بِأَيْدِيهِنَّ ... نَضْحٌ مِنْ الْكُحَيْلِ وَقَارُ [1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ [2] . وَالصَّيَاصِي (أَيْضًا) : الشَّوْكُ الَّذِي لِلنَّسَّاجِينَ، فِيمَا أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ. وَأَنْشَدَنِي لِدُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ الْجُشَمِىِّ، جُشَمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ: نَظَرْتُ إلَيْهِ وَالرِّمَاحُ [3] تَنُوشُهُ [4] ... كَوَقْعِ الصَّيَاصِي فِي النَّسِيجِ الْمُمَدَّدِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالصَّيَاصِيُّ (أَيْضًا) : الَّتِي تَكُونُ فِي أَرْجُلِ الدِّيَكَةِ نَاتِئَةً كَأَنَّهَا الْقُرُونُ الصِّغَارُ، وَالصَّيَاصِي (أَيْضًا) : الْأُصُولُ. أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: جَذَّ اللَّهُ صِيصِيَتَهُ: أَيْ أَصْلَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: «وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً 33: 26» : أَيْ قَتَلَ الرِّجَالَ، وَسَبَى الذَّرَارِيَّ وَالنِّسَاءَ، «وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها 33: 27» : يَعْنِي خَيْبَرَ «وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً 33: 27» . (وَفَاةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَمَا ظَهَرَ مَعَ ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا انْقَضَى شَأْنُ بَنِي قُرَيْظَةَ انْفَجَرَ بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ جُرْحُهُ، فَمَاتَ مِنْهُ شَهِيدًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [5] : حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ شِئْتُ مِنْ رِجَالِ قَوْمِي: أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قُبِضَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةِ مِنْ إسْتَبْرَقٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَنْ

_ [1] ذعرنا، من الذعر، وَهُوَ الْفَزع. والسحم: السود. والصياصي: الْقُرُون. وَيُرِيد «بسحم الصَّيَاصِي» . الوعول الَّتِي فِي الْجبَال. ونضح: لطخ. والكحيل: القطران. والقار: الزفت أَرَادَ مَا فِي أيديها من السوَاد. فشبهه بالكحيل والقار. [2] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ. [3] فِي أ: «وَالرِّيح» وَهُوَ تَحْرِيف. [4] تنوشه: تتناوله من قرب. [5] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ.

هَذَا الْمَيِّتُ الَّذِي فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَاهْتَزَّ لَهُ [1] الْعَرْشُ؟ قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيعًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ إلَى سَعْدٍ، فَوَجَدَهُ قَدْ مَاتَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [2] : وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ: أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ قَافِلَةً مِنْ مَكَّةَ، وَمَعَهَا أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَلَقِيَهُ مَوْتُ امْرَأَةٍ لَهُ، فَحَزِنَ عَلَيْهَا بَعْضَ الْحُزْنِ، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ [3] : يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا يَحْيَى، أَتَحْزَنُ عَلَى امْرَأَةٍ وَقَدْ أُصِبْتُ بِابْنِ عَمِّكَ، وَقَدْ اهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ! قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَ: كَانَ سَعْدٌ رَجُلًا بَادِنًا، فَلَمَّا حَمَلَهُ النَّاسُ وَجَدُوا لَهُ خِفَّةً، فَقَالَ رِجَالٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ [4] : وَاَللَّهِ إنْ كَانَ لَبَادِنَا، وَمَا حَمَلْنَا مِنْ جِنَازَةٍ أَخَفَّ مِنْهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنَّ لَهُ حَمَلَةً غَيْرَكُمْ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ اسْتَبْشَرَتْ الْمَلَائِكَةُ بِرُوحِ سَعْدٍ، وَاهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو ابْن الْجَمُوحِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا دُفِنَ سَعْدٌ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَبَّحَ النَّاسُ مَعَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ

_ [1] قَالَ السهيليّ عِنْد الْكَلَام على اهتزاز الْعَرْش: «وَقد تكلم النَّاس فِي مَعْنَاهُ وظنوا أَنه مُشكل. وَقَالَ بَعضهم: الاهتزاز (هَاهُنَا) : بِمَعْنى الاستبشار بقدوم روحه. وَقَالَ بَعضهم: يُرِيد حَملَة الْعَرْش وَمن عِنْده من الْمَلَائِكَة، استبعادا مِنْهُم لِأَن يَهْتَز الْعَرْش على الْحَقِيقَة. وَلَا بعد فِيهِ، لِأَنَّهُ مَخْلُوق، وَيجوز عَلَيْهِ الْحَرَكَة والهزة، وَلَا يعدل عَن ظَاهر (اللَّفْظ) مَا وجد إِلَيْهِ سَبِيل. وَحَدِيث اهتزاز الْعَرْش لمَوْت سعد صَحِيح. قَالَ أَبُو عمر: هُوَ ثَابت من طرق متواترة. وَمَا روى من قَول الْبَراء بن عَازِب فِي مَعْنَاهُ: أَنه سَرِير سعد اهتز، لم يلْتَفت إِلَيْهِ الْعلمَاء، وَقَالُوا: كَانَت بَين هذَيْن الْحَيَّيْنِ من الْأَنْصَار ضغائن، وَفِي لفظ الحَدِيث: اهتز عرش الرَّحْمَن. رَوَاهُ أَبُو الزبير عَن جَابر، يرفعهُ، وَرَوَاهُ البُخَارِيّ عَن طَرِيق الْأَعْمَش عَن أَبى صَالح وأبى سُفْيَان، كِلَاهُمَا عَن جَابر. وَرَوَاهُ من الصَّحَابَة جمَاعَة غير جَابر، مِنْهُم أَبُو سعيد الخدريّ وَأسيد بن حضير ورميثة بنت عَمْرو، ذكر ذَلِك التِّرْمِذِيّ، وَالْعجب لما روى عَن مَالك رَحمَه الله، من إِنْكَاره للْحَدِيث، وكراهيته للتحدث بِهِ مَعَ صِحَة نَقله، وَكَثْرَة الروَاة لَهُ. وَلَعَلَّ هَذِه الرِّوَايَة لم تصح عِنْد مَالك، وَالله أعلم» . [2] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ. [3] فِي م، ر: «يَا عَائِشَة» وَهُوَ تَحْرِيف. [4] كَذَا فِي أوالاستيعاب فِي تَرْجَمَة سعد بن معَاذ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الْمُسلمين» .

(شهداء يوم الخندق) :

فَكَبَّرَ النَّاسُ مَعَهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِمَّ سَبَّحْتُ؟ قَالَ: لَقَدْ تَضَايَقَ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ الصَّالِحِ قَبْرُهُ، حَتَّى فَرَّجَهُ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمَجَازُ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُ عَائِشَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ لِلْقَبْرِ لَضَمَّةً لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْهَا نَاجِيًا لَكَانَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلِسَعْدِ يَقُولُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: وَمَا اهْتَزَّ عَرْشُ اللَّهِ مِنْ مَوْتِ هَالِكٍ ... سَمِعْنَا بِهِ إلَّا لِسَعْدٍ أَبِي عَمْرٍو وَقَالَتْ أُمُّ سَعْدٍ، حِينَ اُحْتُمِلَ نَعْشُهُ وَهِيَ تَبْكِيهِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَهِيَ كُبَيْشَةُ بِنْتُ رَافِعِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْأَبْجَرِ [1] ، وَهُوَ خُدْرَةُ [2] ابْن عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: وَيْلُ أُمِّ سَعْدٍ سَعْدًا [3] ... صَرَامَةً وَحَدَّا [4] وَسُوْدُدًا وَمَجْدًا ... وَفَارِسًا مُعَدَّا سُدَّ بِهِ مَسَدَّا ... يَقُدُّ هَامًا قَدَّا [5] يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ نَائِحَةٍ تَكْذِبُ، إلَّا نَائِحَةَ [6] سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. (شُهَدَاءُ يَوْمِ الْخَنْدَقِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمْ يَسْتَشْهِدْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ إلَّا سِتَّةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ) : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ: سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَأَنَسُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ عَمْرٍو، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي جُشَمَ) : وَمِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: الطُّفَيْلُ بْنُ النُّعْمَانِ، وَثَعْلَبَةُ ابْن غَنْمَةَ. رَجُلَانِ.

_ [1] فِي الِاسْتِيعَاب: «كَبْشَة بنت رَافع بن عبيد بن ثَعْلَبَة بن عبيد بن الأبجر» . [2] فِي أ: «الأنجر وَهُوَ جدرة» وَهُوَ تَصْحِيف. [3] كسرت اللَّام من «ويل» إتباعا لكسرة الْمِيم من «أم» . [4] فِي أ: «وجدا» . [5] هَذَا الشّطْر سَاقِط فِي أ. [6] فِي أ: «نَاحيَة» وَهُوَ تَحْرِيف.

(من بنى النجار) :

(مِنْ بَنِي النَّجَّارِ) : وَمِنْ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي دِينَارٍ: كَعْبُ بْنُ زَيْدٍ، أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ، فَقَتَلَهُ. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَهْمُ غَرْبٍ وَسَهْمٌ غَرْبٌ، بِإِضَافَةِ وَغَيْرِ إضَافَةٍ، وَهُوَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ مِنْ أَيْنَ جَاءَ وَلَا مَنْ رَمَى بِهِ [1] . (قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ) : وَقُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ) : مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ: مُنَبِّهُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، أَصَابَهُ سَهْمٌ، فَمَاتَ مِنْهُ بِمَكَّةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ عُثْمَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ مُنَبِّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ. (عَرْضُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الرَّسُولِ شِرَاءَ جَسَدِ نَوْفَلٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ: نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَهُمْ جَسَدَهُ، وَكَانَ اقْتَحَمَ الْخَنْدَقَ، فَتَوَرَّطَ [2] فِيهِ، فَقُتِلَ، فَغَلَبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَسَدِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِي جَسَدِهِ وَلَا بِثَمَنِهِ، فَخَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَعْطَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَسَدِهِ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ الزُّهْرِيِّ. (مِنْ بَنِي عَامِرٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، ثُمَّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ: عَمْرُو ابْن عَبْدِ وُدٍّ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَئِذٍ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ وَابْنَهُ حِسْلَ بْنَ عَمْرٍو.

_ [1] هَذِه الْعبارَة: «قَالَ ابْن هِشَام ... رمى بِهِ» سَاقِطَة فِي أ. [2] تورط فِيهِ: انتشب.

(شهداء المسلمين يوم بنى قريظة) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ، وَيُقَالُ: عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ. (شُهَدَاءُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: خَلَّادُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرٍو، طُرِحَتْ عَلَيْهِ رَحًى، فَشَدَخَتْهُ شَدْخًا شَدِيدًا، فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّ لَهُ لَأَجْرَ شَهِيدَيْنِ. وَمَاتَ أَبُو سِنَانِ بْنُ مُحْصَنِ بْنِ حَرْثَانَ، أَخُو بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَاصِرٌ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَدُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ الَّتِي يَدْفِنُونَ فِيهَا الْيَوْمَ، وَإِلَيْهِ دَفَنُوا أَمْوَاتَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ. (بَشَّرَ الرَّسُولُ الْمُسْلِمِينَ بِغَزْوِ قُرَيْشٍ) : وَلَمَّا انْصَرَفَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْ الْخَنْدَقِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنِي: لَنْ تَغْزُوَكُمْ قُرَيْشٌ بَعْدَ عَامِكُمْ هَذَا، وَلَكِنَّكُمْ تَغْزُونَهُمْ. فَلَمْ تَغْزُهُمْ قُرَيْشٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ هُوَ الَّذِي يَغْزُوهَا، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَكَّةَ. مَا قِيلَ مِنْ الشِّعْرِ فِي أَمْرِ الْخَنْدَقِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ (شِعْرُ ضِرَارٍ) : وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ، أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ، فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ: وَمُشْفِقَةٌ تَظُنُّ بِنَا الظَّنُونَا ... وَقَدْ قُدْنَا عَرَنْدَسَةً طَحُونَا [1] كَأَنَّ زُهَاءَهَا أُحُدٌ إذَا مَا ... بَدَتْ أَرْكَانُهُ لِلنَّاظِرِينَا [2] تَرَى الْأَبْدَانَ فِيهَا مُسْبِغَاتٍ ... عَلَى الْأَبْطَالِ وَالْيَلَبَ الْحَصِينَا [3] وَجُرْدًا كَالْقِدَاحِ مُسَوَّمَاتٍ ... نَؤُمُّ بهَا الغواة الخاطئينا [4]

_ [1] العرندسة: الشَّدِيدَة الْقُوَّة. يُرِيد: كَتِيبَة. والطحون: الَّتِي تطحن كل مَا مرت بِهِ. [2] زهاؤها: تَقْدِير عَددهَا. [3] الْأَبدَان (هُنَا) : الدروع: ومسبغات: كَامِلَة. واليلب: الترسة أَو الدرق. [4] الجرد: الْخَيل الْعتاق. والقداح: السِّهَام. والمسومات: الْمُرْسلَة، وَيُقَال: هِيَ الغالية الأسوام. ونؤم: نقصد.

(شعر كعب في الرد على ضرار) :

كَأَنَّهُمْ إذَا صَالُوا وَصُلْنَا ... بِبَابِ الْخَنْدَقَيْنِ مُصَافِحُونَا [1] أُنَاسٌ لَا نَرَى فِيهِمْ رَشِيدًا ... وَقَدْ قَالُوا أَلَسْنَا رَاشِدِينَا فَأَحْجَرْنَاهُمُ شَهْرًا كَرِيتًا ... وَكُنَّا فَوْقَهُمْ كَالْقَاهِرِينَا [2] نُرَاوِحُهُمْ وَنَغْدُو كُلَّ يَوْمٍ ... عَلَيْهِمْ فِي السِّلَاحِ مُدَجَّجِينَا [3] بِأَيْدِينَا صَوَارِمُ مُرْهَفَاتٌ ... نَقُدُّ بهَا المفارق والشّؤنا [4] كَأَنَّ وَمِيضَهُنَّ مُعَرَّيَاتٍ ... إذَا لَاحَتْ بِأَيْدِي مُصْلِتِينَا [5] وَمِيضُ عَقِيقَةٍ لَمَعَتْ بِلَيْلٍ ... تَرَى فِيهَا الْعَقَائِقَ مُسْتَبِينَا [6] فَلَوْلَا خَنْدَقٌ كَانُوا لَدَيْهِ ... لَدَمَّرْنَا عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَا وَلَكِنْ حَالَ دُونَهُمْ وَكَانُوا ... بِهِ مِنْ خَوْفِنَا مُتَعَوِّذِينَا فَإِنْ نَرْحَلْ فَإِنَّا قَدْ تَرَكْنَا ... لَدَى أَبْيَاتِكُمْ سَعْدًا رَهِينَا إذَا جَنَّ الظَّلَامُ سَمِعْتَ نَوْحَى ... عَلَى سَعْدٍ يُرَجِّعْنَ الْحَنِينَا [7] وَسَوْفَ نَزُورُكُمْ عَمَّا قَرِيبٍ ... كَمَا زُرْنَاكُمْ مُتَوَازِرِينَا [8] بِجَمْعٍ مِنْ كِنَانَةَ غَيْرَ عُزْلٍ ... كَأُسْدِ الْغَابِ قَدْ حَمَتِ الْعَرِينَا [9] (شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرَّدِّ على ضرار) : فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، فَقَالَ: وَسَائِلَةٍ تُسَائِلُ مَا لَقِينَا ... وَلَوْ شَهِدَتْ رَأَتْنَا صَابِرِينَا

_ [1] المصافحة: أَخذ الرجل بيد الرجل عِنْد السَّلَام. [2] أحجرناهم: حصرناهم. وشهرا كريتا: تَاما كَامِلا. [3] المدجج (بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا) : الْكَامِل السِّلَاح. [4] الصوارم: السيوف. ومرهفات: قَاطِعَة. وَنقد: تقطع. والمفارق: جمع مفرق، وَهُوَ حَيْثُ ينفرق الشّعْر فِي أَعلَى الْجَبْهَة. وَيُرِيد «بالشئون» . مجمع الْعِظَام فِي أَعلَى الرَّأْس. [5] الوميض: اللمعان. والمصلت: الّذي جرد سَيْفه من غمده. [6] الْعَقِيقَة: السحابة الَّتِي تشق عَن الْبَرْق. [7] النوحى: جمَاعَة النِّسَاء اللَّاتِي يَنحن. [8] متوازرين: متعاونين. [9] الْعَزْل: الَّذين لَا سلَاح مَعَهم، الْوَاحِد: أعزل. والغاب جمع غابة، وَهِي الأجمة والعرين: مَوضِع الْأسد.

(شعر ابن الزبعري) :

صَبَرْنَا لَا نَرَى للَّه عَدْلًا ... عَلَى مَا نَابَنَا مُتَوَكِّلِينَا وَكَانَ لَنَا النَّبِيُّ وَزِيرَ صِدْقٍ ... بِهِ نَعْلُو الْبَرِيَّةَ أَجْمَعِينَا نُقَاتِلُ مَعْشَرًا ظَلَمُوا وَعَقُّوا ... وَكَانُوا بِالْعَدَاوَةِ مُرْصِدِينَا [1] نُعَاجِلُهُمْ إذَا نَهَضُوا إلَيْنَا ... بِضَرْبٍ يُعْجِلُ الْمُتَسَرِّعِينَا تَرَانَا فِي فَضَافِضَ سَابِغَاتٍ ... كَغُدْرَانِ الْمَلَا مُتَسَرْبِلِينَا [2] وَفِي أَيْمَانِنَا بِيضٌ خِفَافٌ ... بِهَا نَشْفِي مُرَاحَ الشَّاغِبِينَا [3] بِبَابِ الْخَنْدَقَيْنِ كَأَنَّ أُسْدًا ... شَوَابِكُهُنَّ يحمين العرينا [4] فوارسنا إذَا بَكَرُوا وَرَاحُوا ... عَلَى الْأَعْدَاءِ شُوسًا مُعْلَمِينَا [5] لِنَنْصُرَ أَحَمْدًا وَاَللَّهَ حَتَّى ... نَكُونَ عِبَادَ صِدْقٍ مُخْلِصِينَا وَيَعْلَمَ أَهْلُ مَكَّةَ حِينَ سَارُوا ... وَأَحْزَابٌ أَتَوْا مُتَحَزِّبِينَا بِأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ ... وَأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَا فَإِمَّا تَقْتُلُوا سَعْدًا سَفَاهًا ... فَإِنَّ اللَّهَ خَيْرُ الْقَادِرِينَا سَيُدْخِلُهُ جِنَانًا طَيِّبَاتٍ ... تَكُونُ مُقَامَةً لِلصَّالِحِينَا كَمَا قَدْ رَدَّكُمْ فَلًّا شَرِيدًا ... بِغَيْظِكُمْ خَزَايَا خَائِبِينَا [6] خَزَايَا لَمْ تَنَالُوا ثَمَّ خَيْرًا ... وَكِدْتُمْ أَنْ تَكُونُوا دَامِرِينَا [7] بِرِيحِ عَاصِفٍ هَبَّتْ عَلَيْكُمْ ... فَكُنْتُمْ تَحْتَهَا مُتَكَمِّهِينَا [8] (شِعْرُ ابْنِ الزِّبَعْرَى) : وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى السَّهْمِيُّ، فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ:

_ [1] المرصد: الْمعد لِلْأَمْرِ عدته. [2] الفضافض: الدروع المتسعة. وسابغات: كَامِلَة. والملا (مَقْصُور) : المتسع من الأَرْض. ومتسربلون: لابسون للدروع. [3] المراح: النشاط. [4] الشوابك: الَّتِي يتشبث بهَا فَلَا يفلت. [5] الشوس: جمع أشوس، وَهُوَ الّذي ينظر نظر المتكبر بمؤخر عينه. والمعلم (بِفَتْح اللَّام وَكسرهَا) : الّذي أعلم نَفسه بعلامة الْحَرْب ليشتهر بهَا. [6] الفل: الْقَوْم المنهزمون. والشريد: الطريد. [7] دامرين: هالكين. [8] العاصف: الرّيح الشَّدِيدَة. والمتكمه: الْأَعْمَى الّذي لَا يبصر.

حَتَّى الدِّيَارَ مَحَا مَعَارِفَ رَسْمِهَا ... طُولُ الْبِلَى وتراوح الأحقاب [1] فَكَأَنَّمَا كَتَبَ الْيَهُودُ رُسُومَهَا ... إلَّا الْكَنِيفَ وَمَعْقِدَ الْأَطْنَابِ [2] قَفْرًا كَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ تَلْهُو بِهَا ... فِي نِعْمَةٍ بِأَوَانِسٍ أَتْرَابِ [3] فَاتْرُكْ تَذَكُّرَ مَا مَضَى مِنْ عِيشَةٍ ... وَمَحِلَّةٍ خَلْقِ الْمَقَامِ يَبَابِ [4] وَاذْكُرْ بَلَاءَ مَعَاشِرٍ وَاشْكُرْهُمْ ... سَارُوا بِأَجْمَعِهِمْ مِنْ الْأَنْصَابِ [5] أَنْصَابِ مَكَّةَ عَامِدِينَ لِيَثْرِبِ ... فِي ذِي غَيَاطِلَ جَحْفَلٍ جَبْجَابِ [6] يَدَعُ الْحُزُونَ مَنَاهِجًا مَعْلُومَةً ... فِي كُلِّ نَشْرٍ ظَاهِرٍ وَشِعَابِ [7] فِيهَا الْجِيَادُ شَوَازِبٌ مَجْنُوبَةٌ ... قُبُّ الْبُطُونِ لَوَاحِقُ الْأَقْرَابِ [8] مِنْ كُلِّ سَلْهَبَةٍ وَأَجْرَدَ سَلْهَبٍ ... كَالسِّيدِ بَادَرَ غَفْلَةَ الرُّقَّابِ [9] جَيْشُ عُيَيْنَةَ قَاصِدٌ بِلِوَائِهِ ... فِيهِ وَصَخْرٌ قَائِدُ الْأَحْزَابِ قَرْمَانُ كَالْبَدْرَيْنِ أَصْبَحَ فِيهِمَا ... غَيْثُ الْفَقِيرِ وَمَعْقِلُ الْهُرَّابِ [10] حَتَّى إذَا وَرَدُوا الْمَدِينَةَ وَارْتَدَوْا ... لِلْمَوْتِ كُلَّ مُجَرَّبٍ قَضَّابِ [11]

_ [1] الأحقاب: الدهور، الْوَاحِد: حقب. [2] الكنيف: الحظيرة والزرب الّذي يصنع لِلْإِبِلِ، وسمى كنيفا، لِأَنَّهُ يكنفها، أَي يَسْتُرهَا والأطناب: الحبال الَّتِي تشد بهَا الأخبية وبيوت الْعَرَب. وَيُرِيد «بمعقدها» : الْأَوْتَاد الَّتِي ترْبط بهَا. [3] الأتراب: جمع ترب وَهن المتساويات فِي السن. [4] اليباب: القفر. [5] قَالَ أَبُو ذَر: «الأنصاب هُنَا: الْحِجَارَة الَّتِي يعلم بهَا الْحرم. والأنصاب (أَيْضا) : حِجَارَة كَانُوا يذبحون لَهَا ويعظمونها» . [6] يُرِيد «بِذِي غياطل» : جَيْشًا كثير الْأَصْوَات. والغياطل: جمع غيطلة، وَهِي الصَّوْت هُنَا. وجحفل: جَيش. وجبجاب: كثير. [7] الحزون: جمع حزن، وَهُوَ مَا ارْتَفع من الأَرْض. والمناهج: جمع مَنْهَج، وَهُوَ الطَّرِيق الْبَين. والنشر: الْمُرْتَفع من الأَرْض، وَيُقَال فِيهِ نشز أَيْضا. (وَهِي رِوَايَة) . والشعاب: جمع شعب، وَهُوَ المنخفض بَين جبلين. [8] الشوازب: الضامرة. والمجنوبة: المقودة. وَقب: ضامرة. ولواحق: ضامرة (أَيْضا) . والأقراب: جمع قرب، وَهُوَ الخاصرة وَمَا يَليهَا. [9] السلهبة: الطَّوِيلَة. وَالسَّيِّد: الذِّئْب. [10] قرمان: فحلان سيدان. وَمَعْقِل الهراب: ملجؤهم. [11] ارْتَدُّوا: تقلدوا. وكل مجرب: أَي كل سيف قد جرب. والقضاب: الْقَاطِع. 17- سيرة ابْن هِشَام- 2

(شعر حسان) :

شَهْرًا وَعَشْرًا قَاهِرِينَ مُحَمَّدًا ... وَصِحَابُهُ فِي الْحَرْبِ خَيْرُ صِحَابِ نَادَوْا بِرِحْلَتِهِمْ صَبِيحَةَ قُلْتُمْ ... كِدْنَا نَكُونُ بِهَا مَعَ الْخُيَّابِ لَوْلَا الْخَنَادِقَ غَادَرُوا مِنْ جَمْعِهِمْ ... قَتْلَى لِطَيْرٍ سُغَّبٍ [1] وَذِئَابِ (شِعْرُ حَسَّانَ) : فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: هَلْ رَسْمُ دَارِسَةِ الْمَقَامِ يَبَابِ [2] ... مُتَكَلِّمٌ لِمُحَاوِرِ [3] بِجَوَاب قفر عفارهم السَّحَابِ رُسُومَهُ ... وَهُبُوبُ كُلِّ مُطِلَّةٍ مِرْبَابِ [4] وَلَقَدْ رَأَيْت بهَا الحاول يَزِينُهُمْ ... بِيضُ الْوُجُوهِ ثَوَاقِبُ الْأَحْسَابِ [5] فَدَعْ الدِّيَارَ وَذِكْرَ كُلِّ خَرِيدَةٍ ... بَيْضَاءَ آنِسَةِ الْحَدِيثِ كَعَابِ [6] وَاشْكُ الْهُمُومَ إلَى الْإِلَهِ وَمَا تَرَى ... مِنْ مَعْشَرٍ ظَلَمُوا الرَّسُولَ غِضَابِ سَارُوا بِأَجْمَعِهِمْ إلَيْهِ وَأَلَّبُوا ... أَهْلَ الْقُرَى وَبَوَادِيَ الْأَعْرَابِ [7] جَيْشُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ حَرْبٍ فِيهِمْ ... مُتَخَمِّطُونَ بِحَلَبَةِ الْأَحْزَابِ [8] حَتَّى إذَا وَرَدُوا الْمَدِينَةَ وَارْتَجَوْا ... قَتْلَى الرَّسُولِ وَمَغْنَمَ الْأَسْلَابِ وَغَدَوْا عَلَيْنَا قَادِرِينَ بِأَيْدِهِمْ ... رُدُّوا بِغَيْظِهِمْ عَلَى الْأَعْقَابِ [9] بِهُبُوبِ مُعْصِفَةٍ تُفَرِّقُ جَمْعَهُمْ ... وَجُنُودِ رَبِّكَ سَيِّدِ الْأَرْبَابِ [10] فَكَفَى الْإِلَهُ الْمُؤْمِنِينَ قِتَالَهُمْ ... وَأَثَابَهُمْ فِي الْأَجْرِ خَيْرَ ثَوَابِ

_ [1] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وسغب: جائعة. وَفِي أ: «شعب» .. وَهُوَ تَصْحِيف. [2] اليباب: القفر. [3] كَذَا فِي أ. والمحاور: الّذي يراجعك وَيتَكَلَّم مَعَك. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «لمحارب» . [4] عَفا: تغير ودرس. ورهم: جمع رهمة، وَهِي الْمَطَر، ومطلة: مشرقة. ومرباب: دائمة ثَابِتَة. [5] الْحُلُول: الْبيُوت المجتمعة. وثواقب: مشرقة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: «النَّجْمُ الثَّاقِبُ 86: 3» . [6] الخريدة: الْمَرْأَة الناعمة. والكعاب: الَّتِي نهد ثديها فِي أول مَا ينهد. [7] ألبوا: جمعُوا. [8] متخمطون: مختلطون. قَالَ أَبُو ذَر: «وَيُقَال: المتخمط: الشَّديد الْغَضَب المتكبر» . والحلبة جمَاعَة الْخَيل الَّتِي تعد للسباق. [9] الأيد: الْقُوَّة. [10] المعصفة: الرّيح الشَّدِيدَة.

(شعر كعب) :

مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا فَفَرَّقَ جَمْعَهُمْ ... تَنْزِيلُ نَصْرٍ مَلِيكِنَا الْوَهَّابِ وَأَقَرَّ عَيْنَ مُحَمَّدٍ وَصِحَابِهِ ... وَأَذَلَّ كُلَّ مُكَذِّبٍ مُرْتَابِ عَاتِي الْفُؤَادِ مُوَقَّعٍ ذِي رِيبَةٍ ... فِي الْكُفْرِ لَيْسَ بِطَاهِرِ الْأَثْوَابِ [1] عَلِقَ الشَّقَاءُ بِقَلْبِهِ فَفُؤَادُهُ ... فِي الْكُفْرِ آخِرُ هَذِهِ الْأَحْقَابِ (شِعْرُ كَعْبٍ) : وَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا، فَقَالَ: أَبْقَى لَنَا حَدَثُ الْحُرُوبِ بَقِيَّةً ... مِنْ خَيْرِ نِحْلَةِ رَبِّنَا الْوَهَّابِ [2] بَيْضَاءَ مُشْرِفَةَ الذُّرَى وَمَعَاطِنًا ... حُمُّ الْجُذُوعِ غَزِيرَةُ الْأَحْلَابِ [3] كَاللُّوبِ يُبْذَلُ جَمُّهَا وَحَفِيلُهَا ... لِلْجَارِ وَابْنِ الْعَمِّ وَالْمُنْتَابِ [4] وَنَزَائِعًا مِثْلَ السَّرَاحِ نَمَى بِهَا ... عَلَفُ الشَّعِيرِ وَجِزَّةُ الْمِقْضَابِ [5] عَرِيَ الشَّوَى مِنْهَا وَأَرْدَفَ نَحْضَهَا ... جُرْدُ الْمُتُونِ وَسَائِرُ الْآرَابِ [6] قُودًا تَرَاحُ إلَى الصِّيَاحِ إذْ غَدَتْ ... فِعْلَ الضِّرَاءِ تَرَاحُ لِلْكَلَّابِ [7] وَتَحُوطُ سَائِمَةَ الدِّيَارِ وَتَارَةً ... تُرْدِي الْعِدَا وَتَئُوبُ بِالْأَسْلَابِ [8]

_ [1] عاتى الْفُؤَاد: قاسيه. وموقع: ذُو هيب، وَأَصله من التوقيع فِي ظهر الدَّابَّة، وَهُوَ انسلاخ يكون فِيهِ. [2] النحلة: الْعَطاء. [3] الذرى: الأعالي. ويعنى بهَا: الْآطَام. ويعنى «بالمطاعن» : منابت النّخل عِنْد المَاء، تَشْبِيها لَهَا بمطاعن الْإِبِل، وَهِي مباركها حول المَاء. وحم: سود. وَيُرِيد «بالجذوع» : أعناقها. والأحلاب: مَا يحلب مِنْهَا. [4] اللوب: جمع لوبة، وَهِي الْحرَّة، وَهِي أَرض ذَات حِجَارَة سود. وجمها: مَا اجْتمع من لَبنهَا. والمنتاب: القاصد الزائر. [5] النزائع: الْخَيل الْعَرَبيَّة الَّتِي حملت من أرْضهَا إِلَى أَرض أُخْرَى. والسراح: الذئاب، الْوَاحِد سرحان. وجزة المقضاب: أَي مَا يجز لَهَا من النَّبَات فتطعمه، والمقضاب: من القضب، وَهُوَ الْقطع. [6] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والشوى: القوائم. والنحض: اللَّحْم. وجرد الْمُتُون: ملس الظُّهُور. والآراب: جمع إرب، وَهُوَ كل عُضْو مُسْتَقل بِنَفسِهِ. وَفِي أ «وَسَار فِي الْآرَاب» . [7] قَود: طوال، الْوَاحِد: أَقُود وقوداء. وتراح: تنشط. وَالضَّرَّاء: الْكلاب الضارية فِي الصَّيْد وَالْكلاب الصَّائِد صَاحب الْكلاب، الْوَاحِد: كالب. [8] السَّائِمَة: الْمَاشِيَة الْمُرْسلَة فِي المرعى إبِلا كَانَت أَو غَيرهَا. وتردى: تهْلك. وتئوب: ترجع.

حُوشُ الْوُحُوشِ مُطَارَةٌ عِنْدَ الْوَغَى ... عُبْسُ اللِّقَاءِ مبينَة الإنجاب [1] علقت عَلَى دَعَةٍ فَصَارَتْ بُدَّنًا ... دُخْسَ الْبَضِيعِ خَفِيفَةَ الْأَقْصَابِ [2] يَغْدُونَ بِالزَّغْفِ الْمُضَاعَفِ شَكَّةً ... وَبِمُتْرَصَاتِ فِي الثِّقَافِ صِيَابِ [3] وَصَوَارِمٌ نَزَعَ الصَّيَاقِلَ غُلْبَهَا ... وَبِكُلِّ أَرْوَعَ مَاجِدْ الْأَنْسَابِ [4] يَصِلُ الْيَمِينَ بِمَارِنٍ مُتَقَارِبٍ ... وُكِلَتْ وَقِيعَتُهُ إلَى خَبَّابِ [5] وَأَغَرَّ أَزْرَقَ فِي الْقَنَاةِ كَأَنَّهُ ... فِي طُخْيَةِ الظَّلْمَاءِ ضَوْءُ شِهَابِ [6] وَكَتِيبَةٍ يَنْفِي الْقِرَانَ قَتِيرُهَا ... وتردّ حدّ قواحز النُّشَّابِ [7] جَأْوَى مُلَمْلَمَةً كَأَنَّ رِمَاحَهَا [8] ... فِي كُلِّ مَجْمَعَةٍ ضَرِيمَةُ غَابِ [9] يَأْوِي إلَى ظِلِّ اللِّوَاءِ كَأَنَّهُ ... فِي صَعْدَةِ الْخَطِّيِّ فَيْءُ عُقَّابِ [10] أَعْيَتْ أَبَا كَرْبٍ وَأَعْيَتْ تُبَّعًا ... وَأَبَتْ بَسَالَتُهَا عَلَى الْأَعْرَابِ [11] وَمَوَاعِظٌ مِنْ رَبِّنَا نُهْدَى بِهَا ... بِلِسَانِ أَزْهَرَ طَيِّبِ الْأَثْوَابِ [12] عُرِضَتْ عَلَيْنَا فَاشْتَهَيْنَا ذِكْرَهَا ... مِنْ بَعْدِ مَا عُرِضَتْ عَلَى الْأَحْزَابِ حِكَمًا يَرَاهَا الْمُجْرِمُونَ بِزَعْمِهِمْ ... حَرَجًا وَيَفْهَمُهَا ذَوُو الْأَلْبَابِ [13]

_ [1] الحوش: النافرة. والمطارة: المستخفة. والوغى: الْحَرْب. والإنجاب: الْكَرم وَالْعِتْق. [2] الْبدن: السمان. ودخس: كَثِيرَة اللَّحْم. والبضيع: اللَّحْم. والأقصاب: الأمعاء، الْوَاحِد: قصب. [3] الزغف: الدروع اللينة: والمترصات. الشديدات وصياب: صائبة. [4] صوارم: سيوف قَاطِعَة. وغلبها: خشونتها وَمَا عَلَيْهَا من الصدأ. والأروع: الّذي يروع بِكَمَالِهِ وجماله. والماجد: الشريف. [5] المارن: الرمْح اللين. ووقيعته: صَنعته وتطريقه وتحديده. وخباب: اسْم قين. [6] يعْنى بالأغر الْأَزْرَق: سِنَانًا. والطخية: شدَّة السوَاد. [7] الْقرَان: تقارن النبل واجتماعه. والقتير: مسامير حلق الدرْع. وَيُرِيد الدروع. وقواحز النشاب: النبال الَّتِي تصيب الأفخاذ. [8] جأوى (الأَصْل فِيهِ الْمَدّ وَقصر للضَّرُورَة) : يخالط سوادها خمرة. وململة: مجتمعة. [9] كَذَا فِي شرح السِّيرَة لأبي ذَر. والضريمة: اللهب المتوقد. وَفِي الْأُصُول: «صريمة» بالصَّاد الْمُهْملَة. [10] الصعدة: الْقَنَاة المستوية. والخطى: الرماح. والفيء: الظل. [11] أَبُو كرب وَتبع: ملكان من مُلُوك الْيمن. وبسالتها: شدتها. [12] الْأَزْهَر: الْأَبْيَض. [13] حرجا: حَرَامًا. والألباب: الْعُقُول.

جَاءَتْ سَخِينَةُ كَيْ تُغَالِبَ رَبَّهَا ... فَلَيُغْلَبَنَّ مُغَالِبُ الْغَلَّابِ [1] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ ابْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: جَاءَتْ سَخِينَةُ كَيْ تُغَالِبَ رَبَّهَا ... فَلَيُغْلَبَنَّ مُغَالِبُ الْغَلَّابِ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ شَكَرَكَ اللَّهُ يَا كَعْبُ عَلَى قَوْلِكَ هَذَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ: مَنْ سَرَّهُ ضَرْبٌ يُمَعْمِعُ بَعْضُهُ ... بَعْضًا كَمَعْمَعَةِ الْأَبَاءِ الْمُحْرَقِ [2] فَلْيَأْتِ مَأْسَدَةً تُسَنُّ سُيُوفُهَا [3] ... بَيْنَ الْمَذَادِ [4] وَبَيْنَ جَزْعِ [5] الْخَنْدَقِ دَرِبُوا بِضَرْبِ الْمُعْلِمِينَ وَأَسْلَمُوا ... مُهُجَاتِ أَنْفُسِهِمْ لِرَبِّ الْمَشْرِقِ [6] فِي عُصْبَةٍ نَصَرَ الْإِلَهُ نَبِيَّهُ ... بِهِمْ وَكَانَ بِعَبْدِهِ ذَا مَرْفِقِ [7] فِي كُلِّ سَابِغَةٍ تَخُطُّ [8] فُضُولُهَا ... كَالنَّهْيِ هَبَّتْ رِيحُهُ الْمُتَرَقْرِقِ [9] بَيْضَاءُ مُحْكِمَةٌ كَأَنَّ قَتِيرَهَا ... حَدَقُ الْجَنَادِبِ ذَاتُ شَكٍّ مُوثَقِ [10]

_ [1] سخينة: لقب قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة. وَذكروا أَن قصيا كَانَ إِذا ذبح ذَبِيحَة أَو نحر نحيرة بِمَكَّة أَتَى بعجزها فَصنعَ مِنْهُ خزيرة- وَهُوَ لحم يطْبخ ببر- فيطعمه النَّاس، فسميت قُرَيْش بهَا سخينة. وَقيل: إِن الْعَرَب كَانُوا إِذا أسنتوا أكلُوا العلهز. وَهُوَ الْوَبر وَالدَّم، وتأكل قُرَيْش الخزيرة، فنفست عَلَيْهِم ذَلِك، فلقبوهم سخينة. (رَاجع الرَّوْض) . [2] المعمعة: صَوت التهاب النَّار وصريفها. والأباء: الْقصب، وَيُقَال. الأغصان الملتفة. [3] المأسدة: مَوضِع الْأسود، ويعنى بهَا هُنَا مَوضِع الْحَرْب. [4] كَذَا فِي أ. والمذاد: مَوضِع بِالْمَدِينَةِ حَيْثُ حفر الخَنْدَق، وَقيل هُوَ بَين سلع وَخَنْدَق الْمَدِينَة. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «المزاد» وَهُوَ تَحْرِيف. [5] كَذَا فِي أ. والجزع: الْجَانِب. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الْجذع» وَهُوَ تَحْرِيف. [6] المعلمون الَّذين: يعلمُونَ أنفسهم فِي الْحَرْب بعلامة يعْرفُونَ بهَا. والمهجات: الْأَنْفس، الْوَاحِدَة: مهجة ولرب الْمشرق: يُرِيد لرب الْمشرق وَالْمغْرب، فَحَذفهُ للْعلم بِهِ. [7] الْعصبَة الْجَمَاعَة: [8] فِي أ: «يحط» بِالْحَاء الْمُهْملَة. [9] السابغة: الدروع الْكَامِلَة. وتخط فضولها: ينجر على الأَرْض مَا فضل مِنْهَا. والنهى: الغدير من المَاء. والمترقرق: الّذي تصفقه الرّيح، فَيَجِيء وَيذْهب. [10] القتير: مسامير الدروع. وَالْجَنَادِب: ذُكُور الْجَرَاد. وَالشَّكّ: إحكام السرد.

جَدْلَاءُ يَحْفِزُهَا نِجَادُ مُهَنَّدٍ ... صَافِي الْحَدِيدَةِ صَارِمٌ ذِي رَوْنَقِ [1] تِلْكُمْ مَعَ التَّقْوَى تَكُونُ لِبَاسَنَا ... يَوْمَ الْهِيَاجِ وَكُلَّ سَاعَةِ مَصْدَقِ نَصِلُ السُّيُوفَ إذَا قَصُرْنَ بِخَطْوِنَا ... قُدُمًا وَنُلْحِقُهَا إذَا لَمْ تَلْحَقْ فَتَرَى الْجَمَاجِمَ ضَاحِيًا هَامَاتُهَا ... بَلْهَ الْأَكُفَّ كَأَنَّهَا لَمْ تُخْلَقْ [2] نَلْقَى الْعَدُوَّ بِفَخْمَةٍ [3] مَلْمُومَةٍ ... تَنْفِي الْجُمُوعَ كَفَصْدِ رَأْسِ الْمَشْرِقِ [4] وَنُعِدُّ لِلْأَعْدَاءِ كُلَّ مُقَلَّصٍ ... وَرْدٍ وَمَحْجُولِ الْقَوَائِمِ أَبْلَقِ [5] تُرْدِى بِفُرْسَانٍ كَأَنَّ كُمَاتَهُمْ ... عِنْدَ الْهِيَاجِ أُسُودُ طَلٍّ مُلْثِقِ [6] صُدَقٌ يُعَاطُونَ الْكُمَاةَ حُتُوفَهُمْ ... تَحْتَ الْعِمَايَةِ بِالْوَشِيجِ الْمُزْهِقِ [7] أَمَرَ الْإِلَهُ بِرَبْطِهَا لِعَدُوِّهِ ... فِي الْحَرْبِ إنَّ اللَّهَ خَيْرُ مُوَفِّقِ لِتَكُونَ غَيْظًا لِلْعَدُوِّ وَحُيَّطَا ... لِلدَّارِ إنْ دَلَفَتْ خُيُولُ النُّزَّقِ [8] وَيُعِينُنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ بِقُوَّةٍ ... مِنْهُ وَصِدْقِ الصَّبْرِ سَاعَةَ نَلْتَقِي وَنُطِيعُ أَمْرَ نَبِيِّنَا وَنُجِيبُهُ ... وَإِذَا دَعَا لِكَرِيهَةٍ لَمْ نُسْبَقْ وَمَتَى يُنَادِ إلَى الشَّدَائِدِ نَأْتِهَا ... وَمَتَى نَرَ الْحَوْمَاتِ فِيهَا نُعْنِقْ [9]

_ [1] الجدلاء: الدرْع المحكمة النسج. ويحفزها: يرفعها ويشمرها. والنجاد: حمائل السَّيْف وصارم قَاطع. والرونق: اللمعان. [2] الجماجم: الرُّءُوس. وضاحيا: بارزا للشمس. وبله: اسْم فعل بِمَعْنى اترك ودع، وَيصِح نصب «الأكف» بِهِ، أَو جَرّه على أَنه مصدر مُضَاف لَهُ. [3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَيُرِيد «بالفخمة» : الكتيبة. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فَحْمَة» بِالْحَاء الْمُهْملَة. [4] الملمومة: المجتمعة، والمشرق: جبل بَين الصريف والعصيم من أَرض ضبة (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [5] المقلص: الْفرس الْخَفِيف. [6] تردى: تسرع. والكماة: الشجعان. والطل: الضَّعِيف من الْمَطَر. والملثق: مَا يكون عَن الطل من زلق وطين، والأسد أجوع مَا تكون وأجرأ فِي ذَلِك الْحِين. [7] يُرِيد بالعماية: سَحَابَة الْغُبَار وظلمته. والوشيج: الرماح. والمزهق: الْمَذْهَب للنفوس. وَقد وَردت هَذِه الْكَلِمَة بالراء الْمُهْملَة. [8] حيط: جمع حَائِط، وَهُوَ اسْم الْفَاعِل من حاط يحوط. ودلفت: قربت. والنزق: الغاضبون السيئو الْخلق، الْوَاحِد: نازق. [9] الحومات: مَوَاطِن: الْقِتَال، الْوَاحِدَة: حومة. ونعنق: نسرع.

مَنْ يَتَّبِعْ قَوْلَ النَّبِيِّ فَإِنَّهُ ... فِينَا مُطَاعُ الْأَمْرِ حَقُّ مُصَدَّقِ فَبِذَاكَ يَنْصُرنَا وَيُظْهِرُ عِزَّنَا ... وَيُصِيبُنَا مِنْ نَيْلِ ذَاكَ بِمِرْفَقِ إنَّ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ مُحَمَّدًا ... كَفَرُوا وَضَلُّوا عَنْ سَبِيلِ الْمُتَقِّي قَالَ ابْنُ هِشَامٍ أَنْشَدَنِي بَيْتَهُ: تِلْكُمْ مَعَ التَّقْوَى تَكُونُ لِبَاسَنَا وَبَيْتَهُ: مَنْ يَتَّبِعْ قَوْلَ النَّبِيِّ أَبُو زَيْدٍ. وَأَنْشَدَنِي: تَنْفِي الْجُمُوعَ كَرَأْسِ قُدْسِ الْمَشْرِقِ [1] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ: لَقَدْ عَلِمَ الْأَحْزَابُ حِينَ تَأَلَّبُوا ... عَلَيْنَا وَرَامُوا دِينَنَا مَا نُوَادِعُ [2] أَضَامِيمُ مِنْ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ أُصْفِقَتْ ... وَخِنْدِفُ لَمْ يَدْرُوا بِمَا هُوَ وَاقِعُ [3] يَذُودُونَنَا عَنْ دِينِنَا وَنَذُودُهُمْ ... عَنْ الْكُفْرِ وَالرَّحْمَنُ رَاءٍ وَسَامِعُ [4] إذَا غَايَظُونَا فِي مَقَامٍ أَعَانَنَا ... عَلَى غَيْظِهِمْ نَصْرٌ مِنْ اللَّهِ وَاسِعُ وَذَلِكَ حِفْظُ اللَّهِ فِينَا وَفَضْلُهُ ... عَلَيْنَا وَمَنْ لَمْ يَحْفَظْ اللَّهُ ضَائِعُ هَدَانَا لِدِينِ الْحَقِّ وَاخْتَارَهُ لَنَا ... وللَّه فَوْقَ الصَّانِعِينَ صَنَائِعُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ: أَلَا أَبْلِغْ قُرَيْشًا أَنَّ سَلْعًا ... وَمَا بَيْنَ الْعُرَيْضِ إلَى الصِّمَادِ [5]

_ [1] أَشَارَ السهيليّ إِلَى أَن هَذِه الرِّوَايَة أولى وَقَالَ: لِأَن قدس جبل مَعْرُوف من نَاحيَة الْمشرق. [2] تألبوا: تجمعُوا. ونوادع: نصالح ونهادن. [3] أضاميم: جماعات انْضَمَّ بَعْضهَا إِلَى بعض. ويروى: أصاميم. والأصاميم: الخالصون فِي أنسابهم وأصفقت: اجْتمعت وتوافقت على الْأَمر. [4] يذودوننا: يدفعوننا ويمنعوننا. [5] سلع: جبل بسوق الْمَدِينَة. والعريض: وَاد بِالْمَدِينَةِ. قَالَ أَبُو ذَر: «وَيحْتَمل أَن يكون تَصْغِير عرض، وَاحِد الْأَعْرَاض، وَهِي أَوديَة خَارج الْمَدِينَة فِيهَا النّخل وَالشَّجر» . والصماد (بِالْفَتْح وَالْكَسْر) : جبل. قَالَ أَبُو ذَر: «وَيُمكن أَن يكون جمع صَمد، وَهُوَ الْمُرْتَفع من الأَرْض» .

نَوَاضِحُ فِي الْحُرُوبِ مُدَرَّبَاتٌ ... وَخَوْصٌ ثُقِّبَتْ مِنْ عَهْدِ عَادِ [1] رَوَاكِدُ يَزْخَرُ الْمُرَّارُ فِيهَا ... فَلَيْسَتْ بِالْجِمَامِ وَلَا الثِّمَادِ [2] كَأَنَّ الْغَابَ وَالْبَرْدِيَّ فِيهَا ... أَجَشُّ إذَا تَبَقَّعَ لِلْحَصَادِ [3] وَلَمْ نَجْعَلْ تِجَارَتَنَا اشْتِرَاءَ ... الْحَمِيرِ لِأَرْضِ دَوْسٍ أَوْ مُرَادِ [4] بِلَادٌ لَمْ تَثُرْ إلَّا لِكَيْمَا ... نُجَالِدُ إنْ نَشِطْتُمْ لِلْجِلَادِ [5] أَثَرْنَا سِكَّةَ الْأَنْبَاطِ فِيهَا ... فَلَمْ تَرَ مِثْلَهَا جَلَهَاتِ وَادِ [6] قَصَرْنَا كُلَّ ذِي حُضْرٍ وَطَوْلٍ ... عَلَى الْغَايَاتِ مُقْتَدِرٍ جَوَادِ [7] أَجِيبُونَا إلَى مَا نَجْتَدِيكُمْ ... مِنْ الْقَوْلِ الْمُبَيَّنِ وَالسَّدَادِ [8] وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لِجِلَادِ يَوْمٍ ... لَكُمْ مِنَّا إلَى شَطْرِ الْمَذَادِ [9] نُصَبِّحُكُمْ بِكُلِّ أَخِي حُرُوبٍ ... وَكُلِّ مُطَهَّمٍ [10] سَلِسِ الْقِيَادِ

_ [1] يعْنى بالنواضح: حدائق نخل تسقى بالنضح. والخوص: الْآبَار الضيقة. وثقبت: حفرت. [2] رواكد: ثَابِتَة دائمة. ويزخر: يَعْلُو ويرتفع. والمرار: نهر. قَالَ أَبُو ذَر: وَمن رَوَاهُ «المداد» يعْنى المَاء الّذي يمدها. والجمام جمع جمة، وَهِي الْبِئْر الْكَثِيرَة المَاء. والثماد: المَاء الْقَلِيل. وَرِوَايَة الشّطْر الأول من هَذَا الْبَيْت فِي أ: « رواكد تزجر المران إِلَخ» . [3] الغاب: الشّجر الملتف. والبردي: نَبَات ينْبت فِي البرك تصنع مِنْهُ الْحصْر الْغِلَاظ. وأجش عالى الصَّوْت. وتبقع: صَارَت فِيهِ بقع صفر. [4] دوس وَمُرَاد: قبيلتان من الْيمن. [5] لم تثر: لم تحرث. [6] السِّكَّة: النّخل الْمُصْطَفّ، والأنباط: قوم من الْعَجم. أَي حرثناها وغرسناها كَمَا تفعل الأنباط فِي أمصارها لَا تخَاف عَلَيْهَا كيد كائد. وجلهات الْوَادي: مَا استقبلك مِنْهُ إِذا نظرت إِلَيْهِ من الْجَانِب الآخر، الْوَاحِد: جلهة. وَقَالَ السهيليّ: «جلهات الْوَادي: مَا كشفت عَنهُ السُّيُول فأبرزته، وَهُوَ من الجله. وَهُوَ انحسار الشّعْر عَن مقدم الرَّأْس» . [7] الْحَضَر: الجرى. وَيُرِيد «بِذِي الْحَضَر» : الْخَيل. ويروى: «خطر» أَي قدر. [8] نجديكم: نطلب ... [9] الشّطْر: النَّاحِيَة وَالْقَصْد. والمذاد: مَوضِع بِالْمَدِينَةِ حَيْثُ حفر الخَنْدَق، وَقيل هُوَ بَين سلع وَخَنْدَق الْمَدِينَة. [10] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والمطهم: الْفرس التَّام الْخلق. وَفِي أ: «مطهر» .

وَكُلِّ طِمِرَّةٍ خَفِقٌ حَشَاهَا ... تَدِفُّ دَفِيفَ [1] صَفْرَاءِ الْجَرَادِ [2] وَكُلِّ مُقَلَّصِ الْآرَابِ نَهْدٍ ... تَمِيمِ الْخَلْقِ مِنْ أُخْرٍ وَهَادِي [3] خُيُولٌ لَا تُضَاعُ إذَا أُضِيعَتْ ... خُيُولُ النَّاسِ فِي السَّنَةِ الْجَمَادِ [4] يُنَازِعْنَ الْأَعِنَّةَ مُصْغِيَاتٍ ... إذَا نَادَى إلَى الْفَزَعِ الْمُنَادِي [5] إذَا قَالَتْ لَنَا النُّذُرُ اسْتَعِدُّوا ... تَوَكَّلْنَا عَلَى رَبِّ الْعِبَادِ وَقُلْنَا لَنْ يُفَرِّجَ مَا لَقِينَا ... سِوَى ضَرْبُ الْقَوَانِسِ وَالْجِهَادِ [6] فَلَمْ تَرَ عُصْبَةً فِيمَنْ لَقِينَا ... مِنْ الْأَقْوَامِ مِنْ قَارٍ وَبَادِي [7] أَشَدَّ بَسَالَةً مِنَّا إذَا مَا ... أَرَدْنَاهُ وَأَلْيَنَ فِي الْوِدَادِ [8] إذَا مَا نَحْنُ أَشْرَجْنَا عَلَيْهَا [9] ... جِيَادَ الْجُدْلِ [10] فِي الْأُرَبِ الشِّدَادِ [11] قَذَفْنَا فِي السَّوَابِغِ كُلَّ صَقْرٍ ... كَرِيمٍ غَيْرِ مُعْتَلِثِ الزِّنَادِ [12]

_ [1] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول، وَيُقَال: دف الطَّائِر: إِذا حرك جناحيه ليطير. وَفِي أ «تذف ذفيف» . بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة. [2] صفراء الْجَرَاد: الخيفانة مِنْهَا، وَهِي الَّتِي أَلْقَت سرأها، أَي بيضها، وَهِي أخف طيرانا. [3] المقلص: المنشمر الشَّديد، والآراب: قطع اللَّحْم، الْوَاحِدَة: أربة (بِضَم الْهمزَة) . والنهد: الغليظ. وَالْهَادِي: الْعُنُق. يُرِيد أَنه تَامّ الْخلق من مقدمه ومؤخره. [4] السّنة الجماد: سنة الْقَحْط. [5] مصغيات: مستمعات. [6] القوانس: أعالى بيض الْحَدِيد. [7] الْقَارِي: من كَانَ من أهل الْقرى. والبادي: من كَانَ من أهل الْبَادِيَة. [8] البسالة: الشدَّة والشجاعة. [9] أشرجنا: ربطنا. [10] الجدل: جمع جدلاء، وَهِي الدرْع المحكمة النسج. [11] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والأرب: جمع أربة، وَهِي الْعقْدَة الشَّدِيدَة. ويروى: الأزب: بالزاء، وَهُوَ الشَّديد الضّيق. وَفِي أ: «الْأَدَب» وَهُوَ تَحْرِيف. [12] السوابغ: الدروع الْكَامِلَة. واعتلث الرجل زندا: أَخذه من شجر لَا يدرى أيوري أم لَا. يصفه بِحسن الاستعداد للحرب.

(شعر مسافع في بكاء عمرو) :

أَشَمَّ [1] كَأَنَّهُ أَسَدٌ عَبُوسٌ ... غَدَاةَ بَدَا [2] بِبَطْنِ الْجَزَعِ غَادِي [3] يُغَشِّي هَامَةَ الْبَطَلِ الْمُذَكَّى ... صَبِيَّ السَّيْفِ مُسْتَرْخِي النِّجَادِ [4] لِنُظْهِرَ دِينَكَ اللَّهمّ إنَّا ... بِكَفِّكَ فَاهْدِنَا سُبُلَ الرَّشَادِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ بَيْتُهُ: قَصَرْنَا كُلَّ ذِي حُضْرٍ وَطَوْلٍ وَالْبَيْتُ الَّذِي يَتْلُوهُ، وَالْبَيْتُ الثَّالِثُ مِنْهُ، وَالْبَيْتُ الرَّابِعُ مِنْهُ، وَبَيْتُهُ: أَشَمَّ كَأَنَّهُ أَسَدٌ عَبُوسٌ وَالْبَيْتُ الَّذِي يَتْلُوهُ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ. (شِعْرُ مُسَافِعٍ فِي بُكَاءِ عَمْرٍو) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ مُسَافِعُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ، يَبْكِي عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ، وَيَذْكُرُ قَتْلَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إيَّاهُ: عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ كَانَ أَوَّلَ فَارِسٍ ... جَزَعَ الْمَذَادَ وَكَانَ فَارِسَ يَلْيَلِ [5] سَمْحُ الْخَلَائِقِ مَاجِدٌ ذُو مِرَّةٍ ... يَبْغِي الْقِتَالَ بِشِكَّةِ لَمْ يَنْكُلْ [6] وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ حِينَ وَلَّوْا عَنْكُمْ ... أَنَّ ابْنَ عَبْدٍ فِيهِمْ لَمْ يَعْجَلْ حَتَّى تَكَنَّفَهُ الْكُمَاةُ وَكُلُّهُمْ ... يَبْغِي مَقَاتِلَهُ وَلَيْسَ بِمُؤْتَلِي [7] وَلَقَدْ تَكَنَّفَتْ الْأَسِنَّةُ فَارِسًا ... بِجُنُوبِ سَلْعٍ غَيْرَ نَكْسٍ أَمْيَلِ [8] تَسَلُ النِّزَالَ عَلَيَّ فَارِسَ غَالِبٍ ... بِجُنُوبِ سَلْعٍ، لَيْتَهُ لَمْ يَنْزِلْ

_ [1] الأشم: الْعَزِيز، وَأَصله من الشمم، وَهُوَ ارْتِفَاع قَصَبَة الْأنف. [2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وبدا: ظهر. وَفِي أ: «ندي» ، وندي الصَّوْت: ارْتَفع. يُرِيد إِذا ارْتَفع صَوت غاد طَالب للغوث. ويروى: «يرى» . [3] الْجزع: جَانب الْوَادي وَمَا انعطف مِنْهُ. [4] المذكى: الّذي بلغ الْغَايَة فِي الْقُوَّة. وَصبي السَّيْف: وَسطه. والنجاد: حمائل السَّيْف. [5] جزع: قطع. والمذاد: مَوضِع. (رَاجع الْحَاشِيَة رقم 4 ص 261 من هَذَا الْجُزْء) ويليل: وَاد ببدر. [6] الْمرة: الشدَّة وَالْقُوَّة. والشكة: السِّلَاح. وَلم ينكل: لم يرجع من هَيْبَة وَلَا خوف. [7] تكنفه: أحَاط بِهِ: وَلَيْسَ بمؤتلى: لَيْسَ بمقصر. [8] سلع: جبل بسوق الْمَدِينَة. قَالَ الْأَزْهَرِي: مَوضِع قرب الْمَدِينَة (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . والنكس: الضَّعِيف من الرِّجَال. والأميل: الّذي لَا رمح مَعَه، وَقيل: الّذي لَا ترس مَعَه.

(شعر مسافع في تأنيب الفرسان الذين كانوا مع عمرو) :

فَاذْهَبْ عَلَيَّ فَمَا ظَفِرْتُ بِمِثْلِهِ ... فَخْرًا وَلَا لَاقَيْتَ مِثْلَ الْمُعْضِلِ [1] نَفْسِي الْفِدَاءُ لِفَارِسٍ مِنْ غَالِبٍ ... لَاقَى حِمَامَ الْمَوْتِ لَمْ يَتَحَلْحَلْ [2] أَعْنِي الَّذِي جَزَعَ الْمَذَادَ بِمُهْرِهِ ... طَلَبًا لِثَأْرِ مَعَاشِرٍ لَمْ يُخْذَلْ (شِعْرُ مُسَافِعٍ فِي تَأْنِيبِ الْفُرْسَانِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَمْرٍو) : وَقَالَ مُسَافِعٌ أَيْضًا يُؤَنِّبُ فُرْسَانَ عَمْرٍو الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، فَأَجْلَوْا عَنْهُ وَتَرَكُوهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ وَالْجِيَادُ يَقُودُهَا ... خَيْلٌ تُقَادُ لَهُ وَخَيْلٌ تُنْعَلُ [3] أَجْلَتْ فَوَارِسُهُ وَغَادَرَ رَهْطُهُ ... رُكْنًا عَظِيمًا كَانَ فِيهَا أَوَّلُ [4] عَجَبًا وَإِنْ أَعْجَبْ فَقَدْ أَبْصَرْتُهُ ... مَهْمَا تَسُومُ عَلَيَّ عَمْرًا يَنْزِلُ [5] لَا تَبْعَدَنَّ فَقَدْ أُصِبْتُ بِقَتْلِهِ ... وَلَقِيتُ قَبْلَ الْمَوْتِ أَمْرًا يَثْقُلُ وَهُبَيْرَةُ الْمَسْلُوبُ وَلَّى مُدْبِرًا ... عِنْدَ الْقِتَالِ مَخَافَةً أَنَّ يُقْتَلُوا وَضِرَارٌ كَأَنَّ الْبَأْسَ مِنْهُ مُحْضَرًا ... وَلَّى كَمَا وَلَّى اللَّئِيمُ الْأَعْزَلُ [6] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لَهُ. وَقَوْلُهُ: «عَمْرًا يَنْزِلُ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. (شِعْرُ هُبَيْرَةَ فِي بُكَاءِ عَمْرٍو وَالِاعْتِذَارُ مِنْ فِرَارِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ يَعْتَذِرُ مِنْ فِرَارِهِ، وَيَبْكِي عَمْرًا، وَيَذْكُرُ قَتْلَ عَلِيٍّ إيَّاهُ: لَعَمْرِي مَا وَلَّيْتُ ظَهْرِي مُحَمَّدًا ... وَأَصْحَابَهُ جُبْنًا وَلَا خِيفَةَ الْقَتْلِ وَلَكِنَّنِي قَلَّبْتُ أَمْرِي فَلَمْ أَجِدْ ... لِسَيْفِي غَنَاءً إنْ ضَرَبْتُ وَلَا نَبْلِي وَقَفْتُ فَلَمَّا لَمْ أَجِدْ لِي مُقَدَّمًا ... صَدَدْتُ كَضِرْغَامِ هِزَبْرٍ أَبِي شَبْلِ [7]

_ [1] المعضل: الْأَمر الشَّديد. [2] لم يَتَحَلْحَل: لم يبرح مَكَانَهُ. [3] تنعل: تلبس النِّعَال من الْحَدِيد لتقوى. [4] أجلت: تَفَرَّقت وَوَلَّتْ. [5] تسوم: تطلب وتكلف. [6] الأعزل: الّذي لَا سلَاح مَعَه. [7] الضرغام: الْأسد. والهزير: الشَّديد. والشبل: ولد الْأسد.

(شعر آخر لهبيرة في بكاء عمرو) :

ثَنَى عِطْفِهِ عَنْ قِرْنِهِ حِينَ لَمْ يجد ... مكرّا وَقد مَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي [1] فَلَا تَبْعُدْنَ يَا عَمْرُو حَيًّا وَهَالِكًا ... وَحُقَّ لِحُسْنِ الْمَدْحِ مِثْلُكَ مِنْ مِثْلِي وَلَا تَبْعَدَنْ يَا عَمْرُو حَيًّا وَهَالِكًا ... فَقَدْ بِنْتَ مَحْمُودَ الثَّنَا مَاجِدَ الْأَصْلِ [2] فَمَنْ لِطِرَادِ الْخَيْلِ تُقْدَعُ بِالْقَنَا ... وَلِلْفَخْرِ يَوْمًا عِنْدَ قَرْقَرَةَ الْبَزْلِ [3] هُنَالِكَ لَوْ كَانَ ابْنُ عَبْدٍ لَزَارَهَا ... وَفَرَّجَهَا حَقًّا فَتًى غَيْرُ مَا وَغْلِ [4] فَعَنْكَ عَلَيَّ لَا أَرَى مِثْلَ مَوْقِفٍ ... وَقَفْتُ عَلَى نَجْدِ الْمُقَدَّمِ كَالْفَحْلِ [5] فَمَا ظَفِرَتْ كَفَّاكَ فَخْرًا بِمِثْلِهِ ... أَمِنْتُ بِهِ مَا عِشْتُ مِنْ زَلَّةِ النَّعْلِ (شِعْرٌ آخَرُ لِهُبَيْرَةَ فِي بُكَاءِ عَمْرٍو) : وَقَالَ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ يَبْكِي عَمْرَو بْنَ عَبْدُ ودٍ، وَيَذْكُرُ قَتْلَ عَلِيٍّ إيَّاهُ: لَقَدْ عَلِمْتُ عُلْيَا لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ ... لَفَارِسُهَا عَمْرٌو إذَا نَابَ نَائِبُ لَفَارِسُهَا عَمْرٌو إذَا مَا يَسُومُهُ ... عَلِيٌّ وَإِنَّ اللَّيْثَ لَا بُدَّ طَالِبُ [6] عَشِيَّةَ يَدْعُوهُ عَلِيٌّ وإنّه ... لفارسها إِذا خَامَ عَنْهُ الْكَتَائِبُ [7] فَيَا لَهْفَ نَفْسِي إنَّ عَمْرًا تَرَكْتُهُ ... بِيَثْرِبَ لَا زَالَتْ هُنَاكَ الْمَصَائِبُ (شِعْرُ حَسَّانَ فِي الْفَخْرِ بِقَتْلِ عَمْرٍو) : وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَفْتَخِرُ بِقَتْلِ عَمْرِو بْنِ عَبْدُ ودٍ: بَقِيَّتُكُمْ عَمْرٌو أَبَحْنَاهُ بِالْقَنَا ... بِيَثْرِبَ نَحْمِي وَالْحُمَاةُ قَلِيلُ وَنَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ بِكُلِّ مُهَنَّدٍ ... وَنَحْنُ وُلَاةُ الْحَرْبِ حِينَ نَصُولُ وَنَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ بِبَدْرٍ فَأَصْبَحَتْ ... مَعَاشِرُكُمْ فِي الْهَالِكِينَ تَجُولُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِحَسَّانَ.

_ [1] الْعَطف: الْجَانِب. والقرن: الّذي يقاومك فِي شدَّة أَو قتال. [2] الثنا: الذّكر الطّيب. ويروى: النثا. [3] تقدع: تكف. والقرقرة: من أصوات فحول الْإِبِل. والبزل: الْإِبِل القوية. وضربه مثلا للمفاخرين إِذا رفعوا أَصْوَاتهم بالفخر. [4] الوغل: الْفَاسِد من الرِّجَال. [5] فعنك: اسْم فعل بِمَعْنى تبَاعد. والنجد: الشجاع. [6] يسومه: يكلفه. [7] خام: جبن وَرجع.

(شعر حسان في يوم بنى قريظة وبكاء ابن معاذ) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا فِي شَأْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدُ ودٍ: أَمْسَى الْفَتَى عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ يَبْتَغِي ... بِجُنُوبِ يَثْرِبَ ثَأْرَهُ لَمْ يُنْظَرْ [1] فَلَقَدْ وَجَدْتَ سُيُوفَنَا مَشْهُورَةً ... وَلَقَدْ وَجَدْتَ جِيَادَنَا لَمْ تُقْصَرْ [2] وَلَقَدْ لَقِيتَ غَدَاةَ بَدْرٍ عُصْبَةً ... ضَرَبُوكَ ضَرْبًا غَيْرَ ضَرْبِ الْحُسَّرِ [3] أَصْبَحْتُ لَا تُدْعَى لِيَوْمِ عَظِيمَةٍ ... يَا عَمْرُو أَوْ لِجَسِيمِ أَمْرٍ مُنْكَرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِحَسَّانَ [4] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا: أَلَا أَبْلِغْ أَبَا هِدْمٍ رَسُولًا ... مُغَلْغَلَةً تَخُبُّ بِهَا الْمَطِيُّ [5] أَكُنْتُ وَلِيَّكُمْ فِي كُلِّ كُرْهٍ ... وَغَيْرِي فِي الرَّخَاءِ هُوَ الْوَلِيُّ وَمِنْكُمْ شَاهِدٌ وَلَقَدْ رَآنِي ... رُفِعْتُ لَهُ كَمَا اُحْتُمِلَ الصَّبِيُّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى هَذِهِ الْأَبْيَاتُ لِرَبِيعَةَ بْنِ أُمَيَّةَ الدَّيْلِيُّ، وَيُرْوَى فِيهَا آخِرُهَا كَبَبْتَ الْخَزْرَجِيَّ عَلَى يَدَيْهِ ... وَكَانَ شِفَاءَ نَفْسِي الْخَزْرَجِيُّ وَتُرْوَى أَيْضًا لِأَبِي أُسَامَةَ الْجُشَمِيِّ. (شِعْرُ حَسَّانَ فِي يَوْمِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَبُكَاءُ ابْنِ مُعَاذٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي يَوْمِ بَنِي قُرَيْظَةَ يَبْكِي سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَيَذْكُرُ حُكْمَهُ فِيهِمْ: لَقَدْ سَجَمَتْ مِنْ دَمْعِ عَيْنِي عَبْرَةٌ ... وَحُقَّ لِعَيْنِي أَنْ تَفِيضَ عَلَى سَعْدٍ [6] قَتِيلٌ ثَوَى فِي مَعْرَكٍ فُجِعَتْ بِهِ ... عُيُونٌ ذَوَارِي الدَّمْعِ دَائِمَةُ الْوَجْدِ [7]

_ [1] لم ينظر: لم يُمْهل وَلم يُؤَخر. [2] لم تقصر: لم تكف. [3] الحسر: جمع حاسر، وَهُوَ الّذي لَا درع لَهُ، ويروى. «الخشر» بِالْخَاءِ والشين المعجمتين، وهم الضُّعَفَاء من النَّاس، كَمَا يرْوى: «الخسر» بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالسِّين الْمُهْملَة، وَهُوَ جمع خاسر. [4] وَقد بحثنا عَنْهَا فِي ديوَان حسان فَلم نجدها. [5] المغلغلة: الرسَالَة تحمل من بلد إِلَى بلد. وتخب: تسرع. [6] سجمت: سَالَتْ. [7] ثوى: أَقَامَ. والمعرك: مَوضِع الْقِتَال. وذوارى الدمع: تسكبه. والوجد: الْحزن.

(شعر حسان في بكاء ابن معاذ وغيره) :

عَلَى مِلَّةِ الرَّحْمَنِ وَارِثَ جَنَّةٍ ... مَعَ الشُّهَدَاءِ وَفْدُهَا أَكْرَمُ الْوَفْدِ فَإِنْ تَكُ قَدْ وَدَّعْتنَا وَتَرَكْتنَا ... وَأَمْسَيْتُ فِي غَبْرَاءِ مُظْلِمَةِ اللَّحْدِ [1] فَأَنْتَ الَّذِي يَا سَعْدُ أُبْتُ بِمَشْهَدٍ ... كَرِيمٍ وَأَثْوَابِ الْمَكَارِمِ وَالْحَمْدِ بِحُكْمِكَ فِي حَيَّيْ قُرَيْظَةَ بِاَلَّذِي ... قَضَى اللَّهُ فِيهِمْ مَا قَضَيْتُ عَلَى عَمْدِ فَوَافَقَ حُكْمَ اللَّهِ حُكْمَكَ فِيهِمْ ... وَلَمْ تَعْفُ إذْ ذُكِرْتُ مَا كَانَ مِنْ عَهْدِ فَإِنْ كَانَ رَيْبُ الدَّهْرِ أَمْضَاكَ فِي الْأُلَى ... شَرَوْا هَذِهِ الدُّنْيَا بِجَنَّاتِهَا الْخُلْدِ فَنِعْمَ مَصِيرُ الصَّادِقِينَ إذَا دُعُوا ... إلَى اللَّهِ يَوْمًا لِلْوَجَاهَةِ وَالْقَصْدِ (شِعْرُ حَسَّانَ فِي بُكَاءِ ابْنِ مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ) : وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا، يَبْكِي سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَرِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشُّهَدَاءِ، وَيَذْكُرُهُمْ بِمَا كَانَ فِيهِمْ مِنْ الْخَيْرِ: أَلَا يَا لَقَوْمِي هَلْ لِمَا حُمَّ دَافِعُ ... وَهَلْ مَا مَضَى مِنْ صَالِحِ الْعَيْشِ رَاجِعُ [2] تَذَكَّرْتُ عَصْرًا قَدْ مَضَى فَتَهَافَتَتْ ... بَنَاتُ الْحَشَى وَانْهَلَّ مِنِّي الْمَدَامِعُ [3] صَبَابَةُ [4] وَجْدٍ ذَكَّرَتْنِي أَحِبَّةً [5] ... وَقَتْلَى مَضَى [6] فِيهَا طُفَيْلٌ [7] وَرَافِعُ وَسَعْدٌ فَأَضْحَوْا فِي الْجِنَانِ وَأَوْحَشَتْ ... مَنَازِلُهُمْ فَالْأَرْضُ مِنْهُمْ بَلَاقِعُ [8] وَفَوْا يَوْمَ بَدْرٍ لِلرَّسُولِ وَفَوْقَهُمْ ... ظِلَالُ الْمَنَايَا وَالسُّيُوفُ اللَّوَامِعُ دَعَا فَأَجَابُوهُ بِحَقٍّ وَكُلُّهُمْ ... مُطِيعٌ لَهُ فِي كُلِّ أَمْرٍ وَسَامِعُ فَمَا نَكَلُوا [9] حَتَّى تَوَلَّوْا جَمَاعَةً ... وَلَا يَقْطَعَ الْآجَالَ إلَّا الْمَصَارِعُ [10]

_ [1] يُرِيد «بالغبراء» : الْقَبْر. واللحد: مَا يشق للْمَيت فِي جَانب الْقَبْر. [2] حم: قدر (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول فيهمَا) . [3] تهافتت: سَقَطت بِسُرْعَة. وَبَنَات الحشى: الْقلب وَمَا اتَّصل بِهِ. وانهل: سَالَ وانصب. [4] الصبابة: رقة الشوق. [5] كَذَا فِي ديوانه. وَفِي الْأُصُول: «أخوة» . [6] فِي الدِّيوَان: «مضوا» . [7] فِي الدِّيوَان «نفيع» . وَلم يسْبق لَهُ ذكر. [8] بَلَاقِع: قفار خَالِيَة. [9] فِي الدِّيوَان: « « فَمَا بدلُوا حَتَّى توافوا جمَاعَة » . [10] نكلوا: رجعُوا هائبين. والمصارع: أَي مصَارِع الْقَتْلَى

(شعر لحسان في يوم بنى قريظة) :

لِأَنَّهُمْ يَرْجُونَ مِنْهُ شَفَاعَةً ... إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا النَّبِيُّونَ شَافِعُ فَذَلِكَ يَا خَيْرَ الْعِبَادِ بَلَاؤُنَا [1] ... إجَابَتُنَا للَّه وَالْمَوْتُ نَاقِعُ [2] لَنَا الْقَدَمُ الْأُولَى إلَيْكَ وَخَلْفُنَا [3] ... لِأَوَّلِنَا فِي مِلَّةِ [4] اللَّهِ تَابِعُ وَنَعْلَمُ أَنَّ الْمُلْكَ للَّه وَحْدَهُ ... وَأَنَّ قَضَاءَ اللَّهِ لَا بُدَّ وَاقِعُ (شِعْرٌ لِحَسَّانَ فِي يَوْمِ بَنِي قُرَيْظَةَ) : وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا فِي يَوْمِ بَنِي قُرَيْظَةَ [5] : لَقَدْ لَقِيَتْ قُرَيْظَةُ مَا سَآهَا ... وَمَا وَجَدَتْ لِذُلٍّ مِنْ نَصيرِ [6] أَصَابَهُمْ بَلَاءٌ كَانَ فِيهِ ... سِوَى مَا قَدْ أَصَابَ بَنِي النَّضِيرِ غَدَاةَ أَتَاهُمْ يَهْوَى إلَيْهِمْ ... رَسُولُ اللَّهِ كَالْقَمَرِ الْمُنِيرِ لَهُ خَيْلٌ مُجَنَّبَةٌ تَعَادَى ... بِفُرْسَانٍ عَلَيْهَا كَالصُّقُورِ [7] تَرَكْنَاهُمْ وَمَا ظَفِرُوا بِشَيْءِ ... دِمَاؤُهُمْ عَلَيْهِمْ كَالْغَدِيرِ [8] فَهُمْ صَرْعَى تَحُومُ [9] الطَّيْرُ فِيهِمْ ... كَذَاكَ يُدَانُ [10] ذُو الْعَنَدِ الْفَجُورِ [11] فَأَنْذِرْ مِثْلَهَا نُصْحًا قُرَيْشًا ... مِنْ الرَّحْمَنِ إنْ قَبِلَتْ نَذِيرِى [12] وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ: لَقَدْ لَقِيَتْ قُرَيْظَةُ مَا سَآهَا ... وَحَلَّ بِحِصْنِهَا ذُلٌّ ذَلِيلُ

_ [1] فِي الدِّيوَان: «ومشهدنا فِي الله» . [2] بلاؤنا: اختبارنا. وناقع: ثَابت. [3] الْقدَم الأولى: أَي السَّبق إِلَى الْإِسْلَام. وخلفنا، أَي آخِرنَا. [4] فِي الدِّيوَان «فِي طَاعَة» . [5] هَذِه الْعبارَة: «فِي يَوْم بنى قُرَيْظَة» . سَاقِطَة فِي أ. [6] مَا سآها: يُرِيد مَا ساءها، فَقلب. وَالْعرب تفعل ذَلِك فِي بعض الْأَفْعَال، يَقُولُونَ: رأى وَرَاء، بِمَعْنى وَاحِد على جِهَة الْقلب. [7] الْخَيل المجنبة، هِيَ الَّتِي تقاد وَلَا تركب. وتعادي: تجرى وتسرع. [8] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: العبير، وَهُوَ الزَّعْفَرَان. [9] تحوم: تَجْتَمِع حَولهمْ محلقة. [10] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. ويدان: يجزى. وَفِي أ: «يدين» . [11] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والعند: الْخُرُوج عَن الْحق. وَفِي أ: « كَذَلِك دين ذِي العند الفخور، [12] النذير: الْإِنْذَار.

(شعر أبى سفيان في الرد على حسان) :

وَسَعْدٌ كَانَ أَنْذَرَهُمْ بِنُصْحٍ ... بِأَنَّ إلَهَكُمْ رَبٌّ جَلِيلُ فَمَا بَرِحُوا بِنَقْضِ الْعَهْدِ حَتَّى ... فَلَاهُمْ فِي بِلَادِهُمُ الرَّسُولُ [1] أَحَاطَ بِحِصْنِهِمْ مِنَّا صُفُوفٌ ... لَهُ مِنْ حَرِّ وَقْعَتِهِمْ صَلِيلُ [2] وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا فِي يَوْمِ بَنِي قُرَيْظَةَ: تَفَاقَدَ مَعْشَرٌ نَصَرُوا قُرَيْشًا ... وَلَيْسَ لَهُمْ بِبَلْدَتِهِمْ نَصِيرُ [3] هُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ فَضَيَّعُوهُ ... وَهُمْ عُمْيٌ مِنْ التَّوْرَاةِ بُورُ [4] كَفَرْتُمْ بِالْقُرْانِ وَقَدْ أَتَيْتُمْ ... بِتَصْدِيقِ الَّذِي قَالَ النَّذِيرُ فَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ [5] (شِعْرُ أَبِي سُفْيَانَ فِي الرَّدِّ عَلَى حَسَّانَ) : فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: أَدَامَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعٍ ... وَحَرَّقَ فِي طَرَائِقِهَا السَّعِيرُ [6] سَتَعْلَمُ أَيُّنَا مِنْهَا بِنُزْهِ [7] ... وَتَعْلَمُ أَيَّ أَرْضَيْنَا تَضِيرُ [8] فَلَوْ كَانَ النَّخِيلُ بِهَا رِكَابًا ... لَقَالُوا لَا مُقَامَ لَكُمْ فَسِيرُوا (شِعْرُ ابْنِ جَوَّالٍ فِي الرَّدِّ عَلَى حَسَّانَ) : وَأَجَابَهُ جَبَلُ بْنُ جَوَّالٍ الثَّعْلَبِيُّ أَيْضًا، وَبَكَى النَّضِيرَ وَقُرَيْظَةَ، فَقَالَ: أَلَا يَا سَعْدُ سَعْدَ بَنِي مُعَاذٍ ... لِمَا لَقِيَتْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ لَعَمْرُكَ إنَّ سَعْدَ بَنِي مُعَاذٍ ... غَدَاةَ تَحَمَّلُوا لَهُوَ الصَّبُورُ فَأَمَّا الْخَزْرَجِيُّ أَبُو حُبَابٍ ... فَقَالَ لِقَيْنُقَاعَ لَا تَسِيرُوا

_ [1] فلاهم: قَتلهمْ بِالسُّيُوفِ. [2] الصليل: الصَّوْت. [3] تفاقد معشر: فقد بَعضهم بَعْضًا، وَهُوَ دُعَاء عَلَيْهِم. وَفِي أ: «تعاهد» . [4] بور: ضلال، أَو هلكى [5] سراة الْقَوْم: خيارهم، والبويرة: مَوضِع بنى قُرَيْظَة. [6] الطرائق: النواحي. والسعير: النَّار الملتهبة. [7] النزه: الْبعد. [8] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وتضير: تضر. وَفِي أ «تصير» أَي تشق وتقطع.

مقتل سلام بن أبى الحقيق

وَبُدِّلَتْ الْمَوَالِي مِنْ حُضَيْرٍ ... أُسَيْدًا وَالدَّوَائِرُ قَدْ تَدُورُ [1] وَأَقْفَرَتْ الْبُوَيْرَةُ مِنْ سَلَامٍ ... وَسَعْيَةَ وَابْنِ أَخْطَبَ فَهِيَ بُورُ وَقَدْ كَانُوا بِبَلْدَتِهِمْ ثِقَالًا ... كَمَا ثَقُلَتْ بِمِيطَانِ الصُّخُورِ [2] فَإِنْ يَهْلِكْ أَبُو حَكَمٍ سَلَامٌ ... فَلَا رَثُّ السِّلَاحِ وَلَا دَثُورُ [3] وَكُلُّ الْكَاهِنَيْنِ وَكَانَ فِيهِمْ ... مَعَ اللِّينِ الْخَضَارِمَةُ الصُّقُورُ [4] وَجَدْنَا الْمَجْدَ قَدْ ثَبَتُوا عَلَيْهِ ... بِمَجْدٍ لَا تُغَيِّبُهُ الْبُدُورُ [5] أَقِيمُوا يَا سَرَاةَ الْأَوْسِ فِيهَا ... كَأَنَّكُمْ مِنْ الْمَخْزَاةِ عُورُ [6] تَرَكْتُمْ قِدْرَكُمْ لَا شَيْءَ فِيهَا ... وَقِدْرُ الْقَوْمِ حَامِيَةٌ تَفُورُ مَقْتَلُ سَلَّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ (اسْتِئْذَانُ الْخَزْرَجِ الرَّسُولَ فِي قَتْلِ ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [7] : وَلَمَّا انْقَضَى شَأْنُ الْخَنْدَقِ، وَأَمْرُ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانَ سَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَهُوَ أَبُو رَافِعٍ فِيمَنْ حَزَّبَ الْأَحْزَابُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ الْأَوْسُ قَبْلَ أُحُدٍ قَدْ قَتَلَتْ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ، فِي عَدَاوَتِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْرِيضِهِ عَلَيْهِ، اسْتَأْذَنَتْ الْخَزْرَجُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِ سَلَّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَهُوَ بِخَيْبَرِ، فَأَذِنَ لَهُمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [7] : وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ بِهِ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَيْنِ

_ [1] الموَالِي، الحلفاء. وحضير وَأسيد: قبيلتان. [2] ميطان: جبل من جبال الْمَدِينَة مُقَابل الشوران، بِهِ بِئْر مَاء. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [3] الرث: الْخلق. والدثور: الدارس الْمُتَغَيّر. [4] الكاهنان: حَيَّان. والخضارمة: الأجواد الكرماء، الْوَاحِد: خضرم. [5] البدور: الشُّهُور والدهور. [6] عور: جمع أَعور. [7] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ. 18- سيرة ابْن هِشَام- 2

(النفر الذين خرجوا لقتل ابن أبى الحقيق وقصتهم) :

الْحَيَّيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَالْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، كَانَا يَتَصَاوَلَانِ [1] مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ، لَا تَصْنَعُ الْأَوْسُ شَيْئًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَاءً [2] إلَّا قَالَتْ الْخَزْرَجُ: وَاَللَّهِ لَا تَذْهَبُونَ بِهَذِهِ فَضْلًا عَلَيْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْإِسْلَامِ. قَالَ: فَلَا يَنْتَهُونَ حَتَّى يُوقِعُوا مِثْلَهَا، وَإِذَا فَعَلَتْ الْخَزْرَجُ شَيْئًا قَالَتْ الْأَوْسُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَلَمَّا أَصَابَتْ الْأَوْسَ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ فِي عَدَاوَتِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ الْخَزْرَجُ: وَاَللَّهِ لَا تَذْهَبُونَ بِهَا فَضْلًا عَلَيْنَا أَبَدًا، قَالَ: فَتَذَاكَرُوا: مَنْ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَدَاوَةِ كَابْنِ الْأَشْرَفِ؟ فَذَكَرُوا ابْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَهُوَ بِخَيْبَرِ، فَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِهِ، فَأَذِنَ لَهُمْ. (النَّفَرُ الَّذِينَ خَرَجُوا لِقَتْلِ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَقِصَّتُهُمْ) : فَخَرَجَ إلَيْهِ مِنْ الْخَزْرَجِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ خَمْسَةُ نَفَرٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ، وَمَسْعُودُ ابْن سِنَانٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، وَأَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ، وَخُزَاعِيُّ بْنُ أَسْوَدَ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَسْلَمَ. فَخَرَجُوا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَنْ يَقْتُلُوا وَلِيدًا أَوْ امْرَأَةً، فَخَرَجُوا حَتَّى إذَا قَدِمُوا خَيْبَرَ، أَتَوْا دَارَ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ لَيْلًا، فَلَمْ يَدْعُوَا بَيْتًا فِي الدَّارِ إلَّا أَغْلَقُوهُ عَلَى أَهْلِهِ. قَالَ: وَكَانَ فِي عِلِّيَّةٍ لَهُ إلَيْهَا عَجَلَةٌ [3] قَالَ: فَأَسْنَدُوا فِيهَا [4] ، حَتَّى قَامُوا عَلَى بَابِهِ، فَاسْتَأْذَنُوا عَلَيْهِ، فَخَرَجَتْ إلَيْهِمْ [5] امْرَأَتُهُ، فَقَالَتْ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَاسٌ مِنْ الْعَرَبِ نَلْتَمِسُ الْمِيرَةَ. قَالَتْ: ذَاكُمْ صَاحِبكُمْ، فَادْخُلُوا عَلَيْهِ، قَالَ: فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ، أَغْلَقْنَا عَلَيْنَا وَعَلَيْهَا الْحُجْرَةَ، تَخَوُّفًا أَنْ تَكُونَ دُونَهُ مُجَاوَلَةٌ [6] تَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، قَالَتْ:

_ [1] يتصاولان: يتفاخران، إِذا فعل أَحدهمَا شَيْئا فعل الآخر مثله. [2] غناء: مَنْفَعَة. [3] العجلة: جذع النَّخْلَة ينقر فِي مَوضِع مِنْهُ وَيجْعَل كالسلم فيصعد عَلَيْهِ إِلَى العلالي والغرف. [4] أسندوا فِيهَا: علوا. [5] فِي م، ر: «إِلَيْهَا» وَهُوَ تَحْرِيف. [6] المجاولة: حَرَكَة تكون بَينهم وَبَينه.

فَصَاحَتْ امْرَأَتُهُ، فَنَوَّهَتْ بِنَا [1] وَابْتَدَرْنَاهُ، وَهُوَ عَلَى فرَاشه بأسيافنا، فو الله مَا يَدُلُّنَا عَلَيْهِ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ [2] إلَّا بَيَاضُهُ كَأَنَّهُ قُبْطِيَّةٌ [3] مُلْقَاةٌ. قَالَ: وَلَمَّا صَاحَتْ بِنَا امْرَأَتُهُ، جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا يَرْفَعُ عَلَيْهَا سَيْفَهُ، ثُمَّ يَذْكُرُ نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُفُّ يَدَهُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَفَرَغْنَا مِنْهَا بِلَيْلٍ. قَالَ: فَلَمَّا ضَرَبْنَاهُ بِأَسْيَافِنَا تَحَامَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ بِسَيْفِهِ فِي بَطْنِهِ حَتَّى أَنْفَذَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: قَطْنِي قَطْنِي: أَيْ حَسْبِي حَسْبِي. قَالَ: وَخَرَجْنَا، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عتِيك رجلا سيء الْبَصَرِ، قَالَ: فَوَقَعَ مِنْ الدَّرَجَةِ فوثئت [4] يَده وثأ شَدِيدًا- وَيُقَالُ: رِجْلُهُ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَحَمَلْنَاهُ حَتَّى نَأْتِيَ بِهِ مَنْهَرًا [5] مِنْ عُيُونِهِمْ، فَنَدْخُلَ فِيهِ. قَالَ: فَأَوْقَدُوا النِّيرَانَ، وَاشْتَدُّوا فِي كُلِّ وَجْهٍ يَطْلُبُونَنَا، قَالَ: حَتَّى إذَا يَئِسُوا رَجَعُوا إلَى صَاحِبِهِمْ، فَاكْتَنَفُوهُ وَهُوَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ. قَالَ: فَقُلْنَا: كَيْفَ لَنَا بِأَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّ عَدُوَّ اللَّهِ قَدْ مَاتَ؟ قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَّا: أَنَا أَذْهَبُ فَأَنْظُرُ لَكُمْ، فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ فِي النَّاسِ. قَالَ: فَوَجَدْتُ امْرَأَتَهُ وَرِجَالَ يَهُودَ حَوْلَهُ وَفِي يَدِهَا الْمِصْبَاحُ تَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ، وَتُحَدِّثُهُمْ وَتَقُولُ: أَمَا وَاَللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ ابْنِ عَتِيكٍ، ثُمَّ أَكْذَبْتُ نَفْسِي وَقُلْتُ: أَنَّى ابْنُ عَتِيكٍ بِهَذِهِ الْبِلَادِ؟ ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ تَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَتْ: فَاظَ [6] وَإِلَهِ يَهُودَ، فَمَا سَمِعْتُ مِنْ كَلِمَةٍ كَانَتْ أَلَذَّ إلَى نَفْسِي مِنْهَا. قَالَ: ثُمَّ جَاءَنَا الْخَبَرُ فَاحْتَمَلْنَا صَاحِبَنَا فَقَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَتْلِ عَدُوِّ اللَّهِ، وَاخْتَلَفْنَا عِنْدَهُ فِي قَتْلِهِ، كُلُّنَا يَدَّعِيهِ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَاتُوا أَسْيَافَكُمْ، قَالَ: فَجِئْنَاهُ بِهَا، فَنَظَرَ إلَيْهَا فَقَالَ لَسَيْفُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ: هَذَا قَتَلَهُ، أَرَى فِيهِ أَثَرَ الطَّعَامِ.

_ [1] نوهت بِنَا: رفعت صَوتهَا تشهر بِنَا. ويروى: فوهت. [2] فِي أ: «الْبَيْت» . [3] الْقبْطِيَّة (بِضَم الْقَاف وَكسرهَا) : ضرب من الثِّيَاب الْبيض تصنع بِمصْر. [4] وثئت: أصَاب عظمها شَيْء لَيْسَ بِكَسْر، وَقيل: هُوَ أَن يصاب اللَّحْم دون الْعظم. [5] المنهر: مدْخل المَاء من خَارج الْحصن إِلَى دَاخله. [6] فاظ: مَاتَ.

(شعر حسان في قتل ابن الأشرف وابن أبى الحقيق) :

(شِعْرُ حَسَّانَ فِي قَتْلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ وَابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُوَ يَذْكُرُ قَتْلَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَقَتْلَ سَلَّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ: للَّه دَرُّ عِصَابَةٍ لَاقَيْتَهُمْ ... يَا بْنَ الْحُقَيْقِ وَأَنْتَ يَا بن الْأَشْرَفِ [1] يَسْرُونَ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ إلَيْكُمْ ... مَرَحًا كَأُسْدٍ فِي عَرِينٍ مُغْرِفِ [2] حَتَّى أَتَوْكُمْ فِي مَحِلِّ بِلَادِكُمْ ... فَسَقَوْكُمْ حَتْفًا بِبِيضِ ذُفَّفِ [3] مُسْتَبْصِرِينَ [4] لِنَصْرِ دِينِ نَبِيِّهِمْ ... مُسْتَصْغِرِينَ لِكُلِّ أَمْرٍ مُجْحِفٍ [5] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ: «ذُفَّفِ» ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. إسْلَامُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ (ذَهَابُ عَمْرٍو مَعَ آخَرِينَ إِلَى النَّجَاشِيِّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ رَاشِدٍ مَوْلَى حَبِيبِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنْ فِيهِ، قَالَ: لَمَّا انْصَرَفْنَا مَعَ الْأَحْزَابِ عَنْ الْخَنْدَقِ جَمَعْتُ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ، كَانُوا يَرَوْنَ رَأْيِي، وَيَسْمَعُونَ مِنِّي، فَقُلْتُ لَهُمْ: تَعْلَمُونَ [6] وَاَللَّهِ أَنِّي أَرَى أَمْرَ مُحَمَّدٍ يَعْلُو الْأُمُورَ عُلُوًّا مُنْكَرًا، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَمْرًا، فَمَا تَرَوْنَ فِيهِ؟ قَالُوا: وَمَاذَا رَأَيْتُ؟ قَالَ: رَأَيْتُ أَنْ نَلْحَقَ بِالنَّجَاشِيِّ فَنَكُونَ عِنْدَهُ، فَإِنْ ظَهَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى قَوْمِنَا كُنَّا عِنْدَ النَّجَاشِيِّ، فَإِنَّا أَنْ نَكُونَ تَحْتَ يَدَيْهِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ أَنْ نَكُونَ تَحْتُ يَدَيْ مُحَمَّدٍ وَإِنْ ظَهَرَ قَوْمُنَا فَنَحْنُ مَنْ قَدْ عَرَفُوا، فَلَنْ يَأْتِيَنَا مِنْهُمْ إلَّا خَيْرٌ، قَالُوا: إنَّ هَذَا الرَّأْيُ [7]

_ [1] الْعِصَابَة: الْجَمَاعَة. [2] الْبيض الرقَاق: السيوف. ومرحا: نشاطا. والعرين: غابة الْأسد. ومغرف: ملتف الأغصان. [3] ذفف: سريعة الْقَتْل. [4] كَذَا فِي أوديوان حسان. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «مستنصرين» . [5] مجحف: يذهب بالأموال والأنفس. [6] فِي أ: «تعلمُوا» . [7] فِي أ: «لرَأى» .

(سؤاله النجاشي في قتل عمرو الضمري ورده عليه) :

قُلْتُ: فَاجْمَعُوا لَنَا مَا نُهْدِيهِ لَهُ، وَكَانَ أَحَبَّ مَا يُهْدَى إلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الْأَدَمَ [1] . فَجَمَعْنَا لَهُ أَدَمًا كَثِيرًا، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَيْهِ. (سُؤَالُهُ النَّجَاشِيَّ فِي قَتْلِ عَمْرٍو الضَّمْرِيِّ ورده عَلَيْهِ) : فو الله إنَّا لَعِنْدَهُ إذْ جَاءَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَعَثَهُ إلَيْهِ فِي شَأْنِ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ. قَالَ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ. قَالَ: فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي: هَذَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، لَوْ قَدْ دَخَلْتُ عَلَى النَّجَاشِيِّ وَسَأَلْتُهُ إيَّاهُ فَأَعْطَانِيهِ، فَضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي قَدْ أَجْزَأْتُ عَنْهَا [2] حِينَ قَتَلْتُ رَسُولَ مُحَمَّدٍ. قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَسَجَدْتُ لَهُ كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِصَدِيقِي، أَهْدَيْتَ إلَيَّ مِنْ بِلَادِكَ شَيْئًا؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَدْ أَهْدَيْتُ إلَيْكَ أَدَمًا كَثِيرًا، قَالَ: ثُمَّ قَرَّبْتُهُ إلَيْهِ، فَأَعْجَبَهُ وَاشْتَهَاهُ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا خَرَجَ مِنْ عِنْدِكَ، وَهُوَ رَسُولُ رَجُلٍ عَدُوٍّ لَنَا، فَأَعْطِنِيهِ لِأَقْتُلَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ أَصَابَ مِنْ أَشْرَافِنَا وَخِيَارِنَا، قَالَ: فَغَضِبَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا أَنْفَهُ ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ كَسَرَهُ، فَلَوْ انْشَقَّتْ لِي الْأَرْضُ لَدَخَلْتُ فِيهَا فَرَقًا مِنْهُ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: أَيّهَا الْمَلِكُ، وَاَللَّهِ لَوْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَكْرَهُ هَذَا مَا سَأَلْتُكَهُ، قَالَ: أَتَسْأَلُنِي أَنْ أُعْطِيَكَ رَسُولَ رَجُلٍ يَأْتِيهِ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى لِتَقْتُلَهُ! قَالَ: قُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَكَذَاكَ هُوَ؟ قَالَ: وَيْحَكَ يَا عَمْرُو أَطِعْنِي وَاتَّبِعْهُ، فَإِنَّهُ وَاَللَّهِ لَعَلَى الْحَقِّ، وَلَيَظْهَرَنَّ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، كَمَا ظَهَرَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ، قَالَ: قُلْتُ: أَفَتُبَايِعُنِي لَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعْتُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، ثُمَّ خَرَجْتُ إلَى أَصْحَابِي وَقَدْ حَالَ رَأْيِي عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، وَكَتَمْتُ أَصْحَابِي إسْلَامِي. (اجْتِمَاعُ عَمْرٍو وَخَالِدٍ عَلَى الْإِسْلَامِ) : ثُمَّ خَرَجْتُ عَامِدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُسْلِمَ، فَلَقِيتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَذَلِكَ قُبَيْلَ الْفَتْحِ، وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكَّةَ، فَقُلْتُ: أَيْنَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ؟

_ [1] الْأدم: الْجلد. [2] أَجْزَأت عَنْهَا: كفيتها.

(إسلام ابن طلحة) :

قَالَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ اسْتَقَامَ الْمَنْسِمُ [1] ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَنَبِيٌّ، أَذْهَبُ وَاَللَّهِ فَأُسْلِمَ، فَحَتَّى مَتَى، قَالَ: قُلْتُ: وَاَللَّهِ مَا جِئْتُ إلَّا لأسلم. قَالَ: فقد منا الْمَدِينَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَقَدَّمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَسْلَمَ وَبَايَعَ، ثُمَّ دَنَوْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ يُغْفَرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي، وَلَا أَذْكُرُ مَا تَأَخَّرَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَمْرُو، بَايِعْ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ [2] مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَإِنَّ الْهِجْرَةَ تَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهَا، قَالَ: فَبَايَعْتُهُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَحُتُّ [3] مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَإِنَّ الْهِجْرَةَ- تَحُتُّ مَا كَانَ قَبْلَهَا. (إسْلَامُ ابْنِ طَلْحَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ، وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، كَانَ مَعَهُمَا، حِينَ أَسْلَمَا. (شِعْرٌ لِلسَّهْمِيِّ فِي إسْلَامِ ابْنِ طَلْحَةَ وَخَالِدٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى السَّهْمِيُّ: أَنْشُدُ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ حِلْفَنَا [4] ... وَمُلْقَى نِعَالِ الْقَوْمِ عِنْدَ الْمُقَبَّلِ [5] وَمَا عَقَدَ الْآبَاءُ مِنْ كُلِّ حِلْفِهِ ... وَمَا خَالِدٌ مِنْ مِثْلِهَا بِمُحَلَّلِ أَمِفْتَاحَ بَيْتٍ غَيْرِ بَيْتِكَ تَبْتَغِي ... وَمَا يُبْتَغَى مِنْ مَجْدِ بَيْتٍ مُؤَثَّلِ [6] فَلَا تَأْمَنَنَّ خَالِدًا بَعْدَ هَذِهِ ... وَعُثْمَانُ جَاءَ بِالدُّهَيْمِ الْمُعَضَّلِ [7]

_ [1] كَذَا فِي شرح السِّيرَة. وَفِي الْأُصُول: «الميسم» . قَالَ أَبُو ذَر: «وَمَعْنَاهُ: تبين الطَّرِيق ووضح. وأصل المنسم: خف الْبَعِير، وَمن رَوَاهُ الميسم، فَهُوَ الحديدة الَّتِي توسم بهَا الْإِبِل وَغَيرهَا والمنسم (بالنُّون) هُوَ الصَّوَاب» . [2] يجب: يقطع. [3] يحت: يسْقط. [4] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «خلفنا» . [5] يُرِيد «بالمقبل» : مَوضِع تَقْبِيل الْحجر الْأسود. [6] المؤثل: الْقَدِيم. [7] الدهيم: من أَسمَاء الداهية. والمعضل: الشَّديد.

غزوة بنى لحيان

وَكَانَ فَتْحُ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَصَدْرِ ذِي الْحَجَّةِ، وَوَلِيَ تِلْكَ الْحِجَّةَ الْمُشْرِكُونَ [1] . غَزْوَةُ بَنِي لِحْيَانَ (خُرُوجُ الرَّسُولِ إِلَى بَنِي لِحْيَانَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [2] : ثُمَّ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ ذَا الْحَجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ وَصَفَرًا وَشَهْرَيْ رَبِيعٍ، وَخَرَجَ فِي جُمَادَى الْأُولَى عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ فَتْحِ قُرَيْظَةَ، إلَى بَنِي لِحْيَانَ يَطْلُبُ بِأَصْحَابِ الرَّجِيعِ: خُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ وَأَصْحَابَهُ، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ الشَّامَ، لِيُصِيبَ مِنْ الْقَوْمِ غِرَّةً [3] . (اسْتِعْمَالُهُ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ) : فَخَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. (طَرِيقُهُ إلَيْهِمْ ثُمَّ رُجُوعُهُ عَنْهُمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَسَلَكَ عَلَى غُرَابٍ، جَبَلٍ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ عَلَى طَرِيقِهِ إلَى الشَّامِ، ثُمَّ عَلَى مَحِيصٍ [4] ، ثُمَّ عَلَى الْبَتْرَاءِ، ثُمَّ صَفَّقَ [5] ذَاتَ الْيَسَارِ، فَخَرَجَ عَلَى بَيْنٍ [6] ، ثُمَّ عَلَى صُخَيْرَاتِ الْيَمَامِ [7] ، ثُمَّ اسْتَقَامَ بِهِ الطَّرِيقُ عَلَى الْمَحَجَّةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ، فَأَغَذَّ [8] السَّيْرَ

_ [1] إِلَى هُنَا ينتهى الْجُزْء الرَّابِع عشر من أَجزَاء السِّيرَة. [2] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الْملك ابْن هِشَام قَالَ حَدثنَا زِيَاد بن عبد البكائي عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق المطلبي قَالَ» . [3] الْغرَّة: الْغَفْلَة. [4] كَذَا فِي شرح الْمَوَاهِب ومعجم الْبلدَانِ. وَفِي الْأُصُول: «مخيض» وَهُوَ تَصْحِيف. [5] صفق: عدل. [6] بَين (بِالْكَسْرِ) كَمَا ضَبطه ياقوت فِي مُعْجَمه، وبالفتح أَو التحريك، كَمَا ضَبطه الزرقانى نقلا عَن غَيره: وَاد قرب الْمَدِينَة. [7] صخيرات اليمام: منزل رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بدر. وَهُوَ بَين السيالة وقريش. وَقد ذكر فِي مُعْجم الْبلدَانِ «صخيرات الثمام، بالثاء، وأشير فِيهِ إِلَى هَذِه الرِّوَايَة. وَذكر الزرقانى بالثاء وَلم يشر إِلَى الرِّوَايَة الثَّانِيَة» وَفِي رِوَايَة بشرح الْقَامُوس: «صحيرات» . [8] أغذ: أسْرع.

(مقالة الرسول في رجوعه) :

سَرِيعًا، حَتَّى نَزَلَ عَلَى غُرَانَ، وَهِيَ مَنَازِلُ بَنِي لِحْيَانٍ، وَغُرَانُ وَادٍ بَيْنَ أَمَجَّ وَعُسْفَانَ، إلَى بَلَدٍ يُقَالُ لَهُ: سَايَةُ، فَوَجَدَهُمْ قَدْ حَذِرُوا وَتَمَنَّعُوا فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ. فَلَمَّا نَزَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْطَأَهُ مِنْ غِرَّتِهِمْ مَا أَرَادَ، قَالَ: لَوْ أَنَّا هَبَطْنَا عُسْفَانَ لَرَأَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنَّا قَدْ جِئْنَا مَكَّةَ، فَخرج فِي مِائَتي رَاكِبٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى نَزَلَ عُسْفَانَ، ثُمَّ بَعَثَ فَارِسَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى بَلَغَا كُرَاعَ الْغَمِيمِ [1] ، ثُمَّ كَرَّ وَرَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَافِلًا [2] . (مَقَالَةُ الرَّسُولِ فِي رُجُوعِهِ) : فَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ حِينَ وَجه رَاجعا: آئبون تَائِبُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، أَعُوذُ باللَّه مِنْ وَعْثَاءِ [3] السَّفَرِ، وَكَآبَةِ [4] الْمُنْقَلَبِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ. (شِعْرُ كَعْبٍ فِي غَزْوَةِ بَنِي لِحْيَانَ) : وَالْحَدِيثُ فِي غَزْوَةِ بَنِي لِحْيَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي غَزْوَةِ بَنِي لِحْيَانَ: لَوْ أَنَّ بَنِي لِحْيَانَ كَانُوا تَنَاظَرُوا ... لَقُوا عُصَبًا فِي دَارِهِمْ ذَاتَ مَصْدَقِ [5] لَقُوا سَرَعَانًا يَمْلَأُ السَّرْبَ رَوْعُهُ ... أَمَامَ طَحُونٍ كَالْمَجَرَّةِ فَيْلَقِ [6]

_ [1] كرَاع الغميم: مَوضِع بِنَاحِيَة الْحجاز بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، وَهُوَ وَاد أَمَام عسفان بِثمَانِيَة أَمْيَال. (عَن مُعْجم الْبلدَانِ) . [2] وَذكر ابْن سعد أَنه حِين نزل رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عسفان بعث أَبَا بكر مَعَ عشرَة فوارس لتسمع بهم قُرَيْش فيذعرهم، فَأتوا كرَاع الغميم وَلم يلْقوا كيدا. قَالَ الزرقانى: «وَيُمكن الْجمع بِأَنَّهُ بعثهما ثمَّ بعث أَبَا بكر فِي الْعشْرَة، أَو عَكسه» . [3] وعثاء السّفر: مشقته وشدته. [4] الكآبة: الْحزن. [5] تنَاظرُوا: انتظروا. والعصب: الْجَمَاعَات [6] السرعان: أول الْقَوْم. والسرب (بِفَتْح السِّين) : الطَّرِيق. والسرب (بِكَسْر السِّين) : النَّفس وكلا الْمَعْنيين مُحْتَمل. والروع: الْفَزع. والطحون: الكتيبة تطحن كل مَا تمر بِهِ. والمجرة: نُجُوم كَثِيرَة يخْتَلط ضوءها فِي السَّمَاء، وَالْفَيْلَق: الكتيبة الشَّدِيدَة.

غزوة ذي قرد

وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا وِبَارًا تَتَبَّعَتْ ... شِعَابَ حِجَازٍ غَيْرِ ذِي مُتَنَفَّقِ [1] غَزْوَةَ ذِي قَرَدٍ (غَارَةُ ابْنِ حِصْنٍ عَلَى لِقَاحِ الرَّسُولِ) : ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَلَمْ يُقِمْ بِهَا إلَّا لَيَالِيَ قَلَائِلَ، حَتَّى أَغَارَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ [2] ، فِي خَيْلٍ مِنْ غَطَفَانَ عَلَى لِقَاحٍ [3] لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغَابَةِ [4] ، وَفِيهَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ [5] وَامْرَأَةٌ لَهُ، فَقَتَلُوا الرَّجُلَ، وَاحْتَمَلُوا الْمَرْأَةَ فِي اللِّقَاحِ. (بَلَاءُ ابْنِ الْأَكْوَعِ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَمَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، كُلٌّ قَدْ حَدَّثَ فِي غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ [6] بَعْضَ الْحَدِيثِ [7] : أَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ نَذَرَ [8] بِهِمْ سَلَمَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ الْأَسْلَمِيُّ، غَدا يُرِيدُ الْغَابَةَ مُتَوَشِّحًا قَوْسَهُ وَنَبْلَهُ، وَمَعَهُ غُلَامٌ لِطَلْحَةِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ مَعَهُ فَرَسٌ لَهُ يَقُودُهُ، حَتَّى إذَا عَلَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ نَظَرَ إلَى بَعْضِ خُيُولِهِمْ، فَأَشْرَفَ فِي نَاحيَة سلع، نم صرخَ: وَا صَبَاحَاه، ثُمَّ خَرَجَ يَشْتَدُّ فِي آثَارِ الْقَوْمِ، وَكَانَ مِثْلَ السَّبُعِ حَتَّى لَحِقَ بِالْقَوْمِ، فَجَعَلَ يَرُدُّهُمْ بِالنَّبْلِ، وَيَقُولُ إذَا رَمَى: خُذْهَا وَأَنَا

_ [1] الوبار: جمع وبر، وَهِي دويبة على قدر الْهِرَّة، تشبه بهَا الْعَرَب الضَّعِيف. والشعاب: جمع شعب، وَهُوَ المنخفض من الأَرْض. وحجاز: أَرض مَكَّة وَمَا يَليهَا. ويروى: «حجان» بالنُّون، أَي معوجة، كَمَا روى: «حجار» وَهُوَ جمع حجر. وَغير ذِي متنفق: أَي لَيْسَ لَهُ بَاب يخرج مِنْهُ. وَأَصله من النافقاء، وَهُوَ أحد أَبْوَاب حجرَة اليربوع. [2] وَقيل إِن الّذي أغار هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عُيَيْنَة. [3] اللقَاح: الْإِبِل الْحَوَامِل ذَوَات الألبان [4] الغابة: مَوضِع قرب الْمَدِينَة من نَاحيَة الشَّام، فِيهِ أَمْوَال لأهل الْمَدِينَة (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) [5] هَذَا الرجل الغفاريّ هُوَ ابْن أَبى ذَر، كَمَا صرح بذلك ابْن سعد. وَاسم امْرَأَته ليلى. [6] ذُو قرد: مَاء على نَحْو بريد من الْمَدِينَة مِمَّا يَلِي بِلَاد غطفان، وَقيل على مَسَافَة يَوْم مِنْهَا. [7] بَين رجال السّير خلاف فِي وَقت هَذِه الْغَزْوَة عرض لَهُ الزرقانى فِي شرح الْمَوَاهِب، فِي شَيْء من التَّفْصِيل. [8] نذر: علم.

(صراخ الرسول وتسابق الفرسان إليه) :

ابْنُ الْأَكْوَعِ، الْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ [1] ، فَإِذَا وُجِّهَتْ الْخَيْلُ نَحْوَهُ انْطَلَقَ هَارِبًا، ثُمَّ عَارَضَهُمْ، فَإِذَا أَمْكَنَهُ الرَّمْيُ رَمَى، ثُمَّ قَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ، الْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ، قَالَ: فَيَقُولُ قَائِلُهُمْ: أُوَيْكَعُنَا هُوَ أَوَّلُ النَّهَارِ. (صُرَاخُ الرَّسُولِ وَتَسَابُقُ الْفُرْسَانِ إلَيْهِ) : قَالَ: وَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِيَاحُ ابْنِ الْأَكْوَعِ، فَصَرَخَ بِالْمَدِينَةِ الْفَزَعُ الْفَزَعُ، فَتَرَامَتْ الْخُيُولُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْفُرْسَانِ: الْمِقْدَادُ ابْن عَمْرٍو، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ فَارِسٍ وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْمِقْدَادِ مِنْ الْأَنْصَارِ، عَبَّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشِ بْنِ زُغْبَةَ بْنِ زَعُورَاءَ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَسَعْدُ ابْن زَيْدٍ، أَحَدُ بَنِي كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَأُسَيْدُ بْنُ ظُهَيْرٍ، أَخُو بَنِي حَارِثَةَ ابْن الْحَارِثِ، يُشَكُّ فِيهِ، وَعُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، أَخُو بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَمُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ، أَخُو بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، وَأَبُو عَيَّاشٍ، وَهُوَ عُبَيْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ، أَخُو بَنِي زُرَيْقٍ. فَلَمَّا اجْتَمَعُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّرَ عَلَيْهِمْ سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ، فِيمَا بَلَغَنِي، ثُمَّ قَالَ: اُخْرُجْ فِي طَلَبِ الْقَوْمِ، حَتَّى أَلْحَقَكَ فِي النَّاسِ. (الرَّسُولُ وَنَصِيحَتُهُ لِأَبِي عَيَّاشٍ بِتَرْكِ فَرَسِهِ) : وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ، لِأَبِي عَيَّاشٍ: يَا أَبَا عِيَاشٍ، لَوْ أَعْطَيْتُ هَذَا الْفَرَسَ رَجُلًا، هُوَ أَفْرَسُ مِنْكَ فَلَحِقَ بِالْقَوْمِ؟ قَالَ أَبُو عَيَّاشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَفْرَسُ النَّاسِ، ثُمَّ ضربت الْفرس، فو الله مَا جَرَى بِي خَمْسِينَ ذِرَاعًا حَتَّى طَرَحَنِي، فَعَجِبْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَوْ أَعْطَيْتَهُ أَفْرَسَ مِنْكَ، وَأَنَا أَقُولُ: أَنَا أَفْرَسُ النَّاسِ. فَزَعَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى فَرَسَ أَبِي عَيَّاشٍ مُعَاذَ بْنَ مَاعِصٍ، أَوْ عَائِذَ بْنَ مَاعِصِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ، وَكَانَ ثَامِنًا، وَبَعْضُ

_ [1] الرضع: جمع راضع، وَهُوَ اللَّئِيم: وَالْمعْنَى: الْيَوْم يَوْم هَلَاك اللئام.

(سبق محرز إلى القوم ومقتله) :

النَّاسِ يَعُدُّ سَلَمَةِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ أَحَدَ الثَّمَانِيَةِ، وَيَطْرَحُ أُسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ، أَخَا بَنِي حَارِثَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ. وَلَمْ يَكُنْ سَلَمَةُ يَوْمَئِذٍ فَارِسًا، وَقَدْ كَانَ أَوَّلَ مَنْ لَحِقَ بِالْقَوْمِ عَلَى رِجْلَيْهِ. فَخَرَجَ الْفُرْسَانُ فِي طَلَبِ الْقَوْمِ حَتَّى تَلَاحَقُوا. (سَبْقُ مُحْرِزٍ إلَى الْقَوْمِ وَمَقْتَلُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ أَوَّلَ فَارِسٍ لَحِقَ بِالْقَوْمِ مُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ، أَخُو بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ- وَكَانَ يُقَالُ لِمُحْرَزِ: الْأَخْرَمُ [1] ، وَيُقَالُ لَهُ قُمَيْرٌ [2]- وَأَنَّ الْفَزَعَ لَمَّا كَانَ جَالَ فَرَسٌ لِمَحْمُودِ بْنِ مَسْلَمَةَ فِي الْحَائِطِ، حِينَ سَمِعَ صَاهِلَةَ الْخَيْلِ، وَكَانَ فَرَسًا صَنِيعًا [3] جَامًّا، فَقَالَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، حِينَ رَأَيْنَ الْفَرَسَ يَجُولُ فِي الْحَائِطِ بِجِذْعِ نَخْلٍ هُوَ مَرْبُوطٌ فِيهِ: يَا قُمَيْرُ، هَلْ لَكَ فِي أَنْ تَرْكَبَ هَذَا الْفَرَسَ؟ فَإِنَّهُ كَمَا تَرَى، ثُمَّ تَلْحَقُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَعْطَيْنَهُ إيَّاهُ. فَخَرَجَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَذَّ الْخَيْلَ بِجَمَامِهِ، حَتَّى أَدْرَكَ الْقَوْمَ، فَوَقَفَ لَهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، ثُمَّ قَالَ: قِفُوا يَا مَعْشَرَ بَنِي اللَّكِيعَةِ [4] حَتَّى يَلْحَقَ بِكُمْ مَنْ وَرَاءَكُمْ مِنْ أَدْبَارِكُمْ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. قَالَ: وَحَمَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَتَلَهُ، وَجَالَ الْفَرَسُ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى آرِيِّهِ [5] مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَلَمْ يُقْتَلْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُهُ. (رَأْيُ ابْنِ هِشَامٍ فِيمَنْ قُتِلَ مَعَ مُحْرِزٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَ مُحْرِزٍ، وَقَّاصُ بْنُ مجزّز [6] المدلجيّ، فِيمَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

_ [1] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والاستيعاب. وَفِي أ: «الأخزم» . [2] فِي الِاسْتِيعَاب: «فهَيْرَة» . [3] الْفرس الصَّنِيع: الّذي يَخْدمه أَهله ويقومون عَلَيْهِ. [4] اللكيعة: اللئيمة. [5] الآرى: الْحَبل الّذي تشد بِهِ الدَّابَّة، وَقد يُسمى الْموضع الّذي تقف فِيهِ الدَّابَّة آريا أَيْضا. [6] كَذَا فِي أوالاستيعاب والمشتبه والقاموس. وَفِي سَائِر الْأُصُول هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي «مُحرز» وَهُوَ تَصْحِيف.

(أسماء أفراس المسلمين) :

(أَسَمَاءُ أَفْرَاسِ الْمُسْلِمِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ اسْمُ فَرَسِ مَحْمُودٍ: ذَا اللِّمَّةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ اسْمُ فَرَسِ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ: لَاحِقَ، وَاسْمُ فَرَسِ الْمِقْدَادِ بَعْزَجَةُ [1] ، وَيُقَالُ: سُبْحَةُ [2] ، وَاسْمُ فَرَسِ عُكَاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ: ذُو اللَّمَّةِ، وَاسْمُ فَرَسِ أَبِي قَتَادَةَ: حَزْوَةُ [3] ، وَفَرَسُ عَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ: لَمَّاعٌ، وَفَرَسُ أُسَيْدِ بْنِ ظُهَيْرٍ: مَسْنُونٌ، وَفَرَسُ أَبِي عَيَّاشٍ: جُلْوَةُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ مُجَزَّزًا إنَّمَا كَانَ عَلَى فَرَسٍ لِعُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ، يُقَالُ لَهُ: الْجَنَاحُ، فَقُتِلَ مُجَزِّزٌ وَاسْتُلِبَتْ الْجَنَاحُ. (الْقَتْلَى مِنْ الْمُشْرِكِينَ) : وَلَمَّا تَلَاحَقَتْ الْخَيْلُ قَتَلَ أَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثَ بْنَ رِبْعِيٍّ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، حَبِيبُ ابْن عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَغَشَّاهُ بُرْدَهُ، ثُمَّ لَحِقَ بِالنَّاسِ. وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْلِمِينَ. (اسْتِعْمَالُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَإِذَا حَبِيبٌ مُسَجَّى [4] بِبُرْدِ أَبِي قَتَادَةَ، فَاسْتَرْجَعَ [5] النَّاسُ وَقَالُوا: قُتِلَ أَبُو قَتَادَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ بِأَبِي قَتَادَة، وَلكنه قَتِيل لِأَبِي قَتَادَةَ، وَضَعَ عَلَيْهِ بُرْدَهُ، لِتَعْرِفُوا أَنَّهُ صَاحِبُهُ. وَأَدْرَكَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ أَوْبَارًا [6] وَابْنَهُ عَمْرَو بْنَ أَوْبَارٍ، وَهُمَا عَلَى بَعِيرٍ

_ [1] قَالَ السهيليّ: «البعزجة» : شدَّة جرى فِي مغالبة، كَأَنَّهُ منحوت من «بعج» إِذا شقّ، و «عز» أَي غلب. [2] قَالَ السهيليّ: «وَأما سبْحَة فَمن سبح، إِذا علا علوا فِي اتساع، وَمِنْه: سُبْحَانَ الله» . [3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. قَالَ السهيليّ: «وحزوة: من حزوت الطير، إِذا زجرتها، أَو حزوت الشَّيْء، إِذا أظهرته» . وَفِي أ: «حزورة» . [4] مسجى: مغطى. [5] اسْترْجع النَّاس: قَالُوا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. 2: 156 [6] فِي الطَّبَقَات: «أثار» بِضَم الْهمزَة.

(تقسيم الفيء بين المسلمين) :

وَاحِدٍ، فَانْتَظَمَهَا بِالرُّمْحِ، فَقَتَلَهُمَا جَمِيعًا، وَاسْتَنْقَذُوا بَعْضَ اللِّقَاحِ، وَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ بِالْجَبَلِ مِنْ ذِي قَرَدٍ، وَتَلَاحَقَ بِهِ النَّاسُ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَقَالَ لَهُ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ سرحتنى فِي مائَة رَجُلٍ لَاسْتَنْقَذْتُ بَقِيَّةَ السَّرْحِ، وَأَخَذْتُ بِأَعْنَاقِ الْقَوْمِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا بَلَغَنِي: إنَّهُمْ الْآنَ لَيُغْبَقُونَ [1] فِي غَطَفَانَ. (تَقْسِيمُ الْفَيْءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) : فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ فِي كل مائَة رَجُلٍ جَزُورًا، وَأَقَامُوا عَلَيْهَا، ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَافِلًا حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ. (امْرَأَةُ الْغِفَارِيِّ وَمَا نَذَرَتْ مَعَ الرَّسُولِ) : وَأَقْبَلَتْ امْرَأَةُ الْغِفَارِيِّ [2] عَلَى نَاقَةٍ [3] مِنْ إبِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ، فَلَمَّا فَرَغَتْ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي قَدْ نَذَرْتُ للَّه أَنْ أَنَحْرَهَا إنْ نَجَّانِي اللَّهُ عَلَيْهَا، قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: بِئْسَ مَا جَزَيْتِهَا أَنْ حَمَلَكَ اللَّهُ عَلَيْهَا وَنَجَّاكَ بِهَا ثُمَّ تَنْحَرِينَهَا! إنَّهُ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا تَمْلِكِينَ، إنَّمَا هِيَ نَاقَةٌ مِنْ إبِلِي، فَارْجِعِي إلَى أَهْلِكَ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ. وَالْحَدِيثُ عَنْ امْرَأَةِ الْغِفَارِيِّ وَمَا قَالَتْ، وَمَا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: (شِعْرُ حَسَّانَ فِي ذِي قَرَدٍ) : وَكَانَ مِمَّا قِيلَ مِنْ الشِّعْرِ فِي يَوْمِ ذِي قَرَدٍ قَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: لَوْلَا الَّذِي لَاقَتْ وَمَسَّ نُسُورُهَا ... بِجَنُوبِ سَايَةَ أَمْسِ فِي التَّقْوَادِ [4]

_ [1] يغبقون: يسقون اللَّبن بالْعَشي. [2] هِيَ ليلى امْرَأَة ابْن أَبى ذَر، وَقد تقدم ذكرهمَا. [3] اسْم هَذِه النَّاقة: العضباء. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) . [4] أضمر ذكر الْخَيل، وَإِن لم يتَقَدَّم لَهَا ذكر، لِأَن الْكَلَام يدل عَلَيْهَا. والنسور: مَا يكون فِي بَاطِن حافر الدَّابَّة، مثل الْحَصَى والنوى. وساية: مَوضِع، وَقد تقدم شَرحه.

لَلَقِينَكُمْ يَحْمِلْنَ كُلَّ مُدَجَّجٍ ... حَامِي الْحَقِيقَةِ مَاجِدُ الْأَجْدَادِ [1] وَلَسَرَّ أَوْلَادَ اللَّقِيطَةِ أَنَّنَا ... سِلْمٌ غَدَاةَ فَوَارِسِ الْمِقْدَادِ [2] كُنَّا ثَمَانِيَةً وَكَانُوا جَحْفَلًا ... لِجَبَا فَشُكُّوا بِالرِّمَاحِ بَدَادِ [3] كُنَّا مِنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ... وَيُقَدِّمُونَ عِنَانَ كُلِّ جَوَادٍ كَلَّا وَرَبِّ الرَّاقِصَاتِ إلَى مِنًى ... يَقْطَعْنَ عُرْضَ مَخَارِمِ الْأَطْوَادِ [4] حَتَّى نُبِيلَ [5] الْخَيْلَ فِي عرصاتكم ... ونئوب بِالْمَلَكَاتِ وَالْأَوْلَادِ [6] رَهْوًا بِكُلِّ مُقَلَّصٍ وَطِمَرَّةٍ ... فِي كُلِّ مُعْتَرَكٍ عَطَفْنَ وَوَادَى [7] أَفْنَى دَوَابِرَهَا وَلَاحَ مُتُونَهَا ... يَوْمٌ تُقَادُ بِهِ وَيَوْمٌ طِرَادُ [8] فَكَذَاكَ إنَّ جِيَادَنَا مَلْبُونَةٌ ... وَالْحَرْبُ مُشْعَلَةٌ بِرِيحِ غَوَادٍ [9] وَسُيُوفُنَا بِيضُ الْحَدَائِدِ تَجْتَلِي ... جُنَنَ الْحَدِيدِ وَهَامَةَ الْمُرْتَادِ [10] أَخَذَ الْإِلَهُ عَلَيْهِمْ لِحَرَامِهِ ... وَلِعِزَّةِ الرَّحْمَنِ بِالْأَسْدَادِ [11] كَانُوا بِدَارٍ نَاعِمِينَ فَبُدِّلُوا ... أَيَّامَ ذِي قَرَدٍ وُجُوهَ عِبَادٍ [12]

_ [1] المدجج (بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا) : الْكَامِل السِّلَاح. والماجد: الشريف. [2] أَوْلَاد اللقيطة: الملتقطون الَّذين لَا يعرف آباؤهم. وَالسّلم (بِفَتْح السِّين وَكسرهَا) : الصُّلْح. [3] الجحفل: الْجَيْش الْكثير. واللجب: الْكثير الْأَصْوَات، وَلَا يكون إِلَّا عَن كَثْرَة عدده، وَشَكوا: طعنوا. وبداد: من التبدد، وَهُوَ التَّفَرُّق. [4] الراقصات: الْإِبِل، والرقص: ضرب من مشيها. والأطواد،: الْجبَال المرتفعة. والمخارم: الطّرق بَين الْجبَال. [5] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. ونبيل: نَجْعَلهَا تبول. وَفِي أ: «نئيل» . [6] العرصات: جمع عَرصَة، وَهِي وسط الدَّار. ونئوب: نرْجِع: والملكات: النِّسَاء يسبين فِي الْحَرْب. [7] الرهوب: الْمَشْي فِي سُكُون. ومقلص: مشمر. وطمرة: فرس وثابة سريعة. والمعترك: مَوضِع الْحَرْب. ورواد، قَالَ أَبُو ذَر: من رَوَاهُ بِفَتْح الرَّاء فَمَعْنَاه: سريعات، من ردى الْفرس يردى، إِذا أسْرع، وَمن رَوَاهُ بِكَسْر الرَّاء، فَهُوَ من الْمَشْي الرويد، وَهُوَ الّذي فِيهِ فتور. [8] دوابرها: أواخرها. ولاح: غير وأضعف. ومتونها: ظُهُورهَا، والطراد: مطاردة الْأَبْطَال بَعضهم بَعْضًا. [9] ملبونة: تسقى اللَّبن. ومشعلة: موقدة. [10] تجتلى: تقطع. والجنن: جمع جنَّة، وَهِي السِّلَاح. والمرتاد: الطَّالِب للحرب. [11] الأسداد: جمع سد، وَهُوَ مَا يسد بِهِ على الْإِنْسَان فيمنعه عَن وَجهه. [12] كَذَا فِي أ. وَعباد: أَي عبيد. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عناد» .

(غضب سعد على حسان ومحاولة حسان استرضاءه) :

(غَضَبُ سَعْدٍ عَلَى حَسَّانَ وَمُحَاوَلَةُ حَسَّانَ اسْتِرْضَاءَهُ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَلَمَّا قَالَهَا حَسَّانُ غَضِبَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ، وَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ أَبَدًا، قَالَ: انْطَلَقَ إلَى خَيْلِي وَفَوَارِسِي فَجَعَلَهَا لِلْمِقْدَادِ! فَاعْتَذَرَ إلَيْهِ حَسَّانُ وَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا ذَاكَ أَرَدْتُ، وَلَكِنَّ الرَّوِيَّ وَافَقَ اسْمَ الْمِقْدَادِ، وَقَالَ أَبْيَاتًا يُرْضِي بِهَا سَعْدًا: إذَا أَرَدْتُمْ الْأَشَدَّ الْجَلْدَا ... أَوْ ذَا غَنَاءٍ فَعَلَيْكُمْ سَعْدًا سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ لَا يُهَدُّ هَدًّا فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ سَعْدٌ وَلَمْ يُغْنِ شَيْئًا. (شِعْرٌ آخَرُ لِحَسَّانَ فِي يَوْمِ ذِي قَرَدٍ) : وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي يَوْمِ ذِي قَرَدٍ: أَظَنَّ عُيَيْنَةُ إذْ زَارَهَا ... بِأَنْ سَوْفَ يَهْدِمُ فِيهَا قُصُورًا [1] فَأُكْذِبْتَ مَا كُنْتَ صَدَّقْتُهُ ... وَقُلْتُمْ سَنَغْنَمُ أَمْرًا كَبِيرًا فَعِفْتَ الْمَدِينَةَ إذْ زُرْتهَا ... وَآنَسْتُ لِلْأُسْدِ فِيهَا زَئِيرًا [2] فَوَلَّوْا سِرَاعًا كَشَدِّ النَّعَامِ ... وَلَمْ يَكْشِفُوا عَنْ مُلِطٍّ حَصِيرًا [3] أَمِيرٌ عَلَيْنَا رَسُولُ الْمَلِيكِ ... أَحْبِبْ بِذَاكَ إلَيْنَا أَمِيرًا رَسُولٌ نُصَدِّقُ مَا جَاءَهُ ... وَيَتْلُو كِتَابًا مُضِيئًا مُنِيرًا (شِعْرُ كَعْب فِي يوذى قَرَدٍ) : وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي يَوْمِ ذِي قَرَدٍ لِلْفَوَارِسِ: أَتَحْسَبُ أَوْلَادُ اللَّقِيطَةِ أَنَّنَا ... عَلَى الْخَيْلِ لَسْنَا مِثْلَهُمْ فِي الْفَوَارِسِ وَإِنَّا أُنَاسٌ لَا نَرَى الْقَتْلَ سُبَّةً ... وَلَا نَنْثَنِي عِنْدَ الرِّمَاحِ الْمَدَاعِسِ [4]

_ [1] زارها، أَي الْمَدِينَة. [2] عفت: كرهت. وآنست: أحسست وَوجدت. [3] الشد: الجرى. وَلم يكشفوا عَن ملط حَصِيرا، أَي لم يُصِيبُوا بَعِيرًا، وَلَا كشفوا عَنهُ حَصِيرا. ويعنى «بالحصير» : مَا يكنف بِهِ حول الْإِبِل من عيدَان الحظيرة. والملط: من قَوْلهم لطت النَّاقة وألطت بذنبها: إِذا أدخلته بَين رِجْلَيْهَا. [4] المداعس: المطاعن، يُقَال: دعسه بِالرُّمْحِ، إِذا طعنه.

(شعر شداد لعيينة) :

وَإِنَّا لَنَقْرِي الضَّيْفَ مِنْ قَمَعِ الذُّرَا ... وَنَضْرِبُ رَأْسَ الْأَبْلَخِ الْمُتَشَاوِسِ [1] نَرُدُّ كُمَاةَ الْمُعْلَمِينَ إذَا انْتَخَوْا ... بِضَرْبٍ يُسْلِي نَخْوَةَ الْمُتَقَاعِسِ [2] بِكُلِّ فَتًى حَامِي الْحَقِيقَةَ مَاجِدٍ ... كَرِيمٍ كَسِرْحَانِ الْغَضَاةِ مُخَالِسِ [3] يَذُودُونَ عَنْ أَحْسَابهِمْ وَتِلَادِهِمْ ... بِبِيضٍ تَقُدُّ الْهَامَ تَحْتَ الْقَوَانِسِ [4] فَسَائِلْ بَنِي بَدْرٍ إذَا مَا لَقِيتَهُمْ ... بِمَا فَعَلَ الْإِخْوَانُ يَوْمَ التَّمَارُسِ [5] إذَا مَا خَرَجْتُمْ فَاصْدُقُوا [6] مَنْ لَقِيتُمْ ... وَلَا تَكْتُمُوا أَخْبَارَكُمْ فِي الْمَجَالِسِ وَقُولُوا زَلِلْنَا عَنْ مَخَالِبِ خَادِرٍ ... بِهِ وَحَرٌ فِي الصَّدْرِ مَا لَمْ يُمَارِسْ [7] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَيْتَهُ: «وَإِنَّا لَنَقْرِي الضَّيْفَ» أَبُو زَيْدٍ. (شِعْرُ شَدَّادٍ لِعُيَيْنَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ شَدَّادُ بْنُ عَارِضٍ الْجُشَمِيُّ، فِي يَوْمِ ذِي قَرَدٍ: لِعُيَيْنَةَ ابْن حِصْنٍ، وَكَانَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ يُكَنَّى بِأَبِي مَالِكٍ: فَهَلَّا كَرَرْتَ أَبَا مَالِكٍ ... وَخَيْلُكَ مُدْبِرَةٌ تُقْتَلُ ذَكَرْتَ الْإِيَابَ إلَى عَسْجَرٍ ... وَهَيْهَاتَ قَدْ بَعُدَ الْمُقْفَلُ [8] وَطَمَّنْتَ [9] نَفْسَكَ ذَا مَيْعَةَ ... مِسَحِّ الْفَضَاءِ إذَا يُرْسَلُ [10]

_ [1] القمع: جمع قمعة، وَهِي أَعلَى سَنَام الْبَعِير. والذرا: الأسنمة، والأبلخ: المتكبر والمتشاوس: الّذي ينظر بمؤخر عينه نظر المتكبر. [2] افتخوا: تكبروا. والمتقاعس: الّذي لَا يلين وَلَا ينقاد. [3] السرحان: الذِّئْب، والغضاة: شَجَرَة، وَجَمعهَا غضى. وَيُقَال: إِن أَخبث الذئاب ذئاب الغضى وَقد وَردت هَذِه الْكَلِمَة فِي أ «الْعضَاة» . [4] يذودون: يمْنَعُونَ ويدفعون. والتلاد: المَال الْقَدِيم. وتقد: تقطع. والقوانس: أعالى بيض الْحَدِيد، الْوَاحِدَة قونسة. [5] التمارس: الْمُضَاربَة فِي الْحَرْب والمقاربة. [6] فِي أ: «فاكتموا» . [7] خادر، أَي أَسد خادر، وَهُوَ الّذي يلْزم أجمته. والوحر: الحقد. [8] الإياب: الرُّجُوع. وعسجر: مَوضِع قرب مَكَّة. والمقفل: الرُّجُوع. [9] فِي أ: «وضمنت» . [10] ذُو ميعة: فرس ذُو نشاط. وَالْمسح: الْكثير الجرى. والفضاء: المتسع من الأَرْض.

غزوة بنى المصطلق [6]

إذَا قبّضته إِلَيْك الشّمال ... جَاشَ كَمَا اضْطَرَمَ الْمِرْجَلُ [1] فَلَمَّا عَرَفْتُمْ عِبَادَ الْإِلَهِ ... لَمْ يَنْظُرْ الْآخَرَ الْأَوَّلَ [2] عَرَفْتُمْ فَوَارِسَ قَدْ عُوِّدُوا ... طِرَادَ الْكُمَاةِ إذَا أَسْهَلُوا [3] إذَا طَرَدُوا الْخَيْلَ تَشْقَى بِهِمْ ... فِضَاحًا وَإِنْ يُطْرَدُوا يَنْزِلُوا [4] فَيَعْتَصِمُوا فِي سَوَاء الْمقَام ... بِالْبِيضِ أَخْلَصَهَا الصَّيْقَلُ [5] غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ [6] (وَقْتُهَا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ بَعْضَ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا، ثُمَّ غَزَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ [7] . (اسْتِعْمَالُ أَبِي ذَرٍّ عَلَى الْمَدِينَةِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، وَيُقَالُ: نُمَيْلَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيُّ.

_ [1] جاش: تحرّك وَعلا. واضطرم: التهب، ويروى: اضْطربَ. [2] لم ينظر: لم ينْتَظر. [3] الكماة: الشجعان. وأسهلوا: نزلُوا السهل. [4] الفضاح: الفاضحة. [5] أخلصها الصيقل: أَي أَزَال مَا عَلَيْهَا من الصدأ. [6] وَتسَمى أَيْضا: «الْمُريْسِيع» . [7] فِي وَقت هَذِه الْغَزْوَة خلاف ذكره الزرقانى وعقب عَلَيْهِ بِمَا يأتى: «وَقَالَ الْحَاكِم فِي الإكليل: قَول عُرْوَة وَغَيره إِنَّهَا كَانَت سنة خمس أشبه من قَول ابْن إِسْحَاق، قلت: وَيُؤَيِّدهُ مَا ثَبت فِي حَدِيث الْإِفْك أَن سعد بن معَاذ تنَازع هُوَ وَسعد بن عبَادَة فِي أَصْحَاب الْإِفْك، فَلَو كَانَت الْمُريْسِيع فِي شعْبَان سنة سِتّ مَعَ كَون الْإِفْك مِنْهَا، لَكَانَ مَا وَقع فِي الصَّحِيح من ذكر سعد بن معَاذ غَلطا، لِأَنَّهُ مَاتَ أَيَّام قُرَيْظَة، وَكَانَت فِي سنة خمس على الصَّحِيح، وَإِن كَانَت كَمَا قيل سنة أَربع، فَهُوَ أَشد غَلطا، فَظهر أَن الْمُريْسِيع كَانَت فِي سنة خمس فِي شعْبَان قبل الخَنْدَق، لِأَنَّهَا كَانَت فِي شَوَّال سنة خمس أَيْضا، فَيكون سعد بن معَاذ مَوْجُودا فِي الْمُريْسِيع وَرمى بهَا بعد ذَلِك بِسَهْم فِي الخَنْدَق، وَمَات من جراحته فِي قُرَيْظَة. 19- سيرة ابْن هِشَام- 2

(سبب غزو الرسول لهم) :

(سَبَبُ غَزْوِ الرَّسُول لَهُم) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، كُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي بَعْضَ حَدِيثِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، قَالُوا: بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ يَجْمَعُونَ لَهُ، وَقَائِدُهُمْ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ أَبُو جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، زَوْجِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلّم، فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ خَرَجَ إلَيْهِمْ، حَتَّى لَقِيَهُمْ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ [1] يُقَالُ لَهُ: الْمُرَيْسِيعُ، مِنْ نَاحِيَةِ قَدِيدٍ إلَى السَّاحِلِ، فَتَزَاحَفَ النَّاسُ وَاقْتَتَلُوا، فَهَزَمَ اللَّهُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ، وَنَفَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأْفَاءَهُمْ عَلَيْهِ. (مَوْتُ ابْنِ صُبَابَةَ) : وَقَدْ أُصِيبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي كَلْبِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ ابْن بَكْرٍ، يُقَالُ لَهُ: هِشَامُ بْنُ صُبَابَةَ، أَصَابَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ رَهْطِ عُبَادَةَ ابْن الصَّامِتِ، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ مِنْ الْعَدُوِّ، فَقَتَلَهُ خَطَأٍ. (جَهْجَاهُ وَسِنَانٌ وَمَا كَانَ مِنْ ابْنِ أُبَيٍّ) : فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ، وَرَدَتْ وَارِدَةُ النَّاسِ، وَمَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَجِيرٌ لَهُ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، يُقَالُ لَهُ: جَهْجَاهُ بْنُ مَسْعُودٍ يَقُودُ فَرَسَهُ، فَازْدَحَمَ جَهْجَاهُ وَسِنَانُ بْنُ وَبَرٍ [2] الْجُهَنِيُّ، حَلِيفُ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ عَلَى الْمَاءِ، فَاقْتَتَلَا، فَصَرَخَ الْجُهَنِيُّ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، وَصَرَخَ جَهْجَاهُ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ [3] ، فَغَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بن سَلُولَ، وَعِنْدَهُ رَهْطٌ مِنْ

_ [1] فِي أ: «من مِيَاههمْ» . [2] قَالَ السهيليّ: «وَقَالَ غَيره: هُوَ سِنَان بن تَمِيم، من جُهَيْنَة بن سود بن أسلم، حَلِيف الْأَنْصَار» . [3] قَالَ السهيليّ: «وَلم يذكر مَا قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين سَمعهَا، وَفِي الصَّحِيح أَنه عَلَيْهِ السَّلَام حِين سَمعهَا مِنْهُمَا قَالَ: دَعُوهَا فإنّها مُنْتِنَة، يعْنى أَنَّهَا كلمة خبيثة، لِأَنَّهَا من دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة. وَجعل الله الْمُؤمنِينَ إخْوَة وحزبا وَاحِدًا، فَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن تكون الدعْوَة للْمُسلمين. فَمن دَعَا فِي الْإِسْلَام بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة، فَيتَوَجَّه للفقهاء فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال، أَحدهَا أَن يجلد من اسْتَجَابَ لَهُ خمسين سَوْطًا، اقْتِدَاء بِأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي حَده النَّابِغَة الجعديّ خمسين سَوْطًا، حِين سمع «يَا لعامر» فَأقبل يشْتَد بعصبه. وَالثَّانِي أَن فِيهَا

(اعتذار ابن أبى للرسول) :

قَوْمِهِ فِيهِمْ: زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، غُلَامٌ حَدَثٌ، فَقَالَ: أَوَقَدْ فَعَلُوهَا، قَدْ نَافَرُونَا وَكَاثَرُونَا فِي بِلَادِنَا، وَاَللَّهِ مَا أَعَدَّنَا وَجَلَابِيبَ [1] قُرَيْشٍ إلَّا كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ، أَمَا وَاَللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: هَذَا مَا فَعَلْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ، أَحْلَلْتُمُوهُم بِلَادكُمْ، وَقَاسَمْتُمُوهُمْ أَمْوَالَكُمْ، أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ أَمْسَكْتُمْ عَنْهُمْ مَا بِأَيْدِيكُمْ لَتَحَوَّلُوا إلَى غَيْرِ دَارِكُمْ. فَسَمِعَ ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، فَمَشَى بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ عِنْدَ فَرَاغِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَدُوِّهِ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، وَعِنْدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: مُرْ بِهِ عَبَّادَ بْنِ بِشْرٍ فَلْيَقْتُلْهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَكَيْفَ يَا عُمَرُ إذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ! لَا وَلَكِنْ أَذَّنَ بِالرَّحِيلِ، وَذَلِكَ فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْتَحِلُ فِيهَا، فَارْتَحَلَ النَّاسُ. (اعْتِذَارُ ابْنِ أُبَيٍّ لِلرَّسُولِ) : وَقَدْ مَشَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بن سَلُولَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَدْ بَلَّغَهُ مَا سَمِعَ مِنْهُ، فَحَلَفَ باللَّه: مَا قُلْتُ مَا قَالَ، وَلَا تَكَلَّمْتُ بِهِ. - وَكَانَ فِي قَوْمِهِ شَرِيفًا عَظِيمًا-، فَقَالَ مَنْ حَضَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَسَى أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ قَدْ أَوْهَمَ فِي حَدِيثِهِ، وَلَمْ يَحْفَظْ مَا قَالَ الرَّجُلُ، حَدَبًا عَلَى ابْنِ أُبَيٍّ بن سَلُولَ، وَدَفْعًا عَنْهُ. (الرَّسُولُ وَأُسَيْدٌ وَمَقَالَةُ ابْنِ أُبَيٍّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا اسْتَقَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَارَ، لَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَحَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ النُّبُوَّةِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَاَللَّهِ لَقَدْ رُحْتَ فِي سَاعَةٍ مُنْكَرَةٍ، مَا كُنْتَ تَرُوحُ فِي مِثْلِهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ

_ [ () ] الْجلد دون الْعشْر لنَهْيه عَلَيْهِ السَّلَام أَن يجلد أحد قومه الْعشْرَة إِلَّا فِي حد. وَالْقَوْل الثَّالِث: اجْتِهَاد الإِمَام فِي ذَلِك على حسب مَا يرَاهُ من سد الذريعة وإغلاق بَاب الشَّرّ، إِمَّا بالوعيد، وَإِمَّا بالسجن، وَإِمَّا بِالْجلدِ» . [1] جلابيب قُرَيْش: لقب من كَانَ أسلم من الْمُهَاجِرين، لقبهم بذلك الْمُشْركُونَ. وأصل الجلابيب: الأزر الْغِلَاظ، كَانُوا يلتحمون بهَا، فلقبوهم بذلك.

(سير الرسول بالناس ليشغلهم عن الفتنة) :

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْ مَا بَلَغَكَ مَا قَالَ صَاحِبُكُمْ؟ قَالَ: وَأَيُّ صَاحِبٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، قَالَ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ إنْ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، قَالَ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاَللَّهِ تُخْرِجُهُ مِنْهَا إنْ شِئْتُ. هُوَ وَاَللَّهِ الذَّلِيلُ وَأَنْتَ الْعَزِيزُ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ارْفُقْ بِهِ، فو الله لَقَدْ جَاءَنَا اللَّهُ بِكَ، وَإِنَّ قَوْمَهُ لَيَنْظِمُونَ لَهُ الْخَرَزَ لِيُتَوِّجُوهُ، فَإِنَّهُ لَيَرَى أَنَّكَ قَدْ اسْتَلَبْتَهُ مُلْكًا. (سَيْرُ الرَّسُولِ بِالنَّاسِ لِيُشْغِلَهُمْ عَنْ الْفِتْنَةِ) : ثُمَّ مَشَى [1] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى أَمْسَى، وَلَيْلَتَهُمْ حَتَّى أَصْبَحَ، وَصَدْرَ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ حَتَّى آذَتْهُمْ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَزَلَ بِالنَّاسِ، فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ وَجَدُوا مَسَّ الْأَرْضِ فَوَقَعُوا نِيَامًا، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَشْغَلَ النَّاسَ عَنْ الْحَدِيثِ الَّذِي كَانَ بِالْأَمْسِ. مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أُبَيٍّ. (تَنَبُّؤُ الرَّسُولِ بِمَوْتِ رِفَاعَةَ) : ثُمَّ رَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ، وَسَلَكَ الْحِجَازَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى مَاءٍ بِالْحِجَازِ فُوَيْقَ النَّقِيعِ، يُقَالُ لَهُ: بَقْعَاءُ. فَلَمَّا رَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَبَّتْ عَلَى النَّاسِ رِيحٌ شَدِيدَةٌ آذَتْهُمْ وَتَخَوَّفُوهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَخَافُوهَا، فَإِنَّمَا هَبَّتْ لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْكُفَّارِ. فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَجَدُوا رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ، أَحَدَ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَكَانَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَاءِ يَهُودَ، وَكَهْفًا لِلْمُنَافِقِينَ، مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. (مَا نَزَلَ فِي ابْنِ أُبَيٍّ مِنْ الْقُرْآنِ) : وَنَزَلَتْ السُّورَةُ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ فِيهَا الْمُنَافِقِينَ فِي ابْنِ أُبَيٍّ وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ أَمْرِهِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُذُنِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا الَّذِي أَوْفَى اللَّهُ بِأُذُنِهِ. وَبَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِ أَبِيهِ. (طَلَبُ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ أَنْ يَتَوَلَّى هُوَ قَتْلَ أَبِيهِ وَعَفْوَ الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ

_ [1] فِي أ: «متن» يعْنى أَنه سَار بهم حَتَّى أَضْعَف إبلهم، يُقَال: متن بِالْإِبِلِ، إِذا أتعبها حَتَّى تضعف.

(تولى قوم ابن أبى مجازاته) :

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ قَتْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فِيمَا بَلَغَكَ عَنْهُ، فَإِنْ كُنْتُ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَمُرْنِي بِهِ، فَأَنَا أَحْمِلُ إِلَيْك رَأسه، فو الله لَقَدْ عَلِمَتْ الْخَزْرَجُ مَا كَانَ لَهَا مِنْ رَجُلٍ أَبَرَّ بِوَالِدِهِ مِنِّي، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ تَأْمُرَ بِهِ غَيْرِي فَيَقْتُلَهُ، فَلَا تَدَعُنِي نَفْسِي أَنْظُرُ إلَى قَاتِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يَمْشِي فِي النَّاسِ، فَأَقْتُلَهُ فَأَقْتُلَ (رَجُلًا [1] ) مُؤْمِنًا بِكَافِرِ، فَأَدْخُلَ النَّارَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ نَتَرَفَّقُ بِهِ، وَنُحْسِنُ صُحْبَتَهُ مَا بَقِيَ مَعَنَا. (تَوَلِّي قَوْمِ ابْنِ أُبَيٍّ مُجَازَاتَهُ) : وَجَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَحْدَثَ الْحَدَثَ كَانَ قَوْمُهُ هُمْ الَّذِينَ يُعَاتِبُونَهُ وَيَأْخُذُونَهُ وَيُعَنِّفُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ، حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِمْ: كَيْفَ تَرَى يَا عُمَرُ، أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ قَتَلْتُهُ يَوْمَ قُلْتَ لِي اُقْتُلْهُ، لَأُرْعِدَتْ لَهُ آنُفٌ، لَوْ أَمَرْتهَا الْيَوْمَ بِقَتْلِهِ لَقَتَلْتُهُ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: قَدْ وَاَللَّهِ عَلِمْتُ لَأَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ بَرَكَةً مِنْ أَمْرِي. (مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ وَحِيلَتُهُ فِي الْأَخْذِ بِثَأْرِ أَخِيهِ وَشَعْرِهِ فِي ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ مِنْ مَكَّةَ مُسْلِمًا، فِيمَا يَظْهَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُكَ مُسْلِمًا، وَجِئْتُكَ أَطُلُبُ دِيَةَ أَخِي، قُتِلَ خَطَأً. فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدِيَةِ أَخِيهِ هِشَامِ بْنِ صُبَابَةَ، فَأَقَامَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ كَثِيرٍ، ثُمَّ عَدَا عَلَى قَاتِلِ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى مَكَّةَ مُرْتَدًّا، فَقَالَ فِي شِعْرٍ يَقُولُهُ: شَفَى النَّفْسَ أَنْ قَدْ مَاتَ بِالْقَاعِ مُسْنَدًا ... تُضَرَّجُ ثَوْبَيْهِ دِمَاءُ الْأَخَادِعِ [2] وَكَانَتْ هُمُومُ النَّفْسِ مِنْ قَبْلِ قَتْلِهِ ... تُلِمُّ فَتَحْمِينِي وِطَاءَ الْمَضَاجِعِ [3] حَلَلْتُ بِهِ وَترى وَأدْركت تؤرتى ... وَكُنْتُ إلَى الْأَوْثَانِ أَوَّلَ رَاجِعٍ [4]

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] القاع: المنخفض من الأَرْض. وتضرج: تلطخ. والأخادع: عروق الْقَفَا، وَإِنَّمَا هما أخدعان، فجمعهما مَعَ مَا يليهما. [3] تلم: تساورنى وَتحل بى. وتحمينى: تمنعني. ووطاء الْمضَاجِع: ليناتها. [4] الْوتر: طلب الثأر. والثؤرة: الثأر.

(شعار المسلمين) :

ثَأَرْتُ بِهِ فِهْرًا وَحَمَلْتُ عَقْلَهُ ... سَرَاةَ بَنِي النَّجَّارِ أَرْبَابَ فَارِعِ [1] وَقَالَ مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ أَيْضًا: جَلَّلْتُهُ [2] ضَرْبَةً بَاءَتْ [3] لَهَا وَشَلٌ ... مِنْ نَاقِعِ الْجَوْفِ يَعْلُوهُ وَيَنْصَرِمُ [4] فَقُلْتُ وَالْمَوْتُ تَغْشَاهُ أَسِرَّتُهُ ... لَا تَأْمَنَنَّ بَنِي بَكْرٍ إذَا ظُلِمُوا [5] (شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ: يَا مَنْصُورُ، أَمِتْ أَمِتْ. (قَتْلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأُصِيبَ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ يَوْمَئِذٍ نَاسٌ، وَقَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْهُمْ رَجُلَيْنِ، مَالِكًا وَابْنَهُ، وَقَتَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَجُلًا مِنْ فُرْسَانِهِمْ، يُقَالُ لَهُ: أَحْمَرُ، أَوْ أُحَيْمِرٌ [6] . (أَمْرُ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ) : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَصَابَ مِنْهُمْ سَبْيًا كَثِيرًا، فَشَا قَسْمُهُ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ فِيمَنْ أُصِيبَ يَوْمَئِذٍ مِنْ السَّبَايَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ، زَوْجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فِي السَّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ، أَوْ لِابْنِ عَمٍّ لَهُ، فَكَاتَبَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا، وَكَانَتْ امْرَأَةً حُلْوَةً مُلَّاحَةً [7] ، لَا يَرَاهَا أَحَدٌ إلَّا أَخَذَتْ بِنَفْسِهِ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْتَعِينُهُ فِي كِتَابَتِهَا، قَالَت عَائِشَة: فو الله مَا هُوَ

_ [1] الْعقل: الدِّيَة. وسراة بنى النجار: خيارهم. وفارع: حصن لَهُم. [2] جللته ضَرْبَة: علوته بهَا. [3] كَذَا فِي أ. وباءت: أخذت بالثأر، يُقَال: بؤت بفلان، إِذا أخذت بثأره. وَفِي سَائِر الْأُصُول «بَانَتْ» . [4] وشل قطر وَيُرِيد «بناقع الْجوف» : الدَّم. وينصرم. يَنْقَطِع. [5] الأسرة: التكسر الّذي يكون فِي جلد الْوَجْه والجبهة. [6] هَذِه الْعبارَة من قَوْله «وَقتل عبد الرَّحْمَن» «إِلَى قَوْله «أَو أُحَيْمِر» سَاقِطَة فِي أ. [7] الملاحة: الشَّدِيدَة الملاحة.

إلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي فَكَرِهْتهَا، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَرَى مِنْهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَيْتُ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ ابْن أَبِي ضِرَارٍ، سَيِّدِ قَوْمِهِ، وَقَدْ أَصَابَنِي مِنْ الْبَلَاءِ، مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ، فَوَقَعْتُ فِي السَّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ، أَوْ لِابْنِ عَمٍّ لَهُ، فَكَاتَبْتُهُ عَلَى نَفْسِي، فَجِئْتُكَ أَسْتَعِينُكَ عَلَى كِتَابَتِي، قَالَ: فَهَلْ لَكَ فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَقْضِي عَنْكَ كِتَابَتكَ وَأَتَزَوَّجُكَ، قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ. قَالَتْ: وَخَرَجَ الْخَبَرُ إلَى النَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ ابْنَةَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ، فَقَالَ النَّاسُ: أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَرْسَلُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ، قَالَتْ: فَلَقَدْ أُعْتِقَ بتزويجه إِيَّاهَا مائَة أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَمَا أَعْلَمُ امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ عَلَى قَوْمِهَا بَرَكَةً مِنْهَا [1] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [2] : وَيُقَالُ: لَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَمَعَهُ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَكَانَ بِذَاتِ الْجَيْشِ، دَفَعَ جُوَيْرِيَةَ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَدِيعَةً، وَأَمَرَهُ بِالِاحْتِفَاظِ بِهَا، وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَقْبَلَ أَبُوهَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ بِفِدَاءِ ابْنَتِهِ، فَلَمَّا كَانَ بِالْعَقِيقِ نَظَرَ إلَى الْإِبِلِ الَّتِي جَاءَ بِهَا لِلْفِدَاءِ، فَرَغِبَ فِي بَعِيرَيْنِ مِنْهَا، فَغَيَّبَهُمَا فِي شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ الْعَقِيقِ، ثُمَّ أَتَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَصَبْتُمْ ابْنَتِي، وَهَذَا فِدَاؤُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَيْنَ الْبَعِيرَانِ اللَّذَانِ غَيَّبْتهمَا بِالْعَقِيقِ، فِي شِعْبِ كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ الْحَارِثُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ مُحَمَّدٌ رَسُول الله

_ [1] قَالَ السهيليّ: «وَأما نظره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لجويرية حَتَّى عرف من حسنها مَا عرف، فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك لِأَنَّهَا امْرَأَة مَمْلُوكَة، وَلَو كَانَت حرَّة مَا مَلأ عينه مِنْهَا، لِأَنَّهُ لَا يكره النّظر إِلَى الْإِمَاء. وَجَائِز أَن يكون نظر إِلَيْهَا لِأَنَّهُ أَرَادَ نِكَاحهَا، كَمَا نظر إِلَى الْمَرْأَة الَّتِي قَالَت: إِنِّي قد وهبت نَفسِي لَك يَا رَسُول الله فَصَعدَ فِيهَا النّظر ثمَّ صوب، ثمَّ أنْكحهَا من غَيره. وَقد ثَبت عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الرُّخْصَة فِي النّظر إِلَى الْمَرْأَة عِنْد إِرَادَة نِكَاحهَا، وَقَالَ للْمُغِيرَة حِين شاوره فِي نِكَاح امْرَأَة: لَو نظرت إِلَيْهَا، فَإِن ذَلِك أَحْرَى أَن يَدُوم بَيْنكُمَا، وَقَالَ مثل ذَلِك لمُحَمد بن مسلمة حِين أَرَادَ نِكَاح بثينة بنت الضَّحَّاك» . [2] هَذَا الحَدِيث زِيَادَة عَن أ.

(الوليد بن عقبة وبنو المصطلق وما نزل في ذلك من القرآن) :

فو اللَّهِ مَا اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ إلَّا اللَّهُ، فَأَسْلَمَ الْحَارِثُ، وَأَسْلَمَ مَعَهُ ابْنَانِ لَهُ، وَنَاسٌ مِنْ قَوْمِهِ، وَأَرْسَلَ إلَى الْبَعِيرَيْنِ، فَجَاءَ بِهِمَا، فَدَفَعَ الْإِبِلَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدُفِعَتْ إلَيْهِ ابْنَتُهُ جُوَيْرِيَةُ، فَأَسْلَمَتْ، وَحَسُنَ إسْلَامُهَا، فَخَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَبِيهَا، فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا، وَأصْدقهَا أَربع مائَة دِرْهَمٍ. (الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ وَبَنُو الْمُصْطَلِقِ وَمَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إلَيْهِمْ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَلَمَّا سَمِعُوا بِهِ رَكِبُوا إلَيْهِ، فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ هَابَهُمْ، فَرَجَعَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ هَمُّوا بِقَتْلِهِ، وَمَنَعُوهُ مَا قبلهم من صدقتهم، فَأَكْثَرَ الْمُسْلِمُونَ فِي ذِكْرِ غَزْوِهِمْ، حَتَّى هَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَغْزُوَهُمْ، فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ قَدِمَ وَفْدُهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَمِعْنَا بِرَسُولِكَ حِينَ بَعَثْتَهُ إلَيْنَا، فَخَرَجْنَا إلَيْهِ لِنُكْرِمَهُ، وَنُؤَدِّيَ إلَيْهِ مَا قِبَلَنَا مِنْ الصَّدَقَةِ، فَانْشَمَرَ [1] رَاجِعًا، فَبَلَغْنَا أَنَّهُ زَعَمَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّا خَرَجْنَا إِلَيْهِ لنقتله، وو الله مَا جِئْنَا لِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ وَفِيهِمْ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ، فَتُصْبِحُوا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ 49: 6- 7 ... إلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَقَدْ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرِهِ ذَلِكَ، كَمَا حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، حَتَّى إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ مَعَهُ عَائِشَةُ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ، قَالَ فِيهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا.

_ [1] انشمر: جد وأسرع.

خبر الإفك في غزوة بنى المصطلق (سنة ست) [1]

خَبَرُ الْإِفْكِ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ (سَنَةَ سِتٍّ) [1] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: كُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَبَعْضُ الْقَوْمِ كَانَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ، وَقَدْ جَمَعْتُ لَكَ الَّذِي حَدَّثَنِي الْقَوْمُ. (شَأْنُ الرَّسُولِ مَعَ نِسَائِهِ فِي سَفَرِهِ) : قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ نَفْسِهَا، حِينَ قَالَ فِيهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا، فَكُلٌّ قَدْ دَخَلَ فِي حَدِيثِهَا عَنْ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا يُحَدِّثُ بَعْضُهُمْ مَا لَمْ يُحَدِّثْ صَاحِبَهُ، وَكُلٌّ كَانَ عَنْهَا ثِقَةً، فَكُلُّهُمْ حَدَّثَ عَنْهَا مَا سَمِعَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، فَخَرَجَ سَهْمِي عَلَيْهِنَّ مَعَهُ، فَخَرَجَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (سُقُوطُ عِقْدِ عَائِشَةَ وَتَخَلُّفُهَا لِلْبَحْثِ عَنْهُ) : قَالَتْ: وَكَانَ النِّسَاءُ إذْ ذَاكَ إنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلَقَ [2] لَمْ يَهِجْهُنَّ [3] اللَّحْمُ فَيَثْقُلْنَ، وَكُنْتُ إذَا رَحَلَ لِي بَعِيرِي جَلَسْتُ فِي هَوْدَجِي، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمُ الَّذِينَ يُرَحِّلُونَ لِي وَيَحْمِلُونَنِي، فَيَأْخُذُونَ بِأَسْفَلَ الْهَوْدَجِ، فَيَرْفَعُونَهُ، فَيَضَعُونَهُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ، فَيُشِدُّونَهُ بِحِبَالِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُونَ بِرَأْسِ الْبَعِيرِ، فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ. قَالَتْ: فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرِهِ ذَلِكَ، وَجَّهَ قَافِلًا، حَتَّى إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] العلق بِضَم فَفتح: جمع علقَة، وَهِي مَا فِيهِ بلغَة من الطَّعَام إِلَى وَقت الْغَدَاء. [3] التهييج: كالورم فِي الْجَسَد.

(مرور ابن المعطل بها واحتماله إياها على بعيره) :

نزل منزلا، فَبَاتَ بِهِ بَعْضَ اللَّيْلِ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالرَّحِيلِ، فَارْتَحَلَ النَّاسُ، وَخَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي، وَفِي عُنُقِي عِقْدٌ لِي، فِيهِ جَزْعُ [1] ظِفَارٍ، فَلَمَّا فَرَغْتُ انْسَلَّ مِنْ عُنُقِي وَلَا أَدْرِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إلَى الرَّحْلِ ذَهَبْتُ أَلْتَمِسُهُ فِي عُنُقِي، فَلَمْ أَجِدْهُ، وَقَدْ أَخَذَ النَّاسُ فِي الرَّحِيلِ، فَرَجَعْتُ إلَى مَكَانِي الَّذِي ذَهَبْتُ إلَيْهِ، فَالْتَمَسْتُهُ حَتَّى وَجَدْتُهُ، وَجَاءَ الْقَوْمُ خِلَافِي، الَّذِينَ كَانُوا يُرَحِّلُونَ لِي الْبَعِيرَ، وَقَدْ فَرَغُوا مِنْ رِحْلَتِهِ، فَأَخَذُوا الْهَوْدَجَ، وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنِّي فِيهِ، كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ، فَاحْتَمَلُوهُ، فَشَدُّوهُ عَلَى الْبَعِيرِ، وَلَمْ يَشُكُّوا أَنِّي فِيهِ، ثُمَّ أَخَذُوا بِرَأْسِ الْبَعِيرِ، فَانْطَلَقُوا بِهِ، فَرَجَعْتُ إلَى الْعَسْكَرِ وَمَا فِيهِ مِنْ دَاعٍ وَلَا مُجِيبٍ، قَدْ انْطَلَقَ النَّاسُ. (مُرُورُ ابْنِ الْمُعَطَّلِ بِهَا وَاحْتِمَالُهُ إيَّاهَا عَلَى بَعِيرِهِ) : قَالَتْ: فَتَلَفَّفْتُ بِجِلْبَابِي، ثُمَّ اضْطَجَعْتُ فِي مَكَانِي، وَعَرَفْتُ أَنْ لَوْ قَدْ اُفْتُقِدْتُ لَرُجِعَ إليّ. قَالَت: فو الله إنِّي لَمُضْطَجِعَةٌ إذْ مَرَّ بِي صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ، وَقَدْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْ الْعَسْكَرِ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ [2] ، فَلَمْ يَبِتْ مَعَ النَّاسِ، فَرَأَى سَوَادِي، فَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ عَلَيَّ، وَقَدْ كَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: إنَّا للَّه وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، ظَعِينَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! وَأَنَا مُتَلَفِّفَةٌ فِي ثِيَابِي، قَالَ: مَا خَلَّفَكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟ قَالَتْ: فَمَا كَلَّمَتْهُ، ثُمَّ قَرَّبَ الْبَعِيرَ، فَقَالَ: ارْكَبِي، وَاسْتَأْخَرَ عَنِّي. قَالَتْ: فَرَكِبْتُ، وَأَخَذَ بِرَأْسِ الْبَعِيرِ، فَانْطَلَقَ سَرِيعًا، يطْلب النَّاس، فو الله مَا أَدْرَكْنَا النَّاسَ، وَمَا افْتَقَدْتُ حَتَّى أَصْبَحْتُ، وَنَزَلَ النَّاسُ، فَلَمَّا اطْمَأَنُّوا طَلَعَ الرَّجُلُ يَقُودُ بِي، فَقَالَ أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا: فارتعج [3] الْعَسْكَر، وو الله مَا أَعْلَمُ بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ. (إعْرَاضُ الرَّسُولِ عَنْهَا) : ثُمَّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَلَمْ أَلْبَثَ أَنْ اشْتَكَيْتُ شَكْوَى شَدِيدَةً، وَلَا يَبْلُغُنِي مِنْ ذَلِكَ

_ [1] الْجزع: الخرز. وظفار: مَدِينَة بِالْيمن قرب صنعاء، وينسب إِلَيْهَا الْجزع الظفاري. [2] كَانَ صَفْوَان على ساقة الْعَسْكَر يلتقط مَا يسْقط من مَتَاع الْمُسلمين، حَتَّى يَأْتِيهم بِهِ، وَلذَلِك تخلف. (رَاجع الرَّوْض) . [3] ارتعج الْعَسْكَر: تحرّك واضطرب. وَفِي ر: «ارتج» أَي اضْطربَ.

(انتقالها إلى بيت أبيها وعلمها بما قيل فيها) :

شَيْءٌ، وَقَدْ انْتَهَى الْحَدِيثُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَى أَبَوَيَّ لَا يَذْكُرُونَ لِي مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كثيرا، إِلَّا أَتَى قَدْ أَنْكَرْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ لُطْفِهِ بِي، كُنْتُ إذَا اشْتَكَيْتُ رَحِمَنِي، وَلَطَفَ بِي، فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِي فِي شَكْوَايَ تِلْكَ، فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ مِنْهُ، كَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي أُمِّي تُمَرِّضُنِي- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ أُمُّ رُومَانَ، وَاسْمُهَا زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ دُهْمَانَ، أَحَدُ بَنِي فِرَاسِ ابْن غَنَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ- قَالَ: كَيْفَ تِيكُمْ، لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ. (انْتِقَالُهَا إلَى بَيْتِ أَبِيهَا وَعِلْمُهَا بِمَا قِيلَ فِيهَا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَتْ: حَتَّى وَجَدْتُ فِي نَفْسِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حِينَ رَأَيْتُ مَا رَأَيْتُ مِنْ جَفَائِهِ لِي: لَوْ أَذِنْتَ لِي، فَانْتَقَلْتُ إلَى أُمِّي، فَمَرَّضْتنِي؟ قَالَ: لَا عَلَيْكَ. قَالَتْ: فَانْتَقَلْتُ إلَى أُمِّي، وَلَا عِلْمَ لِي بِشَيْءِ مِمَّا كَانَ، حَتَّى نَقِهْتُ مِنْ وَجَعِي بَعْدَ بِضْعٍ وَعَشْرَيْنِ لَيْلَةً، وَكُنَّا قَوْمًا عَرَبًا، لَا نَتَّخِذُ فِي بُيُوتِنَا هَذِهِ الْكُنُفَ الَّتِي تَتَّخِذُهَا الْأَعَاجِمُ، نَعَافُهَا وَنَكْرَهُهَا، إنَّمَا كُنَّا نَذْهَبُ فِي فُسَحِ الْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ النِّسَاءُ يَخْرُجْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي حَوَائِجِهِنَّ، فَخَرَجْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ حَاجَتِي وَمَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَتْ أُمُّهَا بِنْتَ صَخْرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ، خَالَةَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ، قَالَت: فو الله إنَّهَا لَتَمْشِي مَعِي إذْ عَثَرْتُ فِي مِرْطِهَا [1] ، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ! وَمِسْطَحٌ لَقَبٌ وَاسْمُهُ عَوْفٌ، قَالَتْ: قُلْتُ: بِئْسَ لَعَمْرُ اللَّهِ مَا قُلْتُ لِرَجُلٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، قَالَتْ: أَوْ مَا بَلَغَكَ الْخَبَرُ يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: وَمَا الْخَبَرُ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِاَلَّذِي كَانَ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ، قَالَت: قلت: أوقد كَانَ هَذَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ. قَالَت: فو الله مَا قَدَرْتُ عَلَى أَنْ أَقْضِيَ حَاجَتي، وَرجعت، فو الله مَا زِلْتُ أَبْكِي حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ الْبُكَاءَ سَيَصْدَعُ [2] كَبِدِي، قَالَتْ: وَقُلْتُ لِأُمِّي: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ، تَحَدَّثَ النَّاسُ بِمَا تَحَدَّثُوا بِهِ، وَلَا تَذْكُرِينَ لِي مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا! قَالَتْ: أَيْ بُنَيَّةُ، خَفِّضِي [3]

_ [1] المرط: الكساء [2] سيصدع: سيشق. [3] خفضي عَلَيْك: هوني عَلَيْك.

(خطبة الرسول في الناس يذكر إيذاء قوم له في عرضه) :

عَلَيْك الشَّأْن، فو الله لَقَلَّمَا كَانَتْ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ، عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، لَهَا ضَرَائِرُ، إلَّا كَثَّرْنَ وَكَثَّرَ النَّاسُ عَلَيْهَا. (خُطْبَةُ الرَّسُولِ فِي النَّاسِ يُذَكِّرُ إيذَاءَ قَوْمٍ لَهُ فِي عِرْضِهِ) : قَالَتْ: وَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ يَخْطُبُهُمْ وَلَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، مَا بَالُ رِجَالٍ يُؤْذُونَنِي فِي أَهْلِي، وَيَقُولُونَ عَلَيْهِمْ غَيْرَ الْحَقِّ، وَاَللَّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُمْ إلَّا خَيْرًا، وَيَقُولُونَ ذَلِكَ لِرَجُلِ وَاَللَّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ إلَّا خَيْرًا، وَمَا يَدْخُلُ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِي إلَّا وَهُوَ مَعِي. (أَثَرُ ابْنِ أُبَيٍّ وَحَمْنَةُ فِي إشَاعَةِ هَذَا الْحَدِيثِ) : قَالَتْ: وَكَانَ كَبُرَ [1] ذَلِكَ عِنْدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بن سَلُولَ فِي رِجَالٍ مِنْ الْخَزْرَجِ مَعَ الَّذِي قَالَ مِسْطَحٌ وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَذَلِكَ أَنَّ أُخْتَهَا زَيْنَبَ بِنْتُ جَحْشٍ كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ تَكُنْ مِنْ نِسَائِهِ امْرَأَةٌ تُنَاصِينِي [2] فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَهُ غَيْرُهَا، فَأَمَّا زَيْنَبُ فَعَصَمَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِدِينِهَا فَلَمْ تَقُلْ إلَّا خَيْرًا وَأَمَّا حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، فَأَشَاعَتْ مِنْ ذَلِكَ مَا أَشَاعَتْ، تُضَادُّنِي لِأُخْتِهَا، فَشَقِيَتْ بِذَلِكَ. (مَا كَانَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ خُطْبَةِ الرَّسُولِ) : فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، قَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنْ يَكُونُوا مِنْ الْأَوْسِ نَكْفِكَهُمْ، وَإِنْ يَكُونُوا مِنْ إخْوَانِنَا مِنْ الْخَزْرَجِ، فمرنا بِأَمْرك، فو الله إنَّهُمْ لَأَهْلٌ أَنْ تُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ، قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ ابْن عُبَادَةَ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَرَى رَجُلًا صَالِحًا، فَقَالَ: كَذَبْتُ لَعَمْرُ اللَّهِ، لَا نَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ، أَمَا وَاَللَّهِ مَا قُلْتَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إلَّا أَنَّكَ قَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُمْ مِنْ الْخَزْرَجِ وَلَوْ كَانُوا مِنْ قَوْمِكَ مَا قُلْتَ هَذَا، فَقَالَ أُسَيْدٌ: كَذَبْتُ لَعَمْرُ اللَّهِ، وَلَكِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ، قَالَتْ: وَتَسَاوَرَ [3] النَّاسُ، حَتَّى كَادَ يَكُونُ بَيْنَ هَذَيْنِ

_ [1] الْكبر بِالضَّمِّ وَالْكَسْر: الْإِثْم، ومعظم الشَّيْء. [2] كَذَا فِي الرَّوْض. قَالَ السهيليّ: «وَقَول عَائِشَة: لم تكن امْرَأَة تناصبنى فِي الْمنزلَة عِنْده غَيرهَا، هَكَذَا فِي الأَصْل «تناصبنى» ، وَالْمَعْرُوف فِي الحَدِيث: تناصينى، من المناصاة وَهِي الْمُسَاوَاة» . [3] وتساور النَّاس: قَامَ بَعضهم إِلَى بعض، وَفِي بعض النّسخ: «تثاوروا» .

(استشارة الرسول لعلى وأسامة) :

الْحَيَّيْنِ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ شَرٌّ. وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ عَلَيَّ (اسْتِشَارَةُ الرَّسُولِ لِعَلِيِّ وَأُسَامَةَ) : (قَالَتْ [1] ) فَدَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَاسْتَشَارَهُمَا، فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَثْنَى عَلَيَّ خَيْرًا وَقَالَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَهْلُكَ وَلَا نَعْلَمُ مِنْهُمْ إلَّا خَيْرًا، وَهَذَا الْكَذِبُ وَالْبَاطِلُ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَإِنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ النِّسَاءَ لَكَثِيرٌ، وَإِنَّكَ لَقَادِرٌ عَلَى أَنْ تَسْتَخْلِفَ، وَسَلْ الْجَارِيَةَ، فَإِنَّهَا سَتُصْدِقُكَ. فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ لِيَسْأَلَهَا، قَالَتْ: فَقَامَ إلَيْهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَضَرَبَهَا ضَرْبًا شَدِيدًا، وَيَقُولُ: اُصْدُقِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَتَقُولُ وَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا، وَمَا كُنْتُ أَعِيبُ عَلَى عَائِشَةَ شَيْئًا، إلَّا أَنِّي كُنْتُ أَعْجِنُ عَجِينِي، فَآمُرُهَا أَنْ تَحْفَظَهُ، فَتَنَامُ عَنْهُ، فَتَأْتِي الشَّاةُ فَتَأْكُلُهُ. (نُزُولُ الْقُرْآنِ بِبَرَاءَةِ عَائِشَةَ) : قَالَتْ: ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدِي أَبَوَايَ، وَعِنْدِي امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَأَنَا أَبْكِي، وَهِيَ تَبْكِي مَعِي، فَجَلَسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، إنَّهُ قَدْ كَانَ مَا قَدْ بَلَغَكَ مِنْ قَوْلِ النَّاسِ، فَاتَّقِي اللَّهَ، وَإِنْ كُنْتُ قَدْ قَارَفْتُ سُوءًا [2] ، مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ فَتُوبِي إلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عباده، قَالَت: فو الله مَا هُوَ إلَّا أَنْ قَالَ لِي ذَلِكَ، فَقَلَصَ [3] دَمْعِي، حَتَّى مَا أُحِسَّ مِنْهُ شَيْئًا، وَانْتَظَرْتُ أَبَوَيَّ أَنْ يُجِيبَا عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَتَكَلَّمَا قَالَتْ: وَاَيْمُ اللَّهِ لَأَنَا كُنْتُ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي، وَأَصْغَرَ شَأْنًا مِنْ أَنْ يُنْزِلَ اللَّهُ فِيَّ قُرْآنًا يُقْرَأُ بِهِ فِي الْمَسَاجِدِ، وَيُصَلَّى بِهِ، وَلَكِنِّي قَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَوْمِهِ شَيْئًا يُكَذِّبُ بِهِ اللَّهُ عَنِّي، لِمَا يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَتِي، أَوْ يُخْبِرُ خَبَرًا، فَأَمَّا قُرْآنٌ ينزل فىّ، فو الله لَنَفْسِي كَانَتْ أَحْقَرَ عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ. قَالَتْ: فَلَمَّا لَمْ أَرَ أَبَوَيَّ يَتَكَلَّمَانِ، قَالَتْ: قُلْتُ لَهُمَا: أَلَا تُجِيبَانِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] قارفت سوءا: دخلت فِيهِ. [3] قلص: ارْتَفع.

(أبو أيوب وذكره طهر عائشة لزوجه) :

قَالَتْ: فَقَالَا: وَاَللَّهِ مَا نَدْرِي بِمَاذَا نجيبه، قَالَت: وو الله مَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ دَخَلَ عَلَيْهِمْ مَا دَخَلَ عَلَى آلِ أَبِي بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، قَالَتْ: فَلَمَّا أَنْ اسْتَعْجَمَا عَلَيَّ، اسْتَعْبَرْتُ فَبَكَيْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: وَاَللَّهِ لَا أَتُوبُ إلَى اللَّهِ مِمَّا ذَكَرْتُ أَبَدًا. وَاَللَّهِ إنِّي لَأَعْلَمُ لَئِنْ أَقْرَرْتُ بِمَا يَقُولُ النَّاسُ، وَاَللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ، لَأَقُولَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ، وَلَئِنْ أَنَا أَنْكَرْتُ مَا يَقُولُونَ لَا تُصَدِّقُونَنِي. قَالَتْ: ثُمَّ الْتَمَسْتُ اسْمَ يَعْقُوبَ فَمَا أَذْكُرُهُ، فَقُلْتُ: وَلَكِنْ سَأَقُولُ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: «فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تصفون» . قَالَت: فو الله مَا بَرِحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسَهُ حَتَّى تَغَشَّاهُ مِنْ اللَّهِ مَا كَانَ يَتَغَشَّاهُ، فَسُجِّيَ بِثَوْبِهِ وَوُضِعَتْ لَهُ وِسَادَةُ مِنْ أَدَمٍ تَحْتُ رَأْسِهِ، فَأَمَّا أَنَا حِينَ رَأَيْتُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَأَيْت، فو الله مَا فَزِعْتُ وَلَا بَالَيْتُ، قَدْ عَرَفْتُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرُ ظَالِمِي، وأمّا أبواي، فو الّذي نَفْسُ عَائِشَةَ بِيَدِهِ، مَا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ظَنَنْتُ لَتَخْرُجَنَّ أَنَفْسُهُمَا، فَرَقًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ اللَّهِ تَحْقِيقُ مَا قَالَ النَّاسُ، قَالَتْ: ثُمَّ سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسَ، وَإِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ [1] فِي يَوْمٍ شَاتٍ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِهِ، وَيَقُولُ: أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، فَقَدْ أَنَزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَكَ، قَالَتْ: قُلْتُ: بِحَمْدِ اللَّهِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى النَّاسِ، فَخَطَبَهُمْ، وَتَلَا عَلَيْهِمْ مَا أَنَزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ أَمَرَ بِمِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ، وَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَكَانُوا مِمَّنْ أَفْصَحَ بِالْفَاحِشَةِ، فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ. (أَبُو أَيُّوبَ وَذِكْرُهُ طُهْرَ عَائِشَةَ لِزَوْجِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي النَّجَّارِ: أَنَّ أَبَا أَيُّوبٍ خَالِدَ بْنَ زَيْدٍ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ أَيُّوبَ: يَا أَبَا أَيُّوبَ، أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي عَائِشَةَ؟ قَالَ: بَلَى، وَذَلِكَ الْكَذِبُ، أَكُنْتُ يَا أُمَّ أَيُّوبَ فَاعِلَةٌ؟ قَالَتْ: لَا وَاَللَّهِ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَهُ، قَالَ: فَعَائِشَةُ وَاَللَّهِ خَيْرٌ مِنْكَ. (مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ) : قَالَتْ: فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِذِكْرِ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْفَاحِشَةِ مَا قَالَ مِنْ أَهْلِ الْإِفْكِ

_ [1] الجمان: حب من فضَّة يصنع فِي مثل الدّرّ.

(هم أبى بكر بعدم الإنفاق على مسطح ثم عدوله) :

فَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ، لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ، وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ 24: 11، وَذَلِكَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ قَالُوا مَا قَالُوا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: وَذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَأَصْحَابُهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاَلَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَبْلَ هَذَا. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً 24: 12: أَيْ فَقَالُوا كَمَا قَالَ أَبُو أَيُّوبَ وَصَاحِبَتُهُ، ثُمَّ قَالَ: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ، وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ، وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً، وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ 24: 15. (هَمُّ أَبِي بَكْرٍ بِعَدِمِ الْإِنْفَاقِ عَلَى مِسْطَحٍ ثُمَّ عُدُولُهُ) : فَلَمَّا نَزَلَ هَذَا فِي عَائِشَةَ، وَفِيمَنْ قَالَ لَهَا مَا قَالَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ وَحَاجَتِهِ: وَاَللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا، وَلَا أَنْفَعُهُ بِنَفْعِ أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ، وَأَدْخَلَ عَلَيْنَا، قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ، وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ 24: 22. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ بَعْضَ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَالُ: كِبْره وكُبْره فِي الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا فِي الْقُرْآنِ فَكِبْرُهُ بِالْكَسْرِ [1] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: «وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ 24: 22» وَلَا يَأْلُ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ حِجْرٍ الْكِنْدِي: أَلَا رُبَّ خَصْمٌ فِيكَ أَلْوَى رَدَدْتُهُ ... نَصِيحٌ عَلَى تَعْذَالِهِ غَيْرُ مُؤْتَلِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَيُقَالُ: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ 24: 22: وَلَا يَحْلِفُ أُولُو الْفَضْلِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، فِيمَا بَلَغْنَا عَنْهُ.

_ [1] هَذِه الْعبارَة من قَوْله «قَالَ ابْن هِشَام» إِلَى قَوْله «بِالْكَسْرِ» سَاقِطَة فِي أ.

(هم ابن المعطل بقتل حسان) :

وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ 2: 226 وَهُوَ مِنْ الْأَلْيَةِ، وَالْأَلْيَةُ: الْيَمِينُ. قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: آلَيْتُ مَا فِي جَمِيعِ النَّاسِ مُجْتَهِدًا ... مِنِّي أَلِيَّةَ بِرٍّ غَيْرَ إفْنَادِ [1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ، سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَوْضِعِهَا. فَمَعْنَى: أَنْ يُؤْتَوْا فِي هَذَا الْمَذْهَبِ: أَنْ لَا يُؤْتَوْا، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا 4: 176 يُرِيدُ: أَنْ لَا تَضِلُّوا، وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ 22: 65 يُرِيدُ أَنْ لَا تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ، وَقَالَ ابْنُ مُفَرَّغٍ الْحِمْيَرِيُّ: لَا ذَعَرْتُ السَّوَامَ فِي وَضَحِ الصُّبْحِ ... مُغِيرًا وَلَا دُعِيتُ يَزِيدَا [2] يَوْمَ أُعْطَى مَخَافَةَ الْمَوْتِ ضَيْمًا ... وَالْمَنَايَا يَرْصُدْنَنِي أَنْ أَحِيدَا [3] يُرِيدُ: أَنْ لَا أحيد، وَهَذَا الْبَيْتَانِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَتْ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاَللَّهِ، إنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَّعَ إلَى مِسْطَحٍ نَفَقَتَهُ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا . (هَمُّ ابْنِ الْمُعَطَّلِ بِقَتْلِ حَسَّانَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ اعْتَرَضَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ بِالسَّيْفِ، حِينَ بَلَغَهُ مَا كَانَ يَقُولُ فِيهِ، وَقَدْ كَانَ حَسَّانُ قَالَ شِعْرًا مَعَ ذَلِكَ يُعَرِّضُ بِابْنِ الْمُعَطَّلِ فِيهِ، وَبِمَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ مُضَرَ، فَقَالَ: أَمْسَى الْجَلَابِيبُ قَدْ عَزُّوا وَقَدْ كَثُرُوا ... وَابْنُ الْفُرَيْعَةَ أَمْسَى بَيْضَةَ الْبَلَدِ [4] قَدْ ثَكِلَتْ أُمُّهُ مَنْ كُنْتَ صَاحِبَهُ ... أَوْ كَانَ مُنْتَشِبًا فِي بُرْثُنِ الْأَسَدِ [5] مَا لِقَتِيلِي الَّذِي أَغْدُو فَآخُذُهُ ... مِنْ دِيَةٍ فِيهِ يُعْطَاهَا وَلَا قَوَدِ [6]

_ [1] الإفناد: الْكَذِب. [2] ذعرت: أفزعت. والسوام: المَال الْمُرْسل فِي المرعى. والوضح: الْبيَاض. [3] الضيم: الذل. وأحيد: أعدل. [4] الجلابيب: الغرباء. وبيضة الْبَلَد: أَي مُنْفَردا لَا يدانيه أحد، قَالَ أَبُو ذَر: «وَهُوَ فِي هَذَا الْموضع مدح، وَقد يكون ذما، وَذَلِكَ إِذا أُرِيد أَنه ذليل لَيْسَ مَعَه غَيره» . [5] ثكلته أمه: فقدته. والبرثن: الْكَفّ مَعَ الْأَصَابِع، ومخلب الْأسد، أَو هُوَ للسبع كالإصبع للْإنْسَان. [6] الْقود: قتل النَّفس.

مَا الْبَحْرُ حِينَ تَهُبُّ الرِّيحُ شَامِيَّةً ... فَيَغْطَئِلُ وَيَرْمِي الْعِبْرَ بِالزَّبَدِ [1] يَوْمًا بِأَغْلَبَ مِنِّي حِينَ تُبْصِرُنِي ... مِلْغَيِظٍ أَفْرِي كَفَرْيِ الْعَارِضِ الْبَرِدِ [2] أُمَّا قُرَيْشٌ فَإِنِّي لَنْ أُسَالِمَهُمْ ... حَتَّى يُنِيبُوا مِنْ الْغِيَّاتِ لِلرُّشْدِ [3] وَيَتْرُكُوا اللَّاتَ وَالْعُزَّى بِمَعْزِلَةٍ ... وَيَسْجُدُوا كُلُّهُمْ لِلْوَاحِدِ الصَّمَدِ وَيَشْهَدُوا أَنَّ مَا قَالَ الرَّسُولُ لَهُمْ ... حَقٌّ وَيُوفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ وَالْوُكُدِ [4] فَاعْتَرَضَهُ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ، ثُمَّ قَالَ: كَمَا حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ: تَلَقَّ [5] ذُبَابُ السَّيْفِ عَنِّي فَإِنَّنِي ... غُلَام إِذا هُوَ جيت لَسْتُ بِشَاعِرٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ: أَنَّ ثَابت بن لَيْسَ بْنَ الشَّمَّاسِ وَثَبَ عَلَى صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ، حِينَ ضَرَبَ حَسَّانَ، فَجَمَعَ يَدَيْهِ إلَى عُنُقِهِ بِحَبْلِ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ إلَى دَارِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ ابْن رَوَاحَةَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: أَمَا أَعْجَبَكَ ضَرْبُ حَسَّانَ بِالسَّيْفِ! وَاَللَّهِ مَا أَرَاهُ إلَّا قَدْ قَتَلَهُ، قَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: هَلْ عَلِمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ سلم بِشَيْءِ مِمَّا صَنَعْتُ؟ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ، قَالَ: لَقَدْ اجْتَرَأْتُ، أَطْلِقْ الرَّجُلَ، فَأَطْلَقَهُ، ثُمَّ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَدَعَا حَسَّانَ وَصَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ، فَقَالَ ابْنُ الْمُعَطَّلِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: آذَانِي وَهَجَانِي، فَاحْتَمَلَنِي الْغَضَبُ، فَضَرَبْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ: أَحْسِنْ يَا حَسَّانُ [6] ، أَتَشَوَّهْتَ [7] عَلَى قَوْمِي أَنْ هَدَاهُمْ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ، ثُمَّ قَالَ: أَحْسِنْ يَا حَسَّانُ فِي الَّذِي أَصَابَكَ، قَالَ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.

_ [1] يغطئل: يجول ويتحرك. والعبر: جَانب النَّهر أَو الْبَحْر. [2] أفرى: أقطع. والعارض: السَّحَاب. وَالْبرد (بِكَسْر الرَّاء) : الّذي فِيهِ برد. [3] ينيبوا: يرجِعوا. والغيات: جمع غية، من الغي، وَهُوَ خلاف الرشد. [4] يُرِيد «بالوكد» العهود الْمُؤَكّدَة. [5] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «تلْحق» . [6] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي. [7] أتشوهت على قومِي: أقبحت ذَلِك من فعلهم حِين سميتهم بالجلابيب من أجل هجرتهم إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله. 20- سيرة ابْن هِشَام- 2

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: أَبَعْدَ أَنْ هُدَاكُمْ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ عِوَضًا مِنْهَا بَيْرُحَاءَ [1] ، وَهِيَ قَصْرُ بَنِي حُدَيْلَةَ الْيَوْمَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ مَالًا لِأَبِي طَلْحَةَ بْنِ سَهْلٍ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى آلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْطَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَّانَ فِي ضَرْبَتِهِ، وَأَعْطَاهُ سِيرِينَ، أَمَةً قبطيّة، فَولدت لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حَسَّانَ، قَالَتْ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: لَقَدْ سُئِلَ عَنْ ابْنِ الْمُعَطَّلِ، فَوَجَدُوهُ رَجُلًا حَصُورًا، مَا يَأْتِي النِّسَاءَ، ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ شَهِيدًا. قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَعْتَذِرُ مِنْ الَّذِي كَانَ قَالَ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ [2] عَقِيلَةُ حَيٍّ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ ... كِرَامِ الْمَسَاعِي مَجْدُهُمْ غَيْرُ زَائِلِ [3] مُهَذَّبَةٌ قَدْ طَيَّبَ اللَّهُ خِيمَهَا ... وَطَهَّرَهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَبَاطِلِ [4] فَإِنْ كُنْتُ قَدْ قُلْتُ الَّذِي قَدْ زَعَمْتُمْ ... فَلَا رَفَعَتْ سَوْطِي إلَيَّ أَنَامِلِي [5] وَكَيْفَ وَوُدِّي مَا حَيِيتُ وَنُصْرَتِي ... لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ زَيْنُ الْمَحَافِلِ لَهُ رَتَبٌ عَالٍ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ ... تَقَاصَرَ عَنْهُ سَوْرَةُ الْمُتَطَاوِلِ [6] فَإِنَّ الَّذِي قَدْ قِيلَ لَيْسَ بِلَائِطٍ ... وَلَكِنَّهُ قَوْلُ امْرِئٍ بِي مَاحِلِ [7]

_ [1] بيرحاء: بِكَسْر الْبَاء، وبإضافة الْبِئْر إِلَى حاء، وَهُوَ اسْم رجل. [2] الحصان: العفيفة. والرزان: الْمُلَازمَة موضعهَا، الَّتِي لَا تتصرف كثيرا. وَمَا تزن: أَي مَا تتهم. وغرثى: جائعة. والغوافل: جمع غافلة، ويعنى بهَا الغافلة الْقلب عَن الشَّرّ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ 24: 23 جَعلهنَّ غافلات لِأَن الّذي رمين بِهِ من الشَّرّ لم يهممن بِهِ قطّ، وَلَا خطر على قلوبهن، فهن فِي غَفلَة عَنهُ، وَهَذَا أبلغ مَا يكون من الْوَصْف بالعفاف. وَيُرِيد بقوله «وتصبح غرثى من لُحُوم الغوافل» : أَي خميصة الْبَطن من لُحُوم النَّاس، أَي اغتيابهم. [3] العقيلة: الْكَرِيمَة. والمساعي: جمع مسعاة، وَهُوَ مَا يسْعَى فِيهِ من طلب الْمجد والمكارم. [4] الخيم: الطَّبْع. [5] الأنامل: الْأَصَابِع. [6] الرتب: مَا ارْتَفع من الأَرْض وَعلا. وَيُرِيد بِهِ هُنَا الشّرف وَالْمجد. وَالسورَة (بِفَتْح السِّين) : الوثبة. (وبضم السِّين) : الْمنزلَة. [7] لائط: لاصق. والماحل: الْمَاشِي بالنميمة.

(شعر في هجاء حسان ومسطح) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَيْتُهُ: «عَقِيلَةُ حَيٍّ» وَاَلَّذِي بَعْدَهُ، وَبَيْتُهُ: «لَهُ رَتَبٌ عَالٍ» عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَّ امْرَأَةً مَدَحَتْ بِنْتَ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: حَصَانٌ [1] رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ [2] فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَكِنْ أَبُوهَا [3] . (شِعْرٌ فِي هِجَاءِ حَسَّانَ وَمِسْطَحٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ قَائِلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي ضَرْبِ حَسَّانَ وَأَصْحَابِهِ فِي فِرْيَتِهِمْ عَلَى عَائِشَةَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فِي ضَرْبِ حَسَّانَ وَصَاحِبَيْهِ-: لَقَدْ ذَاقَ حَسَّانُ الَّذِي كَانَ أَهْلَهُ ... وَحَمْنَةُ إذْ قَالُوا هَجِيرًا وَمِسْطَحُ [4] تَعَاطَوْا بِرَجْمِ الْغَيْبِ زَوْجَ نَبِيِّهِمْ ... وَسَخْطَةَ ذِي الْعَرْشِ الْكَرِيمِ فَأُتْرِحُوا [5] وَآذَوْا رَسُولَ اللَّهِ فِيهَا فَجُلِّلُوا ... مَخَازِيَ تَبْقَى عُمِّمُوهَا وَفُضِّحُوا وَصُبَّتْ عَلَيْهِمْ مُحْصَدَاتٌ كَأَنَّهَا ... شَآبِيبُ قَطْرٍ مِنْ ذُرَا الْمُزْنِ تُسْفَحُ [6]

_ [1] حصان: من الْحصن والتحصن، وَهُوَ الِامْتِنَاع عَن الرِّجَال من نظرهم إِلَيْهَا. قَالَت جَارِيَة من الْعَرَب لأمها: يَا أمتا أبصرنى رَاكب ... يسير فِي مسحنفر لاحب جعلت أحثى الترب فِي وَجهه ... حصنا وأحمى حوزة الْغَائِب فَقَالَت لَهَا أمهَا: الْحصن أدنى لَو تآييته ... من حثيك الترب على الرَّاكِب [2] الرزان: الثَّقِيلَة الْحَرَكَة. وغرثى من لُحُوم الغوافل: أَي خميصة الْبَطن من لُحُوم النَّاس: أَي اغتيابهم. وَضرب الغرث مثلا، وَهُوَ عدم الطّعْم وخلو الْجوف. وَيُرِيد بالغوافل: العفائف الغافلة قلوبهن عَن الشَّرّ. [3] قَالَ أَبُو ذَر: «يرْوى أَبوهَا وأباها. فَمن قَالَ «أَبوهَا:» فَمَعْنَاه. لَكِن أَبوهَا لم يكن كَذَلِك، وَمن قَالَ «أَبَاهَا» فَإِنَّهُ يعْنى أَن حسان أَبى هَذِه الْفَضِيلَة» . [4] الهجير: الهجر وَقَول الْفَاحِش الْقَبِيح. [5] الرَّجْم: الظَّن. وأترحوا: أحزنوا، من التَّرَحِ، وَهُوَ الْحزن. ويروى «فأبرحوا» بِالْبَاء، وَهُوَ من البرح، أَي الْمَشَقَّة والشدة. [6] محصدات: يعْنى سياطا محكمَة الفتل شديدات. والشآبيب: جمع شؤبوب، وَهُوَ الدفعة من الْمَطَر. والذرى: الأعالي. والمزن: السَّحَاب. وتسفح: تسيل.

أمر الحديبية في آخر سنة ست، وذكر بيعة الرضوان والصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين سهيل بن عمرو

أَمْرُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي آخِرِ سَنَةِ سِتٍّ، وَذِكْرُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَالصُّلْحِ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو (خُرُوجُ الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ شَهْرَ رَمَضَانَ وَشَوَّالًا، وَخَرَجَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مُعْتَمِرًا، لَا يُرِيدُ حَرْبًا. (نُمَيْلَةُ عَلَى الْمَدِينَةِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ نُمَيْلَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيُّ. (اسْتِنْفَارُ الرَّسُولِ النَّاسَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاسْتَنْفَرَ الْعَرَبَ وَمَنْ حَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي مِنْ الْأَعْرَابِ لِيَخْرُجُوا مَعَهُ، وَهُوَ يَخْشَى مِنْ قُرَيْشٍ الَّذِي صَنَعُوا، أَنْ يَعْرِضُوا لَهُ بِحَرْبِ أَوْ يَصُدُّوهُ عَنْ الْبَيْتِ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَعْرَابِ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمَنْ لَحِقَ بِهِ مِنْ الْعَرَبِ، وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ لِيَأْمَنَ النَّاسُ مِنْ حَرْبِهِ، وَلِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ إنَّمَا خَرَجَ زَائِرًا لِهَذَا الْبَيْتِ وَمُعَظِّمًا لَهُ. (عِدَّةُ الرِّجَالِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ مِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ قَالَا: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ [1] يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ، لَا يُرِيدُ قِتَالًا، وَسَاقَ مَعَهُ

_ [1] الحديبيّة (بِضَم الْحَاء وَفتح الدَّال وياء سَاكِنة وباء مُوَحدَة مَكْسُورَة وياء. وَقد اخْتلف فِيهَا، فَمنهمْ من شدد وَمِنْهُم من خفف) : قَرْيَة متوسطة لَيست بالكبيرة، سميت ببئر هُنَاكَ عِنْد مَسْجِد الشَّجَرَة الَّتِي بَايع رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحتهَا، بَينهَا وَبَين مَكَّة مرحلة، وَبَينهمَا وَبَين الْمَدِينَة تسع مراحل. (عَن مُعْجم الْبلدَانِ) .

(الرسول وبشر بن سفيان) :

الْهَدْيَ سَبْعِينَ بَدَنَةً، وَكَانَ النَّاس سبع مائَة رَجُلٍ، فَكَانَتْ كُلُّ بَدَنَةٍ عَنْ عَشَرَةِ نَفَرٍ. وَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فِيمَا بَلَغَنِي، يَقُولُ: كُنَّا أَصْحَابَ الْحُدَيْبِيَةِ أَربع عشرَة مائَة. (الرَّسُولُ وَبِشْرُ بْنُ سُفْيَانَ) : قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إذَا كَانَ بِعُسْفَانَ [1] لَقِيَهُ بِشْرُ بْنُ سُفْيَانَ الْكَعْبِيُّ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ بُسْرٌ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ قُرَيْشٌ، قَدْ سَمِعْتُ بِمَسِيرِكَ، فَخَرَجُوا مَعَهُمْ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ [2] ، قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النُّمُورِ، وَقَدْ نَزَلُوا بِذِي طُوًى [3] ، يُعَاهِدُونَ اللَّهَ لَا تَدْخُلُهَا عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَهَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي خَيْلِهِمْ قَدْ قَدَّمُوهَا إلَى كُرَاعِ الْغَمِيمِ [4] ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا وَيْحَ قُرَيْشٍ! لَقَدْ أَكَلَتْهُمْ الْحَرْبُ، مَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ خَلَّوْا بَيْنِي وَبَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ، فَإِنْ هُمْ أَصَابُونِي كَانَ الَّذِي أَرَادُوا، وَإِنْ أَظْهَرَنِي اللَّهُ عَلَيْهِمْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَافِرِينَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا قَاتَلُوا وَبِهِمْ قُوَّةٌ، فَمَا تظنّ قُرَيْش، فو الله لَا أَزَالُ أُجَاهِدُ عَلَى الَّذِي بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ أَوْ تَنْفَرِدَ هَذِهِ السَّالِفَةُ [5] ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَخْرَجُ بِنَا عَلَى طَرِيقٍ غَيْرِ طَرِيقِهِمْ الَّتِي هُمْ بِهَا؟ (تَجَنُّبُ الرَّسُولِ لِقَاءَ قُرَيْشٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَسَلَكَ بِهِمْ طَرِيقًا وَعْرًا أَجْرَلَ [6] بَيْنَ شِعَابٍ، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْهُ، وَقَدْ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَفْضَوْا إلَى أَرْضٍ سَهْلَةٍ عِنْدَ مُنْقَطِعِ الْوَادِي،

_ [1] عسفان: منهلة من مناهل الطَّرِيق بَين الْجحْفَة وَمَكَّة، وَقيل: هِيَ بَين المسجدين، وَهِي من مَكَّة على مرحلَتَيْنِ، وَقيل غير ذَلِك. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [2] العوذ: جمع عَائِذ، وَهِي من الْإِبِل الحديثة النِّتَاج، والمطافيل: الَّتِي مَعهَا أَوْلَادهَا يُرِيد أَنهم خَرجُوا وَمَعَهُمْ النِّسَاء وَالصبيان، وَهُوَ على الِاسْتِعَارَة. [3] ذُو طوى (مثلث الطَّاء وينون) : مَوضِع قرب مَكَّة. [4] كرَاع الغميم: مَوضِع بِنَاحِيَة الْحجاز بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، وَهُوَ وَاد أَمَام عسفان بِثمَانِيَة أَمْيَال. (عَن مُعْجم الْبلدَانِ) . [5] السالفة: صفحة الْعُنُق، وهما سالفتان من جانبيه، وكنى بانفرادها عَن الْمَوْت. [6] الأجرل: الْكثير الْحِجَارَة، ويروى: أجرد، أَي لَيْسَ فِيهِ نَبَات.

(الذي نزل بسهم الرسول في طلب الماء) :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ: قُولُوا نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَنَتُوبُ إلَيْهِ. فَقَالُوا ذَلِكَ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنَّهَا لَلْحِطَّةُ [1] الَّتِي عُرِضَتْ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ. فَلَمْ يَقُولُوهَا. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ فَقَالَ: اُسْلُكُوا ذَاتَ الْيَمِينِ بَيْنَ ظَهْرَيْ الْحَمْشِ، فِي طَرِيقٍ (تُخْرِجُهُ [2] ) عَلَى ثَنِيَّةِ الْمُرَارِ مَهْبِطِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، قَالَ: فَسَلَكَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الطَّرِيقَ، فَلَمَّا رَأَتْ خَيْلُ قُرَيْشٍ قَتَرَةَ [3] الْجَيْشِ قَدْ خَالَفُوا عَنْ طَرِيقِهِمْ، رَجَعُوا رَاكِضِينَ إلَى قُرَيْشٍ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إذَا سَلَكَ، فِي ثَنِيَّةِ الْمُرَارِ بَرَكَتْ نَاقَتُهُ، فَقَالَتْ النَّاسُ: خَلَأَتْ [4] النَّاقَةُ، قَالَ: مَا خَلَأَتْ وَمَا هُوَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ عَنْ مَكَّةَ. لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إلَى خُطَّةٍ يَسْأَلُونَنِي فِيهَا صِلَةَ الرَّحَمِ إلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إيَّاهَا. ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: انْزِلُوا، قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا بِالْوَادِي مَاءٌ نَنْزِلُ عَلَيْهِ، فَأَخْرَجَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، فَأَعْطَاهُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَنَزَلَ بِهِ فِي قَلِيبٍ [5] مِنْ تِلْكَ الْقُلُبِ. فَغَرَّزَهُ فِي جَوْفِهِ، فَجَاشَ [6] بِالرَّوَّاءِ [7] حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ عَنْهُ بِعَطَنٍ [8] . (الَّذِي نَزَلَ بِسَهْمِ الرَّسُولِ فِي طَلَبِ الْمَاءِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَسْلَمَ: أَنَّ الَّذِي نَزَلَ فِي الْقَلِيبِ بِسَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ يَعْمُرَ ابْن دَارِمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَائِلَةَ بْنِ سَهْمِ بْنِ مَازِنِ بْنِ سَلَامَانِ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ أَفْصَى بْنِ أَبِي حَارِثَةَ، وَهُوَ سَائِقُ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

_ [1] الحطة: يُرِيد قَول الله تَعَالَى لبني إِسْرَائِيل: «وَقُولُوا حِطَّةٌ 2: 58» وَمَعْنَاهُ: اللَّهمّ حط عَنَّا ذنوبنا. [2] زِيَادَة عَن أ. وَفِي رِوَايَة «تخرجهم» . [3] قترة الْجَيْش: غباره. [4] خلأت: بَركت. قَالَ أَبُو ذَر: «الْخَلَاء فِي الْإِبِل: بِمَنْزِلَة الحران فِي الدَّوَابّ، وَقَالَ بَعضهم: لَا يُقَال إِلَّا للناقة خَاصَّة. [5] القليب: الْبِئْر. [6] جاش: ارْتَفع. [7] الرواء (بِفَتْح الرَّاء) : الْكثير. [8] العطن: مبرك الْإِبِل حول المَاء.

(شعر لناجية يثبت أنه حامل سهم الرسول) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَفْصَى بْنُ حَارِثَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ زَعَمَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ كَانَ يَقُولُ: أَنَا الَّذِي نَزَلْتُ بِسَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاللَّه أَعْلَمُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ. (شِعْرٌ لِنَاجِيَةَ يُثْبِتُ أَنَّهُ حَامِلٌ سَهْمَ الرَّسُولِ) : وَقَدْ أَنْشَدَتْ أَسْلَمُ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ قَالَهَا نَاجِيَةُ، قَدْ ظَنَنَّا أَنَّهُ هُوَ الَّذِي نَزَلَ بِالسَّهْمِ، فَزَعَمَتْ أَسْلَمُ أَنَّ جَارِيَةً مِنْ الْأَنْصَارِ أَقْبَلَتْ بِدَلْوِهَا، وَنَاجِيَةُ فِي الْقَلِيبِ يَمِيحُ [1] عَلَى النَّاسِ، فَقَالَتْ: يَا أَيُّهَا الْمَائِحُ دَلْوَى دُونَكَا ... إنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ يَحْمَدُونَكَا يُثْنُونَ خَيْرًا وَيُمَجِّدُونَكَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: إنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ يَمْدَحُونَكَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ نَاجِيَةُ، وَهُوَ فِي الْقَلِيبِ يَمِيحُ عَلَى النَّاسِ: قَدْ عَلِمَتْ جَارِيَةٌ يَمَانِيَهْ ... أَنِّي أَنَا الْمَائِحُ وَاسْمِي نَاجِيَهْ وَطَعْنَةٍ ذَاتِ رَشَاشٍ وَاهِيَهْ ... طَعَنْتُهَا عِنْدَ صُدُورِ الْعَادِيَهْ [2] (بُدَيْلٌ وَرِجَالُ خُزَاعَةَ بَيْنَ الرَّسُولِ وَقُرَيْشٍ) : فَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: فَلَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ بُدَيْلُ ابْن وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ، فِي رِجَالٍ مِنْ خُزَاعَةَ، فَكَلَّمُوهُ وَسَأَلُوهُ: مَا الَّذِي جَاءَ بِهِ؟ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ يُرِيدُ حَرْبًا، وَإِنَّمَا جَاءَ زَائِرًا لِلْبَيْتِ، وَمُعَظِّمًا لِحُرْمَتِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ نَحْوًا مِمَّا قَالَ لِبِشْرِ بْنِ سُفْيَانَ، فَرَجَعُوا إلَى قُرَيْشٍ فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنَّكُمْ تَعْجَلُونَ عَلَى مُحَمَّدٍ، إنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَأْتِ لِقِتَالِ، وَإِنَّمَا جَاءَ زَائِرًا هَذَا الْبَيْتَ، فَاتَّهَمُوهُمْ وَجَبَهُوهُمْ [3] وَقَالُوا: وَإِنْ كَانَ جَاءَ وَلَا يُرِيدُ قِتَالًا، فَوَ اللَّهِ لَا يَدْخُلُهَا عَلَيْنَا عَنْوَةً أَبَدًا، وَلَا تَحَدَّثَ بِذَلِكَ عَنَّا الْعَرَبُ.

_ [1] يميح على النَّاس: يمْلَأ الدلاء. [2] الْوَاهِيَة: المسترخية الواسعة الشق،. والعادية: الْقَوْم الَّذين يعدون، أَي يسرعون الْعَدو. [3] جبهوهم: خاطبوهم بِمَا يكْرهُونَ.

(مكرز رسول قريش إلى الرسول) :

قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَتْ خُزَاعَةُ عَيْبَةَ نُصْحِ [1] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُسْلِمُهَا وَمُشْرِكُهَا، لَا يُخْفُونَ عَنْهُ شَيْئًا كَانَ بِمَكَّةَ. (مِكْرَزٌ رَسُولُ قُرَيْشٍ إلَى الرَّسُولِ) : قَالَ: ثُمَّ بَعَثُوا إلَيْهِ مِكْرَزَ بْنَ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ، أَخَا بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلًا قَالَ: هَذَا رَجُلٌ غَادِرٌ، فَلَمَّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلَّمَهُ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِمَّا قَالَ لِبُدَيْلٍ وَأَصْحَابِهِ، فَرَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (الْحُلَيْسُ رَسُولٌ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى الرَّسُولِ) : ثُمَّ بَعَثُوا إلَيْهِ الْحُلَيْسَ بْنَ عَلْقَمَةَ أَوْ ابْنَ زَبَّانَ، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدَ الْأَحَابِيشِ، وَهُوَ أَحَدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّ هَذَا مِنْ قَوْمٍ يَتَأَلَّهُونَ [2] ، فَابْعَثُوا الْهَدْيَ فِي وَجْهِهِ حَتَّى يَرَاهُ، فَلَمَّا رَأَى الْهَدْيَ يَسِيلُ عَلَيْهِ مِنْ عُرْضِ [3] الْوَادِي فِي قَلَائِدِهِ [4] ، وَقَدْ أَكَلَ أَوْبَارَهُ مِنْ طُولِ الْحَبْسِ عَنْ مَحِلِّهِ [5] ، رَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ، وَلَمْ يَصِلْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إعْظَامًا لَمَا رَأَى، فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ. قَالَ: فَقَالُوا لَهُ: اجْلِسْ، فَإِنَّمَا أَنْتَ أَعْرَابِيٌّ لَا عِلْمَ لَكَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ الْحُلَيْسَ غَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَاَللَّهِ مَا عَلَى هَذَا حَالَفْنَاكُمْ، وَلَا عَلَى هَذَا عَاقَدْنَاكُمْ. أَيُصَدُّ عَنْ بَيْتِ اللَّهِ مَنْ جَاءَ مُعَظِّمًا لَهُ! وَاَلَّذِي نَفْسُ الْحُلَيْسِ بِيَدِهِ، لَتُخَلُّنَّ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَبَيْنَ مَا جَاءَ لَهُ، أَوْ لَأَنْفِرَنَّ بِالْأَحَابِيشِ نَفْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ. قَالَ: فَقَالُوا لَهُ: مَهْ، كُفَّ عَنَّا يَا حُلَيْسُ حَتَّى نَأْخُذَ لِأَنْفُسِنَا مَا نَرْضَى بِهِ.

_ [1] عَيْبَة نصح الرَّسُول، أَي خاصته وَأَصْحَاب سره. وَلَيْسَ فِي أكلمة «نصح» . [2] يتألهون: يتعبدون ويعظمون أَمر الْإِلَه. [3] عرض الْوَادي: جَانِبه. [4] القلائد: مَا يعلق فِي أَعْنَاق الْهدى ليعلم أَنه هدى. [5] مَحَله: مَوْضِعه الّذي ينْحَر فِيهِ من الْحرم.

(عروة بن مسعود رسول الله من قريش إلى الرسول) :

(عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُود رَسُول الله مِنْ قُرَيْشٍ إلَى الرَّسُولِ) : قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: ثُمَّ بَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَا يَلْقَى مِنْكُمْ مَنْ بَعَثْتُمُوهُ إلَى مُحَمَّدٍ إذْ جَاءَكُمْ مِنْ التَّعْنِيفِ وَسُوءِ اللَّفْظِ، وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّكُمْ وَالِدٌ [1] وَإِنِّي وَلَدٌ- وَكَانَ عُرْوَةُ لِسُبَيْعَةَ بِنْتِ عَبْدِ شَمْسٍ- وَقَدْ سَمِعْتُ بِاَلَّذِي نَابَكُمْ، فَجَمَعْتُ مَنْ أَطَاعَنِي مِنْ قَوْمِي، ثُمَّ جِئْتُكُمْ حَتَّى آسَيْتُكُمْ [2] بِنَفْسِي، قَالُوا: صَدَقْتُ، مَا أَنْتَ عِنْدَنَا بِمُتَّهَمٍ. فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّد، أَجمعت أَو شَاب [3] النَّاسِ، ثُمَّ جِئْتَ بِهِمْ إلَى بَيْضَتِكَ [4] لِتَفُضَّهَا [5] بِهِمْ، إنَّهَا قُرَيْشٌ قَدْ خَرَجَتْ مَعَهَا الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ. قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النُّمُورِ، يُعَاهِدُونَ اللَّهَ لَا تَدْخُلُهَا عَلَيْهِمْ عَنْوَةً أَبَدًا. وَاَيْمُ اللَّهِ، لِكَأَنِّي بِهَؤُلَاءِ قَدْ انْكَشَفُوا عَنْكَ غَدًا. قَالَ: وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ، فَقَالَ: امصص بظر اللات، أَنَحْنُ نَنْكَشِفُ عَنْهُ؟ قَالَ: مَنْ هَذَا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: هَذَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، قَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَكَافَأْتُكَ بِهَا، وَلَكِنْ هَذِهِ بِهَا، قَالَ: ثُمَّ جَعَلَ يَتَنَاوَلُ لِحْيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُكَلِّمُهُ. قَالَ: وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيدِ. قَالَ: فَجَعَلَ يَقْرَعُ يَدَهُ إذَا تَنَاوَلَ لِحْيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُ: اُكْفُفْ يَدَكَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ لَا تَصِلَ إلَيْكَ، قَالَ: فَيَقُولُ عُرْوَةُ: وَيْحَكَ! مَا أَفَظَّكَ وَأَغْلَظَكَ! قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: مَنْ هَذَا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: هَذَا ابْنُ أَخِيكَ الْمُغِيرَةُ ابْن شُعْبَةَ، قَالَ: أَيْ غُدَرُ، وَهَلْ غَسَلْتُ سَوْأَتَكَ إلَّا بِالْأَمْسِ. - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَرَادَ عُرْوَةُ بِقَوْلِهِ هَذَا أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ قَبْلَ إسْلَامِهِ قَتَلَ

_ [1] وَالِد: أَي كل وَاحِد مِنْكُم كالوالد: وَقيل أَي أَنكُمْ حَيّ قد ولدني لِأَنَّهُ كَانَ لسفيعة بنت عبد شمس. [2] آسيتكم: عاونتكم. [3] الأوشاب: الأخلاط. [4] بَيْضَة الرجل: أَهله وقبيلته. [5] تفضها: تكسرها.

(خراش رسول الرسول إلى قريش) :

ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَالِكٍ، مِنْ ثَقِيفٍ، فَتَهَايَجَ الْحَيَّانِ مِنْ ثَقِيفٍ: بَنُو مَالِكٍ رَهْطُ الْمَقْتُولِينَ، وَالْأَحْلَافُ رَهْطُ الْمُغِيرَةِ، فَوَدَى عُرْوَةُ الْمَقْتُولِينَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ دِيَةً، وَأَصْلَحَ ذَلِكَ الْأَمْرَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَكَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوٍ مِمَّا كَلَّمَ بِهِ أَصْحَابَهُ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ يُرِيدُ حَرْبًا. فَقَامَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَأَى مَا يَصْنَعُ بِهِ أَصْحَابُهُ، لَا يَتَوَضَّأُ إلَّا ابْتَدَرُوا وُضُوءَهُ، وَلَا يَبْصُقُ بُصَاقًا إلَّا ابْتَدَرُوهُ. وَلَا يَسْقُطُ مِنْ شَعْرِهِ شَيْءٌ إلَّا أَخَذُوهُ. فَرَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنِّي قَدْ جِئْتُ كِسْرَى فِي مُلْكِهِ، وَقَيْصَرَ فِي مُلْكِهِ. وَالنَّجَاشِيَّ فِي مُلْكِهِ. وَإِنِّي وَاَللَّهِ مَا رَأَيْتُ مَلِكًا فِي قَوْمٍ قَطُّ مِثْلَ مُحَمَّدٍ فِي أَصْحَابِهِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ قَوْمًا لَا يُسْلِمُونَهُ لِشَيْءِ أَبَدًا، فَرَوْا رَأْيَكُمْ. (خِرَاشٌ رَسُولُ الرَّسُولِ إلَى قُرَيْشٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا خِرَاشَ بْنَ أُمَيَّةَ الْخُزَاعِيَّ، فَبَعَثَهُ إلَى قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ، وَحَمَلَهُ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ الثَّعْلَبُ، لِيُبَلِّغَ أَشْرَافَهُمْ عَنْهُ مَا جَاءَ لَهُ، فَعَقَرُوا بِهِ جَمْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَرَادُوا قَتْلَهُ، فَمَنَعَتْهُ الْأَحَابِيشُ، فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ، حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (النَّفَرُ الْقُرَشِيُّونَ الَّذِينَ أَرْسَلَتْهُمْ قُرَيْشٌ لِلْعُدْوَانِ ثُمَّ عَفَا عَنْهُمْ الرَّسُولُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ قُرَيْشًا كَانُوا بَعَثُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ أَوْ خَمْسِينَ رَجُلًا، وَأَمَرُوهُمْ أَنْ يُطِيفُوا بِعَسْكَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِيُصِيبُوا لَهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا، فَأُخِذُوا أَخْذًا، فَأُتِيَ بِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَفَا عَنْهُمْ، وَخَلَّى سَبِيلَهُمْ، وقَدْ كَانُوا رَمَوْا فِي عَسْكَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجَارَةِ وَالنَّبْلِ.

(عثمان رسول محمد إلى قريش) :

(عُثْمَانُ رَسُولُ مُحَمَّدٍ إلَى قُرَيْشٍ) : ثُمَّ دَعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لِيَبْعَثَهُ إلَى مَكَّةَ، فَيُبَلِّغُ عَنْهُ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مَا جَاءَ لَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَخَافُ قُرَيْشًا عَلَى نَفْسِي، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ أَحَدٌ يَمْنَعُنِي، وَقَدْ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ عَدَاوَتِي إيَّاهَا، وَغِلْظَتِي عَلَيْهَا، وَلَكِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى رَجُلٍ أَعَزَّ بِهَا مِنِّي، عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ. فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَبَعَثَهُ إلَى أَبِي سُفْيَانَ وَأَشْرَافِ قُرَيْشٍ، يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِحَرْبِ، وَإِنَّهُ إنَّمَا جَاءَ زَائِرًا لِهَذَا الْبَيْتِ، وَمُعَظِّمًا لِحُرْمَتِهِ. (إشَاعَةُ مَقْتَلِ عُثْمَانَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَخَرَجَ عُثْمَانُ إلَى مَكَّةَ، فَلَقِيَهُ أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا، فَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَجَارَهُ حَتَّى بَلَّغَ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ عُثْمَانُ حَتَّى أَتَى أَبَا سُفْيَانَ وَعُظَمَاءَ قُرَيْشٍ، فَبَلَّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَرْسَلَهُ بِهِ، فَقَالُوا لِعُثْمَانِ حِينَ فَرَغَ مِنْ رِسَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ: إنْ شِئْتُ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَطُفْ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ حَتَّى يَطُوفَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاحْتَبَسَتْهُ قُرَيْشٌ عِنْدَهَا، فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَدْ قُتِلَ. بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ (مُبَايَعَةُ الرَّسُولِ النَّاسَ عَلَى الْحَرْبِ وَتَخَلُّفُ الْجَدِّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ: لَا نَبْرَحُ حَتَّى نُنَاجِزَ الْقَوْمَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إلَى الْبَيْعَةِ. فَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَكَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ: بَايَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَوْتِ، وَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُبَايِعْنَا عَلَى الْمَوْتِ، وَلَكِنْ بَايَعَنَا عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ.

(أول من بايع) :

فَبَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَهَا، إلَّا الْجَدَّ بْنَ قَيْسٍ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، فَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: وَاَللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ لَاصِقًا بِإِبْطِ نَاقَتِهِ. قَدْ ضَبَأَ [1] إلَيْهَا، يَسْتَتِرُ بِهَا مِنْ النَّاسِ. ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الَّذِي ذُكِرَ مِنْ أَمْرِ عُثْمَانَ بَاطِلٌ. (أَوَّلُ مَنْ بَايَعَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَذَكَرَ وَكِيعٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ أَبُو سِنَانٍ [2] الْأَسَدِيُّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ بِأَسْنَادٍ لَهُ، عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَايَعَ لِعُثْمَانِ، فَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى. أَمْرُ الْهُدْنَةِ (إرْسَالُ قُرَيْشٍ سُهَيْلًا إلَى الرَّسُولِ لِلصُّلْحِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: ثُمَّ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، أَخَا بَنِي عَامِرِ ابْن لُؤَيٍّ، إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا لَهُ: ائْتِ مُحَمَّدًا فَصَالِحْهُ، وَلَا يَكُنْ فِي صُلْحِهِ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ عَنَّا عَامه هَذَا، فو الله لَا تُحَدِّثُ الْعَرَبُ عَنَّا أَنَّهُ دَخَلَهَا عَلَيْنَا عَنْوَةً أَبَدًا. فَأَتَاهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلًا، قَالَ: قَدْ أَرَادَ الْقَوْمُ الصُّلْحَ حِينَ بَعَثُوا هَذَا الرَّجُلَ. فَلَمَّا انْتَهَى سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ فَأَطَالَ الْكَلَامَ، وَتَرَاجَعَا، ثُمَّ جَرَى بَيْنَهُمَا الصُّلْحُ. (عُمَرُ يُنْكِرُ عَلَى الرَّسُولِ الصُّلْحَ) : فَلَمَّا الْتَأَمَ الْأَمْرُ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْكِتَابُ، وَثَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ،

_ [1] ضبأ إِلَيْهَا: لصق بهَا واستتر. [2] اخْتلف فِي اسْم أَبى سِنَان هَذَا، فَقيل: وهب بن عبد الله، وَقيل: عبد الله بن وهب، وَقيل عَامر، وَقيل بل اسْمه وهب بن مُحصن بن حرثان، أَخُو عكاشة بن مُحصن، وَهَذَا الرأى الْأَخير أصح الآراء. وَكَانَت وَفَاته فِي سنة خمس من الْهِجْرَة وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة. (رَاجع الِاسْتِيعَاب) .

(على يكتب شروط الصلح) :

فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَيْسَ بِرَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَوَ لَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَوَ لَيْسُوا بِالْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطَى الدَّنِيَّةَ [1] فِي دِينِنَا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا عُمَرُ، الْزَمْ غَرْزَهُ [2] ، فَأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْتَ بِرَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَوَ لَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَوَ لَيْسُوا بِالْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطَى الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟ قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، لَنْ أُخَالِفَ أَمْرَهُ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي! قَالَ: فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: مَا زِلْتُ أَتَصَدَّقُ وَأَصُومُ وَأُصَلِّي وَأُعْتِقُ، مِنْ الَّذِي صَنَعْتُ يَوْمَئِذٍ! مَخَافَةَ كَلَامِي الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ، حَتَّى رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا. (عَلِيٌّ يَكْتُبُ شُرُوطَ الصُّلْحِ) : قَالَ: ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اُكْتُبْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ: فَقَالَ سُهَيْلٌ: لَا أَعْرِفُ هَذَا، وَلَكِنْ اُكْتُبْ: بِاسْمِكَ اللَّهمّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اُكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهمّ، فَكَتَبَهَا، ثُمَّ قَالَ: اُكْتُبْ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولَ اللَّهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، قَالَ: فَقَالَ سُهَيْلٌ: لَوْ شَهِدْتُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ أُقَاتِلْكَ، وَلَكِنْ اُكْتُبْ اسْمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اُكْتُبْ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، اصْطَلَحَا عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَنْ النَّاسِ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ فِيهِنَّ النَّاسُ وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، عَلَى أَنَّهُ مَنْ أَتَى مُحَمَّدًا مِنْ قُرَيْشٍ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ، وَمَنْ جَاءَ قُرَيْشًا مِمَّنْ مَعَ مُحَمَّدٍ لَمْ يَرُدُّوهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّ بَيْنَنَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً [3] ، وَأَنَّهُ لَا إسْلَالَ وَلَا إغْلَالَ [4] ، وَأَنَّهُ مَنْ

_ [1] الدنية: الذل وَالْأَمر الخسيس. [2] الزم غرز. أَي الزم أمره. والغرز للرحل: بِمَنْزِلَة الركاب للسرج. [3] أَي صُدُور منطوية على مَا فِيهَا، لَا تبدي عَدَاوَة، وَضرب العيبة مثلا. [4] الْإِسْلَال: السّرقَة الْخفية. وَالْإِغْلَال: الْخِيَانَة.

(دخول خزاعة في عهد محمد وبنى بكر في عهد قريش) :

أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ دَخَلَ فِيهِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ فِيهِ. (دُخُولُ خُزَاعَةَ فِي عَهْدِ مُحَمَّدٍ وَبَنِيَّ بَكْرٍ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ) : فَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ فَقَالُوا: نَحْنُ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ، وَتَوَاثَبَتْ بَنُو بَكْرٍ، فَقَالُوا: نَحْنُ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ، وَأَنَّكَ تَرْجِعُ عَنَّا عَامَكَ هَذَا، فَلَا تَدْخُلُ عَلَيْنَا مَكَّةَ، وَأَنَّهُ إذَا كَانَ عَامُ قَابِلٍ، خَرَجْنَا عَنْكَ فَدَخَلْتهَا بِأَصْحَابِكَ، فَأَقَمْتَ بِهَا ثَلَاثًا، مَعَكَ سِلَاحُ الرَّاكِبِ، السُّيُوفُ فِي الْقُرُبِ، لَا تَدْخُلُهَا بِغَيْرِهَا. (مَا أَهَمَّ النَّاسَ مِنْ الصُّلْحِ وَمَجِيءُ أَبِي جَنْدَلٍ) : فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ هُوَ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، إذْ جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو يَرْسُفَ فِي الْحَدِيدِ، قَدْ انْفَلَتَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجُوا وَهُمْ لَا يَشُكُّونَ فِي الْفَتْحِ، لِرُؤْيَا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَوْا مَا رَأَوْا مِنْ الصُّلْحِ وَالرُّجُوعِ، وَمَا تَحَمَّلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ دَخَلَ عَلَى النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ، حَتَّى كَادُوا يُهْلِكُونَ، فَلَمَّا رَأَى سُهَيْلٌ أَبَا جَنْدَلٍ قَامَ إلَيْهِ فَضَرَبَ وَجْهَهُ، وَأَخَذَ بِتَلْبِيبِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ لَجَّتْ [1] الْقَضِيَّةُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكَ هَذَا، قَالَ: صَدَقْتَ، فَجَعَلَ يَنْتُرُهُ [2] بِتَلْبِيبِهِ، وَيَجُرُّهُ لِيَرُدَّهُ إلَى قُرَيْشٍ، وَجَعَلَ أَبُو جَنْدَلٍ يَصْرُخُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَأُرَدُّ إلَى الْمُشْرِكِينَ يَفْتِنُونِي فِي دِينِي؟ فَزَادَ ذَلِكَ النَّاسَ إلَى مَا بِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا جَنْدَلٍ، اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، إنَّا قَدْ عَقَدْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ صُلْحًا، وَأَعْطَيْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَأَعْطَوْنَا عَهْدَ اللَّهِ، وَإِنَّا لَا نَغْدِرُ بِهِمْ، قَالَ: فَوَثَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَعَ أَبِي جَنْدَلٍ يَمْشِي إلَى جَنْبِهِ، وَيَقُولُ: اصْبِرْ يَا أَبَا جَنْدَلٍ، فَإِنَّمَا هُمْ الْمُشْرِكُونَ، وَإِنَّمَا دَمُ أَحَدِهِمْ دَمُ كَلْبٍ. قَالَ: وَيُدْنِي قَائِمَ السَّيْفِ مِنْهُ. قَالَ: يَقُولُ عُمَرُ:

_ [1] لجت الْقَضِيَّة: تمت. [2] ينتره: يجذبه جذبا شَدِيدا.

(من شهدوا على الصلح) :

رَجَوْتُ أَنْ يَأْخُذَ السَّيْفَ فَيَضْرِبُ بِهِ أَبَاهُ، قَالَ: فَضَنَّ الرَّجُلُ بِأَبِيهِ، وَنَفَذَتْ الْقَضِيَّةُ. (مَنْ شَهِدُوا عَلَى الصُّلْحِ) : فَلَمَّا فَرَغَ (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْ الْكِتَابِ أَشْهَدَ عَلَى الصُّلْحِ رِجَالًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَرِجَالًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَمِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَكَتَبَ، وَكَانَ هُوَ كَاتِبَ الصَّحِيفَةِ. (نَحَرَ الرَّسُولُ وَحَلْقُ فَاقْتَدَى بِهِ النَّاسُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَرَبًا فِي الْحِلِّ [1] ، وَكَانَ يُصَلِّي فِي الْحُرُمِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الصُّلْحِ قَدِمَ إلَى هَدْيِهِ فَنَحَرَهُ، ثُمَّ جَلَسَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَكَانَ الَّذِي حَلَقَهُ، فِيمَا بَلَغَنِي، فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ خِرَاشَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ الْفَضْلِ الْخُزَاعِيَّ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَحَرَ وَحَلَقَ تَوَاثَبُوا يَنْحَرُونَ وَيَحْلِقُونَ. (دَعْوَةُ الرَّسُولِ لِلْمُحَلِّقِينَ ثُمَّ لِلْمُقَصِّرِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهَدٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَلَقَ رِجَالٌ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَصَّرَ آخَرُونَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَلِمَ ظَاهَرْتُ [2] التَّرْحِيمَ لِلْمُحَلِّقِينَ دُونَ الْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ: لَمْ يَشُكُّوا.

_ [1] مضطربا فِي الْحل: أَي أَن أبنيته كَانَت مَضْرُوبَة فِي الْحل، وَكَانَت صلَاته فِي الْحرم، وَهَذَا لقرب الحديبيّة من الْحرم. [2] ظَاهَرت الترحيم: أَي قويته وأكدته بتكريرك إِيَّاه، والمظاهرة: الْقُوَّة والمعاونة.

(أهدى الرسول جملا فيه برة من فضة) :

(أَهْدَى الرَّسُولُ جَمَلًا فِيهِ بَرَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ) : وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ: حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي هَدَايَاهُ جَمَلًا لِأَبِي جَهْلٍ، فِي رَأْسِهِ بَرَّةٌ [1] مِنْ فِضَّةٍ، يَغِيظُ بِذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ. (نُزُولُ سُورَةِ الْفَتْحِ) : قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ قَافِلًا، حَتَّى إذَا كَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، نَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ، وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ، وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً 48: 1- 2. (ذِكْرُ الْبَيْعَةِ) : ثُمَّ كَانَتْ الْقِصَّةُ فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ، حَتَّى انْتَهَى إلَى ذِكْرِ الْبَيْعَةِ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ، يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ، وَمن أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ، فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً 48: 10. (ذِكْرُ مَنْ تَخَلَّفَ) : ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ مِنْ الْأَعْرَابِ، ثُمَّ قَالَ: حِينَ اسْتَفَزَّهُمْ لِلْخُرُوجِ مَعَهُ فَأَبْطَئُوا عَلَيْهِ: «سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا 48: 11» . ثُمَّ الْقِصَّةُ عَنْ خَبَرِهِمْ، حَتَّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ: «سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ، يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ، قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ 48: 15» ... ثُمَّ الْقِصَّةُ عَنْ خَبَرِهِمْ وَمَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِهَادِ الْقَوْمِ أُولِي الْبَأْسِ الشَّدِيدِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ،

_ [1] الْبرة: حَلقَة تجْعَل فِي أنف الْبَعِير ليذل ويرتاض، فَإِن كَانَت من شعر فَهِيَ خزامه، وَإِن كَانَت من خشب فَهِيَ خشَاش.

(ذكر كف الرسول عن القتال) :

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَارِسٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أُولُو الْبَأْسِ الشَّدِيدِ حَنِيفَةُ مَعَ الْكَذَّابِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً. وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها، وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً. وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ، وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ، وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً. وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها، وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً 48: 18- 21. (ذِكْرُ كَفِّ الرَّسُولِ عَنْ الْقِتَالِ) : ثُمَّ ذَكَرَ مَحْبِسَهُ وَكَفَّهُ إيَّاهُ عَنْ الْقِتَالِ، بَعْدَ الظَّفَرِ مِنْهُ بِهِمْ، يَعْنِي النَّفَرَ الَّذِينَ أَصَابَ مِنْهُمْ وَكَفَّهُمْ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ، وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ. بَصِيراً 48: 24. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: هُمُ. الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ 48: 25. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمَعْكُوفُ: الْمَحْبُوسُ، قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ: وَكَأَنَّ السُّمُوطَ عَكَّفَهُ السِّلْكُ ... بِعِطْفِي جَيْدَاءَ أُمِّ غَزَالِ [1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: «وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ 48: 25» ، وَالْمَعَرَّةُ: الْغُرْمُ، أَيْ أَنْ تُصِيبُوا مِنْهُمْ (مَعَرَّةً) بِغَيْرِ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوا دِيَتَهُ، فَإِمَّا إثْمٌ فَلَمْ يُخَشِّهِ عَلَيْهِمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ

_ [1] السموط: جمع سمط، وَهُوَ مَا يعلق من القلادة على الصَّدْر. والسلك: الْخَيط الّذي ينظم فِيهِ. والجيداء: الطَّوِيلَة الْجيد. 21- سيرة ابْن هِشَام- 2

ابْن الْمُغِيرَةِ، وَسَلَمَةَ بْنِ هِشَامٍ، وَعَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَأَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ، وَأَشْبَاهِهِمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ، حَمِيَّةَ، الْجاهِلِيَّةِ 48: 26 يَعْنِي سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو حِينَ حَمِيَ أَنْ يَكْتُبَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى 48: 26، وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا: أَيْ التَّوْحِيدُ، شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا 48: 27: أَيْ لِرُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي رَأَى، أَنَّهُ سَيَدْخُلُ مَكَّةَ آمِنًا لَا يَخَافُ، يَقُولُ: مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ، وَمُقَصِّرِينَ مَعَهُ لَا تَخَافُونَ، فَعَلِمَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا، فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا، صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ. يَقُولُ الزُّهْرِيِّ: فَمَا فُتِحَ فِي الْإِسْلَامِ فَتْحٌ قَبْلَهُ كَانَ أَعْظَمَ مِنْهُ، إنَّمَا كَانَ الْقِتَالُ حَيْثُ الْتَقَى النَّاسُ، فَلَمَّا كَانَتْ الْهُدْنَةُ، وَوُضِعَتْ الْحَرْبُ، وَآمَنَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَالْتَقَوْا فَتَفَاوَضُوا فِي الْحَدِيثِ وَالْمُنَازَعَةِ، فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدٌ بِالْإِسْلَامِ يَعْقِلُ شَيْئًا إلَّا دَخَلَ فِيهِ، وَلَقَدْ دَخَلَ فِي تِينِكَ السَّنَتَيْنِ مِثْلُ مَنْ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالدَّلِيلُ عَلَى قَوْلِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج إِلَى الحديبيّة فِي ألف وَأَرْبع مائَة، فِي قَوْلِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، ثُمَّ خَرَجَ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَتَيْنِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ.

ما جرى عليه أمر قوم من المستضعفين بعد الصلح

مَا جَرَى عَلَيْهِ أَمْرُ قَوْمٍ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ بَعْدَ الصُّلْحِ (مَجِيءُ أَبِي بَصِيرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ وَطَلَبُ قُرَيْشٍ لَهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَتَاهُ أَبُو بَصِيرٍ عُتْبَةُ [1] بْنُ أُسَيْدِ بْنِ جَارِيَةَ، وَكَانَ مِمَّنْ حُبِسَ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ فِيهِ أَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ، وَالْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيُّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَعَثَا رَجُلًا مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَمَعَهُ مَوْلًى لَهُمْ، فَقَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابِ الْأَزْهَرِ وَالْأَخْنَسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا بِصَيْرِ إنَّا قَدْ أَعْطَيْنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ مَا قَدْ عَلِمْتَ، وَلَا يَصْلُحُ لَنَا فِي دِينِنَا الْغَدْرُ، وَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرْجًا وَمَخْرَجًا، فَانْطَلِقْ إلَى قَوْمِكَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَرُدُّنِي إلَى الْمُشْرِكِينَ يَفْتِنُونَنِي فِي دِينِي؟ قَالَ: يَا أَبَا بِصَيْرِ، انْطَلِقْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَجْعَلُ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرْجًا وَمَخْرَجًا. (قَتْلُ أَبِي بِصَيْرِ لِلْعَامِرِيِّ وَمَقَالَةُ الرَّسُولِ فِي ذَلِكَ) : فَانْطَلَقَ مَعَهُمَا، حَتَّى إذَا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ [2] ، جَلَسَ إلَى جِدَارٍ، وَجَلَسَ مَعَهُ صَاحِبَاهُ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَصَارِمٌ سَيْفُكَ هَذَا يَا أَخَا بَنِي عَامِرٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَنَظَرَ إلَيْهِ؟ قَالَ: اُنْظُرْ، إنْ شِئْتُ. قَالَ: فَاسْتَلَّهُ أَبُو بَصِيرٍ، ثُمَّ عَلَاهُ بِهِ حَتَّى قَتَلَهُ، وَخَرَجَ الْمَوْلَى سَرِيعًا حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَالِعًا، قَالَ: إنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ رَأَى فَزِعًا، فَلَمَّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَيحك! مَالك؟ قَالَ: قَتَلَ صَاحبكُم صَاحِبي. فو الله مَا بَرِحَ حَتَّى طَلَعَ أَبُو بَصِيرٍ مُتَوَشِّحًا بِالسَّيْفِ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَفَتْ ذِمَّتُكَ، وَأَدَّى اللَّهُ عَنْكَ، أَسْلَمْتنِي بِيَدِ الْقَوْمِ وَقَدْ امْتَنَعْتُ بِدِينِي أَنْ أُفْتَنَ

_ [1] وَقيل عبيد: (رَاجع الِاسْتِيعَاب) . [2] ذُو الحليفة: قَرْيَة بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة سِتَّة أَمْيَال، أَو سَبْعَة. وَمِنْهَا مِيقَات أهل الْمَدِينَة.

(اجتماع المحتبسين إلى أبى بصير وإيذاؤهم قريشا وإيواء الرسول لهم) :

فِيهِ، أَوْ يُعْبَثَ [1] بِي. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيْلُ أُمِّهِ مِحَشَّ [2] حَرْبٍ لَوْ كَانَ مَعَه رجال! (اجْتِمَاع الْمُحْتَبَسِينَ إلَى أَبِي بِصَيْرِ وَإِيذَاؤُهُمْ قُرَيْشًا وَإِيوَاءُ الرَّسُولِ لَهُمْ) : ثُمَّ خَرَجَ أَبُو بَصِيرٍ حَتَّى نَزَلَ الْعِيصَ، مِنْ نَاحِيَةِ ذِي الْمَرْوَةِ، عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، بِطَرِيقِ قُرَيْشٍ الَّتِي كَانُوا يَأْخُذُونَ عَلَيْهَا إلَى الشَّامِ، وَبَلَغَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا اُحْتُبِسُوا بِمَكَّةَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بِصَيْرِ: «وَيْلُ أُمِّهِ مِحَشَّ حَرْبٍ لَوْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ!، فَخَرَجُوا إلَى أَبِي بِصَيْرِ بِالْعِيصِ، فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ مِنْهُمْ قَرِيبٌ مِنْ سَبْعِينَ رَجُلًا، وَكَانُوا قَدْ ضَيَّقُوا عَلَى قُرَيْشٍ، لَا يَظْفَرُونَ بِأَحَدِ مِنْهُمْ إلَّا قَتَلُوهُ، وَلَا تَمُرُّ بِهِمْ عِيرٌ إلَّا اقْتَطَعُوهَا، حَتَّى كَتَبَتْ قُرَيْشٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُ بِأَرْحَامِهَا إلَّا آوَاهُمْ، فَلَا حَاجَةَ لَهُمْ بِهِمْ. فَآوَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدِمُوا عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو بِصَيْرِ ثَقَفِيٌّ. (أَرَادَ سُهَيْلٌ وَدْيَ أَبِي بِصَيْرِ وَشِعْرُ مَوْهَبٍ فِي ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا بَلَغَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو قَتْلُ أَبِي بَصِيرٍ صَاحِبَهُمْ الْعَامِرِيَّ، أَسْنَدَ ظَهْرَهُ إلَى الْكَعْبَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُؤَخِّرُ ظَهْرِي عَنْ الْكَعْبَةِ حَتَّى يُودِيَ هَذَا الرَّجُلُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ: وَاَللَّهِ إنَّ هَذَا لَهُوَ السَّفِهُ، وَاَللَّهِ لَا يُودَى (ثَلَاثًا) فَقَالَ فِي ذَلِكَ مَوْهِبُ بْنُ رِيَاحٍ أَبُو أُنَيْسٍ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ: - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو أُنَيْسٍ أَشْعَرِيٌّ- أَتَانِي عَنْ سُهَيْلٍ ذَرْءُ قَوْلٍ [3] ... فَأَيْقَظَنِي وَمَا بِي مِنْ رُقَادِ فَإِنْ تَكُنِ الْعِتَابَ تُرِيدُ مِنِّي ... فَعَاتِبْنِي فَمَا بِكَ مِنْ بِعَادِي

_ [1] فِي م، ر: «يبْعَث» وَهُوَ تَحْرِيف. [2] محش حَرْب: موقد حَرْب ومهيجها، يُقَال: حششت النَّار، وأرثتها، وأذكيتها، وأثقبتها، وسعرتها، بِمَعْنى وَاحِد. وَفِي الصَّحِيح: «ويل امهِ مسعر حَرْب» . [3] كَذَا فِي شرح السِّيرَة. وَفِي الْأُصُول: «ذرو» . قَالَ أَبُو ذَر: «ذَرْء قَول، أَي طرف قَوْله، وَهُوَ مَهْمُوز، ويروى: ذرو قَول، بِالْوَاو. وَالصَّوَاب الْهَمْز» .

(شعر ابن الزبعري في الرد على موهب) :

أَتُوعِدُنِي وَعَبْدُ مَنَافٍ حَوْلِي ... بِمَخْزُومٍ أَلَهْفًا مَنْ تُعَادَى [1] فَإِنْ تَغْمِزْ قَنَاتِي لَا تَجِدْنِي ... ضَعِيفَ الْعُودِ فِي الْكُرَبِ الشِّدَادِ أُسَامِي الْأَكْرَمِينَ أَبًا بِقَوْمِي ... إذَا وَطِئَ الضَّعِيفُ بِهِمْ أُرَادَى [2] هُمْ مَنَعُوا الظَّوَاهِرَ غَيْرَ شَكٍّ ... إلَى حَيْثُ الْبَوَاطِنُ فَالْعَوَادِي [3] بِكُلِّ طِمِرَّةٍ وَبِكُلِّ نَهْدٍ ... سَوَاهِمَ قَدْ طُوِينَ مِنْ الطِّرَادِ [4] لَهُمْ بِالْخَيْفِ قَدْ عَلِمَتْ مَعَدَّ ... رِوَاقِ الْمَجْدِ رُفِعَ بِالْعِمَادِ [5] (شِعْرُ ابْنِ الزِّبَعْرَى فِي الرَّدِّ عَلَى مَوْهَبٍ) : فَأَجَابَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى، فَقَالَ: وَأَمْسَى مَوْهِبٌ كَحِمَارِ سَوْءٍ ... أَجَازَ بِبَلْدَةٍ فِيهَا يُنَادِي فَإِنَّ الْعَبْدَ مِثْلَكَ لَا يُنَاوِي ... سُهَيْلًا ضَلَّ سَعْيُكَ مَنْ تُعَادِي [6] فَأَقْصِرْ يَا بْنَ قَيْنِ السُّوءِ عَنْهُ ... وَعَدَّ عَنْ الْمَقَالَةِ فِي الْبِلَادِ [7] وَلَا تَذْكُرْ عِتَابَ أَبِي يَزِيدٍ ... فَهَيْهَاتَ الْبُحُورُ مِنْ الثِّمَادِ [8] أَمْرُ الْمُهَاجِرَاتِ بَعْدَ الْهُدْنَةِ (هِجْرَةُ أُمِّ كُلْثُومٍ إِلَى الرَّسُولِ وَإِبَاؤُهُ رَدَّهَا) : (قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ) [9] : وَهَاجَرَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعِيطٍ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَخَرَجَ أَخَوَاهَا عِمَارَةُ وَالْوَلِيدُ ابْنَا عُقْبَةَ،

_ [1] أتوعدني: أَتُهَدِّدُنِي. [2] أسامى: أعانى. وأرادى: أرامى، يُقَال: راديته، إِذا راميته. [3] الظَّوَاهِر: مَا علا من مَكَّة. والبواطن: مَا انخفض مِنْهَا. والعوادي: جَوَانِب الأودية. [4] الطمرة: الْفرس الوثابة السريعة. والنهد: الغليظ. وسواهم: عوابس متغيرة. وطوين: ضعفن وضمرن. [5] الْخيف: مَوضِع بمنى. والرواق: ضرب من الأخبية. [6] لَا يناوى: لَا يعادى، وَترك همزه لضَرُورَة الشّعْر. [7] الْقَيْن: الْحداد. [8] الثماد: المَاء الْقَلِيل. [9] زِيَادَة عَن أ.

(سؤال ابن هنيدة لعروة عن آية المهاجرات ورده عليه) :

حَتَّى قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلَانِهِ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِمَا بِالْعَهْدِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ فِي الْحُدَيْبِيَةِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ. (سُؤَالُ ابْنِ هُنَيْدَةَ لِعُرْوَةِ عَنْ آيَةِ الْمُهَاجِرَاتِ وَرَدُّهُ عَلَيْهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَكْتُبُ كِتَابًا إِلَى ابْن أَبى هنيدة، صَاحِبِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَتَبَ إلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ، فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ، لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ، وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ، وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا، وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ 60: 10. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاحِدَةُ الْعِصَمِ: عِصْمَةٌ، وَهِيَ الْحَبْلُ وَالسَّبَبُ. قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ: إلَى الْمَرْءِ قَيْسٍ نُطِيلُ السُّرَى ... وَنَأْخُذُ مِنْ كُلِّ حَيٍّ عِصَمِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قصيدة لَهُ. «وَسْئَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ، وَلْيَسْئَلُوا مَا أَنْفَقُوا، ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ، وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ 60: 10» . (عَوْدٌ إلَى جَوَابِ عُرْوَةَ) : قَالَ: فَكَتَبَ إلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ صَالَحَ قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَنْ جَاءَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ، فَلَمَّا هَاجَرَ النِّسَاءُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى الْإِسْلَامِ، أَبَى اللَّهُ أَنْ يُرْدَدْنَ إلَى الْمُشْرِكِينَ إذَا هُنَّ اُمْتُحِنَّ بِمِحْنَةِ الْإِسْلَامِ، فَعَرَفُوا أَنَّهُنَّ إنَّمَا جِئْنَ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ، وَأَمَرَ بِرَدِّ صَدُقَاتِهِنَّ إلَيْهِمْ إنْ احْتَبَسْنَ عَنْهُمْ، إنْ هُمْ رَدُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ صَدَاقَ مَنْ حُبِسُوا عَنْهُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ، ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ، وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّسَاءَ وَرَدَّ الرِّجَالَ، وَسَأَلَ الَّذِي

(سؤال ابن إسحاق الزهري عن آية المهاجرات) :

أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ أَنْ يَسْأَلَ مِنْ صَدُقَاتِ نِسَاءِ مَنْ حُبِسُوا مِنْهُنَّ، وَأَنْ يَرُدُّوا عَلَيْهِمْ مِثْلَ الَّذِي يَرُدُّونَ عَلَيْهِمْ، إنْ هُمْ فَعَلُوا، وَلَوْلَا الَّذِي حَكَمَ اللَّهُ بِهِ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ لَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّسَاءَ كَمَا رَدَّ الرِّجَالَ، وَلَوْلَا الْهُدْنَةُ وَالْعَهْدُ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ لَأَمْسَكَ النِّسَاءَ، وَلَمْ يَرْدُدْ لَهُنَّ صَدَاقًا، وَكَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ بِمَنْ جَاءَهُ مِنْ الْمُسْلِمَاتِ قَبْلَ الْعَهْدِ. (سُؤَالُ ابْنِ إسْحَاقَ الزُّهْرِيَّ عَنْ آيَةِ الْمُهَاجِرَاتِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا: وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ، فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ 60: 11 فَقَالَ: يَقُولُ: إنْ فَاتَ أَحَدًا مِنْكُمْ أَهْلُهُ إلَى الْكُفَّارِ، وَلَمْ تَأْتِكُمْ امْرَأَةٌ تَأْخُذُونَ بِهَا مِثْلَ الَّذِي يَأْخُذُونَ مِنْكُمْ، فَعَوَّضُوهُمْ مِنْ فَيْءٍ إنْ أَصَبْتُمُوهُ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ 60: 10 ... إلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ 60: 10، كَانَ مِمَّنْ طَلَّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قُرَيْبَةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَهُمَا عَلَى شِرْكِهِمَا بِمَكَّةَ، وَأُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ جَرْوَلَ أُمُّ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْخُزَاعِيَّةُ، فَتَزَوَّجَهَا أَبُو جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ، رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، وَهُمَا عَلَى شِرْكِهِمَا. (بُشْرَى فَتْحِ مَكَّةَ وَتَعَجُّلُ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَّ بَعْضَ مَنْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ: أَلَمْ تَقُلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّكَ تَدْخُلُ مَكَّةَ آمِنًا؟ قَالَ: بَلَى، أَفَقُلْتُ لَكُمْ مِنْ عَامِي هَذَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَهُوَ كَمَا قَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. [1]

_ [1] إِلَى هُنَا ينتهى الْجُزْء الْخَامِس عشر من أَجزَاء السِّيرَة.

ذكر المسير إلى خيبر في المحرم سنة سبع

ذِكْرُ الْمَسِيرِ إلَى خَيْبَرَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ (الْخُرُوجُ إِلَى خَيْبَرَ) : قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ [1] : ثُمَّ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ حِينَ رَجَعَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ، ذَا الْحَجَّةِ وَبَعْضَ الْمُحَرَّمِ، وَوَلِيَ تِلْكَ الْحَجَّةَ الْمُشْرِكُونَ، ثُمَّ خَرَجَ فِي بَقِيَّةِ الْمُحَرَّمِ إلَى خَيْبَرَ. (اسْتِعْمَالُ نُمَيْلَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ نُمَيْلَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اللَّيْثَيَّ، وَدَفَعَ الرَّايَةَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَتْ بَيْضَاءَ. (ارْتِجَازُ ابْنِ الْأَكْوَعِ وَدُعَاءُ الرَّسُولِ لَهُ وَاسْتِشْهَادُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ نَصْرِ بْنِ دَهْرٍ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَسِيرِهِ إلَى خَيْبَرَ لِعَامِرِ بْنِ الْأَكْوَعِ، وَهُوَ عَمُّ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ، وَكَانَ اسْم الْأَكْوَع سِنَان: انْزِلْ يَا بن الْأَكْوَع، فَخذ لَنَا مِنْ هَنَاتِكَ [2] ، قَالَ: فَنَزَلَ يَرْتَجِزُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا إنَّا إذَا قَوْمٌ بَغَوْا عَلَيْنَا ... وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الْملك بن هِشَام قَالَ حَدثنَا زِيَاد بن عبد الله البكائي عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق المطلبي قَالَ» . وَإِذا عرفنَا أَن الْجُزْء السَّادِس عشر من أَجزَاء السِّيرَة يبْدَأ بالْكلَام فِي هَذِه الْغَزْوَة لم ننكر على أَكثر الْأُصُول هَذِه الزِّيَادَة الَّتِي تستفتح بهَا كل جُزْء. [2] هناتك، أَي أخبارك وأمورك وأشعارك، وَهِي جمع هنة، ويكنى بهَا عَن كل شَيْء لَا تعرف اسْمه، أَو تعرفه فتكنى عَنهُ. وَأَرَادَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يَحْدُو بهم، وَالْإِبِل تستحث بالحداء، وَلَا يكون الحداء إِلَّا بِشعر أَو رجز.

(دعاء الرسول لما أشرف على خيبر) :

فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا [1] ... وَثَبِّتْ الْأَقْدَامَ إنْ لَاقَيْنَا [2] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَجَبَتْ وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمْتَعْتنَا بِهِ! فَقُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ شَهِيدًا، وَكَانَ قَتَلَهُ، فِيمَا بَلَغَنِي، أَنَّ سَيْفَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُقَاتِلُ، فَكَلَمَهُ كَلْمًا شَدِيدًا، فَمَاتَ مِنْهُ، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ شَكُّوا فِيهِ، وَقَالُوا: إنَّمَا قَتَلَهُ سِلَاحُهُ، حَتَّى سَأَلَ ابْنُ أَخِيهِ سَلَمَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، وَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النَّاسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّهُ لَشَهِيدٌ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ. (دُعَاءُ الرَّسُولِ لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى خَيْبَرَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُعَتِّبِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى خَيْبَرَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ، وَأَنَا فِيهِمْ: قِفُوا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهمّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَمَا أَظْلَلْنَ وَرَبَّ الْأَرَضِينَ وَمَا أَقَلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضَلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا أَذْرَيْنَ فَإِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا، أَقَدِمُوا بِسْمِ اللَّهِ. قَالَ: وَكَانَ يَقُولُهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ لِكُلِّ قَرْيَةٍ دَخَلَهَا. (فِرَارُ أَهْلِ خَيْبَرَ لَمَّا رَأَوْا الرَّسُولَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يُغِرْ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ. فَنَزَلْنَا خَيْبَرَ لَيْلًا، فَبَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إذَا أَصْبَحَ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا، فَرَكِبَ وَرَكِبْنَا مَعَهُ، فَرَكِبْتُ خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ، وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَقْبَلْنَا عُمَّالَ خَيْبَرَ غَادِينَ، قَدْ خَرَجُوا بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ [3] ، فَلَمَّا رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ،

_ [1] السكينَة: الْوَقار والتثبت. [2] ذكر الزرقانى هَذَا الرجز وَهُوَ يخْتَلف عَمَّا هُنَا فِي أَلْفَاظه وَيزِيد عَلَيْهِ. [3] الْمساحِي: جمع مسحاة، وَهِي المجرفة من الْحَدِيد. والمكاتل: جمع مكتل، وَهِي قفة كَبِيرَة.

(منازل الرسول في طريقه إلى خيبر) :

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْجَيْشَ، قَالُوا: مُحَمَّد وَالْخَمِيس [1] مَعَهُ! فَأَدْبَرُوا هُرَّابًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنَا هَارُونَ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ بِمِثْلِهِ. (مَنَازِلُ الرَّسُولِ فِي طَرِيقِهِ إلَى خَيْبَرَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى خَيْبَرَ سَلَكَ عَلَى عَصْرٍ [2] ، فَبَنَى لَهُ فِيهَا مَسْجِدٌ، ثُمَّ عَلَى الصَّهْبَاءِ [3] ، ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَيْشِهِ، حَتَّى نَزَلَ بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ الرَّجِيعُ، فَنَزَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَطَفَانَ، لِيَحُولَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ يُمِدُّوا أَهْلَ خَيْبَرَ، وَكَانُوا لَهُمْ مُظَاهِرِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (غَطَفَانُ وَمُحَاوَلَتُهُمْ مَعُونَةَ خَيْبَرَ ثُمَّ انْخِذَالُهُمْ) : فَبَلَغَنِي أَنَّ غَطَفَانَ لَمَّا سَمِعَتْ بِمَنْزِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ جَمَعُوا لَهُ، ثُمَّ خَرَجُوا لِيُظَاهِرُوا [4] يَهُودَ عَلَيْهِ، حَتَّى إذَا سَارُوا مَنْقَلَةً [5] سَمِعُوا خَلْفَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ حِسًّا، ظَنُّوا أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ خَالَفُوا إلَيْهِمْ، فَرَجَعُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ، فَأَقَامُوا فِي أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَخَلَّوْا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ خَيْبَرَ. (افْتِتَاحُ رَسُولِ اللَّهِ الْحُصُونَ) : وَتَدَنَّى [6] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمْوَالَ يَأْخُذُهَا مَالًا مَالًا، وَيَفْتَتِحُهَا حِصْنًا حِصْنًا، فَكَانَ أَوَّلُ حُصُونِهِمْ اُفْتُتِحَ حِصْنُ نَاعِمٍ، وَعِنْدَهُ قُتِلَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ،

_ [1] الْخَمِيس: الْجَيْش. [2] عصر (بِالْكَسْرِ، ويروى بِالتَّحْرِيكِ، وَالْأول أشهر وَأكْثر) : جبل بَين الْمَدِينَة ووادي الْفَرْع. (عَن مُعْجم الْبلدَانِ) . [3] الصَّهْبَاء: مَوضِع بَينه وَبَين خَبِير رَوْحَة. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . [4] ليظاهروا: ليعاونوا. [5] منقلة: مرحلة. [6] تدنى: أَي أَخذ الْأَدْنَى فالأدنى.

(نهى الرسول يوم خيبر عن أشياء) :

أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ مِنْهُ رحى فَقَتَلَتْهُ، ثُمَّ الْقَمُوصُ، حِصْنُ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ سَبَايَا، مِنْهُنَّ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَكَانَتْ عِنْدَ كِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَبِنْتَيْ عَمٍّ لَهَا، فَاصْطَفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ لِنَفْسِهِ. وَكَانَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ قَدْ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ، فَلَمَّا أَصْفَاهَا لِنَفْسِهِ أَعْطَاهُ ابْنَتَيْ عَمِّهَا، وَفَشَتْ السَّبَايَا مِنْ خَيْبَرَ فِي الْمُسْلِمِينَ. (نَهَى الرَّسُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَشْيَاءَ) : وَأَكَلَ الْمُسْلِمُونَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ مِنْ حُمُرِهَا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَهَى النَّاسَ عَنْ أُمُورٍ سَمَّاهَا لَهُمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ ضَمْرَةَ الْفَزَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلِيطٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَانَا نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، وَالْقُدُورُ تَفُورُ بِهَا، فَكَفَأْنَاهَا عَلَى وُجُوهِهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مَكْحُولٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَاهُمْ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ إتْيَانِ الْحَبَالَى مِنْ السَّبَايَا، وَعَنْ أَكْلِ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَعَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَعَنْ بَيْعِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي سَلَّامُ بْنُ كِرْكِرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ ابْن عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، وَلَمْ يَشْهَدْ جَابِرٌ خَيْبَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَهَى النَّاسَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ، أَذِنَ لَهُمْ فِي أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي مَرْزُوقٍ مَوْلَى تُجِيبَ، عَنْ حَنْشٍ الصَّنْعَانِيِّ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَغْرِبَ، فَافْتَتَحَ قَرْيَةً مِنْ قُرَى الْمَغْرِبِ يُقَالُ لَهَا جِرْبَةٌ [1] ، فَقَامَ فِينَا خَطِيبًا، فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاسُ، إنِّي لَا أَقُولُ فِيكُمْ إلَّا مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ فِينَا يَوْمَ خَيْبَرَ، قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ باللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاؤُهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، يَعْنِي إتْيَانَ الْحَبَالَى مِنْ السَّبَايَا، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئِ

_ [1] جربة (بِالْكَسْرِ) : جَزِيرَة بالمغرب من نَاحيَة قابس. (عَن مُعْجم الْبلدَانِ)

(شأن بنى سهم الأسلميين) :

يُؤْمِنُ باللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُصِيبَ امْرَأَةً مِنْ السَّبْي حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ باللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَبِيعَ مَغْنَمًا حَتَّى يَقْسِمَ، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ باللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَرْكَبَ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَعْجَفَهَا [1] رَدَّهَا فِيهِ، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ باللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ فِيهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، أَنَّهُ حُدِّثَ عَنْ عُبَادَةَ ابْن الصَّامِتِ، قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَنْ نَبِيعَ أَوْ نَبْتَاعَ تِبْرَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ الْعَيْنِ، وَتِبْرَ الْفَضَّةِ بِالْوَرِقِ الْعَيْنِ، وَقَالَ: ابْتَاعُوا تِبْرَ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ الْعَيْنِ، وَتِبْرَ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ الْعَيْنِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَدَنَّى الْحُصُونَ وَالْأَمْوَالَ. (شَأْنُ بَنِي سَهْمِ الْأَسْلَمِيِّينَ) : فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ بَعْضُ أَسْلَمَ: أَنَّ بَنِي سَهْمٍ مِنْ أَسْلَمَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ جَهَدْنَا وَمَا بِأَيْدِينَا مِنْ شَيْءٍ، فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا يُعْطِيهِمْ إيَّاهُ، فَقَالَ: اللَّهمّ إنَّكَ قَدْ عَرَفْتُ حَالَهُمْ وَأَنْ لَيْسَتْ بِهِمْ قُوَّةٌ، وَأَنْ لَيْسَ بِيَدِي شَيْءٌ أُعْطِيهِمْ إيَّاهُ، فَافْتَحْ عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ حُصُونِهَا عَنْهُمْ غَنَاءً، وَأَكْثَرَهَا طَعَامًا وَوَدَكًا، فَغَدَا النَّاسُ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حِصْنَ الصَّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ، وَمَا بِخَيْبَرِ حِصْنٌ كَانَ أَكْثَرَ طَعَامًا وَوَدَكًا مِنْهُ. (مَقْتَلُ مَرْحَبٍ الْيَهُودِيِّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُصُونِهِمْ مَا افْتَتَحَ، وَحَازَ مِنْ الْأَمْوَالِ مَا حَازَ، انْتَهَوْا إلَى حِصْنَيْهِمْ الْوَطِيحِ وَالسُّلَالِمِ، وَكَانَ آخِرَ حُصُونِ أَهْلِ خَيْبَرَ افْتِتَاحًا، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.

_ [1] أعجفها: هزلها وأضعفها.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ شَعَارُ أَصْحَابِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ: يَا مَنْصُورُ، أَمِتْ أَمِتْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ، أَخُو بَنِي حَارِثَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: خَرَجَ مَرْحَبٌ الْيَهُودِيُّ مِنْ حِصْنِهِمْ، قَدْ جَمَعَ سِلَاحَهُ، يَرْتَجِزُ وَهُوَ يَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبْ ... شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبْ [1] أَطْعَنُ أَحْيَانًا وَحِينًا أَضْرِبْ ... إذَا اللُّيُوثُ أَقْبَلَتْ تَحَرَّبْ [2] إنَّ حِمَايَ لِلْحِمَى لَا يُقَرَّبْ [3] وَهُوَ يَقُولُ: مَنْ يُبَارِزُ؟ فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي كَعْبُ ... مُفَرَّجُ الْغَمَّى جَرِيءٌ صُلْبُ [4] إذْ شَبَّتْ الْحَرْبُ تَلَتْهَا الْحَرْبُ ... مَعِي حسام كالعقيق غضب [5] نَطَؤُكُمْ حَتَّى يَذِلَّ الصَّعْبُ ... نُعْطِي الْجَزَاءَ أَوْ يَفِيءَ النَّهْبُ بِكَفِّ مَاضٍ لَيْسَ فِيهِ عَتْبُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي كَعْبُ ... وَأَنَّنِي مَتَى تُشَبُّ الْحَرْبُ مَاضٍ عَلَى الْهَوْلِ جَرِيءٌ صُلْبُ ... مَعِي حُسَامٌ كَالْعَقِيقِ عَضْبُ بِكَفِّ مَاضٍ لَيْسَ فِيهِ عَتْبُ ... نَدُكُّكُمْ حَتَّى يَذِلَّ الصَّعْبُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمَرْحَبٌ مِنْ حِمْيَرَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ لِهَذَا؟ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنَا لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا وَاَللَّهِ الْمَوْتُورُ الثَّائِرُ، قُتِلَ أَخِي بِالْأَمْسِ، فَقَالَ: فَقُمْ إلَيْهِ،

_ [1] شاكي السِّلَاح: حاد السِّلَاح. [2] تحرب: أَي مغضبة. [3] زَادَت (أ) بعد هَذَا الشّطْر: يحجم عَن صولتي المجرب [4] الغمى: الكرب والشدة. [5] شبت الْحَرْب: أثيرت. والعقيق: شُعَاع الْبَرْق، شبه السَّيْف بِهِ.

(مقتل ياسر أخى مرحب) :

اللَّهمّ أَعِنْهُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَلَمَّا دَنَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، دَخَلَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ عُمْرِيَّةٌ [1] مِنْ شَجَرِ الْعُشَرِ [2] ، فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا يَلُوذُ بِهَا مِنْ صَاحِبِهِ، كَلَّمَا لَاذَ بِهَا مِنْهُ اقْتَطَعَ صَاحِبُهُ بِسَيْفِهِ مَا دُونَهُ مِنْهَا، حَتَّى بَرَزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَصَارَتْ بَيْنَهُمَا كَالرَّجُلِ الْقَائِمِ، مَا فِيهَا فَنَنٌ، ثُمَّ حَمَلَ مَرْحَبٌ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَضَرَبَهُ، فَاتَّقَاهُ بِالدَّرَقَةِ، فَوَقَعَ سَيْفُهُ فِيهَا، فَعَضَّتْ بِهِ فَأَمْسَكَتْهُ، وَضَرَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَتَّى قَتَلَهُ. (مَقْتَلُ يَاسِرٍ أَخِي مَرْحَبٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ مَرْحَبٍ أَخُوهُ يَاسِرٌ، وَهُوَ يَقُولُ: مَنْ يُبَارِزُ؟ فَزَعَمَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ خَرَجَ إلَى يَاسِرٍ، فَقَالَتْ أُمُّهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: يَقْتُلُ ابْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: بَلْ ابْنُكَ يَقْتُلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. فَخَرَجَ الزُّبَيْرُ فَالْتَقَيَا، فَقَتَلَهُ الزُّبَيْرُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ إذَا قِيلَ لَهُ: وَاَللَّهِ إنْ كَانَ سَيْفُكَ يَوْمَئِذٍ لَصَارِمًا عَضْبًا، قَالَ: وَاَللَّهِ مَا كَانَ صَارِمًا، وَلَكِنِّي أَكْرَهْتُهُ. (شَأْنُ عَلِيٍّ يَوْمَ خَيْبَرَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ فَرْوَةَ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِرَايَتِهِ، وَكَانَتْ بَيْضَاءَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، إلَى بَعْضِ حُصُونِ خَيْبَرَ، فَقَاتَلَ، فَرَجَعَ وَلَمْ يَكُ فَتْحٌ، وَقَدْ جَهَدَ، ثُمَّ بَعَثَ الْغَدَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَاتَلَ، ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَكُ فَتَحَ، وَقَدْ جَهَدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، لَيْسَ بِفَرَّارٍ. قَالَ: يَقُولُ سَلَمَةُ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَرْمَدُ، فَتَفَلَ فِي عَيْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: خُذْ هَذِهِ الرَّايَةَ، فَامْضِ بِهَا حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ.

_ [1] عمرية. قديمَة. [2] الْعشْر: شجر أملس مستو ضَعِيف الْعود.

(أمر أبى اليسر كعب بن عمرو) :

قَالَ: يَقُولُ سَلَمَةُ: فَخَرَجَ وَاَللَّهِ بِهَا يَأْنِحُ [1] ، يُهَرْوِلُ هَرْوَلَةً، وَإِنَّا لَخَلْفَهُ نَتَّبِعُ أَثَرَهُ، حَتَّى رَكَزَ رَايَتَهُ فِي رَضْمٍ [2] مِنْ حِجَارَةٍ تَحْتَ الْحِصْنِ، فَاطَّلَعَ إلَيْهِ يَهُودِيٌّ مِنْ رَأْسِ الْحِصْنِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ: يَقُولُ الْيَهُودِيُّ: عَلَوْتُمْ، وَمَا أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى، أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَ: فَمَا رَجَعَ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَايَتِهِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ الْحِصْنِ خَرَجَ إلَيْهِ أَهْلُهُ فَقَاتَلَهُمْ، فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ، فَطَاحَ تُرْسُهُ مِنْ يَدِهِ، فَتَنَاوَلَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَابًا كَانَ عِنْدَ الْحِصْنِ فَتَرَّسَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُقَاتِلُ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ حِينَ فَرَغَ، فَلَقَدْ رَأَيْتنِي فِي نَفَرٍ سَبْعَةٍ مَعِي، أَنَا ثَامِنُهُمْ، نَجْهَدُ عَلَى أَنْ نَقْلِبَ ذَلِكَ الْبَابَ، فَمَا نُقَلِّبُهُ. (أَمْرُ أَبِي الْيُسْرِ كَعْبَ بْنَ عَمْرٍو) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي سَلِمَةَ عَنْ أَبِي الْيُسْرِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: وَاَللَّهِ إنَّا لَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرِ ذَاتُ عَشِيَّةٍ، إذْ أَقْبَلَتْ غَنَمٌ لِرَجُلِ مِنْ يَهُودَ تُرِيدُ حِصْنَهُمْ، وَنَحْنُ مُحَاصِرُوهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَجُلٌ يُطْعِمُنَا مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ؟ قَالَ أَبُو الْيُسْرِ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَافْعَلْ، قَالَ: فَخَرَجْتُ أَشْتَدُّ مِثْلَ الظَّلِيمِ [3] ، فَلَمَّا نَظَرَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَلِّيًا قَالَ: اللَّهمّ أَمْتِعْنَا بِهِ، قَالَ: فَأَدْرَكْتُ الْغَنَمَ وَقَدْ دَخَلَتْ أُولَاهَا الْحِصْنَ، فَأَخَذْتُ شَاتَيْنِ مِنْ أُخْرَاهَا، فَاحْتَضَنْتهمَا تَحْتَ يَدَيَّ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ بِهِمَا أَشْتَدُّ، كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعِي شَيْءٌ، حَتَّى أَلْقَيْتهمَا

_ [1] يأنح: أَي بِهِ نفس شَدِيد من الإعياء فِي الْعَدو. قَالَ السهيليّ: «هُوَ من الأنيح، وَهُوَ علو النَّفس» . [2] الرضم: الْحِجَارَة المجتمعة. [3] الظليم: ذكر النعام.

(أمر صفية أم المؤمنين) :

عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَبَحُوهُمَا فَأَكَلُوهُمَا، فَكَانَ أَبُو الْيُسْرِ مِنْ آخِرِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلَاكًا، فَكَانَ إذَا حَدَّثَ هَذَا الْحَدِيثَ بَكَى، ثُمَّ قَالَ: أُمْتِعُوا بِي، لَعَمْرِي، حَتَّى كُنْتُ مِنْ آخِرِهِمْ هُلْكًا. (أَمْرُ صَفِيَّةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَمُوصَ، حِصْنُ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ، أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَبِأُخْرَى مَعَهَا، فَمَرَّ بِهِمَا بِلَالٌ، وَهُوَ الَّذِي جَاءَ بِهِمَا عَلَى قَتْلَى مِنْ قَتْلَى يَهُودَ، فَلَمَّا رَأَتْهُمْ الَّتِي مَعَ صَفِيَّةَ صَاحَتْ، وَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَحَثَّتْ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهَا، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَعْزِبُوا [1] عَنِّي هَذِهِ الشَّيْطَانَةَ، وَأَمَرَ بِصَفِيَّةَ فَحِيزَتْ خَلْفَهُ، وَأَلْقَى عَلَيْهَا رِدَاءَهُ، فَعَرَفَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالِ، فِيمَا بَلَغَنِي، حِينَ رَأَى بِتِلْكَ الْيَهُودِيَّةِ مَا رَأَى: أَنُزِعَتْ مِنْكَ الرَّحْمَةُ يَا بِلَالُ، حِينَ تَمُرُّ بِامْرَأَتَيْنِ عَلَى قَتْلَى رِجَالِهِمَا؟ وَكَانَتْ صَفِيَّةُ قَدْ رَأَتْ فِي الْمَنَامِ وَهِيَ عَرُوسٌ بِكِنَانَةِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، أَنَّ قمرا وَقع فِي حِجْرُهَا، فَعَرَضَتْ رُؤْيَاهَا عَلَى زَوْجِهَا، فَقَالَ: مَا هَذَا إلَّا أَنَّكَ تَمَنَّيْنَ مُلْكَ الْحِجَازِ مُحَمَّدًا، فَلَطَمَ وَجْهَهَا لَطْمَةً خَضَّرَ عَيْنَهَا مِنْهَا. فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهَا أَثَرٌ مِنْهُ، فَسَأَلَهَا مَا هُوَ؟ فَأَخْبَرَتْهُ هَذَا الْخَبَرَ. بَقِيَّةُ أَمْرِ خَيْبَرَ (عُقُوبَةُ كِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ) : وَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ، وَكَانَ عِنْدَهُ كَنْزُ بَنِي النَّضِيرِ، فَسَأَلَهُ عَنْهُ، فَجَحَدَ أَنْ يَكُونَ يَعْرِفُ مَكَانَهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنِّي رَأَيْتُ كِنَانَةَ يُطِيفُ بِهَذِهِ الْخَرِبَةِ كُلَّ غَدَاةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكِنَانَةَ:

_ [1] أعزبوا: أبعدوا.

(مصالحة الرسول أهل خيبر) :

أَرَأَيْتُ إنْ وَجَدْنَاهُ عِنْدَكَ، أَأَقْتُلُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَرِبَةِ فَحُفِرَتْ، فَأَخْرَجَ مِنْهَا بَعْضَ كَنْزِهِمْ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَمَّا بَقِيَ، فَأَبَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، فَقَالَ: عَذِّبْهُ حَتَّى تَسْتَأْصِلَ مَا عِنْدَهُ، فَكَانَ الزُّبَيْرُ يَقْدَحُ بِزَنْدٍ فِي صَدْرِهِ، حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ دَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ بِأَخِيهِ مَحْمُودِ بْنِ مَسْلَمَةَ. (مُصَالَحَةُ الرَّسُولِ أَهْلَ خَيْبَرَ) : وَحَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَهْلَ خَيْبَرَ فِي حِصْنَيْهِمْ الْوَطِيحِ وَالسُّلَالِمِ، حَتَّى إذَا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ، سَأَلُوهُ أَنْ يُسَيِّرَهُمْ [1] وَأَنْ يَحْقِنَ لَهُمْ دِمَاءَهُمْ، فَفَعَلَ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَازَ الْأَمْوَالَ كُلَّهَا: الشَّقَّ وَنَطَاةَ وَالْكَتِيبَةَ وَجَمِيعَ حُصُونِهِمْ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَيْنِكَ الْحِصْنَيْنِ. فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ أَهْلُ فَدَكَ قَدْ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا، بَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يُسَيِّرَهُمْ، وَأَنَّ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ، وَيُخَلُّوا لَهُ الْأَمْوَالَ، فَفَعَلَ. وَكَانَ فِيمَنْ مَشَى بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَخُو بَنِي حَارِثَةَ، فَلَمَّا نَزَلَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَلَى ذَلِكَ، سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَامِلَهُمْ فِي الْأَمْوَالِ عَلَى النِّصْفِ، وَقَالُوا: نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَا مِنْكُمْ، وَأَعْمَرُ لَهَا، فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّصْفِ، عَلَى أَنَّا إذَا شِئْنَا أَنْ نُخْرِجَكُمْ أَخْرَجْنَاكُمْ، فَصَالَحَهُ أَهْلُ فَدَكَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، فَكَانَتْ خَيْبَرُ فَيْئًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَتْ فَدَكُ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْلِبُوا عَلَيْهَا بِخَيْلِ وَلَا رِكَابٍ. (أَمْرُ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ) : فَلَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَتْ لَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ، امْرَأَةُ سَلَّامِ بْنِ مِشْكَمٍ، شَاةً مَصْلِيَّةً [2] ، وَقَدْ سَأَلَتْ أَيَّ عُضْوٍ مِنْ الشَّاةِ أَحَبُّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقِيلَ لَهَا: الذِّرَاعُ، فَأَكْثَرَتْ فِيهَا مِنْ السُّمِّ،

_ [1] يسيرهم: يجليهم. [2] مصلية: مشوية. 22- سيرة ابْن هِشَام- 2

(رجوع الرسول إلى المدينة) :

ثُمَّ سَمَّتْ سَائِرَ الشَّاةِ، ثُمَّ جَاءَتْ بِهَا، فَلَمَّا وَضَعَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَنَاوَلَ الذِّرَاعَ، فَلَاكَ مِنْهَا مُضْغَةً، فَلَمْ يُسِغْهَا، وَمَعَهُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، قَدْ أَخَذَ مِنْهَا كَمَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا بِشْرٌ فَأَسَاغَهَا، وَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَفَظَهَا، ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذَا الْعَظْمَ لَيُخْبِرُنِي أَنَّهُ مَسْمُومٌ، ثُمَّ دَعَا بِهَا، فَاعْتَرَفَتْ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكِ؟ قَالَ: بَلَغْتَ مِنْ قَوْمِي مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ، فَقُلْتُ: إنْ كَانَ مَلِكًا اسْتَرَحْتُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا فَسَيُخْبَرُ، قَالَ: فَتَجَاوَزَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَاتَ بِشْرٌ مِنْ أَكْلَتِهِ الَّتِي أَكَلَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَرْوَانُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، وَدَخَلَتْ أُمُّ بِشْرٍ بِنْتُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ تَعُودُهُ: يَا أُمَّ بِشْرٍ، إنَّ هَذَا الْأَوَانَ وَجَدْتُ فِيهِ [1] انْقِطَاعَ أَبْهَرِي [2] مِنْ الْأَكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ مَعَ أَخِيكَ بِخَيْبَرِ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَيَرَوْنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ شَهِيدًا، مَعَ مَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ النُّبُوَّةِ (رُجُوعُ الرَّسُولِ إلَى الْمَدِينَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ انْصَرَفَ إلَى وَادِي الْقُرَى، فَحَاصَرَ أَهْلَهُ لَيَالِيَ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ. (مَقْتَلُ غُلَامِ رِفَاعَةَ الَّذِي أَهْدَاهُ لِلرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إِسْحَاق: فَحَدثني ثَوْر بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سَالِمٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: فَلَمَّا انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خَيْبَرَ إلَى وَادِي الْقُرَى نَزَلْنَا بِهَا أَصِيلًا مَعَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ، وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامٌ لَهُ [3] ، أَهْدَاهُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْجُذَامِيُّ، ثُمَّ الضَّبِينِيُّ [4] .

_ [1] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ. [2] الْأَبْهَر: عرق إِذا انْقَطع مَاتَ صَاحبه. وهما أبهران يخرجَانِ من الْقلب، ثمَّ يتشعب مِنْهُمَا سَائِر الشرايين. (رَاجع لِسَان الْعَرَب مَادَّة بهر) . [3] اسْم هَذَا الْغُلَام: مدعم، (رَاجع الِاسْتِيعَاب) . [4] كَذَا فِي المشتبه والاستيعاب، فِي إِحْدَى روايتيهما، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «الضبيبى» -

(ابن مغفل وجراب شحم أصابه) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: جُذَامٌ، أَخُو لخم. قَالَ: فو الله إنَّهُ لَيَضَعُ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ [1] فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ، فَقُلْنَا: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَلَّا، وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إنَّ شَمْلَتَهُ [2] الْآنَ لَتَحْتَرِقُ عَلَيْهِ فِي النَّارِ، كَانَ غَلَّهَا [3] مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ خَيْبَرَ. قَالَ: فَسَمِعَهَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَبْتُ شِرَاكَيْنِ لِنَعْلَيْنِ لِي، قَالَ: فَقَالَ: يُقَدُّ [4] لَكَ مِثْلَهُمَا مِنْ النَّارِ. (ابْنُ مُغَفَّلٍ وَجِرَابُ شَحْمٍ أَصَابَهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ، قَالَ: أَصَبْتُ مِنْ فَيْءِ خَيْبَرَ جِرَابَ [5] شَحْمٍ، فَاحْتَمَلْتُهُ عَلَى عَاتِقِي إلَى رَحْلِي وَأَصْحَابِي. قَالَ: فَلَقِيَنِي صَاحِبُ الْمَغَانِمِ الَّذِي جُعِلَ عَلَيْهَا، فَأَخَذَ بِنَاحِيَتِهِ وَقَالَ: هَلُمَّ هَذَا نَقْسِمُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: قُلْتُ: لَا وَاَللَّهِ لَا أُعْطِيكَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يُجَابِذُنِي الْجِرَابَ. قَالَ: فَرَآنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَصْنَعُ ذَلِكَ. قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا، ثُمَّ قَالَ لِصَاحِبِ الْمَغَانِمِ: لَا أَبَا لَكَ، خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ. قَالَ: فَأَرْسَلَهُ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إلَى رَحْلِي وَأَصْحَابِي، فَأَكَلْنَاهُ. (بِنَاءُ الرَّسُولِ بِصَفِيَّةَ وَحِرَاسَةُ أَبِي أَيُّوبَ لِلْقُبَّةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا أَعْرَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَفِيَّةَ، بِخَيْبَرِ أَوْ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، وَكَانَتْ الَّتِي جَمَّلَتْهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَشَّطَتْهَا

_ [ () ] وَفِي أ: «الضببى» . وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الضبيّ» . قَالَ الذَّهَبِيّ: «وبمعجمة ثمَّ مُوَحدَة الضبينى نِسْبَة إِلَى ضبينة بطن من جذام مِنْهُم رِفَاعَة بن زيد الصبينى. وَقَالَ بعض الْمُحدثين الضببنى من الضبيب ابْن جذام، لَهُ صُحْبَة» وَعرض لَهُ ابْن عبد الْبر بِمَا لَا يخرج عَن هَذَا. [1] سهم غرب: هُوَ الّذي لَا يعلم من رَمَاه أَو من أَيْن أَتَاهُ. [2] قَالَ أَبُو ذَر: الشملة: كسَاء غليظ يلتحف بِهِ. [3] غلها: اختانها من الْمغنم. [4] يقد: يقطع (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول فيهمَا) . [5] الجراب: المذود.

(تطوع بلال للحراسة وغلبة النوم عليه) :

وَأَصْلَحَتْ مِنْ أَمْرِهَا [1] أُمُّ سُلَيْمٍ [2] بِنْتُ مِلْحَانَ، أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. فَبَاتَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُبَّةٍ لَهُ، وَبَاتَ أَبُو أَيُّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ، أَخُو بَنِي النَّجَّارِ مُتَوَشِّحًا سَيْفَهُ، يَحْرَسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُطِيفُ بِالْقُبَّةِ، حَتَّى أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَى مَكَانَهُ قَالَ: مَالك يَا أَبَا أَيُّوبَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، خِفْتُ عَلَيْكَ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَكَانَتْ امْرَأَةً قَدْ قَتَلْتَ أَبَاهَا وَزَوْجَهَا وَقَوْمَهَا، وَكَانَتْ حَدِيثَةَ عَهْدٍ بِكُفْرٍ، فَخِفْتهَا عَلَيْكَ. فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: اللَّهمّ احْفَظْ أَبَا أَيُّوبَ كَمَا بَاتَ يَحْفَظُنِي. (تَطَوُّعُ بِلَالٍ لِلْحِرَاسَةِ وَغَلَبَةُ النُّوُمُ عَلَيْهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: لَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ، فَكَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قَالَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ: مَنْ رَجُلٌ يَحْفَظُ عَلَيْنَا الْفَجْرَ لَعَلَّنَا نَنَامُ؟ قَالَ بِلَالٌ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْفَظُهُ عَلَيْكَ. فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَزَلَ النَّاسُ فَنَامُوا، وَقَامَ بِلَالٌ يُصَلِّي، فَصَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُصَلِّيَ. ثُمَّ اسْتَنَدَ إلَى بَعِيرِهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْفَجْرَ يَرْمُقُهُ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ، فَنَامَ، فَلَمْ يُوقِظْهُمْ إلَّا مَسُّ الشَّمْسِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ أَصْحَابِهِ هَبَّ، فَقَالَ: مَاذَا صَنَعْتَ بِنَا يَا بِلَالُ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ، قَالَ: صَدَقْتُ، ثُمَّ اقْتَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرَهُ [3] غَيْرَ كَثِيرٍ، ثُمَّ أَنَاخَ فَتَوَضَّأَ، وَتَوَضَّأَ النَّاسُ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «إذَا نَسِيتُمْ الصَّلَاةَ فَصَلُّوهَا إذَا ذَكَرْتُمُوهَا، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي 20: 14. (شِعْرُ ابْنِ لُقَيْمٍ فِي فَتْحِ خَيْبَرَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا بَلَغَنِي، قَدْ أَعْطَى

_ [1] فِي أ «شَأْنهَا» . [2] اخْتلف فِي اسْمهَا، فَقيل سهلة، ورميلة، ورميثة، ومليكة، والفيصاء، والرميصاء. (رَاجع الِاسْتِيعَاب) . [3] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ.

ابْنَ لُقَيْمٍ الْعَبْسِيَّ، حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، مَا بِهَا مِنْ دَجَاجَةٍ أَوْ دَاجِنٍ [1] ، وَكَانَ فَتْحُ خَيْبَرَ فِي صَفَرٍ، فَقَالَ ابْنُ لُقَيْمٍ الْعَبْسِيُّ [2] فِي خَيْبَرَ: رُمِيَتْ نَطَاةٌ مِنْ الرَّسُولِ بِفَيْلَقٍ ... شَهْبَاءَ ذَاتِ مَنَاكِبَ وَفَقَارِ [3] وَاسْتَيْقَنَتْ بِالذُّلِّ لَمَا شُيِّعَتْ ... وَرِجَالُ أَسْلَمَ وَسْطَهَا وَغِفَارِ [4] صَبَّحَتْ بَنِي عَمْرِو بْنِ زُرْعَةَ غُدْوَةً ... وَالشَّقُّ أَظْلَمَ أَهْلُهُ بِنَهَارِ [5] جَرَّتْ بِأَبْطَحِهَا [6] الذُّيُولُ [7] فَلَمْ تَدَعْ ... إلَّا الدَّجَاجَ تَصِيحُ فِي الْأَسْحَارِ [8] وَلِكُلِّ حِصْنٍ شَاغِلٌ مِنْ خَيْلِهِمْ ... مِنْ عَبْدِ أَشْهَلَ أَوْ بَنِي النَّجَّارِ [9] وَمُهَاجِرِينَ قَدْ اعْلَمُوا سِيمَاهُمْ ... فَوْقَ المغافر لم ينْو الْفِرَار [10] وَلَقَدْ عَلِمْتُ لَيَغْلِبَنَّ مُحَمَّدٌ ... وَلَيَثْوِيَنَّ بِهَا إلَى أَصْفَارِ [11] فَرَّتْ [12] يَهُودٌ يَوْمَ ذَلِكَ فِي الْوَغَى ... تَحْتَ الْعَجَاجِ غَمَائِمَ [13] الْأَبْصَارِ

_ [1] الدَّاجِن: كل مَا ألف النَّاس فِي بُيُوتهم، كالشاة الَّتِي تعلف وَالْحمام. [2] قَالَ أَبُو ذَر: «كَانَ ابْن لقيم العبسيّ يعرف بلقيم الدَّجَاج» . [3] نطاة: حصن بِخَيْبَر، وَقيل عين بهَا. وَالْفَيْلَق: الكتيبة. والشهباء: الْكَثِيرَة السِّلَاح تلمع فِيهَا السيوف والأسنة وَذَات مناكب وفقار: أَي شَدِيدَة. [4] شيعت: فرقت. وَأسلم وغفار: قبيلتان. [5] الشق (بِالْفَتْح وبالكسر) : من حصون خَيْبَر. وَيُرِيد «بإظلام أَهله» : مَا أَصَابَهُم من شدَّة وَسُوء حَال. [6] الأبطح: الْمَكَان السهل. [7] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الذيول» . [8] فِي أ: «بالأشجار» . [9] عبد أشهل وَبَنُو النجار: من الْأَنْصَار. [10] المغافر: مَا يكون على الرَّأْس وقاية لَهَا فِي الْحَرْب، الْوَاحِد: مغفر. [11] ليثوين: ليقيمن. وأصفار: جمع صفر، وَهُوَ الشَّهْر الْمَعْرُوف. [12] الوغى: الْحَرْب. والعجاج: الْغُبَار. [13] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. قَالَ أَبُو ذَر: «الغمائم، بالغين الْمُعْجَمَة، جفون الْعين. قَالَ ابْن سراج: وَيصِح أَن تكون عمائم، بِالْعينِ الْمُهْملَة: جمع عِمَامَة، وَتَكون الْأَنْصَار بالنُّون» . وبهذه الرِّوَايَة وَردت فِي أ. وَقَالَ السهيليّ: «وَهُوَ بَيت مُشكل، غير أَن فِي بعض النّسخ، وَهِي قَليلَة، عَن ابْن هِشَام، أَنه قَالَ: فرت: فتحت، من قَوْلك: فرت الدَّابَّة، إِذا فتحت فاها، وغمائم الْأَبْصَار، هِيَ مفعول فرت وَهِي جفون أَعينهم. هَذَا قَول. وَقد يَصح أَن يكون فرت من الْفِرَار، وغمائم الْأَبْصَار، من صفة العجاج

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

(تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَرَّتْ: كَشَفَتْ، كَمَا تُفَرُّ الدَّابَّةُ بِالْكَشَفِ عَنْ أَسْنَانِهَا، يُرِيدُ كَشَفَتْ عَنْ جُفُونِ الْعُيُونِ غَمَائِمَ الْأَبْصَارِ، يُرِيدُ الْأَنْصَارَ [1] . (شُهُودُ النِّسَاءِ خَيْبَرَ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ الْغِفَارِيَّةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَشَهِدَ خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَرَضَخَ لَهُنَّ [2] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْفَيْءِ، وَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ بِسَهْمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ، عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، قَدْ سَمَّاهَا لِي، قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ مَعَكَ إلَى وَجْهِكَ هَذَا، وَهُوَ يَسِيرُ إلَى خَيْبَرَ، فَنُدَاوِي الْجَرْحَى، وَنُعِينُ الْمُسْلِمِينَ بِمَا اسْتَطَعْنَا، فَقَالَ: عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ. قَالَتْ: فَخَرَجْنَا مَعَهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدَثَةً، فَأَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَقِيبَةِ رَحْله. قَالَت: فو الله لَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الصُّبْحِ وَأَنَاخَ، وَنَزَلْتُ عَنْ حَقِيبَةِ رَحْلِهِ، وَإِذَا بِهَا دَمٌ مِنِّي، وَكَانَتْ أَوَّلَ حَيْضَةٍ حِضْتَهَا، قَالَتْ: فَتَقَبَّضْتُ إلَى النَّاقَةِ وَاسْتَحْيَيْتُ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بِي وَرَأَى الدَّم، قَالَ: مَالك؟ لَعَلَّكَ نُفِسْتُ [3] ، قَالَتْ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَصْلِحِي مِنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ خُذِي إنَاءً مِنْ مَاءٍ، فَاطْرَحِي فِيهِ مِلْحًا، ثُمَّ اغْسِلِي بِهِ مَا أَصَابَ الْحَقِيبَةَ مِنْ الدَّمِ، ثُمَّ عُودِي لِمَرْكَبِكَ. قَالَتْ: فَلَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، رَضَخَ لَنَا مِنْ الْفَيْءِ،

_ [ (-) ] وَهُوَ الْغُبَار ونصبه على الْحَال من العجاج وَإِن كَانَ لَفظه لفظ الْمعرفَة فَهُوَ نكرَة، لِأَنَّهُ لم يرد الغمائم حَقِيقَة، وَإِنَّمَا أَرَادَ مثل الغمائم، فَهُوَ مثل قَول امْرِئ الْقَيْس: « بمنجرد قيد الأوابد هيكل » . [1] كَذَا وَردت هَذِه الْعبارَة فِي أَكثر الْأُصُول. وَهِي فِي أكما يأتى: «قَالَ ابْن هِشَام فرت، يُرِيد كشفت الجفون عَن الْعين، كَمَا تَفِر الدَّابَّة بالكشف عَن أسنانها» . [2] رضخ لَهُنَّ: أعطاهن عَطاء يَسِيرا، لم يصل إِلَى نصيب السهْم. [3] نفست: حِضْت.

(شهداء خيبر من بنى أمية) :

وَأَخَذَ هَذِهِ الْقِلَادَةَ الَّتِي تَرَيْنَ فِي عُنُقِي فَأَعْطَانِيهَا، وَعَلَّقَهَا بِيَدِهِ فِي عنقِي، فو الله لَا تُفَارِقُنِي أَبَدًا. قَالَتْ: فَكَانَتْ فِي عُنُقِهَا حَتَّى مَاتَتْ، ثُمَّ أَوْصَتْ أَنْ تُدْفَنَ مَعَهَا. قَالَتْ: وَكَانَتْ لَا تَطَهَّرَ مِنْ حَيْضَةٍ إلَّا جَعَلَتْ فِي طَهُورِهَا مِلْحًا، وَأَوْصَتْ بِهِ أَنْ يُجْعَلَ فِي غُسْلِهَا حِينَ مَاتَتْ. (شُهَدَاءُ خَيْبَرَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ بِخَيْبَرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، ثُمَّ مِنْ حَلْفَائِهِمْ: رَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ بْنِ سَخْبَرَةَ [1] بْنِ عَمْرِو بْنِ بُكَيْرِ [2] بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ، وَثَقِيفُ بْنُ عَمْرٍو، وَرِفَاعَةُ ابْن مَسْرُوحٍ. (مِنْ بَنِي أَسَدٍ) : وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْهُبَيْبِ، وَيُقَالُ: ابْنُ الْهَبِيبِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، ابْنُ أُهَيْبِ بْنِ سُحَيْمِ بْنِ غِيرَةَ، مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ، حَلِيفٌ لِبَنِي أَسَدٍ، وَابْنُ أُخْتِهِمْ. (مِنَ الْأَنْصَارِ) : وَمِنْ الْأَنْصَارِ ثُمَّ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، مَاتَ مِنْ الشَّاةِ الَّتِي سُمَّ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَفُضَيْلُ بْنُ النُّعْمَانِ. رَجُلَانِ. (مِنْ زُرَيْقٍ) : وَمِنْ بَنِي زُرَيْقٍ: مَسْعُودُ بْنُ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ. (مِنَ الْأَوْسِ) : وَمِنْ الْأَوْسِ ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ: مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ.

_ [1] كَذَا فِي أوالاستيعاب. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «صخبرة» . [2] كَذَا فِي الِاسْتِيعَاب. وَفِي الْأُصُول: «لكيز» .

(من بنى عمرو) :

(مِنْ بَنِي عَمْرٍو) : وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: أَبُو ضَيَّاحِ [1] بْنُ ثَابِتِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ [2] امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ مُرَّةَ ابْن سُرَاقَةَ، وَأَوْسُ بْنُ الْقَائِدِ، وَأُنَيْفُ بْنُ حَبِيبٍ، وَثَابِتُ بْنُ أَثَلَةَ، وَطَلْحَةُ [3] . (مِنْ غِفَارٍ) : وَمِنْ بَنِي غِفَارٍ: عِمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ، رُمِيَ بِسَهْمِ. (مِنْ أَسْلَمَ) : وَمِنْ أَسْلَمَ: عَامِرُ بْنُ الْأَكْوَعِ، وَالْأَسْوَدُ الرَّاعِي، وَكَانَ اسْمُهُ أَسْلَمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَسْوَدُ الرَّاعِي مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ. (مِنْ بَنِي زُهْرَةَ) : وَمِمَّنْ اُسْتُشْهِدَ بِخَيْبَرِ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، مِنْ بَنِي زُهْرَةُ: مَسْعُودُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْقَارَةِ. (مِنَ الْأَنْصَارِ) : وَمِنْ الْأَنْصَارِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: أَوْسُ بْنُ قَتَادَةَ. أَمْرُ الْأَسْوَدِ الرَّاعِي فِي حَدِيثِ خَيْبَرَ (إِسْلَامُهُ وَاسْتِشْهَادُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ الْأَسْوَدِ الرَّاعِي، فِيمَا بَلَغَنِي: أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ لِبَعْضِ حُصُونِ خَيْبَرَ، وَمَعَهُ غَنَمٌ لَهُ، كَانَ فِيهَا أَجِيرًا لِرَجُلِ مِنْ يَهُودَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اعْرِضْ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ، فَعَرَّضَهُ عَلَيْهِ، فَأَسْلَمَ- وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْقِرُ أَحَدًا أَنْ يَدْعُوَهُ إلَى الْإِسْلَامِ، وَيَعْرِضَهُ عَلَيْهِ- فَلَمَّا أَسْلَمَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي كُنْتُ أَجِيرًا لِصَاحِبِ

_ [1] فِي الطَّبَرِيّ: «أَبُو ضياح النُّعْمَان بن ثَابت بن النُّعْمَان بن أُميَّة بن البرك» . [2] اسْمه النُّعْمَان، وَقيل عُمَيْر. (رَاجع الِاسْتِيعَاب) . [3] هُوَ طَلْحَة بن يحيى بن مليل بن ضَمرَة. (رَاجع شرح السِّيرَة) .

أمر الحجاج بن علاط السلمي

هَذِهِ الْغَنَمِ، وَهِيَ أَمَانَةٌ عِنْدِي، فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: اضْرِبْ فِي وُجُوهِهَا، فَإِنَّهَا سَتَرْجِعُ إلَى رَبِّهَا- أَوْ كَمَا قَالَ- فَقَالَ الْأَسْوَدُ، فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ الْحَصَى [1] ، فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِهَا، وَقَالَ: ارْجِعِي إِلَى صَاحبك، فو الله لَا أَصْحَبُكَ أَبَدًا، فَخَرَجَتْ مُجْتَمَعَةً، كَأَنَّ سَائِقًا يَسُوقُهَا، حَتَّى دَخَلَتْ الْحِصْنَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ إلَى ذَلِكَ الْحِصْنِ لِيُقَاتِلَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَصَابَهُ حَجَرٌ فَقَتَلَهُ، وَمَا صَلَّى للَّه صَلَاةً قَطُّ، فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوُضِعَ خَلْفَهُ، وَسُجِّيَ بِشَمْلَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ أَعَرَضَ عَنْهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ أَعَرَضْتُ عَنْهُ؟ قَالَ: إنَّ مَعَهُ الْآنَ زَوْجَتَيْهِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ: أَنَّ الشَّهِيدَ إذَا مَا أُصِيبَ تَدَلَّتْ (لَهُ) [2] زَوْجَتَاهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ، عَلَيْهِ تَنْفُضَانِ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ، وَتَقُولَانِ: تَرَّبَ اللَّهُ وَجْهَ مَنْ تَرَّبَكَ، وَقَتَلَ مَنْ قَتَلَكَ. أَمْرُ الْحَجَّاجِ بْنِ عِلَاطٍ السُّلَمِيِّ (حِيلَتُهُ فِي جَمْعِ مَالِهِ مِنْ مَكَّةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ، كَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الْبَهْزِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ لِي بِمَكَّةَ مَالًا عِنْدَ صَاحِبَتِي أُمِّ شَيْبَةَ بِنْتِ أَبِي طَلْحَةَ- وَكَانَتْ عِنْدَهُ، لَهُ مِنْهَا مُعْرِضُ بْنِ الْحَجَّاجِ وَمَالٌ مُتَفَرِّقٌ فِي تُجَّارِ أَهْلِ مَكَّةَ، فَأْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَذِنَ لَهُ، قَالَ: إنَّهُ لَا بُدَّ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَنْ أَقُولَ، قَالَ: قُلْ. قَالَ الْحَجَّاجُ: فَخَرَجْتُ حَتَّى إذَا قَدِمْت مَكَّةَ وَجَدْتُ بِثَنِيَّةِ الْبَيْضَاءِ [3] رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ يَتَسَمَّعُونَ الْأَخْبَارَ، وَيَسْأَلُونَ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ بَلَغَهُمْ أَنَّهُ قَدْ سَارَ إلَى خَيْبَرَ، وَقَدْ عَرَفُوا أَنَّهَا قَرْيَةُ الْحِجَازِ، رِيفًا وَمَنَعَةً وَرِجَالًا، فَهُمْ يَتَحَسَّسُونَ الْأَخْبَارَ، وَيَسْأَلُونَ

_ [1] فِي أ: «الْحَصْبَاء» . [2] زِيَادَة عَن (أ) . [3] قَالَ ياقوت: «والبيضاء: ثنية التَّنْعِيم بِمَكَّة، لَهَا ذكر فِي كتاب السِّيرَة» .

(العباس يستوثق من خبر الحجاج ويفاجئ قريشا) :

الرُّكْبَانَ، فَلَمَّا رَأَوْنِي قَالُوا: الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ- قَالَ: وَلَمْ يَكُونُوا عَلِمُوا بِإِسْلَامِي عِنْدَهُ وَاَللَّهِ الْخَبَرُ- أَخْبِرْنَا يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغْنَا أَنَّ الْقَاطِعَ قَدْ سَارَ إلَى خَيْبَرَ، وَهِيَ بَلَدُ يَهُودُ وَرِيفُ الْحِجَازِ، قَالَ: قُلْتُ: قَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ وَعِنْدِي مِنْ الْخَبَرِ مَا يَسُرُّكُمْ، قَالَ: فَالْتَبَطُوا بِجَنْبَيْ نَاقَتِي [1] يَقُولُونَ: إيهِ يَا حَجَّاجُ، قَالَ: قُلْتُ: هُزِمَ هَزِيمَةً لَمْ تَسْمَعُوا بِمِثْلِهَا قَطُّ، وَقُتِلَ أَصْحَابُهُ قَتْلًا لَمْ تَسْمَعُوا بِمِثْلِهِ قَطُّ، وَأُسِرَ مُحَمَّدٌ أَسْرًا، وَقَالُوا: لَا نَقْتُلُهُ حَتَّى نَبْعَثَ بِهِ إلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَيَقْتُلُوهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ بِمَنْ كَانَ أَصَابَ مِنْ رِجَالِهِمْ. قَالَ: فَقَامُوا وَصَاحُوا بِمَكَّةَ، وَقَالُوا: قَدْ جَاءَكُمْ الْخَبَرُ، وَهَذَا مُحَمَّدُ إنَّمَا تَنْتَظِرُونَ أَنْ يُقْدَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ، فَيُقْتَلُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ. قَالَ: قُلْتُ: أَعِينُونِي عَلَى جَمْعِ مَالِي بِمَكَّةَ وَعَلَى غُرَمَائِي، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَقْدَمَ خَيْبَرَ، فَأُصِيبُ مِنْ فَلِّ [2] مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَنِي التُّجَّارُ إِلَى مَا لَك. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: مِنْ فَيْءِ مُحَمَّدٍ. (الْعَبَّاسُ يَسْتَوْثِقُ مِنْ خَبَرِ الْحَجَّاجِ وَيُفَاجِئُ قُرَيْشًا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ: فَقَامُوا فَجَمَعُوا لِي مَالِي كَأَحَثَّ [3] جَمْعٍ سَمِعْتُ بِهِ. قَالَ: وَجِئْتُ صَاحِبَتِي فَقُلْتُ: مَالِي، وَقَدْ كَانَ لِي عِنْدَهَا مَالٌ مَوْضُوعٌ، لَعَلِّي أَلْحَقُ بِخَيْبَرِ، فَأُصِيبَ مِنْ فُرَصِ الْبَيْعِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَنِي التُّجَّارُ، قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ الْعَبَّاسُ ابْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْخَبَرَ، وَجَاءَهُ عَنِّي، أَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ إلَى جَنْبِي وَأَنَا فِي خَيْمَةٍ مِنْ خِيَامِ التُّجَّارِ، فَقَالَ: يَا حَجَّاجُ، مَا هَذَا الْخَبَرُ [4] الَّذِي جِئْتُ بِهِ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: وَهَلْ عِنْدَكَ حِفْظٌ لِمَا وَضَعْتُ عِنْدَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: فَاسْتَأْخِرْ عَنِّي حَتَّى أَلْقَاكَ عَلَى خَلَاءٍ، فَإِنِّي فِي جَمْعِ مَالِي كَمَا تَرَى، فَانْصَرِفْ عَنِّي حَتَّى أَفَرُغَ. قَالَ: حَتَّى إذَا فَرَغْتُ مِنْ جَمْعِ كُلِّ شَيْءٍ كَانَ لِي بِمَكَّةَ، وَأَجْمَعْتُ الْخُرُوجَ، لَقِيتُ الْعَبَّاسَ، فَقُلْتُ: احْفَظْ عَلَيَّ حَدِيثِي يَا أَبَا الْفَضْلِ، فَإِنِّي أَخْشَى الطَّلَبَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قُلْ مَا شِئْتُ،

_ [1] التبطوا بِجنب نَاقَتي: مَشوا إِلَى جنبها ملازمين لَهَا، مطيفين بهَا، كمشى العرجان، لازدحامهم حولهَا [2] الفل: الْقَوْم المنهزمون. [3] كأحث: كأسرع. [4] هَذِه الْكَلِمَة «الْخَبَر» سَاقِطَة فِي أ.

(شعر حسان في يوم خيبر) :

قَالَ: أَفْعَلُ، قُلْتُ: فَإِنِّي وَاَللَّهِ لَقَدْ تَرَكْتُ ابْنَ أَخِيكَ عَرُوسًا عَلَى بِنْتِ مَلِكِهِمْ، يَعْنِي صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، وَلَقَدْ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، وَانْتَثَلَ [1] مَا فِيهَا، وَصَارَتْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا حَجَّاجُ؟ قَالَ: قُلْتُ: إِي وَاَللَّهِ، فَاكْتُمْ عَنِّي، وَلَقَدْ أَسْلَمْتُ وَمَا جِئْتُ إلَّا لِآخُذَ مَالِي، فَرَقًا مِنْ أَنْ أُغْلَبَ عَلَيْهِ، فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثٌ فَأَظْهِرْ أَمْرَكَ، فَهُوَ وَاَللَّهِ عَلَى مَا تُحِبُّ، قَالَ: حَتَّى إذَا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ لَبِسَ الْعَبَّاسُ حُلَّةً لَهُ، وَتَخَلَّقَ [2] ، وَأَخَذَ عَصَاهُ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى الْكَعْبَةَ، فَطَافَ بِهَا، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: يَا أَبَا الْفَضْلِ، هَذَا وَاَللَّهِ التَّجَلُّدُ لِحَرِّ الْمُصِيبَةِ، قَالَ: كَلَّا، وَاَللَّهِ الَّذِي حَلَفْتُمْ بِهِ، لَقَدْ افْتَتَحَ مُحَمَّدٌ خَيْبَرَ وَتُرِكَ عَرُوسًا عَلَى بِنْتِ مَلِكِهِمْ، وَأَحْرَزَ أَمْوَالَهُمْ وَمَا فِيهَا فَأَصْبَحَتْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ، قَالُوا: مَنْ جَاءَكَ بِهَذَا الْخَبَرِ؟ قَالَ: الَّذِي جَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ، وَلَقَدْ دَخَلَ عَلَيْكُمْ مُسْلِمًا، فَأَخَذَ مَالَهُ، فَانْطَلَقَ لِيَلْحَقَ بِمُحَمِّدِ وَأَصْحَابِهِ، فَيَكُونُ مَعَهُ، قَالُوا: يَا لِعِبَادِ اللَّهِ! انْفَلَتَ عَدُوُّ اللَّهِ، أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ عَلِمْنَا لَكَانَ لَنَا وَلَهُ شَأْنٌ، قَالَ: وَلَمْ يَنْشَبُوا [3] أَنْ جَاءَهُمْ الْخَبَرُ بِذَلِكَ. (شِعْرُ حَسَّانَ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمَّا قِيلَ مِنْ الشِّعْرِ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ قَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: بِئْسَمَا قَاتَلَتْ خَيَابِرُ عَمَّا ... جَمَعُوا مِنْ مَزَارِعَ وَنَخِيلِ [4] كَرِهُوا الْمَوْتَ فَاسْتُبِيحَ حِمَاهُمْ ... وَأَقَرُّوا فِعْلَ اللَّئِيمِ الذَّلِيلِ أَمِنْ الْمَوْتِ يهربون فإنّ ... الْمَوْت مَوْتَ الْهُزَالِ غَيْرُ جَمِيلِ (شِعْرُ حَسَّانَ فِي عُذْرِ أَيْمَنَ لِتَخَلُّفِهِ عَنْ خَيْبَرَ) : وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا، وَهُوَ يَعْذِرُ أَيْمَنَ بْنِ أُمِّ أَيْمَنَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَكَانَ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ خَيْبَرَ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أُمَّ أَيْمَنَ مَوْلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ أُمُّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَكَانَ أَخَا أُسَامَةَ لِأُمِّهِ:

_ [1] انتثل: استخرج. [2] تخلق: تطيب بالخلوق، وَهُوَ ضرب من الطّيب. [3] لم يَنْشَبُوا: لم يَلْبَثُوا غير قَلِيل. [4] خيابر: جمع خَيْبَر، وَيُرِيد أهل خَيْبَر.

(شعر ناجية في يوم خيبر) :

عَلَى حِينِ أَنْ قَالَتْ لِأَيْمَنَ أُمُّهُ ... جَبُنْتَ وَلَمْ تَشْهَدْ فَوَارِسَ خَيْبَرٍ وَأَيْمَنُ لَمْ يَجْبُنْ وَلَكِنَّ مُهْرَهُ ... أَضَرَّ بِهِ شُرْبُ الْمَدِيدِ الْمُخَمَّرِ [1] وَلَوْلَا الَّذِي قَدْ كَانَ مِنْ شَأْنِ مُهْرِهِ ... لَقَاتَلَ فِيهِمْ فَارِسًا غَيْرَ أَعْسَرَ [2] وَلَكِنَّهُ قَدْ صَدَّهُ فِعْلُ مُهْرِهِ ... وَمَا كَانَ مِنْهُ عِنْدَهُ غَيْرَ أَيْسَرَ [3] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَنْشَدَنِي: وَلَكِنَّهُ قَدْ صَدَّهُ شَأْنُ مُهْرِهِ ... وَمَا كَانَ لَوْلَا ذَاكُمْ بِمُقَصِّرِ (شِعْرُ نَاجِيَةَ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيُّ: يَا لِعِبَادِ للَّه فِيمَ يُرْغَبُ ... مَا هُوَ إلَّا مَأْكَلٌ وَمَشْرَبُ وَجَنَّةٌ فِيهَا نَعِيمٌ مُعْجِبُ وَقَالَ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيُّ أَيْضًا: أَنَا لِمَنْ أَنْكَرَنِي ابْنُ جُنْدُبِ ... يَا رُبَّ قِرْنٍ فِي مَكَرِّي أَنْكَبِ [4] طَاحَ بِمَغْدَى أَنْسُرٍ وَثَعْلَبِ [5] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ الرُّوَاةِ لِلشِّعْرِ قَوْلَهُ: «فِي مكرّى» ، و «طاح بِمَغْدَى» . (شِعْرُ كَعْبٍ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ) : وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ:

_ [1] المديد (بدالين) ، قَالَ أَبُو ذَر «هُوَ الدَّقِيق يخلط مَعَ المَاء، فتشربه الْخَيل. والمخمر: الّذي ترك حَتَّى يختمر» . قَالَ السهيليّ: «ألفيت فِي حَاشِيَة الشَّيْخ عَن ابْن دُرَيْد: المريد، برَاء، والمريس أَيْضا، وَهُوَ تمر ينقع ثمَّ يمرس» . [2] الأعسر: الّذي يعْمل بالشمال، وَلَا يعْمل بِالْيَمِينِ. [3] صده: مَنعه. والأيسر، قَالَ أَبُو ذَر: هُوَ «الْفرس الْمَصْنُوع المنظور إِلَيْهِ» ، أَي الّذي يعْنى بِهِ صَاحبه، وَيحسن الْقيام عَلَيْهِ. [4] الْقرن: الّذي يُقَاوم فِي قتال أَو شدَّة. وَالْمَكْر: الْموضع الّذي تكر فِيهِ الْخَيل فِي الْحَرْب. والأنكب المائل إِلَى جِهَة. [5] طاح: ذهب وَهلك. ومغدى: بِالدَّال، من الغدو، أَو بِالذَّالِ، الْمُعْجَمَة من الْغذَاء. وأنسر. جمع نسر، وَهُوَ الطَّائِر الْمَعْرُوف، وَكَانَ من حَقه أَن يَقُول وثعالب، فَوضع الْوَاحِد مَوضِع الْجمع.

ذكر مقاسم خيبر وأموالها

وَنَحْنُ وَرَدْنَا خَيْبَرًا وَفُرُوضَهُ ... بِكُلِّ فَتًى عَارِي الْأَشَاجِعِ مِذْوَدِ [1] جَوَادٍ لَدَى الغايات لاواهن الْقُوَى ... جَرِيءٍ عَلَى الْأَعْدَاءِ فِي كُلِّ مَشْهَدِ [2] عَظِيمِ رَمَادِ الْقِدْرِ فِي كُلِّ شَتْوَةٍ ... ضَرُوبٍ بِنَصْلِ الْمَشْرَفِيِّ الْمُهَنَّدِ [3] يَرَى الْقَتْلَ مَدْحًا إنْ أَصَابَ شَهَادَةً ... مِنْ اللَّهِ يَرْجُوهَا وَفَوْزًا بِأَحْمَدِ يَذُودُ وَيَحْمِي عَنْ ذِمَارِ مُحَمَّدٍ ... وَيَدْفَعُ عَنْهُ بِاللِّسَانِ وَبِالْيَدِ [4] وَيَنْصُرُهُ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ يَرِيبُهُ ... يَجُودُ بِنَفْسٍ دُونَ نَفْسِ مُحَمَّدٍ يُصَدِّقُ بِالْأَنْبَاءِ بِالْغَيْبِ مُخْلِصًا ... يُرِيدُ بِذَاكَ الْفَوْزَ وَالْعِزَّ فِي غَدٍ ذِكْرُ مَقَاسِمِ خَيْبَرَ وَأَمْوَالِهَا (الشِّقُّ وَنَطَاةُ وَالْكَتِيبَةُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ الْمَقَاسِمُ عَلَى أَمْوَالِ خَيْبَرَ، عَلَى الشِّقِّ وَنَطَاةَ وَالْكَتِيبَةِ فَكَانَتْ الشِّقُّ وَنَطَاةُ فِي سُهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَتْ الْكَتِيبَةُ خُمُسَ اللَّهِ، وَسَهْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ، وَطُعْمَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَطُعْمَ رِجَالٍ مَشَوْا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَهْلِ فَدَكَ بِالصُّلْحِ، مِنْهُمْ مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا [5] مِنْ شَعِيرٍ، وَثَلَاثِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ، وَقُسِمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، مَنْ شَهِدَ خَيْبَرَ، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَلَمْ يَغِبْ عَنْهَا إلَّا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، فَقَسَمَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسَهْمِ مَنْ حَضَرَهَا، وَكَانَ وَادِيَاهَا، وَادِي السُّرَيْرَةِ، وَوَادِي خَاصٍّ [6] ، وَهُمَا اللَّذَانِ قُسِمَتْ عَلَيْهِمَا خَيْبَرُ، وَكَانَتْ نَطَاةُ وَالشِّقُّ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، نَطَاةُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ،

_ [1] الْفُرُوض: الْمَوَاضِع الَّتِي يشرب مِنْهَا من الْأَنْهَار. والأشاجع: عروق ظَاهر الْكَفّ. ومذود: مَانع. [2] الواهن: الضَّعِيف. [3] المشرفي: السَّيْف. والمهند: الْمَصْنُوع فِي الْهِنْد. [4] يذود: يمْنَع وَيدْفَع. والذمار: مَا تجب حمايته. [5] الوسق (بِالْفَتْح وَيكسر) : سِتُّونَ صَاعا، أَو حمل بعير. [6] كَذَا فِي الْأُصُول ومعجم الْبلدَانِ، وَذهب السهيليّ إِلَى أَنه تَحْرِيف وَصَوَابه «خلص» .

(عدة من قسمت عليهم خيبر) :

وَالشِّقُّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَقُسِمَتْ الشِّقُّ وَنَطَاةُ عَلَى أَلْفِ سهم، وثمان مائَة سَهْمٍ. (عِدَّةُ مَنْ قُسِمَتْ عَلَيْهِمْ خَيْبَرُ) : وَكَانَتْ عِدَّةُ الَّذِينَ قُسِمَتْ عَلَيْهِمْ خَيْبَرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْفَ سهم وثمان مائَة سَهْمٍ، بِرِجَالِهِمْ وَخَيْلِهِمْ، الرِّجَالُ أَربع عشرَة مائَة، وَالْخَيْل مِائَتَا فَارِسٍ، فَكَانَ لِكُلِّ فَرَسٍ سَهْمَانِ، وَلِفَارِسِهِ سَهْمٌ، وَكَانَ لِكُلِّ رَاجِلٍ سَهْمٌ، فَكَانَ لِكُلِّ سَهْمٍ رَأْسٌ جمع إِلَيْهِ مائَة رَجُلٍ، فَكَانَتْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا جُمِعَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَفِي يَوْمِ خَيْبَرَ عَرَّبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَرَبِيَّ مِنْ الْخَيْلِ، وَهَجَّنَ الْهَجِينَ. (قِسْمَةُ الْأَسْهُمِ عَلَى أَرْبَابِهَا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَأْسًا، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَطَلْحَةُ ابْن عُبَيْدِ اللَّهِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ، أَخُو بَنِي الْعَجْلَانِ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَسَهْمُ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَسَهْمُ نَاعِمِ، وَسَهْمُ بَنِي بَيَاضَةَ، وَسَهْمُ بَنِي عُبَيْدٍ [1] ، وَسَهْمُ بَنِي حَرَامٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، وَعُبَيْدٍ السَّهَامِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ عُبَيْدٌ السَّهَامُ لِمَا اشْتَرَى مِنْ السِّهَامِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَهُوَ عُبَيْدُ بْنُ أَوْسٍ، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ ابْن الْأَوْسِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَهْمُ سَاعِدَةَ، وَسَهْمُ غِفَارٍ وَأَسْلَمَ، وَسَهْمُ النَّجَّارِ وَسَهْمُ حَارِثَةَ، وَسَهْمُ أَوْسٍ. فَكَانَ أَوَّلُ سَهْمٍ خَرَجَ مِنْ خَيْبَرَ بِنَطَاةَ سَهْمَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَهُوَ الْخَوْعُ [2] ، وَتَابَعَهُ السُّرَيْرُ، ثُمَّ كَانَ الثَّانِي سَهْمَ بَيَاضَةَ، ثُمَّ كَانَ الثَّالِثُ سَهْمَ أُسَيْدٍ ثُمَّ كَانَ الرَّابِعُ سَهْمَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ كَانَ الْخَامِسُ سَهْمَ نَاعِمٍ لِبَنِي عَوْفِ

_ [1] فِي م، ر: «عُبَيْدَة» . [2] الخوع: مَوضِع قرب خَيْبَر.

ابْن الْخَزْرَجِ وَمُزَيْنَةَ وَشُرَكَائِهِمْ، وَفِيهِ قُتِلَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَهَذِهِ نَطَاةُ. ثُمَّ هَبَطُوا إلَى الشِّقِّ، فَكَانَ أَوَّلُ سَهْمٍ خَرَجَ مِنْهُ سَهْمَ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، أَخِي بَنِي الْعَجْلَانِ، وَمَعَهُ كَانَ سَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ سَهْمُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْن عَوْفٍ، ثُمَّ سَهْمُ سَاعِدَةَ، ثُمَّ سَهْمُ النَّجَّارِ، ثُمَّ سَهْمُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَهْمُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، ثُمَّ سَهْمُ غِفَارٍ وَأَسْلَمَ، ثُمَّ سَهْمُ عُمَرَ بْنِ الخطّاب، ثمَّ سَهْما سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَبَنِيَّ حَرَامٍ، ثُمَّ سَهْمُ حَارِثَةَ، ثُمَّ سَهْمُ عُبَيْدٍ السَّهَامِ، ثُمَّ سَهْمُ أَوْسٍ، وَهُوَ سَهْمُ [1] اللَّفِيفِ، جَمَعَتْ إلَيْهِ جُهَيْنَةُ وَمَنْ حَضَرَ خَيْبَرَ مِنْ سَائِرِ الْعَرَبِ، وَكَانَ حَذْوهُ [2] سَهْمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي كَانَ أَصَابَهُ فِي سَهْمِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ. ثُمَّ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَتِيبَةَ، وَهِيَ وَادِي خَاصٍّ [3] ، بَيْنَ قَرَابَتِهِ وَبَيْنَ نِسَائِهِ، وَبَيْنَ رِجَالِ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَاءٍ أَعْطَاهُمْ مِنْهَا، فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفاطمة ابْنَته مِائَتي وَسْقٍ، وَلِعَلِيِّ بْنِ أَبى طَالب مائَة وَسْقٍ، وَلِأُسَامَةَ ابْن زيد مِائَتي وَسْقٍ، وَخَمْسِينَ وَسْقًا مِنْ نَوًى، وَلِعَائِشَةَ أمّ الْمُؤمنِينَ مِائَتي وَسْقٍ، وَلِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبى قُحَافَة مائَة وَسْقٍ، وَلِعَقِيلِ بْنِ أَبى طَالب مائَة وَسْقٍ وَأَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِبَنِي جَعْفَرٍ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِرَبِيعَةَ بن الْحَارِث مائَة وَسْقٍ، وَلِلصَّلْتِ بْنِ مخرمَة وابنيه مائَة وَسْقٍ، لِلصَّلْتِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ وَسْقًا، وَلِأَبِي نَبْقَةَ [4] خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِرُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِقَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِأَبِي الْقَاسِمِ ابْن مَخْرَمَةَ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِبَنَاتِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَابْنَةِ الْحُصَيْنِ بن الْحَارِث مائَة وَسْقٍ، وَلِبَنِي عُبَيْدِ [5] بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ سِتِّينَ وَسْقًا، وَلِابْنِ أَوْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا. وَلِمِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ وَابْنِ إلْيَاسَ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِأُمِّ رُمَيْثَةَ

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ثمَّ سهم ... إِلَخ» . [2] حذوه: بإزائه. [3] رَاجع الْحَاشِيَة رقم 6 ص 349. [4] هُوَ عَلْقَمَة بن الْمطلب، وَيُقَال: عبد الله بن عَلْقَمَة، وَقيل غير ذَلِك. وَمن وَلَده أَبُو الْحُسَيْن المطلبي، وَكَانَ إِمَام مَسْجِد رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (رَاجع الرَّوْض) . [5] فِي م، ر: «عُبَيْدَة» .

(عهد الرسول إلى نسائه بنصيبهن في المغانم) :

أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِنُعَيْمِ بْنِ هِنْدٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِبُحَيْنَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِعُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِأُمِّ حَكِيمٍ [1] (بِنْتِ الزُّبَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [2] ) ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِجُمَانَةِ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِابْنِ [3] الْأَرْقَمِ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِأُمِّ الزُّبَيْرِ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وِلِضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِابْنِ أَبِي خُنَيْسٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِأُمِّ طَالِبٍ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِأَبِي بَصْرَةَ [4] عِشْرِينَ وَسْقًا، وَلِنُمَيْلَةَ الْكَلْبِيِّ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ وَابْنَتَيْهِ تِسْعِينَ وَسْقًا، لَابْنَيْهِ مِنْهَا أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِأُمِّ حَبِيبٍ بِنْتِ جَحْشٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِمَلْكُو بْنِ عَبَدَةَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِنِسَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبع مائَة وَسْقٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [5] : قَمْحٌ وَشَعِيرٌ وَتَمْرٌ وَنَوًى وَغَيْرُ ذَلِكَ، قَسَمَهُ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ وَكَانَتْ الْحَاجَةُ فِي بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَكْثَرَ، وَلِهَذَا أَعْطَاهُمْ أَكْثَرَ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم (عَهْدُ الرَّسُولِ إلَى نِسَائِهِ بِنَصِيبِهِنَّ فِي الْمَغَانِمِ) : ذِكْرُ مَا أَعْطَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ مِنْ قَمْحِ خَيْبَرَ [6] : قسم [7] لهنّ مائَة وَسْقٍ وَثَمَانِينَ وَسْقًا، وَلِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ [1] كَذَا فِي الرَّوْض. وَفِي الْأُصُول: «أم الحكم» . قَالَ السهيليّ: « ... وَالْمَعْرُوف فِيهَا أَنَّهَا أم حَكِيم، وَكَانَت تَحت ربيعَة بن الْحَارِث. وَأما أم حكم فَهِيَ بنت أَبى سُفْيَان، وَهِي من مسلمة الْفَتْح، وَلَوْلَا ذَلِك لَقلت إِن ابْن إِسْحَاق إِيَّاهَا أَرَادَ، لَكِنَّهَا لم تشهد خَيْبَر، وَلَا كَانَت أسلمت بعد» . [2] زِيَادَة عَن أ. [3] فِي أ: «ولأم الأرقم» . [4] فِي م، ر: «ولأبى نَضرة» وَهُوَ تَصْحِيف. [5] هَذِه الْعبارَة المروية عَن ابْن هِشَام سَاقِطَة فِي أ. [6] فِي م، ر: «فتح خَيْبَر» . [7] زَادَت م، ر قبل هَذَا هَذِه الْعبارَة: «قسمه على قدر حاجاتهم، فَكَانَت الْحَاجة فِي بنى عبد الْمطلب خَاصَّة، فَلذَلِك أَعْطَاهُم أَكثر» . وَهِي تكْرَار لما سبق.

(ما أوصى به الرسول عند موته) :

خَمْسَةً وَثَمَانِينَ وَسْقًا، وَلِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِلْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا، وَلِأُمِّ رُمَيْثَةَ [1] خَمْسَةَ أَوْسُقٍ. شَهِدَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعَبَّاسٌ وَكَتَبَ. (مَا أَوْصَى بِهِ الرَّسُولُ عِنْدَ مَوْتِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمْ يُوصِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ إلَّا بِثَلَاثِ [2] ، أَوْصَى للرّهاويين [3] بجادّ مائَة وَسْقٍ مِنْ خَيْبَرَ، وللداريين [4] بجادّ مائَة وَسْقٍ [5] مِنْ خَيْبَرَ، وَلِلسَّبائِيِّينَ، وللأشعريين بجادّ مائَة وَسْقٍ مِنْ خَيْبَرَ. وَأَوْصَى بِتَنْفِيذِ [6] بَعْثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَأَلَّا يُتْرَكَ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ. أَمْرُ فَدَكِ فِي خَبَرِ خَيْبَرَ (مُصَالَحَةُ الرَّسُولِ أَهْلَ فَدَكٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ قَذَفَ اللَّهُ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَهْلِ فَدَكِ، حِينَ بَلَغَهُمْ مَا أَوْقَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَهْلِ خَيْبَرَ، فَبَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَالِحُونَهُ عَلَى النِّصْفِ من فدك، فَقدمت عَلَيْهِ رُسُلُهُمْ بِخَيْبَرِ، أَوْ بِالطَّائِفِ [7] ، أَوْ بَعْدَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَكَانَتْ فَدَكُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِصَةً، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَفْ [8] عَلَيْهَا بِخَيْلِ وَلَا رِكَابٍ

_ [1] قَالَ السهيليّ: « ... وَلَا تعرف إِلَّا بِهَذَا الْخَبَر وشهودها فتح خَيْبَر» . [2] فِي م، ر: «بست» . [3] الرهاويون: نِسْبَة إِلَى رهاوة (بِالضَّمِّ وبالفتح) : قَبيلَة بِالْيمن. قَالَ أَبُو ذَر: «وَيُقَال فِيهَا رهاء، وَهُوَ الْأَصَح» . [4] الداريون: نِسْبَة إِلَى الدَّار بن هَانِئ، وَسَيَأْتِي ذكرهم بعد خبر فدك. [5] بجاد مائَة وسق: أَي مَا يجد مِنْهُ مائَة وسق، أَي يقطع. [6] فِي أ: «بتنفيل» . [7] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بِالطَّرِيقِ» . [8] لم يوجف: لم يجْتَمع. 23- سيرة ابْن هِشَام- 2

تسمية النفر الداريين الذين أوصى لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر

تَسْمِيَةُ النَّفَرِ الدَّارِيِّينَ الَّذِينَ أَوْصَى لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ (نَسَبُهُمْ) : وَهُمْ بَنُو الدَّارِ بْنِ هَانِئِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ نُمَارَةَ بْنِ لَحْمٍ، الَّذِينَ سَارُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّامِ: تَمِيمُ بْنُ أَوْسٍ وَنُعَيْمُ بْنُ أَوْسٍ أَخُوهُ، وَيَزِيدُ ابْن قَيْسٍ، وَعَرَفَةُ بْنُ مَالِكٍ، سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ. - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَزَّةُ بْنُ مَالِكٍ: وَأَخُوهُ مُرَّانُ [1] بْنُ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مَرْوَانُ بْنُ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَفَاكِهُ بْنُ نُعْمَانَ، وَجَبَلَةُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَبُو هِنْدِ بْنُ بَرٍّ، وَأَخُوهُ الطَّيِّبُ بْنُ بَرٍّ، فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ. (خَرْصُ ابْن رَوَاحَةَ ثُمَّ جَبَّارٍ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ) : فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، يَبْعَثُ إلَى أَهْلِ خَيْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ خَارِصًا [2] بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَيَهُودَ، فَيَخْرُصُ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا قَالُوا: تَعَدَّيْتُ عَلَيْنَا، قَالَ: إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَنَا، فَتَقُولُ يَهُودُ: بِهَذَا قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ. وَإِنَّمَا خَرَصَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ عَامًا وَاحِدًا، ثُمَّ أُصِيبَ بِمُؤْتَةِ يَرْحَمُهُ اللَّهُ، فَكَانَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَنْسَاءَ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، هُوَ الَّذِي يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ. (مَقْتَلُ ابْنِ سَهْلٍ وَدِيَةُ الرَّسُولِ إلَى أَهْلِهِ) : فَأَقَامَتْ يَهُودُ عَلَى ذَلِكَ، لَا يَرَى بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ بَأْسًا فِي مُعَامَلَتِهِمْ، حَتَّى عَدَوْا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلِ، أَخِي بَنِي حَارِثَةَ، فَقَتَلُوهُ، فَاتَّهَمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ.

_ [1] فِي م، ر: «مَرْوَان» . [2] الخارص: الّذي يحزر مَا على النّخل وَالْكَرم من ثَمَر، وَهُوَ من الْخرص أَي الظَّن، لِأَنَّهُ تَقْدِير بِظَنّ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَحَدَّثَنِي أَيْضًا بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ، مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: أُصِيبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ بِخَيْبَرِ، وَكَانَ خَرَجَ إلَيْهَا فِي أَصْحَابٍ لَهُ يَمْتَارُ [1] مِنْهَا تَمْرًا، فَوُجِدَ فِي عَيْنٍ قَدْ كُسِرَتْ عُنُقه، ثمَّ طُرِحَ فِيهَا، قَالَ: فَأَخَذُوهُ فَغَيَّبُوهُ، ثُمَّ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرُوا لَهُ شَأْنَهُ، فَتَقَدَّمَ إلَيْهِ أَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْن سَهْلٍ، وَمَعَهُ ابْنَا عَمِّهِ حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا، وَكَانَ صَاحِبَ الدَّمِ، وَكَانَ ذَا قَدَمٍ فِي الْقَوْمِ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ قَبْلَ ابْنَىْ عَمِّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْكُبْرَ الْكُبْرَ [2] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: كَبِّرْ كَبِّرْ- فِيمَا ذَكَرَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ- فَسَكَتَ، فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ هُوَ بَعْدُ، فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلَ صَاحِبِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُسَمُّونَ قَاتِلَكُمْ، ثُمَّ تَحْلِفُونَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا فَنُسَلِّمُهُ إلَيْكُمْ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كُنَّا لِنَحْلِفَ عَلَى مَا لَا نَعْلَمُ، قَالَ: أَفَيَحْلِفُونَ باللَّه خَمْسِينَ يَمِينًا مَا قَتَلُوهُ وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلًا ثُمَّ يَبْرَءُونَ مِنْ دَمِهِ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كُنَّا لِنَقْبَلَ أَيْمَانَ يَهُودَ، مَا فِيهِمْ مِنْ الْكُفْرِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى إِثْم. قَالَ: فواده [3] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عِنْده مائَة نَاقَةٍ. قَالَ سهل [4] : فو الله مَا أَنْسَى بَكْرَةً مِنْهَا حَمْرَاءَ ضَرَبَتْنِي وَأَنَا أَحُوزُهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ [5] ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْن بُجَيْدِ بْنِ قَيْظِيٍّ، أَخِي بَنِي حَارِثَةَ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: وَاَيْمُ اللَّهِ، مَا كَانَ سَهْلٌ بِأَكْثَرَ عِلْمًا مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ أَسَنَّ مِنْهُ، إنَّهُ قَالَ لَهُ: وَاَللَّهِ مَا هَكَذَا كَانَ الشَّأْنُ! وَلَكِنَّ سَهْلًا أَوْهَمَ، مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، احلفوا على

_ [1] يمتار التَّمْر: يجلبه. [2] الْكبر الْكبر، أَي قدمُوا الْأَكْبَر للْكَلَام، إرشادا إِلَى الْأَدَب فِي تَقْدِيم الأسن. (رَاجع النِّهَايَة لِابْنِ الْأَثِير) . [3] وداه: أَعْطَاهُم دِيَته. [4] كَذَا فِي الْأُصُول وَسَهل بن أَبى حثْمَة راو للْخَبَر. وَأما صَاحب الدِّيَة فَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن سهل. [5] فِي م، ر: «التَّمِيمِي» . وَهُوَ تَحْرِيف.

(إجلاء اليهود عن خيبر أيام عمر) :

مَالا عِلْمَ لَكُمْ بِهِ، وَلَكِنَّهُ كَتَبَ إلَى يَهُودَ خَيْبَرَ حِينَ كَلَّمَتْهُ الْأَنْصَارُ: إنَّهُ قَدْ وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ أَبْيَاتِكُمْ فَدُوهُ، فَكَتَبُوا إلَيْهِ يَحْلِفُونَ باللَّه مَا قَتَلُوهُ، وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلًا. فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ مِثْلَ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدٍ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: دُوهُ أَوْ ائْذَنُوا بِحَرْبِ. فَكَتَبُوا يَحْلِفُونَ باللَّه مَا قَتَلُوهُ وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلًا، فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ. (إجْلَاءُ الْيَهُودِ عَنْ خَيْبَرَ أَيَّامَ عُمَرَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَأَلْتُ ابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ: كَيْفَ كَانَ إعْطَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ خَيْبَرَ نَخْلَهُمْ، حِينَ أَعْطَاهُمْ النَّخْلَ عَلَى خَرْجِهَا، أَبَتَّ ذَلِكَ لَهُمْ حَتَّى قُبِضَ، أَمْ أَعْطَاهُمْ إيَّاهَا لِلضَّرُورَةِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ؟ فَأَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ عَنْوَةً بَعْدَ الْقِتَالِ، وَكَانَتْ خَيْبَرُ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَمَّسَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَسَمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَزَلَ مَنْ نَزَلَ مِنْ أَهْلِهَا عَلَى الْجَلَاءِ بَعْدَ الْقِتَالِ، فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنْ شِئْتُمْ دَفَعْتُ إلَيْكُمْ هَذِهِ الْأَمْوَالَ عَلَى أَنْ تُعْمِلُوهَا، وَتَكُونَ ثِمَارُهَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، وَأُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ، فَقَبِلُوا، فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ يُعْمِلُونَهَا: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، فَيَقْسِمُ ثَمَرَهَا، وَيَعْدِلُ عَلَيْهِمْ فِي الْخَرْصِ، فَلَمَّا تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَقَرَّهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَيْدِيهِمْ، عَلَى الْمُعَامَلَةِ الَّتِي عَامَلَهُمْ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى تُوُفِّيَ، ثُمَّ أَقَرَّهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَدْرًا مِنْ إمَارَتِهِ. ثُمَّ بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي قَبَضَهُ اللَّهُ فِيهِ: لَا يَجْتَمِعَنَّ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ، فَفَحَصَ عُمَرُ ذَلِكَ، حَتَّى بَلَغَهُ الثَّبْتُ، فَأَرْسَلَ إلىَ يَهُودَ، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذِنَ فِي جَلَائِكُمْ، قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَجْتَمِعَنَّ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْيَهُودِ فَلْيَأْتِنِي بِهِ، أُنْفِذُهُ

(قسمة عمر لوادى القرى بين المسلمين) :

لَهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْيَهُود، فليتجهّز الْجلاء، فَأَجْلَى عُمَرُ مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَالزُّبَيْرُ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ إلَى أَمْوَالِنَا بِخَيْبَرِ نَتَعَاهَدُهَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا تَفَرَّقْنَا فِي أَمْوَالِنَا، قَالَ: فَعُدِيَ عَلَيَّ تَحْتَ اللَّيْلِ، وَأَنَا نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِي، فَفُدِعَتْ [1] يَدَايَ مِنْ مِرْفَقَيَّ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ اسْتَصْرَخَ عَلَيَّ صَاحِبَايَ، فَأَتَيَانِي فَسَأَلَانِي: مَنْ صَنَعَ هَذَا بِكَ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي، قَالَ: فَأَصْلَحَا مِنْ يدىّ، ثمَّ قد مَا بِي عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: هَذَا عَمَلُ يَهُودَ، ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَنَّا نُخْرِجُهُمْ إذَا شِئْنَا، وَقَدْ عَدَوْا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَفَدَعُوا يَدَيْهِ، كَمَا قَدْ بَلَغَكُمْ، مَعَ عَدْوِهِمْ [2] عَلَى الْأَنْصَارِيِّ قَبْلَهُ، لَا نَشُكُّ أَنَّهُمْ أَصْحَابُهُ، لَيْسَ لَنَا هُنَاكَ عَدُوٌّ غَيْرُهُمْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ بِخَيْبَرِ فَلْيَلْحَقْ بِهِ، فَإِنِّي مُخْرِجٌ يَهُودَ، فَأَخْرَجَهُمْ. (قِسْمَةُ عُمَرَ لِوَادِي الْقُرَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَكْنَفٍ، أَخِي بَنِي حَارِثَةَ، قَالَ: لَمَّا أَخْرَجَ عُمَرُ يَهُودَ مِنْ خَيْبَرَ رَكِبَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَخَرَجَ مَعَهُ جَبَّارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَنْسَاءَ، أَخُو بَنِي سَلَمَةَ، وَكَانَ خَارِصَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحَاسِبَهُمْ- وَيَزِيدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَهُمَا قَسَمَا خَيْبَرَ بَيْنَ أَهْلِهَا، عَلَى أَصْلِ جَمَاعَةِ السُّهْمَانِ، الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا. وَكَانَ مَا قَسَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ وَادِي الْقُرَى، لِعُثْمَانِ بْنِ عَفَّانَ خَطَرٌ، وَلِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ خَطَرٌ، وَلِعُمَرِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ خَطَرٌ، وَلِعَامِرِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ خَطَرٌ، وَلِعَمْرِو بْنِ سُرَاقَةَ خَطَرٌ، وَلِأُشَيْمٍ خَطَرٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: وَلِأَسْلَمَ وَلِبَنِي جَعْفَرٍ خَطَرٌ، وَلِمُعَيْقِيبٍ خَطَرٌ، وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ خَطَرٌ، وَلِعَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ خَطَرَانِ، وَلِابْنِ عَبْدِ اللَّهِ

_ [1] فدعَتْ يَدَاهُ: أَي أزيلت مفاصلها عَن أماكنها. (النِّهَايَة لِابْنِ الْأَثِير) . [2] فِي أ: «عدوتهم» .

ابْن جَحْشٍ خَطَرٌ، وَلِابْنِ الْبُكَيْرِ خَطَرٌ، وَلِمُعْتَمِرٍ خَطَرٌ [1] ، وَلِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ خَطَرٌ، وَلِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ خَطَرٌ، وَلِمُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ خَطَرٌ، وَلِأَبِي طَلْحَةَ وَحَسَنٍ خَطَرٌ، وَلِجَبَّارِ بْنِ صَخْرٍ خَطَرٌ، وَلِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِئَابٍ خَطَرٌ، وَلِمَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو خَطَرٌ، وَلِابْنِ حُضَيْرٍ خَطَرٌ، وَلِابْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ خَطَرٌ، وَلِسَلَامَةِ بْنِ سَلَامَةَ خَطَرٌ، وَلِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي شَرِيكٍ خَطَرٌ، وَلِأَبِي عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ خَطَرٌ، وَلِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ خَطَرٌ، وَلِعُبَادَةَ بْنِ طَارِقٍ خَطَرٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: لِقَتَادَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلِجَبْرِ بْنِ عَتِيكٍ نِصْفُ خَطَرٍ، وَلِابْنَيْ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ نِصْفُ خَطَرٍ، وَلِابْنِ حَزَمَةَ وَالضَّحَّاكِ خَطَرٌ، فَهَذَا مَا بَلَغَنَا مِنْ أَمْرِ خَيْبَرَ وَوَادِي الْقُرَى وَمَقَاسِمِهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْخَطَرُ: النَّصِيبُ. يُقَالُ: أَخْطَرَ لِي فُلَانٌ خَطَرًا.

_ [1] فِي أ: «وَلابْن البكير ولمعتمر خطر» .

[1] ذكر قدوم جعفر بن أبى طالب من الحبشة وحديث المهاجرين إلى الحبشة

[1] ذِكْرُ قُدُومِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ الْحَبَشَةِ وَحَدِيثُ الْمُهَاجِرِينَ إلَى الْحَبَشَةِ (فَرَحُ الرَّسُولِ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الْأَجْلَحِ، عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ خَيْبَرَ، فَقَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَين عَيْنَيْهِ، وَالْتَزَمَهُ وَقَالَ: مَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أَنَا أُسَرُّ: بِفَتْحِ خَيْبَرَ، أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ؟ (مُهَاجِرَةُ الْحَبَشَةِ الَّذِينَ قَدِمَ بِهِمْ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مَنْ أَقَامَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى النَّجَاشِيِّ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، فَحَمَلَهُمْ فِي سَفِينَتَيْنِ، فَقَدِمَ بِهِمْ عَلَيْهِ وَهُوَ بِخَيْبَرِ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ. (مِنْ بَنِي هَاشِمٍ) : مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيَّةُ، وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَكَانَتْ وَلَدَتْهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ. قُتِلَ جَعْفَرٌ بِمُؤْتَةِ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ أَمِيرًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ) : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أَمِينَةُ بِنْتُ خَلَفِ بْنِ أَسْعَدَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: هُمَيْنَةُ بِنْتُ خَلَفٍ- وَابْنَاهُ سَعِيدُ بْنُ خَالِدٍ، وَأُمُّهُ بِنْتُ خَالِدٍ، وَلَدَتْهُمَا بِأَرْضِ

_ [1-) ] من هُنَا يَبْتَدِئ الْجُزْء الرَّابِع من تقسيمنا لسيرة رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الّذي جرينا عَلَيْهِ فِي الطبعة الأولى.

(شعر سعيد بن العاص لابنه عمرو) :

الْحَبَشَةِ. قُتِلَ خَالِدٌ بِمَرْجِ الصُّفَّرِ [1] فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِأَرْضِ الشَّامِ، وَأَخُوهُ عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ مُحَرَّثٍ الْكِنَانِيِّ، هَلَكَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ. قُتِلَ عَمْرٌو بِأَجْنَادِينَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (شِعْرُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ لِابْنِهِ عَمْرٍو) : وَلِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ يَقُولُ أَبُوهُ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ أَبُو أُحَيْحَةَ: أَلَا لَيْتَ شِعْرِي عَنْكَ يَا عَمْرُو سَائِلًا ... إذَا شَبَّ وَاشْتَدَّتْ يَدَاهُ وَسُلَّحَا [2] أَتَتْرُكُ أَمْرَ الْقَوْمِ فِيهِ بَلَابِلُ ... تُكَشِّفُ غَيْظًا كَانَ فِي الصَّدْرِ مُوجَحَا [3] (شِعْرُ أَبَانَ بْنِ الْعَاصِ لِأَخَوَيْهِ خَالِدٍ وَسَعِيدٍ، وَرَدُّ خَالِدٍ) : وَلِعَمْرِو وَخَالِدٍ يَقُولُ أَخُوهُمَا أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، حِينَ أسلما، وَكَانَ أَبُو هم سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ هَلَكَ بِالظُّرَيْبَةِ، مِنْ نَاحِيَةِ الطَّائِفِ، هَلَكَ فِي مَالٍ لَهُ بِهَا: أَلَا لَيْتَ مَيْتًا بِالظُّرَيْبَةِ شَاهِدُ ... لِمَا يَفْتَرِي [4] فِي الدِّينِ عَمْرٌو وَخَالِدُ أَطَاعَا بِنَا أَمْرَ النِّسَاءِ فَأَصْبَحَا ... يُعِينَانِ مِنْ أَعْدَائِنَا مَنْ نُكَايِدُ [5] فَأَجَابَهُ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، فَقَالَ: أَخِي مَا أَخِي لَا شَاتِمٌ أَنَا عِرْضَهُ ... وَلَا هُوَ مِنْ سُوءِ الْمَقَالَةِ مُقْصِرُ يَقُولُ إذَا اشْتَدَّتْ [6] عَلَيْهِ أُمُورُهُ ... أَلَا لَيْتَ مَيْتًا بِالظُّرَيْبَةِ يُنْشَرُ فَدَعْ عَنْكَ مَيْتًا قَدْ مَشَى لِسَبِيلِهِ ... وَأَقْبِلْ عَلَى الْأَدْنَى الَّذِي هُوَ أَفْقَرُ وَمُعَيْقِيبُ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ، خَازِنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَلَى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ

_ [1] مرج الصفر (بِالضَّمِّ وَتَشْديد الْفَاء) : مَوضِع بِدِمَشْق. وَفِيه يَقُول خَالِد بن سعيد: هَل فَارس كره النزال يعيرني ... رمحا إِذا نزلُوا بمرج الصفر [2] سلح: ألبس السِّلَاح (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول فيهمَا) . [3] البلابل: التَّخْلِيط وَالِاضْطِرَاب. وموجحا: أَي مَسْتُورا. [4] الافتراء: الْكَذِب، قَالَ أَبُو ذَر: وَمن رَوَاهُ يقترى (بِالْقَافِ) مَعْنَاهُ: يتتبع. [5] فِي مُعْجم الْبلدَانِ: «كل كابد» . [6] فِي شرح السِّيرَة لأبى ذَر: «اشتدت» أَي تَفَرَّقت.

(من بنى أسد) :

إلَى آلِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ، حَلِيفُ آلِ عُتْبَةَ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، أَرْبَعَةُ نَفَرٍ. (مِنْ بَنِي أَسَدٍ) : وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ: الْأَسْوَدُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ خُوَيْلِدٍ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ) : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ: جَهْمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ، مَعَهُ ابْنَاهُ عَمْرُو بْنُ جَهْمٍ وَخُزَيْمَةُ بْنُ جَهْمٍ، وَكَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَرْمَلَةَ بِنْتُ عَبْدِ الْأَسْوَدِ هَلَكَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَابْنَاهُ لَهَا. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي زُهْرَةَ) : وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ: عَامِرُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ هُذَيْلٍ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي تَيْمٍ) : وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ: الْحَارِثُ بْنُ خَالِدِ بْنِ صَخْرٍ، وَقَدْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ رَيْطَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ جُبَيْلَةَ، هَلَكَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي جُمَحَ) : وَمِنْ بَنِي جُمَحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ: عُثْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ أُهْبَانَ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي سَهْمٍ) : وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ، مَحْمِيَّةُ بْنُ الْجَزْءِ [1] ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَعَلَهُ عَلَى خُمُسِ الْمُسْلِمِينَ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي عَدِيٍّ) : وَمِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ: مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَضْلَةَ. رَجُلٌ.

_ [1] يرْوى بتَشْديد الزاى غير مَهْمُوز، وَالصَّوَاب فِيهِ الْهَمْز. وَكَذَا قَيده الدَّار قطنى. (رَاجع شرح السِّيرَة لأبى ذَر) .

(من بنى عامر) :

(مِنْ بَنِي عَامِرٍ) : وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ: أَبُو حَاطِبِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَمَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ عَمْرَةُ بِنْتُ السَّعْدِيِّ بْنِ وَقْدَانَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي الْحَارِثِ) : وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ: الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ لَقِيطٍ. رَجُلٌ. وَقَدْ كَانَ حُمِلَ مَعَهُمْ فِي السَّفِينَتَيْنِ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءِ من هلك لَك مَنْ الْمُسْلِمِينَ. (عِدَّةُ مَنْ حَمَلَهُمْ مَعَ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ) : فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَمَلَ النَّجَاشِيُّ مَعَ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ فِي السَّفِينَتَيْنِ، فَجَمِيعُ مَنْ قَدِمَ فِي السَّفِينَتَيْنِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا. (سَائِرُ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ) : وَكَانَ مِمَّنْ هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَلَمْ يَقْدَمْ إلَّا بَعْدَ بَدْرٍ، وَلَمْ يَحْمِلْ النَّجَاشِيُّ فِي السَّفِينَتَيْنِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ قَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَنْ هَلَكَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ.: (مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ) : مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ الْأُسْدِيُّ، أُسْدَ خُزَيْمَةَ، حَلِيفُ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، وَابْنَتُهُ حَبِيبَةُ بِنْتُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَبِهَا كَانَتْ تُكْنَى أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، وَكَانَ اسْمُهَا رَمْلَةَ. (تَنَصُّرُ ابْنِ جَحْشٍ بِالْحَبَشَةِ وَخَلَفُ الرَّسُولِ عَلَى امْرَأَتِهِ) : خَرَجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مُهَاجِرًا، فَلَمَّا قَدِمَ أَرْضَ الْحَبَشَةِ تَنَصَّرَ بِهَا وَفَارَقَ الْإِسْلَام، وَمَات لَك نَصْرَانِيًّا، فَخَلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: خَرَجَ

(من بنى أسد) :

عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مُسْلِمًا، فَلَمَّا قَدِمَ أَرْضَ الْحَبَشَةِ تَنَصَّرَ، قَالَ: فَكَانَ إذَا مَرَّ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَتَّحْنَا وَصَأْصَأْتُمْ، أيَ قَدْ أَبْصَرْنَا وَأَنْتُمْ تَلْتَمِسُونَ الْبَصَرَ وَلَمْ تُبْصِرُوا بَعْدُ. وَذَلِكَ أَنَّ وَلَدَ الْكَلْبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ عَيْنَيْهِ لِلنَّظَرِ صَأْصَأَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَضَرَبَ ذَلِكَ لَهُ وَلَهُمْ مَثَلًا: أَيْ أَنَّا قَدْ فَتَّحْنَا [1] أَعْيُنَنَا فَأَبْصَرْنَا، وَلَمْ تَفْتَحُوا أَعْيُنَكُمْ فَتُبْصِرُوا، وَأَنْتُمْ تَلْتَمِسُونَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَيْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُسْدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَهُوَ أَبُو أُمَيَّةَ [2] بِنْتِ قَيْسٍ الَّتِي كَانَتْ مَعَ أُمِّ حَبِيبَةَ، وَامْرَأَتُهُ بَرَكَةُ بِنْتُ يَسَارٍ، مَوْلَاةُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، كَانَتَا ظِئْرَى [3] عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، وَأُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، فَخَرَجَا بِهِمَا مَعَهُمَا حِينَ هَاجَرَا إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ. رَجُلَانِ [4] . (مِنْ بَنِي أَسَدٍ) : وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ: يَزِيدُ بْنُ زَمَعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَلِّبِ ابْنِ أَسَدٍ، قُتِلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِيدًا، وَعَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ، هَلَكَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ) : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ: أَبُو الرُّومِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ ابْن عَبْدِ الدَّارِ، وَفِرَاسُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ ابْن عَبْدِ الدَّارِ. رَجُلَانِ. (مِنْ بَنِي زُهْرَةَ) : وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ: الْمُطَّلِبُ بْنُ أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ (بْنِ) [5] الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي عَوْفِ بْنِ ضُبَيْرَةَ بْنِ سُعَيْدِ

_ [1] فِي أ: «فقحنا» وَيُقَال: فقح الجرو: وَذَلِكَ إِذا فتح عَيْنَيْهِ أول مَا يفتح وَهُوَ صَغِير. [2] كَذَا فِي الْأُصُول. وَلم نعثر لَهَا على ذكر فِي المراجع الَّتِي بَين أَيْدِينَا. [3] الظِّئْر: الْمَرْأَة الَّتِي ترْضع ولد غَيرهَا. وَرِوَايَة هَذِه الْعبارَة فِي الِاسْتِيعَاب فِي تَرْجَمَة قيس هَذَا: «كَانَت ظِئْرًا لِعبيد الله بن جحش وَأم حَبِيبَة» . [4] فِي م، ر: «رجل» وَهُوَ تَحْرِيف. [5] زِيَادَة عَن أَو الِاسْتِيعَاب.

(من بنى تيم) :

ابْن سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، هَلَكَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَلَدَتْ لَهُ هُنَالِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُطَّلِبِ، فَكَانَ يُقَالُ: إنْ كَانَ لَأَوَّلُ رَجُلٍ وَرِثَ أَبَاهُ فِي الْإِسْلَامِ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي تَيْمٍ) : وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ: عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ ابْن سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ، قُتِلَ بِالْقَادِسِيَّةِ مَعَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. رَجُلٌ. (مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ) : وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ: هَبَّارُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ، قُتِلَ بِأَجْنَادِينَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ ابْن سُفْيَانَ، قُتِلَ عَامَ الْيَرْمُوكِ بِالشَّامِ، فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يُشَكُّ فِيهِ أَقُتِلَ ثَمَّ أَمْ لَا، وَهِشَامُ [1] بْنُ أَبِي [2] حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغيرَة، ثَلَاثَة تَفِر. (مِنْ بَنِي جُمَحَ) : وَمِنْ بَنِي جُمَحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ: حَاطِبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ، وابناه مُحَمَّدٌ وَالْحَارِثُ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُجَلِّلِ [3] . هلك حَاطِب لَك مُسْلِمًا، فَقَدِمَتْ امْرَأَتُهُ وَابْنَاهُ، وَهِيَ أُمُّهُمَا، فِي إحْدَى السَّفِينَتَيْنِ، وَأَخُوهُ حَطَّابُ بْنُ الْحَارِثِ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ فُكَيْهَةُ بِنْتُ يَسَارٍ، هَلَكَ هُنَالِكَ مُسْلِمًا، فَقَدِمَتْ امْرَأَتُهُ فُكَيْهَةُ فِي إحْدَى السَّفِينَتَيْنِ، وَسُفْيَانُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبٍ، وَابْنَاهُ جُنَادَةُ وَجَابِرٌ، وَأُمُّهُمَا مَعَهُ حَسَنَةُ [4] ، وَأَخُوهُمَا لِأُمِّهِمَا شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ، وَهَلَكَ سُفْيَانُ وَهَلَكَ ابْنَاهُ جُنَادَةُ وَجَابِرٌ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ ابْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. سِتَّةُ نَفَرٍ.

_ [1] قَالَ ابْن عبد الْبر بعد مَا سبق هَذَا نقلا عَن ابْن إِسْحَاق: «إِلَّا أَن الْوَاقِدِيّ كَانَ يَقُول: هَاشم ابْن أَبى حُذَيْفَة، وَيَقُول «هِشَام» وهم مِمَّن قَالَه. وَلم يذكرهُ مُوسَى بن عقبَة وَلَا أَبُو معشر فِيمَن هَاجر إِلَى أَرض الْحَبَشَة» . [2] فِي أ: «ابْن حُذَيْفَة» وَهُوَ تَحْرِيف. (رَاجع الِاسْتِيعَاب) . [3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والاستيعاب. وَفِي أ: «الْمُحَلّل» بِالْحَاء الْمُهْملَة. [4] نَص هَذِه الْعبارَة فِي الِاسْتِيعَاب نقلا عَن ابْن إِسْحَاق: «وَمَعَهُ ابْنه جَابر بنى سُفْيَان وجنادة ابْن سُفْيَان، وَمَعَهُ امْرَأَته حَسَنَة، وَهِي أمهما» .

(من بنى سهم) :

(مِنْ بَنِي سَهْمٍ) : وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ ابْن عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ [1] بْنِ سَهْمٍ الشَّاعِرُ، هَلَكَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَقَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ ابْن قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ. وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ ابْن سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، وَهُوَ رَسُولُ (رَسُولِ [2] ) اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى كِسْرَى، وَالْحَارِثُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ، وَمَعْمَرُ ابْن الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ، وَبِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ، وَأَخٌ لَهُ مِنْ أُمِّهِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، يُقَالُ لَهُ سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو، قُتِلَ بِأَجْنَادِينَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ، قُتِلَ عَامَ الْيَرْمُوكِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بن ابْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالسَّائِبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ، جُرِحَ بِالطَّائِفِ مَعَ رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم. وَقُتِلَ يَوْمَ فِحْلٍ [3] فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَيُقَالُ: قُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ، يُشَكُّ فِيهِ، وَعُمَيْرُ بْنُ رِئَابِ بْنِ حُذَيْفَةَ ابْن مِهْشَمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، قُتِلَ بِعَيْنِ التَّمْرِ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، مُنْصَرَفَهُ مِنْ الْيَمَامَةِ، فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا. (مِنْ بَنِي عَدِيٍّ) : وَمِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ: عُرْوَةُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ حُرْثَانَ بْنِ عَوْفِ ابْن عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، هَلَكَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَعَدِيُّ بْنُ نَضْلَةَ ابْن عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ حُرْثَانَ، هَلَكَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ. رَجُلَانِ.

_ [1] فِي الْأُصُول هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي: «سعيد» وَهُوَ تَحْرِيف. قَالَ السهيليّ: «وحيثما تكَرر نسب بنى عدي بن سعد بن سهم يَقُول فِيهِ ابْن إِسْحَاق «سعيد» ، وَالنَّاس على خِلَافه، إِنَّمَا هُوَ سعد، وَإِنَّمَا سعيد ابْن سهم أَخُو سعد، وَهُوَ جد آل عَمْرو بن الْعَاصِ بن وَائِل بن هَاشم بن سعيد بن سهم، وَفِي سهم سعيد آخر وَهُوَ ابْن سعيد الْمَذْكُور» . [2] زِيَادَة عَن أ. [3] فَحل (بِكَسْر أَوله وَسُكُون ثَانِيه) : مَوضِع بِالشَّام كَانَت فِيهِ وقْعَة للْمُسلمين مَعَ الرّوم، وَكَانَ يَوْم فَحل بعد فتح دمشق بعام وَاحِد، (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .

(تولية عمر النعمان على ميسان ثم عزله) :

(تَوْلِيَةُ عُمَرَ النُّعْمَانَ عَلَى مَيْسَانَ ثُمَّ عَزْلُهُ) : وَقَدْ كَانَ مَعَ عَدِيٍّ ابْنُهُ النُّعْمَانُ بْنُ عَدِيٍّ، فَقَدِمَ النُّعْمَانُ مَعَ مَنْ قَدِمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَبَقِيَ حَتَّى كَانَتْ خِلَافَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى مَيْسَانَ، مِنْ أَرْضِ الْبَصْرَةِ، فَقَالَ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ، وَهِيَ: أَلَا هَلْ أَتَى الْحَسْنَاءَ أَنَّ حَلِيلَهَا ... بِمَيْسَانَ يُسْقَى فِي زُجَاجٍ وَحَنْتَمِ [1] إذَا شِئْتُ غَنَّتِني دَهَاقِينُ [2] قَرْيَةٍ ... وَرَقَّاصَةٌ [3] تَجْذُو عَلَى كُلِّ مَنْسِمِ [4] فَإِنْ كُنْتُ نَدْمَانِي فَبِالْأَكْبَرِ اسْقِنِي ... وَلَا تَسْقِنِي بِالْأَصْغَرِ الْمُتَثَلِّمِ لَعَلَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَسُوءُهُ ... تَنَادُمُنَا فِي الجَوْسَقِ الْمُتَهَدِّمِ [5] فَلَمَّا بَلَغَتْ أَبْيَاتُهُ عُمَرَ، قَالَ: نَعَمْ وَاَللَّهِ، إِن ذَلِك ليسوؤني، فَمَنْ لَقِيَهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنِّي قَدْ عَزَلْتُهُ، وَعَزَلَهُ. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ اعْتَذَرَ إلَيْهِ وَقَالَ: وَاَللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا صَنَعْتُ شَيْئًا مِمَّا بَلَغَكَ أَنِّي قُلْتُهُ قَطُّ، وَلَكِنِّي كُنْتُ امْرَأً شَاعِرًا، وَجَدْتُ فَضْلًا مِنْ قَوْلٍ، فَقُلْتُ فِيمَا تَقُولُ الشُّعَرَاءُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَاَيْمُ اللَّهِ، لَا تَعْمَلُ لِي عَلَى عَمَلٍ مَا بَقِيتُ، وَقَدْ قُلْتَ مَا قُلْتَ [6] . (مِنْ بَنِي عَامِرٍ) : وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ: سَلِيطُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وَدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ، وَهُوَ كَانَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ بِالْيَمَامَةِ. رَجُلٌ.

_ [1] الحليل: الزَّوْج. والحنتم: جرار مدهنة بخضرة تضرب إِلَى الْحمرَة. [2] الدهاقين: جمع دهقان، وَهُوَ الْعَارِف بِأُمُور الْقرْيَة ومنافعها ومضارها. [3] يرْوى: «وصناجة» . والصناجة: الَّتِي تضرب بالصنج، وَهُوَ من آلَات الْغناء. [4] تجذو: تبرك على ركبتيها. وَيُرِيد بالمنسم: طرف قدمهَا. وأصل المنسم للبعير. وَهُوَ طرف خفه، فاستعاره هُنَا للْإنْسَان. وَرِوَايَة هَذَا الشّطْر الْأَخير فِي مُعْجم الْبلدَانِ عِنْد الْكَلَام على «ميسَان» : وصناجة تجثو على حرف منسنم [5] الْجَوْسَقِ: الْبُنيان العالي، وَيُقَال هُوَ الْحصن. وَهَذِه الأبيات كتبهَا النُّعْمَان إِلَى امْرَأَته، وَكَانَ قد أرادها على الْخُرُوج مَعَه إِلَى ميسَان فَأَبت عَلَيْهِ. [6] لم يول عمر من قومه بنى عدي ولَايَة قطّ غَيره، لما كَانَ فِي نَفسه من صَلَاحه.

(من بنى الحارث) :

(مِنْ بَنِي الْحَارِثِ) : وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ: عُثْمَانُ بن عبد غم بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدَّادٍ، وَسَعْدُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ عَامِرِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ ظَرْبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ، وَعِيَاضُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدَّادٍ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. فَجَمِيعُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ، وَلَمْ يَقْدَمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، وَمَنْ قَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَنْ لَمْ يَحْمِلْ النَّجَاشِيُّ فِي السَّفِينَتَيْنِ، أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا. (الْهَالِكُونَ مِنْهُمْ) : وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ (جُمْلَةِ [1] ) مَنْ هَلَكَ مِنْهُمْ وَمِنْ أَبْنَائِهِمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ: (مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ) : مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، حَلِيفُ بَنِي أُمَيَّةَ، مَاتَ بِهَا نَصْرَانِيًّا. (مِنْ بَنِي أَسَدٍ) : وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ: عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ. (مِنْ بَنِي جُمَحَ) : وَمِنْ بَنِي جُمَحٍ: حَاطِبُ بْنُ الْحَارِثِ، وَأَخُوهُ حَطَّابُ بْنُ الْحَارِثِ. (مِنْ بَنِي سَهْمٍ) : وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ. (مِنْ بَنِي عَدِيٍّ) : وَمِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ: عُرْوَةُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ حُرْثَانَ بْنِ عَوْفٍ، وَعَدِيُّ بْنُ نَضْلَةَ. سَبْعَةُ نَفَرٍ. (مِنَ الْأَبْنَاءِ) : وَمِنْ أَبْنَائِهِمْ، مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ: مُوسَى بْنُ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدِ بْنِ صَخْرِ ابْن عَامِرٍ. رَجُلٌ.

_ [1] زِيَادَة عَن أ.

(مهاجرات الحبشة) :

(مُهَاجِرَاتُ الْحَبَشَةِ) : وَجَمِيعُ مَنْ هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ النِّسَاءِ، مَنْ قَدِمَ مِنْهُنَّ وَمَنْ هَلَكَ هُنَالِكَ سِتَّ عَشْرَةَ امْرَأَةً، سِوَى بَنَاتِهِنَّ اللَّاتِي وُلِدْنَ هُنَالِكَ، مَنْ قَدِمَ مِنْهُنَّ وَمن هلك لَك، وَمَنْ خَرَجَ بِهِ مَعَهُنَّ حِينَ خَرَجْنَ: (مِنْ قُرَيْشٍ) : مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْ بَنِي هَاشِمٍ: رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ) : وَمِنْ بَنِي أُمَيَّةَ: أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، مَعَهَا ابْنَتُهَا حَبِيبَةُ، خَرَجَتْ بهَا مِنْ مَكَّةَ، وَرَجَعَتْ بِهَا مَعَهَا. (مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ) : وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ، قَدِمَتْ مَعَهَا بِزَيْنَبِ ابْنَتِهَا مِنْ أَبِي سَلمَة ولدتها لَك. (مِنْ بَنِي تَيْمٍ) : وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ: رَيْطَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ جُبَيْلَةَ، هَلَكَتْ بِالطَّرِيقِ، وَبِنْتَانِ لَهَا كَانَتْ وَلَدَتْهُمَا هُنَالِكَ: عَائِشَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ، هَلَكْنَ جَمِيعًا، وَأَخُوهُنَّ مُوسَى بْنُ الْحَارِثِ، مِنْ مَاءٍ شَرِبُوهُ فِي الطَّرِيقِ، وَقَدِمَتْ بِنْتٌ لَهَا وَلَدَتْهَا هُنَالِكَ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ وَلَدِهَا غَيْرُهَا، يُقَالُ لَهَا فَاطِمَةُ. (مِنْ بَنِي سَهْمٍ) : وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو: رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي عَوْفِ بْنِ ضُبَيْرَةَ. (مِنْ بَنِي عَدِيٍّ) : وَمِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ: لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ بْنِ غَانِمٍ. (مِنْ بَنِي عَامِرٍ) : وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ: سَوْدَةُ بِنْتُ زَمَعَةَ بْنِ قَيْسٍ، وَسَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ

(من غرائب العرب) :

ابْن عَمْرٍو، وَابْنَةُ الْمُجَلِّلِ [1] ، وَعَمْرَةُ بِنْتُ السَّعْدِيِّ بْنِ وَقْدَانَ، وَأُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو. (مِنْ غَرَائِبِ الْعَرَبِ) : وَمِنْ غَرَائِبِ الْعَرَبِ: أَسَمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسِ بْنِ النُّعْمَانِ الْخَثْعَمِيَّةُ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ مُحَرَّثٍ الْكِنَانِيَّةُ، وَفُكَيْهَةُ بِنْتُ يَسَارٍ، وَبَرَكَةُ بِنْتُ يَسَارٍ، وَحَسَنَةُ، أُمُّ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ. (أَبْنَاؤُهُمْ بِالْحَبَشَةِ) : وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ وُلِدَ مِنْ أَبْنَائِهِمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ. (مِنْ بَنِي هَاشِمٍ) : وَمِنْ بَنِي هَاشِمٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. (مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ) : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، وَأُخْتُهُ أَمَةُ بِنْتُ خَالِدٍ. (مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ) : وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ الْأَسَدِ. (مِنْ بَنِي زُهْرَةَ) : وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَزْهَرَ. (مِنْ بَنِي تَيْمٍ) : وَمِنْ بَنِي تَيْمٍ: مُوسَى بْنُ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدٍ، وَأَخَوَاتُهُ عَائِشَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ. (الذُّكُورُ مِنْهُمْ) : الرِّجَالُ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ خَالِدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُطَّلِبِ، وَمُوسَى بْنُ الْحَارِثِ.

_ [1] فِي أ: «الْمُحَلّل» . 24- سرة ابْن هِشَام- 2

(الإناث منهم) :

(الْإِنَاثُ مِنْهُمْ) : وَمِنْ النِّسَاءِ خَمْسٌ: أَمَةُ بِنْتُ خَالِدٍ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ، وَعَائِشَةُ وَزَيْنَبُ وَفَاطِمَةُ، بَنَاتُ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدِ بْنِ صَخْرٍ. عُمْرَةُ الْقَضَاءِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ (خُرُوجُ الرَّسُولِ مُعْتَمِرًا فِي ذِي الْقَعْدَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ خَيْبَرَ، أَقَامَ بِهَا شَهْرَيْ رَبِيعٍ وَجُمَادَيَيْنِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَشَوَّالًا، يَبْعَثُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ غَزْوِهِ وَسَرَايَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ خَرَجَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فِي الشَّهْرِ الَّذِي صَدَّهُ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ مُعْتَمِرًا عُمْرَةَ الْقَضَاءِ، مَكَانَ عُمْرَتِهِ الَّتِي صَدُّوهُ عَنْهَا. (ابْنُ الْأَضْبَطِ عَلَى الْمَدِينَةِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُوَيْفَ بْنَ الْأَضْبَطِ الدِّيلِيَّ [1] . (سَبَبُ تَسْمِيَتِهَا بِعُمْرَةِ الْقِصَاصِ) : وَيُقَالُ لَهَا عُمْرَةُ الْقِصَاصِ، لِأَنَّهُمْ صَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ، فَاقْتَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ، فَدَخَلَ مَكَّةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ الَّذِي صَدُّوهُ فِيهِ، مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ [2] . وَبَلَغَنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ 2: 194. (خُرُوجُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ صُدُّوا أَوَّلًا مَعَهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَرَجَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ مِمَّنْ كَانَ صُدَّ مَعَهُ فِي عُمْرَتِهِ [3] تِلْكَ، وَهِيَ سَنَةَ سَبْعٍ، فَلَمَّا سَمِعَ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ خَرَجُوا عَنْهُ، وَتَحَدَّثَتْ قُرَيْشٌ بَيْنَهَا أَنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ فِي عُسْرَةٍ وَجَهْدٍ وَشِدَّةٍ.

_ [1] وَعند الْوَاقِدِيّ أَن الّذي اسْتعْمل على الْمَدِينَة هُوَ أَبُو رهم. [2] كَمَا تسمى أَيْضا: عمْرَة الْقَضِيَّة وَعمرَة الصُّلْح. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) . [3] كَانَت عدَّة الْمُسلمين أَلفَيْنِ سوى النِّسَاء وَالصبيان.

(سبب الهرولة بين الصفا والمروة) :

(سَبَبُ الْهَرْوَلَةِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَفُّوا لَهُ عِنْدَ دَارِ النَّدْوَةِ لِيَنْظُرُوا إلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ اضْطَبَعَ [1] بِرِدَائِهِ، وَأَخْرَجَ عَضُدَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً أَرَاهُمْ الْيَوْمَ مِنْ نَفْسِهِ قُوَّةً، ثُمَّ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، وَخَرَجَ يُهَرْوِلُ [2] وَيُهَرْوِلُ أَصْحَابُهُ مَعَهُ، حَتَّى إذَا وَارَاهُ الْبَيْتُ مِنْهُمْ، وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ، مَشَى حَتَّى يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ، ثُمَّ هَرْوَلَ كَذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، وَمَشَى سَائِرَهَا. فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَظُنُّونَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِمْ. وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا صَنَعَهَا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ لِلَّذِي بَلَغَهُ عَنْهُمْ، حَتَّى إذَا حَجَّ حَجَّةَ [3] الْوَدَاعِ فَلَزِمَهَا، فَمَضَتْ السَّنَّةُ بِهَا. (ارْتِجَازُ ابْنِ رَوَاحَةَ وَهُوَ يَقُودُ نَاقَةَ الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ فِي تِلْكَ الْعُمْرَةِ دَخَلَهَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ بِخِطَامِ، [4] نَاقَتِهِ يَقُولُ: خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... خَلُّوا فَكُلُّ الْخَيْرِ فِي رَسُولِهِ يَا رَبِّ إنِّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهِ [5] ... أَعْرِفُ حَقَّ اللَّهِ فِي قَبُولِهِ نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ ... كَمَا قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ [6] ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ ... وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: « نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ » إلَى آخِرِ الْأَبْيَاتِ، لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْيَوْمِ [7] ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ رَوَاحَةَ إنَّمَا أَرَادَ الْمُشْرِكِينَ،

_ [1] اضطبع بردائه: أَدخل بعضه تَحت عضده الْيُمْنَى، وَجعل طرفه على مَنْكِبه الْأَيْسَر. [2] الهرولة: فَوق الْمَشْي وَدون الجرى. [3] حجَّة: للمرة الْوَاحِد، وَهُوَ شَاذ لِأَن الْقيَاس بِالْفَتْح (الْقَامُوس الْمُحِيط) . [4] الخطام: الّذي تقاد بِهِ النَّاقة. [5] قيله: قَوْله. [6] أَي نَحن نقاتلكم على تَأْوِيله، كَمَا قتلناكم على إِنْكَار تَنْزِيله. [7] أَي يَوْم صفّين، يَوْم قتل عمار بن يَاسر.

(زواج الرسول بميمونة) :

وَالْمُشْرِكُونَ لَمْ يُقِرُّوا بِالتَّنْزِيلِ، وَإِنَّمَا يُقْتَلُ عَلَى التَّأْوِيلِ [1] مَنْ أَقَرَّ بِالتَّنْزِيلِ (زَوَاجُ الرَّسُولِ بِمَيْمُونَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءِ ابْن أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٍ أَبِي الْحَجَّاجِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ وَهُوَ حَرَامٌ، وَكَانَ الَّذِي زَوَّجَهُ إيَّاهَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَتْ جَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَى أُخْتِهَا أُمِّ الْفَضْلِ، وَكَانَتْ أُمُّ الْفَضْلِ تَحْتَ الْعَبَّاسِ، فَجَعَلَتْ أُمُّ الْفَضْلِ أَمْرَهَا إلَى الْعَبَّاسِ، فَزَوَّجَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ [2] ، وَأَصْدَقَهَا عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَربع مائَة دِرْهَمٍ. (إرْسَالُ قُرَيْشٍ حُوَيْطِبًا إلَى الرَّسُولِ يَطْلُبُ مِنْهُ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ثَلَاثًا، فَأَتَاهُ حُوَيْطِبُ ابْن عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وَدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ، فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ وَكَّلَتْهُ بِإِخْرَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، فَقَالُوا لَهُ: إنَّهُ قَدْ انْقَضَى أَجَلُكَ، فَاخْرُجْ عَنَّا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا عَلَيْكُمْ لَوْ تَرَكْتُمُونِي فَأَعْرَسْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، وَصَنَعْنَا لَكُمْ طَعَامًا فَحَضَرْتُمُوهُ قَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا فِي طَعَامِكَ، فَاخْرُجْ عَنَّا. فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَلَّفَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ عَلَى مَيْمُونَةَ، حَتَّى أَتَاهُ بِهَا بِسَرِفَ [3] ، فَبَنَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُنَالِكَ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ. (مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ، فِيمَا حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ:

_ [1] كَذَا فِي م، ر. وَفِي أ: «على التَّنْزِيل» . [2] هَذِه الْكَلِمَة: «بِمَكَّة» سَاقِطَة فِي أ. [3] سرف (ككتف) : مَوضِع قرب التَّنْعِيم.

ذكر غزوة مؤتة [1] في جمادى الأولى سنة ثمان، ومقتل جعفر وزيد وعبد الله بن رواحة

لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ، لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخافُونَ، فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا، فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً 48: 27 يَعْنِي خَيْبَرَ. ذِكْرُ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ [1] فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ، وَمَقْتَلُ جَعْفَرٍ وَزَيْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ، وَوَلِيَ تِلْكَ الْحَجَّةَ الْمُشْرِكُونَ، وَالْمُحَرَّمَ وَصَفَرًا وَشَهْرَيْ رَبِيعٍ، وَبَعَثَ فِي جُمَادَى الْأُولَى بَعْثَهُ إلَى الشَّامِ الَّذِينَ أُصِيبُوا بِمُؤْتَةَ. (بَعْثُ الرَّسُولِ إلَى مُؤْتَةَ وَاخْتِيَارُهُ الْأُمَرَاءَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثَةَ إلَى مُؤْتَةَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَقَالَ: إنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى النَّاسِ، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ عَلَى النَّاسِ [2] (بُكَاءُ ابْنِ رَوَاحَةَ مَخَافَةَ النَّارِ وَشِعْرُهُ لِلرَّسُولِ) : فَتَجَهَّزَ النَّاسُ ثُمَّ تَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ، وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، فَلَمَّا حَضَرَ خُرُوجَهُمْ وَدَّعَ النَّاسُ أُمَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمُوا عَلَيْهِمْ. فَلَمَّا وَدَّعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ مَنْ وَدَّعَ مِنْ أُمَرَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى، فَقَالُوا: مَا يُبْكِيكَ يَا بْنَ رَوَاحَةَ؟ فَقَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ مَا بِي حُبُّ الدُّنْيَا وَلَا صَبَابَةٌ بِكُمْ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَذْكُرُ فِيهَا النَّارَ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا 19: 71،

_ [1] مُؤْتَة (مَهْمُوزَة الْوَاو. وَحكى فِيهِ غير الْهَمْز) : قَرْيَة من أَرض البلقاء من الشَّام. وَتسَمى أَيْضا غَزْوَة جَيش الْأُمَرَاء، وَذَلِكَ لِكَثْرَة جَيش الْمُسلمين فِيهَا وَمَا لَا قُوَّة من الْحَرْب الشَّديد مَعَ الْكفَّار. (رَاجع السهيليّ، وَالنِّهَايَة، وَشرح أَبى ذَر، وَشرح الْمَوَاهِب) . [2] وَزَاد الزرقانى: «فَإِن قتل فليتربص الْمُسلمُونَ بِرَجُل من بَينهم يجعلونه عَلَيْهِم» .

فَلَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصَّدَرِ بَعْدَ الْوُرُودِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: صَحِبَكُمْ اللَّهُ وَدَفَعَ عَنْكُمْ، وَرَدَّكُمْ إلَيْنَا صَالِحِينَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: لَكِنَّنِي أَسْأَلُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً ... وضربة ذَات فرغ تَقْذِفُ الزَّبَدا [1] أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرَّانَ مُجْهِزَةً ... بِحَرْبَةٍ تُنْفِذُ الْأَحْشَاءَ وَالْكَبِدَا [2] حَتَّى يُقَالَ إذَا مَرُّوا عَلَى جَدَثِي [3] ... أَرْشَدَهُ اللَّهُ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا [4] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ الْقَوْمَ تَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ، فَأَتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَدَّعَهُ، ثُمَّ قَالَ: فَثَبَّتَ اللَّهُ مَا آتَاكَ مِنْ حَسَنٍ ... تَثْبِيتَ مُوسَى وَنَصْرًا كَاَلَّذِي نُصِرُوا [5] إنِّي تَفَرَّسْتُ فِيكَ الْخَيْرَ نَافِلَةً ... اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي ثَابِتُ الْبَصَرِ [6] أَنْتَ الرَّسُولُ فَمَنْ يُحْرَمْ نَوَافِلَهُ ... وَالْوَجْهَ مِنْهُ فَقَدْ أَزْرَى بِهِ الْقَدَرُ [7] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ: أَنْتَ الرَّسُولُ فَمَنْ يُحْرَمْ نَوَافِلَهُ ... وَالْوَجْهَ مِنْهُ فَقَدْ أَزْرَى بَهْ الْقَدَرُ فَثَبَّتَ اللَّهُ مَا آتَاكَ مِنْ حَسَنٍ ... فِي الْمُرْسَلِينَ وَنَصْرًا كَاَلَّذِي نُصِرُوا إنِّي تَفَرَّسْتُ فِيكَ الْخَيْرَ نَافِلَةً ... فِرَاسَةً خَالَفَتْ فِيكَ الَّذِي نَظَرُوا يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ الْقَوْمُ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إذَا وَدَّعَهُمْ وَانْصَرَفَ عَنْهُمْ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: خَلَفَ السَّلَامُ عَلَى امْرِئٍ وَدَّعْتُهُ ... فِي النَّخْلِ خَيْرَ مُشَيِّعٍ وَخَلِيلِ

_ [1] ذَات فرغ: ذَات سَعَة. والزبد هُنَا: رغوة الدَّم. (عَن أَبى ذَر) . [2] مجهزة: سريعة الْقَتْل. وتنفذ الأحشاء: تخترقها. [3] الجدث والجدف: الْقَبْر. [4] فِي شرح الْمَوَاهِب: «يَا أرشد الله» . [5] كَذَا فِي م، ر، وَفِي أ: «نصرا» . [6] فِي هَذَا الْبَيْت إقواء. [7] نَافِلَة: هبة من الله وعطية مِنْهُ. والنوافل: العطايا والمواهب. وأزرى بِهِ الْقدر، أَي قصر بِهِ. (عَن أَبى ذَر) .

(تخوف الناس من لقاء هرقل وشعر ابن رواحة يشجعهم) :

(تَخَوُّفُ النَّاسِ مِنْ لِقَاءِ هِرَقْلَ وَشِعْرُ ابْنِ رَوَاحَةَ يُشَجِّعُهُمْ) : ثُمَّ مَضَوْا حَتَّى نَزَلُوا مَعَانَ، مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَبَلَغَ النَّاسَ أَنَّ هِرَقْلَ قَدْ نَزَلَ مَآبَ، مِنْ أَرْضِ البلقاء، فِي مائَة أَلْفٍ مِنْ الرُّومِ، وانضمّ إِلَيْهِم مل لَخْمٍ وَجُذَامٍ وَالْقَيْنِ وبهراء وبلىّ مائَة أَلْفٍ مِنْهُمْ، عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ بَلِيٍّ ثُمَّ أَحَدُ إرَاشَةَ، يُقَالُ لَهُ: مَالِكُ بْنُ زَافِلَةَ. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ أَقَامُوا عَلَى مَعَانَ لَيْلَتَيْنِ يُفَكِّرُونَ فِي أَمْرِهِمْ وَقَالُوا: نَكْتُبُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنُخْبِرُهُ بِعَدَدِ عَدُوِّنَا، فَإِمَّا أَنْ يُمِدَّنَا بِالرِّجَالِ، وَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَنَا بِأَمْرِهِ، فَنَمْضِيَ لَهُ. (تَشْجِيعُ ابْنِ رَوَاحَةَ النَّاسَ عَلَى الْقِتَالِ) : قَالَ: فَشَجَّعَ النَّاسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَقَالَ: يَا قَوْمِ، وَاَللَّهِ إنَّ الَّتِي تَكْرَهُونَ، لَلَّتِي خَرَجْتُمْ تَطْلُبُونَ الشَّهَادَةُ، وَمَا نُقَاتِلُ النَّاسَ بِعَدَدِ وَلَا قُوَّةٍ وَلَا كَثْرَةٍ، مَا نُقَاتِلُهُمْ إلَّا بِهَذَا الدِّينِ الَّذِي أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِهِ، فَانْطَلِقُوا فَإِنَّمَا هِيَ إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إمَّا ظُهُورٌ وَإِمَّا شَهَادَةٌ. قَالَ: فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ وَاَللَّهِ صَدَقَ ابْنُ رَوَاحَةَ. فَمَضَى النَّاسُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي مَحْبِسِهِمْ ذَلِكَ: جَلَبْنَا الْخَيْلَ مِنْ أَجَإٍ وَفَرْعٍ ... تُغَرُّ مِنْ الْحَشِيشِ لَهَا الْعُكُومُ [1] حَذَوْنَاهَا مِنْ الصَّوَّانِ سِبْتًا ... أَزَلَّ كَأَنَّ صَفْحَتَهُ أَدِيمُ [2] أَقَامَتْ لَيْلَتَيْنِ عَلَى مَعَانٍ ... فَأَعْقَبَ بَعْدَ فَتْرَتِهَا جُمُومُ [3]

_ [1] أجأ: أحد جبلي طيِّئ، وَالْآخر سلمى. وَفرع (بِالْفَتْح) : اسْم مَوضِع من وَرَاء الفرك. وَقَالَ يَا قوت: «الْفَرْع: أطول جبل بأجأ وأوسطه» .. وَظَاهر أَن هَذَا هُوَ المُرَاد هُنَا. وتغر (بالغين الْمُعْجَمَة) : تطعم شَيْئا بعد شَيْء. يُقَال غر الفرخ غرا وغرارا: زقه. والعكوم: جمع عكم (بِالْفَتْح) وَهُوَ الْجنب. [2] قَالَ أَبُو ذَر: «حذوناها: جعلنَا لَهَا حذاء، وَهُوَ النَّعْل: والصوان: حِجَارَة ملس، واحدتها صوانة. والسبت: النِّعَال الَّتِي تصنع من الْجُلُود المدبوغة. وأزل، أَي أملس صفحته ظَاهِرَة. والأديم: الْجلد» .. وَقَالَ السهيليّ: «أَي حذوناها نعالا من حَدِيد، جعله سبتا لَهَا مجَازًا وصوان من الصون، يصون حوافرها، أَو أخفافها، إِن أَرَادَ الْإِبِل، فقد كَانُوا يحذونها السريح، وَهُوَ جلد يصون أخفافها. وَأظْهر من هَذَا أَن يكون أَرَادَ بالصوان: يبيس الأَرْض، أَي لَا سبت لَهَا إِلَّا ذَلِك» . [3] معَان (بِفَتْح الْمِيم) : مَوضِع بِالشَّام. والفترة: الضعْف والسكون. والجموم: اجْتِمَاع الْقُوَّة والنشاط بعد الرَّاحَة.

فَرُحْنَا وَالْجِيَادُ مُسَوَّمَاتٌ ... تَنَفَّسُ فِي مَنَاخِرِهَا السَّمُومُ [1] فَلَا وَأَبِي مَآبَ لَنَأْتِيَنْهَا ... وَإِنْ كَانَتْ بِهَا عَرَبٌ وَرُومُ [2] فَعَبَّأْنَا أَعِنَّتَهَا فَجَاءَتْ ... عَوَابِسَ وَالْغُبَارُ لَهَا بَرِيمُ [3] بِذِي لَجَبٍ كَأَنَّ الْبَيْضَ فِيهِ ... إذَا بَرَزَتْ قَوَانِسُهَا النُّجُومُ [4] فَرَاضِيَةُ الْمَعِيشَةِ طَلَّقَتْهَا ... أَسِنَّتُهَا فَتَنْكِحُ أَوْ تَئِيمُ [5] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: «وَيُرْوَى: جَلَبْنَا الْخَيْلَ مِنْ آجَامِ قُرْحٍ [6] » ، وَقَوْلُهُ: «فَعَبَّأْنَا أَعِنَّتَهَا» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ مَضَى النَّاسُ، فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ حُدِّثَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: كُنْتُ يَتِيمًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فِي حَجْرِهِ، فَخَرَجَ بِي فِي سَفَره ذَلِك مرد فِي عَلَى حقيبة [7] رَحْله، فو الله إنَّهُ لَيَسِيرُ لَيْلَةً إذْ سَمِعْتُهُ وَهُوَ يُنْشِدُ أَبْيَاتَهُ هَذِهِ إذَا أَدَّيْتِنِي وَحَمَلْتِ رَحْلِي ... مَسِيرَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ الْحِسَاءِ [8]

_ [1] مسومات: مرسلات. والسموم: الرّيح الحارة. [2] مآب: اسْم مَدِينَة فِي طرف الشَّام من نواحي البلقاء. قَالَ السهيليّ: «يجوز نَصبه بِفعل مُقَدّر، أَو مَرْفُوع على الِابْتِدَاء» . [3] البريم فِي الأَصْل: خيطان مختلطان أَحْمَر وأبيض، تشدهما الْمَرْأَة على وَسطهَا أَو عضدها. وكل مَا فِيهِ لونان مختلطان فَهُوَ بريم أَيْضا. يُرِيد مَا علاها من الْغُبَار، فخالط لَونه لَوْنهَا. والدمع الْمُخْتَلط بالإثمد. وَهَذَا أقرب لِمَعْنى الْبَيْت: أَي أَن دموع الْخَيل اخْتلطت بِالتُّرَابِ فَصَارَت كالبريم. [4] ذِي لجب: أَي جَيش. واللجب: اخْتِلَاط الْأَصْوَات وَكَثْرَتهَا: وَالْبيض: مَا يوضع على الرَّأْس من الْحَدِيد. والقوانس: جمع قونس، وَهُوَ أَعلَى الْبَيْضَة. [5] قَالَ أَبُو ذَر: «تئيم: تبقى دون زوج، يُقَال: آمت الْمَرْأَة إِذا لم تتَزَوَّج» . [6] قرح (بِالضَّمِّ) : سوق وَادي الْقرى، وبهذه الرِّوَايَة ورد هَذَا الْبَيْت فِي ياقوت مَنْسُوبا إِلَى ابْن رَوَاحَة. [7] (الحقيبة) فِي الأَصْل: العجيزة، ثمَّ سمى مَا يحمل من القماش على الْفرس خلف الرَّاكِب حقيبة، مجَازًا، لِأَنَّهُ مَحْمُول على الْعَجز. (الْمِصْبَاح) . [8] الحساء: جمع حسي، وَهُوَ مَاء يغور فِي الرمل حَتَّى يجد صخرا، فَإِذا بحث عَنهُ وجد يُرِيد مَكَانا فِيهِ الحساء.

(لقاء الروم) :

فَشَأْنُكَ أَنْعُمٌ وَخَلَّاكِ ذَمٌّ ... وَلَا أَرْجِعْ إلَى أَهْلِي وَرَائِي [1] وَجَاءَ الْمُسْلِمُونَ وَغَادَرُونِي ... بِأَرْضِ الشَّامِ مُشْتَهِيَ الثَّوَاءِ [2] وَرَدَّكَ كُلُّ ذِي نَسَبٍ قَرِيبٍ ... إلَى الرَّحْمَنِ مُنْقَطِعَ الْإِخَاءِ هُنَالِكَ لَا أُبَالِي طَلْعَ بَعْلٍ ... وَلَا نَخْلٍ أَسَافِلُهَا رِوَاءُ [3] فَلَمَّا سَمِعْتُهُنَّ مِنْهُ بَكَيْتُ. قَالَ: فَخَفَقَنِي [4] بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ: مَا عَلَيْكَ يَا لُكَعُ [5] أَنْ يَرْزُقَنِي اللَّهُ شَهَادَةً وَتَرْجِعَ بَيْنَ شُعْبَتَيْ [6] الرَّحْلِ! قَالَ: ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي بَعْضِ سَفَرِهِ ذَلِكَ وَهُوَ يَرْتَجِزُ: يَا زَيْدُ زَيْدَ الْيَعْمَلَاتِ الذُّبَّلِ ... تَطَاوَلَ اللَّيْلُ هُدِيتَ فَانْزِلْ [7] (لِقَاءُ الرُّومِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَمَضَى النَّاسُ، حَتَّى إذَا كَانُوا بِتُخُومِ [8] الْبَلْقَاءِ لَقِيَتْهُمْ جَمُوعُ هِرَقْلَ، مِنْ الرُّومِ وَالْعَرَبِ، بِقَرْيَةِ مِنْ قُرَى الْبَلْقَاءِ يُقَالُ لَهَا مَشَارِفُ، ثُمَّ دَنَا الْعَدُوُّ، وَانْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا مُؤْتَةُ، فَالْتَقَى النَّاسُ عِنْدَهَا، فَتَعَبَّأَ لَهُمْ الْمُسْلِمُونَ، فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَتِهِمْ رَجُلًا مِنْ بَنِي عُذْرَةَ، يُقَالُ لَهُ: قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِمْ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ عُبَايَةُ بْنُ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عُبَادَةُ بْنُ مَالِكٍ.

_ [1] فشأنك أنعم: يُرِيد أَنه لَا يكلفها سفرا بعد ذَلِك، وَإِنَّمَا تنعم مُطلقَة، لعزمه على الْمَوْت فِي سَبِيل الله. وَلَا أرجع: قَالَ أَبُو ذَر: «هُوَ مجزوم على الدُّعَاء، دَعَا على نَفسه أَن يستشهد وَلَا يرجع إِلَى أَهله» . [2] الثواء الْإِقَامَة فِي الْمَكَان، وَفعله: ثوى يثوى (من بَاب ضرب) . [3] البعل: الّذي يشرب بعروقه من الأَرْض. ورواء (بِكَسْر الْهمزَة) : صفة النّخل. [4] خفتنى بِالدرةِ: أَي ضَرَبَنِي بهَا. والدرة: السَّوْط. [5] اللكع (كصرد) : اللَّئِيم. [6] شعبتى الرحل: طرفاه الْمُقدم والمؤخر (عَن أَبى ذَر) . [7] اليعملات: جمع يعملة، وَهِي النَّاقة السريعة. والذبل: الَّتِي أضعفها السّير، فَقل لَحمهَا. (عَن أَبى ذَر) . [8] التخوم: الْحُدُود الفاصلة بَين أَرض وَأَرْض، وَهِي جمع: تخم. (انْظُر اللِّسَان) .

(مقتل ابن حارثة) :

(مَقْتَلُ ابْنِ حَارِثَةَ) : قَالَ ابْن إِسْحَاق: ثمَّ الْتَقَى النَّاسُ وَاقْتَتَلُوا، فَقَاتَلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بِرَايَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى شَاطَ [1] فِي رِمَاحِ الْقَوْمِ. (إمَارَةُ جَعْفَرٍ وَمَقْتَلُهُ) : ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا، حَتَّى إذَا أَلْحَمَهُ الْقِتَالُ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ [2] شَقْرَاءَ، فَعَقَرَهَا [3] ، ثُمَّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ. فَكَانَ جَعْفَرٌ أَوَّلَ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَقَرَ فِي الْإِسْلَامِ [4] . وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي الَّذِي أَرْضَعَنِي، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ قَالَ: وَاَللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى جَعْفَرٍ حِينَ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ، ثُمَّ عَقَرَهَا ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ وَهُوَ يَقُولُ: يَا حَبَّذَا الْجَنَّةُ وَاقْتِرَابُهَا ... طَيِّبَةً وَبَارِدًا شَرَابُهَا وَالروم روم قددنا عَذَابُهَا ... كَافِرَةٌ بَعِيدَةٌ أَنْسَابُهَا عَلَيَّ إذْ لَاقَيْتُهَا ضِرَابُهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخَذَ اللِّوَاءَ بِيَمِينِهِ فَقَطِعَتْ، فَأَخَذَهُ بِشِمَالِهِ فَقُطِعَتْ، فَاحْتَضَنَهُ بِعَضُدَيْهِ حَتَّى قُتِلَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَأَثَابَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ جَنَاحَيْنِ فِي الْجَنَّةِ يَطِيرُ بِهِمَا حَيْثُ شَاءَ. وَيُقَالُ: إنَّ رَجُلًا مِنْ الرُّومِ ضَرَبَهُ يَوْمَئِذٍ ضَرْبَةً، فَقَطَعَهُ [5] بِنِصْفَيْنِ.

_ [1] يُقَال شاط الرجل: إِذا سَالَ دَمه فَهَلَك. (عَن أَبى ذَر) . [2] ألحمه الْقِتَال: نشب فِيهِ فَلم يجد مخلصا. واقتحم عَن فرس لَهُ: رمى بِنَفسِهِ عَنْهَا. [3] عقرهَا: ضرب قَوَائِمهَا وَهِي قَائِمَة بِالسَّيْفِ. وَفِي رِوَايَة لِابْنِ عقبَة والواقدي وَابْن إِسْحَاق أَيْضا «فعرقبها» أَي قطع عرقوبها، وَهُوَ الْوتر الّذي بَين السَّاق والقدم. [4] قَالَ السهيليّ: «لم يعب ذَلِك عَلَيْهِ أحد، فَدلَّ على جَوَازه إِذا خيف أَن يَأْخُذهَا الْعَدو فَيُقَاتل عَلَيْهَا الْمُسلمين، فَلم يدْخل هَذَا فِي بَاب النهى عَن تَعْذِيب الْبَهَائِم وقتلها عَبَثا، غير أَن أَبَا دَاوُد قَالَ: لَيْسَ هَذَا الحَدِيث بالقوى. وَقد جَاءَ فِيهِ نهى كثير عَن الصَّحَابَة ... » وَقَالَ الزرقانى مستدركا: «وَكَأَنَّهُ يُرِيد: لَيْسَ بِصَحِيح، وَإِلَّا فَهُوَ حسن، كَمَا جزم بِهِ الْحَافِظ، وَتَبعهُ المُصَنّف» . [5] فِي رِوَايَة أَبى ذَر: «فقطه» . وَهِي بِمَعْنى قطعه.

(إمارة ابن رواحة ومقتله) :

(إمَارَةُ ابْنِ رَوَاحَةَ وَمَقْتَلُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي الَّذِي أَرْضَعَنِي، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: فَلَمَّا قُتِلَ جَعْفَرٌ أَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ الرَّايَةَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ بِهَا، وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ، فَجَعَلَ يَسْتَنْزِلُ نَفْسَهُ، وَيَتَرَدَّدُ بَعْضَ التَّرَدُّدِ، ثُمَّ قَالَ: أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلِنَّهْ ... لَتَنْزِلِنَّ أَوْ لَتُكْرَهِنَّهْ إنْ أَجْلَبَ النَّاسُ وَشَدُّوا الرّنّه ... مَا لي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ الْجَنَّهْ [1] قَدْ طَالَ مَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّهْ ... هَلْ أَنْتِ إلَّا نُطْفَةٌ فِي شَنَّهْ [2] وَقَالَ أَيْضًا: يَا نَفْسُ إلَّا تُقْتَلِي تَمُوتِي ... هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صَلِيَتْ وَمَا تَمَنَّيْتِ فَقَدْ أُعْطِيتُ ... إنْ تَفْعَلِي فِعْلَهُمَا هُدِيتُ يُرِيدُ صَاحِبَيْهِ: زَيْدًا وَجَعْفَرًا، ثُمَّ نَزَلَ. فَلَمَّا نَزَلَ أَتَاهُ ابْنُ عَمٍّ لَهُ بِعَرْقٍ [3] مِنْ لَحْمٍ فَقَالَ: شُدَّ بِهَذَا صُلْبَكَ، فَإِنَّكَ قَدْ لَقِيتُ فِي أَيَّامِكَ هَذِهِ مَا لَقِيتُ، فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ انْتَهَسَ [4] مِنْهُ نَهْسَةً، ثُمَّ سَمِعَ الْحَطْمَةَ [5] فِي نَاحِيَةِ النَّاسِ، فَقَالَ: وَأَنْتَ فِي الدُّنْيَا! ثُمَّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَتَقَدَّمَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. (ابْنُ الْوَلِيدِ وانصرافه بِالنَّاسِ) : ثمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ [6] أَخُو بَنِي الْعَجْلَانِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اصْطَلِحُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ، قَالُوا: أَنْتَ، قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلِ. فَاصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَى

_ [1] أجلب الْقَوْم: صاحوا واجتمعوا. والرنة: صَوت تَرْجِيع شبه الْبكاء. (عَن أَبى ذَر) . [2] النُّطْفَة: المَاء الْقَلِيل الصافي. والشنة: السقاء الْبَالِي، أَي فيوشك أَن تهراق النُّطْفَة أَو ينخرق السقاء، ضرب ذَلِك مثلا لنَفسِهِ فِي جسده. [3] الْعرق: الْعظم الّذي عَلَيْهِ بعض لحم. (عَن أَبى ذَر) . [4] انتهس: أَخذ مِنْهُ بفمه يَسِيرا. (عَن أَبى ذَر) . [5] الحطمة: زحام النَّاس وحطم بَعضهم بَعْضًا. [6] كَذَا فِي الْمَوَاهِب اللدنية والاستيعاب. وَهُوَ ثَابت بن أقرم بن ثَعْلَبَة بن عدي بن العجلان الْبلوى ثمَّ الْأنْصَارِيّ. وَكَانَ مَقْتَله سنة إِحْدَى عشرَة فِي الرِّدَّة، وَقيل سنة اثْنَتَيْ عشرَة. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أَرقم» وَهُوَ تَحْرِيف.

(تنبؤ الرسول بما حدث للمسلمين مع الروم) :

خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ [1] ، فَلَمَّا أَخَذَ الرَّايَةَ دَافَعَ الْقَوْمَ، وَحَاشَى [2] بِهِمْ، ثُمَّ انْحَازَ وَانْحِيزَ عَنْهُ، حَتَّى انْصَرَفَ بِالنَّاسِ. (تَنَبُّؤُ الرَّسُولِ بِمَا حَدَثَ لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ الرُّومِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا أُصِيبَ الْقَوْمُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا بَلَغَنِي: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، قَالَ: ثُمَّ صَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَغَيَّرَتْ وُجُوهُ الْأَنْصَارِ، وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بَعْضُ مَا يَكْرَهُونَ، ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ رُفِعُوا إلَيَّ فِي الْجَنَّةِ، فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، عَلَى سُرُرٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَرَأَيْتُ فِي سَرِيرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ ازْوِرَارًا [3] عَنْ سَرِيرَيْ صَاحِبَيْهِ، فَقُلْتُ: عَمَّ هَذَا؟ فَقِيلَ لِي: مَضَيَا وَتَرَدَّدَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْضَ التَّرَدُّدِ، ثُمَّ مَضَى. (حُزْنُ الرَّسُولِ عَلَى جَعْفَرٍ وَوِصَايَتُهُ بِآلِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أُمِّ عِيسَى الْخُزَاعِيَّةِ، عَنْ أُمِّ جَعْفَرِ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ جَدَّتِهَا أَسَمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، قَالَتْ: لَمَّا أُصِيبَ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ دَبَغْتُ أَرْبَعِينَ مَنًا [4]- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى أَرْبَعِينَ مَنِيئَةً- وَعَجَنْتُ عَجِينِي، وَغَسَلْتُ بَنِيَّ وَدَهَنْتهمْ وَنَظَّفْتهمْ. قَالَتْ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْتِينِي بِبَنِي جَعْفَرٍ، قَالَتْ: فَأَتَيْتُهُ بِهِمْ، فَتَشَمَّمَهُمْ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،

_ [1] وروى الطَّبَرَانِيّ عَن أَبى الْيُسْر قَالَ: أَنا دفعت الرَّايَة إِلَى ثَابت بن أقرم لما أُصِيب ابْن رَوَاحَة، فَدَفعهَا إِلَى خَالِد وَقَالَ: أَنْت أعلم بِالْقِتَالِ منى. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) . [2] كَذَا فِي أ: وحاشى بهم (بِالْحَاء الْمُهْملَة) : انحاز بهم، وَهُوَ من الحشى، وَهِي النَّاحِيَة. وَفِي م، ر: «خاشى» (بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة) . والمخاشاة: المحاجزة، وَهِي مفاعلة من الخشية، لِأَنَّهُ خشِي على الْمُسلمين لقلَّة عَددهمْ. [3] ازورارا: ميلًا وعوجا. [4] فِي الْأُصُول: «منئا» . والتصويب عَن أَبى ذَر، وَهَذَا نَص عِبَارَته: «المنا» (بِالْقصرِ) : الّذي يُوزن بِهِ. وَهُوَ الرطل. وتعنى أَرْبَعِينَ رطلا من دباغ. وَمن روى: «منيئة» فَمَعْنَاه: الْجلد مَا دَامَ فِي الدّباغ. وبهذه الرِّوَايَة الثَّانِيَة روى الحَدِيث صَاحب (اللِّسَان: منأ) .

بِأَبِي أَنْتُ وَأُمِّي، مَا يُبْكِيكَ؟ أَبَلَغَكَ عَنْ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، أُصِيبُوا هَذَا الْيَوْمَ. قَالَتْ: فَقُمْتُ أَصِيحُ، وَاجْتَمَعَتْ إلَيَّ النِّسَاءُ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ: لَا تُغْفِلُوا آلَ جَعْفَرٍ مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا لَهُمْ طَعَامًا، فَإِنَّهُمْ قَدْ شُغِلُوا بِأَمْرِ صَاحِبِهِمْ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: لَمَّا أَتَى نَعْيُ [1] جَعْفَرٍ عَرَفْنَا فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُزْنَ. قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ النِّسَاءَ عَنَّيْنَنَا وَفَتَنَّنَا، قَالَ: فَارْجِعْ إلَيْهِنَّ فَأَسْكِتْهُنَّ. قَالَتْ: فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ- قَالَ: تَقُولُ وَرُبَّمَا ضَرَّ التَّكَلُّفُ أَهْلَهُ- قَالَتْ: قَالَ: فَاذْهَبْ فَأَسْكِتْهُنَّ، فَإِنْ أَبَيْنَ فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ [2] ، قَالَتْ: وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أبعدك الله! فو اللَّهُ مَا تَرَكْتَ نَفْسَكَ وَمَا أَنْتَ بِمُطِيعٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ: وَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَحْثِيَ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ الْعُذْرِيُّ، الَّذِي كَانَ عَلَى مَيْمَنَةِ الْمُسْلِمِينَ، قَدْ حَمَلَ عَلَى مَالِكِ بْنِ زَافِلَةَ [3] فَقَتَلَهُ، فَقَالَ قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ: طَعَنْتُ ابْنَ زافلة بن الإراش ... بِرُمْحٍ مَضَى فِيهِ ثُمَّ انْحَطَمْ [4] ضَرَبْتُ عَلَى جِيدِهِ ضَرْبَةً ... فَمَالَ كَمَا مَالَ غُصْنُ السَّلَمْ [5] وَسُقْنَا نِسَاءَ بَنِي عَمِّهِ ... غَدَاةَ رَقَوْقَيْنَ سَوْقَ النَّعَمْ [6] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ: «ابْنِ الْإِرَاشِ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.

_ [1] النعي (بِسُكُون الْعين) : خبر الْمَيِّت الّذي يأتى. والنعي (بِكَسْر الْعين وَتَشْديد الْيَاء) : هُوَ الرجل الّذي يأتى بِخَبَر مَوته. [2] يُقَال: حثا الرجل التُّرَاب يحثوه جثوا ويحثيه حثيا، إِذا قَبضه بِيَدِهِ ثمَّ رَمَاه. [3] كَذَا فِي أ: وَفِي م ر، هُنَا وَفِيمَا يأتى: «رافلة» بالراء الْمُهْملَة. [4] انحطم: انْكَسَرَ. [5] السّلم: شجر الْعضَاة، الْوَاحِدَة: سَلمَة. [6] رقوقين: اسْم مَوضِع. ويروى: «رقوفين» (بِالْفَاءِ فِي الثَّانِي) ، (عَن أَبى ذَر) .

(كاهنة حدس وإنذارها قومها) :

وَالْبَيْتُ الثَّالِثُ عَنْ خَلَّادِ [1] بْنِ قُرَّةَ، وَيُقَالُ: مَالِكُ بْنُ رَافِلَةَ [2] : (كَاهِنَةُ حَدَسٍ وَإِنْذَارُهَا قَوْمَهَا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَتْ كَاهِنَةٌ مِنْ حَدَسٍ [3] حِينَ سَمِعَتْ بِجَيْشِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلًا، قَدْ قَالَتْ لِقَوْمِهَا مِنْ حَدَسٍ، وَقَوْمُهَا بَطْنٌ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو غَنْمٍ- أُنْذِرُكُمْ قَوْمًا خُزْرًا [4] ، يَنْظُرُونَ شَزْرًا [5] ، وَيَقُودُونَ الْخَيْلَ تَتْرَى [6] ، ويُهْرِيقُونَ دَمًا عَكْرًا [7] . فَأَخَذُوا بِقَوْلِهَا، وَاعْتَزَلُوا مِنْ بَيْنِ لَخْمٍ، فَلَمْ تَزَلْ بَعْدُ أَثْرَى [8] حَدَسٍ. وَكَانَ الَّذِينَ صَلَوْا الْحَرْبَ يَوْمَئِذٍ بَنُو ثَعْلَبَةَ، بَطْنٌ مِنْ حَدَسٍ، فَلَمْ يَزَالُوا قَلِيلًا بَعْدُ. فَلَمَّا انْصَرَفَ خَالِدٌ بِالنَّاسِ أَقْبَلَ بِهِمْ قَافِلًا. (رُجُوعُ الْجَيْشِ وَتَلَقِّي الرَّسُولِ لَهُ وَغَضَبُ الْمُسْلِمِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا دَنَوْا مِنْ حَوْلِ الْمَدِينَةِ تَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ. قَالَ: وَلَقِيَهُمْ الصِّبْيَانُ يَشْتَدُّونَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلٌ مَعَ الْقَوْمِ عَلَى دَابَّةٍ، فَقَالَ: خُذُوا الصِّبْيَانَ فَاحْمِلُوهُمْ، وَأَعْطُونِي ابْنَ جَعْفَرٍ. فَأَتَى بِعَبْدِ اللَّهِ فَأَخَذَهُ فَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ: وَجَعَلَ النَّاسُ يَحْثُونَ عَلَى الْجَيْشِ التُّرَابَ، وَيَقُولُونَ يَا فُرَّارُ، فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ! قَالَ: فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسُوا بِالْفُرَّارِ، وَلَكِنَّهُمْ الْكُرَّارُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ بَعْضِ آلِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: وَهُمْ أَخْوَالُهُ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ

_ [1] كَذَا فِي م، ر، وَفِي أ: «خَالِد» . [2] كَذَا فِي أ. وَفِي م، ر: «راقلة» (بِالْقَافِ) . [3] حدس: قَبيلَة من لخم، ولخم: قَبيلَة من الْيمن. (عَن أَبى ذَر) . [4] الخزر: جمع أخزر، وَهُوَ الّذي ينظر بمؤخر عينه نظر المتكبر. (عَن أَبى ذَر) . [5] الشزر: نظر الْعَدَاوَة. [6] تترى: متتابعة شَيْئا بعد شَيْء. قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا 23: 44. وَمن رَوَاهُ: «تترى» فَهُوَ مصدر، من قَوْلك: نتر الشَّيْء، إِذا جذبه. (عَن أَبى ذَر) . [7] الذّكر: المتعكر، يُرِيد دَمًا مختلطا. [8] «أثرى» : من الثروة، وَهِي الْكَثْرَة. أَي أَكثر مَالا وعددا.

(شعر قيس في الاعتذار عن تقهقر خالد) :

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لِامْرَأَةِ سَلَمَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ بن الْمُغيرَة: مَا لي لَا أَرَى سَلَمَةَ يَحْضُرُ الصَّلَاةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ، كُلَّمَا خَرَجَ صَاحَ بِهِ النَّاسُ يَا فُرَّارُ، فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، حَتَّى قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَمَا يَخْرُجُ. (شِعْرُ قَيْسٍ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ تَقَهْقُرِ خَالِدٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ قَالَ فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ وَأَمْرِ خَالِدٍ وَمُخَاشَاتِهِ بِالنَّاسِ وَانْصِرَافِهِ بِهِمْ، قَيْسُ بْنُ الْمُسَحَّرِ الْيَعْمَرِيُّ، يَعْتَذِرُ مِمَّا صَنَعَ يَوْمَئِذٍ وصنع النَّاس فو الله لَا تَنْفَكُّ نَفْسِي تَلُومُنِي ... عَلَى مَوْقِفِي وَالْخَيْلُ قَابِعَةٌ قُبْلُ [1] وَقَفْتُ بِهَا لَا مُسْتَجِيرًا [2] فَنَافِذًا ... وَلَا مَانِعًا مَنْ كَانَ حُمَّ لَهُ الْقَتْلُ عَلَى أَنَّنِي آسَيْتُ نَفْسِي بِخَالِدِ ... أَلَا خَالِدٌ فِي الْقَوْمِ لَيْسَ لَهُ مِثْلُ [3] وَجَاشَتْ إلَيَّ النَّفْسُ مِنْ نَحْوِ جَعْفَرٍ ... بِمُؤْتَةِ إذْ لَا يَنْفَعُ النَّابِلَ النَّبْلُ [4] وَضَمَّ إلَيْنَا حَجْزَتَيْهِمْ كِلَيْهِمَا ... مُهَاجِرَةٌ لَا مُشْرِكُونَ وَلَا عُزْلُ [5] فَبَيَّنَ قَيْسٌ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ فِي شِعْرِهِ، أَنَّ الْقَوْمَ حَاجَزُوا وَكَرِهُوا الْمَوْتَ، وَحَقَّقَ انْحِيَازَ خَالِدٍ بِمَنْ مَعَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَقَالَ فِيمَا بَلَغَنَا عَنْهُ: أَمَّرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَتَّى قَفَلَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (شِعْرُ حَسَّانَ فِي بكاء قتل مُؤْتَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمَّا بُكِيَ بِهِ أَصْحَابُ مُؤْتَةَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:

_ [1] قَالَ أَبُو ذَر: «قائعة» من رَوَاهُ بِالْهَمْز فَمَعْنَاه: واثبة، يُقَال: قأع الْفَحْل على النَّاقة: إِذا وثب عَلَيْهَا. وَمن رَوَاهُ: «نائعة» بالنُّون، فَمَعْنَاه رَافِعَة رءوسها. وَمن رَوَاهُ: «قابعة» بِالْبَاء، فَمَعْنَاه منقبضة. وَقبل: جمع أقبل وقبلاء، وَهُوَ الّذي يمِيل عينه فِي النّظر إِلَى جِهَة الْعين الْأُخْرَى» . [2] كَذَا فِي (أ) . وَفِي م، ر: «مستحيزا» ، وَمَعْنَاهُ: منحازا إِلَى نَاحيَة. [3] آسيت نَفسِي بِخَالِد: اقتديت بِهِ، من الأسوة، وَهِي الْقدْوَة. [4] جَاشَتْ: ارْتَفَعت. والنابل: صَاحب النبل. [5] حجزتيهم: ناحيتيهم، يُقَال: بعد حجزة، أَي نَاحيَة، وعزل: جمع أعزل، وَهُوَ الّذي لَا سلَاح مَعَه

تَأَوَّبَنِي لَيْلٌ بِيَثْرِبَ أَعْسَرُ ... وَهَمَّ إذَا مَا نَوَّمَ النَّاس مسْهر [1] لذكرى حَبِيبٍ هَيَّجَتْ لِي [2] عَبْرَةً ... سَفُوحًا وَأَسْبَابُ الْبُكَاءِ التَّذَكُّرُ [3] بَلَى، إنَّ فِقْدَانَ [4] الْحَبِيبِ بَلِيَّةٌ ... وَكَمْ مِنْ كَرِيمٍ يُبْتَلَى ثُمَّ يَصْبِرُ رَأَيْت خِيَار الْمُؤمنِينَ تَوَارَدُوا ... شَعُوبَ وَخَلْفًا بَعْدَهُمْ يَتَأَخَّرُ [5] فَلَا يُبْعِدَنَّ اللَّهُ قَتْلَى تَتَابَعُوا ... بِمُؤْتَةَ مِنْهُمْ ذُو الْجَنَاحَيْنِ جَعْفَرُ وَزَيْدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ حِينَ تَتَابَعُوا ... جَمِيعًا وَأَسْبَابُ الْمَنِيَّةِ تَخْطِرُ [6] غَدَاةَ مَضَوْا بِالْمُؤْمِنِينَ يَقُودُهُمْ ... إلَى الْمَوْتِ مَيْمُونُ النَّقِيبَةِ أَزْهَرُ [7] أَغَرُّ كَضَوْءِ الْبَدْرِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... أَبِيٌّ إذَا سِيمَ الظُّلَامَةَ مِجْسَرُ [8] فَطَاعَنَ حَتَّى مَالَ غَيْرَ مُوَسَّدٍ ... لِمُعْتَرَكٍ [9] فِيهِ قَنًا مُتَكَسِّرُ [10] فَصَارَ مَعَ الْمُسْتَشْهَدِينَ ثَوَابَهُ ... جِنَانٌ وَمُلْتَفُّ الْحَدَائِقِ أَخْضَرُ وَكُنَّا نَرَى فِي جَعْفَرٍ مِنْ مُحَمَّدٍ ... وَفَاءً وَأَمْرًا حَازِمًا حِينَ يَأْمُرُ فَمَا زَالَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... دَعَائِمُ عِزٍّ لَا يَزُلْنَ وَمَفْخَرُ هُمْ جَبَلُ الْإِسْلَامِ وَالنَّاسُ حَوْلَهُمْ [11] ... رِضَامٌ إلَى طَوْدٍ [12] يروق ويقهر [13]

_ [1] تأوبنى: عاودني وَرجع إِلَى. وأعسر: عسير. ومسهر: مَانع من النّوم. [2] فِي ديوَان حسان: ثمَّ. [3] سفوح: سَائِلَة غزيرة. [4] فِي ديوَان حسان (بلَاء وفقدان) . [5] قَالَ أَبُو ذَر: من رَوَاهُ بِضَم الشين، فَهُوَ جمع شعب، وَهِي الْقَبِيلَة، وَقيل: هُوَ أَكثر من الْقَبِيلَة، وَمن رَوَاهُ بِفَتْح الشين، فَهُوَ اسْم للمنية، من قَوْلك: شعبت الشَّيْء، إِذا فرقته، وَيجوز فِيهِ الصّرْف وَتَركه. وخلفا: أَي من يأتى بعد وَرِوَايَة هَذَا الشّطْر الْأَخير فِي ديوانه: شعوب وَقد خلفت فِيمَن يُؤَخر [6] تخطر: تختال وتهتز. [7] مَيْمُون النقيبة: مَسْعُود الْجد، وأزهر: أَبيض. [8] أَبى: عَزِيز الْجَانِب. وسيم: كلف وَحمل (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول فيهمَا) . والمجسر: الْمِقْدَام الجسور. [9] المعترك: مَوضِع الْحَرْب. [10] فِي الدِّيوَان. «فِيهِ القنا يتكسر» . [11] فِي الدِّيوَان: «حوله» . [12] الرضام: جمع رضم، وَهِي الْحِجَارَة يتراكم بَعْضهَا فَوق بعض. والطود: الْجَبَل. [13] فِي (أ) يقهر.

(شعر كعب في بكاء قتلى مؤتة) :

بهَا ليل مِنْهُمْ جَعْفَرٌ وَابْنُ أُمِّهِ ... عَلِيٌّ وَمِنْهُمْ أَحْمَدُ الْمُتَخَيَّرُ [1] وَحَمْزَةُ وَالْعَبَّاسُ مِنْهُمْ وَمِنْهُمْ ... عَقِيلٌ وَمَاءُ الْعُودِ مِنْ حَيْثُ يُعْصَرُ بِهِمْ تُفْرَجُ اللَّأْوَاءُ فِي كُلِّ مَأْزِقٍ ... عَمَاسٍ إذَا مَا ضَاقَ بِالنَّاسِ مَصْدَرُ [2] هُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ أَنْزَلَ حُكْمَهُ ... عَلَيْهِمْ، وَفِيهِمْ ذَا الْكِتَابُ الْمُطَهَّرُ (شِعْرُ كَعْبٍ فِي بُكَاءِ قَتْلَى مُؤْتَةَ) : وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: نَامَ الْعُيُونُ وَدَمْعُ عَيْنِكَ يَهْمُلُ ... سَحًّا كَمَا وَكَفَ [3] الطَّبَابُ الْمُخْضَلُ [4] فِي لَيْلَةٍ وَرَدَتْ عَلَيَّ هُمُومُهَا ... طَوْرًا أَحِنُّ [5] وَتَارَةً أَتَمَلْمَلُ [6] وَاعْتَادَنِي حُزْنٌ فَبِتُّ كَأَنَّنِي ... بِبَنَاتِ نَعْشٍ وَالسِّمَاكِ مُوَكَّلُ [7] وَكَأَنَّمَا بَيْنَ الْجَوَانِحِ وَالْحَشَى ... مِمَّا تَأَوَّبَنِي شِهَابٌ مُدْخَلُ [8] وَجْدًا عَلَى النَّفَرِ الَّذِينَ تَتَابَعُوا ... يَوْمًا بِمُؤْتَةَ أُسْنِدُوا لَمْ يُنْقَلُوا صَلَّى الْإِلَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ فِتْيَةٍ ... وَسَقَى عِظَامَهُمْ الْغَمَامُ الْمُسْبِلُ [9] صَبَرُوا بِمُؤْتَةَ لِلْإِلَهِ نُفُوسَهُمْ ... حَذَرَ الرَّدَى وَمَخَافَةً أَنْ يَنْكُلُوا [10] فَمَضَوْا أَمَامَ الْمُسْلِمِينَ كَأَنَّهُمْ ... فُنُقٌ عَلَيْهِنَّ الْحَدِيدُ الْمُرْفَلُ [11]

_ [1] البهاليل: جمع البهلول: وَهُوَ السَّيِّد الوضيء الْوَجْه. [2] اللأواء: الشدَّة. والعماس: المظلم. يُرِيد ظلامة من كَثْرَة النَّقْع المثار وَقت الْحَرْب. [3] همل الدمع: سَالَ، وسحا: صبا، ووكف: قطر. [4] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول وَشرح أَبى ذَر وَالرَّوْض. والطباب: جمع طبابة، وَهِي سير بَين خرزتين فِي المزادة، فَإِذا كَانَ غير مُحكم وكف مِنْهُ المَاء. وَفِي (أ) الضباب. والمخضل: السَّائِل الندى. [5] كَذَا فِي (أ) وأحن (بِالْحَاء الْمُهْملَة) : من الحنين، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أخن» (بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة) . والخنين: صَوت يخرج من الْأنف عِنْد الْبكاء. [6] أتململ: أتقلب متبرما بمضجعي. [7] يُرِيد أَنه بَات يرْعَى النُّجُوم طول ليله من طول السهاد. [8] الْمدْخل: النَّافِذ إِلَى الدَّاخِل. [9] المسبل: الممطر. [10] صَبَرُوا نُفُوسهم: حبسوها على مَا يُرِيدُونَ. وينكلوا: يرجِعوا هائبين لعدوهم. [11] الفنق: الفحول من الْإِبِل، الْوَاحِد: فنيق. المرفل: الّذي تنجر أَطْرَافه على الأَرْض، يُرِيد أَن دروعهم سابغة. 25- سيرة ابْن هِشَام- 2

(شعر حسان في بكاء جعفر بن أبى طالب) :

إذْ يَهْتَدُونَ بِجَعْفَرٍ وَلِوَائِهِ ... قُدَّامَ أَوَّلِهِمْ فَنِعْمَ الْأَوَّلُ حَتَّى تَفَرَّجَتْ الصُّفُوفُ وَجَعْفَرٌ ... حَيْثُ الْتَقَى وَعْثُ الصُّفُوفِ مُجَدَّلُ [1] فَتَغَيَّرَ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ لِفَقْدِهِ ... وَالشَّمْسُ قَدْ كَسَفَتْ وَكَادَتْ تَأْفِلُ [2] قَرْمٌ [3] عَلَا بُنْيَانُهُ مِنْ هَاشِمٍ ... فَرْعًا أَشَمَّ وَسُؤْدُدًا مَا يُنْقَلُ [4] قَوْمٌ بِهِمْ عَصَمَ الْإِلَهُ عِبَادَهُ ... وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْكِتَابُ الْمُنْزَلُ فَضَلُوا الْمَعَاشِرَ عِزَّةً وَتَكَرُّمًا ... وَتَغَمَّدَتْ أَحْلَامُهُمْ مَنْ يَجْهَلُ [5] لَا يُطْلِقُونَ إلَى السَّفَاهِ حُبَاهُمْ ... وَيُرَى خَطِيبُهُمْ بِحَقٍّ يَفْصِلُ [6] بِيضُ الْوُجُوهِ تُرَى بُطُونُ أَكُفِّهِمْ ... تَنْدَى إذَا اعْتَذَرَ الزّمان الممحل [7] وبهداهم رضى الْإِلَه الْخلقَة ... وَبِجَدِّهِمْ نُصِرَ النَّبِيُّ الْمُرْسَلُ [8] (شِعْرُ حَسَّانَ فِي بُكَاءِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) : وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَلَقَدْ بَكَيْتُ وَعَزَّ مُهْلَكُ جَعْفَرٍ ... حِبِّ النَّبِيِّ عَلَى الْبَرِيَّةِ كُلِّهَا وَلَقَدْ جَزِعْتُ وَقُلْتُ حِينَ نُعِيتَ لِي ... مَنْ لِلْجِلَادِ لَدَى الْعُقَابِ وَظِلِّهَا [9] بِالْبِيضِ حِينَ تُسَلُّ مِنْ أَغْمَادِهَا ... ضَرْبًا وَإِنْهَالِ الرِّمَاحِ وَعَلِّهَا [10]

_ [1] وعث الصُّفُوف: التحامها حَتَّى يصعب الْخَلَاص من بَينهَا، تَشْبِيها بالوعث، وَهُوَ الرمل الّذي تغيب فِيهِ الأرجل، ويصعب فِيهِ السّير. ومجدل: مطروح على الجدالة، وَهِي الأَرْض. [2] تأفل: تغيب. [3] القرم: السَّيِّد. [4] كَذَا فِي الْأُصُول. وَفِي شرح أَبى ذَر: «مَا ينفل: من رَوَاهُ بِالْفَاءِ فَمَعْنَاه لَا يحْجر، وَمن رَوَاهُ بِالْقَافِ فَهُوَ مَعْلُوم» . [5] تغمدت من يجهل: سترت جهل الْجَاهِلين. [6] إِطْلَاق الحبوة: كِنَايَة عَن النهضة للنجدة. والحبوة (فِي الأَصْل) : أَن يشبك الْإِنْسَان أَصَابِع يَدَيْهِ بَعْضهَا فِي بعض. ويجعلها على رُكْبَتَيْهِ إِذا جلس. وَقد يحتبي بحمائل السَّيْف وَغَيرهَا. [7] الممحل: وَهُوَ الشَّديد الْقَحْط. [8] كَذَا فِي (أ) وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بحدهم» بِالْحَاء الْمُهْملَة. قَالَ أَبُو ذَر: «من رَوَاهُ بِالْحَاء الْمُهْملَة فَمَعْنَاه بشجاعتهم وإقدامهم، وَمن رَوَاهُ «بجدهم» بِالْجِيم الْمَكْسُورَة، فَهُوَ مَعْلُوم» . [9] الْعقَاب: اسْم لراية الرَّسُول. [10] الإنهال: الشّرْب الأول، الشّرْب الثَّانِي، يُرِيد الطعْن بعد الطعْن.

(شعر حسان في بكاء ابن حارثة وابن رواحة) :

بَعْدَ ابْنِ فَاطِمَةَ الْمُبَارَكِ جَعْفَرٍ ... خَيْرِ الْبَرِيَّةِ كُلِّهَا وَأَجَلِّهَا [1] رُزْءًا وَأَكْرَمِهَا جَمِيعًا مَحْتِدًا ... وَأَعَزِّهَا مُتَظَلِّمًا وَأَزَلِّهَا [2] لِلْحَقِّ حِينَ يَنُوبُ غَيْرَ تَنَحُّلٍ [3] ... كَذِبًا، وَأَنْدَاهَا يَدًا [4] ، وَأَقَلِّهَا فُحْشًا، وَأَكْثَرِهَا إذَا مَا يُجْتَدَى [5] ... فَضْلًا، وَأَبْذَلِهَا نَدَى، وَأَبَلِّهَا [6] بِالْعُرْفِ غَيْرَ مُحَمَّدٍ لَا مِثْلُهُ ... حَيٌّ مِنْ احْيَاءِ الْبَرِيَّةِ كُلِّهَا [7] (شِعْرُ حَسَّانَ فِي بُكَاءِ ابْنِ حَارِثَةَ وَابْنِ رَوَاحَةَ) : وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي يَوْمِ مُؤْتَةَ يَبْكِي زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ: عَيْنِ جُودِي بِدَمْعِكَ الْمَنْزُورِ ... وَاذْكُرِي فِي الرَّخَاءِ أَهْلَ الْقُبُورِ [8] وَاذْكُرِي مُؤْتَةً وَمَا كَانَ فِيهَا ... يَوْمَ رَاحُوا فِي وَقْعَةِ التَّغْوِيرِ [9] حِينَ رَاحُوا وَغَادَرُوا ثَمَّ زَيْدًا ... نِعْمَ مَأْوَى الضَّرِيكِ وَالْمَأْسُورِ [10] حِبَّ خَيْرِ الْأَنَامِ طُرًّا جَمِيعًا ... سَيِّدَ النَّاسِ حُبُّهُ فِي الصُّدُورِ ذَاكُمْ أَحْمَدُ الَّذِي لَا سِوَاهُ ... ذَاكَ حُزْنِي لَهُ مَعًا وَسُرُورِي إنَّ زَيْدًا قَدْ كَانَ مِنَّا بِأَمْرٍ ... لَيْسَ أَمْرَ الْمُكَذَّبِ الْمَغْرُورِ ثُمَّ جُودِي لِلْخَزْرَجِيِّ بِدَمْعٍ ... سَيِّدًا كَانَ ثَمَّ غَيْرَ نَزُورِ [11]

_ [1] فَاطِمَة: هِيَ أم جَعْفَر وعَلى بن أَبى طَالب، وَهِي فَاطِمَة بنت أَسد بن هَاشم، وَهِي أول هاشمية ولدت لهاشمى. (عَن أَبى ذَر) . [2] المحتد: الأَصْل. [3] التنحل: الْكَذِب. [4] فِي ديوانه: «وأغمرها ندي» . [5] الاجتداء: طلب الجدوى، وَهِي الْعَطِيَّة. [6] كَذَا فِي ديوانه. وَفِي الْأُصُول: «وأنداها يدا» . [7] رَأينَا هَذَا الْبَيْت فِي ديوانه: عل خير بعد محمّد لَا شبهه ... بشر يعدّ من البريّة جلّها [8] المنزور: الْقَلِيل، يُرِيد أَنه بَكَى حَتَّى قل دمعه: فَهُوَ يَأْمر عينه أَن تجود بذلك الْقَلِيل على مَا هُوَ عَلَيْهِ. [9] التغوير: الْإِسْرَاع إِلَى الْفِرَار. [10] الضريك: الْفَقِير. [11] الخزرجي: هُوَ عبد الله بن رَوَاحَة. والنزور: الْقَلِيل الْعَطاء. وَهَذَا الْبَيْت غير مَذْكُور فِي الدِّيوَان.

(شهداء مؤتة) :

قَدْ أَتَانَا مِنْ قَتْلِهِمْ مَا كَفَانَا ... فَبِحُزْنٍ نَبِيتُ غَيْرَ سُرُورِ وَقَالَ شَاعِرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ: كَفَى حَزَنًا أَنِّي رَجَعْتُ وَجَعْفَرٌ ... وَزَيْدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ فِي رَمْسِ أَقْبُرْ قَضَوْا نَحْبَهُمْ لَمَّا مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ ... وَخُلِّفْتُ لِلْبَلْوَى مَعَ الْمُتَغَبِّرِ [1] ثَلَاثَةُ رَهْطٍ قُدِّمُوا فَتَقَدَّمُوا ... إلَى وَرْدِ مَكْرُوهٍ مِنْ الْمَوْتِ أَحْمَرِ (شُهَدَاءُ مُؤْتَةَ) : وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ مُؤْتَةَ. (مِنْ بَنِي هَاشِمٍ) : مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ: جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (مِنْ بَنِي عَدِيٍّ) : وَمِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ: مَسْعُودُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ نَضْلَةَ. (مِنْ بَنِي مَالِكٍ) : وَمِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ: وَهْبُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ. (مِنَ الْأَنْصَارِ) : وَمِنْ الْأَنْصَارِ ثُمَّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَعَبَّادُ ابْن قَيْسٍ. وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ: الْحَارِثُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ أَسَافَ بْنِ نَضْلَةَ ابْن عَبْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ. وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ: سُرَاقَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطِيَّةَ بْنِ خَنْسَاءَ. (مَنْ ذَكَرَهُمُ ابْنُ هِشَامٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمِمَّنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ مُؤْتَةَ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ:

_ [1] كَذَا فِي الْأُصُول. والمتغبر: الْبَاقِي. قَالَ أَبُو ذَر: وَمن رَوَاهُ «المتعذر» فَهُوَ مَعْلُوم.

ذكر الأسباب الموجبة المسير إلى مكة وذكر فتح مكة في شهر رمضان سنة ثمان

مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ: أَبُو كُلَيْبٍ وَجَابِرٌ، ابْنَا عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولٍ وَهُمَا لِأَبٍ وَأُمٍّ. وَمِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ أَفْصَى: عَمْرٌو وَعَامِرٌ، ابْنَا سَعْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَفْصَى. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ أَبُو كِلَابٍ وَجَابِرٌ، ابْنَا عَمْرٍو [1] . ذِكْرُ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ الْمَسِيرَ إلَى مَكَّةَ وَذِكْرُ فَتْحِ مَكَّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ (الْقِتَالُ بَيْنَ بَكْرٍ وَخُزَاعَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ بَعْثِهِ إلَى مُؤْتَةَ جُمَادَى الْآخِرَةَ وَرَجَبًا. ثُمَّ إنَّ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ عَدَتْ عَلَى خُزَاعَةَ، وَهُمْ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ يُقَالُ لَهُ: الْوَتِيرُ، وَكَانَ الَّذِي هَاجَ مَا بَيْنَ بَنِي بَكْرٍ وَخُزَاعَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي الْحَضْرَمِيِّ، وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ عَبَّادٍ- وَحِلْفُ الْحَضْرَمِيِّ يَوْمَئِذٍ إلَى الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنٍ [2]- خَرَجَ تَاجِرًا، فَلَمَّا تَوَسَّطَ أَرْضَ خُزَاعَةَ، عَدَوْا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ، وَأَخَذُوا مَالَهُ، فَعَدَتْ بَنُو بَكْرٍ عَلَى رَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ فَقَتَلُوهُ، فَعَدَتْ خُزَاعَةُ قُبَيْلَ الْإِسْلَامِ عَلَى بَنِي الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنٍ الدِّيلِيِّ- وَهُمْ مَنْخَرُ [3] بَنِي كِنَانَةَ وَأَشْرَافُهُمْ- سَلْمَى وَكُلْثُومٌ وَذُؤَيْبٌ- فَقَتَلُوهُمْ بِعَرَفَةَ عِنْدَ أَنْصَابِ الْحَرَمِ [4] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي الدِّيلِ، قَالَ: كَانَ بَنُو الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنٍ يُودَوْنَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ دِيَتَيْنِ دِيَتَيْنِ، وَنُودَى دِيَةً دِيَةً، لِفَضْلِهِمْ فِينَا.

_ [1] إِلَى هُنَا ينتهى الْجُزْء السَّادِس عشر من أَجزَاء السِّيرَة. [2] وزن: يرْوى بِكَسْر الرَّاء وَفتحهَا، وَإِسْكَان الزاى وَفتحهَا، وَقَيده الدَّار قطنى بِفَتْح الرَّاء وَإِسْكَان الزاء لَا غير. (رَاجع شرح السِّيرَة) . [3] كَذَا فِي أ. وَيُرِيد بالمنخر: الْمُتَقَدِّمين، لِأَن الْأنف هُوَ الْمُقدم من الْوَجْه. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «مفخر» بِالْفَاءِ. [4] أنصاب الْحرم: حِجَارَة تجْعَل عَلَامَات بَين الْحل وَالْحرم.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَيْنَا بَنُو بَكْرٍ وَخُزَاعَةُ عَلَى ذَلِكَ حَجَزَ بَيْنَهُمْ الْإِسْلَامُ، وَتَشَاغَلَ النَّاسُ بِهِ. فَلَمَّا كَانَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ، كَانَ فِيمَا شَرَطُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَطَ لَهُمْ، كَمَا حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَائِنَا: أَنَّهُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِهِ فَلْيَدْخُلْ فِيهِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ فَلْيَدْخُلْ فِيهِ. فَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ، وَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِهِ [1] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا كَانَتْ الْهُدْنَةُ اغْتَنَمَهَا بَنُو الدِّيلِ مِنْ بَنِي بَكْرٍ مِنْ خُزَاعَةَ، وَأَرَادُوا أَنْ يُصِيبُوا مِنْهُمْ ثَأْرًا بِأُولَئِكَ النَّفَرِ الَّذِينَ أَصَابُوا مِنْهُمْ بِبَنِي الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنٍ، فَخَرَجَ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدِّيلِيُّ فِي بَنِي الدِّيلِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَائِدُهُمْ، وَلَيْسَ كُلُّ بَنِي بَكْرٍ تَابَعَهُ [2] حَتَّى بَيَّتَ خُزَاعَةَ وَهُمْ عَلَى الْوَتِيرِ، مَاءٌ لَهُمْ، فَأَصَابُوا مِنْهُمْ رَجُلًا، وَتَحَاوَزُوا وَاقْتَتَلُوا، وَرَفَدَتْ بَنِي بَكْرٍ قُرَيْشٌ بِالسِّلَاحِ، وَقَاتَلَ مَعَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ مَنْ قَاتَلَ بِاللَّيْلِ مُسْتَخْفِيًا، حَتَّى حَازُوا [3] خُزَاعَةَ إلَى الْحَرَمِ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إلَيْهِ، قَالَتْ بَنُو بَكْرٍ: يَا نَوْفَلُ، إنَّا قَدْ دَخَلْنَا الْحَرَمَ، إلَهَكَ إلَهَكَ، فَقَالَ: كَلِمَةً عَظِيمَةً، لَا إلَهَ لَهُ الْيَوْمَ، يَا بَنِي بَكْرٍ أَصِيبُوا ثَأْرَكُمْ، فَلَعَمْرِي إنَّكُمْ لَتَسْرِقُونَ [4] فِي الْحَرَمِ، أَفَلَا تُصِيبُونَ ثَأْرَكُمْ فِيهِ، وَقَدْ أَصَابُوا مِنْهُمْ لَيْلَةَ بَيَّتُوهُمْ بِالْوَتِيرِ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ مُنَبِّهٌ وَكَانَ مُنَبِّهٌ رَجُلًا مَفْئُودًا [5] خَرَجَ هُوَ وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ تَمِيمُ بْنُ أَسَدٍ، وَقَالَ لَهُ مُنَبِّهٌ: يَا تَمِيمُ، اُنْجُ بِنَفْسِكَ، فَأَما أَنا فو الله إنِّي لَمَيِّتٌ، قَتَلُونِي أَوْ تَرَكُونِي، لَقَدْ انْبَتَّ [6] فُؤَادِي، وَانْطَلَقَ تَمِيمٌ فَأَفْلَتْ، وَأَدْرَكُوا مُنَبِّهًا فَقَتَلُوهُ، فَلَمَّا دَخَلَتْ

_ [1] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي (أ) . [2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر لأصول: «بَايعه» . [3] كَذَا فِي أ. وحازوهم: ساقوهم. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «حاوزوهم» . [4] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «لتسرفون» . [5] مفئودا: ضَعِيف الْفُؤَاد. [6] أنبت: انْقَطع.

(شعر تميم في الاعتذار من فراره عن منبه) :

خُزَاعَةُ مَكَّةَ، لَجَئُوا إلَى دَارِ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ، وَدَارِ مَوْلَى لَهُمْ يُقَالُ لَهُ رَافِعٌ، فَقَالَ تَمِيمُ بْنُ أَسَدٍ يَعْتَذِرُ مِنْ فِرَارِهِ عَنْ مُنَبِّهٍ: (شِعْرُ تَمِيمٍ فِي الِاعْتِذَارِ مِنْ فِرَارِهِ عَنْ مُنَبِّهٍ) : لَمَّا رَأَيْتُ بَنِي نُفَاثَةَ أَقْبَلُوا ... يَغْشَوْنَ كُلَّ وَتِيرَةٍ [1] وَحِجَابِ [2] صَخْرًا وَرَزْنًا لَا عَرِيبَ سِوَاهُمْ ... يُزْجُونَ كُلَّ مُقَلَّصٍ خَنَّابِ [3] وَذَكَرْتُ ذَحْلًا [4] عِنْدَنَا مُتَقَادِمًا ... فِيمَا مَضَى مِنْ سَالِفِ الْأَحْقَابِ [5] ونَشَيْتُ رِيحَ الْمَوْتِ مِنْ تِلْقَائِهِمْ ... وَرَهِبْتُ وَقْعَ مُهَنَّدٍ قَضَّابِ [6] وَعَرَفْتُ أَنْ مَنْ يَثْقَفُوهُ يَتْرُكُوا ... لَحْمًا لِمُجْرِيَةٍ وَشِلْوَ غُرَابِ [7] قَوَّمْتُ رِجْلًا لَا أَخَافُ عِثَارَهَا ... وَطَرَحْتُ بِالْمَتْنِ الْعَرَاءِ ثِيَابِي [8] وَنَجَوْتُ لَا يَنْجُو نَجَائِي أحْقَبٌ ... عِلْجٌ أَقَبُّ مُشَمِّرُ الْأَقْرَابِ [9] تَلْحَى وَلَوْ شَهِدَتْ لَكَانَ نَكِيرُهَا ... بَوْلًا يَبُلُّ مَشَافِرَ الْقَبْقَابِ [10] الْقَوْمُ أَعْلَمُ مَا تَرَكْتُ مُنَبِّهًا ... عَنْ طِيبِ نَفْسٍ فَاسْأَلِي أَصْحَابِي

_ [1] كَذَا فِي الْأُصُول. وَفِي شرح السِّيرَة: «وثيرة» بالثاء الْمُثَلَّثَة. قَالَ أَبُو ذَر: «من رَوَاهُ بالثاء الْمُثَلَّثَة فَهِيَ الأَرْض اللينة الرّطبَة. وَمِنْه يُقَال: فرَاش وثير: إِذا كَانَ رطبا. وَمن رواء بِالتَّاءِ بِاثْنَتَيْنِ، يعْنى الأَرْض الممتدة» . [2] الْحجاب: مَا اطْمَأَن من الأَرْض وخفي. [3] لَا عريب: أَي لَا أحد، يُقَال: مَا بِالدَّار عريب وَلَا كنيع وَلَا ذبيح، فِي أَسمَاء غَيرهَا، وَكلهَا بِمَعْنى: مَا بهَا أحد. ويزجون: يسوقون. والمقلص: الْفرس المشمر. والخناب: الْفرس الْوَاسِع المنخرين. ويروى: خباب، أَي مسرع، من الخبب، وَهُوَ السرعة فِي السّير. [4] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والذحل: طلب الثأر. وَفِي أ: «دخلا» . [5] الأحقاب: السنون. [6] نشى: شم. والمهند القضاب: السَّيْف الْقَاطِع. [7] المجرية: اللبؤة الَّتِي لَهَا جراء، أَي أَوْلَاد. والشلو: بَقِيَّة الْجَسَد. [8] الْمَتْن: مَا ظهر من الأَرْض وارتفع. والعراء: الْخَالِي لَا يخفى فِيهِ شَيْء. [9] نجوت: أسرعت. وأحقب: أَي خمار وَحش أَبيض الْمُؤخر، وَهُوَ مَوضِع الحقيبة. وعلج: غليظ. وأقب: ضامر الْبَطن. ومشمر الأقراب: منقبض الخواصر وَمَا يَليهَا. ويروى: «مقلص الأقراب» ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. [10] تلحى: تلوم. والمشافر: النواحي والجوانب. والقبقاب: من أَسمَاء الْفرج.

(شعر الأخزر في الحرب بين كنانة وخزاعة) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى لِحَبِيبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (الْأَعْلَمِ [1] ) الْهُذَلِيِّ. وَبَيْتُهُ: «وَذَكَرْتُ ذَحْلًا عِنْدَنَا مُتَقَادِمًا » عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَقَوْلُهُ «خناب» و « علج أَقَبُّ مُشَمِّرُ الْأَقْرَابِ » عَنْهُ أَيْضًا. (شِعْرُ الْأَخْزَرِ فِي الْحَرْبِ بَيْنَ كِنَانَةَ وَخُزَاعَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الْأَخْزَرُ بْنُ لُعْطٍ الدِّيلِيُّ، فِيمَا كَانَ بَيْنَ كِنَانَةَ وَخُزَاعَةَ فِي تِلْكَ الْحَرْبِ: أَلَا هَلْ أَتَى قُصْوَى الْأَحَابِيشِ أَنَّنَا ... رَدَدْنَا بَنِي كَعْبٍ بِأَفْوَقِ نَاصِلِ [2] حَبَسْنَاهُمْ فِي دَارَةِ الْعَبْدِ رَافِعٍ ... وَعِنْدَ بُدَيْلٍ مَحْبِسًا غَيْرَ طَائِلِ [3] بِدَارِ الذَّلِيلِ الْآخِذ الضّيم بعد مَا ... شَفَيْنَا النَّفُوسَ مِنْهُمْ بِالْمَنَاصِلِ [4] حَبَسْنَاهُمْ حَتَّى إذَا طَالَ يَوْمُهُمْ ... نَفَحْنَا لَهُمْ مِنْ كُلِّ شِعْبٍ بِوَابِلِ [5] نُذَبِّحْهُمُ ذَبْحَ التُّيُوسِ كَأَنَّنَا ... أَسُودٌ تَبَارَى فِيهِمْ بِالْقَوَاصِلِ [6] هُمْ ظَلَمُونَا واعَتَدَوْا فِي مَسِيرِهِمْ ... وَكَانُوا لَدَى الْأَنْصَابِ أَوَّلَ قَاتِلِ كَأَنَّهُمْ بِالْجِزْعِ [7] إذْ يَطْرُدُونَهُمْ ... بِفَاثُورَ [8] حُفَّانُ النِّعَامِ الْجَوَافِلِ [9]

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] قصوى: أبعد. والأحابيش: كل من حَالف قُريْشًا، وَدخل فِي عهدها من الْقَبَائِل. وَيُرِيد بقوله «بأفوق ناصل» : أَنَّهَا ردَّتْ خائبة، والأفوق (فِي الأَصْل) : السهْم الّذي انْكَسَرَ فَوْقه، وَهُوَ طرفه الّذي يَلِي الْوتر. والناصل: الّذي زَالَ نصله، أَي حديدته الَّتِي تكون فِيهِ. [3] الدارة: الدَّار. [4] الضيم: الذل. والمناصل: جمع منصل، وَهُوَ السَّيْف. [5] نفحنا: وسعنا. والشعب: المطمئن بَين جبلين. والوابل: الْمَطَر الشَّديد، وَأَرَادَ بِهِ هُنَا دفْعَة الْخَيل. [6] يُرِيد «بالقواصل» : الأنياب. [7] الْجزع: مَا انعطف من الْوَادي. [8] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول-. وفاثور: مَوضِع بِنَجْد، قَالَ أَبُو ذَر: «ظَاهره أَنه اسْم مَوضِع وَمن رَوَاهُ: قفا ثَوْر، فثور: اسْم جبل بِمَكَّة، وَمنعه هَذَا الشَّاعِر الصّرْف، لِأَنَّهُ قصد بِهِ قصد الْبقْعَة. وَقَفاهُ: وراؤه» . وَفِي أ: «فعاثور» . [9] حفان النعام: صغارها. والجوافل: المولية المسرعة.

(شعر بديل في الرد على الأخزر) :

(شِعْرُ بُدَيْلٍ فِي الرَّدِّ عَلَى الْأَخْزَرِ) : فَأَجَابَهُ بُدَيْلُ بْنُ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَجَبِّ [1] ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: بُدَيْلُ بْنُ أُمِّ أَصْرَمَ، فَقَالَ: تَفَاقَدَ قَوْمٌ يَفْخَرُونَ وَلَمْ نَدَعْ ... لَهُمْ سَيِّدًا يَنْدُوهُمُ غَيْرَ نَافِلِ [2] أَمِنْ خِيفَةِ الْقَوْمِ الْأُلَى تَزْدَرِيهِمْ ... تُجِيزُ الْوَتِيرَ خَائِفًا غَيْرَ آئِلِ [3] وَفِي كُلِّ يَوْمٍ نَحْنُ نَحْبُو حِبَاءَنَا ... لِعَقْلٍ وَلَا يُحْبَى لَنَا فِي الْمَعَاقِلِ [4] وَنَحْنُ صَبَحْنَا بِالتَّلَاعَةِ دَارَكُمْ ... بِأَسْيَافِنَا يَسْبِقْنَ لَوْمَ الْعَوَاذِلِ [5] وَنَحْنُ مَنَعْنَا بَيْنَ بَيْضٍ وَعِتْوَدٍ ... إلَى خَيْفِ رَضْوَى [6] مِنْ مِجَرِّ الْقَنَابِلِ [7] وَيَوْمَ الْغَمِيمِ قَدْ تَكَفَّتَ سَاعِيًا ... عُبَيْسٌ فَجَعْنَاهُ بِجَلْدٍ حُلَاحِلِ [8] أَأَنْ أَجْمَرَتْ فِي بَيْتِهَا أُمُّ بَعْضِكُمْ ... بِجُعْمُوسِهَا تَنْزُونَ أَنْ لَمْ نُقَاتِلْ [9] كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ مَا إنْ قَتَلْتُمْ ... وَلَكِنْ تَرَكْنَا أَمْرَكُمْ فِي بَلَابِلِ [10] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «غَيْرَ نَافِلِ» ، وَقَوْلُهُ «إلَى خَيْفِ رَضْوَى» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.

_ [1] فِي أ: «الأحب، بِالْحَاء الْمُهْملَة» . وَفِي الِاسْتِيعَاب لِابْنِ عبد الْبر: «الْأَخْنَس» . وَقد سَاق ابْن عبد الْبر نسبه فَقَالَ: «هُوَ أحد المنسوبين إِلَى أمهاتهم، وَهُوَ بديل بن سَلمَة بن خلف بن عَمْرو بن الْأَخْنَس ابْن مقياس بن حبتر بن عدي بن سلول بن كَعْب الْخُزَاعِيّ» . [2] يندوهم: يجمعهُمْ فِي الندى، وَهُوَ الْمجْلس. [3] الْوَتِير: اسْم مَاء بِأَسْفَل مَكَّة لخزاعة، وَغير آئل: غير رَاجع. [4] نحبو: نعطي. وَالْعقل: الدِّيَة. [5] التلاعة (بِالْفَتْح وَالتَّخْفِيف) : مَاء لبني كنَانَة بالحجاز. ويسبقن لوم العواذل: يُشِير إِلَى الْمثل الْمَعْرُوف: «سبق السَّيْف العذل» . [6] بيض (بِالْفَتْح) : من منَازِل بنى كنَانَة بالحجاز: وعتود (بِكَسْر أَوله وَسُكُون ثَانِيه وَفتح الْوَاو. وروى بِفَتْح أَوله) : مَاء لكنانة أَيْضا. والخيف: مَا انحدر من الْجَبَل. ورضوى: جبل بِالْمَدِينَةِ. [7] كَذَا فِي أ. والقنابل: جمع قنبلة، وَهِي الْقطعَة من الْخَيل. [8] الغميم: مَوضِع بَين مَكَّة وَالْمَدينَة. وتكفت: حاد عَن طَرِيقه. وعبيس: رجل. وَالْجَلد: القوى. والحلاحل: السَّيِّد. [9] الجعموس: الْعذرَة. و «أجمرت ... إِلَخ» : أَي رمت بِهِ بِسُرْعَة، وَهُوَ كِنَايَة عَن ضرب من الْحَدث يسمج وَصفه: يُرِيد الْفَزع وَعدم الاطمئنان. [10] البلابل: اخْتِلَاط الْهم ووساوسه.

(شعر حسان في الحرب بين كنانة وخزاعة) :

(شِعْرُ حَسَّانَ فِي الْحَرْبِ بَيْنَ كِنَانَةَ وَخُزَاعَةَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ: لَحَا اللَّهُ قَوْمًا لَمْ نَدَعْ مِنْ سَرَاتِهِمْ ... لَهُمْ أَحَدًا يَنْدُوهُمُ غَيْرَ نَاقِبْ [1] أَخُصْيَيْ حِمَارٍ مَاتَ بِالْأَمْسِ نَوْفَلًا ... مَتَى كُنْتَ مِفْلَاحًا عَدُوَّ الْحَقَائِبِ [2] (شِعْرُ عَمْرٍو الْخُزَاعِيِّ لِلرَّسُولِ يَسْتَنْصِرُهُ وَرَدُّهُ عَلَيْهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا تَظَاهَرَتْ بَنُو بَكْرٍ وَقُرَيْشٌ عَلَى خُزَاعَةَ، وَأَصَابُوا مِنْهُمْ مَا أَصَابُوا، وَنَقَضُوا مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ بِمَا اسْتَحَلُّوا مِنْ خُزَاعَةَ، وَكَانَ فِي عَقْدِهِ وَعَهْدِهِ، خَرَجَ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيُّ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي كَعْبٍ، حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا هَاجَ فَتْحَ مَكَّةَ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا رَبِّ إنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدًا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا [3] قَدْ كُنْتُمْ وُلْدًا وَكُنَّا وَالِدَا ... ثُمَّتَ أَسْلَمْنَا فَلَمْ نَنْزِعْ يَدَا [4] فَانْصُرْ هَدَاكَ اللَّهُ نَصْرًا أَعْتَدَا ... وَادْعُ عِبَادَ اللَّهِ يَأْتُوا مَدَدَا [5] فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ تَجَرَّدَا ... إنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبَّدَا [6] فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبِدًا ... إنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا [7]

_ [1] سراة الْقَوْم: أَشْرَافهم وخيارهم. ويندوهم: يجمعهُمْ فِي النادي، وناقب: رجل. (عَن أَبى ذَر وَاللِّسَان) . [2] المفلاح: من الْفَلاح، وَهُوَ بَقَاء الْخَيْر، والحقائب: جمع حقيبة، وَهُوَ مَا يَجعله الرَّاكِب وَرَاءه إِذا ركب. (عَن أَبى ذَر) . [3] نَاشد: طَالب ومذكر. والأتلد: الْقَدِيم. [4] يُرِيد أَن بنى عبد منَاف أمّهم من خُزَاعَة، وَكَذَلِكَ قصي أمه فَاطِمَة بنت سعد الْخُزَاعِيَّة. وَالْولد (بِالضَّمِّ) بِمَعْنى الْوَلَد (بِالتَّحْرِيكِ) . وأسلمنا: من السّلم. قَالَ السهيليّ: «لأَنهم لم يَكُونُوا آمنُوا بعد، غير أَنه قَالَ: «ركعا وَسجدا» فَدلَّ على أَنه كَانَ فيهم من صلى للَّه فَقتل: (رَاجع الرَّوْض) . [5] أَعْتَد: حَاضر، من الشَّيْء العتيد، وَهُوَ الْحَاضِر، والمدد: العون. [6] تجرد: من رَوَاهُ بِالْحَاء الْمُهْملَة، فَمَعْنَاه، غضب: وَمن رَوَاهُ بِالْجِيم، فَمَعْنَاه: شمر وتهيأ للحرب. وسيم: طلب مِنْهُ وكلف. والخسف: الذل، وَتَربد: تغير إِلَى السوَاد. [7] الفيلق: الْعَسْكَر الْكثير.

(ذهاب ابن ورقاء إلى الرسول بالمدينة شاكيا وتعرف أبى سفيان أمره) :

وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ الْمُوَكَّدَا ... وَجَعَلُوا لِي فِي كَدَاءٍ رُصَّدَا [1] وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتُ أَدْعُو أَحَدَا ... وَهُمْ أَذَلُّ وَأَقَلُّ عَدَدَا هُمْ بَيَّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجَّدًا ... وَقَتَلُونَا رُكَّعًا وَسُجَّدَا [2] (يَقُولُ: قُتِلْنَا وَقَدْ أَسْلَمْنَا [3] ) . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى أَيْضًا: فَانْصُرْ هَدَاكَ اللَّهُ نَصْرًا أَيِّدَا [4] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى أَيْضًا: (نَحْنُ وَلَدْنَاكَ فَكُنْتُ وَلَدًا [3] ) قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نُصِرْتَ يَا عَمْرَو بْنُ سَالِمٍ [5] . ثُمَّ عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَانٌ [6] مِنْ السَّمَاءِ، فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ السَّحَابَةَ لَتَسْتَهِلُّ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ. (ذَهَابُ ابْنِ وَرْقَاءَ إلَى الرَّسُولِ بِالْمَدِينَةِ شَاكِيًا وَتَعَرُّفُ أَبِي سُفْيَانَ أَمْرَهُ) : ثُمَّ خَرَجَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِي نَفَرٍ مِنْ خُزَاعَةَ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَخْبَرُوهُ بِمَا أُصِيبَ مِنْهُمْ، وَبِمُظَاهَرَةِ [7] قُرَيْشٍ بَنِي بَكْرٍ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ إلَى مَكَّةَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ: كَأَنَّكُمْ بِأَبِي سُفْيَانَ قَدْ جَاءَكُمْ لِيَشُدَّ الْعَقْدَ، وَيَزِيدَ فِي الْمُدَّةِ. وَمَضَى بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى لَقُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ بِعُسْفَانَ [8] ، قَدْ بَعَثَتْهُ قُرَيْشٌ إلَى

_ [1] كداء بِوَزْن سَحَاب: مَوضِع بِأَعْلَى مَكَّة، ورصد كركع جمع راصد، وَهُوَ الطَّالِب للشَّيْء الّذي يرقبه، وَيجوز أَن يكون رصدا كسبب، وَهُوَ بِمَعْنى الأول. [2] الْوَتِير: اسْم مَاء بِأَسْفَل مَكَّة لخزاعة. والهجد: النيام، وَقد يكون «الهجد» أَيْضا: المستيقظين وَهُوَ من الأضداد. وَرِوَايَة هَذَا الشّعْر فِي الِاسْتِيعَاب تخَالف رِوَايَته هُنَا تَقْدِيمًا وتأخيرا وَزِيَادَة وحذفا. [3] مَا بَين القوسين سَاقِط فِي أ. [4] أيدا: قَوِيا، وَهُوَ من الأيد، وَهُوَ الْقُوَّة. [5] فِي الِاسْتِيعَاب: فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا نصرني الله إِن لم أنْصر بنى كَعْب» . [6] عنان: سَحَاب. [7] المظاهرة: المعاونة. [8] عسفان: على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة، على طَرِيق الْمَدِينَة. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .

(خروج أبى سفيان إلى المدينة الصلح وإخفاقه) :

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِيَشُدَّ الْعَقْدَ، وَيَزِيدَ فِي الْمُدَّةِ، وَقَدْ رَهِبُوا الَّذِي صَنَعُوا. فَلَمَّا لَقِيَ أَبُو سُفْيَانَ بُدَيْلِ بْنَ وَرْقَاءَ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتُ يَا بُدَيْلُ؟ وَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: تَسَيَّرْتُ فِي خُزَاعَةَ فِي هَذَا السَّاحِلِ، وَفِي بَطْنِ هَذَا الْوَادِي، قَالَ: أَوَ مَا جِئْتُ مُحَمَّدًا؟ قَالَ: لَا، فَلَمَّا رَاحَ بُدَيْلِ إلَى مَكَّةَ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَئِنْ جَاءَ بُدَيْلِ الْمَدِينَةَ لَقَدْ عَلَفَ بِهَا النَّوَى، فَأَتَى مَبْرَكَ رَاحِلَتِهِ، فَأَخَذَ مِنْ بَعْرِهَا فَفَتَّهُ، فَرَأَى فِيهِ النَّوَى، فَقَالَ: أَحْلِفُ باللَّه لَقَدْ جَاءَ بُدَيْلِ مُحَمَّدًا. (خُرُوجُ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى الْمَدِينَة الصُّلْح وَإِخْفَاقُهُ) : ثُمَّ خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَوَتْهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ، مَا أَدْرِي أَرَغِبْتُ بِي عَنْ هَذَا الْفِرَاشِ أَمْ رَغِبْتُ بِهِ عَنِّي؟ قَالَتْ: بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ نَجَسٌ، وَلَمْ أُحِبَّ أَنْ تَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ أَصَابَكَ يَا بُنَيَّةُ بَعْدِي شَرٌّ. ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، ثُمَّ ذَهَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَكَلَّمَهُ أَنْ يُكَلِّمَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلِ، ثُمَّ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَكَلَّمَهُ، فَقَالَ: أَأَنَا أَشْفَعُ لَكُمْ إلَى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فو اللَّهِ لَوْ لَمْ أَجِدْ إلَّا الذَّرَّ لَجَاهَدْتُكُمْ بِهِ. ثُمَّ خَرَجَ فَدَخَلَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهَا، وَعِنْدَهَا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، غُلَامٌ يَدِبُّ بَيْنَ يَدَيْهَا، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، إنَّكَ أَمَسُّ الْقَوْمِ بِي رَحِمًا، وَإِنِّي قَدْ جِئْتُ فِي حَاجَةٍ، فَلَا أَرْجِعَنَّ كَمَا جِئْتُ خَائِبًا، فَاشْفَعْ لِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ! وَاَللَّهِ لَقَدْ عَزَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَمْرٍ مَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُكَلِّمَهُ فِيهِ. فَالْتَفَتَ إلَى فَاطِمَةَ فَقَالَ: يَا بْنَةَ مُحَمَّدٍ، هَلْ لَكَ أَنْ تَأْمُرِي بُنَيَّكَ هَذَا فَيُجِيرَ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَكُونَ سَيِّدَ الْعَرَبِ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ؟ قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا بَلَغَ بُنَيَّ ذَاكَ أَنْ يُجِيرَ بَيْنَ النَّاسِ، وَمَا يُجِيرُ أَحَدٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(تجهيز الرسول لفتح مكة) :

قَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ، إنِّي أَرَى الْأُمُورَ قَدْ اشْتَدَّتْ عَلَيَّ، فَانْصَحْنِي، قَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ لَكَ شَيْئًا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا، وَلَكِنَّكَ سَيِّدُ بَنِي كِنَانَةَ، فَقُمْ فَأَجِرْ بَيْنَ النَّاسِ، ثُمَّ الْحَقْ بِأَرْضِكَ، قَالَ: أَوَ تَرَى ذَلِكَ مُغْنِيًا عَنِّي شَيْئًا؟ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ، مَا أَظُنُّهُ، وَلَكِنِّي لَا أَجِدُ لَكَ غَيْرَ ذَلِكَ. فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنِّي قَدْ أَجَرْتُ بَيْنَ النَّاسِ. ثُمَّ رَكِبَ بَعِيرَهُ فَانْطَلَقَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى قُرَيْشٍ، قَالُوا: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ: جِئْتُ مُحَمَّدًا فكلّمته، فو الله مَا رَدَّ عَلَيَّ شَيْئًا، ثُمَّ جِئْتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ، فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ خَيْرًا، ثُمَّ جِئْتُ ابْنَ الْخَطَّابِ، فَوَجَدْتُهُ أَدْنَى الْعَدُوِّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَعْدَى الْعَدُوِّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ جِئْتُ عَلِيًّا فَوَجَدْتُهُ أَلْيَنَ الْقَوْمِ، وَقَدْ أَشَارَ عَلَيَّ بِشَيْء صَنعته، فو الله مَا أَدْرِي هَلْ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا أَمْ لَا؟ قَالُوا: وَبِمَ أَمَرَكَ؟ قَالَ: أَمَرَنِي أَنْ أُجِيرَ بَيْنَ النَّاسِ، فَفَعَلْتُ، قَالُوا: فَهَلْ أَجَازَ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ؟ قَالَ: لَا، قَالُوا: وَيْلَكَ! وَاَللَّهِ إنْ زَادَ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ لَعِبَ بِكَ، فَمَا يُغْنِي عَنْكَ مَا قُلْتُ. قَالَ: لَا وَاَللَّهِ، مَا وَجَدْتُ غَيْرَ ذَلِكَ. (تَجْهِيزُ الرَّسُولِ لِفَتْحِ مَكَّةَ) : وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَهَازِ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُجَهِّزُوهُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ابْنَتِهِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَهِيَ تُحَرِّكُ بَعْضَ جَهَازِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّةُ: أَأَمَرَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُجَهِّزُوهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَتَجَهَّزْ، قَالَ: فَأَيْنَ تَرَيْنَهُ يُرِيدُ؟ قَالَتْ: (لَا) وَاَللَّهِ مَا أَدْرِي. ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَ النَّاسَ أَنَّهُ سَائِرٌ إلَى مَكَّةَ، وَأَمَرَهُمْ بِالْجِدِّ وَالتَّهَيُّؤِ، وَقَالَ: اللَّهمّ خُذْ الْعُيُونَ وَالْأَخْبَارَ عَنْ قُرَيْشٍ حَتَّى نَبْغَتَهَا [1] فِي بِلَادِهَا. فَتَجَهَّزَ النَّاسُ. (شِعْرُ حَسَّانَ فِي تَحْرِيضِ النَّاسِ) : فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُحَرِّضُ النَّاسَ، وَيَذْكُرُ مُصَابَ رِجَالِ خُزَاعَةَ:

_ [1] هُوَ من البغتة، وَهُوَ الْفجأَة، يُقَال: بغته الْأَمر وفجأه: إِذا جَاءَ وَلم يعلم بِهِ.

(كتاب حاطب إلى قريش وعلم الرسول بأمره) :

عَنَانِي وَلَمْ أَشْهَدْ بِبَطْحَاءِ مَكَّةٍ ... رِجَالُ بَنِي كَعْبٍ تُحَزُّ رِقَابُهَا [1] بِأَيْدِي رِجَالٍ لَمْ يَسُلُّوا سُيُوفَهُمْ ... وَقَتْلَى كَثِيرٌ لَمْ تُجَنَّ ثِيَابُهَا [2] أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ تَنَالَنَّ نُصْرَتِي ... سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَخْزُهَا وَعُقَابُهَا [3] وَصَفْوَانُ عَوْدٌ [4] حَنَّ مِنْ شُفْرِ اسْتِهِ [5] ... فَهَذَا أَوَانُ الْحَرْبِ شُدَّ عِصَابُهَا فَلَا تَأْمَنَنَّا يَا بن أُمِّ مُجَالِدٍ ... إذَا اُحْتُلِبَتْ صَرْفًا وَأَعْصَلَ نَابُهَا [6] ولاَ تَجْزَعُوا مِنَّا فَإِنَّ سُيُوفَنَا ... لَهَا وَقْعَةٌ بِالْمَوْتِ يُفْتَحُ بَابُهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُ حَسَّانَ: « بأيدي رِجَالٍ لَمْ يَسُلُّوا سُيُوفَهُمْ » يَعْنِي قُرَيْشًا، «وَابْنُ أُمِّ مُجَالِدٍ» يَعْنِي عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ. (كِتَابُ حَاطِبٍ إلَى قُرَيْشٍ وَعِلْمُ الرَّسُولِ بِأَمْرِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ عُلَمَائِنَا، قَالُوا: لَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسِيرَ إلَى مَكَّةَ، كَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ كِتَابًا إلَى قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ بِاَلَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَمْرِ فِي السَّيْرِ إلَيْهِمْ، ثُمَّ أَعْطَاهُ امْرَأَةً، زَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَّهَا مِنْ مُزَيْنَةَ، وَزَعَمَ لِي غَيْرُهُ أَنَّهَا سَارَةُ، مَوْلَاةٌ لِبَعْضِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَجَعَلَ لَهَا جُعْلًا عَلَى أَنْ تُبَلِّغَهُ قُرَيْشًا، فَجَعَلَتْهُ فِي رَأْسِهَا، ثُمَّ فَتَلَتْ عَلَيْهِ قُرُونَهَا، ثُمَّ خَرَجَتْ بِهِ، وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ مِنْ السَّمَاءِ بِمَا صَنَعَ حَاطِبٌ، فَبَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ: أَدْرِكَا امْرَأَةً قَدْ كَتَبَ مَعَهَا حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ بِكِتَابِ إلَى قُرَيْشٍ، يُحَذِّرُهُمْ مَا قَدْ أَجْمَعْنَا لَهُ فِي أَمْرِهِمْ

_ [1] عناني: أهمني. وَفِي الدِّيوَان: « غبنا فَلم نشْهد ببطحاء مَكَّة ... رُعَاة............ إِلَخ» . [2] لم تجن ثِيَابهَا: لم تستر. يُرِيد أَنهم قتلوا وَلم يدفنوا. وَمَوْضِع هَذَا الْبَيْت مُتَأَخّر فِي الدِّيوَان. [3] كَذَا فِي الدِّيوَان. [4] الْعود: المسن من الْإِبِل. [5] كَذَا فِي الدِّيوَان. وَفِي م: «شعر استه» . [6] الصّرْف: اللَّبن الْخَالِص هُنَا. وأعصل: أَعْوَج، والعصل: اعوجاج الْأَسْنَان. وَرِوَايَة الدِّيوَان للشطر الثَّانِي: « إِذا لقحت حَرْب وأعصل نابها » وَابْن أم مجَالد: هُوَ عِكْرِمَة بن أَبى جهل.

(خروج الرسول في رمضان واستخلافه أبارهم) :

فَخَرَجَا حَتَّى أَدْرَكَاهَا بِالْخَلِيقَةِ [1] ، خَلِيقَةِ بَنِي أَبِي أَحْمَدَ، فَاسْتَنْزَلَاهَا، فَالْتَمَسَا فِي رَحْلِهَا، فَلَمْ يَجِدَا شَيْئًا، فَقَالَ لَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إنِّي أَحْلِفُ باللَّه مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا كَذَبْنَا، وَلَتُخْرِجِنَّ لَنَا هَذَا الْكِتَابَ أَوْ لَنَكْشِفَنَّكَ، فَلَمَّا رَأَتْ الْجِدَّ مِنْهُ، قَالَتْ: أَعْرِضْ، فَأَعْرَضَ، فَحَلَّتْ قُرُونَ رَأْسِهَا، فَاسْتَخْرَجَتْ الْكِتَابَ مِنْهَا، فَدَفَعَتْهُ إلَيْهِ، فَأَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاطِبًا، فَقَالَ: يَا حَاطِبُ، مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا وَاَللَّهِ إنِّي لَمُؤْمِنٌ باللَّه وَرَسُولِهِ، مَا غَيَّرْتُ وَلَا بَدَّلْتُ، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَمْرَأً لَيْسَ لِي فِي الْقَوْمِ مِنْ أَصْلٍ وَلَا عَشِيرَةٍ، وَكَانَ لِي بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَلَدٌ وَأَهْلٌ، فَصَانَعْتهمْ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ نَافَقَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا يُدْرِيكَ يَا عُمَرُ، لَعَلَّ اللَّهَ قَدْ اطَّلَعَ إلَى أَصْحَابِ بَدْرٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَاطِبٍ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ 60: 1 ... إلَى قَوْلِهِ: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ، إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ 60: 4 ... إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. (خُرُوجُ الرَّسُولِ فِي رَمَضَان واستخلافه أبارهم) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَفَرِهِ، وَاسْتَخْلَفَ على الْمَدِينَة أبارهم، كُلْثُومَ بْنَ حُصَيْنِ ابْن عُتْبَةَ بْنِ خَلَفٍ الْغِفَارِيَّ، وَخَرَجَ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، فَصَامَ رَسُولُ

_ [1] الخليقة: كَذَا وَقع هُنَا بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة فيهمَا. وَرَوَاهُ الخشنيّ: «بالخليقة» فتح الْخَاء الْمُعْجَمَة فيهمَا. وَفِي كتاب ابْن إِسْحَاق: بِذِي الْخَلِيفَة، خَليفَة بنى أَحْمد، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة فيهمَا بِالْفَاءِ، وَهُوَ اسْم مَوضِع. (عَن أَبى ذَر) .

(نزولهم مر الظهران وتجسس قريش أخبار الرسول) :

اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَامَ النَّاسُ مَعَهُ، حَتَّى إذَا كَانَ بِالْكُدَيْدِ، بَيْنَ عُسْفَانَ وَأَمَجٍ أَفْطَرَ. (نُزُولُهُمْ مَرَّ الظَّهْرَانِ وَتَجُسُّسُ قُرَيْشٍ أَخْبَارَ الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ مَضَى حَتَّى نَزَلَ مَرَّ الظَّهْرَانِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَسَبَّعَتْ سُلَيْمٌ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ أَلَّفَتْ [1] سُلَيْمٌ، وَأَلَّفَتْ مُزَيْنَةُ. وَفِي كُلِّ الْقَبَائِلِ عُدَدٌ وَإِسْلَامٌ، وَأَوْعَبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، فَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ الظَّهْرَانِ، وَقَدْ عُمِّيَتْ الْأَخْبَارُ عَنْ قُرَيْشٍ، فَلَمْ يَأْتِهِمْ خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ فَاعِلٌ، وَخَرَجَ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ، يَتَحَسَّسُونَ الْأَخْبَارَ، وَيَنْظُرُونَ هَلْ يَجِدُونَ خَبَرًا أَوْ يَسْمَعُونَ بِهِ، وَقَدْ كَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ. (هِجْرَةُ الْعَبَّاسِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: لَقِيَهُ بِالْجُحْفَةِ مُهَاجِرًا بِعِيَالِهِ، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ عَلَى سِقَايَتِهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ رَاضٍ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ. (إسْلَامُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمَيَّةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَدْ لَقِيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا بِنِيقِ الْعُقَابِ، فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَالْتَمَسَا الدُّخُولَ عَلَيْهِ، فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فِيهِمَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ عَمِّكَ وَابْنُ عَمَّتِكَ وَصِهْرُكَ، قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي بِهِمَا، أَمَا ابْنُ عَمِّي فَهَتَكَ عِرْضِي، وَأَمَّا ابْنُ عَمَّتِي وَصِهْرِي فَهُوَ الّذي قَالَ لي بِمَكَّةَ مَا قَالَ. قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ الْخَبَرُ إلَيْهِمَا بِذَلِكَ، وَمَعَ أَبِي سُفْيَانَ بُنَيٌّ لَهُ. فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَيَأْذَنَنَّ لِي أَوْ لَآخُذَنَّ بِيَدَيْ بُنَيَّ هَذَا، ثُمَّ لَنَذْهَبَنَّ فِي الْأَرْضِ حَتَّى نَمُوتَ عَطَشًا وَجُوعًا، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ

_ [1] سبعت سليم: أَي كَانَت سبع مائَة. وألفت: أَي كَانَت ألفا.

(شعر أبى سفيان في الاعتذار عما كان فيه قبل إسلامه) :

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ لَهُمَا، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمَا، فَدَخَلَا عَلَيْهِ، فَأَسْلَمَا. (شِعْرُ أَبِي سُفْيَانَ فِي الِاعْتِذَارِ عَمَّا كَانَ فِيهِ قَبْلَ إسْلَامِهِ) : وَأَنْشَدَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ قَوْلَهُ فِي إسْلَامِهِ، وَاعْتذر إِلَيْهِ مِمَّا كَانَ مَضَى مِنْهُ، فَقَالَ: لَعَمْرُكَ إنِّي يَوْمَ أَحْمِلُ رَايَةً ... لِتَغْلِبَ خَيْلُ اللَّاتِ خَيْلَ مُحَمَّدِ [1] لَكَالْمُدْلِجِ الْحَيْرَانِ أَظْلَمَ لَيْلُهُ ... فَهَذَا أَوَانِي حِينَ أُهْدَى وَأَهْتَدِي [2] هَدَانِي هَادٍ غَيْرُ نَفْسِي وَنَالَنِي ... مَعَ [3] اللَّهِ مَنْ طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ أَصُدُّ وَأَنْأَى جَاهِدًا عَنْ مُحَمَّدٍ ... وَأُدْعَى (وَإِنْ لَمْ أَنْتَسِبْ) مِنْ مُحَمَّدِ [4] هُمْ مَا هُمْ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهَوَاهُمْ ... وَإِنْ كَانَ ذَا رَأْيٍ يُلَمْ وَيُفَنَّدْ [5] أُرِيدُ لِأُرْضِيَهُمْ وَلَسْتُ بِلَائِطٍ ... مَعَ الْقَوْمِ مَا لَمْ أُهْدَ فِي كُلِّ مَقْعَدِ [6] فَقُلْ لِثَقِيفٍ لَا أُرِيدُ قِتَالَهَا ... وَقُلْ لِثَقِيفِ تِلْكَ: غَيْرِي [7] أَوْعِدِي [8] فَمَا كُنْتُ فِي الْجَيْشِ الَّذِي نَالَ عَامِرًا ... وَمَا كَانَ عَنْ جَرَّا لِسَانِي وَلَا يَدِي [9] قَبَائِلَ جَاءَتْ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ ... نَزَائِعَ جَاءَتْ مِنْ سِهَامٍ وَسُرْدَدِ [10] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى «وَدَلَّنِي عَلَى الْحَقِّ مَنْ طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ » . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمُوا أَنَّهُ حِينَ أَنْشَدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ: «وَنَالَنِي مَعَ اللَّهِ مَنْ طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ» ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِهِ، وَقَالَ: أَنْتَ طَرَّدْتَنِي كُلَّ مُطَرَّدٍ.

_ [1] أحمل راية: يُرِيد: أَقُود النَّاس للحرب. وَاللات: صنم من أصنام الْعَرَب. وخيل اللات: جيوش الْكفْر. [2] المدلج: الّذي يسير بِاللَّيْلِ. [3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ودلني على الله» وَقد آثرنا مَا فِي (أ) لإِجْمَاع الْأُصُول عَلَيْهَا بعد. [4] أنأى: أبعد. [5] يفند: يلام ويكذب. [6] لائط: ملصق. يُقَال: لَاطَ حبه بقلبي، أَي لصق بِهِ. [7] كَذَا فِي أ، وَفِي م، ر «غَيْرِي» . [8] أوعدى: هددى. [9] عَن جرا: من جراء. [10] سِهَام (بِوَزْن سَحَاب) ، وسردد (بِوَزْن جؤذر) : موضعان من أَرض عك. (انْظُر الرَّوْض) 26- سيرة ابْن هِشَام- 2

(قصة إسلام أبى سفيان على يد العباس) :

(قِصَّةُ إسْلَامِ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى يَدِ الْعَبَّاسِ) : فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ الظَّهْرَانِ، قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: فَقُلْتُ: وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ، وَاَللَّهِ لَئِنْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ عَنْوَةً قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُ فَيَسْتَأْمِنُوهُ، إنَّهُ لَهَلَاكُ قُرَيْشٍ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ. قَالَ: فَجَلَسْتُ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْضَاءِ، فَخَرَجْتُ عَلَيْهَا. قَالَ: حَتَّى جِئْتُ الْأَرَاكَ، فَقُلْتُ: لَعَلِّي أَجِدُ بَعْضَ الْحَطَّابَةِ أَوْ صَاحِبَ لَبَنٍ أَوْ ذَا حَاجَةٍ يَأْتِي مَكَّةَ، فَيُخْبِرَهُمْ بِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِيَخْرُجُوا إلَيْهِ فَيَسْتَأْمِنُوهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا عَلَيْهِمْ عنْوَة. قَالَ: فو الله إنِّي لَأَسِيرُ عَلَيْهَا، وَأَلْتَمِسُ مَا خَرَجْتُ لَهُ، إذْ سَمِعْتُ كَلَامَ أَبِي سُفْيَانَ وَبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ، وَهُمَا يَتَرَاجَعَانِ، وَأَبُو سُفْيَانَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ كَاللَّيْلَةِ نِيرَانًا قَطُّ وَلَا عَسْكَرًا، قَالَ: يَقُولُ بُدَيْلِ: هَذِهِ وَاَللَّهِ خُزَاعَةُ حَمَشَتْهَا [1] الْحَرْبُ. قَالَ: يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ: خُزَاعَةُ أَذَلُّ وَأَقَلُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ نِيرَانَهَا وَعَسْكَرَهَا، قَالَ: فَعَرَفْتُ صَوْتَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَنْظَلَةَ، فَعَرَفَ صَوْتِي، فَقَالَ: أَبُو الْفَضْلِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نعم، قَالَ: مَا لَك؟ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قَالَ: قُلْتُ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ، وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ وَاَللَّهِ. قَالَ: فَمَا الْحِيلَةُ؟ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قَالَ: قُلْتُ: وَاَللَّهِ لَئِنْ ظَفِرَ بِكَ لَيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ، فَارْكَبْ فِي عَجُزِ هَذِهِ الْبَغْلَةِ حَتَّى آتِيَ بِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْتَأْمِنَهُ لَكَ، قَالَ: فَرَكِبَ خَلْفِي وَرَجَعَ صَاحِبَاهُ، قَالَ: فَجِئْتُ بِهِ، كُلَّمَا مَرَرْتُ بِنَارِ مِنْ نِيرَانِ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فَإِذَا رَأَوْا بَغْلَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عَلَيْهَا، قَالُوا عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ، حَتَّى مَرَرْتُ بِنَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ وَقَامَ إلَيَّ، فَلَمَّا رَأَى أَبَا سُفْيَانَ عَلَى عَجُزِ الدَّابَّةِ، قَالَ: أَبُو سُفْيَانَ عَدُوُّ اللَّهِ! الْحَمْدُ للَّه الَّذِي أَمْكَنَ مِنْكَ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ، ثُمَّ خَرَجَ يَشْتَدُّ نَحْوَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَكَضْتُ الْبَغْلَةَ، فَسَبَقَتْهُ بِمَا تَسْبِقُ الدَّابَّةُ الْبَطِيئَةُ الرَّجُلَ الْبَطِيءَ.

_ [1] حمشتها الْحَرْب: أحرقتها. وَمن قَالَ: حمستها (بِالسِّين الْمُهْملَة) فَمَعْنَاه: اشتدت عَلَيْهَا، وَهُوَ مَأْخُوذ من الحماسة، وَهِي الشدَّة والشجاعة.

قَالَ: فَاقْتَحَمْتُ عَنْ الْبَغْلَةِ، فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا أَبُو سُفْيَانَ قَدْ أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ، فَدَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ، ثُمَّ جَلَسْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذْتُ بِرَأْسِهِ، فَقُلْتُ: وَاَللَّهِ لَا يُنَاجِيهِ اللَّيْلَةَ دُونِي رَجُلٌ، فَلَمَّا أَكْثَرَ عُمَرُ فِي شَأْنِهِ، قَالَ: قُلْتُ: مَهْلًا يَا عمر، فو الله أَن لَو كَانَ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ مَا قُلْتُ هَذَا، وَلَكِنَّكَ قَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ مِنْ رِجَالِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، فَقَالَ: مَهْلًا يَا عبّاس، فو الله لَإِسْلَامُكَ يَوْمَ أَسْلَمْتُ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ إسْلَامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ، وَمَا بِي إلَّا أَنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ إسْلَامَكَ كَانَ أَحَبَّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إسْلَامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذْهَبْ بِهِ يَا عَبَّاسُ إلَى رَحْلِكَ، فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَأْتِنِي بِهِ، قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ إلَى رَحْلِي، فَبَاتَ عِنْدِي، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَوْتُ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، أَلَمْ يَأْنِ [1] لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا أَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَكَ وَأَوْصَلَكَ، وَاَللَّهِ لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنْ لَوْ كَانَ مَعَ اللَّهِ إلَهٌ غَيْرُهُ لَقَدْ أَغْنَى عَنِّي شَيْئًا بَعْدُ، قَالَ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ! أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا أَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَكَ وَأَوْصَلَكَ! أَمَّا هَذِهِ وَاَللَّهِ فَإِنَّ فِي النَّفْسِ مِنْهَا حَتَّى الْآنَ شَيْئًا. فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: وَيْحَكَ! أَسْلِمْ وَاشْهَدْ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُكَ. قَالَ: فَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ، فَأَسْلَمَ، قَالَ الْعَبَّاسُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ هَذَا الْفَخْرَ، فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا، قَالَ: نَعَمْ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَنْصَرِفَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَبَّاسُ، احْبِسْهُ بِمَضِيقِ الْوَادِي عِنْدَ خَطْمِ الْجَبَلِ [2] ، حَتَّى تَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللَّهِ فَيَرَاهَا. قَالَ:

_ [1] ألم يَأن: ألم يحن، يُقَال: آن الشى يئين، وأنى يأنى، (كرمي يرْمى) وأنى يأنى (من بَاب فَرح) كُله بِمَعْنى حَان. [2] خطم الْجَبَل. الخطم: أنف الْجَبَل. وَهُوَ شَيْء يخرج مِنْهُ، يضيق بِهِ الطَّرِيق. وَوَقع فِي البُخَارِيّ فِيهِ

(عرض جيوش الرسول أمام أبى سفيان) :

فَخَرَجْتُ حَتَّى حَبَسْتُهُ بِمَضِيقِ الْوَادِي، حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَحْبِسَهُ. (عَرْضُ جُيُوشِ الرَّسُولِ أَمَامَ أَبِي سُفْيَانَ) : قَالَ: وَمَرَّتْ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا، كُلَّمَا مَرَّتْ قَبِيلَةٌ قَالَ: يَا عَبَّاسُ، مَنْ هَذِهِ؟ فَأَقُولُ: سليم، فَيَقُول: مَا لي وَلِسُلَيْمٍ، ثُمَّ تَمُرُّ الْقَبِيلَةُ فَيَقُولُ: يَا عَبَّاسُ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَأَقُولُ: مُزَيْنَةُ، فَيَقُول: مَا لي وَلِمُزَيْنَةَ، حَتَّى نَفِدَتْ الْقَبَائِلُ، مَا تَمُرُّ بِهِ قَبِيلَةٌ إلَّا يَسْأَلُنِي عَنْهَا، فَإِذَا أَخْبَرْتُهُ بهم، قَالَ: مَا لي وَلِبَنِي فُلَانٍ، حَتَّى مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا الْخَضْرَاءُ لِكَثْرَةِ الْحَدِيدِ وَظُهُورِهِ فِيهَا. قَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ الْيَشْكُرِيُّ: ثُمَّ حُجْرًا أَعْنِي ابْنَ أُمِّ قَطَامٍ ... وَلَهُ فَارِسِيَّةٌ خَضْرَاءُ يَعْنِي الْكَتِيبَةَ، وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ: لَمَّا رَأَى بَدْرًا تَسِيلُ جِلَاهُهُ ... بِكَتِيبَةِ خَضْرَاءَ مِنْ بَلْخَزْرَجِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ قَدْ كَتَبْنَاهَا فِي أَشْعَارِ يَوْمِ بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، لَا يُرَى مِنْهُمْ إلَّا الْحَدَقُ مِنْ الْحَدِيدِ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ: يَا عَبَّاسُ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: قُلْتُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، قَالَ: مَا لِأَحَدِ بِهَؤُلَاءِ قِبَلٌ وَلَا طَاقَةٌ، وَاَللَّهِ يَا أَبَا الْفَضْلِ، لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيكَ الْغَدَاةَ عَظِيمًا، قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا سُفْيَانَ، إنَّهَا النُّبُوَّةُ. قَالَ: فَنَعَمْ إذَنْ. (رُجُوعُ أَبِي سُفْيَانَ إلَى أَهْلِ مَكَّةَ يُحَذِّرُهُمْ) : قَالَ: قُلْتُ: النَّجَاءَ [1] إلَى قَوْمِكَ، حَتَّى إذَا جَاءَهُمْ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَذَا مُحَمَّدٌ قَدْ جَاءَكُمْ فِيمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، فَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ

_ [ () ] رِوَايَة أُخْرَى لبَعض الروَاة وَهِي: «عِنْد حطم الْخَيل» (بِالْحَاء الْمُهْملَة) ، وَهُوَ مَوضِع ضيق تتزاحم فِيهِ الْخَيل حَتَّى يحطم بَعْضهَا بَعْضًا. [1] النَّجَاء: السرعة:. تَقول: نجا ينجو نجاء: إِذا أسْرع.

(وصول النبي إلى ذي طوى) :

فَهُوَ آمِنٌ، فَقَامَتْ إلَيْهِ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، فَأَخَذَتْ بِشَارِبِهِ، فَقَالَتْ: اُقْتُلُوا الْحَمِيتَ الدَّسِمَ الْأَحْمَسَ [1] ، قُبِّحَ مِنْ طَلِيعَةِ [2] قَوْمٍ! قَالَ: وَيْلَكُمْ لَا تَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَكُمْ مَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، فَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، قَالُوا: قَاتَلَكَ اللَّهُ! وَمَا تُغْنِي عَنَّا دَارُكَ، قَالَ: وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ إلَى دُورِهِمْ وَإِلَى الْمَسْجِدِ. (وُصُولُ النَّبِيِّ إلَى ذِي طُوَى) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا انْتَهَى إلَى ذِي طُوًى وَقَفَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُعْتَجِرًا بِشُقَّةِ بُرْدٍ حِبَرَةٍ [3] حَمْرَاءَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَضَعَ رَأْسَهُ تَوَاضُعًا للَّه حِينَ رَأَى مَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْفَتْحِ، حَتَّى إنَّ عُثْنُونَهُ لَيَكَادُ يَمَسُّ وَاسِطَةَ الرَّحْلِ. (إسْلَامُ أَبِي قُحَافَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدَّتِهِ أَسَمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: لَمَّا وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي طُوَى قَالَ أَبُو قُحَافَةَ لِابْنَةِ مِنْ أَصْغَرِ وَلَدِهِ: أَيْ بُنَيَّةُ، اظْهَرِي بِي عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ [4] ، قَالَتْ: وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ، قَالَتْ: فَأَشْرَفَتْ بِهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّةُ، مَاذَا تَرَيْنَ؟ قَالَتْ: أَرَى سَوَادًا مُجْتَمِعًا، قَالَ: تِلْكَ الْخَيْلُ، قَالَتْ: وَأَرَى رَجُلًا يَسْعَى بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا، قَالَ: أَيْ بُنَيَّةُ، ذَلِكَ الْوَازِعُ [5] ، يَعْنِي الَّذِي يَأْمُرُ الْخَيْلَ وَيَتَقَدَّمُ إلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: قَدْ وَاَللَّهِ انْتَشَرَ السَّوَادُ، قَالَتْ: فَقَالَ: قَدْ وَاَللَّهِ إذَنْ دُفِعَتْ الْخَيْلُ، فَأَسْرِعِي بِي إلَى بَيْتِي، فَانْحَطَّتْ بِهِ، وَتَلَقَّاهُ الْخَيْلُ

_ [1] الحميت: زق السّمن، الدسم: الْكثير الودك، والأحمس هُنَا: الشَّديد اللَّحْم. وَالْمعْنَى على تشبيهه الرجل بالزق لعبالته وسمنه. [2] الطليعة: الّذي يحرس الْقَوْم. [3] الاعتجار: التعمم بِغَيْر ذؤابة، والشقة: النّصْف والحبرة: ضرب من ثِيَاب الْيمن [4] اظهرى بى: اصعدي وارتفعى. وَأَبُو قبيس: جبل بِمَكَّة. [5] الْوَازِع: الّذي يرتب الْجَيْش ويسويه ويصفه، فَكَأَنَّهُ يكفه عَن التَّفَرُّق والانتشار.

(دخول جيوش المسلمين مكة) :

قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى بَيْتِهِ، قَالَتْ: وَفِي عُنُقِ الْجَارِيَةِ طَوْقٌ مِنْ وَرِقٍ [1] ، فَتَلَقَّاهَا رَجُلٌ فَيَقْتَطِعُهُ مِنْ عُنُقِهَا، قَالَتْ: فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، أَتَى أَبُو بَكْرٍ بِأَبِيهِ يَقُودُهُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هَلَّا تَرَكْتُ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيَهُ فِيهِ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَمْشِيَ إلَيْكَ مِنْ أَنْ تَمْشِيَ إلَيْهِ أَنْتَ، قَالَ: (قَالَتْ) : فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ صَدْرَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَسْلِمْ، فَأَسْلَمَ، قَالَتْ: فَدَخَلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَكَأَنَّ رَأْسُهُ ثَغَامَةً [2] ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غَيِّرُوا هَذَا مِنْ شَعَرِهِ، ثُمَّ قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِيَدِ أُخْتِهِ، وَقَالَ: أُنْشِدُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ طَوْقَ أُخْتِي، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، قَالَتْ: فَقَالَ: أَيْ أُخَيَّةُ، احتسبي طوقك، فو الله إنَّ الْأَمَانَةَ فِي النَّاسِ الْيَوْمَ لَقَلِيلٌ. (دُخُولُ جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ مَكَّةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَرَّقَ جَيْشَهُ مِنْ ذِي طُوَى، أَمَرَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ أَنْ يَدْخُلَ فِي بَعْضِ النَّاسِ مِنْ كُدَى، وَكَانَ الزُّبَيْرُ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْيُسْرَى، وَأَمَرَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ أَنْ يَدْخُلَ فِي بَعْضِ النَّاسِ مِنْ كَدَاءٍ [3] . (تَخَوُّفُ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى قُرَيْشٍ مِنْ سَعْدٍ وَمَا أَمَرَ بِهِ الرَّسُولُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ سَعْدًا حِينَ وُجِّهَ دَاخِلًا، قَالَ: الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ، الْيَوْمُ تُسْتَحَلُّ الْحُرْمَةُ، فَسَمِعَهَا رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: اسْمَعْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، مَا نَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي قُرَيْش صولة، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ [1] الطوق هُنَا: القلادة. وَالْوَرق: الْفضة. [2] الثغامة: وَاحِدَة الثغام، وَهُوَ من نَبَات الْجبَال، وَأَشد مَا يكون بَيَاضًا إِذا أمحل، يشبهون بِهِ الشيب. [3] كداء (كسماء) : جبل بِأَعْلَى مَكَّة، وَهِي الثَّنية الَّتِي عِنْد الْمقْبرَة وَتسَمى تِلْكَ النَّاحِيَة المعلاة. وَدخل النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّة مِنْهَا. و (كقرى) : جبل بِأَسْفَل مَكَّة، وَخرج مِنْهُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقيل غير ذَلِك. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ والقاموس وَشَرحه) .

(طريق المسلمين في دخول مكة) :

لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَدْرِكْهُ، فَخُذْ الرَّايَةَ مِنْهُ فَكُنْ أَنْتَ الَّذِي تَدْخُلُ بِهَا. (طَرِيقُ الْمُسْلِمِينَ فِي دُخُولِ مَكَّةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ فِي حَدِيثِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَدَخَلَ مِنْ اللِّيطِ، أَسْفَلَ مَكَّةَ، فِي بَعْضِ النَّاسِ، وَكَانَ خَالِدٌ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْيُمْنَى، وَفِيهَا أَسْلَمُ وَسُلَيْمٌ وَغِفَارٌ وَمُزَيْنَةُ وَجُهَيْنَةُ وَقَبَائِلُ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ. وَأَقْبَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ بِالصَّفِّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَنْصَبُّ لِمَكَّةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَذَاخِرَ، حَتَّى نَزَلَ بِأَعْلَى مَكَّةَ، وَضُرِبَتْ لَهُ هُنَالِكَ قُبَّتُهُ. (تَعَرُّضُ صَفْوَانَ فِي نَفَرٍ مَعَهُ لِلْمُسْلِمِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ وَعِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ وَسُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو كَانُوا قَدْ جَمَعُوا نَاسًا بِالْخَنْدَمَةِ لِيُقَاتِلُوا، وَقَدْ كَانَ حِمَاسُ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدٍ، أَخُو بَنِي بَكْرٍ، يُعِدُّ سِلَاحًا قَبْلَ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُصْلِحُ مِنْهُ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَته: لماذَا تُعِدُّ مَا أَرَى؟ قَالَ: لِمُحَمَّدِ وَأَصْحَابِهِ، قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا أَرَاهُ [1] يَقُومُ لِمُحَمَّدِ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ، قَالَ: وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ أُخْدِمَكَ بَعْضَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: إنْ يُقْبِلُوا الْيَوْمَ فَمَا لِي عِلَّهْ ... هَذَا سِلَاحٌ كَامِلٌ وَأَلَّهْ [2] وَذُو غِرَارَيْنِ سَرِيعُ السَّلَّهْ [3] ثُمَّ شَهِدَ الْخَنْدَمَةَ مَعَ صَفْوَانَ وَسُهَيْلٍ وَعِكْرِمَةَ، فَلَمَّا لَقِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَصْحَابِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، نَاوَشُوهُمْ شَيْئًا مِنْ قِتَالٍ، فَقُتِلَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ، أَحَدُ بَنِي مُحَارِبِ ابْن فِهْرٍ، وَخُنَيْسُ بْنُ خَالِدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَصْرَمَ، حَلِيفُ بَنِي مُنْقَذٍ، وَكَانَا فِي خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَشَذَّا عَنْهُ فَسَلَكَا طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِهِ فَقُتِلَا جَمِيعًا، قتل حنيس

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي بعض النّسخ: مَا أرى أَنه. [2] الألة: الحربة لَهَا سِنَان طَوِيل. [3] ذُو غرارين: سيف ذُو حَدَّيْنِ.

ابْن خَالِدٍ قَبْلَ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ، فَجَعَلَهُ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَاتَلَ عَنْهُ حَتَّى قُتِلَ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ صَفْرَاءُ مِنْ بَنِي فِهِرْ ... نَقِيَّةُ الْوَجْهِ نَقِيَّةُ الصَّدِرْ لَأَضْرِبَنَّ الْيَوْمَ عَنْ أَبِي صَخِرْ [1] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ خُنَيْسٌ يُكْنَى أَبَا صَخْرٍ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خُنَيْسُ بْنُ خَالِدٍ، مِنْ خُزَاعَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ، قَالَا: وَأُصِيبَ مِنْ جُهَيْنَةَ سَلَمَةُ بْنُ الْمَيْلَاءِ، مِنْ خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَأُصِيبَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ نَاسٌ قَرِيبٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، أَوْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، ثُمَّ انْهَزَمُوا، فَخَرَجَ حِمَاسٌ مُنْهَزِمًا حَتَّى دَخَلَ بَيْتَهُ، ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَغَلِقِي عَلَيَّ بَابِي، قَالَتْ: فَأَيْنَ مَا كُنْتُ تَقُولُ؟ فَقَالَ: إنَّكِ لَوْ شَهِدْتُ يَوْمَ الْخَنْدَمَهْ ... إذْ فَرَّ صَفْوَانُ وَفَرَّ عِكْرِمَهْ وَأَبُو يَزِيدَ قَائِمٌ كَالْمُوتَمَهْ ... وَاسْتَقْبَلَتْهُمْ بِالسُّيُوفِ الْمُسْلِمَهْ [2] يَقْطَعْنَ كُلَّ سَاعِدٍ وَجُمْجُمَهْ ... ضَرْبًا فَلَا يُسْمَعُ إلَّا غَمْغَمَهْ [3] لَهُمْ نَهِيتٌ خَلْفَنَا وَهَمْهَمَهْ ... لَمْ تَنْطِقِي فِي اللَّوْمِ أَدْنَى كَلِمَهْ [4]

_ [1] يرْوى هَذَا الرجز بِكَسْر الْهَاء فِي (فهر) وَالدَّال فِي الصَّدْر (وَالْخَاء) فِي (صَخْر) على مَذْهَب الْعَرَب فِي الْوَقْف على مَا أوسطه سَاكن فَإِن مِنْهُم من ينْقل حَرَكَة لَام الْكَلِمَة إِلَى عينهَا فِي الْوَقْف إِذا كَانَ الِاسْم مَرْفُوعا أَو مخفوضا، وَلَا يَفْعَلُونَ ذَلِك فِي النصب (رَاجع الرَّوْض) . [2] وَأَبُو يزِيد: قلب الْهمزَة ألفا سَاكِنة تَخْفِيفًا فِي ضَرُورَة الشّعْر. وَالْمرَاد بِأبي يزِيد: سُهَيْل بن عَمْرو خطيب قُرَيْش. والموتمة والموتم بِلَا همز، وَتجمع على مياتم، وَهِي الْمَرْأَة مَاتَ زَوجهَا وَترك لَهَا أيتاما. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق فِي غير هَذِه الرِّوَايَة: «المؤتمة» الأسطوانة، وَهُوَ تَفْسِير غَرِيب، وَهُوَ أصح من التَّفْسِير الأول، لِأَنَّهُ تَفْسِير رَاوِي الحَدِيث. وعَلى قَوْله هَذَا يكون لفظ المؤتمة من قَوْلهم: وَتمّ: وَأتم إِذا ثَبت، لِأَن الأسطوانة تثبت مَا عَلَيْهَا. وَيُقَال فِيهَا على هَذَا: مؤتمة بِالْهَمْز، وَتجمع على مآتم، وموتمة بِلَا همز، وَتجمع على مواتم. (انْظُر الرَّوْض الْأنف) . [3] الغمغمة: أصوات غير مفهومة لاختلاطها. [4] النهيت: صَوت الصَّدْر، وَأكْثر مَا يُوصف بِهِ الْأسد. والهمهمة: صَوت فِي الصَّدْر أَيْضا.

(شعار المسلمين يوم الفتح وحنين والطائف) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ قَوْلَهُ «كَالْمُوتَمَهْ» ، وَتُرْوَى لِلرَّعَّاشِ [1] الْهُذَلِيِّ. (شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَحُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ) : وَكَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وحُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ، شِعَارُ الْمُهَاجِرِينَ: يَا بَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَشِعَارُ الْخَزْرَجِ: يَا بَنِي عَبْدِ اللَّهِ، وَشِعَارُ الْأَوْسِ: يَا بَنِي عُبَيْدِ اللَّهِ. (عَهْدُ الرَّسُولِ إلَى أُمَرَائِهِ وَأَمْرُهُ بِقَتْلِ نَفَرٍ سَمَّاهُمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَهِدَ إلَى أُمَرَائِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ، أَنْ لَا يُقَاتِلُوا إلَّا مَنْ قَاتَلَهُمْ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ عَهِدَ فِي نَفَرٍ سَمَّاهُمْ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ وَإِنْ وُجِدُوا تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ. (سَبَبُ أَمْرِ الرَّسُولِ بِقَتْلِ سَعْدٍ وَشَفَاعَةُ عُثْمَانَ فِيهِ) : وَإِنَّمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ أَسْلَمَ، وَكَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيَ، فَارْتَدَّ مُشْرِكًا رَاجِعًا إلَى قُرَيْشٍ، فَفَرَّ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَكَانَ أَخَاهُ لِلرَّضَاعَةِ، فَغَيَّبَهُ حَتَّى أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ اطْمَأَنَّ النَّاسُ وَأَهْلُ مَكَّةَ، فَاسْتَأْمَنَ لَهُ: فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَمَتَ طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُ عُثْمَانُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ حَوْلَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ: لَقَدْ صَمَتُّ لِيَقُومَ إلَيْهِ بَعْضُكُمْ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: فَهَلَّا أَوْمَأْتُ إلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إنَّ النَّبِيَّ لَا يَقْتُلُ بِالْإِشَارَةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدُ، فَوَلَّاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَعْضَ أَعْمَالِهِ، ثُمَّ وَلَّاهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بَعْدَ عُمَرَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ غَالِبٍ: إنَّمَا أَمَرَ

_ [1] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «الرعاس» قَالَ أَبُو ذَر: «الرعاش» : يرْوى هَا هُنَا بِالسِّين والشين، وَصَوَابه بالشين الْمُعْجَمَة لَا غير» .

(أسماء من أمر الرسول بقتلهم وسبب ذلك) :

بِقَتْلِهِ أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا، فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقًا [1] ، وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ، وَكَانَ مَعَهُ مَوْلَى لَهُ يَخْدُمُهُ، وَكَانَ مُسْلِمًا، فَنَزَلَ مَنْزِلًا، وَأَمَرَ الْمَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ لَهُ تَيْسًا، فَيَصْنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ وَلَمْ يَصْنَعْ لَهُ شَيْئًا، فَعَدَا عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ ارْتَدَّ مُشْرِكًا. (أَسَمَاءُ مَنْ أَمَرَ الرَّسُولُ بِقَتْلِهِمْ وَسَبَبُ ذَلِكَ) : وَكَانَتْ لَهُ قَيْنَتَانِ: فَرْتَنَى وَصَاحِبَتُهَا، وَكَانَتَا تُغَنِّيَانِ بِهِجَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِمَا مَعَهُ. وَالْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذِ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ بْنِ قُصَيٍّ، وَكَانَ مِمَّنْ يُؤْذِيهِ بِمَكَّةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَمَلَ فَاطِمَةَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ، ابْنَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ يُرِيدُ بِهِمَا الْمَدِينَةَ، فَنَخَسَ بِهِمَا الْحُوَيْرِثُ ابْن نُقَيْذٍ، فَرَمَى بِهِمَا إلَى الْأَرْضِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَمِقْيَسُ بْنُ حُبَابَةَ [2] : وَإِنَّمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ، لِقَتْلِ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي كَانَ قَتَلَ أَخَاهُ خَطَأً، وَرُجُوعُهُ إلَى قُرَيْشٍ مُشْرِكًا. وَسَارَةُ، مَوْلَاةٌ لِبَعْضِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ. وَكَانَتْ سَارَةُ مِمَّنْ يُؤْذِيهِ بِمَكَّةَ، فَأَمَّا عِكْرِمَةُ فَهَرَبَ إلَى الْيَمَنِ، وَأَسْلَمْتُ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَكِيمِ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَاسْتَأْمَنَتْ لَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّنَهُ، فَخَرَجَتْ فِي طَلَبِهِ إلَى الْيَمَنِ [3] ، حَتَّى أَتَتْ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ. وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ، فَقَتَلَهُ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ الْمَخْزُومِيُّ وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ، اشْتَرَكَا فِي دَمِهِ، وَأَمَّا مِقْيَسُ بْنُ حُبَابَةَ [4] فَقَتَلَهُ نُمَيْلَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالَتْ أُخْتُ مِقْيَسٍ فِي قَتْلِهِ: لَعَمْرِي لَقَدْ أَخْزَى نُمَيْلَةُ رَهْطَهُ ... وَفَجَّعَ أَضْيَافَ الشِّتَاءِ بِمِقْيَسِ

_ [1] مُصدقا، بتَشْديد الدَّال: جَامعا للصدقات، وَهِي الزَّكَاة. [2] كَذَا فِي الْقَامُوس وَشَرحه. وَفِي أ: «ضَبَابَة» ، وَفِي م، ر: «صبَابَة» . [3] هَذِه الْكَلِمَة (إِلَى الْيمن) سَاقِطَة فِي أ. [4] رَاجع الْحَاشِيَة (رقم 2 ص 52) .

(حديث الرجلين اللذين أمنتهما أم هانئ) :

فَلِلَّهِ عَيْنَا مَنْ رَأَى مِثْلَ مِقْيَسٍ ... إذَا النُّفَسَاءُ أَصْبَحَتْ لَمْ تُخَرَّسْ [1] وَأَمَّا قَيْنَتَا ابْنِ خَطَلٍ فَقُتِلَتْ إحْدَاهُمَا، وَهَرَبَتْ الْأُخْرَى، حَتَّى اُسْتُؤْمِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ، فَأَمَّنَهَا. وَأَمَّا سَارَةُ فَاسْتُؤْمِنَ لَهَا فَأَمَّنَهَا، ثُمَّ بَقِيَتْ حَتَّى أَوْطَأَهَا رَجُلٌ مِنْ النَّاسِ فَرَسًا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْأَبْطَحِ فَقَتَلَهَا. وَأَمَّا الْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذٍ فَقَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. (حَدِيثُ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَمَّنَتْهُمَا أُمُّ هَانِئٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ، مَوْلَى عَقِيلِ ابْن أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ أمّ هَانِئ بنت أَبِي طَالِبٍ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَرَّ إلَيَّ رَجُلَانِ مِنْ أَحْمَائِي، مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، وَكَانَتْ عِنْدَ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيِّ، قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَخِي، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَأَقْتُلَنَّهُمَا، فَأَغْلَقْتُ عَلَيْهِمَا بَابَ بَيْتِي، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ مِنْ جَفْنَةٍ إنَّ فِيهَا لَأَثَرَ الْعَجِينِ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا اغْتَسَلَ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَتَوَشَّحَ بِهِ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مِنْ الضُّحَى ثُمَّ انْصَرَفَ إلَيَّ، فَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا يَا أُمَّ هَانِئٍ، مَا جَاءَ بِكَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرَ الرَّجُلَيْنِ وَخَبَرَ عَلِيٍّ، فَقَالَ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ، وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتُ، فَلَا يَقْتُلْهُمَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُمَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَزُهَيْرُ بن أَبى أمّة بْنُ الْمُغِيرَةِ. (طَوَافُ الرَّسُولِ بِالْبَيْتِ وَكَلِمَتُهُ فِيهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْن أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ مَكَّةَ، وَاطْمَأَنَّ النَّاسُ، خَرَجَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ، فَطَافَ بَهْ سَبْعًا عَلَى رَاحِلَتِهِ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِ [2] فِي يَدِهِ، فَلَمَّا قَضَى طَوَافَهُ، دَعَا عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ، فَأَخَذَ مِنْهُ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ، فَفُتِحَتْ لَهُ، فَدَخَلَهَا، فَوَجَدَ فِيهَا حَمَامَةً مِنْ عِيدَانٍ، فَكَسَرَهَا بِيَدِهِ

_ [1] لم تخرس: لم يصنع لَهَا طَعَام عِنْد وِلَادَتهَا، وَاسم ذَلِك الطَّعَام خرس وخرسة (بِضَم الْخَاء) ، وَإِنَّمَا أَرَادَت بِهِ زمن الشدَّة. [2] المحجن: عود معوج الطّرف، يمسِكهُ الرَّاكِب للبعير فِي يَده.

(إقرار الرسول بن طلحة على السدانة) :

ثُمَّ طَرَحَهَا، ثُمَّ وَقَفَ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ وَقَدْ اُسْتُكِفَّ لَهُ النَّاسُ [1] فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: «لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، أَلَا كُلُّ مَأْثُرَةٍ [2] أَوْ دَمٍ أَوْ مَالٍ يُدَّعَى فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ إلَّا سَدَانَةَ [3] الْبَيْتِ وَسِقَايَةَ الْحَاجِّ، أَلَا وَقَتِيلُ الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا، فَفِيهِ الدّية مُغَلّظَة، مائَة مِنْ الْإِبِلِ، أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا. يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَتَعَظُّمَهَا بِالْآبَاءِ، النَّاسُ مِنْ آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى، وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ 49: 13 ... الْآيَةَ كُلَّهَا. ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تُرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ» (إقْرَارُ الرَّسُولِ بن طَلْحَةَ عَلَى السَّدَانَةِ) : ثُمَّ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَامَ إلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمِفْتَاحُ الْكَعْبَةِ فِي يَدِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْمَعْ لَنَا الْحِجَابَةَ مَعَ السِّقَايَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ؟ فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ: هَاكَ مِفْتَاحَكَ يَا عُثْمَانُ، الْيَوْمُ يَوْمُ بِرٍّ وَوَفَاءٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ: إنَّمَا أُعْطِيكُمْ مَا تُرْزَءُونَ لَا مَا تَرْزَءُونَ [4] .

_ [1] استكف لَهُ النَّاس: استجمع، من الكافة، وَهِي الْجَمَاعَة. وَقد يجوز أَن يكون «استكف» هُنَا بِمَعْنى نظرُوا إِلَيْهِ وحدقوا أَبْصَارهم فِيهِ كَالَّذي ينظر فِي الشَّمْس: من قَوْلهم: استكففت الشَّيْء، إِذا وضعت كفك على حاجبيك وَنظرت إِلَيْهِ، وَقد يجوز أَن يكون استكف هُنَا بِمَعْنى اسْتَدَارَ، وَمِنْه قَول النَّابِغَة: «إِذا استكف قَلِيلا تَرَ بِهِ انهدما» . (عَن أَبى ذَر) . والّذي فِي اللِّسَان: «استكفوه: صَارُوا حواليه، واستكف بِهِ النَّاس: إِذا أَحدقُوا بِهِ» . [2] المأثرة: الْخصْلَة المحمودة الَّتِي تتوارث ويتحدث بهَا النَّاس. [3] سدانة الْبَيْت: خدمته. [4] مَا ترزمون لَا مَا ترزمون: قَالَ أَبُو على: «إِنَّمَا مَعْنَاهُ: إِنَّمَا أَعطيتكُم مَا تمنون كالسقاية الَّتِي تحْتَاج إِلَى مُؤَن، وَأما السدَانَة فيرزأ لَهَا النَّاس بِالْبَعْثِ إِلَيْهَا، يعْنى كسْوَة الْبَيْت» .

(أمر الرسول بطمس ما بالبيت من صور) :

(أَمْرُ الرَّسُولِ بِطَمْسِ مَا بِالْبَيْتِ مِنْ صُوَرٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْبَيْتَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَرَأَى فِيهِ صُوَرَ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَرَأَى إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُصَوَّرًا فِي يَدِهِ الْأَزْلَامُ يَسْتَقْسِمُ بِهَا، فَقَالَ: قَاتَلَهُمْ اللَّهُ، جَعَلُوا شَيْخَنَا يَسْتَقْسِمُ بِالْأَزْلَامِ [1] ، مَا شَأْنُ إبْرَاهِيمَ وَالْأَزْلَامِ! «مَا كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً، وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 3: 67» . ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الصُّوَرِ كُلِّهَا فَطُمِسَتْ [2] . (صَلَاةُ الرَّسُولِ بِالْبَيْتِ وَتَوَخِّي ابْنِ عُمَرَ مَكَانَهُ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ وَمَعَهُ بِلَالٌ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَخَلَّفَ بِلَالٌ، فَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى بِلَالٍ، فَسَأَلَهُ: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَلَمْ يَسْأَلْهُ كَمْ صَلَّى، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا دَخَلَ الْبَيْتَ مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ، وَجَعَلَ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ، حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ قَدْرُ ثَلَاثِ أَذْرُعٍ، ثُمَّ يُصَلِّي، يَتَوَخَّى [3] بِذَلِكَ الْمَوْضِعَ الَّذِي قَالَ لَهُ بِلَالٌ. (سَبَبُ إسْلَامِ عَتَّابٍ وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ الْكَعْبَةَ عَامَ الْفَتْحِ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَعَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ جُلُوسٌ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ لَقَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ أَسِيدًا أَلَّا يَكُونَ سَمِعَ هَذَا، فَيَسْمَعَ مِنْهُ مَا يَغِيظُهُ. فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ أعلم أَنه محقّ لَاتَّبَعْتُهُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَا أَقُولُ شَيْئًا، لَوْ تَكَلَّمْتُ لَأَخْبَرَتْ عَنِّي هَذِهِ الْحَصَى، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ الَّذِي قُلْتُمْ، ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَقَالَ الْحَارِثُ وَعَتَّابٌ: نَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَاَللَّهِ مَا اطَّلَعَ عَلَى هَذَا أَحَدٌ كَانَ مَعَنَا، فَنَقُولَ أَخْبَرَكَ.

_ [1] الأزلام: وَاحِدهَا زلم، بِضَم الزاء وَفتحهَا، وَهِي السِّهَام. ويستقسم بهَا: يضْرب بهَا. [2] طمست: غيرت. [3] يتوخى: يتحَرَّى يقْصد.

(سبب تسمية الرسول لخراش بالقتال) :

(سَبَبُ تَسْمِيَةِ الرَّسُولِ لِخِرَاشِ بِالْقَتَّالِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَنْدَرٍ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالَ: كَانَ مَعَنَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَحْمَرُ بَأْسًا [1] ، وَكَانَ رَجُلًا شُجَاعًا، وَكَانَ إذَا نَامَ غَطَّ [2] غَطِيطًا مُنْكَرًا لَا يَخْفَى مَكَانُهُ، فَكَانَ إذَا بَاتَ فِي حَيِّهِ بَاتَ مُعْتَنِزًا [3] ، فَإِذَا بُيِّتَ الْحَيُّ [4] صَرَخُوا يَا أَحْمَرُ، فَيَثُورُ مِثْلَ الْأَسَدِ، لَا يَقُومُ لِسَبِيلِهِ شَيْءٌ. فَأَقْبَلَ غَزِيٌّ [5] مِنْ هُذَيْلٍ يُرِيدُونَ حَاضِرَهُ، حَتَّى إذَا دَنَوْا مِنْ الْحَاضِرِ [6] ، قَالَ ابْنُ الْأَثْوَعِ الْهُذَلِيُّ: لَا تَعْجَلُوا عَلَيَّ حَتَّى أَنْظُرَ، فَإِنْ كَانَ فِي الْحَاضِرِ أَحْمَرُ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِمْ، فَإِنَّ لَهُ غَطِيطًا لَا يَخْفَى، قَالَ: فَاسْتَمَعَ، فَلَمَّا سَمِعَ غَطِيطَهُ مَشَى إلَيْهِ حَتَّى وَضَعَ السَّيْفَ فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلَهُ، ثُمَّ أَغَارُوا عَلَى الْحَاضِرِ، فَصَرَخُوا يَا أَحْمَرُ وَلَا أَحْمَرَ لَهُمْ، فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ، وَكَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، أَتَى ابْنُ الْأَثْوَعِ الْهُذَلِيُّ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ يَنْظُرُ وَيَسْأَلُ عَنْ أَمْرِ النَّاسِ، وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ، فَرَأَتْهُ خُزَاعَةُ، فَعَرَفُوهُ، فَأَحَاطُوا بِهِ وَهُوَ إلَى جَنْبِ جِدَارٍ مِنْ جُدُرِ مَكَّةَ، يَقُولُونَ: أَأَنْتَ قَاتِلُ أَحْمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَنَا قَاتِلُ أَحْمَرَ فَمَهْ [7] ؟ قَالَ: إذْ أَقْبَلَ خِرَاشُ بْنُ أُمَيَّةَ مُشْتَمِلًا عَلَى السَّيْفِ، فَقَالَ: هَكَذَا عَنْ الرَّجُلِ [8] ، وو الله مَا نَظُنُّ إلَّا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُفْرِجَ النَّاسَ عَنْهُ. فَلَمَّا انْفَرَجْنَا عَنْهُ حَمَلَ عَلَيْهِ، فَطَعَنَهُ بِالسَّيْفِ فِي بَطْنه، فو الله

_ [1] علق أَبُو ذَر على هَذَا الِاسْم بِأَنَّهُ جملَة مركبة، وَلَعَلَّه يُرِيد أَنه «احمر» بتَشْديد. الرَّاء، فَيكون مَنْقُولًا من جملَة فعلية مثل: «تأبط شرا» . [2] الغطيط: مَا يسمع من صَوت الْآدَمِيّين إِذا نَامُوا. [3] معتنزا: أَي نَاحيَة من الْحَيّ. يُقَال: هَذَا بَيت معتنز: إِذا كَانَ خَارِجا عَن بيُوت الْحَيّ. [4] بَيت الْحَيّ: غزوا لَيْلًا. [5] الغزى: جمَاعَة الْقَوْم يغزون. [6] الحاصر: الَّذين ينزلون على المَاء. [7] فَمه: هِيَ بالاستفهامية، حذفت ألفها واجتلبت هَاء السكت فِي الْوَقْف، وَمَعْنَاهُ: فِي الّذي تُرِيدُونَ أَن تصنعوه؟ [8] قَالَ أَبُو ذَر: «هَكَذَا: اسْم سمى بِهِ الْفِعْل، وَمَعْنَاهُ تنحوا عَن الرجل. وَعَن مُتَعَلقَة بِمَا فِي هَكَذَا من معنى الْفِعْل» . وَيفهم من قَول خرَاش «هَكَذَا» إِشَارَته بِيَدِهِ إِلَى النَّاس ليتنحوا عَن ابْن الأثوع، وَلَيْسَ يُرِيد أَنه من أَسمَاء الْأَفْعَال.

(ما كان بين أبى شريح وابن سعد حين ذكره بحرمة مكة) :

لِكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ وَحِشْوَتَهُ [1] تَسِيلُ مِنْ بَطْنِهِ، وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَتُرَنِّقَانِ [2] فِي رَأْسِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: أَقَدْ فَعَلْتُمُوهَا يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ؟ حَتَّى انْجَعَفَ [3] فَوَقَعَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ، ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ عَنْ الْقَتْلِ، فَقَدْ كَثُرَ الْقَتْلُ إنْ نَفَعَ، لَقَدْ قَتَلْتُمْ قَتِيلًا لَأَدِيَنَّهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا صَنَعَ خِرَاشُ بْنُ أُمَيَّةَ، قَالَ: إنَّ خِرَاشًا لَقَتَّالٌ، يَعِيبُهُ بِذَلِكَ. (مَا كَانَ بَيْنَ أَبِي شُرَيْحٍ وَابْنِ سَعْدٍ حِينَ ذَكَّرَهُ بِحُرْمَةِ مَكَّةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ الزُّبَيْرِ [4] مَكَّةَ لِقِتَالِ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، جِئْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا هَذَا، إنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ افْتَتَحَ مَكَّةَ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ عَدَتْ خُزَاعَةُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ هُذَيْلٍ فَقَتَلُوهُ وَهُوَ مُشْرِكٌ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا خَطِيبًا، فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْم خلق السّماوات وَالْأَرْضَ، فَهِيَ حَرَامٌ مِنْ حَرَامٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ باللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، أَنْ يَسْفِكَ فِيهَا دَمًا،

_ [1] الحشوة (بِالْكَسْرِ) : مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ الْبَطن من الأمعاء وَغَيرهَا. [2] لترنقان: يُرِيد أَنَّهُمَا قريبان أَن تنغلقا.. يُقَال: رنقت الشَّمْس، إِذا دنت للغروب، ورنقه النعاس، إِذا ابتدأه قبل أَن تنغلق عينه. قَالَ الشَّاعِر: وَسنَان أقصده النعاس فرنقت ... فِي عينه سنة وَلَيْسَ بنائم [3] انجعف: سقط سقوطا ثقيلا. يُقَال: انجعفت الثَّمَرَة، إِذا انقلعت أُصُولهَا فَسَقَطت. [4] قَالَ السهيليّ: هَذَا وهم من ابْن هِشَام. وَصَوَابه: وَهُوَ عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة، وَهُوَ الْأَشْدَق ... وَإِنَّمَا دخل الْوَهم على ابْن هِشَام أَو على البكائي فِي رِوَايَته، من أجل أَن عَمْرو بن الزبير كَانَ معاديا لِأَخِيهِ عبد الله ومعينا لبني أُميَّة. هَذَا مَا ذهب إِلَيْهِ السهيليّ. وَقد نقل ابْن أَبى الْحَدِيد عَن المَسْعُودِيّ فِي شرح نهج البلاغة (ج 4 ص 495) مَا يثبت أَن قتالا كَانَ بَين عَمْرو بن الزبير وأخيه عبد الله، قَالَ: «كَانَ يزِيد بن مُعَاوِيَة قد ولى الْوَلِيد بن عتبَة بن أَبى سُفْيَان الْمَدِينَة، فسرح مِنْهَا جَيْشًا إِلَى مَكَّة لِحَرْب عبد الله ابْن الزبير، عَلَيْهِ عَمْرو بن الزبير أَخُوهُ، وَكَانَ منحرفا عَن عبد الله، فَلَمَّا تصاف الْقَوْم انهزم رجال عَمْرو وأسلموه، فظفر بِهِ عبد الله فأقامه للنَّاس بِبَاب الْمَسْجِد مُجَردا، وَلم يزل يضْربهُ بالسياط حَتَّى مَاتَ» .

(أول قتيل وداه الرسول يوم الفتح) :

وَلَا يَعْضِدَ [1] فِيهَا شَجَرًا، لَمْ تَحْلِلْ لِأَحَدِ كَانَ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدِ يَكُونُ بَعْدِي، وَلَمْ تَحْلِلْ لِي إلَّا هَذِهِ السَّاعَةَ، غَضَبًا عَلَى أَهْلِهَا. أَلَا، ثُمَّ قَدْ رَجَعَتْ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ مِنْكُمْ الْغَائِبَ، فَمَنْ قَالَ لَكُمْ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ (قَدْ) [2] قَاتَلَ فِيهَا، فَقُولُوا: إنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّهَا لِرَسُولِهِ، وَلَمْ يُحْلِلْهَا لَكُمْ، يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ عَنْ الْقَتْلِ، فَلَقَدْ كَثُرَ الْقَتْلُ إنْ نَفَعَ، لَقَدْ قَتَلْتُمْ قَتِيلًا لَأَدِيَنَّهُ، فَمَنْ قُتِلَ بَعْدَ مَقَامِي هَذَا فَأَهْلُهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إنْ شَاءُوا فَدَمُ قَاتِلِهِ، وَإِنْ شَاءُوا فَعَقْلُهُ. ثُمَّ وَدَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي قَتَلَتْهُ خُزَاعَةُ، فَقَالَ عَمْرٌو لِأَبِي شُرَيْحٍ: انْصَرِفْ أَيُّهَا الشَّيْخُ، فَنَحْنُ أَعْلَمُ بِحُرْمَتِهَا مِنْكَ، إنَّهَا لَا تَمْنَعُ سَافِكَ دَمٍ، وَلَا خَالِعَ طَاعَةٍ، وَلَا مَانِعَ جِزْيَةٍ، فَقَالَ أَبُو شُرَيْحٍ: إنِّي كُنْتُ شَاهِدًا وَكُنْتَ غَائِبًا، وَلَقَدْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَلِّغَ شَاهِدُنَا. غَائِبَنَا، وَقَدْ أَبَلَغْتُكَ، فَأَنْتَ وَشَأْنُكَ. (أَوَّلُ قَتِيلٍ وَدَاهُ الرَّسُولُ يَوْمَ الْفَتْحِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي أَنَّ أَوَّلَ قَتِيلٍ وَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ جُنَيْدَبُ بْنُ الْأَكْوَعِ، قَتَلَتْهُ بَنُو كَعْب، فوداه بِمِائَة نَاقَةٍ. (تَخَوُّفُ الْأَنْصَارِ مِنْ بَقَاءِ الرَّسُولِ فِي مَكَّةَ وَطَمْأَنَةُ الرَّسُولِ لَهُمْ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ مَكَّةَ وَدَخَلَهَا، قَامَ عَلَى الصَّفَا يَدْعُو (اللَّهَ) [3] ، وَقَدْ أَحْدَقَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ، فَقَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: أَتُرَوْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَرْضَهُ وَبَلَدَهُ يُقِيمُ بِهَا؟ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ دُعَائِهِ قَالَ: مَاذَا قُلْتُمْ؟ قَالُوا: لَا شَيْءَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ حَتَّى أَخْبَرُوهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَعَاذَ اللَّهِ! الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ. (سُقُوطُ أَصْنَامِ الْكَعْبَةِ بِإِشَارَةِ مِنْ الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الرِّوَايَةِ فِي إسْنَادٍ لَهُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ

_ [1] لَا يعضد: لَا يقطع. [2] زِيَادَة عَن أ. [3] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ.

(كيف أسلم فضالة) :

الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَطَافَ عَلَيْهَا وَحَوْلَ الْبَيْتِ أَصْنَامٌ مَشْدُودَةٌ بِالرَّصَاصِ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ بِقَضِيبِ فِي يَدِهِ إلَى الْأَصْنَامِ وَيَقُولُ «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» فَمَا أَشَارَ إلَى صَنَمٍ مِنْهَا فِي وَجْهِهِ إلَّا وَقَعَ لِقَفَاهُ، وَلَا أَشَارَ إلَى قَفَاهُ إلَّا وَقَعَ لِوَجْهِهِ، حَتَّى مَا بَقِيَ مِنْهَا صَنَمٌ إلَّا وَقَعَ، فَقَالَ تَمِيمُ بْنُ أَسَدٍ الْخُزَاعِيُّ فِي ذَلِكَ: وَفِي الْأَصْنَامِ مُعْتَبَرٌ وَعِلْمٌ ... لِمَنْ يَرْجُو الثَّوَابَ أَوْ الْعِقَابَا (كَيْفَ أَسْلَمَ فَضَالَةُ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي: أَنَّ فَضَالَةَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ الْمُلَوَّحِ اللَّيْثِيَّ أَرَادَ قَتْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَامَ الْفَتْحِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفَضَالَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ فَضَالَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَاذَا كُنْتُ تُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَكَ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ، كُنْتُ أَذْكُرُ اللَّهَ، قَالَ: فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ:: اسْتَغْفِرْ اللَّهَ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ، فَسَكَنَ قَلْبُهُ، فَكَانَ فَضَالَةُ يَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا رَفَعَ يَدَهُ عَنْ صَدْرِي حَتَّى مَا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْهُ. قَالَ فَضَالَةُ: فَرَجَعْتُ إلَى أَهْلِي، فَمَرَرْتُ بِامْرَأَةِ كُنْتُ أَتَحَدَّثُ إلَيْهَا، فَقَالَتْ: هَلُمَّ إلَى الْحَدِيثِ، فَقُلْتُ: لَا، وَانْبَعَثَ فَضَالَةُ يَقُولُ: قَالَتْ هَلُمَّ إلَى الْحَدِيثِ فَقُلْتُ لَا ... يَأْبَى عَلَيْكَ اللَّهُ وَالْإِسْلَامُ لَوْمَا رَأَيْتِ مُحَمَّدًا وَقَبِيلَهُ ... بِالْفَتْحِ يَوْمَ تَكَسَّرَ الْأَصْنَامُ لَرَأَيْتِ دِينَ اللَّهِ أَضْحَى بَيِّنًا ... وَالشِّرْكُ يَغْشَى وَجْهَهُ الْإِظْلَامُ (أَمَانُ الرَّسُولِ لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: خَرَجَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ يُرِيدُ جُدَّةَ لِيَرْكَبَ مِنْهَا إلَى الْيَمَنِ، فَقَالُ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ سَيِّدُ قَوْمِهِ، وَقَدْ خَرَجَ هَارِبًا مِنْكَ، لِيَقْذِفَ نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ، فَأَمِّنْهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ، قَالَ: هُوَ آمِنٌ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَعْطِنِي آيَةً يَعْرِفُ بِهَا أَمَانَكَ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِمَامَتَهُ الَّتِي دَخَلَ فِيهَا مَكَّة، 27- سيرة ابْن هِشَام- 2

(إسلام عكرمة وصفوان) :

فَخَرَجَ بِهَا عُمَيْرٌ حَتَّى أَدْرَكَهُ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ: يَا صَفْوَانُ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، اللَّهَ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ أَنْ تُهْلِكَهَا، فَهَذَا أَمَانٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جِئْتُكَ بِهِ، قَالَ: وَيْحَكَ! اُغْرُبْ عَنِّي فَلَا تُكَلِّمْنِي، قَالَ: أَيْ صَفْوَانُ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، أَفْضَلُ النَّاسِ، وَأَبَرُّ النَّاسِ، وَأَحْلَمُ النَّاسِ، وَخَيْرُ النَّاسِ، ابْنُ عَمِّكَ، عِزُّهُ عِزُّكَ، وَشَرَفُهُ شَرَفُكَ، وَمُلْكُهُ مُلْكُكَ، قَالَ: إنِّي أَخَافُهُ عَلَى نَفْسِي، قَالَ: هُوَ أَحْلَمُ مِنْ ذَاكَ وَأَكْرَمُ. فَرَجَعَ مَعَهُ، حَتَّى وَقَفَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ صَفْوَانُ: إنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّكَ قَدْ أَمَّنْتَنِي قَالَ: صَدَقَ، قَالَ: فَاجْعَلْنِي فِيهِ بِالْخِيَارِ شَهْرَيْنِ، قَالَ: أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ صَفْوَانَ قَالَ لِعُمَيْرِ: وَيْحَكَ! اُغْرُبْ عَنِّي، فَلَا تُكَلِّمْنِي، فَإِنَّكَ كَذَّابٌ، لِمَا كَانَ صَنَعَ بِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي آخِرِ حَدِيثِ يَوْمِ بَدْرٍ. (إسْلَامُ عِكْرِمَةَ وَصَفْوَانَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ: أَنَّ أُمَّ حَكِيمِ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَفَاخِتَةَ بِنْتَ الْوَلِيدِ- وَكَانَتْ فَاخِتَةُ عِنْدَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَأُمُّ حَكِيمٍ عِنْدَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ- أَسْلَمَتَا، فَأَمَّا أُمُّ حَكِيمٍ فَاسْتَأْمَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِكْرِمَةَ، فَأَمَّنَهُ، فَلَحِقَتْ بِهِ بِالْيَمَنِ، فَجَاءَتْ بِهِ، فَلَمَّا أَسْلَمَ عِكْرِمَةُ وَصَفْوَانُ أَقَرَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ. (إسْلَامُ ابْنِ الزِّبَعْرَى وَشِعْرُهُ فِي ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: قَالَ: رَمَى حَسَّانُ بْنُ الزِّبَعْرَى وَهُوَ بِنَجْرَانَ بِبَيْتِ وَاحِدٍ مَا زَادَهُ عَلَيْهِ: لَا تعد من رجلا أخلّك بُغْضُهُ ... نَجْرَانَ فِي عَيْشٍ أَحَذَّ لَئِيمِ [1]

_ [1] أحذ (بِالْحَاء الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة) : هُوَ الْقَلِيل الْمُنْقَطع. وَمن رَوَاهُ: أجد، (بِالْجِيم وَالدَّال الْمُهْملَة) : فَمَعْنَاه مُنْقَطع أَيْضا. وَقد يجوز أَن يكون مَعْنَاهُ: فِي عَيْش لئيم جدا. (عَن شرح أَبى ذَر) .

فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ الزِّبَعْرَى خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ، فَقَالَ حِينَ أَسْلَمَ: يَا رَسُولَ الْمَلِيكِ إنَّ لِسَانِي ... رَاتِقٌ مَا فَتَقْتُ إِذْ أَنا بور [1] إذْ أُبَارِي الشَّيْطَانَ فِي سُنَنِ الْغَيِّ ... وَمَنْ مَالَ مَيْلَهُ مَثْبُورُ [2] آمَنَ اللَّحْمُ وَالْعِظَامُ لِرَبِّي ... ثُمَّ قَلْبِي الشَّهِيدُ أَنْتَ النَّذِيرُ إنَّنِي عَنْكَ زَاجِرٌ ثَمَّ حَيَّا ... مِنْ لُؤَيٍّ وَكُلُّهُمْ مَغْرُورُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى أَيْضًا حِينَ أَسْلَمَ: مَنَعَ الرُّقَادَ بَلَابِلٌ وَهُمُومُ ... واللَيْلُ مُعْتَلِجُ الرِّوَاقِ بَهِيمُ [3] مِمَّا أَتَانِي أَنَّ أَحْمَدَ لَامَنِي ... فِيهِ فَبِتُّ كَأَنَّنِي مَحْمُومُ يَا خَيْرَ مَنْ حَمَلَتْ عَلَى أَوْصَالِهَا ... عَيْرَانَةٌ سُرُحُ الْيَدَيْنِ غَشُومُ [4] إنِّي لَمُعْتَذِرٌ إلَيْكَ مِنْ الَّذِي ... أَسْدَيْتُ إذْ أَنَا فِي الضَّلَالِ أَهِيمُ [5] أَيَّامَ تَأْمُرُنِي بِأَغْوَى خُطَّةٍ ... سَهْمٌ وَتَأْمُرُنِي بِهَا مَخْزُومُ وَأَمُدُّ أَسْبَابَ الرَّدَى وَيَقُودُنِي ... أَمْرُ الْغُوَاةِ وَأَمْرُهُمْ مَشْئُومُ [6] فَالْيَوْمَ آمَنَ بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ... قَلْبِي وَمُخْطِئُ هَذِهِ مَحْرُومُ مَضَتْ الْعَدَاوَةُ وَانْقَضَتْ أَسْبَابُهَا ... وَدَعَتْ أَوَاصِرُ بَيْنَنَا وَحُلُومُ [7]

_ [1] الراتق: الساد، تَقول: رتقت الشَّيْء، إِذا سددته. قَالَ الله تَعَالَى: كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما 21: 30. وفتقت: يعْنى فِي الدَّين، فَكل إِثْم فتق وتمزيق، وكل تَوْبَة رتق. وَمن أجل ذَلِك قيل للتَّوْبَة نصوح، من نصحت الثَّوْب إِذا خطته، والنصاح: الْخَيط. وبور: هَالك. يُقَال: رجل بور وبائر، وَقوم بور. [2] أبارى: أجارى وأعارض. وَالسّنَن بِالتَّحْرِيكِ: وسط الطَّرِيق. ومثبور: هَالك. [3] البلابل: الوساوس المختلطة وَالْأَحْزَان. معتلج: مُضْطَرب يركب بعضه بَعْضًا. والبهيم: الّذي لَا ضِيَاء فِيهِ. [4] عيرانة: نَاقَة تشبه العير فِي شدته ونشاطه. وَالْعير هُنَا: حمَار الْوَحْش. وسرح الْيَدَيْنِ: خَفِيفَة الْيَدَيْنِ. وغشوم: لَا ترد عَن وَجههَا. ويروى: (سعوم) وَهِي القوية على السّير. ويروى أَيْضا (رسوم) وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا ترسم الأَرْض وتؤثر فِيهَا، من شدَّة وَطئهَا. [5] أسديت: صنعت وحكيت، يعْنى مَا قَالَ من الشّعْر قبل إِسْلَامه وأهيم: أذهب على وَجْهي متحيرا. [6] الردى: الْهَلَاك. [7] الأواصر: جمع آصرة، وَهِي قرَابَة الرَّحِم بَين النَّاس.

(بقاء هبيرة على كفره وشعره في إسلام زوجه أم هانئ) :

فَاغْفِرْ فِدًى لَكَ وَالِدَايَ كِلَاهُمَا ... زَلَلِي، فَإِنَّكَ رَاحِمٌ مَرْحُومُ وَعَلَيْكَ مِنْ عِلْمِ الْمَلِيكِ عَلَامَةٌ ... نُورٌ أَغَرُّ وَخَاتَمٌ مَخْتُومُ أَعْطَاكَ بَعْدَ مَحَبَّةٍ بُرْهَانَهُ ... شَرَفًا وَبُرْهَانُ الْإِلَهِ عَظِيمُ وَلَقَدْ شَهِدْتُ بِأَنَّ دِينَكَ صَادِقٌ ... حَقٌّ وَأَنَّكَ فِي الْعِبَادِ جَسِيمُ وَاَللَّهُ يَشْهَدُ أَنَّ أَحْمَدَ مُصْطَفًى ... مُسْتَقْبَلٌ فِي الصَّالِحِينَ كَرِيمُ [1] قَرْمٌ عَلَا بُنْيَانَهُ مِنْ هَاشِمٍ ... فَرْعٌ تَمَكَّنَ فِي الذُّرَا وَأُرُومُ [2] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لَهُ. (بَقَاءُ هُبَيْرَةَ عَلَى كُفْرِهِ وَشِعْرُهُ فِي إسْلَامِ زَوْجِهِ أُمِّ هَانِئٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمَّا هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيُّ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى مَاتَ كَافِرًا، وَكَانَتْ عِنْدَهُ أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ، وَاسْمُهَا هِنْدٌ، وَقَدْ قَالَ حِينَ بَلَغَهُ إسْلَامُ أُمِّ هَانِئٍ: أَشَاقَتْكَ هِنْدٌ أَمْ أَتَاكَ سُؤَالُهَا [3] ... كَذَاكَ النَّوَى أَسْبَابُهَا وَانْفِتَالُهَا [4] وَقَدْ أَرَّقَتْ فِي رَأْسِ حِصْنٍ مُمَنَّعٍ ... بِنَجْرَانَ يُسْرِي بَعْدَ لَيْلٍ خَيَالُهَا [5] وَعَاذِلَةٍ هَبَّتْ بِلَيْلٍ تَلُومُنِي ... وَتَعْذِلُنِي بِاللَّيْلِ ضَلَّ ضَلَالُهَا [6] وَتَزْعُمُ أَنِّي إنْ أَطَعْتُ عَشِيرَتِي ... سَأُرْدَى وَهَلْ يُرْدِينِ إلَّا زِيَالُهَا [7] فَإِنِّي لَمِنْ قَوْمٍ إذَا جَدَّ جِدُّهُمْ ... عَلَى أَيِّ حَالٍ أَصْبَحَ الْيَوْمَ حَالُهَا وَإِنِّي لَحَامٍ مِنْ وَرَاءِ عَشِيرَتِي ... إذَا كَانَ مِنْ تَحْتِ الْعَوَالِي مَجَالُهَا [8]

_ [1] مُسْتَقْبل: مَنْظُور إِلَيْهِ ملحوظ. [2] قرم: سيد، وَأَصله الْفَحْل من الْإِبِل. والذرا: الأعالي، جمع ذرْوَة. والأروم: الْأُصُول، جمع أرومة (بِفَتْح أَوله وضمه) . [3] كَذَا فِي م، ر. وَفِي أ: «نآك» . قَالَ أَبُو ذَر فِي شَرحه: «نآك» أَي بعد عَنْك.، والنأى: الْبعد» . [4] وانفتالها: أَي تقلبها من حَال إِلَى حَال. ويروى: «وانتقالها» . [5] أرقت: أزالت النّوم. ونجران: بلد من الْيمن. [6] هبت: استيقظت. وضل ضلالها: دُعَاء عَلَيْهَا بالضلال. [7] سأردى: سأهلك. وزيالها: ذهابها. [8] العوالي: أعالى الرماح.

(عدة من شهد فتح مكة من المسلمين) :

وَصَارَتْ بِأَيْدِيهَا السُّيُوفُ كَأَنَّهَا ... مَخَارِيقُ وِلْدَانٍ وَمِنْهَا ظِلَالُهَا [1] وَإِنِّي لَأَقْلَى الْحَاسِدِينَ وَفِعْلَهُمْ ... عَلَى اللَّهِ رِزْقِي نَفْسُهَا وَعِيَالُهَا [2] وَإِنَّ كَلَامَ الْمَرْءِ فيَ غَيْرِ كُنْهِهِ ... لَكَالنَّبْلِ تَهْوِي لَيْسَ فِيهَا نِصَالُهَا [3] فَإِنْ كُنْتِ قَدْ تَابَعْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ ... وَعَطَّفَتْ الْأَرْحَامَ مِنْكَ حِبَالُهَا فَكُونِي عَلَى أَعْلَى سَحِيقٍ بِهَضْبَةٍ ... مُلَمْلَمَةٍ غَبْرَاءَ يَبْسٍ بِلَالُهَا [4] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَيُرْوَى: « وَقَطَّعَتْ الْأَرْحَامَ مِنْكَ حِبَالُهَا » . (عِدَّةُ مَنْ شَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ جَمِيعُ مَنْ شَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَشَرَةَ آلَافٍ. مِنْ بَنِي سليم سبع مائَة. وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: أَلْفٌ، وَمِنْ بَنِي غفار أَربع مائَة، وَمِنْ أسلم أَربع مائَة، وَمِنْ مُزَيْنَةَ أَلْفٌ وَثَلَاثَةُ نَفَرٍ، وَسَائِرُهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ وَحُلَفَائِهِمْ، وَطَوَائِفُ الْعَرَبِ مِنْ تَمِيمٍ وَقَيْسٍ وَأَسَدٍ. (شِعْرُ حَسَّانَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ) : وَكَانَ مِمَّا قِيلَ مِنْ الشِّعْرِ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ قَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ [5] : عَفَتْ ذَاتُ الْأَصَابِعِ فَالْجِوَاءُ ... إلَى عَذْرَاءَ مَنْزِلُهَا خَلَاءُ [6]

_ [1] المخاريق: جمع مِخْرَاق، وَهِي مناديل تلف ويمسكها الصّبيان بِأَيْدِيهِم، يضْرب بهَا بَعضهم بَعْضًا، شبه السيوف بهَا. [2] قلاه: (كرماه ورضيه، قلى وقلاء ومقلية) : أبغضه وَكَرِهَهُ غَايَة الْكَرَاهَة، فَتَركه. ونفسها وعيالها: يُرِيد نَفسه وَعِيَاله. [3] كنهه: حَقِيقَته. والنصال: حَدِيد السِّهَام. [4] السحيق: الْبعيد. والهضبة: الكدية الْعَالِيَة. والململمة: المستديرة. والغبراء: الَّتِي علاها الغبور. ويبس: يابسة. [5] وَردت هَذِه القصيدة فِي ديوَان حسان المطبوع بأوربا بِزِيَادَة بعض الأبيات وَاخْتِلَاف فِي تَرْتِيب بعض. [6] عفت: تَغَيَّرت ودرست. ذَات الْأَصَابِع والجواء: موضعان بِالشَّام، وبالجواء كَانَ منزل الْحَارِث ابْن أَبى شمر الغساني، وَكَانَ حسان كثيرا مَا يفد على مُلُوك غَسَّان بِالشَّام يمدحهم، فَلذَلِك يذكر هَذِه الْمنَازل. وعذراء: قَرْيَة على بريد من دمشق.

دِيَارٌ مِنْ بَنِي الْحَسْحَاسِ قَفْرٌ ... تُعَفِّيهَا الرَّوَامِسُ وَالسَّمَاءُ [1] وَكَانَتْ لَا يَزَالُ بِهَا أَنِيسٌ ... خِلَالَ مُرُوجِهَا نَعَمٌ وَشَاءُ [2] فَدَعْ هَذَا، وَلَكِنْ مَنْ لِطَيْفِ ... يُؤَرِّقُنِي إذَا ذَهَبَ الْعِشَاءُ [3] لِشَعْثَاءَ الَّتِي قَدْ تَيَّمَتْهُ ... فَلَيَسَ لِقَلْبِهِ مِنْهَا شِفَاءُ [4] كَأَنَّ خَبِيئَةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ ... يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُ [5] إذَا مَا الْأَشْرِبَاتُ ذُكِرْنَ يَوْمًا ... فَهُنَّ لِطَيِّبِ الراح الْفِدَاء [6] نولّيها الْمَلَامَةَ إنْ أَلَمْنَا ... إذَا مَا كَانَ مَغْثٌ أَوْ لِحَاءُ [7] وَنَشْرَبُهَا فَتَتْرُكُنَا مُلُوكًا ... وَأُسْدًا مَا يُنَهْنِهُنَا اللِّقَاءُ [8] عَدِمْنَا خَيْلَنَا إنْ لَمْ تَرَوْهَا ... تُثِيرُ النَّقْعَ مَوْعِدُهَا كَدَاءُ [9] يُنَازِعْنَ الْأَعِنَّةَ مُصْغِيَاتٍ ... عَلَى أَكْتَافِهَا الْأَسَلُ الظِّمَاءُ [10]

_ [1] بَنو الحسحاس: حَيّ من بنى أَسد. وأصل الحسحاس الرجل الْجواد، وَلَعَلَّه مُرَاد هُنَا. والروامس: الرِّيَاح الَّتِي ترمس الْآثَار أَي تغطيها. وَالسَّمَاء: الْمَطَر. (عَن السهيليّ) . [2] النعم: المَال الرَّاعِي، وَهُوَ جمع لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَأكْثر مَا يَقع على الْإِبِل. وَالشَّاة من الْغنم، يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى، وَالْجمع شَاءَ وشياه. [3] الطيف: خيال المحبوبة يلم فِي النّوم. ويؤرقنى: يسهرني. يُرِيد أَن الطيف إِذا زَالَ عَنهُ وجد لَهُ لوعة تؤرقه. [4] شعثاء: اسْم امْرَأَة، قيل هِيَ بنت سَلام بن مشْكم الْيَهُودِيّ، كَمَا فِي السهيليّ، وَقيل هِيَ امْرَأَة من خُزَاعَة، كَمَا فِي نَوَادِر ابْن الْأَعرَابِي، وَقيل غير ذَلِك. [5] الخبيئة: الْخمر المخبوءة المصونة المضنون بهَا. وَبَيت رَأس: مَوضِع بالأردن مَشْهُور بِالْخمرِ الجيدة. وَبعد هَذَا الْبَيْت فِي الدِّيوَان المطبوع بأوربا: على أنيابها أَو طعم غض ... من التفاح هصره اجتناء وعلق عَلَيْهِ السهيليّ فَقَالَ: الْبَيْت مَوْضُوع، لَا يشبه شعر حسان وَلَا لَفظه. [6] الأشربات: جمع الْأَشْرِبَة: والأشربة: جمع شراب. يُرِيد أَن الْأَشْرِبَة غير رَاح بَيت رَأس لَا تدانيها فِي اللَّذَّة. [7] نوليها الْمَلَامَة: نصرف اللوم إِلَيْهَا. إِن ألمنا: إِن فعلنَا مَا نستحق عَلَيْهِ اللوم. يُقَال: ألام الرجل فَهُوَ مليم. والمغث: الضَّرْب بِالْيَدِ. واللحاء: السباب. [8] ينهنهنا: يزجرنا ويردنا. [9] النَّقْع: الْغُبَار. وكداء (بِوَزْن سَحَاب) : ثنية بِأَعْلَى مَكَّة (رَاجع الْحَاشِيَة الأولى ص 406) . [10] الأعنة: جمع عنان، وَهُوَ اللجام. والمصغيات: الموائل المنحرفات لِلطَّعْنِ. والأسل. الرماح. والظماء: العطاش. ويروى: (يبارين الأسنة) بدل: (ينازعن الأعنة) . و (مصعدات) بدل مصغيات.

تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ ... يُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ [1] فَإِمَّا تُعْرِضُوا عَنَّا اعْتَمَرْنَا ... وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ [2] وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لِجِلَادِ يَوْمٍ ... يُعِينُ اللَّهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ [3] وَجِبْرِيلُ رَسُولُ اللَّهِ فِينَا ... وَرُوحُ الْقُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ [4] وَقَالَ اللَّهُ قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا ... يَقُولُ الْحَقَّ إنْ نَفَعَ الْبَلَاءُ [5] شَهِدْتُ بِهِ فَقُومُوا [6] صَدِّقُوهُ ... فَقُلْتُمْ لَا نَقُومُ وَلَا نَشَاءُ وَقَالَ اللَّهُ قَدْ سَيَّرْتُ جُنْدًا ... هُمْ الْأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ [7] لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ ... سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ فَنُحْكِمُ بِالْقَوَافِي مَنْ هَجَانَا ... وَنَضْرِبُ حِينَ تَخْتَلِطُ الدِّمَاءُ [8] أَلَا أَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ [9] عَنِّي ... مُغَلْغَلَةً [10] فَقَدْ بَرِحَ الْخَفَاءُ بِأَنَّ سُيُوفَنَا تَرَكَتْكَ عَبْدًا ... وَعَبْدُ الدَّارِ سَادَتُهَا الْإِمَاءُ [11]

_ [1] المتمطرات: قيل مَعْنَاهُ المصوبات بالمطر. وَيُقَال: المتمطرات: الَّتِي يسْبق بَعْضهَا بَعْضًا. ويلطمهن: تضرب النِّسَاء وجوههن لتردهن. وَالْخمر: جمع خمار، وَهُوَ مَا تغطى بِهِ الْمَرْأَة رَأسهَا ووجهها، أَي أَن النِّسَاء كن يضربن وُجُوه الْخَيل بِخُمُرِهِنَّ يَوْم الْفَتْح. قَالَ السهيليّ: وَقَالَ ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة: كَانَ الْخَلِيل رَحمَه الله يرْوى بَيت حسان: (يطلمهن بِالْخمرِ) وينكر: (يلطمهن) ويجعله بِمَعْنى ينفض النِّسَاء بِخُمُرِهِنَّ مَا عليهنّ من غُبَار أَو نَحْو ذَلِك. [2] اعتمرنا: أدينا مَنَاسِك الْعمرَة، وَهِي زِيَارَة بَيت الله الْحَرَام. [3] الجلاد: الْقِتَال بِالسُّيُوفِ. ويروى: (يعز الله) بدل (يعين الله) . [4] كفاء: مثل. [5] الْبلَاء: الاختبار. [6] رِوَايَة الدِّيوَان: (وقومي) . [7] عرضتها اللِّقَاء: عَادَتهَا أَن تتعرض للقاء، فَهِيَ قَوِيَّة عَلَيْهِ. [8] نحكمه: نمنعه ونكفه، وَمِنْه سمى القَاضِي حَاكما، لِأَنَّهُ يمْنَع النَّاس من الظُّلم. [9] أَبُو سُفْيَان: هُوَ الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب ابْن عَم النَّبِي، وَكَانَ هجا النَّبِي قبل أَن يسلم. [10] مغلغلة: رِسَالَة ترسل من بلد إِلَى بلد. وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي الدِّيوَان: أَلا أبلغ أَبَا سُفْيَان عَنى ... فَأَنت مجوف نخب هَوَاء والمجوف: الْخَالِي الْجوف، يُرِيد بِهِ الجبان. وَكَذَلِكَ النخب والهواء. [11] يُرِيد أَن سيوف الْأَنْصَار جعلت أَبَا سُفْيَان كَالْعَبْدِ الذَّلِيل يَوْم فتح مَكَّة، وَأَن سادة بنى عبد الدَّار صَارُوا كالإماء فِي المذلة والهوان.

(شعر أنس بن زنيم في الاعتذار إلى الرسول مما قال ابن سالم) :

هَجَوْتَ مُحَمَّدًا وَأَجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ ... فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ هَجَوْتَ مُبَارَكًا بَرًّا حَنِيفًا ... أَمِينَ اللَّهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ [1] أَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنْكُمْ ... وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ؟ فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ لِسَانِي صَارِمٌ لَا عَيْبَ فِيهِ ... وَبَحْرِي لَا تُكَدِّرُهُ الدِّلَاءُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَهَا حَسَّانُ يَوْمَ الْفَتْحِ. وَيُرْوَى: « لِسَانِي صَارِمٌ لَا عَتْبَ فِيهِ » وَبَلَغَنِي عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّسَاءَ يَلْطِمْنَ الْخَيْلَ بِالْخُمُرِ تَبَسَّمَ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (شِعْرُ أَنَسِ بْنِ زُنَيْمٍ فِي الِاعْتِذَارِ إِلَى الرَّسُول مِمَّا قَالَ ابْنُ سَالِمٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَنَسُ بْنُ زُنَيْمٍ الدِّيلِيُّ يَعْتَذِرُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا كَانَ قَالَ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيُّ: أَأَنْتَ الَّذِي تُهْدَى مَعَدٌّ بِأَمْرِهِ ... بَلْ اللَّهُ يَهْدِيهِمْ وَقَالَ لَكَ اشْهَدْ وَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا ... أَبَرَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً مِنُ مُحَمَّدِ أَحَثَّ عَلَى خَيْرٍ وَأَسْبَغَ نَائِلًا ... إذَا رَاحَ كَالسَّيْفِ الصَّقِيلِ الْمُهَنَّدِ وَأَكْسَى لِبُرْدِ الْخَالِ قَبْلَ ابْتِذَالِهِ ... وَأَعْطَى لِرَأْسِ السَّابِقِ الْمُتَجَرِّدِ [2] تَعَلَّمْ رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ مُدْرِكِي ... وَأَنَّ وَعِيدًا مِنْكَ كَالْأَخْذِ بِالْيَدِ [3] تَعَلَّمْ رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ قَادِرٌ ... عَلَى كُلِّ صِرْمٍ مُتْهِمِينَ وَمُنْجِدِ [4] تَعَلَّمْ بِأَنَّ الرَّكْبَ رَكْبُ عُوَيْمِرٍ ... هُمْ الْكَاذِبُونَ الْمُخْلِفُو كلّ موعد ونبئوا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي هَجَوْتُهُ ... فَلَا حَمَلَتْ سَوْطِي إلَيَّ إذَنْ يَدِي

_ [1] الحنيف: الْمُسلم، وسمى حَنِيفا، لِأَنَّهُ مَال عَن الْبَاطِل إِلَى الْحق. وشيمته: طَبِيعَته. [2] الْخَال: ضرب من برود الْيمن، وَهُوَ من رفيع الثِّيَاب. وَالسَّابِق (هُنَا) : الْفرس. والمتجرد: الّذي يتجرد من الْخَيل فيسبقها. [3] تعلم: اعْلَم. والوعيد: التهديد. [4] صرم: بيُوت مجتمعة. ومتهمين: ساكنين فِي التهام، وَهِي المنخفض من الأَرْض. والمنجد من يسكن النجد، وَهُوَ الْمُرْتَفع.

(شعر بديل في الرد على ابن زنيم) :

سِوَى أَنَّنِي قَدْ قُلْتُ وَيْلُ امِّ فِتْيَةٍ ... أُصِيبُوا بِنَحْسٍ لَا بِطَلْقٍ وَأَسْعُدِ [1] أَصَابَهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ لِدِمَائِهِمْ ... كِفَاءً فَعَزَّتْ عَبْرَتِي وَتَبَلُّدِي [2] فَإِنَّكَ قَدْ أَخَفَرْتَ إنْ كُنْتَ سَاعِيًا ... بِعَبْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنَة مهود [3] ذُؤَيْب وَكُلْثُومٌ وَسَلْمَى تَتَابَعُوا ... جَمِيعًا فَإِلَّا تَدْمَعْ الْعَيْنُ اكْمَدْ [4] وَسَلْمَى وَسَلْمَى لَيْسَ حَيٌّ كَمِثْلِهِ ... وَإِخْوَتِهِ وَهَلْ مُلُوكٌ كَأَعْبُدِ؟ فَإِنِّي لَا دِينًا فَتَقْتُ وَلَا دَمًا ... هَرَقْتُ تَبَيَّنْ عَالِمَ الْحَقِّ وَاقْصِدْ (شِعْرُ بُدَيْلٍ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ زُنَيْمٍ) : فَأَجَابَهُ بُدَيْلُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ أُمِّ أَصْرَمَ، فَقَالَ: بَكَى أَنَسٌ رَزْنًا فَأَعْوَلَهُ اُلْبُكَا ... فَأَلَّا عَدِيًّا إذْ تُطَلُّ وَتُبْعَدُ [5] بَكَيْتَ أَبَا عَبْسٍ لِقُرْبِ دِمَائِهَا ... فَتُعْذِرَ إذْ لَا يُوقِدُ الْحَرْبَ موقد أَصَابَهُم يم الْخَنَادِمِ فِتْيَةٌ ... كِرَامٌ فَسَلْ، مِنْهُمْ نفَيْل ومعبد [6] لَك إنْ تُسْفَحْ [7] دُمُوعُكَ لَا تُلَمْ ... عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ تَدْمَعْ الْعَيْنُ فَاكْمَدُوا [8] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. (شِعْرُ بُجَيْرٍ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى فِي يَوْمِ الْفَتْحِ: نَفَى أَهْلَ الْحَبَلَّقِ كُلَّ فَجٍّ ... مُزَيْنَةُ غُدْوَةً وَبَنُو خُفَافِ [9]

_ [1] الطلق: الْأَيَّام السعيدة، وَيُقَال: يَوْم طلق إِذا لم يكن فِيهِ حر وَلَا برد وَلَا شَيْء يُؤْذى، وَكَذَلِكَ لَيْلَة طلق وطلقة (بِسُكُون اللَّام فيهمَا) . [2] تبلدي: تحيري. ويروى: تجلدي، أَي تصبرى: [3] أخفرت: نقضت الْعَهْد. [4] أكمد: من الكمد، وَهُوَ الْحزن. [5] العويل: رفع الصَّوْت بالبكاء. وتطل: يبطل دَمهَا وَلَا يُؤْخَذ بثأرها. [6] يَوْم الخنادم: أَرَادَ يَوْم الخندمة، فجمعها مَعَ مَا حولهَا، وَهِي جبل بِمَكَّة. [7] تسفح: تسيل. [8] فِي أ: فأكمد (بِكَسْر الدَّال) على أَنه أَمر للْوَاحِد، وبهذه الرِّوَايَة يكون فِي الْبَيْت إقواء. [9] قَالَ السهيليّ: «الحبلق» أَرض يسكنهَا قبائل من مزينة وَقيس. والحبلق: الْغنم الصغار. وَلَعَلَّه أَرَادَ بقوله: «أهل الحبلق» أَصْحَاب الْغنم. وَبَنُو خفاف: بطن من سليم.

(شعر ابن مرداس في فتح مكة) :

ضَرَبْنَاهُمْ بِمَكَّةَ يَوْم فتح النّبيّ ... الْخَيْرِ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ [1] صَبَحْنَاهُمْ بِسَبْعٍ مِنْ سُلَيْمٍ ... وَأَلْفٍ مِنْ بَنِي عُثْمَانَ وَافِ [2] نَطَا أَكْتَافَهُمْ ضَرْبًا وَطَعْنًا [3] ... وَرَشْقًا بِالْمُرَيَّشَةِ اللِّطَافِ [4] تَرَى بَيْنَ الصُّفُوفِ لَهَا حَفِيفًا ... كَمَا انْصَاعَ الْفُوَاقُ مِنْ الرِّصَافِ [5] فَرُحْنَا وَالْجِيَادُ تَجُولُ فِيهِمْ ... بِأَرْمَاحٍ مُقَوَّمَةِ الثِّقَافِ فَأُبْنَا غَانِمِينَ بِمَا اشْتَهَيْنَا ... وَآبُوا نَادِمِينَ عَلَى الْخِلَافِ وَأَعْطَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ مِنَّا ... مَوَاثِقَنَا عَلَى حُسْنِ التَّصَافِي وَقَدْ سَمِعُوا مَقَالَتَنَا فَهَمُّوا ... غَدَاةَ الرَّوْعِ مِنَّا بِانْصِرَافِ (شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي فَتْحِ مَكَّةَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ فِي فَتْحِ مَكَّةَ: مِنَّا بِمَكَّةَ يَوْمَ فَتْحِ مُحَمَّدٍ ... أَلْفٌ تَسِيلُ بِهِ الْبِطَاحُ مُسَوَّمُ [6] نَصَرُوا الرَّسُولَ وَشَاهَدُوا أَيَّامَهُ ... وَشِعَارُهُمْ يَوْمَ اللِّقَاءِ مُقَدَّمُ [7] فِي مَنْزِلٍ ثَبَتَتْ بِهِ أَقْدَامُهُمْ ... ضَنْكٍ كَأَنَّ الْهَامَ فِيهِ الْحَنْتَمُ [8] جَرَّتْ سَنَابِكَهَا بِنَجْدٍ قَبْلَهَا ... حَتَّى اسْتَقَادَ لَهَا الْحِجَازُ الْأَدْهَمُ اللَّهُ مَكَّنَهُ لَهُ وَأَذَلَّهُ ... حُكْمُ السُّيُوفِ لَنَا وَجَدٌّ مزحم [9]

_ [1] الْخَيْر: أَي ذُو الْخَيْر، وَيجوز أَن يُرِيد الْخَيْر، بتَشْديد الْيَاء، فَخفف، كَمَا يُقَال هَين وهين (بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف) . [2] بِسبع: أَي بِسبع مائَة. وَبَنُو عُثْمَان: هم مزينة. [3] كَذَا فِي م، ر. وَفِي أ: «أَكْنَافهم» بالنُّون. والأكناف: الجوانب. [4] نطا: أَرَادَ نَطَأ، فَخفف الْهمزَة. والرشق: الرَّمْي السَّرِيع، والمريشة: يعْنى السِّهَام ذَوَات الريش. [5] الحفيف: الصَّوْت. وانصاع: انْشَقَّ. والفواق هُنَا: الفوق، وَهُوَ طرف السهْم الّذي يَلِي الْوتر. والرصاف: جمع رصفة، وَهِي عصبَة تلوي على فَوق السهْم. [6] البطاح: جمع بطحاء، وَهِي الأَرْض السهلة المتسعة. ومسوم: أَي مُرْسل، أَو هُوَ الْمعلم بعلامة. [7] شعارهم: علامتهم فِي الْحَرْب. [8] ضنك: ضيق. والهام: الرُّءُوس: والحنتم. الحنظل. [9] مزحم: كثير الْمُزَاحمَة، يُرِيد أَن جدهم غَالب.

إسلام عباس بن مرداس

عود الرّئاسة شَامِخٌ عِرْنِينُهُ ... مُتَطَلِّعٌ ثُغَرَ الْمَكَارِمِ خِضْرِمُ [1] إسْلَامُ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ (سَبَبُ إِسْلَامِ ابْنِ مَرْدَاسٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ إسْلَامُ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، فِيمَا حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ، وَحَدِيثُهُ أَنَّهُ كَانَ لِأَبِيهِ مِرْدَاسٍ وَثَنٌ يَعْبُدُهُ، وَهُوَ حَجَرٌ كَانَ يُقَالُ لَهُ ضِمَارِ [2] ، فَلَمَّا حَضَرَ مِرْدَاسٌ قَالَ لِعَبَّاسِ: أَيْ بُنَيَّ، اُعْبُدْ ضِمَارِ فَإِنَّهُ يَنْفَعُكَ وَيَضُرُّكَ، فَبَيْنَا عَبَّاسٌ يَوْمًا عِنْدَ ضِمَارِ، إذْ سَمِعَ مِنْ جَوْفِ ضِمَارِ مُنَادِيًا يَقُولُ: قُلْ لِلْقَبَائِلِ مِنْ سُلَيْمٍ كُلِّهَا ... أَوْدَى ضِمَارِ وَعَاشَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ [3] إنَّ الَّذِي وَرِثَ النُّبُوَّةَ وَالْهُدَى ... بَعْدَ ابْنِ مَرْيَمَ مِنْ قُرَيْشٍ مُهْتَدِي أَوْدَى ضِمَارِ وَكَانَ يُعْبَدُ مَرَّةً ... قَبْلَ الْكِتَابِ إلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدِ فَحَرَّقَ عَبَّاسٌ ضِمَارِ، وَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ. (شِعْرُ جَعْدَةَ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ جَعْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: أَكَعْبَ بْنُ عَمْرٍو دَعْوَةً غَيْرَ بَاطِلِ ... لِحَيْنٍ لَهُ يَوْمَ الْحَدِيدِ مُتَاحِ [4] أُتِيحَتْ لَهُ مِنْ أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ ... لِتَقْتُلَهُ لَيْلًا بِغَيْرِ سِلَاحِ وَنَحْنُ الْأُلَى سَدَّتْ غَزَالَ خُيُولُنَا ... وَلِفْتًا سَدَدْنَاهُ وَفَجَّ طِلَاحِ [5] خَطَرْنَا وَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ بِجَحْفَلٍ ... ذَوِي عَضُدٍ مِنْ خَيْلِنَا وَرِمَاحِ [6]

_ [1] الْعود (هُنَا) : الرجل المسن. وشامخ: مُرْتَفع. والعرنين: طرف الْأنف. والخضرم: الْجواد الْكثير الْعَطاء. [2] ضمار: هُوَ بِالْبِنَاءِ على الْكسر كحذام ورقاش. [3] أودى: هلك. وَالْمَسْجِد (هُنَا) : مَسْجِد مَكَّة، أَو مَسْجِد النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [4] الْحِين: الْهَلَاك. ومتاح: مُقَدّر. [5] الألى: الَّذين. وغزال: اسْم مَوضِع (يصرف وَلَا يصرف) . ولفت: مَوضِع أَيْضا. وفج طلاح: مَوضِع. وَيحْتَمل أَن يكون طلاح جمع طلح، الّذي هُوَ الشّجر، وأضيف الْفَج إِلَيْهِ. [6] خطرنا: اهتززنا. ويروى حظرنا «بِالْحَاء الْمُهْملَة والظاء الْمُعْجَمَة» وَمَعْنَاهُ، منعنَا. والجحفل: الْجَيْش الْكثير.

(شعر بجيد في يوم الفتح) :

وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. (شِعْرُ بُجَيْدٍ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ) : وَقَالَ بُجَيْدُ [1] بْنُ عِمْرَانَ الْخُزَاعِيُّ: وَقَدْ أَنْشَأَ اللَّهُ السَّحَابَ بِنَصْرِنَا ... رُكَامَ صِحَابِ الْهَيْدَبِ الْمُتَرَاكِبِ [2] وَهِجْرَتُنَا فِي أَرْضِنَا عِنْدَنَا بِهَا ... كِتَابٌ أَتَى مِنْ خَيْرِ مُمْلٍ وَكَاتِبِ وَمِنْ أَجْلِنَا حَلَّتْ بِمَكَّةَ حُرْمَةٌ ... لِنُدْرِكَ ثَأْرًا بِالسُّيُوفِ الْقَوَاضِبِ [3] مَسِيرُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بَعْدَ الْفَتْحِ إلَى بَنِي جَذِيمَةَ [4] مِنْ كِنَانَةَ وَمَسِيرُ عَلِيٍّ لِتَلَافِي خَطَأِ خَالِدٍ (وُصَاةُ الرَّسُولِ لَهُ وَمَا كَانَ مِنْهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا حَوْلَ مَكَّةَ السَّرَايَا تَدْعُو إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِقِتَالِ، وَكَانَ مِمَّنْ بَعَثَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ بِأَسْفَلِ تِهَامَةَ دَاعِيًا، وَلَمْ يَبْعَثْهُ مُقَاتِلًا، فَوَطِئَ بَنِي جَذِيمَةَ، فَأَصَابَ مِنْهُمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ فِي ذَلِك: فان تِلْكَ قَدْ أَمَّرْتُ فِي الْقَوْمِ خَالِدًا ... وَقَدَّمْتُهُ فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَا بِجُنْدِ هَدَاهُ اللَّهُ أَنْتَ أَمِيرُهُ ... نُصِيبُ بِهِ فِي الْحَقِّ مَنْ كَانَ أَظْلَمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي حَدِيثِ يَوْمِ حُنَيْنٍ، سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَوْضِعِهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ حِينَ

_ [1] كَذَا فِي (أ) وَفِي م، ر: «نجيد» بالنُّون فِي أَوله. وبالنون قَيده الدَّار قطنى. (عَن أَبى ذَر) . [2] المتراكب: الّذي يركب بعضه بَعْضًا. والهيدب: المتدانى من الأَرْض. وَفِي م، ر: «الهيدم» بِالْمِيم فِي آخِره. [3] القواضب: القواطع. [4] تعرف هَذِه السّريَّة بغزوة الغميط، وَهُوَ اسْم مَاء لبني جذيمة.

(غضب الرسول مما فعل خالد وإرساله عليا) :

افْتَتَحَ مَكَّةَ دَاعِيًا، وَلَمْ يَبْعَثْهُ مُقَاتِلًا، وَمَعَهُ قَبَائِلُ مِنْ الْعَرَبِ: سُلَيْمُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَمُدْلِجُ بْنُ مُرَّةَ، فَوَطِئُوا بَنِي جَذِيمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةِ بْنِ كِنَانَةَ، فَلَمَّا رَآهُ الْقَوْمُ أَخَذُوا السِّلَاحَ، فَقَالَ خَالِدٌ: ضَعُوا السِّلَاحَ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ أَسْلَمُوا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ، قَالَ: لَمَّا أَمَرَنَا خَالِدٌ أَنْ نَضَعَ السِّلَاحَ قَالَ رَجُلٌ مِنَّا يُقَال لَهُ جخدم: وَيْلَكُمْ يَا بَنِي جَذِيمَةَ! إنَّهُ خَالِدٌ وَاَللَّهِ! مَا بَعْدَ وَضْعِ السِّلَاحِ إلَّا الْإِسَارُ، وَمَا بَعْدَ الْإِسَارِ إلَّا ضَرْبُ الْأَعْنَاقِ وَاَللَّهِ لَا أَضَعُ سِلَاحِي أَبَدًا. قَالَ: فَأَخَذَهُ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالُوا: يَا جَحْدَمُ، أَتُرِيدُ أَنْ تَسْفِكَ دِمَاءَنَا؟ إنَّ النَّاسَ قَدْ أَسْلَمُوا وَوَضَعُوا السِّلَاحَ [1] ، وَوُضِعَتْ الْحَرْبُ، وَأَمِنَ النَّاسُ. فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى نَزَعُوا سِلَاحَهُ، وَوَضَعَ الْقَوْمُ السِّلَاحَ لِقَوْلِ خَالِدٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: فَلَمَّا وَضَعُوا السِّلَاحَ أَمَرَ بِهِمْ خَالِدٌ عِنْدَ ذَلِكَ، فَكُتِفُوا، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى السَّيْفِ، فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ، فَلَمَّا انْتَهَى الْخَبَرُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهمّ إنِّي أَبْرَأُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. (غَضَبُ الرَّسُولِ مِمَّا فَعَلَ خَالِدٌ وَإِرْسَالُهُ عَلِيًّا) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّهُ حُدِّثَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَحْمُودِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَأَيْتُ كَأَنِّي لَقِمْتُ لُقْمَةً مِنْ حَيْسٍ [2] فَالْتَذَذْتُ طَعْمَهَا، فَاعْتَرَضَ فِي حَلْقِي مِنْهَا شَيْءٌ حِينَ ابْتَلَعْتهَا، فَأَدْخَلَ عَلِيٌّ يَدَهُ فَنَزَعَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ سَرِيَّةٌ مِنْ سَرَايَاكَ تَبْعَثُهَا، فَيَأْتِيكَ مِنْهَا بَعْضُ مَا تُحِبُّ، وَيَكُونُ فِي بَعْضِهَا اعْتِرَاضٌ، فَتَبْعَثُ عَلِيًّا فَيُسَهِّلُهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي أَنَّهُ انْفَلَتَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ

_ [1] هَذِه الْجُمْلَة: «وَوَضَعُوا السِّلَاح» سَاقِطَة فِي أ. [2] الحيس: أَن يخلط السّمن وَالتَّمْر والأقط فيؤكل. والأقط: شَيْء يعْقد من اللَّبن ويجفف.

(معذرة خالد في قتال القوم) :

أَحَدٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ رَجُلٌ أَبْيَضُ رَبْعَةٌ [1] ، فَنَهَمَهُ [2] خَالِدٌ، فَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ طَوِيلٌ مُضْطَرِبٌ [3] ، فَرَاجَعَهُ، فَاشْتَدَّتْ مُرَاجَعَتُهُمَا، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَمَّا الْأَوَّلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَابْنِي عَبْدُ اللَّهِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَسَالِمٌ، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، اُخْرُجْ إلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، فَانْظُرْ فِي أَمْرِهِمْ، وَاجْعَلْ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيْكَ. فَخَرَجَ عَلِيٌّ حَتَّى جَاءَهُمْ وَمَعَهُ مَالٌ قَدْ بَعَثَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَدَى لَهُمْ الدِّمَاءَ وَمَا أُصِيبَ لَهُمْ مِنْ الْأَمْوَالِ، حَتَّى إنَّهُ لَيَدِي لَهُمْ مِيلَغَةَ الْكَلْبِ [4] ، حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ وَلَا مَالٍ إلَّا وَدَاهُ، بَقِيَتْ مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ الْمَالِ، فَقَالَ لَهُمْ عَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْهُمْ: هَلْ بَقِيَ لَكُمْ بَقِيَّةٌ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ لَمْ يُودَ لَكُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَإِنِّي. أُعْطِيكُمْ هَذِهِ الْبَقِيَّةَ مِنْ هَذَا الْمَالِ، احْتِيَاطًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِمَّا يَعْلَمُ وَلَا تَعْلَمُونَ، فَفَعَلَ. ثُمَّ رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ: فَقَالَ أَصَبْتُ وَأَحْسَنْتُ! قَالَ: ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَائِمًا شَاهِرًا يَدَيْهِ، حَتَّى إنَّهُ لَيُرَى مِمَّا تَحْتَ مَنْكِبَيْهِ، يَقُولُ: اللَّهمّ إنِّي أَبْرَأُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، ثَلَاثَ مَرَّاتُ. (مَعْذِرَةُ خَالِدٍ فِي قِتَالِ الْقَوْمِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ يَعْذِرُ خَالِدًا إنَّهُ قَالَ: مَا قَاتَلْتُ حَتَّى أَمَرَنِي بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، وَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَكَ أَنْ تُقَاتِلَهُمْ لِامْتِنَاعِهِمْ مِنْ الْإِسْلَامِ.

_ [1] الربعة من الرِّجَال: الّذي بَين الطَّوِيل والقصير. [2] نهمه: زَجره. [3] مُضْطَرب: لَيْسَ مستوى الْخلق. [4] الميلغة: شَيْء يحْفر من خشب، وَيجْعَل ليلغ فِيهِ الْكَلْب، يكون عِنْد أَصْحَاب الْغنم، وَعند أهل الْبَادِيَة.

(ما كان بين خالد وبين عبد الرحمن وزجر الرسول لخالد) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيُّ: لَمَّا أَتَاهُمْ خَالِدٌ، قَالُوا: صَبَأْنَا صَبَأْنَا [1] . (مَا كَانَ بَيْنَ خَالِدٍ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَزَجْرُ الرَّسُولِ لِخَالِدِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ جَحْدَمٌ قَالَ لَهُمْ حِينَ وَضَعُوا السِّلَاحَ [2] وَرَأَى مَا يَصْنَعُ خَالِدٌ بِبَنِي جَذِيمَةَ: يَا بَنِي جَذِيمَةَ، ضَاعَ الضَّرْبُ، قَدْ كُنْتُ حَذَّرْتُكُمْ مَا وَقَعْتُمْ فِيهِ. قَدْ كَانَ بَيْنَ خَالِدٍ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فِيمَا بَلَغَنِي، كَلَامٌ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: عَمِلْتُ بِأَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ. فَقَالَ: إنَّمَا ثَأَرْتُ بِأَبِيكَ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: كَذَبْتُ، قَدْ قَتَلْتُ قَاتِلَ أَبِي، وَلَكِنَّكَ ثَأَرْتَ بِعَمِّكَ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، حَتَّى كَانَ بَيْنَهُمَا شَرٌّ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَهْلًا يَا خَالِدُ، دَعْ عَنْك أصحابى، فو الله لَوْ كَانَ لَكَ أُحُدٌ ذَهَبًا ثُمَّ أَنْفَقْتُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا أَدْرَكَتْ غَدْوَةَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِي وَلَا رَوْحَتَهُ. (مَا كَانَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَبَنِيَّ جَذِيمَةَ مِنْ اسْتِعْدَادٍ لِلْحَرْبِ ثُمَّ صُلْحٍ) : وَكَانَ الْفَاكِهُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَعَوْفُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ ابْن عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ، وَعَفَّانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ قَدْ خَرَجُوا تُجَّارًا إلَى الْيَمَنِ، وَمَعَ عَفَّانَ ابْنُهُ عُثْمَانُ، وَمَعَ عَوْفٍ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَلَمَّا أَقْبَلُوا حَمَلُوا مَالَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ بْنِ عَامِرٍ، كَانَ هَلَكَ بِالْيَمَنِ، إلَى وَرَثَتِهِ، فَادَّعَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ خَالِدُ بْنُ هِشَامٍ، وَلَقِيَهُمْ بِأَرْضِ بَنِي جَذِيمَةَ قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ، فَقَاتَلَهُمْ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى الْمَالِ لِيَأْخُذُوهُ [3] ، وَقَاتَلُوهُ، فَقُتِلَ عَوْفُ بْنُ عَبْدِ عَوْفٍ، وَالْفَاكِهُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَنَجَا عَفَّانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ وَابْنُهُ عُثْمَانُ، وَأَصَابُوا مَالَ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَمَالَ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفٍ، فَانْطَلَقُوا بِهِ، وَقَتَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ خَالِدَ بْنَ هِشَامٍ قَاتِلَ أَبِيهِ، فَهَمَّتْ قُرَيْشٌ بِغَزْوِ بَنِي جَذِيمَةَ، فَقَالَتْ بَنُو جَذِيمَةَ: مَا كَانَ مُصَابُ أَصْحَابِكُمْ عَنْ مَلَإِ مِنَّا، إنَّمَا عَدَا

_ [1] صبأنا: يعنون دَخَلنَا فِي دين مُحَمَّد، وَكَانُوا يسمون النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّابِئ، لِأَنَّهُ خرج من دينهم. يُقَال: صَبأ الرجل، إِذا خرج من دين إِلَى دين، وَمِنْه الصابئون، لِأَن دينهم بَين الْيَهُودِيَّة والنصرانية، فِيمَا ذكر بعض أهل التَّفْسِير. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي م، ر: «سلاحه» . [3] كَذَا فِي م، ر. وَفِي أ: «ليأخذه» .

(شعر سلمى فيما بين جذيمة وقريش) :

عَلَيْهِمْ قَوْمٌ بِجَهَالَةٍ، فَأَصَابُوهُمْ وَلَمْ نَعْلَمْ، فَنَحْنُ نَعْقِلُ لَكُمْ مَا كَانَ لَكُمْ قِبَلَنَا مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ، فَقَبِلَتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ، وَوَضَعُوا الْحَرْبَ. (شِعْرُ سَلْمَى فِيمَا بَيْنَ جَذِيمَةَ وَقُرَيْشٍ) : وَقَالَ قَائِلٌ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا سَلْمَى: وَلَوْلَا مَقَالُ الْقَوْمِ لِلْقَوْمِ أَسْلِمُوا ... لَلَاقَتْ سُلَيْمٌ يَوْمَ ذَلِكَ نَاطِحَا لَمَاصَعَهُمْ بُسْرٌ وَأَصْحَابُ جَحْدَمٍ [1] ... وَمُرَّةُ حَتَّى يتْركُوا البرك ضابحا [2] فَكَائِنْ تَرَى يَوْمَ الْغُمَيْصَاءِ مِنْ فَتًى ... أُصِيبَ وَلَمْ يَجْرَحْ وَقَدْ كَانَ جَارِحَا [3] أَلَظَّتْ بِخُطَّابِ الْأَيَامَى وَطَلَّقَتْ ... غَدَاتَئِذٍ مِنْهُنَّ مَنْ كَانَ نَاكِحَا [4] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «بُسْرٌ» ، «وَأَلَظَّتْ بِخُطَّابِ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. (شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي الرَّدِّ عَلَى سَلْمَى) قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَجَابَهُ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ، وَيُقَالُ بَلْ الْجَحَّافُ بْنُ حَكِيمٍ السُّلَمِيُّ: دَعِي عَنْكِ تِقْوَالَ الضَّلَالِ كَفَى بِنَا ... لِكَبْشِ الْوَغَى فِي الْيَوْمِ وَالْأَمْسِ نَاطِحَا [5] فَخَالِدُ أَوْلَى بِالتَّعَذُّرِ مِنْكُمْ ... غَدَاةَ عَلَا نَهْجًا مِنْ الْأَمْرِ وَاضِحَا مُعَانًا بِأَمْرِ اللَّهِ يُزْجِي إلَيْكُمْ ... سَوَانِحَ لَا تَكْبُو لَهُ وَبَوَارِحَا [6] نَعَوْا مَالِكًا بِالسَّهْلِ لَمَّا هَبَطْنَهُ ... عَوَابِسَ فِي كابى الْغُبَار كولحلا [7]

_ [1] المماصعة والمصاع: الْمُضَاربَة بِالسُّيُوفِ. والبرك: الْإِبِل الباركة. [2] كَذَا فِي م، ر. وضابحا، أَي صائحا. وأصل «الضبح» نفس الْخَيل وَالْإِبِل إِذا أعيت. وَفِي (أ) صابحا. [3] الغميصاء: مَوضِع. [4] ألظت: لَزِمت وألمت.. والأيامى: جمع أيم، وَهِي الَّتِي لَا زوج لَهَا. [5] الْكَبْش: الرجل السَّيِّد. [6] قَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: «مَا جَاءَ عَن يَمِينك إِلَى يسارك، وولاك جَانِبه الْأَيْسَر، وَهُوَ إنسيه، فَهُوَ سانح. وَمَا جَاءَ عَن يسارك إِلَى يَمِينك وولاك جَانِبه الْأَيْمن، وَهُوَ وحشيه، فَهُوَ بارح. قَالَ: والسانح أحسن حَالا عِنْدهم فِي التَّيَمُّن من البارح» . لَا تكبو: أَي لَا تسْقط. [7] كابى الْغُبَار: مُرْتَفعَة. والكوالح: العوابس، الَّتِي انقبضت شفاهها، فظهرت أسنانها.

(شعر الجحاف في الرد على سلمى) :

فَإِنْ نَكُ أثكلناك سلمى فَمَا لَك ... تَرَكْتُمْ عَلَيْهِ نَائِحَاتٍ وَنَائِحَا [1] (شِعْرُ الْجَحَّافِ فِي الرَّدِّ عَلَى سَلْمَى) : وَقَالَ الْجَحَّافُ بْنُ حَكِيمٍ السُّلَمِيُّ: شَهِدْنَ مَعَ النَّبِيِّ مُسَوَّمَاتٍ ... حُنَيْنًا وَهْيَ دَامِيَةُ الْكِلَامِ [2] وَغَزْوَةَ خَالِدٍ شَهِدَتْ وَجَرَّتْ ... سَنَابِكَهُنَّ [3] بِالْبَلَدِ الْحَرَامِ [4] نُعَرِّضُ لِلطِّعَانِ إذَا الْتَقَيْنَا ... وُجُوهًا لَا تُعَرَّضُ لِلِّطَامِ وَلَسْتُ بِخَالِعٍ عَنِّي ثِيَابِي ... إذَا هَزَّ الْكُمَاةُ وَلَا أُرَامِي وَلَكِنِّي يَجُولُ الْمُهْرُ تَحْتِي ... إلَى الْعَلَوَاتِ بِالْعَضْبِ الْحُسَامِ [5] (حَدِيثُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْفَتَى الْجَذْمِيِّ يَوْمَ الْفَتْحِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: كُنْتُ يَوْمَئِذٍ فِي خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَقَالَ لِي فَتَى مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ، وَهُوَ فِي سِنِّي، وَقَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ بِرُمَّةٍ [6] ، وَنِسْوَةٌ مُجْتَمِعَاتٌ غَيْرَ بَعِيدٍ مِنْهُ: يَا فَتَى، فَقُلْتُ: مَا تَشَاءُ؟ قَالَ: هَلْ أَنْتَ آخِذٌ بِهَذِهِ الرُّمَّةِ، فَقَائِدِي إلَى هَؤُلَاءِ النِّسْوَةِ حَتَّى أَقْضِيَ إليهنّ حَاجَة، ثمَّ تَرُدَّنِي بَعْدُ، فَتَصْنَعُوا بِي مَا بَدَا لَكُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَاَللَّهِ لَيَسِيرٌ مَا طَلَبْتُ. فَأَخَذْتُ بِرُمَّتِهِ فَقُدْتُهُ بِهَا، حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِنَّ، فَقَالَ: اسْلَمِي حُبَيْشِ [7] ، عَلَى نَفَذٍ مِنْ الْعَيْشِ [8] : أَرَيْتُكِ إذْ طَالَبْتُكُمْ فَوَجَدْتُكُمْ ... بِحَلْيَةَ أَوْ أَلْفَيْتُكُمْ بِالْخَوَانِقِ [9] أَلَمْ يَكُ أَهْلًا أَنْ يُنَوَّلَ عَاشِقٌ ... تَكَلَّفَ إدْلَاجَ السُّرَى وَالْوَدَائِقِ [10]

_ [1] أثكلناك: أفقدناك. [2] مسومات: يعْنى الْخَيل مسومات، أَي مرسلات أَو معلمات بعلامة. وَالْكَلَام: الْجراح، جمع كلم. [3] سنابكهن: مقدم أَطْرَاف حوافرهن. [4] كَذَا فِي م، ر. وَفِي أ: «التهام» ، يعْنى مَكَّة. [5] هَذَا الْبَيْت والّذي قبله ساقطان فِي م، ر. [6] الرمة: الْحَبل الْبَالِي. [7] حُبَيْش: مرخم حبيشة. [8] كَذَا فِي أوفي م، ر: «على نفد الْعَيْش» . يُرِيد على تَمَامه، من قَوْلك نفد الشَّيْء إِذا تمّ وفنى [9] حلية والخوانق: موضعان. [10] الإدلاج: السّير بِاللَّيْلِ. والودائق: جمع وديقة، وَهِي شدَّة الحرفى الظهيرة. 28- سيرة ابْن هِشَام- 2

(شعر رجل من بنى جذيمة في يوم الفتح) :

فَلَا ذَنْبَ لِي قَدْ قُلْتُ إذْ أَهْلُنَا مَعًا ... أَثِيبِي بِوُدٍّ قَبْلَ إحْدَى الصَّفَائِقِ [1] أَثِيبِي بِوُدٍّ قَبْلَ أَنْ تَشْحَطَ النَّوَى ... وَيَنْأَى الْأَمِيرُ بِالْحَبِيبِ الْمُفَارِقِ [2] فَإِنِّي لَا ضَيَّعْتُ سِرَّ أَمَانَةٍ ... وَلَا رَاقَ عَيْنِي عَنْكَ بَعْدَكَ رَائِقُ [3] سِوَى أَنَّ مَا نَالَ الْعَشِيرَةَ شَاغِلٌ ... عَنْ الْوُدِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّوَامُقُ [4] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُ الْبَيْتَيْنِ الْآخِرَيْنِ مِنْهَا لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ، (قَالَ) [5] قَالَتْ: وَأَنْتَ فَحُيِّيتُ سَبْعًا وَعَشْرَا، وِتْرًا وَثَمَانِيًا تَتْرَى [6] . قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفْتُ بِهِ. فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي أَبُو فِرَاسِ بْنُ أَبِي سُنْبُلَةَ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْهُمْ، عَمَّنْ كَانَ حَضَرَهَا مِنْهُمْ، قَالُوا: فَقَامَتْ إلَيْهِ حِينَ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، فَأَكَبَّتْ عَلَيْهِ، فَمَا زَالَتْ تُقَبِّلُهُ حَتَّى مَاتَتْ عِنْدَهُ [7] . (شِعْرُ رَجُلٍ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ: جَزَى اللَّهُ عَنَّا مُدْلِجًا حَيْثُ أَصبَحت ... جزاءة بؤسي حَيْثُ سَارَتْ وَحَلَّتْ أَقَامُوا عَلَى أَقْضَاضِنَا يَقْسِمُونَهَا ... وَقْدَ نُهِلَتْ فِينَا الرّماح وعلّت [8] فو الله لَوْلَا دِينُ آلِ مُحَمَّدٍ ... لَقَدْ هَرَبَتْ مِنْهُمْ خُيُولُ فَشَلَّتْ [9]

_ [1] الصفائق: صوارف الخطوب وحوادثها، الْوَاحِدَة: صفيقة. [2] تشحط: تبعد. والنوى: الْبعد. [3] وَلَا راق: مَا أعجب. [4] التوامق: الْحبّ، وَفِي هَذَا الْبَيْت والّذي قبله إقواء. [5] زِيَادَة يقتضيها السِّيَاق. [6] تترى: متتابعة، وَأَصله وَترى، أبدلت التَّاء من الْوَاو. [7] كَذَا فِي م، ر. وَفِي أ: «مَاتَت عَلَيْهِ» . [8] الأقضاض: جمع قض، وَأَرَادَ بِهِ هُنَا الْأَمْوَال المجتمعة. يُقَال: جَاءَ الْقَوْم قضهم بقضيضهم: إِذا جَاءُوا بأجمعهم. ونهلت. من النهل، وَهُوَ الشّرْب الأول. وعلت، من الْعِلَل، وَهُوَ الشّرْب الثَّانِي. [9] شلت: أَي طردت.

(شعر وهب في الرد عليه) :

وَمَا ضَرَّهُمْ أَنْ لَا يُعِينُوا كَتِيبَةً ... كَرِجْلِ جَرَادٍ أُرْسِلَتْ فَاشْمَعَلَّتِ [1] فَإِمَّا يَنْبُوا أَوْ يَثُوبُوا لِأَمْرِهِمْ ... فَلَا نَحْنُ نَجْزِيهِمْ بِمَا قَدْ أَضَلَّتْ [2] (شِعْرُ وَهْبٍ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ) : فَأَجَابَهُ وَهْبٌ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ، فَقَالَ: دَعَوْنَا إلَى الْإِسْلَامِ وَالْحَقِّ عَامِرًا ... فَمَا ذَنْبُنَا فِي عَامِرٍ إذْ تَوَلَّتْ وَمَا ذَنْبُنَا فِي عَامِرٍ لَا أَبَا لَهُمْ ... لِأَنْ سَفِهَتْ أَحْلَامُهُمْ ثُمَّ ضَلَّتْ وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ: لِيَهْنِئْ بَنِي كَعْبٍ مُقَدَّمُ خَالِدٍ ... وَأَصْحَابِهِ إذْ صَبَّحَتْنَا الْكَتَائِبُ [3] فَلَا تِرَةٌ يَسْعَى بِهَا ابْنُ خُوَيْلِدٍ ... وَقَدْ كُنْتَ مَكْفِيًّا لَوَ انَّكَ غَائِبُ [4] فَلَا قَوْمُنَا يَنْهَوْنَ عَنَّا غُوَاتَهُمْ ... وَلَا الدَّاءُ مِنْ يَوْمِ الْغُمَيْصَاءِ ذَاهِبُ [5] (شِعْرُ غُلَامٍ جَذْمِيٍّ هَارِبٍ أَمَامَ خَالِدٍ) : وَقَالَ غُلَامٌ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ، وَهُوَ يَسُوقُ بِأُمِّهِ وَأُخْتَيْنِ لَهُ وَهُوَ هَارِبٌ بِهِنَّ مِنْ جَيْشِ خَالِدٍ: رَخِّينَ أَذْيَالَ الْمُرُوطِ وَارْبَعَنْ ... مَشْيَ حَيِيَّاتٍ كَأَنْ لَمْ يُفْزَعَنْ [6] إنْ تُمْنَعْ الْيَوْمَ نِسَاءٌ تُمْنَعَنْ (ارتجاز غلمة من بَنِي جَذِيمَةَ حِينَ سَمِعُوا بِخَالِدِ) : وَقَالَ غِلْمَةٌ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ، يُقَالُ لَهُمْ بَنُو مُسَاحِقٍ، يَرْتَجِزُونَ حِينَ سَمِعُوا بِخَالِدِ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: قَدْ عَلِمَتْ صَفْرَاءُ بَيْضَاءُ الْإِطِلْ ... يَحُوزُهَا ذُو ثَلَّةٍ وَذُو إبِلْ [7] لَأُغْنِيَنَّ الْيَوْمَ مَا أَغْنَى رَجُلْ

_ [1] رجل جَراد: جمَاعَة مِنْهُ. واشمعلت: تَفَرَّقت. [2] يثوبوا: يرجِعوا. [3] مقدم، بتَشْديد الدَّال، أَي قدوم. [4] الترة: الْعَدَاوَة وَطلب الثأر. [5] غواتهم: سفهاءهم. [6] المروط: جمع مرط، وَهُوَ كسَاء من خَز أَو غَيره، وأربعن، يُقَال: ربعت عَلَيْهِ إِذا أَقمت عَلَيْهِ. [7] الإطل: الخاصرة. والثلة، بِفَتْح الثَّاء: القطيع من الْغنم.

مسير خالد بن الوليد لهدم العزى

وَقَالَ الْآخَرُ: قَدْ عَلِمَتْ صَفْرَاءُ تُلْهِي الْعِرْسَا ... لَا تَمْلَأُ الْحَيْزُومَ مِنْهَا نَهْسَا [1] لَأَضْرِبَنَّ الْيَوْمَ ضَرْبًا وَعْسَا ... ضَرْبَ الْمُحِلِّينَ مَخَاضًا قُعْسَا [2] وَقَالَ الْآخَرُ: أَقْسَمْتُ مَا إنْ خَادِرٌ ذُو لِبْدَهْ ... شَثْنُ الْبَنَانِ فِي غَدَاةٍ بَرْدَهْ [3] جَهْمُ الْمُحَيَّا [4] ذُو سِبَالٍ [5] وَرْدَهْ ... يُرْزِمُ بَيْنَ أَيْكَةٍ وَجَحْدَهْ [6] ضَارٍ بِتَأْكَالِ الرِّجَالِ وَحْدَهْ ... بِأَصْدَقَ الْغَدَاةَ مَنِّي نَجْدَهْ [7] مَسِيرُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِهَدْمِ الْعُزَّى (خَالِدٌ وَهَدْمُهُ لِلْعُزَّى) : ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلَى الْعُزَّى، وَكَانَتْ بِنَخْلَةَ [8] ، وَكَانَتْ بَيْتًا يُعَظِّمُهُ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ وَمُضَرَ كُلِّهَا، وَكَانَتْ سَدَنَتُهَا وَحُجَّابُهَا بَنِي شَيْبَانَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ حَلْفَاءِ بَنِي هَاشِمٍ، فَلَمَّا سَمِعَ صَاحِبُهَا السُّلَمِيُّ بِمَسِيرِ خَالِدٍ إلَيْهَا، عَلَّقَ عَلَيْهَا سَيْفَهُ، وَأَسْنَدَ فِي الْجَبَلِ [9] الَّذِي هِيَ فِيهِ وَهُوَ يَقُولُ:

_ [1] الحيزوم: أَسْفَل عِظَام الصَّدْر، وَهُوَ مَا يَقع عَلَيْهِ الحزام. والنهس: أكل اللَّحْم بِمقدم الْأَسْنَان. يُرِيد أَنَّهَا قَليلَة الْأكل. [2] وعسا: سَرِيعا. والمحلون الَّذين خَرجُوا من الْحرم إِلَى الْحل. والمخاض الْإِبِل الْحَوَامِل. والقعس: الَّتِي تتأخر وتأبى أَن تمشى. [3] الخادر: الْأسد الدَّاخِل فِي الخدر، والخدر، الأجمة، وَهِي مَوضِع الْأسد. واللبدة: الشّعْر الّذي فَوق كَتفيهِ. وشئن: غليظ. والبنان: الْأَصَابِع. وبرده: أَي بَارِدَة. [4] جهم: عَابس. والمحيا: الْوَجْه. [5] كَذَا فِي م، ر. والسبال: الشّعْر الّذي حول فَمه. وَفِي (أ) الشبال: وَهُوَ جمع شبْل. [6] يرزم: يصوت. والأيكة: الشَّجَرَة الْكَثِيرَة الأغصان. والجحدة القليلة الْوَرق والأغصان. [7] ضار: متعود. والتأكال: الْأكل. والنجدة: الشجَاعَة. [8] نَخْلَة: اسْم مَوضِع. [9] أسْند فِي الْجَبَل: ارْتَفع فِيهِ.

غزوة حنين في سنة ثمان بعد الفتح

أَيَا عُزَّ شُدِّي شِدَّةً لَا شَوَى لَهَا [1] ... عَلَى خَالِدٍ أَلْقِي الْقِنَاعَ وَشَمِّرِي يَا عُزَّ إنْ لَمْ تَقْتُلِي الْمَرْءَ خَالِدًا ... فَبُوئِي بِإِثْمِ عَاجِلٍ أَوْ تَنَصَّرِي [2] فَلَمَّا انْتَهَى إلَيْهَا خَالِدٌ هَدَمَهَا، ثُمَّ رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَقَامَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة بَعْدَ فَتْحِهَا خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً يَقْصُرُ الصَّلَاةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فَتْحُ مَكَّةَ لِعَشْرِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ. غَزْوَةُ حُنَيْنٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ بَعْدَ الْفَتْحِ (اجْتِمَاعُ هَوَازِنَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا سَمِعَتْ هَوَازِنُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ مَكَّةَ [3] ، جَمَعَهَا مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّصْرِيُّ، فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ مَعَ هَوَازِنَ ثَقِيفٌ كُلُّهَا، وَاجْتَمَعَتْ نَصْرٌ وَجُشَمٌ كُلُّهَا، وَسَعْدُ بْنُ بَكْرٍ، وَنَاسٌ مِنْ بَنِي هِلَالٍ، وَهُمْ قَلِيلٌ، وَلَمْ يَشْهَدْهَا مِنْ قَيْسِ عَيْلَانَ إلَّا هَؤُلَاءِ، وَغَابَ عَنْهَا فَلَمْ يَحْضُرْهَا مِنْ هَوَازِنَ كَعْبٌ وَلَا كِلَابٌ، وَلَمْ يَشْهَدْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ لَهُ اسْمٌ، وَفِي بَنِي جُشَمٍ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ شَيْخٌ كَبِيرٌ، لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ إلَّا التَّيَمُّنَ بِرَأْيِهِ وَمُعْرِفَتَهُ بِالْحَرْبِ، وَكَانَ شَيْخًا مُجَرِّبًا، وَفِي ثَقِيفٍ سَيِّدَانِ لَهُمْ، (و [4] ) فِي الْأَحْلَافِ قَارِبُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ مَسْعُودِ ابْن مُعَتِّبٍ، وَفِي بَنِي مَالِكٍ ذُو الْخِمَارِ سُبَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَخُوهُ أَحْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَجِمَاعُ أَمْرِ النَّاسِ إلَى مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ النَّصْرِيِّ. فَلَمَّا أَجْمَعَ السَّيْرَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَطَّ مَعَ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ، فَلَمَّا نَزَلَ بِأَوْطَاسٍ [5]

_ [1] كَذَا فِي أ. وَمعنى لَا شوى لَهَا: أَنَّهَا لَا تبقى على شَيْء. وَفِي أ «لَا ثوى لَهَا» . [2] بوئى: ارجعي، وَفِي الْبَيْت خرم. [3] كَذَا فِي م، ر. وَفِي أ «من فتح مَكَّة» . [4] زِيَادَة عَن أ. [5] أَوْطَاس: راد فِي ديار هوَازن كَانَت فِيهِ وقْعَة حنين، وفيهَا قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

اجْتَمَعَ إلَيْهِ النَّاسُ، وَفِيهِمْ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ فِي شِجَارٍ [1] لَهُ يُقَادُ بِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ: بِأَيِّ وَادٍ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: بِأَوْطَاسٍ، قَالَ: نِعْمَ مَجَالُ الْخَيْلِ! لَا حَزْنٌ ضِرْسٌ [2] ، وَلَا سَهْلٌ دَهْسٌ [3] ، مَا لِي أَسْمَعُ رُغَاءَ الْبَعِيرِ، وَنُهَاقَ الْحَمِيرِ، وَبُكَاءَ الصَّغِيرِ، وَيُعَارَ الشَّاءِ [4] ؟ قَالُوا: سَاقَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ مَعَ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ. قَالَ: أَيْنَ مَالِكٌ؟ قِيلَ: هَذَا مَالِكٌ وَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ: يَا مَالِكُ، إنَّكَ قَدْ أَصْبَحْتَ رَئِيسَ قَوْمِكَ، وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ كَائِنٌ لَهُ مَا بَعْدَهُ من الأيّام. مَا لي أَسْمَعُ رُغَاءَ الْبَعِيرِ، وَنُهَاقَ الْحَمِيرِ، وَبُكَاءَ الصَّغِيرِ، وَيُعَارَ الشَّاءِ؟ قَالَ: سُقْتُ مَعَ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ، قَالَ: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَجْعَلَ خَلْفَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، لِيُقَاتِلَ عَنْهُمْ، قَالَ: فَأَنْقَضَ بِهِ [5] . ثُمَّ قَالَ: رَاعِي ضَأْنٍ [6] وَاَللَّهِ! وَهَلْ يَرُدُّ الْمُنْهَزِمَ شَيْءٌ؟ إنَّهَا إنْ كَانَتْ لَكَ لَمْ يَنْفَعْكَ إلَّا رَجُلٌ بِسَيْفِهِ وَرُمْحِهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْكَ فُضِحْتُ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، ثُمَّ قَالَ: مَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَكِلَابٌ؟ قَالُوا: لَمْ يَشْهَدْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَالَ: غَابَ الْحَدُّ [7] وَالْجِدُّ، وَلَوْ كَانَ يَوْمَ عَلَاءٍ وَرِفْعَةٍ لَمْ تَغِبْ عَنْهُ كَعْبٌ وَلَا كِلَابٌ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّكُمْ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَكِلَابٌ، فَمَنْ شَهِدَهَا مِنْكُمْ؟ قَالُوا: عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ، وَعَوْفُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: ذَانِكَ الْجَذَعَانِ [8] مِنْ عَامِرٍ، لَا يَنْفَعَانِ وَلَا يَضُرَّانِ، يَا مَالِكُ، إنَّكَ لَمْ تَصْنَعْ بِتَقْدِيمِ

_ [ () ] الْآن حمى الْوَطِيس، وَذَلِكَ حِين استعرت الْحَرْب، وَهِي من الْكَلم الَّتِي لم يسْبق النَّبِي إِلَيْهَا. (رَاجع مُعْجم ياقوت والسهيليّ) . [1] الشجار: شبه الهودج إِلَّا أَنه مَكْشُوف الْأَعْلَى. (عَن أَبى ذَر) . [2] الْحزن: الْمُرْتَفع من الأَرْض. والضرس: الّذي فِيهِ حِجَارَة محددة. [3] الدهس: اللين الْكثير التُّرَاب. [4] يعار الشَّاء: صَوتهَا. [5] أنقض بِهِ، أَي زَجره. من الإنقاض، وَهُوَ أَن تلصق لسَانك بالحنك الْأَعْلَى، ثمَّ تصوت فِي حافيته من غير أَن ترفع طرفه عَن مَوْضِعه. أَو هُوَ التصويت بالوسطى والإبهام كَأَنَّك تدفع بهما شَيْئا، وَذَلِكَ حِين تنكر على غَيْرك قولا أَو عملا. [6] قَوْله «رَاعى ضَأْن» يجهله بذلك، كَمَا قَالَ الشَّاعِر: أَصبَحت هزاء لراعى الضَّأْن أعجبه ... مَاذَا يريبك منى رَاعى الضَّأْن؟ [7] غَابَ الْحَد: يُرِيد الشجَاعَة والحدة. [8] الجذعان: يُرِيد أَنَّهُمَا ضعيفان فِي الْحَرْب، بِمَنْزِلَة الْجذع فِي سنه.

(الملائكة وعيون مالك بن عوف) :

الْبَيْضَةِ بَيْضَةِ هَوَازِنَ [1] إلَى نُحُورِ الْخَيْلِ شَيْئًا، ارْفَعْهُمْ إلَى مُتَمَنَّعِ بِلَادِهِمْ وَعُلْيَا قَوْمِهِمْ، ثُمَّ الْقَ الصُّبَاءَ [2] عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ لَحِقَ بِكَ مَنْ وَرَاءَكَ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْكَ أَلْفَاكَ ذَلِكَ قَدْ أَحْرَزْتُ أَهْلَكَ وَمَالَكَ. قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ ذَلِكَ، إنَّكَ قَدْ كَبِرْتُ وَكَبِرَ عقلك. وَالله لتطعينّنى يَا مَعْشَرَ هوَازن أَو لأتّكسئنّ عَلَى هَذَا السَّيْفِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ ظَهْرِي. وَكَرِهَ أَنْ يَكُونَ لِدُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ فِيهَا ذِكْرٌ أَوْ رَأْيٌ، فَقَالُوا: أَطَعْنَاكَ، فَقَالَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ: هَذَا يَوْمٌ لَمْ أَشْهَدْهُ وَلَمْ يَفُتْنِي: يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعْ ... أَخُبُّ فِيهَا وَأَضَعْ [3] أَقُودُ وَطْفَاءَ الزَّمَعْ ... كَأَنَّهَا شَاةٌ صَدَعْ [4] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ قَوْلَهُ: «يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعْ » (الْمَلَائِكَةُ وَعُيُونُ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ لِلنَّاسِ: إذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاكْسِرُوا جُفُونَ سُيُوفِكُمْ، ثُمَّ شُدُّوا شَدَّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ أَنَّهُ حَدَّثَ: أَنَّ مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ بَعَثَ عُيُونًا مِنْ رِجَالِهِ، فَأَتَوْهُ وَقَدْ تَفَرَّقَتْ أَوْصَالُهُمْ، فَقَالَ: وَيْلَكُمْ! مَا شَأْنُكُمْ؟ فَقَالُوا: رَأَيْنَا رِجَالًا بِيضًا عَلَى خيل بلق، فو الله مَا تَمَاسَكْنَا أَنْ أَصَابَنَا مَا ترى، فو الله مَا رَدَّهُ ذَلِكَ عَنْ وَجْهِهِ أَنْ مَضَى عَلَى مَا يُرِيدُ. (بَعْثُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ عَيْنًا عَلَى هَوَازِنَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ

_ [1] بَيْضَة هوَازن: جَمَاعَتهمْ. [2] الصباء: جمع صابئ، وهم الْمُسلمُونَ عِنْدهم، كَانُوا يسمونهم بِهَذَا لأَنهم صبئوا من دينهم، أَي خَرجُوا من دين الْجَاهِلِيَّة إِلَى الْإِسْلَام. [3] الْجذع: الشَّاب. والخبب والوضع: ضَرْبَان من السّير. [4] الوطفاء: الطَّوِيلَة الشّعْر. والزمع: الشّعْر الّذي فَوق مربط قيد الدَّابَّة. يُرِيد فرسا صفتهَا هَكَذَا وَهُوَ مَحْمُود فِي وصف الْخَيل. وَالشَّاة هُنَا: الوعل. وصدع: أَي وعل بَين الوعلين، لَيْسَ بالعظيم وَلَا بالحقير.

(سأل الرسول صفوان أدراعه وسلاحه فقبل) :

ابْن أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيَّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِي النَّاسِ، فَيُقِيمَ فِيهِمْ حَتَّى يَعْلَمَ عِلْمَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِيَهُ بِخَبَرِهِمْ. فَانْطَلَقَ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ، فَدَخَلَ فِيهِمْ، فَأَقَامَ فِيهِمْ، حَتَّى سَمِعَ وَعَلِمَ مَا قَدْ أَجْمَعُوا لَهُ مِنْ حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَمِعَ مِنْ مَالِكٍ وَأَمْرِ هَوَازِنَ مَا هُمْ عَلَيْهِ. ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، (فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَقَالَ عُمَرُ: كَذَبَ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ. فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ: إنْ كَذَّبْتنِي فَرُبَّمَا كَذَّبْتُ بِالْحَقِّ يَا عُمَرُ، فَقَدْ كَذَّبْتَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تسمع مَا يَقُول ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كُنْتُ ضَالًّا فَهَدَاكَ اللَّهُ يَا عُمَرُ) [1] . (سَأَلَ الرَّسُولُ صَفْوَانَ أَدْرَاعَهُ وَسِلَاحَهُ فَقَبِلَ) : فَلَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّيْرَ إلَى هَوَازِنَ لِيَلْقَاهُمْ، ذُكِرَ لَهُ أَنَّ عِنْدَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ [2] أَدْرَاعًا لَهُ وَسِلَاحًا، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ. فَقَالَ: يَا أَبَا أُمَيَّةَ، أَعِرْنَا سِلَاحَكَ هَذَا نَلْقَ فِيهِ عَدُوَّنَا غَدًا، فَقَالَ صَفْوَانُ: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: بَلْ عَارِيَةٌ وَمَضْمُونَةٌ حَتَّى نُؤَدِّيَهَا إلَيْكَ، قَالَ: لَيْسَ بِهَذَا بَأْس، فَأعْطَاهُ مائَة دِرْعٍ بِمَا يَكْفِيهَا مِنْ السِّلَاحِ، فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ [3] أَنْ يَكْفِيَهُمْ حَمْلَهَا، فَفَعَلَ. (خُرُوجُ الرَّسُولِ بِجَيْشِهِ إلَى هَوَازِنَ) : قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ أَلْفَانِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مَعَ عَشَرَةِ آلَافٍ مِنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ، فَفَتَحَ اللَّهُ بِهِمْ مَكَّةَ، فَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيَّةَ ابْن عَبْدِ شَمْسٍ عَلَى مَكَّةَ، أَمِيرًا عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ مِنْ النَّاسِ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهِهِ يُرِيدُ لِقَاءَ هَوَازِنَ.

_ [1] مَا بَين القوسين أغفلته نُسْخَة أ. وَهُوَ مَذْكُور فِي شرح الزرقانى على الْمَوَاهِب من رِوَايَة الْوَاقِدِيّ. [2] وَهُوَ يَوْمئِذٍ فِي الْمدَّة الَّتِي جعل لَهُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخِيَار فِيهَا. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) . [3] كَذَا فِي أ. وَفِي م، ر: «طلب مِنْهُ أَن يكفيهم ... إِلَخ» .

(قصيدة عباس ابن مرداس) :

(قَصِيدَةُ عَبَّاسِ ابْن مِرْدَاسٍ) : فَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ: أَصَابَتْ الْعَامَ رِعْلًا غُولُ قَوْمِهِمْ ... وَسْطَ الْبُيُوتِ وَلَوْنُ الْغُولِ أَلْوَانُ [1] يَا لَهْفَ أُمِّ كِلَابٍ إذْ تُبَيِّتُهُمْ ... خَيْلُ ابْنِ هَوْذَةَ لَا تُنْهَى وَإِنْسَانُ [2] لَا تَلْفِظُوهَا وَشُدُّوا عَقْدَ ذِمَّتِكُمْ ... أَنَّ ابْنَ عَمِّكُمْ سَعْدٌ وَدُهْمَانُ [3] لَنْ تَرْجِعُوهَا [4] وَإِنْ كَانَتْ مُجَلِّلَةً [5] ... مَا دَامَ فِي النَّعَمِ الْمَأْخُوذِ أَلْبَانُ شَنْعَاءُ جلّل من سوءاتها حَضَنٌ ... وَسَالَ ذُو شَوْغَرٍ مِنْهَا وَسُلْوَانُ [6] لَيْسَتْ بِأَطْيَبَ مِمَّا يَشْتَوِي حَذَفٌ ... إذْ قَالَ: كُلُّ شِوَاءِ الْعَيْرِ جُوفَانُ [7] وَفِي هَوَازِنَ قَوْمٌ غَيْرَ أَنَّ بِهِمْ ... دَاءَ الْيَمَانِيِّ فَإِنْ لَمْ يَغْدِرُوا خَانُوا فِيهِمْ أَخٌ لَوْ وَفَوْا أَوْ بَرَّ عَهْدُهُمْ ... وَلَوْ نَهَكْنَاهُمْ بِالطَّعْنِ قَدْ لَانُوا [8] أَبْلِغْ هَوَازِنَ أَعْلَاهَا وَأَسْفَلَهَا ... مِنِّي رِسَالَةَ نُصْحٍ فِيهِ تِبْيَانُ أَنِّي أَظُنُّ رَسُولَ اللَّهِ صَابِحَكُمْ ... جَيْشًا لَهُ فِي فَضَاءِ الْأَرْضِ أَرْكَانُ فِيهِمْ أَخُوكُمْ سُلَيْمٌ غَيْرَ تَارِكِكُمْ ... وَالْمُسْلِمُونَ عِبَادَ اللَّهِ غَسَّانُ وَفِي عِضَادَتِهِ الْيُمْنَى بَنُو أَسَدٍ ... وَالْأَجْرَبَانِ بَنُو عَبْسٍ وَذُبْيَانُ [9] تَكَادُ تَرْجُفُ مِنْهُ الْأَرْضُ رَهْبَتَهُ ... وَفِي مُقَدَّمِهِ أَوْسٌ وَعُثْمَانُ

_ [1] رعل: قَبيلَة من سليم. والغول: الداهية. [2] إِنْسَان: قَبيلَة من قيس، ثمَّ من بنى نصر. قَالَه البرقي. وَقيل هم من بنى جشم بن بكر (انْظُر السهيليّ) . وَقَالَ أَبُو ذَر: إِنْسَان هُنَا اسْم قبيل فِي هوَازن. [3] سعد ودهمان: ابْنا نصر بن مُعَاوِيَة بن بكر، من هوَازن. [4] كَذَا فِي م، ر. وَفِي أ «لَا ترجعوها» . [5] مُجَللَة: مغطية. [6] حضن: جبل بِنَجْد. وَذُو شوغر، وسلوان: واديان. [7] حذف هُنَا: اسْم رجل، وَهُوَ بِالْحَاء الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة. ويروى أَيْضا جدف بِالْجِيم وَالدَّال الْمُهْملَة، وَهِي رِوَايَة الخشى. وَالْعير: حمَار الْوَحْش. والجوفان: غرموله. يُرِيد أَن كل مَا يشوى من العير فَهُوَ كالغرمول لَا يستساغ. [8] نهكناهم: أَي أذللناهم، وبالغنا فِي ضرهم. [9] سميا الأجربين تَشْبِيها لَهما بالأجرب الّذي يفر النَّاس مِنْهُ.

(أمر ذات أنواط) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَوْسٌ وَعُثْمَانُ: قَبِيلَا مُزَيْنَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مِنْ قَوْلِهِ « أَبْلِغْ هَوَازِنَ أَعْلَاهَا وَأَسْفَلَهَا » إلَى آخِرِهَا، فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْيَوْمِ، وَهُمَا مَفْصُولَتَانِ، وَلَكِنَّ ابْنَ إسْحَاقَ جَعَلَهُمَا وَاحِدَةً. (أَمْرُ ذَاتِ أَنْوَاطٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى حُنَيْنٍ وَنَحْنُ حَدِيثُو عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: فَسِرْنَا مَعَهُ إلَى حُنَيْنٍ، قَالَ: وَكَانَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْعَرَبِ لَهُمْ شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ خَضْرَاءُ، يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ، يَأْتُونَهَا كُلَّ سَنَةٍ، فَيُعَلِّقُونَ أَسْلِحَتَهُمْ عَلَيْهَا، وَيَذْبَحُونَ عِنْدَهَا، وَيَعْكُفُونَ عَلَيْهَا يَوْمًا. قَالَ: فَرَأَيْنَا وَنَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِدْرَةً خَضْرَاءَ عَظِيمَةً، قَالَ: فَتَنَادَيْنَا مِنْ جَنَبَاتِ الطَّرِيقِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، قُلْتُمْ، وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى: «اجْعَلْ لَنَا إلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ، قَالَ إنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ» . إنَّهَا السُّنَنُ، لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. (لِقَاءُ هَوَازِنَ وَثَبَاتُ الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا اسْتَقْبَلْنَا وَادِيَ حُنَيْنٍ انْحَدَرْنَا فِي وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ تِهَامَةَ أَجْوَفَ [1] حَطُوطٍ [2] ، إنَّمَا نَنْحَدِرُ فِيهِ انْحِدَارًا، قَالَ: وَفِي عَمَايَةِ الصُّبْحِ [3] ، وَكَانَ الْقَوْمُ قَدْ سَبَقُونَا إلَى الْوَادِي، فَكَمَنُوا لَنَا فِي شِعَابِهِ وَأَحْنَائِهِ [4] وَمَضَايِقِهِ،

_ [1] تهَامَة: مَا انخفض من أَرض الْحجاز. وأجوف: متسع. وحطوط: منحدر. [2] كَذَا فِي أ. وَفِي م، ر: «أجوف ذِي خطوط» . [3] عماية الصُّبْح: ظلامة قبل أَن يتَبَيَّن. [4] الشعاب هُنَا: الطّرق الْخفية. وأحناؤه: جوانبه. وَرِوَايَة الزرقانى: «وأجنابه» .

(أسماء من تبت مع الرسول) :

وَقَدْ أَجْمَعُوا وتهيّئوا وأعدّوا، فو الله مَا رَاعَنَا وَنَحْنُ مُنْحَطُّونَ إلَّا الْكَتَائِبُ قَدْ شَدُّوا عَلَيْنَا شَدَّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَانْشَمَرَ [1] النَّاسُ رَاجِعِينَ، لَا يَلْوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ. وَانْحَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ الْيَمِينِ، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ أَيُّهَا النَّاسُ؟ هَلُمُّوا إلَيَّ، أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: فَلَا شَيْءَ [2] ، حَمَلَتْ الْإِبِلُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، فَانْطَلَقَ النَّاسُ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ. (أَسمَاء من تبت مَعَ الرَّسُولِ) : وَفِيمَنْ ثَبَتَ مَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَمِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ، وَابْنُهُ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَرَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ. وَأَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ، قُتِلَ يَوْمَئِذٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اسْمُ ابْنِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ جَعْفَرٌ، وَاسْمُ أَبِي سُفْيَانَ الْمُغِيرَةُ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَعُدُّ فِيهِمْ قُثَمَ بْنَ الْعَبَّاسِ، وَلَا يَعُدُّ ابْنَ أَبِي سُفْيَانَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: وَرَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ، بِيَدِهِ رَايَةٌ سَوْدَاءُ فِي رَأْسِ رُمْحٍ لَهُ طَوِيلٍ، أَمَامَ هَوَازِنَ، وَهَوَازِنُ خَلْفَهُ، إذَا أَدْرَكَ طَعَنَ بِرُمْحِهِ، وَإِذَا فَاتَهُ النَّاسُ رَفَعَ رُمْحَهُ لِمَنْ وَرَاءَهُ فَاتَّبَعُوهُ. (شَمَاتَةُ أَبِي سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ بِالْمُسْلِمِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ، وَرَأَى مَنْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جُفَاةِ أَهْلِ مَكَّةَ الْهَزِيمَةَ، تَكَلَّمَ رِجَالٌ مِنْهُمْ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ الضِّغْنِ [3] ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ: لَا تَنْتَهِي هَزِيمَتُهُمْ دُونَ الْبَحْرِ، وَإِنَّ الْأَزْلَامَ لَمَعَهُ فِي كِنَانَتِهِ [4] . وَصَرَخَ جَبَلَةُ بْنُ الْحَنْبَلِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: كَلَدَةُ بْنُ الْحَنْبَلِ- وَهُوَ

_ [1] انشمر النَّاس: انْفَضُّوا وانهزموا. [2] كَذَا فِي الْأُصُول. وَفِي شرح الْمَوَاهِب: «فلأي شَيْء» . يُرِيد: فلشيء عَظِيم. [3] الضغن: الْعَدَاوَة. [4] الضَّمِير رَاجع إِلَى أَبى سُفْيَان. والأزلام: السِّهَام الَّتِي يستقسمون بهَا.

(شعر حسان في هجاء كلدة) :

مَعَ أَخِيهِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ مُشْرِكٌ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي جَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا بَطَلَ السِّحْرُ الْيَوْمَ! فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ: اُسْكُتْ فَضَّ الله فَاك [1] ، فو اللَّهُ لَأَنْ يَرُبَّنِي [2] رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَرُبَّنِي رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ. (شِعْرُ حَسَّانَ فِي هِجَاءِ كَلَدَةَ) : [3] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَهْجُو كَلَدَةَ: رَأَيْتُ سَوَادًا مِنْ بَعِيدٍ فَرَاعَنِي ... أَبُو حَنْبَلٍ يَنْزُو عَلَى أُمِّ حَنْبَلِ كَأَنَّ الَّذِي يَنْزُو بِهِ فَوْقَ بَطْنِهَا ... ذِرَاعُ قَلُوصٍ مِنْ نِتَاجِ ابْنِ عِزْهِلِ أَنْشَدَنَا أَبُو زَيْدٍ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ، وَذَكَرَ لَنَا أَنَّهُ هَجَا بِهِمَا صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَكَانَ أَخَا كَلَدَةَ لِأُمِّهِ. (عَجْزُ شَيْبَةَ عَنْ قَتْلِ الرَّسُولِ وَقَدْ هَمَّ بِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ: قُلْتُ: الْيَوْمَ أُدْرِكُ ثَأْرِي (مِنْ مُحَمَّدٍ) [4] ، وَكَانَ أَبُوهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، الْيَوْمَ أَقْتُلُ مُحَمَّدًا. قَالَ: فَأَدَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ لِأَقْتُلَهُ، فَأَقْبَلَ شَيْءٌ حَتَّى تَغَشَّى فُؤَادِي، فَلَمْ أُطِقْ ذَاكَ، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنِّي. قَالُ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ فَصَلَ مِنْ مَكَّةَ إلَى حُنَيْنٍ، وَرَأَى كَثْرَةَ مَنْ مَعَهُ مِنْ جُنُودِ اللَّهِ: لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي بَكْرٍ قَالَهَا. (رُجُوعُ النَّاسِ بِنِدَاءِ الْعَبَّاسِ وَالِانْتِصَارُ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ ابْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: إنِّي لَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِذٌ بِحَكَمَةِ

_ [1] فض الله فَاه: أَي أسقط أَسْنَانه. [2] يربنِي: يكون رَبًّا لي، أَي مَالِكًا على. [3] من هُنَا إِلَى قَوْله: «وَكَانَ أَخا كلدة لأمه» سَاقِط فِي أ. [4] زِيَادَة عَن أ.

(بلاء على وأنصارى في هذه الحرب) :

بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ قَدْ شَجَرْتُهَا بِهَا [1] ، قَالَ: وَكُنْتُ امْرَأً جَسِيمًا شَدِيدَ الصَّوْتِ، قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ حِينَ رَأَى مَا رَأَى مِنْ النَّاسِ: أَيْنَ أَيُّهَا النَّاسُ؟ فَلَمْ أَرَ النَّاسَ يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ، فَقَالَ: يَا عَبَّاسُ، اُصْرُخْ، يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ: يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ السَّمُرَةِ، قَالَ: فَأَجَابُوا: لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ! قَالَ: فَيَذْهَبُ الرَّجُلُ لِيُثْنِيَ بَعِيرَهُ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَأْخُذُ دِرْعَهُ، فَيَقْذِفُهَا فِي عُنُقِهِ، وَيَأْخُذُ سَيْفَهُ وَتُرْسَهُ، وَيَقْتَحِمُ عَنْ بَعِيرِهِ، وَيُخَلِّي سَبِيلَهُ، فَيَؤُمُّ الصَّوْتَ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَتَّى إذَا اجْتَمَعَ إِلَيْهِ مِنْهُم مائَة، اسْتَقْبَلُوا النَّاسَ، فَاقْتَتَلُوا، وَكَانَتْ الدَّعْوَى أَوَّلَ مَا كَانَتْ: يَا لَلْأَنْصَارِ. ثُمَّ خَلَصَتْ أَخَيْرًا: يَا لَلْخَزْرَجِ. وَكَانُوا صُبْرًا عِنْدَ الْحَرْبِ، فَأَشْرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَكَائِبِهِ. فَنَظَرَ إلَى مُجْتَلَدِ الْقَوْمِ [2] وَهُمْ يَجْتَلِدُونَ، فَقَالَ: الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ [3] . (بَلَاءُ عَلِيٍّ وَأَنْصَارِيٍّ فِي هَذِهِ الْحَرْبِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بَيْنَا ذَلِكَ الرَّجُلُ مِنْ هَوَازِنَ صَاحِبُ الرَّايَةِ عَلَى جَمَلِهِ يَصْنَعُ مَا يَصْنَعُ، إذْ هَوَى لَهُ [4] عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُرِيدَانِهِ، قَالَ: فَيَأْتِيهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ خَلْفِهِ، فَضَرَبَ عُرْقُوبَيْ الْجَمَلِ، فَوَقَعَ عَلَى عَجُزِهِ [5] ، وَوَثَبَ الْأَنْصَارِيُّ عَلَى الرَّجُلِ، فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً أَطَنَّ قَدَمَهُ [6] بِنِصْفِ سَاقِهِ، فَانْجَعَفَ [7] عَنْ رَحْلِهِ، قَالَ: واجتلد النَّاس، فو الله مَا رَجَعَتْ رَاجِعَةُ النَّاسِ مِنْ هَزِيمَتِهِمْ حَتَّى وَجَدُوا الْأُسَارَى مُكَتَّفِينَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

_ [1] شجرتها بهَا: أَي وَضَعتهَا فِي شَجَرهَا، وَهُوَ مُجْتَمع اللحيين. [2] مجتلد الْقَوْم: مَكَان جلادهم بِالسُّيُوفِ، وَهُوَ حَيْثُ تكون المعركة. [3] رَاجع الْحَاشِيَة رقم 5 ص 437 من هَذَا الْجُزْء. [4] يُقَال: هوى لَهُ وأهوى إِلَيْهِ: إِذا مَال عَلَيْهِ. [5] عَجزه: مؤخره. [6] أطن قدمه: أطارها، وَسمع لضربه طنين، أَي دوى. [7] انجعف عَن رَحْله: سقط عَنهُ صَرِيعًا.

(شأن أم سليم) :

قَالَ: وَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ مِمَّنْ صَبَرَ يَوْمَئِذٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ حَسَنَ الْإِسْلَامِ حِينَ أَسْلَمَ، وَهُوَ آخِذٌ بِثَفَرِ بَغْلَتِهِ [1] ، فَقَالَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا ابْنُ أُمِّكَ [2] يَا رَسُولَ اللَّهِ. (شَأْنُ أُمِّ سُلَيْمٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَفَتَ فَرَأَى أمّ سليم [3] بنت مِلْحَانَ، وَكَانَتْ مَعَ زَوْجِهَا أَبِي طَلْحَةَ [4] وَهِيَ حَازِمَةٌ وَسَطَهَا بِبُرْدٍ لَهَا، وَإِنَّهَا لَحَامِلٌ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَمَعَهَا جَمَلُ أَبِي طَلْحَةَ، وَقَدْ خَشِيَتْ أَنْ يَعُزَّهَا [5] الْجَمَلُ، فَأَدْنَتْ رَأْسَهُ مِنْهَا، فَأَدْخَلَتْ يَدَهَا فِي خِزَامَتِهِ [6] مَعَ الْخِطَامِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُمُّ سُلَيْمٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، اُقْتُلْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْهَزِمُونَ عَنْكَ كَمَا تَقْتُلُ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكَ، فَإِنَّهُمْ لِذَلِكَ أَهْلٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَ يَكْفِي اللَّهُ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ [7] ؟ قَالَ: وَمَعَهَا خِنْجَرٌ [8] ، فَقَالَ لَهَا أَبُو طَلْحَةَ: مَا هَذَا الْخِنْجَرُ مَعَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟ قَالَتْ: خِنْجَرٌ أَخَذته، إِن- نَا مِنِّي أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ

_ [1] الثفر بِالتَّحْرِيكِ: السّير فِي مُؤخر السرج. [2] قَوْله: أَنا ابْن أمك: إِنَّمَا هُوَ ابْن عمك، لكنه أَرَادَ أَن يتَقرَّب إِلَيْهِ، لِأَن الْأُم الَّتِي هِيَ الْجدّة قد تجمعهما فِي النّسَب. [3] فِي اسْمهَا خلاف، قيل هِيَ (مليكَة بنت ملْحَان) وَقيل (رميلة) ، وَيُقَال (سهيلة) . وتعرف بالغميصاء، لرمص كَانَ فِي عينيها. [4] هُوَ زيد بن سهل بن الْأسود بن حرَام. [5] يعزها: يغلبها. [6] الخزامة: حَلقَة من شعر تجْعَل فِي أنف الْبَعِير. [7] وَفِي رِوَايَة: إِن الله قد كفى وَأحسن. وَيُؤْخَذ من رد النَّبِي على أم سليم أَن فرار الْمُسلمين يَوْم حنين لم يكن من الْكَبَائِر، وَلم يجمع الْعلمَاء على أَن الْفِرَار مَعْدُود فِي الْكَبَائِر إِلَّا فِي يَوْم بدر، قَالَ تَعَالَى: وَمن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ 8: 16 فَيَوْمئِذٍ إِشَارَة إِلَى يَوْم بدر، أما الفارون يَوْم أحد فقد نزل فيهم: (وَلَقَد عَفا الله عَنْهُم) وَأما الفارون فِي يَوْم حنين فقد نزل فيهم أَيْضا (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ 9: 25) إِلَى قَوْله: (غَفُورٌ رَحِيمٌ 9: 27) . [8] الخنجر بِفَتْح الْخَاء- وَكسرهَا- السكين.

(شعر مالك بن عوف في هزيمة الناس) :

بَعَجْتُهُ [1] بِهِ قَالَ: يَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: أَلَا تَسْمَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَقُولُ أُمُّ سُلَيْمٍ الرُّمَيْصَاءُ. (شِعْرُ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ فِي هَزِيمَةِ النَّاسِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ وَجَّهَ إلَى حُنَيْنٍ، قَدْ ضَمَّ بَنِي سُلَيْمٍ الضَّحَّاكَ بْنَ سُفْيَانَ الْكِلَابِيَّ، فَكَانُوا إلَيْهِ وَمَعَهُ، وَلَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ قَالَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ يَرْتَجِزُ بِفَرَسِهِ: أَقْدِمْ مُحَاجُ إنَّهُ يَوْمٌ نُكُرْ ... مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ يَحْمِي وَيَكُرْ [2] إذَا أُضِيعَ الصَّفُّ يَوْمًا والدُّبُرْ ... ثُمَّ احْزَأَلَّتْ زُمَرٌ بَعْدَ زُمَرْ [3] كَتَائِبٌ يَكِلُّ فِيهِنَّ الْبَصَرْ ... قَدْ أَطْعَنُ الطَّعْنَةَ تَقْذِي بِالسُّبُرْ [4] حِينَ يُذَمُّ الْمُسْتَكِينُ الْمُنْجَحِرْ ... وَأَطْعَنُ النَّجْلَاءَ تَعْوِي وَتَهِرْ [5] لَهَا مِنْ الْجَوْفِ رَشَاشٌ مُنْهَمِرْ ... تَفْهَقُ تَارَاتٍ وَحِينًا تَنْفَجِرْ [6] وَثَعْلَبُ الْعَامِلِ فِيهَا مُنْكَسِرْ ... يَا زَيْدُ يَا بْنَ هَمْهَمٍ أَيْنَ تَفِرْ [7] قَدْ نَفِدَ الضِّرْسُ وَقَدْ طَالَ الْعُمُرْ ... قَدْ عَلِمَ الْبِيضُ الطَّوِيلَاتُ الْخُمُرْ [8] أَنِّي فِي أَمْثَالِهَا غَيْرُ غَمِرْ [9] ... إذْ تُخْرَجُ الْحَاصِنُ مِنْ تَحْتِ السُّتُرْ [10]

_ [1] بعجته: يُقَال: بعج بَطْنه، إِذا شقَّه. [2] محاج: اسْم فرس مَالك بن عَوْف. [3] احزألت: ارْتَفَعت. وزمر جماعات. [4] يكل فِيهِنَّ الْبَصَر: يعيا عَن إِدْرَاك نهايتها لِكَثْرَة عَددهَا. والسبر: جمع سبار، وَهُوَ الفتيل يسبر بِهِ الْجرْح. وتقذى يُقَال: قذت الْعين تقذى (من بَاب رمى) قذيا وقذيانا: قذفت بالغمص والرمص: وَمعنى تقذى بالسبر: تقذف بهَا لِكَثْرَة مَا يندفق مِنْهَا من دم وَنَحْوه. [5] المستكين: الذَّلِيل الخانع. والمنجحر: المتستر فِي جُحْره، وَالْمرَاد من اعْتصمَ بمَكَان. والنجلاء: الطعنة المتسعة. وتعوى وتهر: أَي الَّتِي يسمع لخُرُوج الدَّم مِنْهَا صَوت كالعواء والهرير. [6] الرشاش: مَا يخرج من الدَّم مُتَفَرقًا. ومنهمر: منصب. وتفهق: تنفتح. وينفجر: يسيل مِنْهَا الدَّم. [7] الثَّعْلَب: مَا دخل من عَصا الرمْح فِي السنان. وَالْعَامِل: أَعلَى الرمْح. [8] نفد الضرس: يُرِيد أَنه كَبرت سنه حَتَّى ذهبت أَسْنَانه، فَهُوَ محتنك مجرب. وَالْخمر: جمع خمار، وَهُوَ ثوب تغطى بِهِ الْمَرْأَة رَأسهَا. [9] الْغمر: بِفَتْح فَكسر: أَو بِفتْحَتَيْنِ (وَفِيه لُغَات أُخْرَى) الّذي لم يجرب الْأُمُور. [10] كَذَا فِي أ. والحاصن: العفيفة الممتنعة. وَفِي م، ر: «الحاضن» (بالضاد الْمُعْجَمَة) وَهِي الَّتِي تحضن وَلَدهَا.

(شأن أبى قتادة وسلبه) :

وَقَالَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ أَيْضًا: أَقْدِمْ مُحَاجُ إنَّهَا الْأَسَاوِرَهْ ... وَلَا تَغُرَّنَّكَ رِجْلٌ نَادِرَهْ [1] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ لِغَيْرِ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْيَوْمِ [2] (شَأْنُ أَبِي قَتَادَةَ وَسَلَبُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهُ حُدِّثَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى بَنِي غِفَارٍ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَا [3] : قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: رَأَيْتُ يَوْمَ حُنَيْنٍ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ: مُسْلِمًا وَمُشْرِكًا، قَالَ: وَإِذَا رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُرِيدُ أَنْ يُعِينَ صَاحِبَهُ الْمُشْرِكَ عَلَى الْمُسْلِمِ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَضَرَبْتُ يَدَهُ، فَقَطَعْتُهَا، وَاعْتَنَقَنِي بِيَدِهِ الْأُخْرَى، فو الله مَا أَرْسَلَنِي حَتَّى وَجَدْتُ رِيحَ الدَّمِ- وَيُرْوَى: رِيحَ الْمَوْتِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [4]- وَكَادَ يَقْتُلُنِي، فَلَوْلَا أَنَّ الدَّمَ نَزَفَهُ [5] لَقَتَلَنِي، فَسَقَطَ، فَضَرَبْتُهُ فَقَتَلْتُهُ، وَأَجْهَضَنِي عَنْهُ الْقِتَالُ [6] ، وَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَسَلَبَهُ، فَلَمَّا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا [7] وَفَرَغْنَا مِنْ الْقَوْمِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبَهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاَللَّهِ لَقَدْ قَتَلْتُ قَتِيلًا ذَا سَلَبٍ، فَأَجْهَضَنِي عَنْهُ الْقِتَالُ، فَمَا أَدْرِي مَنْ اسْتَلَبَهُ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ عَنِّي مِنْ سَلَبِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا وَاَللَّهِ، لَا يُرْضِيهِ مِنْهُ، تَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ، يُقَاتِلُ عَنْ دِينِ اللَّهِ، تُقَاسِمُهُ سَلَبَهُ! اُرْدُدْ عَلَيْهِ سَلَبَ قَتِيلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ

_ [1] الأساورة: جمع أسوار (بِضَم الْهمزَة وَكسرهَا) وَهُوَ قَائِد الْفرس، وَقيل هُوَ الْجيد الرَّمْي بِالسِّهَامِ، وَقيل هُوَ الْجيد الثَّبَات على ظهر الْفرس. ونادرة: أَي قد ندرت وانقطعت وبعدت. [2] فِي غير هَذَا الْيَوْم: يعْنى أَنَّهُمَا قيلا فِي يَوْم الْقَادِسِيَّة لَا فِي حنين. [3] كَذَا فِي أ. [4] كَذَا فِي م، ر وَفِي أ: «حَتَّى وجدت ريح الْمَوْت، ويروى ريح الدَّم، فِيمَا قَالَ ابْن هِشَام» . [5] نزفه الدَّم: سَالَ مِنْهُ حَتَّى أضعفه، فَأَشْرَف على الْمَوْت. [6] أجهضنى عَنهُ الْقِتَال: شغلني وضيق على وغلبني. [7] أوزار الْحَرْب، أثقالها وآلاتها. وَهِي اسْتِعَارَة.

(نصرة الملائكة) :

اُرْدُدْ عَلَيْهِ سَلَبَهُ. فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَأَخَذْتُهُ مِنْهُ، فَبِعْتُهُ، فَاشْتَرَيْتُ بِثَمَنِهِ مَخْرَفًا [1] ، فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ اعْتَقَدْتُهُ [2] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْن أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَقَدْ اسْتَلَبَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَحْدَهُ عِشْرِينَ رَجُلًا. (نُصْرَةُ الْمَلَائِكَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، (أَنَّهُ حُدِّثَ) [3] عَنْ جُبَيْرِ ابْن مُطْعِمٍ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ قَبْلَ هَزِيمَةِ الْقَوْمِ وَالنَّاسُ يَقْتَتِلُونَ مِثْلَ الْبِجَادِ [4] الْأَسْوَدِ، أَقْبَلَ مِنْ السَّمَاءِ حَتَّى سَقَطَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا نَمَلٌ أَسْوَدُ مَبْثُوثٌ [5] قَدْ مَلَأَ الْوَادِيَ، لَمْ أَشُكَّ أَنَّهَا الْمَلَائِكَةُ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ [6] إلَّا هَزِيمَةُ الْقَوْمِ. (هَزِيمَةُ الْمُشْرِكِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا هَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ حُنَيْنٍ، وَأَمْكَنَ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ، قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: قَدْ غَلَبَتْ خَيْلُ اللَّهِ خَيْلَ اللَّاتِ ... وَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالثَّبَاتِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالرِّوَايَةِ لِلشِّعْرِ: غَلَبْتِ خَيْلُ اللَّهِ خَيْلَ اللَّاتِ ... وَخَيْلُهُ أَحَقُّ بِالثَّبَاتِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا انْهَزَمَتْ هَوَازِنُ اسْتَحَرَّ [7] الْقَتْلُ مِنْ ثَقِيفٍ فِي بَنِي مَالِكٍ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا تَحْتَ رَايَتِهِمْ، فِيهِمْ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ

_ [1] المخرف: نَخْلَة وَاحِدَة أَو نخلات يسيرَة إِلَى عشر، فَأَما مَا فَوق ذَلِك فَهُوَ بُسْتَان أَو حديقة. (انْظُر السهيليّ) . [2] اعتقدته: يُقَال: اعتقدت مَالِي: أَي اتَّخذت مِنْهُ عقدَة، كَمَا تَقول: نبذة أَو قِطْعَة وَالْأَصْل فِيهِ من العقد، وَأَن من ملك شَيْئا عقد عَلَيْهِ. [3] زِيَادَة عَن أ. [4] البجاد: الكساء. [5] مبثوث: متفرق، يعْنى رَآهُ ينزل من السَّمَاء. [6] كَذَا فِي م، ر. وَفِي ب أ «وَلم يكن» . [7] استحر: اشْتَدَّ. 29- سيرة ابْن هِشَام- 2

(الغلام النصراني الأغرل وما كاد يلحق ثقيفا بسببه) :

ابْن حَبِيبٍ، وَكَانَتْ رَايَتُهُمْ مَعَ ذِي الْخِمَارِ [1] ، فَلَمَّا قُتِلَ أَخَذَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ وَهْبِ بْنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلُهُ، قَالَ: أَبْعَدَهُ اللَّهُ! فَإِنَّهُ كَانَ يُبْغِضُ قُرَيْشًا. (الْغُلَامُ النَّصْرَانِيُّ الْأَغْرَلُ وَمَا كَادَ يَلْحَقُ ثَقِيفًا بِسَبَبِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ: أَنَّهُ قُتِلَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ غُلَامٌ لَهُ نَصْرَانِيٌّ أَغْرَلُ [2] ، قَالَ: فَبَيْنَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَسْلُبُ قَتْلَى ثَقِيفٍ، إذْ كَشَفَ الْعَبْدَ يَسْلُبُهُ، فَوَجَدَهُ أَغْرَلَ. قَالَ: فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ: يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّ ثَقِيفًا غُرْلٌ. قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، وَخَشِيتُ أَنْ تَذْهَبَ عَنَّا فِي الْعَرَبِ، فَقُلْتُ: لَا تَقُلْ ذَاكَ، فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، إنَّمَا هُوَ غُلَامٌ لَنَا نَصْرَانِيٌّ. قَالَ: ثُمَّ جَعَلْتُ أَكْشِفُ لَهُ عَنْ الْقَتْلَى، وَأَقُولُ لَهُ: أَلا تراهم مختّنين كَمَا تَرَى! (فِرَارُ قَارِبٍ وَقَوْمِهِ وَشِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي هِجَائِهِمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ رَايَةُ الْأَحْلَافِ مَعَ قَارِبِ بْنِ الْأَسْوَدِ، فَلَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ أَسْنَدَ رَايَتَهُ إلَى شَجَرَةٍ، وَهَرَبَ هُوَ وَبَنُو عَمِّهِ وَقَوْمُهُ مِنْ الْأَحْلَافِ، فَلَمْ يُقْتَلْ مِنْ الْأَحْلَافِ غَيْرُ رَجُلَيْنِ: رَجُلٍ مِنْ غِيَرَةَ، يُقَالُ لَهُ وَهْبٌ، وَآخَرُ مِنْ بَنِي كُبَّةَ [3] ، يُقَالُ لَهُ الْجُلَاحُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَلَغَهُ قَتْلُ الْجُلَاحِ: قُتِلَ الْيَوْمَ سَيِّدُ شَبَابِ ثَقِيفٍ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ ابْنِ هُنَيْدَةَ، يَعْنِي بِابْنِ هُنَيْدَةَ الْحَارِثَ بْنَ أُوَيْسٍ. (قَصِيدَةٌ أُخْرَى لِابْنِ مِرْدَاسٍ) : فَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ يَذْكُرُ قَارِبَ بْنَ الْأَسْوَدِ وَفِرَارَهُ مِنْ بَنِي أَبِيهِ، وَذَا الْخِمَارِ وَحَبْسَهُ قَوْمَهُ لِلْمَوْتِ:

_ [1] ذُو الْخمار: عَوْف بن الرّبيع. [2] الأغرل: هُوَ الّذي لَيْسَ بمختتن. والغرلة: هِيَ الْجلْدَة الَّتِي يقطعهَا الخاتن. [3] كَذَا فِي م، ر وَفِي أ «كنة» بالنُّون. قَالَ أَبُو ذَر: «.... وَرَوَاهُ الخشنيّ بِالْبَاء بِوَاحِدَة من أَسْفَل، وَهُوَ الصَّوَاب» .

أَلَا مِنْ مُبَلِّغٍ غَيْلَانَ عَنِّي ... وَسَوْفَ- إخَالُ- يَأْتِيهِ الْخَبِيرُ [1] وَعُرْوَةَ إنَّمَا أُهْدِي جَوَابًا ... وَقَوْلًا غَيْرَ قَوْلِكُمَا يَسِيرُ بِأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدٌ رَسُولٌ ... لِرَبٍّ لَا يَضِلُّ وَلَا يَجُورُ وَجَدْنَاهُ نَبِيًّا مِثْلَ مُوسَى ... فَكُلُّ فَتَى يُخَايِرُهُ مَخِيرُ [2] وَبِئْسَ الْأَمْرُ أَمْرُ بَنِي قَسِيٍّ ... بِوَجٍّ إذْ تُقُسِّمَتْ الْأُمُورُ [3] أَضَاعُوا أَمْرَهُمْ وَلِكُلِّ قَوْمٍ ... أَمِيرٌ وَالدَّوَائِرُ قَدْ تَدُورُ فَجِئْنَا أُسْدَ غَابَاتٍ إلَيْهِمْ ... جُنُودُ اللَّهِ ضَاحِيَةً تَسِيرُ [4] يَؤُمُّ الْجَمْعَ جَمْعَ بَنِي قَسِيٍّ ... عَلَى حَنَقٍ نَكَادُ لَهُ نَطِيرُ [5] وَأُقْسِمُ لَوْ هُمْ مَكَثُوا لَسِرْنَا ... إلَيْهِمْ بِالْجُنُودِ وَلَمْ يَغُورُوا [6] فَكُنَّا أُسْدَ لِيَّةَ ثَمَّ حَتَّى ... أَبَحْنَاهَا وَأُسْلِمَتْ النُّصُورُ [7] وَيَوْمٌ كَانَ قَبْلُ لَدَى حُنَيْنٍ ... فَأَقْلَعَ وَالدِّمَاءُ بِهِ تَمُورُ [8] مِنْ الْأَيَّامِ لَمْ تَسْمَعْ كَيَوْمٍ ... وَلَمْ يَسْمَعْ بِهِ قَوْمٌ ذُكُورُ قَتَلْنَا فِي الْغُبَارِ بَنِي حُطَيْطٍ ... عَلَى رَايَاتِهَا وَالْخَيْلُ زُورُ [9] وَلَمْ يَكُ ذُو الْخِمَارِ رَئِيسَ قَوْمٍ ... لَهُمْ عَقْلٌ يُعَاقِبُ أَوْ مَكِيرُ أَقَامَ بِهِمْ عَلَى سَنَنِ الْمَنَايَا ... وَقَدْ بَانَتْ لِمُبْصِرِهَا الْأُمُورُ [10]

_ [1] الْفِعْل الْمُسْتَقْبل هُوَ يَأْتِيهِ، وَإِن كَانَ الْحَرْف «سَوف» دَاخِلا على إخال فِي اللَّفْظ، فَإِن مَا يدل عَلَيْهِ من الِاسْتِقْبَال إِنَّمَا هُوَ الْفِعْل الثَّانِي. وَهُوَ كَقَوْل زُهَيْر: «وَمَا أدرى وسوف إخال أدرى » [2] يخايره: يَقُول لَهُ: أَنا خير مِنْك. ومخير: هُوَ اسْم مفعول أَي مغلوب فِي الْخَيْر. [3] قسى: اسْم ثَقِيف. وَوَج: اسْم وَاد بِالطَّائِف قبل حنين. [4] ضاحية: بارزة لَا تختفى. [5] نَؤُم: نقصد. والحنق الْغَضَب. [6] لم يغوروا: لم يذهبوا. [7] لية «بِكَسْر اللَّام» : اسْم مَوضِع قريب من الطَّائِف. والنصور: من هوَازن، وهم رَهْط مَالك ابْن عَوْف النصري (انْظُر السهيليّ) . [8] تمور: تسيل. [9] بَنو حطيط: يرْوى هُنَا بِالْحَاء وَالْخَاء، وبالمهملة رَوَاهُ الخشنيّ. وزور: مائلة. [10] سنَن المنايا: طريقها.

فَأَفْلَتَ مَنْ نجا مِنْهُم جيضا ... وَقُتِّلَ مِنْهُمْ بَشَرٌ كَثِيرُ [1] وَلَا يُغْنِي الْأُمُورَ أَخُو الْتَوَانِي ... وَلَا الْغَلِقُ الصُّرَيِّرَةُ الْحَصُورُ [2] أَحَانَهُمُ وَحَانَ وَمَلَّكُوهُ ... أُمُورَهُمْ وَأَفْلَتَتْ الصُّقُورُ [3] بَنُو عَوْفٍ تَمِيحُ بِهِمْ جِيَادٌ ... أُهِينَ لَهَا الْفَصَافِصُ وَالشَّعِيرُ [4] فَلَوْلَا قَارِبٌ. وَبَنُو أَبِيهِ ... تُقُسِّمتَ الْمَزَارِعُ والقصور ولكنّ الرِّئَاسَة عُمِّمُوهَا ... عَلَى يُمْنٍ أَشَارَ بِهِ الْمُشِيرُ [5] أَطَاعُوا قَارِبًا وَلَهُمْ جُدُودٌ ... وَأَحْلَامٌ إلَى عِزٍّ تَصِيرُ فَإِنْ يُهْدَوْا إلَى الْإِسْلَامِ يُلْفَوْا ... أُنُوفَ النَّاسِ مَا سَمَرَ السَّمِيرُ [6] وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا فَهُمْ أَذَانٌ ... بِحَرْبِ اللَّهِ لَيْسَ لَهُمْ نَصِيرُ كَمَا حَكَّتْ بَنِي سَعْدٍ وَحَرْبٌ ... بِرَهْطِ بَنِي غَزِيَّةَ عَنْقَفِيرُ [7] كَأَنَّ بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ ... إلَى الْإِسْلَامِ ضَائِنَةٌ تَخُورُ [8] فَقُلْنَا أَسْلِمُوا إنَّا أَخُوكُمْ ... وَقَدْ بَرَأَتْ مِنْ الْإِحَنِ [9] الصُّدُورُ كَأَنَّ الْقَوْمَ إذْ جَاءُوا إلَيْنَا ... مِنْ الْبَغْضَاءِ بَعْدَ السِّلْمِ عُورُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: غَيْلَانُ: غَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ الثَّقَفِيُّ، وَعُرْوَةُ: عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ.

_ [1] الجريض: المختنق بريقه. [2] الغلق: الْكثير الْجرْح، كَأَنَّهُ تنغلق عَلَيْهِ أُمُوره. والصريرة «بتَشْديد الْيَاء» تَصْغِير الصرورة، وَهُوَ الّذي لَا يأتى النِّسَاء. والحصور هُنَا: بِمَعْنى مَا قبله، وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ: الهيوب المحجم عَن الشَّيْء. [3] أحانهم: أهلكهم. وحان: هلك. [4] تميح: تمشى مشيا حسنا. والفصافص: جمع فصفصة، وَهِي البقلة الَّتِي تأكلها الدَّوَابّ (البرسيم) . [5] عموها: أسندت إِلَيْهِم وَقدمُوا لَهَا. [6] أنوف النَّاس: أَشْرَافهم والمقدمون فيهم. وَالسير: جمَاعَة السمار وهم الَّذين يَجْتَمعُونَ للْحَدِيث بِاللَّيْلِ. [7] العنقفير: الداهية. [8] تخور: تصيح. [9] كَذَا فِي م، ر. والإحن: جمع إحْنَة، وَهِي الْعَدَاوَة. وَفِي أ: «الترة» ، وَهِي بِمَعْنى الإحنة.

(مقتل دريد بن الصمة) :

(مَقْتَلُ دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ، أَتَوْا الطَّائِفَ وَمَعَهُمْ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ، وَعَسْكَرَ بَعْضُهُمْ بِأَوْطَاسٍ، وَتَوَجَّهَ بَعْضُهُمْ نَحْوَ نَخْلَةَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيمَنْ تَوَجَّهَ نَحْوَ نَخْلَةَ إلَّا بَنُو غِيَرَةَ مِنْ ثَقِيفٍ، وَتَبِعَتْ خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَلَكَ فِي نَخْلَةَ مِنْ النَّاسِ، وَلَمْ تَتْبَعْ مَنْ سَلَكَ الثَّنَايَا. فَأَدْرَكَ رَبِيعَةُ بْنُ رُفَيْعِ بْنِ أُهْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ سَمَّالِ بْنِ عَوْفِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الدُّغُنَّةِ وَهِيَ أُمُّهُ، فَغَلَبَتْ عَلَى اسْمِهِ، وَيُقَالُ: ابْنُ لَذْعَةَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ جَمَلِهِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ امْرَأَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي شِجَارٍ لَهُ، فَإِذَا بِرَجُلِ، فَأَنَاخَ بِهِ، فَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَإِذَا هُوَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ وَلَا يَعْرِفُهُ الْغُلَامُ، فَقَالَ لَهُ دُرَيْدٌ: مَاذَا تُرِيدُ بِي؟ قَالَ: أَقْتُلُكَ. قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا رَبِيعَةُ بْنُ رُفَيْعٍ السُّلَمِيُّ، ثُمَّ ضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ، فَلَمْ يُغْنِ شَيْئًا، فَقَالَ: بِئْسَ مَا سَلَّحَتْكَ أُمُّكَ! خُذْ سَيْفِي هَذَا مِنْ مُؤَخَّرِ الرَّحْلِ، وَكَانَ الرَّحْلُ فِي الشِّجَارِ، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ، وَارْفَعْ عَنْ الْعِظَامِ، وَاخْفِضْ عَنْ الدِّمَاغِ، فَإِنِّي كُنْتُ كَذَلِكَ أَضْرِبُ الرِّجَالَ، ثُمَّ إذَا أَتَيْتَ أُمَّكَ فَأَخْبِرْهَا أَنَّكَ قَتَلْتُ دُرَيْدَ ابْن الصِّمَّةِ، فَرُبَّ وَاَللَّهِ يَوْمٍ قَدْ مَنَعْتُ فِيهِ نِسَاءَكَ. فَزَعَمَ بَنُو سُلَيْمٍ أَنَّ رَبِيعَةَ لَمَّا ضَرَبَهُ فَوَقَعَ تَكَشَّفَ،، فَإِذَا عِجَانُهُ [1] وَبُطُونُ فَخِذَيْهِ مِثْلُ الْقِرْطَاسِ، مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ أَعْرَاءً [2] ، فَلَمَّا رَجَعَ رَبِيعَةُ إلَى أُمِّهِ أَخْبَرَهَا بِقَتْلِهِ إيَّاهُ، فَقَالَتْ: أَمَا وَاَللَّهِ لَقَدْ أَعْتَقَ أُمَّهَاتٍ لَكَ ثَلَاثًا. فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ دُرَيْدٍ فِي قَتْلِ رَبِيعَةَ دُرَيْدًا: لَعَمْرُكَ مَا خَشِيتُ عَلَى دُرَيْدٍ ... بِبَطْنِ سُمَيْرَةَ [3] جَيْشَ الْعَنَاقِ [4]

_ [1] عجانة: مَا بَين فرجيه. [2] أعراء: جمع عرى (برزن قفل) وَهُوَ الْفرس الّذي لَا سرج لَهُ. [3] سميرة: وَاد قرب حنين قتل فِيهِ دُرَيْد بن الصمَّة. [4] العناق: الخيبة أَو الداهية، وَكِلَاهُمَا مُنَاسِب للمقام، لِأَنَّهَا إِذا قصدت «جَيش الخيبة» فَهُوَ على معنى الهجاء للجيش، وَإِذا قصدت «جَيش الداهية» فَهُوَ على معنى مدح دُرَيْد بشجاعته الَّتِي يقهر بهَا مثل هَذَا الْجَيْش.

(مقتل أبى عامر الأشعري) :

جَزَى عَنْهُ الْإِلَهُ بَنِي سُلَيْمٍ ... وَعَقَّتْهُمْ بِمَا فَعَلُوا عَقَاقِ [1] وَأَسْقَانَا إذَا قُدْنَا إلَيْهِمْ ... دِمَاءَ خِيَارِهِمْ عِنْدَ التَّلَاقِي فَرُبَّ عَظِيمَةٍ دَافَعْتَ عَنْهُمْ ... وَقَدْ بَلَغَتْ نَفُوسُهُمْ التَّرَاقِي وَرُبَّ كَرِيمَةٍ أَعْتَقْتَ مِنْهُمْ ... وَأُخْرَى قَدْ فَكَكْتَ مِنْ الْوَثَاقِ وَرُبَّ مُنَوِّهٍ بِكَ مِنْ سُلَيْمٍ ... أَجَبْتَ وَقَدْ دَعَاكَ بِلَا رَمَاقِ [2] . فَكَانَ جَزَاؤُنَا مِنْهُمْ عُقُوقًا ... وَهَمًّا مَاعَ مِنْهُ مُخُّ سَاقِي [3] عَفَتْ آثَارُ خَيْلِكَ بَعْدَ أَيْنٍ ... بِذِي بَقَرٍ إلَى فَيْفِ النُّهَاقِ [4] وَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ دُرَيْدٍ أَيْضًا: قَالُوا قَتَلْنَا دُرَيْدًا قُلْتُ قَدْ صَدَقُوا ... فَظَلَّ دَمْعِي عَلَى السِّربال يَنْحَدِرُ [5] لَوْلَا الَّذِي قَهَرَ الْأَقْوَامَ كُلَّهُمْ ... رَأَتْ سُلَيْمٌ وَكَعْبٌ كَيْفَ تَأْتَمِرُ إذَنْ لَصَبَّحَهُمْ غِبًّا وَظَاهِرَةً ... حَيْثُ اسْتَقَرَّتْ نَوَاهُمْ جَحْفَلٌ ذَفِرُ [6] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ اسْمُ الَّذِي قَتَلَ دُرَيْدًا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قُنَيْعِ بْنِ أُهْبَانَ ابْن ثَعْلَبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ. (مَقْتَلُ أَبِي عَامِرٍ الْأَشْعَرِيِّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آثَارِ مَنْ تَوَجَّهَ قِبَلَ أَوْطَاسٍ أَبَا عَامِرٍ الْأَشْعَرِيَّ، فَأَدْرَكَ مِنْ النَّاسِ بَعْضَ مَنْ انْهَزَمَ، فَنَاوَشُوهُ الْقِتَالَ [7] ، فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ بِسَهْمِ فَقُتِلَ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ،

_ [1] عقاق: على وزن فعال بِكَسْر اللَّام، من العقوق. [2] المنوه: الّذي يناديك بأشهر أسمائك نِدَاء ظَاهرا. والرماق، بِفَتْح الرَّاء وَكسرهَا: بَقِيَّة الْحَيَاة. [3] ماع: ذاب، وكل سَائل مَائِع (عَن أَبى ذَر) . [4] عفت: درست وتغيرت. وَذُو بقر: مَوضِع، ويروى بالنُّون وَالْفَاء. والفيف القفر. والنهاق هُنَا: مَوضِع. وَقَالَ ابْن سراج: أَيْن وَذُو نفر: موضعان. [5] السربال الْقَمِيص.: [6] أصل الغب: أَن ترد الْإِبِل المَاء يَوْمًا وتدعه يَوْمًا. وَالظَّاهِرَة: أَن ترده كل يَوْم، فَضَربهُ هَا هُنَا مثلا. والجحفل الْجَيْش الْكثير. وذفر (بِالدَّال والذال مَعًا) : كريه الرَّائِحَة من سهك السِّلَاح، وصدأ الْحَدِيد. [7] يُقَال: تناوش الْقَوْم فِي الْقِتَال، إِذا تنَاول بَعضهم بَعْضًا بِالرِّمَاحِ، وَلم يتدانوا كل التداني.

(دعاء الرسول لبني رئاب) :

فَقَاتَلَهُمْ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ وَهَزَمَهُمْ. فَيَزْعُمُونَ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ دُرَيْدٍ هُوَ الَّذِي رَمَى أَبَا عَامِرٍ الْأَشْعَرِيَّ بِسَهْمِ، فَأَصَابَ رُكْبَتَهُ، فَقَتَلَهُ، فَقَالَ: إنْ تَسْأَلُوا عَنِّي فَإِنِّي سَلَمَهْ ... ابْنُ سَمَادِيرَ لِمَنْ تَوَسَّمَهْ [1] أضْرِبُ بِالسَّيْفِ رُءُوسَ الْمُسْلِمَهْ (دُعَاءُ الرَّسُولِ لِبَنِي رِئَابٍ) : وَسَمَادِيرُ: أُمُّهُ. وَاسْتَحَرَّ الْقَتْلُ مِنْ بَنِي نَصْرٍ فِي بَنِي رِئَابٍ، فَزَعَمُوا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ- وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَوْرَاءِ، وَهُوَ أَحَدُ بَنِي وَهْبِ بْنِ رِئَابٍ- قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتْ بَنُو رِئَابٍ. فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اللَّهمّ اُجْبُرْ مُصِيبَتَهُمْ. (وَصِيَّةُ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ لِقَوْمِهِ وَلِقَاءُ الزُّبَيْرِ لَهُمْ) : وَخَرَجَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ عِنْدَ الْهَزِيمَةِ، فَوَقَفَ فِي فَوَارِسَ مِنْ قَوْمِهِ، عَلَى ثَنِيَّةٍ [2] مِنْ الطَّرِيقِ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: قِفُوا حَتَّى تَمْضِيَ ضُعَفَاؤُكُمْ، وَتَلْحَقَ أُخْرَاكُمْ. فَوَقَفَ هُنَاكَ حَتَّى مَضَى مَنْ كَانَ لَحِقَ بِهِمْ مِنْ مُنْهَزِمَةِ النَّاسِ، فَقَالَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ فِي ذَلِكَ: وَلَوْلَا كَرَّتَانِ عَلَى مُحَاجٍ ... لَضَاقَ عَلَى الْعَضَارِيطِ الطَّرِيقُ [3] وَلَوْلَا كَرُّ دُهْمَانَ بْنِ نَصْرٍ ... لَدَى النَّخَلَاتِ مُنْدَفَعَ الشَّدِيقِ [4] لَآبَتْ جَعْفَرٌ وَبَنُو هِلَالٍ ... خَزَايَا مُحْقِبِينَ عَلَى شُقُوقِ [5] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذِهِ الْأَبْيَاتُ لِمَالِكِ بْنِ عَوْفٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْيَوْمِ. وَمِمَّا يَدُلُّكَ

_ [1] توسمه: اسْتدلَّ عَلَيْهِ وَنظر فِيهِ. [2] الثَّنية: مَوضِع مُرْتَفع بَين جبلين. [3] محاج: اسْم فرسه. والعضاريط: جمع عضروط (كعصفور) وَهُوَ الْخَادِم على طَعَام بَطْنه، والأجير. وَيجمع أَيْضا على عضارط وعضارطة. [4] الشديق: وَاد بِأَرْض الطَّائِف، مخلاف من مخاليفها، ويروى بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة. [5] محقبين: مُردفِينَ لمن انهزم مِنْهُم. قَالَ أَبُو ذَر: «وَمن رَوَاهُ محمقين، فَهُوَ من الْحمق. يُقَال: حمقت خيل الرجل: إِذا لم تنجب. وَمن رَوَاهُ: مجلبين، فَمَعْنَاه مجتمعون» . وعَلى شقوق: أَي على مشقة.

(شعر سلمة في فراره) :

عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ فِي صَدْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: مَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَكِلَابٌ؟ فَقَالُوا لَهُ: لَمْ يَشْهَدْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَجَعْفَرٌ بْنُ كِلَابٍ. وَقَالَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ: « لَآبَتْ جَعْفَرٌ وَبَنُو هِلَالٍ » . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي أَنَّ خَيْلًا طَلَعَتْ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى الثَّنِيَّةِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَاذَا تَرَوْنَ؟ فَقَالُوا: نَرَى قَوْمًا وَاضِعِي رِمَاحِهِمْ بَيْنَ آذَانِ خَيْلِهِمْ، طَوِيلَةً بَوَادُّهُمْ [1] ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ بَنُو سُلَيْمٍ، وَلَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ، فَلَمَّا أَقْبَلُوا سَلَكُوا بَطْنَ الْوَادِي. ثُمَّ طَلَعَتْ خَيْلٌ أُخْرَى تَتْبَعُهَا، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَاذَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: نَرَى قَوْمًا عَارِضِي [2] رِمَاحِهِمْ، أَغْفَالًا [3] عَلَى خَيْلِهِمْ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، وَلَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ. فَلَمَّا انْتَهَوْا إلَى أَصْلِ الثَّنِيَّةِ سَلَكُوا طَرِيقَ بَنِي سُلَيْمٍ. ثُمَّ طَلَعَ فَارِسٌ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَاذَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: نَرَى فَارِسًا طَوِيلَ الْبَادِّ، وَاضِعًا رُمْحَهُ عَلَى عَاتِقِهِ [4] ، عَاصِبًا رَأْسَهُ بِمُلَاءَةِ [5] حَمْرَاءَ فَقَالَ هَذَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَأَحْلِفُ بِاللَّاتِ لَيُخَالِطَنَّكُمْ، فَاثْبُتُوا لَهُ. فَلَمَّا انْتَهَى الزُّبَيْرُ إلَى أَصْلِ الثَّنِيَّةِ أَبْصَرَ الْقَوْمَ، فَصَمَدَ لَهُمْ [6] ، فَلَمْ يَزَلْ يُطَاعِنُهُمْ حَتَّى أَزَاحَهُمْ [7] عَنْهَا. (شِعْرُ سَلَمَةَ فِي فِرَارِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ دُرَيْدٍ وَهُوَ يَسُوقُ بِامْرَأَتِهِ حَتَّى أَعْجَزَهُمْ: نَسَّيْتِنِي مَا كُنْتِ غَيْرَ مُصَابَةٍ ... وَلَقَدْ عَرَفْتِ غَدَاةَ نَعْفِ الْأَظْرُبِ [8] أَنِّي مَنَعْتُكِ وَالرُّكُوبُ مُحَبَّبٌ ... وَمَشَيْتُ خَلْفَكِ مِثْلَ مَشْيِ الْأَنْكَبِ [9]

_ [1] البواد: جمع الباد، وَهُوَ بَاطِن الْفَخْذ. [2] عارضى رماحهم: أَي واضعيها بِالْعرضِ وَهُوَ كِنَايَة عَن عدم مبالاتهم أعداءهم. [3] أغفالا: جمع غفل، وَهُوَ الّذي لَا عَلامَة لَهُ. يُرِيد أَنهم لم يعلمُوا أنفسهم بِشَيْء يعْرفُونَ بِهِ. [4] العاتق: مَا بَين الْمنْكب والعنق. [5] الملاءة الملحفة صَغِيرَة كَانَت أَو كَبِيرَة. [6] صَمد: قصد. [7] أزاحهم عَنْهَا: أزالهم عَنْهَا ونحاهم. [8] النعف: أَسْفَل الْجَبَل. والأظرب: مَوضِع. وَيحْتَمل أَن يكون جمع ظرب، وَهُوَ الْجَبَل الصَّغِير [9] الأنكب: المائل إِلَى جِهَة.

(بقية حديث مقتل أبى عامر) :

إذْ فَرَّ كُلُّ مُهَذَّبٍ ذِي لِمَّةٍ ... عَنْ أُمِّهِ وَخَلِيلِهِ لَمْ يَعْقِبِ [1] (بَقِيَّةُ حَدِيثِ مَقْتَلِ أَبِي عَامِرٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ، وَحَدِيثُهُ: أَنَّ أَبَا عَامِرٍ الْأَشْعَرِيَّ لَقِيَ يَوْمَ أَوْطَاسٍ عَشَرَةَ إخْوَةٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمْ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو عَامِرٍ وَهُوَ يَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَيَقُولُ: اللَّهمّ اشْهَدْ عَلَيْهِ، فَقَتَلَهُ أَبُو عَامِرٍ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَيْهِ آخَرُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو عَامِرٍ، وَهُوَ يَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَيَقُولُ: اللَّهمّ اشْهَدْ عَلَيْهِ، فَقَتَلَهُ أَبُو عَامِرٍ: ثُمَّ جَعَلُوا يَحْمِلُونَ عَلَيْهِ رَجُلًا رَجُلًا، وَيَحْمِلُ أَبُو عَامر وَهُوَ يَقُول ذَلِكَ، حَتَّى قَتَلَ تِسْعَةً، وَبَقِيَ الْعَاشِرُ، فَحَمَلَ عَلَى أَبِي عَامِرٍ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو عَامِرٍ، وَهُوَ يَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَيَقُولُ: اللَّهمّ اشْهَدْ عَلَيْهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: اللَّهمّ لَا تَشْهَدْ عَلَيَّ، فَكَفَّ عَنْهُ أَبُو عَامِرٍ، فَأَفْلَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدُ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَآهُ قَالَ: هَذَا شَرِيدُ أَبِي عَامِرٍ. وَرَمَى أَبَا عَامِرٍ أَخَوَانِ: الْعَلَاءُ وَأَوْفَى ابْنَا الْحَارِثِ، مِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا قَلْبَهُ، وَالْآخَرُ رُكْبَتَهُ، فَقَتَلَاهُ. وَوَلِيَ النَّاسَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَحَمَلَ عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ يَرْثِيهِمَا: إنَّ الرَّزِيَّةَ قَتْلُ الْعَلَاءِ ... وَأَوْفَى جَمِيعًا وَلَمْ يُسْنَدَا [2] هُمَا الْقَاتِلَانِ أَبَا عَامِرٍ ... وَقَدْ كَانَ ذَا هَبَّةٍ [3] أَرْبَدَا [4] هُمَا تَرَكَاهُ لَدَى مَعْرَكٍ ... كَأَنَّ عَلَى عِطْفِهِ مُجْسَدَا [5] فَلَمْ تَرَ فِي النَّاسِ مِثْلَيْهِمَا ... أَقَلَّ عِثَارًا وَأَرْمَى يَدَا (نَهْيُ الرَّسُولِ عَنْ قَتْلِ الضُّعَفَاءِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ

_ [1] الْمُهَذّب: الْخَالِص من الْعُيُوب، والمهذب (أَيْضا) : المسرع، من التَّهْذِيب فِي السّير، وَهُوَ الْإِسْرَاع. وخليله: صَاحبه. وَلم يعقب: لم يرجع. [2] لم يسندا: أَي لم يدركا وَبِهِمَا رَمق، فيسندا إِلَى مَا يمسكهما. [3] كَذَا فِي أ: وذاهبة: يعْنى سَيْفا ذَا هبة، وَهبة السَّيْف: اهتزازه، وَفِي م، ر «داهية» . [4] الأربد: الّذي فِيهِ ربد، أَي طرائق من جَوْهَر. [5] المعرك: مَوضِع الْحَرْب. والمجسد: الثَّوْب الْمَصْبُوغ بالجساد، وَهُوَ الزَّعْفَرَان.

(شأن بجاد والشيماء) :

يَوْمَئِذٍ بِامْرَأَةِ وَقَدْ قَتَلَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَالنَّاسُ مُتَقَصِّفُونَ [1] عَلَيْهَا فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: امْرَأَةٌ قَتَلَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَعْضِ مَنْ مَعَهُ: أَدْرِكْ خَالِدًا، فَقُلْ لَهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَنْهَاكَ أَنْ تَقْتُلَ وَلِيدًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ عَسِيفًا [2] (شَأْنُ بِجَادٍ وَالشَّيْمَاءِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ، وَحَدَّثَنِي بَعْضُ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَئِذٍ: إنْ قَدَرْتُمْ عَلَى بِجَادٍ، رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَلَا يُفْلِتَنَّكُمْ، وَكَانَ قَدْ أَحْدَثَ حَدَثًا، فَلَمَّا ظَفِرَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ سَاقُوهُ وَأَهْلَهُ، وَسَاقُوا مَعَهُ الشَّيْمَاءَ، بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى أُخْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَعَنُفُوا عَلَيْهَا فِي السِّيَاقِ، فَقَالَتْ لِلْمُسْلِمِينَ: تَعَلَمُوا وَاَللَّهِ أَنِّي لَأُخْتُ صَاحِبِكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَلَمْ يُصَدِّقُوهَا حَتَّى أَتَوْا بِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ السَّعْدِيُّ، قَالَ: فَلَمَّا اُنْتُهِيَ بِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أُخْتُكَ مِنْ الرَّضَاعَةِ، قَالَ: وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: عَضَّةٌ عَضَضْتَنِيهَا فِي ظَهْرِي وَأَنَا مُتَوَرِّكَتُكَ [3] ، قَالَ: فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَلَامَةَ، فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ، فَأَجْلَسَهَا عَلَيْهِ، وخيَّرها، وَقَالَ: إنْ أَحْبَبْتِ فَعِنْدِي مُحَبَّةٌ مُكْرَمَةٌ، وَإِنْ أَحْبَبْت أَن أمعّك [4] وَتَرْجِعِي إلَى قَوْمِكَ فَعَلْتُ، فَقَالَتْ: بَلْ تُمَتِّعُنِي وَتَرُدُّنِي إلَى قَوْمِي. فَمَتَّعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَدَّهَا إلَى قَوْمِهَا. فَزَعَمَتْ بَنُو سَعْدٍ أَنَّهُ أَعْطَاهَا غُلَامًا لَهُ يُقَالُ لَهُ مَكْحُولٌ، وَجَارِيَةً، فَزَوَّجَتْ أَحَدَهُمَا الْأُخْرَى، فَلَمْ يَزَلْ فِيهِمْ مِنْ نَسْلِهِمَا بَقِيَّةٌ.

_ [1] مزدحمون منقصمون. ويروى: منقصفون (بالنُّون) وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. [2] الْأَجِير، وَالْعَبْد الْمُسْتَعَان بِهِ. [3] متوركتك: حاملتك على وركي. [4] أمتعك: أَي أُعْطِيك مَا يكون بِهِ الإمتاع، أَي الِانْتِفَاع.

(تسمية من استشهد يوم حنين) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ 9: 25 ... إلَى قَوْلِهِ وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ 9: 26. (تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. مِنْ قُرَيْشٍ ثُمَّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ: أَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ. وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى: يَزِيدُ بْنُ زَمَعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، جَمَحَ بِهِ فَرَسٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ الْجَنَاحُ، فَقُتِلَ. وَمِنْ الْأَنْصَارِ: سُرَاقَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيٍّ، مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ. وَمِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ: أَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِيُّ. (جَمْعُ سَبَايَا حُنَيْنٍ) : ثُمَّ جُمِعَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَايَا حُنَيْنٍ وَأَمْوَالُهَا، وَكَانَ عَلَى الْمَغَانِمِ مَسْعُودُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّبَايَا وَالْأَمْوَالِ إلَى الْجِعْرَانَةِ، فَحُبِسَتْ بِهَا. (شِعْرُ بُجَيْرٍ يَوْمَ حُنَيْنٍ) : وَقَالَ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ: لَوْلَا الْإِلَهُ وَعَبْدُهُ وَلَّيْتُمْ ... حِينَ اسْتَخَفَّ الرُّعْبُ كُلَّ جَبَانِ [1] بِالْجِزْعِ يَوْمَ حَبَا لَنَا أَقْرَانُنَا ... وَسَوَابِحٌ يَكْبُونَ لِلْأَذْقَانِ [2] مِنْ بَيْنِ سَاعٍ ثَوْبُهُ فِي كَفِّهِ ... وَمُقَطَّرٍ بِسَنَابِكِ وَلَبَانِ [3] وَاَللَّهُ أَكْرَمَنَا وَأَظْهَرَ دِينَنَا ... وَأَعَزَّنَا بِعِبَادَةِ الرَّحْمَنِ وَاَللَّهُ أَهْلَكَهُمْ وَفَرَّقَ جَمْعَهُمْ ... وَأَذَلَّهُمْ بِعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ

_ [1] ويروى: «جنان» والجنان: الْقلب. [2] الْجزع: مَا انعطف من الْوَادي. وخبا: اعْترض. والسوابح: خيل كَأَنَّهَا تسبح فِي جريها، أَي تعوم. ويكبون: يسقطن. [3] مقطر: مرمى على قطره، وَهُوَ جنبه. والسنابك: جمع سنبك، وَهُوَ طرف مقدم الْحَافِر. واللبان (بِفَتْح اللَّام) : الصَّدْر.

(شعر لعباس بن مرداس في يوم حنين) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيَرْوِي فِيهَا بَعْضُ الرُّوَاةِ: إذْ قَامَ عَمُّ نَبِيِّكُمْ وَوَلِيُّهُ ... يَدْعُونَ: يَا لَكَتِيبَةِ الْإِيمَانِ أَيْنَ الَّذِينَ هُمْ أَجَابُوا رَبَّهُمْ ... يَوْمَ الْعُرَيْضِ وَبَيْعَةِ الرِّضْوَانِ [1] (شِعْرٌ لِعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ: إنِّي وَالسَّوَابِحَ يَوْمَ جَمْعٍ ... وَمَا يَتْلُو الرَّسُولُ مِنْ الْكِتَابِ لَقَدْ أَحْبَبْتُ مَا لَقِيَتْ ثَقِيفٌ ... بِجَنْبِ الشِّعْبِ أَمْسِ مِنْ الْعَذَابِ هُمْ رَأْسُ الْعَدُوِّ مِنْ اهْلِ نَجْدٍ ... فَقَتْلُهُمْ أَلَذُّ مْنَ الشَّرَابِ هَزَمْنَا الْجَمْعَ جَمْعَ بَنِي قَسِيٍّ ... وَحَكَّتْ بَرْكَهَا بِبَنِي رِئَابِ [2] وَصِرْمًا مِنْ هِلَالٍ غَادَرَتْهُمْ ... بِأَوْطَاسٍ تُعَفَّرُ بِالتُّرَابِ [3] وَلَوْ لَاقَيْنَ جَمْعَ بَنِي كِلَابٍ ... لَقَامَ نِسَاؤُهُمْ وَالنَّقْعُ كَابِي رَكَضْنَا الْخَيْلَ فِيهِمْ بَيْنَ بُسٍّ ... إلَى الْأَوْرَالِ تنحط بالنّهاب [4] بزِي لَجَبٍ رَسُولُ اللَّهِ فِيهِمْ ... كَتِيبَتُهُ تَعَرَّضُ لِلضِّرَابِ [5] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «تُعَفَّرُ بِالتُّرَابِ» : عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. (شِعْرُ ابْنِ عُفَيِّفٍ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ مِرْدَاسٍ) : فَأَجَابَهُ عَطِيَّةُ بْنُ عُفَيِّفٍ [6] النَّصْرِيُّ، فِيمَا حَدَّثَنَا ابْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ: أَفَاخِرَةٌ رِفَاعَةُ فِي حُنَيْنٍ ... وَعَبَّاسُ بْنُ رَاضِعَةِ اللِّجَابِ [7]

_ [1] العريض: وَاد بِالْمَدِينَةِ. [2] جمع: هِيَ مُزْدَلِفَة، وَهِي الْمشعر الْحَرَام أَيْضا. والبرك: الصَّدْر، وَيُرِيد بحك الْحَرْب بركها: شدَّة وطأتها. [3] الصرم: جمَاعَة بيُوت انْقَطَعت عَن الْحَيّ الْكَبِير. وأوطاس: مَوضِع. [4] بس: مَوضِع فِي أَرض بنى جشم. والأورال: أجبل ثَلَاثَة سود، حذاءهن ماءة لبني عبد الله ابْن دارم. وتنحط.: تخرج أنفاسها عالية. والنهاب: جمع نهب، وَهُوَ مَا ينتهب ويغنم. [5] بِذِي لجب: بِجَيْش كثير الْأَصْوَات. [6] روى بِفَتْح الْعين وَبِضَمِّهَا مَعَ تَخْفيف الْيَاء، وبالضم مَعَ التَّشْدِيد قَيده الدَّار قطنى. [7] اللجاب: جمع لجبة، وَهِي الشَّاة القليلة اللَّبن. وَقيل: هِيَ العنز خَاصَّة.

(شعر آخر لعباس بن مرداس) :

فَانَّكَ وَالْفِجَارَ كَذَاتِ مِرْطٍ ... لِرَبَّتِهَا وَتَرْفُلُ فِي الْإِهَابِ [1] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ عَطِيَّةُ بْنُ عُفَيِّفٍ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ لَمَّا أَكْثَرَ عَبَّاسٌ عَلَى هَوَازِنَ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ. وَرِفَاعَةُ مِنْ جُهَيْنَةَ. (شِعْرٌ آخَرُ لِعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا: يَا خَاتَمُ النُّبَآءِ إنَّكَ مُرْسَلٌ ... بِالْحَقِّ كُلُّ هُدَى السَّبِيلِ هُدَاكَا إنَّ الْإِلَهَ بَنَى عَلَيْكَ مَحَبَّةً ... فِي خَلْقِهِ وَمُحَمَّدًا سَمَّاكَا ثُمَّ الَّذِينَ وَفَوْا بِمَا عَاهَدْتَهُمْ ... جُنْدٌ بَعَثْتَ عَلَيْهِمْ الضَّحَّاكَا رَجُلًا بِهِ ذَرَبُ السِّلَاحِ كَأَنَّهُ ... لَمَّا تَكَنَّفَهُ الْعَدُوُّ يَرَاكَا [2] يَغْشَى ذَوِي النَّسَبِ الْقَرِيبِ وَإِنَّمَا ... يَبْغِي رِضَا الرَّحْمَنِ ثُمَّ رِضَاكَا أُنْبِيكَ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَكَرَّهُ ... تَحْتَ الْعَجَاجَةِ يَدْمَغُ الْإِشْرَاكَا [3] طَوْرًا يُعَانِقُ بِالْيَدَيْنِ وَتَارَةً ... يفرى الجماجم صَار مَا بَتَّاكَا [4] يَغْشَى بِهِ هَامَ الْكُمَاةِ وَلَوْ تَرَى ... مِنْهُ الَّذِي عَايَنْتُ كَانَ شِفَاكَا [5] وَبَنُو سُلَيْمٍ مُعْنِقُونَ أَمَامَهُ ... ضَرْبًا وَطَعْنًا فِي الْعَدُوِّ دِرَاكًا [6] يَمْشُونَ تَحْتَ لِوَائِهِ وَكَأَنَّهُمْ ... أُسْدُ الْعَرِينِ أَرَدْنَ ثَمَّ عِرَاكَا [7] مَا يَرْتَجُونَ مِنْ الْقَرِيبِ قَرَابَةً ... إلَّا لِطَاعَةِ رَبِّهِمْ وَهَوَاكَا هَذِي مَشَاهِدُنَا الَّتِي كَانَتْ لَنَا ... مَعْرُوفَةً وَوَلِيُّنَا مَوْلَاكَا

_ [1] الْفجار: الْمُفَاخَرَة. والمرط: كسَاء غير مخيط من خَز أَو صوف أَو كتَّان. وترفل: تمشى متبخترة، والإهاب: الْجلد، وَيُرِيد بِهِ الثَّوْب. [2] ذرب السِّلَاح: حِدته ومضاؤه، وَمِنْه يُقَال: فلَان ذرب اللِّسَان، إِذا كَانَ حاد اللِّسَان. [3] الْعَجَاجَة: الْغُبَار الْمُنْتَشِر. ويدمغ يقهر ويذل، وَهُوَ من الضَّرْب على الدِّمَاغ. [4] يفرى: يقطع. ويروى «يقرى» بِالْقَافِ، أَي يقدم الجماجم قرى لسيفه. وبتاك: قَاطع. [5] هَذَا الْبَيْت سَاقِط فِي أ. والهام: الرُّءُوس. والكماة: جمع كمي، وَهُوَ الشجاع الْمُسْتَتر فِي سلاحه. [6] معنقون: مسرعون. يُقَال: أعنق يعنق: إِذا أسْرع. ودراك: متتابع. [7] العرين: مَوضِع الْأسد. والعراك: المدافعة فِي الْحَرْب.

وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا: إمَّا تَرَيْ يَا أُمَّ فَرْوَةَ خَيْلَنَا ... مِنْهَا مُعَطَّلَةٌ تُقَادُ وظُلَّعُ [1] أَوْهَى مُقَارَعَةُ الْأَعَادِي دَمَّهَا ... فِيهَا نَوَافِذُ مِنْ جِرَاحٍ تَنْبَعُ [2] فَلَرُبَّ قَائِلَةٍ كَفَاهَا وَقْعُنَا ... أزم الحروب فسر بهَا لَا يُفْزَعُ [3] لَا وَفْدَ كَالْوَفْدِ الْأُلَى عَقَدُوا لَنَا ... سَبَبًا بِحَبْلِ مُحَمَّدٍ لَا يُقْطَعُ وَفْدٌ أَبُو قَطَنٍ حُزَابَةُ مِنْهُمْ ... وَأَبُو الْغُيُوثِ وَوَاسِعٌ وَالْمقنع والقائد الْمِائَة الَّتِي وَفَّى بِهَا ... تِسْعَ الْمِئِينَ فَتَمَّ [4] أَلْفٌ أَقْرَعُ [5] جَمَعَتْ بَنُو عَوْفٍ وَرَهْطُ مُخَاشِنٍ ... سِتًّا وَأَحْلُبُ [6] مِنْ خُفَافٍ أَرْبَعُ [7] فَهُنَاكَ إذْ نُصِرَ النَّبِيُّ بِأَلْفِنَا ... عَقَدَ النَّبِيُّ لَنَا لِوَاءً يَلْمَعُ فُزْنَا بِرَايَتِهِ وَأَوْرَثَ عَقْدُهُ ... مَجْدَ الْحَيَاةِ وسُودَدًا لَا يُنْزَعُ وَغَدَاةَ نَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ جَنَاحُهُ ... بِبِطَاحِ مَكَّةَ وَالْقَنَا يَتَهَزَّعُ [8] كَانَتْ إجَابَتُنَا لِدَاعِي رَبِّنَا ... بِالْحَقِّ مِنَّا حَاسِرٌ وَمُقَنَّعُ [9] فِي كُلِّ سَابِغَةٍ تَخَيَّرَ سَرْدَهَا ... دَاوُدُ إذْ نَسَجَ الْحَدِيدَ وَتُبَّعُ [10] وَلَنَا عَلَى بِئْرَيْ حُنَيْنٍ مَوْكِبٌ ... دَمَغَ النِّفَاقَ وَهَضْبَةٌ مَا تُقْلَعُ [11]

_ [1] كَذَا فِي م، ر. والظلع: العرج. وَفِي أ «ضلع» بالضاد، والظلع والضلع بِمَعْنى. [2] أَو هِيَ: أَضْعَف. ودمها (بِالدَّال) : تسويتها بالعلف والصنعة لَهَا حَتَّى اسْتَوَى لَحمهَا، يُقَال: دممت الأَرْض، إِذا سويتها. وروى «رمها» (بالراء) ، وَالْمعْنَى على الرِّوَايَتَيْنِ وَاحِد. وتنبع: تسيل بِالدَّمِ. [3] أزم الحروب: شدتها. وسربها: أَي نَفسهَا، وَقيل أَهلهَا. [4] كَذَا فِي م، ر. وَفِي أ «فثم» بالثاء الْمُثَلَّثَة. [5] ألف أَقرع: أَي تَامّ لَا ينقص مِنْهُ شَيْء. [6] كَذَا فِي م، ر. و «أحلب» بِالْحَاء الْمُهْملَة: جمع. وَفِي أ: «أجلب» بِالْجِيم، وَهِي بمعناها، إِلَّا أَن الإجلاب جمع مَعَ حَرَكَة وَصَوت. [7] خفاف (بِضَم الْخَاء) : اسْم رجل تنْسب إِلَيْهِ الْقَبِيلَة. [8] يتهزع: مَعْنَاهُ يضطرب ويتحرك. وروى بالراء، وَمَعْنَاهُ: يسْرع إِلَى الطعْن، من قَوْلك: أهرعت إِذا أسرعت. [9] الحاسر الّذي لَا درع عَلَيْهِ. وَالْمقنع: الّذي على رَأسه مغفر. [10] السابغة: الدرْع الْكَامِلَة. وسردها: نسجها. وَتبع: ملك من مُلُوك الْيمن. [11] دمغ النِّفَاق: أَصَابَهُ فِي دماغه، وَهِي اسْتِعَارَة هُنَا. والهضبة: الرابية، يصف جَيْشه بالثبات وَالْقُوَّة فَلَا يزحزح عَن مَكَانَهُ.

نُصِرَ النَّبِيُّ بِنَا وَكُنَّا مَعْشَرًا ... فِي كُلِّ نَائِبَةٍ نَضُرُّ وَنَنْفَعُ ذُدْنَا [1] غَدَاتَئِذٍ هَوَازِنَ بِالْقَنَا ... وَالْخَيْلُ يَغْمُرُهَا عَجَاجٌ يَسْطَعُ [2] إذْ خَافَ حَدَّهُمْ النَّبِيُّ وَأَسْنَدُوا ... جَمْعًا تَكَادُ الشَّمْسُ مِنْهُ تَخْشَعُ [3] تُدْعَى بَنُو جُشَمٍ وَتُدْعَى وَسْطَهُ ... أَفْنَاءُ نَصْرٍ وَالْأَسِنَّةُ شُرَّعُ [4] حَتَّى إذَا قَالَ الرَّسُولُ مُحَمَّدٌ ... أَبَنِي سُلَيْمٍ قَدْ وَفَيْتُمْ فَارْفَعُوا [5] رُحْنَا وَلَوْلَا نَحْنُ أَجْحَفَ بَأْسُهُمْ ... بِالْمُؤْمِنِينَ وَأَحْرَزُوا ماَ جَمَّعُوا [6] وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ: عَفَا مِجْدَلٌ مِنْ أَهْلِهِ فَمُتَالِعُ ... فَمِطْلَا أَرِيكٍ قَدْ خَلَا فَالْمَصَانِعُ [7] دِيَارٌ لَنَا يَا جُمْلُ إذْ جُلُّ عَيْشِنَا ... رَخِيٌّ وَصَرْفُ الدَّارِ لِلْحَيِّ جَامِعُ [8] حُبَيِّبَةٌ أَلْوَتْ بِهَا غُرْبَةُ النَّوَى ... لِبَيْنِ فَهَلْ مَاضٍ مِنْ الْعَيْشِ رَاجِعُ [9] فَإِنْ تَبْتَغِي الْكُفَّارَ غَيْرَ مَلُومَةٍ ... فَإِنِّي وَزِيرٌ لِلنَّبِيِّ وَتَابِعُ دَعَانَا إلَيْهِمْ خَيْرُ وَفْدٍ عَلِمْتُهُمْ ... خُزَيْمَةُ وَالْمَرَّارُ مِنْهُمْ وَوَاسِعُ فَجِئْنَا بِأَلْفِ مِنْ سُلَيْمٍ عَلَيْهِمْ ... لَبُوسٌ لَهُمْ مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ رَائِعُ [10] نُبَايِعُهُ بِالْأَخْشَبَيْنِ وَإِنَّمَا ... يَدَ اللَّهِ بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ نُبَايِعُ [11]

_ [1] كَذَا فِي أ. وذدنا: دافعنا. وَفِي م، ر: «زرنا» . [2] العجاج: الْغُبَار: ويسطع: يَعْلُو ويتفرق. [3] تخشع: ينقص ضياؤها. [4] الأفناء (بِالْفَاءِ) : جمَاعَة مجتمعة من قبائل شَتَّى. وَشرع: مائلة إِلَى الطعْن. [5] ارْفَعُوا: أَي كفوا أَيْدِيكُم عَن الْقَتْل، ويروى: اربعوا (بِالْبَاء) وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. [6] أجحف: نقص وأضر. وأحرزوا مَا جمعُوا: اجتووه. [7] عَفا: درس وَتغَير. ومجدل: مَوضِع، وأصل المجدل: الْقصر، وَيُقَال: الْحصن. ومتالع: جبل بِنَجْد. والمطلاء (بِكَسْر الْمِيم، يمد وَيقصر) : أَي أَرض سهلة لينَة تنْبت الْعضَاة. (رَاجع اللِّسَان مَادَّة: طلى) . وأريك: مَوضِع. والمصانع: مَوَاضِع تصنع للْمَاء مثل الصهاريج. [8] جمل: اسْم امْرَأَة. وَجل الْعَيْش: أَكْثَره. وعيش رخي: ناعم. وَصرف الدَّار: الْخطب النَّازِل بهَا. [9] كَذَا فِي م، ر. وَهُوَ تَصْغِير حَبِيبَة، وَفِي أ: «حبيبية» وَهُوَ تَصْغِير ترخيم مَعَ النّسَب إِلَى بنى حبيب. وألوت بهَا: غيرتها. والنوى: الْبعد والفراق. [10] رائع: معجب. [11] الأخشبان: جبلان بِمَكَّة.

فَجُسْنَا مَعَ الْمَهْدِيِّ مَكَّةَ عَنْوَةً ... بِأَسْيَافِنَا وَالنَّقْعُ كَابٍ وَسَاطِعُ [1] عَدَنِيَّةً وَالْخَيْلُ يَغْشَى مُتُونَهَا ... حَمِيمٌ وَآنٍ مِنْ دَمِ الْجَوْفِ نَاقِعُ [2] وَيَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ سَارَتْ هَوَازِنُ ... إلَيْنَا وَضَاقَتْ بِالنُّفُوسِ الْأَضَالِعُ صَبَرْنَا مَعَ الضَّحَّاكِ لَا يَسْتَفِزُّنَا ... قِرَاعُ الْأَعَادِي مِنْهُمْ وَالْوَقَائِعُ [3] أَمَامَ رَسُولِ اللَّهِ يَخْفِقُ فَوْقَنَا ... لِوَاءٌ كَخُذْرُوفِ السَّحَابَةِ لَامِعُ [4] عَشِيَّةَ ضَحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ مُعْتَصٍ ... بِسَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ وَالْمَوْتُ كَانِعُ [5] نَذُودُ أَخَانَا عَنْ أَخِينَا وَلَوْ نَرَى ... مَصَالًا لَكُنَّا الْأَقْرَبِينَ نُتَابِعُ [6] وَلَكِنَّ دِينَ اللَّهِ دِينُ مُحَمَّدٍ ... رَضِينَا بِهِ فِيهِ الْهُدَى وَالشَّرَائِعُ أَقَامَ بِهِ بَعْدَ الضَّلَالَةِ أَمْرَنَا ... وَلَيْسَ لِأَمْرٍ حَمَّهُ اللَّهُ دَافِعُ [7] وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ: تَقَطَّعَ بَاقِي وَصْلِ أُمِّ مُؤَمَّلٍ ... بِعَاقِبَةِ وَاسْتَبْدَلَتْ نِيَّةً خُلْفَا [8] وَقَدْ حَلَفَتْ باللَّه لَا تَقْطَعُ الْقُوَى ... فَمَا صَدَقَتْ فِيهِ وَلَا بَرَّتْ الْحَلْفَا [9]

_ [1] جسنا: وطئنا. وَالْمهْدِي: النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعنوة: قهرا. وَالنَّقْع: الْغُبَار. وكاب: مُرْتَفع، وساطع: متفرق. [2] متونها: ظُهُورهَا. وَالْحَمِيم (هُنَا) : الْعرق. وآن: حَار. وَنَافِع: كثير. [3] لَا يستفزنا: لَا يستخفا. [4] خذروف السحابة: طرفها. وَأَرَادَ بِهِ هُنَا سرعَة تحرّك هَذَا اللِّوَاء واضطرابه. [5] معتص: ضَارب. يُقَال: اعتصوا بِالسُّيُوفِ: إِذا ضاربوا بهَا. وكانع: دَان، يُقَال: كنع مِنْهُ الْمَوْت، إِذا دنا. [6] نذود: ندفع. وأخانا عَن أخينا: يُرِيد أَنه من بنى سليم، وسليم من قيس، كَمَا أَن هوَازن من قيس، كِلَاهُمَا ابْن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن خصفة بن قيس، فَمَعْنَى الْبَيْت: نُقَاتِل إخوتنا هوَازن، ونذودهم عَن إخوتنا من سليم، وَلَو نرى فِي حكم الدَّين مصالا وتطاولا على النَّاس، لَكنا مَعَ الْأَقْرَبين هوَازن. [7] حمه الله: قدره. [8] النِّيَّة: مَا ينويه الْإِنْسَان من وَجه ويقصده. وخلفا (بِضَم الْخَاء) : من خلف الْوَعْد وَمن رَوَاهُ (بِفَتْح الْخَاء) ، فَهُوَ من الْمُخَالفَة. وَقَالَ السهيليّ: «النِّيَّة من النَّوَى، وَهُوَ الْبعد، وخلفا: يجوز أَن يكون مَفْعُولا من أَجله، أَي فعلت ذَلِك من أجل الْخلف، وَيجوز أَن يكون مصدرا مؤكدا للاستبدال، لِأَن استبدالها خلف مِنْهَا لما وعدته بِهِ. ويقوى هَذَا الْبَيْت الْبَيْت الّذي بعده» . [9] القوى هُنَا: قوى الْحَبل، وَالْحَبل (هُنَا) : هُوَ الْعَهْد. وَالْحلف: الْيَمين وَالْقسم.

خُفَافِيَّةٌ بَطْنُ الْعَقِيقِ مَصِيفُهَا ... وَتَحْتَلُّ فِي الْبَادِينَ وَجْرَةَ فَالْعُرْفَا [1] فَإِنْ تَتْبَعْ الْكُفَّارَ أُمُّ مُؤَمَّلٍ ... فَقَدْ زَوَّدَتْ قَلْبِي عَلَى نَأْيِهَا شَغْفَا [2] وَسَوْفَ يُنَبِّيهَا الْخَبِيرُ بِأَنَّنَا ... أَبَيْنَا وَلَمْ نَطْلُبْ سِوَى رَبِّنَا حِلْفَا [3] وَأَنَّا مَعَ الْهَادِي النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ... وَفَيْنَا وَلَمْ يَسْتَوْفِهَا مَعْشَرٌ أَلْفَا بِفِتْيَانِ صِدْقٍ مِنْ سُلَيْمٍ أَعِزَّةٍ ... أَطَاعُوا فَمَا يَعْصُونَ مِنْ أَمْرِهِ حَرْفَا خُفَافٌ وذَكْوَانٌ وَعَوْفٌ تَخَالُهُمْ ... مَصَاعِبَ زَافَتْ فِي طَرُوقَتِهَا كُلْفَا [4] كَأَنَّ النَّسِيجَ الشُهْبَ وَالْبِيضَ مُلْبَسٌ ... أُسُودًا تَلَاقَتْ فِي مَرَاصِدِهَا غُضْفَا [5] بِنَا عَزَّ دِينُ اللَّهِ غَيْرَ تَنَحُّلٍ ... وَزِدْنَا عَلَى الْحَيِّ الَّذِي مَعَهُ ضِعْفَا [6] بِمَكَّةَ إذْ جِئْنَا كَأَنَّ لِوَاءَنَا ... عُقَابٌ أَرَادَتْ بَعْدَ تَحْلِيقِهَا خَطْفَا عَلَى شُخَّصِ الْأَبْصَارِ تَحْسِبُ بَيْنَهَا ... إذَا هِيَ جَالَتْ فِي مَرَاوِدِهَا عَزْفَا [7] غَدَاةَ وَطِئْنَا الْمُشْرِكِينَ وَلَمْ نَجِدْ ... لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ عَدْلًا وَلَا صَرْفَا [8] بِمُعْتَرَكٍ لَا يَسْمَعُ الْقَوْمُ وَسْطَهُ ... لَنَا زَجْمَةٌ إلَّا التَّذَامُرَ وَالنَّقْفَا [9]

_ [1] خفافية: نِسْبَة إِلَى بنى خفاف، حَيّ من سليم. والعقيق: وَاد بالحجاز. ووجرة وَالْعرْف: موضعان. [2] كَذَا فِي م، ر. والشغف (بالغين) الْمُعْجَمَة: أَن يبلغ الْحبّ شغَاف الْقلب، وَهُوَ حجابه. وَفِي أ: «شعفا» بِالْعينِ الْمُهْملَة، وَمَعْنَاهُ أَن يحرق الْحبّ الْقلب مَعَ لَذَّة يجدهَا الْمُحب. [3] الْحلف: المحالفة، وَهُوَ أَن يحالف الْقَبِيل على أَن يَكُونُوا يدا وَاحِدَة فِي جمع أُمُورهم. [4] مصاعب: جمع مُصعب، وَهُوَ الْفَحْل. وزافت: مشت. والطروقة: النوق الَّتِي يطرقها الْفَحْل. وكلف: سود، الْوَاحِد: أكلف. [5] النسيج: الدروع. والشهب: جمع شهباء، وَهِي الَّتِي يخالط بياضها حمرَة. ومراصدها: حَيْثُ يرصد بَعْضهَا بَعْضًا، وغضف: مسترخية الآذان. [6] غير تنْحَل: غير كذب. [7] شخص: جمع شاخص، وَهُوَ الّذي يفتح عينه وَلَا يطرف. والمراود: جمع مرود، وَهُوَ الوتد، قَالَ السهيليّ: «وَيجوز أَن يكون جمع مُرَاد، وَهُوَ حَيْثُ ترود الْخَيل، أَي تذْهب وتجيء» والعزف: الصَّوْت وَالْحَرَكَة. [8] الْعدْل: الْفِدْيَة وَالصرْف: التَّوْبَة. [9] المعترك: مَوضِع الْحَرْب. وزجمة: أَي صَوت. والتذامر: أَن يحض بَعضهم بَعْضًا على الْقِتَال. والنقف: كسر الرُّءُوس، وَمِنْه ناقف الحنظلة، وَهُوَ كاسرها ومستخرج مَا فِيهَا. 30- سيرة ابْن هِشَام- 2

بِبِيضٍ نُطِيرُ الْهَامَ عَنْ مُسْتَقَرِّهَا ... وَنَقْطِفُ أَعْنَاقَ الْكُمَاةِ بِهَا قَطْفَا [1] فَكَائِنْ تَرَكْنَا مِنْ قَتِيلٍ مُلَحَّبٍ ... وَأَرْمَلَةٍ تَدْعُو عَلَى بَعْلِهَا لَهْفَا [2] رِضَا اللَّهِ نَنْوِي لَا رِضَا النَّاسِ نَبْتَغِي ... وللَّه مَا يَبْدُو جَمِيعًا وَمَا يَخْفَى وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا: مَا بَالُ عَيْنِكَ فِيهَا عَائِرٌ سَهِرٌ ... مِثْلُ الْحَمَاطَةِ أَغْضَى فَوْقَهَا الشُّفُرُ [3] عَيْنٌ تَأَوَّبَهَا مِنْ شَجْوِهَا أَرَقٌ ... فَالْمَاءُ يَغْمُرُهَا طَوْرًا وَيَنْحَدِرُ [4] كَأَنَّهُ نَظْمُ دُرٍّ عِنْدَ نَاظِمَةٍ ... تَقَطَّعُ السِّلْكُ مِنْهُ فَهُوَ منتثر [5] يَا بُعْدَ مَنْزِلِ مَنْ تَرْجُو مَوَدَّتَهُ ... وَمَنْ أَتَى دُونَهُ الصَّمَّانُ فَالْحَفَرُ [6] دَعْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَهْدِ الشَّبَابِ فَقَدْ ... وَلَّى الشَّبَابُ وَزَارَ الشَّيْبُ وَالزَّعَرُ [7] وَاذْكُرْ بَلَاءَ سُلَيْمٍ فِي مَوَاطِنِهَا ... وَفِي سُلَيْمٍ لِأَهْلِ الْفَخْرِ مُفْتَخَرُ قَوْمٌ هُمْ نَصَرُوا الرَّحْمَنَ وَاتَّبَعُوا ... دِينَ الرَّسُولِ وَأَمْرُ النَّاسِ مُشْتَجِرُ [8] لَا يَغْرِسُونَ فَسِيلَ النَّخْلِ وَسْطَهُمْ ... وَلَا تَخَاوَرُ فِي مَشْتَاهُمْ الْبَقَرُ [9] إلَّا سَوَابِحَ كَالْعِقْبَانِ مَقْرَبَةً ... فِي دَارَةٍ حَوْلَهَا الْأَخْطَارُ وَالْعَكَرُ [10]

_ [1] الْهَام: الرُّءُوس، الْوَاحِدَة: هَامة. ونقطف: نقطع. [2] ملحب: مقطع اللَّحْم. [3] العائر: كل مَا أعل الْعين من رمد أَو قذى يتنخس فِي الْعين كَأَنَّهُ يعورها، وسهر: من السهر، وَهُوَ امْتنَاع النّوم. وَجعله سهرا، وَإِنَّمَا السهر الرجل، لِأَنَّهُ لم يفتر عَنهُ، فَكَأَنَّهُ سهر وَلم ينم، والحماطة (فِي الأَصْل) : تبن الذّرة إِذا ذريت، وَله أكال فِي الْجلد، وَيُرِيد بِهِ مَا يَقع مِنْهُ فِي الْعين فتقذى بِهِ. وأغضى فَوْقهَا: أغمض جفْنه عَلَيْهَا. والشفر (أَصله بِسُكُون الْفَاء، وحركت بِالضَّمِّ إتباعا) : أصل منبت الشّعْر فِي الجفن. [4] تأوبها: جاءها مَعَ اللَّيْل. والشجو: الْحزن. وَالْمَاء: الدمع. ويغمرها: يغطيها. [5] السلك: الْخَيط الّذي ينظم فِيهِ، ومنتثر: متفرق. [6] الصمان والحفر: موضعان. [7] الزعر: قلَّة الشّعْر. [8] مشتجر: مُخْتَلف، من الاشتجار: وَهُوَ الِاخْتِلَاف وتداخل الْحجَج بَعْضهَا فِي بعض. [9] الفسيل: صغَار النّخل. وتخاور: من الخوار، وَهُوَ أصوات الْبَقر. يُرِيد أَنهم لَيْسُوا أهل زرع وتربية نعم، وَإِنَّمَا هم أهل حَرْب وانتقال. [10] السوابح (هُنَا) : الْخَيل الَّتِي كَأَنَّهَا تسبح فِي جريها. والعقبان: جمع عِقَاب. ومقربة (كَمَا

تُدْعَى خُفَافٌ وَعَوْفٌ فِي جَوَانِبِهَا ... وَحَيُّ ذَكْوَانَ لَا مِيلٌ وَلَا ضُجُرُ [1] الضَّارِبُونَ جُنُودَ الشِّرْكِ ضَاحِيَةً ... بِبَطْنِ مَكَّةَ وَالْأَرْوَاحُ تَبْتَدِرُ [2] حَتَّى دَفَعْنَا وَقَتْلَاهُمْ كَأَنَّهُمْ ... نَخْلٌ بِظَاهِرَةِ الْبَطْحَاءِ مُنْقَعِرُ [3] وَنَحْنُ يَوْمَ حُنَيْنٍ كَانَ مَشْهَدُنَا ... لِلدِّينِ عِزًّا وَعِنْدَ اللَّهِ مُدَّخَرُ إذْ نَرْكَبُ الْمَوْتَ مُخْضَرًّا بَطَائِنُهُ ... وَالْخَيْلُ يَنْجَابُ عَنْهَا سَاطِعٌ كَدِرُ [4] تَحْتَ اللِّوَاءِ مَعَ الضَّحَّاكِ يَقْدُمُنَا ... كَمَا مَشَى اللَّيْثُ فِي غَابَاتِهِ الْخَدِرُ [5] فِي مَأْزِقٍ مِنْ مَجَرِّ الْحَرْبِ كَلْكَلُهَا ... تَكَادُ تَأْفِلُ مِنْهُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ [6] وَقَدْ صَبَرْنَا بِأَوْطَاسٍ أَسِنَّتَنَا ... للَّه نَنْصُرُ مَنْ شِئْنَا وَنَنْتَصِرُ حَتَّى تَأَوَّبَ أَقْوَامٌ مَنَازِلَهُمْ ... لَوْلَا الْمَلِيكُ وَلَوْلَا نَحْنُ مَا صَدَرُوا [7] فَمَا تَرَى مَعْشَرًا قَلُّوا وَلَا كَثُرُوا ... إلَّا قَدَ اصْبَحَ مِنَّا فِيهِمْ أَثَرُ وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مرداس أَيْضا: يَا أيّها الرَّجُلُ الَّذِي تَهْوِي بِهِ ... وَجْنَاءُ مُجْمَرَةُ الْمَنَاسِمِ عِرْمِسُ [8] إمَّا أَتَيْتَ عَلَى النَّبِيِّ فَقُلْ لَهُ ... حَقًّا عَلْيَكَ إذَا اطْمَأَنَّ الْمَجْلِسُ يَا خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطِيَّ وَمَنْ مَشَى ... فَوْقَ التُّرَابِ إذَا تُعَدُّ الْأَنْفُسُ

_ [ () ] فِي م، ر) : قريبَة من الْبيُوت، لركوبها إِذا حدث مَا يَدْعُو إِلَى النجدة وَنَحْوهَا: وَفِي أ: «مقرنة» . والدارة: كل مَا أحَاط بِشَيْء. والأخطار: الْجَمَاعَات من الْإِبِل. والعكر: الْإِبِل الْكَثِيرَة. [1] خفاف، وعَوْف، وذكوان: قبائل. والميل: جمع أميل، وَهُوَ الّذي لَا سلَاح لَهُ. والضجر (بِضَم الضَّاد وَالْجِيم) : جمع ضجور، من الضجر وَهُوَ الْحَرج وَسُوء الِاحْتِمَال [2] ضاحية: منكشفة بارزة فِي أشعة الشَّمْس. [3] منقعر، منقلع من أَصله. [4] سَاطِع: غُبَار متفرق. وكدر: متغير إِلَى السوَاد. [5] الخدر: الدَّاخِل فِي خدره. والخدر (هُنَا) : غابة الْأسد. [6] مأزق: مَكَان ضيق فِي الْحَرْب. والكلكل: الصَّدْر. وتأفل: تغيب. [7] تأوب: رَجَعَ. [8] تهوى بِهِ: تسرع. والوجناء: النَّاقة الضخمة، أَو هِيَ الغليظة الوجنات البارزتها، وَذَلِكَ يدل على غئور عينيها، وهم يصفونَ الْإِبِل بغئور الْعَينَيْنِ عِنْد طول السفار. والمجمرة: المجتمعة المنضمة، وَذَلِكَ أقوى لَهَا. والمناسم: جمع منسم، وَهُوَ مقدم طرف خف الْبَعِير. وعرمس: شَدِيدَة، وأصل العرمس: الصَّخْرَة الصلدة، وتشبه بهَا النَّاقة الْجلْدَة القوية.

إنَّا وَفَيْنَا بِاَلَّذِي عَاهَدْتَنَا ... وَالْخَيْلُ تُقْدَعُ بِالْكُمَاةِ وَتُضْرَسُ [1] إذَا سَالَ مِنْ أَفْنَاءِ بُهْثَةَ كُلِّهَا ... جَمْعٌ تَظَلُّ بِهِ الْمَخَارِمُ تَرْجُسُ [2] حَتَّى صَبَحْنَا أَهْلَ مَكَّةَ فَيْلَقًا ... شَهْبَاءَ يَقْدُمُهَا الْهُمَامُ الْأَشْوَسُ [3] مِنْ كُلِّ أَغْلَبَ مِنْ سُلَيْمٍ فَوْقَهُ ... بَيْضَاءُ مُحْكَمَةُ الدِّخَالِ وَقَوْنَسُ [4] يُرْوِي الْقَنَاةَ إذَا تَجَاسَرَ فِي الْوَغَى ... وَتَخَالُهُ أَسَدًا إذَا مَا يَعْبِسُ يَغْشَى الْكَتِيبَةَ مُعْلِمًا وَبِكَفِّهِ ... عَضْبٌ يَقُدُّ بِهِ وَلَدْنٌ مِدْعَسُ [5] وَعَلَى حُنَيْنٍ قَدْ وَفَى مِنْ جَمْعِنَا ... أَلْفٌ أُمِدَّ بِهِ الرَّسُولُ عَرَنْدَسُ [6] كَانُوا أَمَامَ الْمُؤْمِنِينَ دَرِيئَةً ... وَالشَّمْسُ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهِمْ أَشْمُسُ [7] نَمْضِي وَيَحْرُسُنَا الْإِلَهُ بِحِفْظِهِ ... وَاَللَّهُ لَيْسَ بِضَائِعِ مَنْ يَحْرُسُ وَلَقَدْ حُبِسْنَا بِالْمَنَاقِبِ مَحْبِسًا ... رَضِىَ الْإِلَهُ بِهِ فَنِعْمَ الْمَحْبِسُ [8] وَغَدَاةَ أَوْطَاسٍ شَدَدْنَا شَدَّةً ... كَفَتْ الْعَدُوَّ وَقِيلَ مِنْهَا: يَا احْبِسُوا تَدْعُو هَوَازِنُ بِالْإِخَاوَةِ بَيْنَنَا ... ثَدْيٌ تَمُدُّ بِهِ هَوَازِنُ أَيْبَسُ حَتَّى تَرَكْنَا جَمْعَهُمْ وَكَأَنَّهُ ... عَيْرٌ تَعَاقَبَهُ السِّبَاعُ مُفَرَّسُ [9] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي خَلَفٌ الْأَحْمَرُ قَوْلَهُ: «وَقِيلَ مِنْهَا يَا احْبِسُوا» . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا: نَصَرْنَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ غَضَبٍ لَهُ ... بِأَلْفِ كَمِيٍّ لَا تُعَدُّ حَوَاسِرُهْ [10]

_ [1] تقدع: تكف. وتضرس: تجرح. [2] سَالَ: ارْتَفع. وبهثة: حَيّ من سليم. والمخارم: الطّرق فِي الْجبَال. وترجس: تهتز وتتحرك. [3] صبحنا أهل مَكَّة فيلقا: أتيناهم بفيلق عِنْد الصُّبْح. وشهباء: لَهَا بريق من كَثْرَة السِّلَاح. والهمام: السَّيِّد. والأشوس: الّذي ينظر نظر المتكبر. [4] الْأَغْلَب: الشَّديد الغليظ. ومحكمة الدخال: يُرِيد قُوَّة نسج الدرْع. والقونس: أَعلَى بَيْضَة الْحَدِيد [5] عضب: سيف قَاطع. ولدن: لين، يقْصد بِهِ الرمْح. ومدعس: طعان. [6] عرندس: شَدِيد. [7] دريئة: مدافعة. وأشمس: جمع شمس. يُرِيد لمعان الشَّمْس فِي كل درع وَسيف وبيضة وَسنَان، فَكَأَنَّهَا شموس. [8] المناقب: اسْم طَرِيق الطَّائِف من مَكَّة. [9] العير: حمَار الْوَحْش. ومفرس: معقور، افترسه السبَاع. [10] حواسره: جموعه الَّذين لَا دروع عَلَيْهِم، يُقَال،: رجل حاسر، إِذا لم يكن عَلَيْهِ درع.

حَمَلْنَا لَهُ فِي عَامِلِ الرُّمْحِ رَايَةً ... يَذُودُ بِهَا فِي حَوْمَةِ الْمَوْتِ نَاصِرُهْ [1] وَنَحْنُ خَضَبْنَاهَا دَمًا فَهْوَ لَوْنُهَا ... غَدَاةَ حُنَيْنٍ يَوْمَ صَفْوَانُ شَاجِرُهْ [2] وَكُنَّا عَلَى الْإِسْلَامِ مَيْمَنَةً لَهُ ... وَكَانَ لَنَا عَقْدُ اللِّوَاءِ وَشَاهِرُهْ وَكُنَّا لَهُ دُونَ الْجُنُودِ بِطَانَةً ... يُشَاوِرُنَا فِي أَمْرِهِ وَنُشَاوِرُهْ دَعَانَا فَسَمَّانَا الشِّعَارَ مُقَدَّمًا ... وَكُنَّا لَهُ عَوْنًا عَلَى مَنْ يُنَاكِرُهْ [3] جَزَى اللَّهُ خَيْرًا مِنْ نَبِيٍّ مُحَمَّدًا ... وَأَيَّدَهُ بِالنَّصْرِ وَاَللَّهُ نَاصِرُهْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي مِنْ قَوْلِهِ: «وَكُنَّا عَلَى الْإِسْلَامِ» إِلَى آخرهَا، بَعْص أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ، وَلَمْ يَعْرِفْ الْبَيْتَ الَّذِي أَوَّلُهُ: « حَمَلْنَا لَهُ فِي عَامِلِ الرُّمْحِ رَايَةً » . وَأَنْشَدَنِي بَعْدَ قَوْلِهِ: « وَكَانَ لَنَا عَقْدُ اللِّوَاءِ وَشَاهِرُهْ » ، « وَنَحْنُ خَضَبْنَاهُ دَمًا فَهُوَ لَوْنُهُ » . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا: مَنْ مُبْلِغُ الْأَقْوَامِ أَنَّ مُحَمَّدًا ... رَسُولَ الْإِلَهِ رَاشِدٌ حَيْثُ يَمَّمَا [4] دَعَا رَبَّهُ وَاسْتَنْصَرَ اللَّهَ وَحْدَهُ ... فَأَصْبَحَ قَدْ وَفَّى إلَيْهِ وَأَنْعَمَا سَرَيْنَا وَوَاعَدْنَا قُدَيْدًا مُحَمَّدًا ... يَؤُمُّ بِنَا أَمْرًا مِنْ اللَّهِ مُحْكَمَا تَمَارَوْا بِنَا فِي الْفَجْرِ حَتَّى تَبَيَّنُوا ... مَعَ الْفَجْرِ فِتْيَانًا وَغَابًا مُقَوَّمًا [5] عَلَى الْخَيْلِ مَشْدُودًا عَلَيْنَا دُرُوعُنَا ... وَرَجْلًا كَدُفَّاعِ الْأَتِيِّ عَرَمْرَمَا [6] فَإِنَّ سَرَاةَ الْحَيِّ إنْ كُنْتَ سَائِلًا ... سُلَيْمٌ وَفِيهِمْ مِنْهُمْ مَنْ تَسَلَّمَا [7] وَجُنْدٌ مِنْ الْأَنْصَارِ لَا يَخْذُلُونَهُ ... أَطَاعُوا فَمَا يَعْصُونَهُ مَا تَكَلَّمَا

_ [1] عَامل الرمْح: مَا يَلِي السنان، وَهُوَ دون الثَّعْلَب. [2] شاجره: أَي مخالطه بِالرُّمْحِ، يُقَال: شجرته بِالرُّمْحِ، إِذا طعنته بِهِ، وشجرت الرماح: إِذا دخل بَعْضهَا على بعض. [3] الشعار: مَا ولى جَسَد الْإِنْسَان من الثِّيَاب، فاستعاره هُنَا لبطانته وخاصته. [4] فِي هَذَا الْبَيْت خرم. [5] تماروا بِنَا: شكوا فِينَا. والغاب (هُنَا) : الرماح. [6] رجلا: مشَاة. والأتى: السَّيْل يأتى من بلد إِلَى بلد. ودفاعه: مَا يَدْفَعهُ أَمَامه. والعرمرم: الْكثير الشَّديد. [7] تسلم: انتسب إِلَى سليم، كَمَا تَقول: تقيس الرجل، إِذا اعتزى إِلَى قيس.

(شعر ضمضم في يوم حنين) :

فَإِنْ تَكُ قَدْ أَمَّرْتَ فِي الْقَوْمِ خَالِدًا ... وَقَدَّمْتَهُ فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَا بِجُنْدٍ هَدَاهُ اللَّهُ أَنْتَ أَمِيرُهُ ... تُصِيبُ بِهِ فِي الْحَقِّ مَنْ كَانَ أَظْلَمَا حَلَفْتُ يَمِينًا بَرَّةً لِمُحَمَّدٍ ... فَأَكْمَلْتُهَا أَلْفًا مِنْ الْخَيْلِ مُلْجَمَا وَقَالَ نَبِيُّ الْمُؤْمِنِينَ تَقَدَّمُوا ... وَحُبَّ إلَيْنَا أَنْ نَكُونَ الْمُقَدَّمَا وَبِتْنَا بِنَهْيِ الْمُسْتَدِيرِ وَلَمْ يَكُنْ ... بِنَا الْخَوْفُ إلَّا رَغْبَةً وتحزّما أَطَعْنَاكَ حَتَّى أَسْلَمَ النَّاسُ كُلُّهُمْ ... وَحَتَّى صَبَحْنَا الْجَمْعَ أَهْلَ يَلَمْلَمَا [1] يَضِلُّ الْحِصَانُ الْأَبْلَقُ الْوَرْدُ وَسْطَهُ ... وَلَا يَطْمَئِنُّ الشَّيْخُ حَتَّى يُسَوَّمَا [2] سَمَوْنَا لَهُمْ وِرْدَ الْقَطَا زَفَّهُ ضُحَى ... وَكُلٌّ تَرَاهُ عَنْ أَخِيهِ قَدَ احْجَمَا [3] لَدُنْ غُدْوَةً حَتَّى تَرَكْنَا عَشِيَّةً ... حُنَيْنًا وَقَدْ سَالَتْ دَوَافِعُهُ دَمَا [4] إذَا شِئْتَ مِنْ كُلٍّ رَأَيْتَ طِمِرَّةً ... وَفَارِسَهَا يَهْوِى وَرُمْحًا مُحَطَّمَا [5] وَقَدْ أَحْرَزَتْ مِنَّا هَوَازِنُ سَرْبَهَا ... وَحُبَّ إلَيْهَا أَنْ نَخِيبَ وَنُحْرَمَا [6] (شِعْرُ ضَمْضَمٍ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ ضَمْضَمُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ جُشَمِ بْنِ عَبْدِ بْنِ حَبِيبِ ابْن مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ عُصَيَّةَ السُّلَمِيُّ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ، وَكَانَتْ ثَقِيفٌ أَصَابَتْ كِنَانَةَ بْنَ الْحَكَمِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الشَّرِيدِ، فَقَتَلَ بِهِ مِحْجَنًا وَابْنَ عَمٍّ لَهُ، وَهُمَا مِنْ ثَقِيفٍ: نَحْنُ جَلَبْنَا الْخَيْلَ مِنْ غَيْرِ مَجْلَبٍ ... إلَى جُرَشٍ [7] مِنْ أَهْلِ زيّان [8] والفم [9]

_ [1] يَلَمْلَم، أَو ألملم: مِيقَات الْحَاج القادم من جِهَة الْيمن، وَهُوَ جبل على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة. [2] الأبلق: الّذي فِيهِ بَيَاض مَعَ سَواد. والورد: المشرب حمرَة. واجتماع هَذِه الألوان فِي الحصان مِمَّا يزِيدهُ ظهورا، وَهُوَ مَعَ ذَلِك يغيب فِي غمرة هَذَا الْموضع وزحمته. ويشوم: يعلم نَفسه أَو حصانه بعلامة يعرف بهَا. [3] سمونا لَهُم: نهضنا لقتالهم. والقطا: طَائِر مَعْرُوف، وزفه الضُّحَى: أسْرع بِهِ الضُّحَى وَسَاقه سوقا شَدِيدا. وأحجم عَن أَخِيه: شغل عَنهُ. [4] دوافعه: مجاري السُّيُول فِيهِ. [5] طمرة: فرس سريعة وثابة. ومحطم: مكسر. [6] السرب (بِفَتْح السِّين) : المَال الرَّاعِي. [7] جرش: من مخاليف الْيمن من جِهَة مَكَّة. [8] كَذَا فِي أ. وَهُوَ اسْم جبل. وَفِي م، ر: «رَيَّان» بالراء الْمُهْملَة. [9] الْفَم: مَوضِع.

تقتّل أَشْبَالَ الْأُسُودِ وَنَبْتَغِي ... طَوَاغِيَ كَانَتْ قَبْلَنَا لَمْ تُهَدَّمْ [1] فَإِنْ تَفْخَرُوا بِابْنِ الشَّرِيدِ فَإِنَّنِي ... تَرَكْتُ بِوَجٍّ مَأْتَمًا بَعْدَ مَأْتَمِ [2] أَبَأْتُهُمَا بِابْنِ الشَّرِيدِ وَغَرَّهُ ... جِوَارُكُمْ وَكَانَ غَيْرَ مُذَمَّمِ [3] تُصِيبُ رِجَالًا مِنْ ثَقِيفٍ رِمَاحُنَا ... وَأَسْيَافُنَا يَكْلِمْنَهُمْ كُلَّ مَكْلَمِ [4] وَقَالَ ضَمْضَمُ بْنُ الْحَارِثِ أَيْضًا: أَبْلِغْ لَدَيْكَ ذَوِي الْحَلَائِلِ آيَةً ... لَا تَأْمَنَنَّ الدَّهْرَ ذَاتَ خِمَارِ [5] بَعْدَ الَّتِي قَالَتْ لِجَارَةِ بَيْتِهَا ... قَدْ كُنْتُ لَوْ لَبِثَ الْغَزِيُّ بِدَارِ [6] لَمَّا رَأَتْ رَجُلًا تَسَفَّعَ لَوْنَهُ ... وَغْرُ الْمَصِيفَةِ وَالْعِظَامُ عَوَارِي [7] مُشُطَ الْعِظَامِ تَرَاهُ آخِرَ لَيْلِهِ ... مُتَسَرْبِلًا فِي دِرْعِهِ لِغِوَارِ [8] إذْ لَا أَزَالُ عَلَى رِحَالَةِ نَهْدَةٍ ... جَرْدَاءَ تُلْحِقُ بِالنِّجَادِ إزَارِي [9] يَوْمًا عَلَى أَثَرِ النِّهَابِ وَتَارَةً ... كُتِبَتْ مُجَاهِدَةً مَعَ الْأَنْصَارِ [10] وَزُهَاءَ كُلِّ خَمِيلَةٍ أَزْهَقْتهَا ... مَهَلًا تَمَهَّلُهُ وَكُلِّ خَبَارِ [11] كَيْمَا أُغَيِّرَ مَا بِهَا مِنْ حَاجَةٍ ... وَتَوَدُّ أَنِّي لَا أَؤُوبُ فَجَارِ [12]

_ [1] طواغى: جمع طاغية، وَأَرَادَ بهما هَا هُنَا الْبيُوت الَّتِي كَانُوا يتعبدون فِيهَا فِي الْجَاهِلِيَّة ويعظمونها سوى الْبَيْت الْحَرَام [2] وَج: مَوضِع بِالطَّائِف. والمأتم: جمَاعَة النِّسَاء يجتمعن فِي الْخَيْر وَالشَّر، وَأَرَادَ بِهِ هُنَا اجتماعهن فِي الْحزن. [3] أبأتهما بِابْن الشريد: جعلتهما بَوَاء، أَو سَوَاء بِهِ، أَي قتلتهما بِهِ. [4] يكلمنهم: يجرحنهم. [5] الحلائل: جمع خَلِيلَة، وَهِي الزَّوْجَة. وَآيَة: عَلامَة. [6] الغزى: جمَاعَة الْقَوْم الَّذين يغزون. [7] تسفع لَونه: أَي غَيره إِلَى السفعة، وَهِي سَواد بحمرة. والوغر: شدَّة الْحر. والمصيفة: الأَرْض اشْتَدَّ حرهَا. [8] مشط الْعِظَام: قَلِيل اللَّحْم الّذي على الْعِظَام. ولغوار: أَي للإغارة. [9] الرحالة: هُنَا: السرج. ونهدة: غَلِيظَة، يعْنى فرسا. وجرداء: قَصِيرَة الشّعْر. والنجاد: حمائل السَّيْف. [10] النهاب: جمع نهب، وَهُوَ مَا يغم وينهب. [11] خميلة: رَملَة طيبَة ينْبت فِيهَا شجر. يُرِيد أَرضًا مزروعة لينَة. والخبار: أَرض لينَة التُّرَاب. [12] لَا أؤوب: لَا أرجع. وفجار: بِمَعْنى الْفَاجِرَة، وَهُوَ معدول عَنهُ، وَأكْثر مَا يسْتَعْمل فِي النداء.

(شعر أبى خراش في رثاء ابن العجوة) :

(شِعْرُ أَبِي خِرَاشٍ فِي رِثَاءِ ابْنِ الْعَجْوَةِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ، قَالَ: أُسِرَ زُهَيْرُ بْنُ الْعَجْوَةِ الْهُذَلِيُّ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَكُتِّفَ، فَرَآهُ جَمِيلُ [1] بْنُ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيُّ، فَقَالَ لَهُ: أَأَنْتَ الْمَاشِي لَنَا بِالْمَغَايِظِ؟ فَضَرَبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ أَبُو خِرَاشٍ [2] الْهُذَلِيُّ يَرْثِيهِ، وَكَانَ ابْنَ عَمِّهِ: عَجَّفَ [3] أَضْيَافِي جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ ... بِذِي فَجَرٍ تَأْوِي إلَيْهِ الْأَرَامِلُ [4] طَوِيلِ نِجَادِ [5] السَّيْفِ [6] لَيْسَ بِجَيْدَرٍ [7] ... إذَا اهْتَزَّ وَاسْتَرْخَتْ عَلَيْهِ الْحَمَائِلُ [8] تَكَادُ يَدَاهُ تُسْلِمَانِ إزَارَهُ [9] ... مِنْ الْجُودِ لَمَّا أَذْلَقَتْهُ [10] الشَّمَائِلُ [11] إلَى بَيْتِهِ يَأْوِي الضَّرِيكُ [12] إذَا شَتَا ... وَمُسْتَنْبِحٌ [13] بَالِي الدَّرِيسَيْنِ عَائِلُ [14]

_ [1] هُوَ غير جميل بن معمر العذري، صَاحب بثينة، الشَّاعِر الْمَعْرُوف. [2] اسْمه خويلد بن مرّة، وَكَانَ شَاعِرًا إسلاميا. مَاتَ فِي خلَافَة عمر من حَيَّة نهشته. [3] كَذَا فِي الْأُصُول. وعجف (بالتضعيف) : أَضْعَف وهزل. وَفِي ديوَان أشعار الهذليين (المخطوط الْمَحْفُوظ بدار الْكتب المصرية برقم 6 أدب ش) : «فجع» . [4] الْفجْر (بتحريك الْجِيم) : الْجُود وَالْكَرم. والأرامل: المحتاجون، الْوَاحِد: أرمل وأرملة [5] النجاد: حمائل السَّيْف. [6] فِي ديوَان الهذليين: «الْبَز» وَهُوَ السِّلَاح. وَيُرِيد بِهِ هُنَا السَّيْف خَاصَّة. [7] كَذَا فِي الدِّيوَان. والجيدر: الْقصير. وَفِي م، ر: «بحيدر» بِالْحَاء الْمُهْملَة. وَفِي أ: «بخيذر» ، (بخاء وذال معجمتين) ، وهما تَصْحِيف. [8] الحمائل: جمع حمالَة، وَهِي علاقَة السَّيْف، ويكنى بِطُولِهَا عَن طول الْقَامَة. [9] فِي الدِّيوَان: «رِدَاءَهُ» . [10] كَذَا فِي الْأُصُول. وَالشَّمَائِل: ريَاح الشمَال الْبَارِدَة، وَمَعَهَا الْقَحْط. وأذلقته: جهدته وأمحلته. يصفه بالجود مَعَ الجدب وَذَلِكَ حِين تهيج الشمَال شتاء. وَفِي الدِّيوَان: «لما استقبلته الشَّمَائِل» . وَهِي بمعناها. وَمَوْضِع هَذَا الْبَيْت فِي الدِّيوَان بعد بَيته: «تروح مقرورا» . [11] قَالَ السهيليّ: «يُرِيد أَنه من سخائه يُرِيد أَن يتجرد من إزَاره لسائله، فيسلمه إِلَيْهِ. وألفيت بِخَط أَبى الْوَلِيد الوقشى: «الْجُود (هَا هُنَا) ، وعَلى هَذِه الرِّوَايَة، وبهذه الرُّتْبَة: السخاء، وَكَذَلِكَ فسر الْأَصْمَعِي والطوسي. وَأما على مَا وَقع فِي شعر الْهُذلِيّ، فسره فِي الْغَرِيب المُصَنّف، فَهُوَ الْجُوع» . وَلم نجد هَذِه الرِّوَايَة فِي ديوَان الهذليين الّذي أَشَرنَا إِلَيْهِ. [12] كَذَا فِي الْأُصُول. والضريك: الْفَقِير. وَفِي الدِّيوَان: «الْغَرِيب» . [13] كَذَا فِي الْأُصُول. والمستنبح: الطارق لَيْلًا، يَقع فِي حيرة فينبح، فتنبحه الْكلاب، فيقصد موضعهَا. وَفِي الدِّيوَان: «ومهتلك» وَهُوَ بِمَعْنى المستنبح» . [14] الدريسان: الثوبان الخلقان، يُرِيد رِدَاءَهُ وَإِزَاره. والعائل: الْفَقِير.

تَرَوَّحَ مَقْرُورًا [1] وَهَبَّتْ عَشِيَّةً [2] ... لَهَا حدب تحتشّه فَيُوَائِلُ [3] فَمَا بَالُ أَهْلِ الدَّارِ لَمْ يَتَصَدَّعُوا [4] ... وَقَدْ بَانَ مِنْهَا اللَّوْذَعِيُّ الْحُلَاحِلُ [5] فَأُقْسِمُ لَوْ لَاقَيْتَهُ غَيْرَ مُوثَقٍ ... لَآبَكَ بِالنَّعْفِ الضِّبَاعُ الْجَيَائِلُ [6] وَإِنَّكَ لَوْ وَاجَهْتَهُ إذْ [7] لَقِيتَهُ ... فَنَازَلْتُهُ أَوْ كُنْتَ مِمَّنْ يُنَازِلُ لَظَلَّ جَمِيلٌ [8] أَفْحَشَ الْقَوْمِ صِرْعَةً [9] ... وَلَكِنَّ قِرْنَ الظَّهْرِ لِلْمَرْءِ شَاغِلُ [10] فَلَيْسَ كَعَهْدِ الدَّارِ يَا أُمَّ ثَابِتٍ [11] ... وَلَكِنْ أَحَاطَتْ بِالرِّقَابِ السَّلَاسِلُ [12] وَعَادَ الْفَتَى كَالشَّيْخِ لَيْسَ بِفَاعِلِ [13] ... سِوَى الْحَقِّ شَيْئًا وَاسْتَرَاحَ الْعَوَاذِلُ [14]

_ [1] المقرور: الّذي أَصَابَهُ القر، وَهُوَ الْبرد. [2] فِي الدِّيوَان: «وراحت عَشِيَّة» . [3] الحدب: تراكب الرّيح فِي هبوبها كَمَا يتراكب المَاء فِي جريه، وَذَلِكَ إِذا اشتدت. قَالَ السهيليّ: «والخدب (بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة) أشبه بِمَعْنى الْبَيْت، لأَنهم يَقُولُونَ ريح خدباء، كَأَن بهَا خدبا، وَهُوَ الهوج» . وتحتثه: تسوقه سوقا سَرِيعا. ويروى: «تجتثه» بِالْجِيم، أَي تقتلعه من الأَرْض. ويوائل: يطْلب موئلا، وَهُوَ الملجأ. [4] لم يتصدعوا: لم يتفرقوا. وَفِي الدِّيوَان: «لم يتحملوا» . والتحمل: الرحيل. [5] اللوذعي: الْحَدِيد الْبَين اللِّسَان. والحلاحل: السَّيِّد. [6] كَذَا فِي الْأُصُول. وآبك: رَجَعَ إِلَيْك وزارك. والنعف: أَسْفَل الْجَبَل. والضباع جمع ضبع، وَهِي من السبَاع. والجيائل: من أَسمَاء الضباع، الْوَاحِد: جيئل. وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي الدِّيوَان: فو الله لَو لاقيته غير موثق ... لآبك بالجزع الضباع النواهل والجزع: منعطف الْوَادي. والنواهل: المشتهيات للْأَكْل كَمَا تشْتَهي الْإِبِل المَاء. [7] كَذَا فِي الدِّيوَان، وَفِي الْأُصُول: «أَو» . [8] فِي الدِّيوَان: «أُسْوَة» . [9] كَذَا فِي الْأُصُول. والصرعة (بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة) : هَيْئَة الصرع. وَفِي الدِّيوَان: «تلة» ، وَهِي أَيْضا اسْم للهيئة، من تله يتله: إِذا صرعة. [10] قرن الظّهْر: هُوَ الّذي يَأْتِيهِ من وَرَاء ظَهره من حَيْثُ لَا يرَاهُ. قَالَ السهيليّ: «قرن (بِالْقَافِ) جمعه أَقْرَان، ويروى: (وَلَكِن أَقْرَان الظُّهُور مقَاتل) . وَمُقَاتِل: جمع مقتل (بِكَسْر الْمِيم، مثل محرب من الْحَرْب) ، أَي من كَانَ قرن ظهر فَإِنَّهُ قَاتل وغالب» . [11] فِي الدِّيوَان: «يَا أم مَالك» . [12] يُرِيد أَن الْإِسْلَام أحَاط برقابنا، فَلَا نستطيع أَن نعمل شَيْئا. [13] فِي الدِّيوَان: «كالكهل لَيْسَ بقائل» . يَقُول: رَجَعَ الْفَتى عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ من فتوته وَصَارَ كَأَنَّهُ كهل. [14] العواذل: اللوائم من النِّسَاء. واستراح العواذل، لِأَنَّهُنَّ لَا يجدن مِمَّا يعذلن فِيهِ سوى الْعدْل، أَي سوى الْحق.

(شعر ابن عوف في الاعتذار من فراره) :

وَأَصْبَحَ إخْوَانُ الصَّفَاءِ كَأَنَّمَا ... أَهَالَ عَلَيْهِمْ جَانِبَ التُّرْبِ هَائِلُ [1] فَلَا تَحْسَبِي أَنِّي نَسِيتُ لَيَالِيَا ... بِمَكَّةَ إذْ لَمْ نَعْدُ عَمَّا نُحَاوِلُ [2] إذْ النَّاسُ نَاسٌ وَالْبِلَادُ بِغِرَّةٍ [3] ... وَإِذْ نَحن لَا تشنى عَلَيْنَا الْمَدَاخِلُ [4] (شِعْرُ ابْنِ عَوْفٍ فِي الِاعْتِذَارِ مِنْ فِرَارِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ وَهُوَ يَعْتَذِرُ يَوْمَئِذٍ مِنْ فِرَارِهِ: مَنَعَ الرُّقَادَ فَمَا أُغَمِّضُ سَاعَةً ... نَعَمٌ بِأَجْزَاعِ الطَّرِيقِ مُخَضْرَمُ [5] سَائِلْ هَوَازِنَ هَلْ أَضُرُّ عَدُوَّهَا ... وَأُعِينُ غَارِمَهَا إذَا مَا يَغْرَمُ وَكَتِيبَةٍ لَبَّسْتُهَا بِكَتِيبَةٍ ... فِئَتَيْنِ مِنْهَا حَاسِرٌ وَمُلَأَّمُ [6] وَمُقَدَّمٍ تَعْيَا النُّفُوسُ لِضِيقِهِ ... قَدَّمْتُهُ وَشُهُودُ قَوْمِي أَعْلَمُ [7] فَوَرَدْتُهُ وَتَرَكْتُ إخْوَانًا لَهُ ... يَرِدُونَ غَمْرَتَهُ وَغَمْرَتُهُ الدَّمُ [8] فَإِذَا انْجَلَتْ غَمَرَاتُهُ أَوْرَثْنَنِي ... مَجْدَ الْحَيَاةِ وَمَجْدَ غُنْمٍ يُقْسَمُ كَلَّفْتُمُونِي ذَنْبَ آلِ مُحَمَّدٍ ... وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ وَخَذَلْتُمُونِي إذْ أُقَاتِلُ وَاحِدًا ... وَخَذَلْتُمُونِي إِذْ تقَاتل خشعم وَإِذَا بَنَيْتُ الْمَجْدَ يَهْدِمُ بَعْضُكُمْ ... لَا يَسْتَوِي بَانٍ وَآخَرُ يَهْدِمُ وَأَقَبَّ مِخْمَاصِ الشِّتَاءِ مُسَارِعٍ ... فِي الْمَجْدِ يَنْمِي لِلْعُلَى مُتَكَرِّمُ [9]

_ [1] أهال: صب. [2] لم نعد: لم يمنعنا شَيْء. وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي الدِّيوَان: وَلم أنس أَيَّامًا لنا ولياليا ... بحلية إِذا نلقى بهَا من نحاول [3] كَذَا فِي أ. والغرة: الْغَفْلَة. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بعزة» . [4] لَا تثنى: لَا تعطف (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول فيهمَا) . ويروى: «لَا تبنى» . وَلم يرد هَذَا الْبَيْت فِي ديوَان أشعار الهذليين. [5] النعم: الْإِبِل. أَو كل مَاشِيَة أَكْثَرهَا الْإِبِل. وأجزاع الطَّرِيق: جمع جزع، وَهُوَ مَا انعطف مِنْهُ. ومخضرم: صفة النعم، وَهُوَ الّذي قطع من أُذُنه، ليَكُون ذَلِك عَلامَة لَهُ. [6] الكتيبة: الْجَيْش الْمُجْتَمع. والحاسر: الّذي لَا درع عَلَيْهِ. والملأم: الّذي لبس اللامة، وَهِي الدرْع [7] مقدم: يعْنى موضعا لَا يتَقَدَّم فِيهِ إِلَّا الشجعان. [8] الغمرة: الشدَّة، وَالْمَاء الْكثير يغمر. [9] الأقب: الضامر الخصر. المخامص: الضامر الْبَطن.

(شعر لهوازنى يذكر إسلام قومه) :

أَكْرَهْتُ فِيهِ أَلَّةً يَزَنِيَّةً ... سَحْمَاءَ يَقْدُمُهَا سِنَانٌ سَلْجَمُ [1] وَتَرَكْتُ حَنَّتَهُ تَرُدُّ وَلِيَّهُ ... وَتَقُولُ لَيْسَ عَلَى فُلَانَةَ مَقْدَمُ [2] وَنَصَبْتُ نَفْسِي لِلرِّمَاحِ مُدَجَّجًا ... مِثْلَ الدَّرِيَّةِ تُسْتَحَلُّ وَتُشْرَمُ [3] (شِعْرٌ لِهَوَازِنِيٍّ يَذْكُرُ إسْلَامَ قَوْمِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ قَائِلٌ فِي هَوَازِنَ أَيْضًا، يَذْكُرُ مَسِيرَهُمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ بَعْدَ إسْلَامِهِ: أَذْكُرْ مَسِيرَهُمْ لِلنَّاسِ إذْ جَمَعُوا ... وَمَالِكٌ فَوْقَهُ الرَّايَاتُ تَخْتَفِقُ وَمَالِكُ مَالِكٌ مَا فَوْقَهُ أَحَدٌ ... يَوْمَ حُنَيْنٍ عَلَيْهِ التَّاجُ يَأْتَلِقُ [4] حَتَّى لَقُوا الْبَاسَ حِينَ الْبَاسُ يَقْدُمُهُمْ ... عَلَيْهِمْ الْبِيضُ وَالْأَبْدَانُ وَالدَّرَقُ [5] فَضَارَبُوا النَّاسَ حَتَّى لَمْ يَرَوْا أَحَدًا ... حَوْلَ النَّبِيِّ وَحَتَّى جَنَّهُ الْغَسَقُ [6] ثُمَّتَ نُزِّلَ جِبْرِيلُ بِنَصْرِهِمْ ... مِنْ السَّمَاءِ فَمَهْزُومٌ وَمُعْتَنَقُ [7] مِنَّا وَلَوْ غَيْرُ جِبْرِيلِ يُقَاتِلُنَا ... لَمَنَّعَتْنَا إذَنْ أَسْيَافُنَا الْعُتُقُ [8] وَفَاتَنَا [9] عُمَرُ الْفَارُوقُ إذْ هُزِمُوا ... بِطَعْنَةٍ بَلَّ مِنْهَا سَرْجَهُ الْعَلَقُ [10]

_ [1] الألة: الحربة. ويزنية، المنسوبة إِلَى ذِي يزن، وَهُوَ ملك من مُلُوك حمير. وسحماء: سَوْدَاء الْعَصَا. وَسنَان سلجم: أَي طَوِيل. [2] حنته: يعْنى زَوجته، سميت بذلك لِأَنَّهَا تحن إِلَيْهِ ويحن إِلَيْهَا. [3] المدجج: الْكَامِل السِّلَاح. والدرية: الْحلقَة الَّتِي تنصب فيتعلم عَلَيْهَا الطعْن، أَصله: دريئة سهلت الْهمزَة، ثمَّ أدغمت الْيَاء فِي الْيَاء. وتستحل: من الْحل، ويروى: تستخل (بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة) ، وَهُوَ من الْخلال، وَهُوَ أظهر فِي الْمَعْنى. وتشرم: تقطع (رَاجع السهيليّ) . [4] يأتلق: يلمع. [5] الْبَأْس: الشدَّة والشجاعة. وَالْبيض: جمع بَيْضَة، وَهِي المغفر. والأبدان (هُنَا) : جمع بدن، وَهِي الدرْع. والدرق: جمع درقة، وَهِي الترس من جلد بِلَا خشب وَلَا عقب. [6] جنه: ستره. والغسق: الظلمَة، يعْنى ظلمَة الْغُبَار. [7] معتنق: أَسِير. [8] الْعتْق (بِوَزْن عنق) : جمع عَتيق، وَهُوَ النفيس. [9] كَذَا فِي م، ر. وَفِي أ: «وفاتني» . [10] العلق (بِالتَّحْرِيكِ) : الدَّم.

(شعر جشمية في رثاء أخويها) :

(شِعْرُ جُشَمِيَّةٍ فِي رِثَاءِ أَخَوَيْهَا) : وَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي جُشَمٍ تَرْثِي أَخَوَيْنِ لَهَا أُصِيبَا يَوْمَ حُنَيْنٍ: أَعَيْنَيَّ جُودَا عَلَى مَالِكٍ ... مَعًا وَالْعَلَاءِ وَلَا تَجْمُدَا [1] هُمَا الْقَاتِلَانِ أَبَا عَامِرٍ ... وَقَدْ كَانَ ذَا هَبَّةٍ أَرْبَدَا هُمَا تَرَكَاهُ لَدَى مُجْسَدٍ ... يَنُوءُ نَزِيفًا وَمَا وُسِّدَا [2] (شِعْرُ أَبِي ثَوَابٍ فِي هِجَاءِ قُرَيْشٍ) : وَقَالَ أَبُو ثَوَابٍ زَيْدُ بْنُ صُحَارٍ، أَحَدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ: أَلَا هَلْ أَتَاكَ أَنْ غَلَبَتْ قُرَيْشٌ ... هَوَازِنَ وَالْخُطُوبُ لَهَا شُرُوطُ وَكُنَّا يَا قُرَيْشُ إذَا غَضِبْنَا ... يَجِيءُ مِنْ الْغِضَابِ دَمٌ عَبِيطُ [3] وَكُنَّا يَا قُرَيْشُ إذَا غَضِبْنَا ... كَأَنَّ أُنُوفَنَا فِيهَا سَعُوطُ [4] فَأَصْبَحْنَا تَسَوَّقُنَا قُرَيْشٌ ... سِيَاقَ الْعِيرِ يَحْدُوهَا النَّبِيطُ [5] فَلَا أَنَا إنْ سُئِلْتُ الْخَسْفَ آبٍ ... وَلَا أَنَا أَنْ أَلِينَ لَهُمْ نَشِيطُ [6] سَيُنْقَلُ لَحْمُهَا فِي كُلِّ فَجٍّ ... وَتُكْتَبُ فِي مَسَامِعِهَا الْقُطُوطُ [7] وَيُرْوَى «الْخُطُوطُ» ، وَهَذَا الْبَيْتُ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعْدٍ [8] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: أَبُو ثَوَابٍ زِيَادُ بْنُ ثَوَابٍ. وَأَنْشَدَنِي خَلَفٌ الْأَحْمَرُ

_ [1] لَا تجمدا: لَا تبخلا بالدموع. [2] المجسد: الّذي صبغ بالجساد، وَهُوَ الزَّعْفَرَان، وَالْمرَاد أَن دَمه صبغ ثَوْبه بِمثل لون الزَّعْفَرَان. وينوء: ينْهض متثاقلا لإعيائه، والنزيف: الّذي سَالَ دَمه حَتَّى ضعف. وَقد سبقت هَذِه الأبيات بِشَيْء. من الْخلاف فِي صفحة (457) من هَذَا الْجُزْء. منسوبة إِلَى رجل من جثم لَا امْرَأَة. [3] الدَّم العبيط: الطري. [4] السعوط (بِفَتْح السِّين) : الدَّوَاء يوضع فِي الْأنف فيهيجه. يُرِيد: تحمى أنوفنا. [5] النبيط: جيل من النَّاس كَانُوا ينزلون سَواد الْعرَاق، ثمَّ اسْتعْمل فِي أخلاط. النَّاس وعوامهم. (عَن الْمِصْبَاح) [6] الْخَسْف: الذل. وآب: اسْم فَاعل، من أَبى الْخَسْف: إِذا امْتنع من قبُوله. [7] القطوط: جمع قطّ، وَهُوَ الصَّك، أَو الْكتاب الّذي تحصى فِيهِ الْأَعْمَال. وَهَذَا الْبَيْت سَاقِط من (أ) . [8] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة من أ.

(شعر ابن وهب في الرد على ابن أبى ثواب) :

قَوْلُهُ: « يَجِيءُ مِنْ الْغِضَابِ دَمٌ عَبِيطُ » ، وَآخِرَهَا بَيْتًا عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. (شِعْرُ ابْنِ وَهْبٍ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ أَبِي ثَوَابٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَجَابَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي أُسَيِّدٍ، فَقَالَ: بِشَرْطِ اللَّهِ نَضْرِبُ مَنْ لَقِينَا ... كَأَفْضَلِ مَا رَأَيْتَ مِنْ الشُّرُوطِ وَكُنَّا يَا هَوَازِنُ حِينَ نَلْقَى ... نَبُلُّ الْهَامَ مِنْ عَلَقٍ عَبِيطِ [1] بِجَمْعِكُمْ وَجَمْعِ بَنِي قَسِيٍّ ... نَحُكُّ الْبَرْكَ كَالْوَرَقِ الْخَبِيطِ [2] أَصَبْنَا مِنْ سَرَاتِكُمْ وَمِلْنَا ... بِقَتْلٍ فِي الْمُبَايِنِ وَالْخَلِيطِ [3] بِهِ الْمُلْتَاثُ مُفْتَرِشٌ يَدَيْهِ ... يَمُجُّ الْمَوْتَ كَالْبَكْرِ النَّحِيطِ [4] فَإِنْ تَكُ قَيْسُ عَيْلَانٍ غِضَابًا ... فَلَا يَنْفَكُّ يُرْغِمُهُمْ سَعُوطِي (شِعْرُ خَدِيجٍ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ) : وَقَالَ خَدِيجُ بْنُ الْعَوْجَاءِ النَّصْرِيُّ: لَمَّا دَنَوْنَا مِنْ حُنَيْنٍ وَمَائِهِ ... رَأَيْنَا سَوَادًا مُنْكَرَ اللَّوْنِ أَخْصَفَا [5] بِمَلْمُومَةٍ شَهْبَاءَ لَوْ قَذَفُوا بِهَا ... شَمَارِيخَ [6] مِنْ عُزْوَى [7] إذَنْ عَادَ صَفْصَفَا [8]

_ [1] الْهَام: الرُّءُوس، والعلق: الدَّم. والعبيط: الطري. [2] بَنو قسى: يعْنى ثقيفا أهل الطَّائِف. والبرك: كلكل الْبَعِير وصدره الّذي يدوك بِهِ الشَّيْء تَحْتَهُ. يُقَال: حكه وَكله، وداكه يبركه، وَهَذَا على تَشْبِيه شدَّة الْحَرْب بحك الْبَعِير صَدره بِمَا تَحْتَهُ. وَالْوَرق الخبيط: الّذي يضْرب بالعصا ليسقط، فتأكله الْمَاشِيَة. [3] سراتكم: أشرافكم، وأصل السراة أَوسط الْقَوْم نسبا. والمباين: المفارق، وَهُوَ المنهزم. والخليط الّذي لَا يزَال فِي المعركة يخالط الأقران. [4] الملتاث (هُنَا) : اسْم رجل. وَالْبكْر: الْفَتى من الْإِبِل. والنحيط: الّذي يردد النَّفس فِي صَدره حَتَّى يسمع لَهُ دوى. [5] سوادا: يعْنى أشخاصا على الْبعد. والأخصف: الّذي فِيهِ ألوان. [6] ملمومة: أَي كَتِيبَة مجتمعة، وشهباء: عَظِيمَة كَثِيرَة السِّلَاح. والشماريخ: أعالى الْجبَال، وَاحِدهَا: شِمْرَاخ. [7] كَذَا فِي الْأُصُول. قَالَ أَبُو ذَر: «وعروى (هُنَا) اسْم رجل، يرْوى بِالدَّال وَالرَّاء» . [8] الصفصف: المستوى من الأَرْض.

ذكر غزوة الطائف بعد حنين في سنة ثمان

وَلَوْ أَنَّ قَوْمِي طَاوَعَتْنِي سَرَاتُهُمْ ... إذَنْ مَا لَقِينَا الْعَارِضَ الْمُتَكَشِّفَا [1] إذَنْ مَا لَقِينَا جُنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ ... ثَمَانِينَ أَلْفًا وَاسْتَمَدُّوا بِخِنْدِفَا [2] ذِكْرُ غَزْوَةِ الطَّائِفِ بَعْدَ حُنَيْنٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ (فُلُولُ ثَقِيفٍ) : وَلَمَّا قَدِمَ فَلُّ [3] ثَقِيفٍ الطَّائِفَ أَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ مَدِينَتِهَا، وَصَنَعُوا الصَّنَائِعَ لِلْقِتَالِ. (الْمُتَخَلِّفُونَ عَنْ حُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ) : وَلَمْ يَشْهَدْ حُنَيْنًا وَلَا حِصَارَ الطَّائِفِ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَلَا غَيْدَنُ بْنُ سَلَمَةَ، كَانَا بِجُرَشَ [4] يَتَعَلَّمَانِ صَنْعَةَ الدَّبَّابَاتِ [5] وَالْمَجَانِيقِ [6] وَالضُّبُورِ [7] . (مَسِيرُ الرَّسُولِ إلَى الطَّائِفِ وَشِعْرُ كَعْبٍ) : ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الطَّائِفِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حُنَيْنٍ، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، حِينَ أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّيْرَ إلَى الطَّائِفِ:

_ [1] الْعَارِض (هُنَا) : السَّحَاب. والمتكشف: الظَّاهِر. [2] خندف: قَبيلَة. [3] الفل: الْجَمَاعَة المنهزمون من الْجَيْش. [4] جرش: من مخاليف الْيمن من جِهَة مَكَّة. [5] قَالَ السهيليّ: «الدبابة: آلَة من آلَات الْحَرْب، يدْخل فِيهَا الرِّجَال فيدبون بهَا إِلَى الأسوار لينقبوها» . وَقَالَ أَبُو ذَر: «الدبابات: آلَات تصنع من خشب، وتغشى بجلود، وَيدخل فِيهَا الرِّجَال، ويتصلون بحائط الْحصن» . [6] المجانيق: جمع منجنيق (بِفَتْح الْمِيم وَكسرهَا) ، وَهِي من آلَات الْحصار يرْمى بهَا الْحِجَارَة الثَّقِيلَة وَنَحْوهَا. [7] الضبور: مثل رُءُوس الأسفاط، يتّقى بهَا فِي الْحَرْب عِنْد الِانْصِرَاف. وَفِي كتاب الْعين الضبور جُلُود يغشى بهَا خشبا، تبقى بهَا فِي الْحَرْب (عَن السهيليّ) وَفِي اللِّسَان: الضبر: جَاءَ يحشى خشبا فِيهَا رجال تقرب إِلَى الْحُصُون لقِتَال أَهلهَا. وَالْجمع ضبور، قَالَ: وَهِي الدبابات الَّتِي تقرب للحصون، لتنقب من تحتهَا.

قَضَيْنَا مِنْ تِهَامَةَ كُلَّ رَيْبٍ ... وخيبر ثمَّ أجممنا السُّيُوفَا [1] نُخَيِّرُهَا وَلَوْ نَطَقَتْ لَقَالَتْ ... قَوَاطِعُهُنَّ: دَوْسًا أَوْ ثَقِيفًا [2] فَلَسْتُ لِحَاضِنٍ إنْ لَمْ تَرَوْهَا ... بِسَاحَة داركم منّا أُلُوفَا [3] وَنَنْتَزِعُ الْعُرُوشَ بِبَطْنِ وَجٍّ ... وَتُصْبِحُ دُورُكُمْ مِنْكُمْ خُلُوفَا [4] وَيَأْتِيكُمْ لَنَا سَرَعَانُ خَيْلٍ ... يُغَادِرُ خَلْفَهُ جَمْعًا كَثِيفَا [5] إذَا نَزَلُوا بِسَاحَتِكُمْ سَمِعْتُمْ ... لَهَا مِمَّا أَنَاخَ بِهَا رَجِيفَا [6] بِأَيْدِيهِمْ قَوَاضِبُ مُرْهَفَاتٌ ... يُزِرْنَ الْمُصْطَلِينَ بِهَا الْحُتُوفَا [7] كَأَمْثَالِ الْعَقَائِقِ أَخْلَصَتْهَا ... قُيُونُ الْهِنْدِ لَمْ تُضْرَبْ كَتِيفَا [8] تَخَالُ جَدِيَّةَ الْأَبْطَالِ فِيهَا ... غَدَاةَ الزَّحْفِ جَادِيًّا مَدُوفَا [9] أَجِدَّهُمْ أَلَيْسَ لَهُمْ نَصِيحٌ ... مِنْ الْأَقْوَامِ كَانَ بِنَا عَرِيفَا [10] يُخَبِّرُهُمْ بِأَنَّا قَدْ جَمَعْنَا ... عِتَاقَ الْخَيْلِ وَالنُّجُبَ الطُّرُوفَا [11]

_ [1] تهَامَة: مَا انخفض من أَرض الْحجاز. والريب: الشَّك. وأجممنا: أَي أَرحْنَا. [2] نخيرها: نعطيها الْخيرَة، وَلَو نطقت لاختارت أَن نحارب دوسا أَو ثقيفا. [3] الحاضن: الْمَرْأَة الَّتِي تحضن وَلَدهَا، كَذَا قَالَ أَبُو ذَر. وَلَعَلَّه: الحاصن، وَهِي الْمَرْأَة العفيفة، كَأَنَّهُ يَقُول: «لست لرشدة إِن لم تَرَوْهَا ... إِلَخ» وَهُوَ تهديد لَهُم. وساحة الدَّار: وَسطهَا، أَو فناؤها. [4] العروش (هُنَا) : سقوف الْبيُوت. وَوَج: مَوضِع بِالطَّائِف أَو هُوَ من أسمائها. وخلوف: يُرِيد: دورا تغيب عَنْهَا أَهلهَا. [5] السرعان: المتقدمون. والكثيف: الملتف. ويروى: «كشيفا» بالشين بدل الثَّاء أَي ظَاهرا، [6] «رجيفا» يرْوى بالراء، يعْنى بِهِ الصَّوْت الشَّديد مَعَ اضْطِرَاب، مَأْخُوذ من الرجفة. ويروى: «وجيفا» بِالْوَاو بدل الرَّاء، فَمَعْنَاه سريع يسمع صَوت سرعته. [7] القواضب: السيوف القواطع، جمع قاضب. والمرهفات: القاطعة (أَيْضا) . والمصطلون: المباشرون لَهَا من أعدائهم. والحتوف: جمع حتف، وَهُوَ الْمَوْت. [8] العقائق: جمع عقيقة، هِيَ شُعَاع الْبَرْق (هُنَا) . وكتيف، جمع كتيفة وَهِي الصفائح الْحَدِيد الَّتِي تضرب للأبواب وَغَيرهَا. قَالَ السهيليّ: «وَهِي صفيحة صَغِيرَة، وأصل الكتيف: الضّيق من كل شَيْء» . [9] الجدية: الطَّرِيقَة من الدَّم. والزحف: دنو المتجاربين بَعضهم من بعض، والجادى: الزَّعْفَرَان. ومدوف: (اسْم مفعول من دافه يدوفه) وَمَعْنَاهُ مخلوط بِغَيْرِهِ. [10] أجدهم، أَي أجد مِنْهُم:، وَهُوَ مَنْصُوب على الْمصدر. وعريفا (هُنَا) : عَارِفًا. [11] عتاق: جمع عَتيق، والنجيب: جمع النجيب، والطروف: جمع طرف (بِكَسْر الطَّاء) ، وَكلهَا بِمَعْنى الْكَرِيمَة الأَصْل من الْخَيل.

وَأَنَّا قد أتيناهم يزحف ... يُحِيطُ بِسُورِ حِصْنِهِمْ صُفُوفَا [1] رَئِيسُهُمْ النَّبِيُّ وَكَانَ صُلْبًا ... نَقِيَّ الْقَلْبِ مُصْطَبِرًا عَزُوفَا [2] رَشِيدُ الْأَمْرِ ذُو حُكْمٍ وَعِلْمٍ ... وَحِلْمٍ لَمْ يَكُنْ نَزِقًا خَفِيفَا [3] نُطِيعُ نَبِيَّنَا وَنُطِيعُ رَبًّا ... هُوَ الرَّحْمَنُ كَانَ بِنَا رَءُوفَا فَإِنْ تُلْقُوا إلَيْنَا السِّلْمَ نَقْبَلْ ... وَنَجْعَلْكُمْ لَنَا عَضُدًا وَرِيفَا [4] وَإِنْ تَأْبَوْا نُجَاهِدْكُمْ وَنَصْبِرْ ... وَلَا يَكُ أَمْرُنَا رَعِشًا ضَعِيفَا [5] نُجَالِدُ مَا بَقِينَا أَوْ تُنِيبُوا ... إلَى الْإِسْلَامِ إذْعَانًا مُضِيفَا [6] نُجَاهِدُ لَا نُبَالِي مَنْ لَقِينَا ... أَأَهْلَكْنَا التِّلَادَ أَمْ الطَّرِيفَا [7] وَكَمْ مِنْ مَعْشَرٍ أَلَبُوا عَلَيْنَا ... صَمِيمَ الْجِذْمِ مِنْهُمْ وَالْحَلِيفَا [8] أَتَوْنَا لَا يَرَوْنَ لَهُمْ كِفَاء ... فَجَدَّعْنَا الْمَسَامِعَ وَالْأُنُوفَا [9] بِكُلِّ مُهَنَّدٍ لَيْنٍ صَقِيلٍ ... يَسُوقُهُمْ بِهَا سَوْقًا عَنِيفَا [10] لِأَمْرِ اللَّهِ وَالْإِسْلَامِ حَتَّى ... يَقُومَ الدِّينُ مُعْتَدِلًا حَنِيفَا وَتُنْسَى اللَّاتُ وَالْعُزَّى وَوَدٌّ ... وَنَسْلُبُهَا الْقَلَائِدَ وَالشُّنُوفَا [11] فَأَمْسَوْا قَدْ أَقَرُّوا وَاطْمَأَنُّوا ... وَمَنْ لَا يَمْتَنِعْ يَقْبَلْ [12] خُسُوفَا [13]

_ [1] زحف: أَي جَيش. [2] كَذَا فِي الْأُصُول: والعزوف: المنصرف عَن الشَّيْء زهدا فِيهِ مَعَ إعجابه بِهِ، وَفِي شرح السِّيرَة لأبي ذَر: «عروفا» . والعروف: الصابر. [3] النزق: الْكثير الطيش والخفة. [4] الرِّيف: الْمَوَاضِع المخصبة الَّتِي على الْمِيَاه: يُرِيد نتخذكم أعوانا على الْحَرْب ونستمد من ريفكم الْعَيْش. [5] رعشا: متقلبا غير ثَابت. [6] نجالد: نحارب بِالسُّيُوفِ. والإذعان: الخضوع والانقياد. ومضيفا: ملجئا. [7] التلاد: المَال الْقَدِيم، والطريف: المَال المستحدث. [8] ألبوا علينا: جمعُوا علينا. والصميم: الْخَالِص. والجذم: الأَصْل. [9] جدعنا: قَطعنَا، وَأكْثر مَا يسْتَعْمل فِي قطع الأنوف. [10] لين: مخفف من لين (بتَشْديد الْيَاء) كَمَا يُقَال: هَين وهين، وميت وميت. والعنيف: الّذي لَيْسَ فِيهِ رفق. [11] الشنوف: جمع شنف، وَهُوَ القرط الّذي يكون فِي أَعلَى الْأذن. [12] كَذَا فِي م، ر. وَفِي أ: «يقتل» . [13] الخسوف: الذل.

(شعر كنانة في الرد على كعب) :

(شِعْرُ كِنَانَةَ فِي الرَّدِّ عَلَى كَعْبٍ) : فَأَجَابَهُ كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ يَبْغِينَا يُرِيدُ قِتَالَنَا ... فَإِنَّا بِدَارٍ مَعْلَمٍ لَا نَرِيمُهَا [1] وَجَدْنَا بِهَا الْآبَاءَ مِنْ قَبْلِ مَا تَرَى ... وَكَانَتْ لَنَا أَطْوَاؤُهَا وَكُرُومُهَا [2] وَقَدْ جَرَّبَتْنَا قَبْلُ عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ ... فَأَخْبَرَهَا ذُو رَأْيِهَا وَحَلِيمُهَا [3] وَقَدْ عَلِمَتْ إنْ قَالَتْ الْحَقَّ أَنَّنَا ... إذَا مَا أَبَتْ صُعْرُ الْخُدُودِ نُقِيمُهَا [4] نُقَوِّمُهَا حَتَّى يَلِينَ شَرِيسُهَا ... وَيُعْرَفُ لِلْحَقِّ الْمُبِينِ ظَلُومُهَا [5] عَلَيْنَا دِلَاصٌ مِنْ تُرَاثِ مُحَرَّقٍ ... كَلَوْنِ السَّمَاءِ زَيَّنَتْهَا نُجُومُهَا [6] نُرَفِّهُهَا عَنَّا بِبِيضٍ صَوَارِمٍ ... إذَا جُرِّدَتْ فِي غَمْرَةٍ لَا نَشيِمُها [7] (شِعْرُ شَدَّادٍ فِي الْمَسِيرِ إلَى الطَّائِفِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ شَدَّادُ بْنُ عَارِضٍ الْجُشَمِيُّ فِي مَسِيرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الطَّائِفِ: لَا تَنْصُرُوا اللَّاتَ إنَّ اللَّهَ مُهْلِكُهَا ... وَكَيْفَ يُنْصَرُ مَنْ هُوَ لَيْسَ يَنْتَصِرُ

_ [1] معلم: مَشْهُورَة. وَلَا نريمها: لَا نَبْرَح مِنْهَا وَلَا نزُول. وَفِي الْبَيْت خرم. [2] الأطواء: جمع طوى، وَهِي الْبِئْر، جمعت على غير قِيَاس: ويروى «أطوادها» . (بِالدَّال) ، يعْنى بهَا الْجبَال. [3] وَقد جربتنا قبل عَمْرو بن عَامر: قَالَ هَذَا جَوَابا للْأَنْصَار، لأَنهم بَنو حَارِثَة بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو ابْن عَامر. وَلم يرد أَن الْأَنْصَار جربتهم قبل ذَلِك، وَإِنَّمَا أَرَادَ إِخْوَتهم وهم خُزَاعَة، لأَنهم بَنو ربيعَة ابْن حَارِثَة بن عَمْرو بن عَامر، وَقد كَانُوا حاربوهم عِنْد نزولهم مَكَّة. وَقَالَ الْبكْرِيّ: إِنَّمَا أَرَادَ بنى عَمْرو بن عَامر بن صعصعة، وَكَانُوا مجاورين لثقيف، وَكَانَت ثَقِيف قد أنزلت بنى عَمْرو بن عَامر فِي أَرضهم ليعملوا فِيهَا وَيكون لَهُم النّصْف فِي الزَّرْع وَالثَّمَر. ثمَّ إِن ثقيفا منعتهم ذَلِك، وتحصنوا بِالْحَائِطِ الّذي بنوه حول حاضرهم، فحاربتهم بَنو عَمْرو بن عَامر، فَلم يظفروا مِنْهُم بِشَيْء، وجلوا عَن تِلْكَ الْبِلَاد (رَاجع السهيليّ) . [4] صعر الخدود: هِيَ المائلة إِلَى جِهَة تكبرا وعجبا. [5] شريسها: شديدها. [6] دلاص: دروع لينَة. ومحرق (هُنَا) هُوَ عَمْرو بن عَامر، وَهُوَ أول من حرق الْعَرَب بالنَّار. (عَن السهيليّ) . [7] لَا نشيمها: أَي لَا نغمدها. يُقَال: شمت السَّيْف، إِذا أغمدته، وشمته إِذا سللته، فَهُوَ من الأضداد. 31 سيرة ابْن هِشَام- 2

(الطريق إلى الطائف) :

إنَّ الَّتِي حُرِّقَتْ بِالسُّدِّ فَاشْتَعَلَتْ ... وَلَمْ يُقَاتَلْ لَدَى أَحْجَارِهَا هَدَرُ [1] إنَّ الرَّسُولَ مَتَى يَنْزِلْ بِلَادَكُمْ ... يَظْعَنْ وَلَيْسَ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا بَشَرُ [2] (الطَّرِيقُ إلَى الطَّائِفِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَسَلَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَخْلَةَ الْيَمَانِيَةِ، ثُمَّ عَلَى قَرْنٍ، ثُمَّ عَلَى الْمُلَيْحِ، ثُمَّ عَلَى بُحْرَةِ الرُّغَاءِ مِنْ لِيَّةَ [3] ، فَابْتَنَى بِهَا مَسْجِدًا فَصَلَّى فِيهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: أَنَّهُ أَقَادَ يَوْمَئِذٍ بِبُحْرَةِ الرُّغَاءِ، حِينَ نَزَلَهَا، بِدَمِ، وَهُوَ أَوَّلُ دَمٍ أُقِيدَ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٍ، فَقَتَلَهُ بِهِ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِلِيَّةَ، بِحِصْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ فَهُدِمَ، ثُمَّ سَلَكَ فِي طَرِيقٍ يُقَالُ لَهَا الضَّيْقَةُ، فَلَمَّا تَوَجَّهَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ عَنْ اسْمِهَا، فَقَالَ: مَا اسْمُ هَذِهِ الطَّرِيقِ؟ فَقِيلَ لَهُ الضَّيْقَةُ، فَقَالَ: بَلْ هِيَ الْيُسْرَى، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا عَلَى نَخْبٍ، حَتَّى نَزَلَ تَحْتَ سِدْرَةٍ يُقَالُ لَهَا الصَّادِرَةُ، قَرِيبًا مِنْ مَالِ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إمَّا أَنْ تَخْرُجَ، وَإِمَّا أَنْ نُخْرِبَ عَلَيْكَ حَائِطَكَ، فَأَبَى أَنْ يَخْرُجَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَابِهِ. ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ قَرِيبًا مِنْ الطَّائِفِ، فَضَرَبَ بِهِ عَسْكَرَهُ، فَقُتِلَ بِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِالنَّبْلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَسْكَرَ اقْتَرَبَ مِنْ حَائِطِ الطَّائِفِ، فَكَانَتْ النَّبْلُ تَنَالُهُمْ، وَلَمْ يَقْدِرْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنْ يَدْخُلُوا حَائِطَهُمْ، أَغْلَقُوهُ دُونَهُمْ، فَلَمَّا أُصِيبَ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِنْ أَصْحَابِهِ بِالنَّبْلِ وَضَعَ عَسْكَرَهُ عِنْدَ مَسْجِدِهِ الَّذِي بِالطَّائِفِ الْيَوْمَ، فَحَاصَرَهُمْ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ سَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَعَهُ امْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِهِ، إحْدَاهُمَا أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ.

_ [1] هدر: اى بَاطِل لَا يُؤْخَذ بثأره. [2] يظعن: يرحل. [3] قرن، ومليح، وبحرة الرُّغَاء، ولية: مَوَاضِع بِالطَّائِف.

(الرسول أول من رمى بالمنجنيق) :

فَضَرَبَ لَهُمَا قُبَّتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى بَيْنَ الْقُبَّتَيْنِ. ثُمَّ أَقَامَ، فَلَمَّا أَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ بَنَى عَلَى مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ وَهْبِ بْنِ مُعَتِّبِ بْنِ مَالِكٍ مَسْجِدًا، وَكَانَتْ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ سَارِيَةٌ، فِيمَا يَزْعُمُونَ، لَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ عَلَيْهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ إلَّا سُمِعَ لَهَا [1] نَقِيضٌ [2] ، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، وَتَرَامَوْا بِالنَّبْلِ. (الرَّسُولُ أَوَّلُ مَنْ رَمَى بِالْمَنْجَنِيقِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَرَمَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَنْجَنِيقِ. حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى فِي الْإِسْلَامِ بِالْمَنْجَنِيقِ، رَمَى أَهْلَ الطَّائِفِ. (يَوْمُ الشَّدْخَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ الشَّدْخَةِ عِنْدَ جِدَارِ الطّائف، دخل تَفِر مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ دَبَّابَةٍ، ثُمَّ زَحَفُوا بِهَا إلَى جِدَارِ الطَّائِفِ لِيَخْرِقُوهُ، فَأَرْسَلَتْ عَلَيْهِمْ ثَقِيفٌ سِكَكَ الْحَدِيدِ مُحْمَاةً بِالنَّارِ، فَخَرَجُوا مِنْ تَحْتِهَا، فَرَمَتْهُمْ ثَقِيفٌ بِالنَّبْلِ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ رِجَالًا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ أَعْنَابِ ثَقِيفٍ، فَوَقَعَ النَّاسُ فِيهَا يَقْطَعُونَ. (الْمُفَاوَضَةُ مَعَ ثَقِيفٍ) : وَتَقَدَّمَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ إلَى الطَّائِفِ، فَنَادَ يَا ثَقِيفًا: أَنْ أَمِّنُونَا حَتَّى نُكَلِّمَكُمْ فَأَمَّنُوهُمَا، فَدَعَوْا نِسَاءً مِنْ نِسَاءٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَبَنِيَّ كِنَانَةَ لِيَخْرُجْنَ إلَيْهِمَا، وَهُمَا يَخَافَانِ عَلَيْهِنَّ السِّبَاءَ، فَأَبَيْنَ، مِنْهُنَّ آمِنَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، كَانَتْ عِنْدَ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، لَهُ مِنْهَا دَاوُدُ بْنُ عُرْوَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ إنَّ أُمَّ دَاوُدَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، وَكَانَتْ عِنْدَ أَبِي مُرَّةَ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ دَاوُدَ بْنَ أَبِي مُرَّةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْفِرَاسِيَّةُ بِنْتُ سُوَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ، لَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ

_ [1] كَذَا فِي م، ر. وَفِي أ: «عَلَيْهَا» . [2] النقيض: الصَّوْت.

(رؤيا الرسول وتفسير أبى بكر لها) :

ابْن قَارِبٍ، وَالْفُقَيْمِيَّةُ أُمَيْمَة بنت الناسئ أُمَيَّةَ بْنِ قَلْعٍ، فَلَمَّا أَبَيْنَ عَلَيْهِمَا، قَالَ لَهُمَا ابْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ مَسْعُودٍ: يَا أَبَا سُفْيَانَ وَيَا مُغِيرَةُ، أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا جِئْتُمَا لَهُ، إنَّ مَالَ بَنِي الْأَسْوَدِ بْنِ مَسْعُودٍ حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّائِفِ، نَازِلًا بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ الْعَقِيقُ، إنَّهُ لَيْسَ بِالطَّائِفِ مَالٌ أَبْعَدُ رِشَاءً، وَلَا أَشَدُّ مُؤْنَةً، وَلَا أَبْعَدُ عِمَارَةً مِنْ مَالِ بَنِي الْأَسْوَدِ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا إنْ قَطَعَهُ لَمْ يُعْمَرْ أَبَدًا، فَكَلِّمَاهُ فَلْيَأْخُذْ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِيَدَعْهُ للَّه وَالرَّحِمِ، فَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ مِنْ الْقَرَابَةِ مَا لَا يُجْهَلُ، فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَهُ لَهُمْ. (رُؤْيَا الرَّسُولِ وَتَفْسِيرُ أَبِي بَكْرٍ لَهَا) : وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَهُوَ مُحَاصِرٌ ثَقِيفًا: يَا أَبَا بَكْرٍ، إنِّي رَأَيْتُ أَنِّي أُهْدِيَتْ لِي قَعْبَةٌ [1] مَمْلُوءَةٌ زُبْدًا، فَنَقَرَهَا دِيكٌ، فَهَرَاقَ مَا فِيهَا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَظُنُّ أَنْ تُدْرِكَ مِنْهُمْ يَوْمَكَ هَذَا مَا تُرِيدُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَا لَا أَرَى ذَلِكَ. (ارْتِحَالُ الْمُسْلِمِينَ وَسَبَبُ ذَلِكَ) : ثُمَّ إنَّ خُوَيْلَةَ بِنْتَ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْأَوْقَصِ السُّلَمِيَّةَ، وَهِيَ امْرَأَةُ عُثْمَانَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطِنِي إنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ الطَّائِفَ حُلِيَّ بَادِيَةَ بِنْتِ غَيْلَانَ بْنِ مَظْعُونِ بْنِ سَلَمَةَ، أَوْ حُلِيَّ الْفَارِعَةِ بِنْتِ عُقَيْلٍ، وَكَانَتَا مِنْ أَحْلَى نِسَاءِ ثَقِيفٍ. فَذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: وَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤْذَنْ لِي فِي ثَقِيفٍ يَا خُوَيْلَةُ؟ فَخَرَجَتْ خُوَيْلَةُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ (يَا رَسُولَ اللَّهِ) [2] : مَا حَدِيثٌ حَدَّثَتْنِيهِ خُوَيْلَةُ، زَعَمَتْ أَنَّكَ قُلْتَهُ؟ قَالَ: قَدْ قُلْتَهُ، قَالَ: أَوَمَا أُذِنَ لَكَ فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَفَلَا أُؤَذِّنُ بِالرَّحِيلِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَأَذَّنَ عُمَرُ بِالرَّحِيلِ.

_ [1] القعبة: الْقدح. [2] زِيَادَة عَن أ.

(عيينة وما كان يخفى من نيته) :

(عُيَيْنَةُ وَمَا كَانَ يُخْفِي مِنْ نِيَّتِهِ) : فَلَمَّا اسْتَقَلَّ النَّاسُ نَادَى سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ أُسَيْدِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ عِلَاجٍ: أَلَا إنَّ الْحَيَّ مُقِيمٌ. قَالَ: يَقُولُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ: أَجَلْ، وَاَللَّهِ مَجَدَةً كِرَامًا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: قَاتَلَكَ اللَّهُ يَا عُيَيْنَةُ، أَتَمْدَحُ الْمُشْرِكِينَ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ جِئْتُ تَنْصُرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فَقَالَ: إنِّي وَاَللَّهِ مَا جِئْتُ لِأُقَاتِلَ ثَقِيفًا مَعَكُمْ، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ يَفْتَحَ مُحَمَّدٌ الطَّائِفَ، فَأُصِيبَ مِنْ ثَقِيفٍ جَارِيَةً أَتَّطِئُهَا، لَعَلَّهَا تَلِدُ لِي رَجُلًا، فَإِنَّ ثَقِيفًا قَوْمٌ مَنَاكِيرُ [1] . وَنَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إقَامَتِهِ مِمَّنْ كَانَ مُحَاصَرًا بِالطَّائِفِ عَبِيدٌ، فَأَسْلَمُوا، فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (عُتَقَاءُ ثَقِيفٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُكَدَّمٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ ثَقِيفٍ، قَالُوا: لَمَّا أَسْلَمَ أَهْلُ الطَّائِفِ تَكَلَّمَ نَفَرٌ مِنْهُمْ فِي أُولَئِكَ الْعَبِيدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا، أُولَئِكَ عُتَقَاءُ اللَّهِ، وَكَانَ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِيهِمْ الْحَارِثُ بْنُ كَلَدَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ سَمَّى ابْنُ إسْحَاقَ مَنْ نَزَلَ مِنْ أُولَئِكَ الْعَبِيدِ. (إطْلَاقُ أُبَيِّ بْنِ مَالِكٍ مِنْ يَدِ مَرْوَانَ وَشِعْرُ الضَّحَّاكِ فِي ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَتْ ثَقِيفٌ أَصَابَتْ أَهْلًا لِمَرْوَانَ بْنِ قَيْسٍ الدَّوْسِيِّ، وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ، وَظَاهَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ثَقِيفٍ، فَزَعَمَتْ ثَقِيفٌ، وَهُوَ الَّذِي تَزْعُمُ بِهِ ثَقِيفٌ أَنَّهَا مِنْ قَيْسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمَرْوَانَ بْنِ قَيْسٍ: خُذْ يَا مَرْوَانُ بِأَهْلِكَ أَوَّلَ رَجُلٍ مِنْ قَيْسٍ تَلْقَاهُ، فَلَقِيَ أُبَيَّ بْنَ مَالِكٍ الْقُشَيْرِيَّ، فَأَخَذَهُ حَتَّى يُؤَدُّوا إلَيْهِ أَهْلَهُ، فَقَامَ فِي ذَلِكَ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلَابِيُّ، فَكَلَّمَ ثَقِيفًا حَتَّى أَرْسَلُوا أَهْلَ مَرْوَانَ، وَأَطْلَقَ لَهُمْ أُبَيَّ بْنَ مَالِكٍ، فَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ فِي شَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُبَيِّ بْنِ مَالِكٍ:

_ [1] مَنَاكِير: ذوى دهاء وفطنة.

(شهداء المسلمين يوم الطائف) :

أَتَنْسَى بَلَائِي يَا أُبَيَّ بْنَ مَالِكٍ ... غَدَاةَ الرَّسُولُ مُعْرِضٌ عَنْكَ أَشْوَسُ [1] يَقُودُكَ مَرْوَانُ بْنُ قَيْسٍ بِحَبْلِهِ ... ذَلِيلًا كَمَا قِيدَ الذَّلُولُ الْمُخَيَّسُ [2] فَعَادَتْ عَلَيْكَ مِنْ ثَقِيفٍ عِصَابَةٌ ... مَتَى يَأْتِهِمْ مُستَقْبِسُ الشَّرِّ يُقْبِسُوا [3] فَكَانُوا هُمْ الْمَوْلَى فَعَادَتْ حُلُومُهُمْ ... عَلَيْكَ وَقَدْ كَادَتْ بِكَ النَّفْسُ تَيْأَسُ [4] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: «يُقْبِسُوا» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. (شُهَدَاءُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الطَّائِفِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الطَّائِفِ. (مِنْ قُرَيْشٍ) : مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ: سَعِيدُ بْنُ سَعِيدٍ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَعُرْفُطَةُ بْنُ جَنَّابٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ، مِنْ الْأُسْدِ بْنِ الْغَوْثِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: ابْنُ حُبَابٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، رُمِيَ بِسَهْمِ، فَمَاتَ مِنْهُ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، مِنْ رَمْيَةٍ رُمِيَهَا يَوْمَئِذٍ. وَمِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ. وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو: السَّائِبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ، وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ. وَمِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ: جُلَيْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. (مِنَ الْأَنْصَارِ) : وَاسْتُشْهِدَ مِنْ الْأَنْصَارِ: مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: ثَابِتُ بْنُ الْجَذَعِ.

_ [1] الْبلَاء (هُنَا) : النِّعْمَة، والأشوس: الّذي يعرض بنظره إِلَى جِهَة أُخْرَى [2] الذلول: المرتاض. والمخيس: الْمُذَلل. [3] مستقبس الشَّرّ: طَالبه. [4] الحلوم: الْعُقُول.

(شعر بجير في حنين والطائف) :

وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ: الْحَارِثُ بْنُ سَهْلِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ. وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ: الْمُنْذِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَمِنْ الْأَوْسِ: رُقَيْمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ. فَجَمِيعُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ بِالطَّائِفِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، سَبْعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَرْبَعَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ. (شِعْرُ بُجَيْرٍ فِي حُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ) : فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّائِفِ بَعْدَ الْقِتَالِ وَالْحِصَارِ، قَالُ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى يَذْكُرُ حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ: كَانَتْ عُلَالَةَ يَوْمَ بَطْنِ حُنَيْنٍ ... وَغَدَاةَ أَوْطَاسٍ وَيَوْمَ الْأَبْرَقِ [1] جَمَعَتْ بِإِغْوَاءِ هَوَازِنُ جَمْعَهَا ... فَتَبَدَّدُوا كَالطَّائِرِ الْمُتَمَزِّقِ [2] لَمْ يَمْنَعُوا مِنَّا مَقَامًا وَاحِدًا ... إلَّا جِدَارَهُمْ وَبَطْنَ الْخَنْدَقِ وَلَقَدْ تَعَرَّضْنَا لِكَيْمَا يَخْرُجُوا ... فَتَحَصَّنُوا مِنَّا بِبَابٍ مُغْلَقِ تَرْتَدُّ حَسْرَانًا إلَى رَجْرَاجَةٍ ... شَهْبَاءَ تَلْمَعُ بِالْمَنَايَا فَيْلَقِ [3] مَلْمُومَةٍ خَضْرَاءَ لَوْ قَذَفُوا بِهَا ... حَضَنًا لَظَلَّ كَأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ [4] مَشْيَ الضِّرَاءِ عَلَى الْهَرَاسِ كَأَنَّنَا ... قُدْرٌ تَفَرَّقُ فِي الْقِيَادِ وَتَلْتَقِي [5]

_ [1] العلالة: جرى بعد جرى، أَو قتال بعد قتال. وَهِي من الْعِلَل، وَهُوَ الشّرْب بعد الشّرْب، وَأَرَادَ بِهِ هُنَا التّكْرَار. وَحذف التَّنْوِين من «علالة» ضَرُورَة. وأضمر فِي كَانَت اسْمهَا، وَهُوَ الْقِصَّة. قَالَ السهيليّ: وَإِن كَانَت الرِّوَايَة بخفض «يَوْم» فَهُوَ أولى من الضَّرُورَة القبيحة بِالنّصب، وَلَكِن ألفيته فِي النُّسْخَة الْمقيدَة. وحنين: رَوَاهُ أَبُو ذَر مُصَغرًا ليستقيم الْوَزْن، وَرَوَاهُ السهيليّ على الأَصْل، وَقَالَ: إِن فِيهِ إقواء، وَهُوَ أَن ينقص حرفا من آخر الْقسم الأول من الْكَامِل، وَكَانَ الْأَصْمَعِي يُسَمِّيه المقعد. وأوطاس: وَاد فِي ديار بنى هوَازن، كَانَت فِيهِ وقْعَة حنين. والأبرق: مَوضِع، وَأَصله الْجَبَل الّذي فِيهِ ألوان من الْحِجَارَة. والرمل. [2] بإغواء: هُوَ الغي الّذي هُوَ خلاف الرشد. [3] حسرى: جمع حسير، وَهُوَ المعيى الكليل. وَيجوز أَن يكون: جمع حاسر، وَهُوَ الّذي لَا درع عَلَيْهِ. والرجراجة: الكتيبة الضخمة، الَّتِي يموج بَعْضهَا فِي بعض، وَهِي من الرجرجة، أَي شدَّة الْحَرَكَة وَالِاضْطِرَاب. وَالْفَيْلَق: الْجَيْش الْكثير الشَّديد، من الفلق، وَهِي الداهية. [4] ملمومة: مجتمعة. وخضراء: يعْنى من لون السِّلَاح. وحضن (بِالْحَاء وَالضَّاد) : اسْم جبل بِأَعْلَى نجد. [5] الضراء (هُنَا) : الْكلاب، أَو الْأسود الضارية. والهراس: نَبَات لَهُ شوك. (وَقدر بِضَم الْقَاف

أمر أموال هوازن وسباياها، وعطايا المؤلفة قلوبهم منها وإنعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها

فِي كُلِّ سَابِغَةٍ إذَا مَا اسْتَحْصَنَتْ ... كَالنِّهْيِ هَبَّتْ رِيحُهُ الْمُتَرَقْرِقِ [1] جُدُلٌ تَمَسُّ فُضُولُهُنَّ نِعَالَنَا ... مِنْ نَسْجِ دَاوُدٍ وَآلِ مُحَرِّقِ [2] أَمْرُ أَمْوَالِ هَوَازِنَ وَسَبَايَاهَا، وَعَطَايَا الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْهَا وَإِنْعَامُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا (دُعَاءُ الرَّسُولِ لِهَوَازِنَ) : ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْصَرَفَ عَنْ الطَّائِفِ عَلَى دَحْنَا [3] حَتَّى نَزَلَ الْجِعْرَانَةَ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ النَّاسِ، وَمَعَهُ مِنْ هَوَازِنَ سَبْيٌ كَثِيرٌ وَقَدْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَوْمَ ظَعَنَ عَنْ ثَقِيفٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اُدْعُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهمّ اهْدِ ثَقِيفًا وَأْتِ بِهِمْ. (مَنُّ الرَّسُولِ عَلَى هَوَازِنَ) : ثُمَّ أَتَاهُ وَفْدُ هَوَازِنَ بِالْجِعْرَانَةِ، وَكَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَبْيِ هَوَازِنَ سِتَّةُ آلَافٍ مِنْ الذَّرَارِيِّ وَالنِّسَاءِ، وَمِنْ الْإِبِلِ وَالشَّاءِ مَا لَا يُدْرَى مَا عِدَّتُهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ وَفْدَ هَوَازِنَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَسْلَمُوا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا أَصْلٌ وَعَشِيرَةٌ، وَقَدْ أَصَابَنَا مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ، فَامْنُنْ عَلَيْنَا، مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ. قَالَ: وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، يُقَالُ لَهُ زُهَيْرٌ، يُكْنَى أَبَا صُرَدٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّمَا فِي الْحَظَائِرِ [4] عَمَّاتُكَ

_ [ () ] وَسُكُون الدَّال) الْخَيل تجْعَل أرجلها فِي مَوَاضِع أيديها إِذا مشت، الْوَاحِد: أقدر. ويروى: «فدر» بِضَم الْفَاء وَالدَّال، وَهِي الوعول المسنة، وَاحِدهَا: فادر. [1] السابغة: الدرْع الْكَامِلَة. والنهى: الغدير من المَاء. والمترقرق: المتحرك. [2] جدل: جمع جدلاء، وَهِي الدرْع الجيدة النسج. وَآل محرق: يعْنى آل عَمْرو بن هِنْد ملك الْحيرَة. [3] دحنا (بِالْفَتْح، ويروى مَقْصُورا وممدودا) : من مخاليف الطَّائِف. [4] الحظائر: جمع حَظِيرَة، وَهِي الذرب الّذي يصنع لِلْإِبِلِ وَالْغنم ليكفها، وَكَانَ السَّبي فِي حظائر مثلهَا.

وَخَالَاتُكَ وَحَوَاضِنُكَ [1] اللَّاتِي كُنَّ يَكْفُلْنَكَ، وَلَوْ أَنَّا مَلَحْنَا [2] لِلْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ، أَوْ لِلنُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، ثُمَّ نَزَلَ مِنَّا بِمِثْلِ الَّذِي نَزَلْتُ بِهِ، رَجَوْنَا عَطْفَهُ وَعَائِدَتَهُ [3] عَلَيْنَا، وَأَنْتَ خَيْرُ الْمَكْفُولِينَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى وَلَوْ أَنَّا مَالَحْنَا الْحَارِثَ بْنَ أَبِي شِمْرٍ، أَوْ النُّعْمَانَ ابْن الْمُنْذِرِ. قَالَ ابْن إِسْحَاق: فَحَدثني عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ أَحَبُّ إلَيْكُمْ أَمْ أَمْوَالُكُمْ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، خَيَّرْتَنَا بَيْنَ أَمْوَالِنَا وَأَحْسَابِنَا، بَلْ تَرُدُّ إلَيْنَا نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَهُوَ أَحَبُّ إلَيْنَا، فَقَالَ لَهُمْ: أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ، وَإِذَا مَا أَنَا صَلَّيْتُ الظُّهْرَ بِالنَّاسِ، فَقُومُوا فَقُولُوا: إنَّا نَسْتَشْفِعُ بِرَسُولِ اللَّهِ إلَى الْمُسْلِمِينَ، وَبِالْمُسْلِمِينَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ فِي أَبْنَائِنَا وَنِسَائِنَا، فَسَأُعْطِيكُمْ عِنْدَ ذَلِكَ، وَأَسْأَلُ لَكُمْ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ، قَامُوا فَتَكَلَّمُوا بِاَلَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ. فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: وَمَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: وَمَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو تَمِيمٍ فَلَا. وَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ: أَمَا أَنَا وَبَنُو فَزَارَةَ فَلَا. وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو سُلَيْمٍ فَلَا. فَقَالَتْ بَنُو سُلَيْمٍ: بَلَى، مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: يَقُولُ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ لِبَنِي سُلَيْمٍ: وَهَّنْتُمُونِي [4] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا مَنْ تَمَسَّكَ مِنْكُمْ بِحَقِّهِ مِنْ هَذَا السَّبْيِ

_ [1] حواضنك: يعْنى اللَّاتِي أرضعن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقد كَانَت حاضنته من بنى سعد بن بكر، من هوَازن، وَكَانَت ظِئْرًا لَهُ. [2] ملحنا: أرضعنا. وَالْملح: الرَّضَاع. والْحَارث بن أَبى شمر الغساني ملك الشَّام من الْعَرَب والنعمان بن الْمُنْذر ملك الْعرَاق من الْعَرَب. [3] عائدته: فَضله. [4] وهنتموني: أضعفتمونى.

فَلَهُ بِكُلِّ إنْسَانٍ سِتُّ فَرَائِضَ، مِنْ أَوَّلِ سَبْيٍ أُصِيبُهُ، فَرَدُّوا إلَى النَّاسِ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو وَجْزَةَ يَزِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ السَّعْدِيُّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَارِيَةً، يُقَالُ لَهَا رَيْطَةُ بِنْتُ هِلَالِ بْنِ حَيَّانَ بْنِ عُمَيْرَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ نَاصِرَةَ بْنِ قُصَيَّةَ [1] بْنِ نَصْرِ ابْن سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، وَأَعْطَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ جَارِيَةً، يُقَالُ لَهَا زَيْنَبُ بِنْتُ حَيَّانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَيَّانَ، وَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَارِيَةً، فَوَهَبَهَا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ابْنِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَعَثْتُ بِهَا إلَى أَخْوَالِي مِنْ بَنِي جُمَحٍ، لِيُصْلِحُوا لِي مِنْهَا، وَيُهَيِّئُوهَا، حَتَّى أَطُوفَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ آتِيَهُمْ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُصِيبَهَا إذَا رَجَعْتُ إلَيْهَا. قَالَ: فَخَرَجْتُ مِنْ الْمَسْجِدِ حِينَ فَرَغْتُ، فَإِذَا النَّاسُ يَشْتَدُّونَ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: رَدَّ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَقُلْتُ: تِلْكُمْ صَاحِبَتُكُمْ فِي بَنِي جُمَحٍ، فَاذْهَبُوا فَخُذُوهَا، فَذَهَبُوا إلَيْهَا، فَأَخَذُوهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمَّا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، فَأَخَذَ عَجُوزًا مِنْ عَجَائِزِ هَوَازِنَ، وَقَالَ حِينَ أَخَذَهَا: أَرَى عَجُوزًا إنِّي لَأَحْسِبُ لَهَا فِي الْحَيِّ نَسَبًا، وَعَسَى أَنْ يَعْظُمَ فِدَاؤُهَا. فَلَمَّا رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّبَايَا بِسِتِّ فَرَائِضَ، أَبَى أَنْ يَرُدَّهَا، فَقَالَ لَهُ زُهَيْرٌ أَبُو صُرَدٍ: خُذْهَا عَنْك، فو الله مَا فُوهَا بِبَارِدِ، وَلَا ثَدْيُهَا بِنَاهِدِ، وَلَا بَطْنُهَا بِوَالِدِ، وَلَا زَوْجُهَا بِوَاجِدِ [2] ، وَلَا دَرُّهَا بِمَاكِدِ [3] . فَرَدَّهَا بِسِتِّ فَرَائِضَ حِينَ قَالَ لَهُ زُهَيْرٌ مَا قَالَ، فَزَعَمُوا أَنَّ عُيَيْنَةَ لَقِيَ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، فَشَكَا إلَيْهِ ذَلِكَ، فَقَالَ: إنَّكَ وَاَللَّهِ مَا أَخَذْتهَا بَيْضَاءَ غَرِيرَةً [4] ، وَلَا نَصَفًا وَثِيرَةً [5] .

_ [1] قصية: يرْوى بِفَتْح الْقَاف وَضمّهَا، وَرَوَاهُ ابْن دُرَيْد بفاء مَضْمُومَة. (رَاجع شرح أبي ذَر) . [2] بواجد: أَي بحزين، يُرِيد أَن زَوجهَا لَا يحزن عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا عَجُوز. [3] الدّرّ: اللَّبن. والماكد: الغزير. [4] الغريرة: المتوسطة فِي السن من النِّسَاء. [5] الوثيرة من النِّسَاء: السمينة اللينة.

(إسلام مالك بن عوف النصري) :

(إسْلَامُ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ النَّصْرِيِّ) : وَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لوفد هوَازن، وَسَأَلَهُمْ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ مَا فَعَلَ؟ فَقَالُوا: هُوَ بِالطَّائِفِ مَعَ ثَقِيفٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْبِرُوا مَالِكًا أَنَّهُ إنْ أَتَانِي مُسْلِمًا رَدَدْتُ عَلَيْهِ أَهْلَهُ وَمَاله، وأعطيته مائَة مِنْ الْإِبِلِ، فَأَتَى مَالِكٌ بِذَلِكَ، فَخَرَجَ إلَيْهِ مِنْ الطَّائِفِ. وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ خَافَ ثَقِيفًا عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ مَا قَالَ، فَيَحْبِسُوهُ، فَأَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَهُيِّئَتْ لَهُ، وَأَمَرَ بِفَرَسِ لَهُ، فَأُتِيَ بِهِ إلَى الطَّائِفِ، فَخَرَجَ لَيْلًا، فَجَلَسَ عَلَى فَرَسِهِ، فَرَكَضَهُ حَتَّى أَتَى رَاحِلَتَهُ حَيْثُ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُحْبَسَ، فَرَكِبَهَا، فَلَحِقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَدْرَكَهُ بِالْجِعْرَانَةِ أَوْ بِمَكَّةَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ أَهْلَهُ وَمَاله، وَأَعْطَاهُ مائَة مِنْ الْإِبِلِ، وَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ، فَقَالَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ حِينَ أَسْلَمَ: مَا إنْ رَأَيْتُ وَلَا سَمِعْتُ بِمِثْلِهِ ... فِي النَّاسِ كُلِّهِمْ بِمِثْلِ مُحَمَّدِ أَوْفَى وَأَعْطَى لِلْجَزِيلِ إذَا اُجْتُدِيَ ... وَمَتَى تَشَأْ يُخْبِرْكَ عَمَّا فِي غَدِ وَإِذَا الْكَتِيبَةُ عَرَّدَتْ أَنْيَابُهَا ... بِالسَّمْهَرِيِّ وَضَرْبِ كُلِّ مُهَنَّدِ [1] فَكَأَنَّهُ لَيْثٌ عَلَى أَشْبَالِهِ ... وَسْطَ الْهَبَاءَةِ خَادِرٌ فِي مَرْصَدِ [2] فَاسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ، وَتِلْكَ الْقَبَائِلُ: ثُمَالَةُ، وَسَلِمَةُ [3] ، وَفَهْمٌ، فَكَانَ يُقَاتِلُ بِهِمْ ثَقِيفًا، لَا يَخْرُجُ لَهُمْ سَرْحٌ إلَّا أَغَارَ عَلَيْهِ، حَتَّى ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ أَبُو مِحْجَنِ [4] بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثَّقَفِي: هَابَتْ الْأَعْدَاءُ جَانِبَنَا ... ثُمَّ تَغْزُونَا بَنُو سَلِمَهْ وَأَتَانَا مَالِكٌ بِهِمْ ... نَاقِضًا لِلْعَهْدِ وَالْحُرْمَهْ

_ [1] عردت أنيابها: قويت واشتدت. والسمهري: الرمْح. والمهند: السَّيْف. [2] الهباءة: الْغُبَار يثور عِنْد اشتداد الْحَرْب. والخادر: الْأسد فِي عرينه، وَهُوَ حِينَئِذٍ أَشد مَا يكون بَأْسا لخوفه على أشباله، يصفه بِالْقُوَّةِ. والمرصد: الْمَكَان يرقب مِنْهُ، يصفه باليقظة. [3] قَالَ السهيليّ: «هَكَذَا تقيد فِي النُّسْخَة (بِكَسْر اللَّام) ، وَالْمَعْرُوف فِي قبائل قيس سَلمَة (بِالْفَتْح) . إِلَّا أَن يَكُونُوا من الأزد، فَإِن ثمالة الْمَذْكُورين مَعَهم حَيّ من الأزد، وَفهم من دوس، وهم من الأزد أَيْضا [4] أَبُو محجن: اسْمه مَالك بن حبيب.

(قسم الفيء) :

وَأَتَوْنَا فِي مَنَازِلِنَا ... وَلَقَدْ كُنَّا أُولِي نَقِمَهْ (قَسْمُ الْفَيْءِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَدِّ سَبَايَا حُنَيْنٍ إلَى أَهْلِهَا، رَكِبَ، وَاتَّبَعَهُ النَّاسُ يَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْسمْ علينا فيئنا مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، حَتَّى أَلْجَئُوهُ إلَى شَجَرَةٍ، فَاخْتَطَفَتْ عَنْهُ رِدَاءَهُ، فَقَالَ: أَدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي أيّها النّاس، فو الله أَنْ لَوْ كَانَ لَكُمْ بِعَدَدِ شَجَرِ تِهَامَةَ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ عَلَيْكُمْ، ثُمَّ مَا أَلْفَيْتُمُونِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا، ثُمَّ قَامَ إلَى جَنْبِ بَعِيرٍ، فَأَخَذَ وَبَرَةً مِنْ سَنَامِهِ، فَجَعَلَهَا بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ، ثُمَّ رَفَعَهَا، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاس، وَالله مَا لي مِنْ فَيْئِكُمْ وَلَا هَذِهِ الْوَبَرَةُ إلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ. فَأَدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ [1] ، فَإِنَّ الْغُلُولَ [2] يَكُونُ عَلَى أَهْلِهِ عَارًا وَنَارًا وَشَنَارًا [3] يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِكُبَّةٍ مِنْ خُيُوطِ شَعَرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخَذْتُ هَذِهِ الْكُبَّةَ أَعْمَلُ بِهَا بَرْذَعَةَ بَعِيرٍ لِي دَبِرَ، فَقَالَ: أَمَّا نَصِيبِي مِنْهَا فَلَكَ! قَالَ: أَمَّا إذْ بَلَغَتْ هَذَا فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا، ثُمَّ طَرَحَهَا مِنْ يَدِهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ دَخَلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ عَلَى امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَسَيْفُهُ مُتَلَطِّخٌ دَمًا، فَقَالَتْ: إنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّكَ قَدْ قَاتَلْتُ، فَمَاذَا أَصَبْتُ مِنْ غَنَائِمِ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ: دُونَكِ هَذِهِ الْإِبْرَةَ تَخِيطِينَ بِهَا ثِيَابَكَ، فَدَفَعَهَا إلَيْهَا، فَسَمِعَ مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَلْيَرُدَّهُ، حَتَّى الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ. فَرَجَعَ عَقِيلٌ، فَقَالَ: مَا أَرَى إبْرَتَكِ إلَّا قَدْ ذَهَبَتْ، فَأَخَذَهَا، فَأَلْقَاهَا فِي الْغَنَائِمِ. (عَطَاءُ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ، وَكَانُوا أَشْرَافًا مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، يَتَأَلَّفُهُمْ وَيَتَأَلَّفُ بِهِمْ قَوْمَهُمْ، فَأَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ

_ [1] الْخياط (هُنَا) : الْخَيط، والمخيط: الإبرة. [2] الْغلُول: الْخِيَانَة. [3] الشنار: أقبح الْعَار.

(شعر ابن مرداس يستقل ما أخذ وإرضاء الرسول له) :

ابْن حَرْب مائَة بَعِيرٍ، وَأَعْطَى ابْنه مُعَاوِيَة مائَة بَعِيرٍ، وَأَعْطَى حَكِيمَ بن حزَام مائَة بَعِيرٍ، وَأَعْطَى الْحَارِثَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ، أَخَا بَنِي عبد الدَّار مائَة بَعِيرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: نَصِيرُ [1] بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُ اسْمُهُ الْحَارِثَ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَعْطَى الْحَارِثَ بن هِشَام مائَة بَعِيرٍ، وَأَعْطَى سُهَيْلَ بن عَمْرو مائَة بَعِيرٍ، وَأَعْطَى حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ أَبى قيس مائَة بَعِيرٍ، وَأَعْطَى الْعَلَاءَ بْنَ جَارِيَةَ الثَّقَفِيَّ، حَلِيفَ بنى زهرَة مائَة بَعِيرٍ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بن بدر مائَة بَعِيرٍ، وَأَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِس التَّمِيمِي مائَة بَعِيرٍ. وَأَعْطَى مَالِكَ ابْن عَوْف النّصرىّ مائَة بَعِيرٍ، وَأَعْطَى صَفْوَانَ بن أميّة مائَة بَعِيرٍ، فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ الْمِئِينَ وَأعْطى دون الْمِائَة رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْهُمْ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ الزُّهْرِيُّ، وَعُمَيْرُ ابْن وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ، وَهِشَامُ بْنُ عَمْرٍو أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، لَا أَحْفَظُ مَا أَعْطَاهُمْ، وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّهَا دون الْمِائَة، وَأَعْطَى سَعِيدَ بْنَ يَرْبُوع بن عنكشة بْنَ عَامِرِ بْنِ مَخْزُومٍ خَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ، وَأَعْطَى السَّهْمِيَّ خَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُهُ عَدِيُّ بْنُ قَيْسٍ. (شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ يَسْتَقِلُّ مَا أَخَذَ وَإِرْضَاءُ الرَّسُولِ لَهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَعْطَى عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ أَبَاعِرَ فَسَخِطَهَا، فَعَاتَبَ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ يُعَاتِبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَتْ نِهَابًا تَلَافَيْتُهَا ... بِكَرِّي عَلَى الْمُهْرِ فِي الْأَجْرَعِ [2] وَإِيقَاظِي الْقَوْمَ أَنْ يَرْقُدُوا ... إذَا هَجَعَ النَّاسُ لَمْ أَهْجَعْ [3] فَأَصْبَحَ نَهْبِي وَنَهْبُ الْعَبِيدِ ... بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ [4]

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «نضير» بالضاد الْمُعْجَمَة. [2] نهابا: جمع نهب، وَهُوَ مَا ينهب ويغنم، يُرِيد الْمَاشِيَة وَالْإِبِل. والأجرع: الْمَكَان السهل. [3] هجع: نَام. [4] العبيد: اسْم فرس عَبَّاس بن مرداس.

(توزيع غنائم حنين على المبايعين) :

وَقَدْ كُنْتُ فِي الْحَرْبِ ذَا تُدْرَإٍ ... فَلَمْ أُعْطَ شَيْئًا وَلَمْ أُمْنَعْ [1] إلَّا أَفَائِلَ أُعْطِيتُهَا ... عَدِيدَ قَوَائِمِهَا الْأَرْبَعِ [2] وَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلَا حَابِسٌ ... يَفُوقَانِ شَيْخِي فِي الْمَجْمَعِ [3] وَمَا كُنْتُ دُونَ امْرِئِ مِنْهُمَا ... وَمَنْ تَضَعْ الْيَوْمَ لَا يُرْفَعْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي يُونُسُ النَّحْوِيُّ: فَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلَا حَابِسٌ ... يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي الْمَجْمَعِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذْهَبُوا بِهِ، فَاقْطَعُوا عَنِّي لِسَانَهُ، فَأَعْطَوْهُ حَتَّى رَضِيَ، فَكَانَ ذَلِكَ قَطْعَ لِسَانِهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتَ الْقَائِلُ: «فَأَصْبَحَ نَهْبِي وَنَهْبُ الْعَبِيدِ ... بَيْنَ الْأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةَ» ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُمَا وَاحِدٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَشْهَدُ أَنَّكَ كَمَا قَالَ اللَّهُ: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ 36: 69. (تَوْزِيعُ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ عَلَى الْمُبَايِعِينَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي إسْنَادٍ لَهُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ، فَأَعْطَاهُمْ يَوْمَ الْجِعْرَانَةِ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ. مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَطَلِيقُ بْنُ سُفْيَانَ ابْن أُمَيَّةَ، وَخَالِدُ بْنُ أُسَيْدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيَّةَ.

_ [1] ذَا تدرأ: ذَا دفع عَن قومِي [2] الأفائل: الصغار من الْإِبِل، الْوَاحِد أفيل. [3] شَيْخي: يعْنى أَبَاهُ مرداسا. ويروى: «شَيْخي» بتَشْديد الْيَاء، يُرِيد أَبَاهُ وجده. وروى: «يَفُوقَانِ مرداس» واستشهدوا بِهِ على ترك صرف مَا ينْصَرف لضَرُورَة الشّعْر.

وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ: شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْن عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، وَأَبُو السَّنَابِلِ بْنِ بَعْكَكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْلَةَ بْنِ السَّبَّاقِ ابْن عَبْدِ الدَّارِ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ: زُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ ابْن الْمُغِيرَةِ، وَخَالِدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَهِشَامُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَسُفْيَانُ ابْن عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَالسَّائِبُ بْنُ أَبِي السَّائِبِ بْنِ عَائِذِ ابْن عَبْدِ الله بن عَمْرو بْنِ مَخْزُومٍ. وَمِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ: مُطِيعُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ نَضْلَةَ، وَأَبُو جَهْمِ ابْن حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ. وَمِنْ بَنِي جُمَحِ بْنِ عَمْرٍو: صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَأُحَيْحَةُ بْنُ أُمَيَّةَ ابْن خَلَفٍ، وَعُمَيْرُ بْنُ وَهْبِ بْنِ خَلَفٍ. وَمِنْ بَنِي سَهْمٍ: عَدِيُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ. وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ: حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدٍّ، وَهِشَامُ بْنُ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حُبَيِّبٍ. وَمِنْ أَفْنَاءِ الْقَبَائِلِ: مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ: نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ صَخْرِ بْنِ رَزْنِ بْنِ يَعْمَرَ بْنِ نُفَاثَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الدِّيلِ. وَمِنْ بَنِي قَيْسٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، ثُمَّ مِنْ بَنِي كِلَابِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ: عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْأَحْوَصِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ، وَلَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ. وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ: خَالِدُ بْنُ هَوْذَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ ابْن عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ هَوْذَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرٍو. وَمِنْ بَنِي نَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ: مَالِكُ بْنُ عَوْفِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ. وَمِنْ بَنِي سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورٍ: عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ: أَخُو بَنِي الْحَارِث ابْن بهشة بْنِ سُلَيْمٍ. وَمِنْ بَنِي غَطَفَانَ، ثُمَّ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ.

(سئل الرسول عن عدم إعطائه جعيلا فأجاب) :

وَمِنْ بَنِي تَمِيمٍ ثُمَّ مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ: الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسِ بْنِ عِقَالٍ، مِنْ بَنِي مُجَاشِعِ ابْن دَارِمِ. (سُئِلَ الرَّسُولُ عَنْ عَدَمِ إِعْطَائِهِ جُعَيْلًا فَأَجَابَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ: أَنَّ قَائِلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطَيْتُ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَالْأَقْرَعَ بن حَابِس مائَة مائَة، وَتَرَكْتُ جُعَيْلَ بْنَ سُرَاقَةَ الضَّمْرِيَّ [1] ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَجُعَيْلُ بْنُ سُرَاقَةَ خَيْرٌ مِنْ طِلَاعِ الْأَرْضِ [2] ، كُلُّهُمْ مِثْلُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَلَكِنِّي تَأَلَّفْتهمَا لِيُسْلِمَا، وَوَكَلْتُ جُعَيْلَ بْنَ سُرَاقَةَ إلَى إسْلَامِهِ. (اعْتِرَاضُ ذِي الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيِّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، عَنْ مِقْسَمِ أَبِي الْقَاسِمِ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَتَلِيدُ بْنُ كِلَابٍ اللَّيْثِيُّ، حَتَّى أَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، مُعَلِّقًا نَعْلَهُ بِيَدِهِ، فَقُلْنَا لَهُ: هَلْ حَضَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَلَّمَهُ التَّمِيمِيُّ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، يُقَالُ لَهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُعْطِي النَّاسَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ رَأَيْتُ مَا صَنَعْتَ فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَلْ، فَكَيْفَ رَأَيْتُ؟ فَقَالَ: لَمْ أَرَكَ عَدَلْتُ، قَالَ: فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ! إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَدْلُ عِنْدِي، فَعِنْدَ مَنْ يَكُونُ! فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا أَقْتُلُهُ؟ فَقَالَ لَا، دَعْهُ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَهُ شِيعَةٌ يَتَعَمَّقُونَ فِي الدِّينِ [3] حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهُ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ [4]

_ [1] قَالَ السهيليّ: «نسب ابْن إِسْحَاق جعيلا إِلَى ضَمرَة، وَهُوَ مَعْدُود فِي غفار لِأَن غفارًا هم بَنو مليل ابْن ضَمرَة» . [2] طلاع الأَرْض: مَا يملؤها حَتَّى يطلع عَنْهَا ويسيل. [3] يتعمقون فِي الدَّين: يتتبعون أقصاه. [4] الرَّمية: الشَّيْء الّذي يرْمى.

(شعر حسان في حرمان الأنصار) :

يُنْظَرُ فِي النَّصْلِ [1] ، فَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ، ثمَّ فِي الْقدح [2] ، فَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ، ثُمَّ فِي الْفُوقِ [3] ، فَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ، سَبَقَ الْفَرْثَ [4] وَالدَّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَبُو جَعْفَرٍ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَسَمَّاهُ ذَا الْخُوَيْصِرَةِ. (شِعْرُ حَسَّانَ فِي حِرْمَانِ الْأَنْصَارِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَى فِي قُرَيْشٍ وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا، قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُعَاتِبُهُ فِي ذَلِكَ: زَادَتْ هُمُومٌ [5] فَمَاءُ الْعَيْنِ مُنْحَدِرُ ... سَحًّا إذَا حَفَلَتْهُ عَبْرَةٌ دَرِرُ [6] وَجْدًا بِشَمَّاءَ إذْ شَمَّاءُ بَهْكَنَةٌ ... هَيْفَاءُ [7] لَا دَنَسٌ [8] فِيهَا وَلَا خَوَرُ [9] دَعْ عَنْكَ شَمَّاءَ إذْ كَانَتْ مَوَدَّتُهَا ... نَزْرًا وَشَرُّ وِصَالِ الْوَاصِلِ النَّزِرُ [10] وَأْتِ الرَّسُولَ فَقُلْ يَا خَيْرَ مُؤْتَمَنٍ ... لِلْمُؤْمِنِينَ إذَا مَا عُدِّدَ [11] الْبَشَرُ عَلَامَ تُدْعَى سُلَيْمٌ وَهْي نَازِحَةٌ ... قُدَّامَ [12] قَوْمٍ هُمْ آوَوْا وَهُمْ نَصَرُوا سَمَّاهُمْ اللَّهُ أَنْصَارًا بِنَصْرِهِمْ ... دِينَ الْهُدَى وَعَوَانُ الْحَرْبِ تَسْتَعِرُ [13]

_ [1] النصل: حَدِيد السهْم. [2] الْقدح: السهْم. [3] الفوق: طرف السهْم الّذي يُبَاشر الْوتر. [4] الفرث: مَا يُوجد فِي الكرش. [5] كَذَا فِي ديوَان حسان طبع أوربة. وَفِي أ: «زَاد الهموم» . وَجَاءَت محرفة فِي سَائِر الْأُصُول. [6] السح: الصب. وحفلته: جمعته. ودرر: دارة سَائِلَة. [7] الوجد: الْحزن، وشماء: امْرَأَة. وبهكنة: كَثِيرَة اللَّحْم. وهيفاء: ضامرة الخصر. [8] كَذَا فِي أوالديوان. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ذنن» بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة. قَالَ أَبُو ذَر: «من رَوَاهُ بِالدَّال الْمُهْملَة، فَمَعْنَاه تطامن بالصدر وغئور، وَمن رَوَاهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، فَمَعْنَاه القذر، وَمِنْه الذنين، وَهُوَ مَا يسيل من الْأنف» . [9] الخور: الضعْف. [10] نزرا: قَلِيلا. والنزر: الْمقل، وَهُوَ على تَقْدِير مُضَاف. [11] فِي الدِّيوَان: «عدل» . [12] فِي الدِّيوَان: «أَمَام» . [13] الْحَرْب الْعوَان: الَّتِي قوتل فِيهَا مرّة بعد مرّة. وتستعر: تشتعل وتشتد، 32- سيرة ابْن هِشَام- 2

(وجد الأنصار لحرمانهم فاسترضاهم الرسول) :

وَسَارَعُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْتَرَفُوا ... لِلنَّائِبَاتِ وَمَا خَامُوا وَمَا ضَجِرُوا [1] وَالنَّاسُ أَلْبٌ [2] عَلَيْنَا فِيكَ لَيْسَ لَنَا [3] ... إلَّا السُّيُوفَ وَأَطْرَافَ الْقَنَا وَزَرُ [4] نُجَالِدُ النَّاسَ لَا نُبْقِي عَلَى أَحَدٍ ... وَلَا نُضَيِّعُ مَا تُوحِي بِهِ السُّوَرُ [5] وَلَا تَهِرُّ جُنَاةُ الْحَرْبِ نَادِيَنَا ... وَنَحْنُ حِينَ تَلَظَّى نَارُهَا سُعُرُ [6] كَمَا [7] رَدَدْنَا بِبَدْرٍ دُونَ مَا طَلَبُوا ... أَهْلَ النِّفَاقِ وَفِينَا يُنْزَلُ الظَّفَرُ وَنَحْنُ جُنْدُكَ يَوْمَ النَّعْفِ مِنْ أُحُدٍ ... إذْ حَزَّبَتْ [8] بَطَرًا أَحْزَابَهَا [9] مُضَرُ فَمَا وَنِيّنَا وَمَا خِمْنَا وَمَا خَبَرُوا ... مِنَّا عِثَارًا وَكُلُّ النَّاسِ قَدْ عَثَرُوا [10] (وَجَدَ الْأَنْصَارُ لِحِرْمَانِهِمْ فَاسْتَرْضَاهُمْ الرَّسُولُ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا، فِي قُرَيْشٍ وَفِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ، حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُمْ الْقَالَةُ [11] حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ: لَقَدْ لَقِيَ وَاَللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ الْأَنْصَارِ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ، لِمَا صَنَعْتُ فِي هَذَا الْفَيْءِ

_ [1] اعْتَرَفُوا: صَبَرُوا وخاموا: جبنوا. وَمَا ضجروا: مَا أَصَابَهُم حرج وَلَا ضيق. [2] ألب: مجتمعون. [3] فِي الدِّيوَان: «ثمَّ لَيْسَ لنا» . [4] الْوزر: الملجأ. [5] هَذَا الْبَيْت سَاقِط من الدِّيوَان. [6] لَا تهر: لَا تكره. وجناة الْحَرْب: الَّذين يَخُوضُونَ غمارها. ونادينا: مَجْلِسنَا. وسعر: نوقد الْحَرْب ونشعلها. وَرِوَايَة صدر هَذَا الْبَيْت فِي الدِّيوَان: « وَلَا يهر جناب الْحَرْب مَجْلِسنَا » . [7] فِي الدِّيوَان: «وَكم» . [8] النعف: أَسْفَل الْجَبَل. وحزبت: جمعت. [9] فِي الدِّيوَان: «أشياعها» . [10] ونينا: ضعفنا وفترنا. وخمنا: جبنا. [11] القالة: الْكَلَام الرَّدِيء

الَّذِي أَصَبْتَ، قَسَمْتُ فِي قَوْمِكَ، وَأَعْطَيْتُ عَطَايَا عِظَامًا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ. قَالَ: فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَنَا إلَّا مِنْ قَوْمِي. قَالَ: فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ [1] . قَالَ: فَخَرَجَ سَعْدٌ، فَجَمَعَ الْأَنْصَارَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ. قَالَ: فَجَاءَ رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَتَرَكَهُمْ، فَدَخَلُوا، وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدَّهُمْ. فَلَمَّا اجْتَمَعُوا لَهُ أَتَاهُ سَعْدٌ، فَقَالَ: قَدْ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ: مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ، وَجِدَةٌ [2] وَجَدْتُمُوهَا عَلَيَّ فِي أَنْفُسِكُمْ؟ أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ، وَعَالَةً [3] فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ، وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ! قَالُوا: بَلَى، اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ [4] وَأَفْضَلُ. ثُمَّ قَالَ: أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَار؟ قَالُوا: بِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ للَّه وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ. قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ، فَلَصَدَقْتُمْ وَلَصُدِّقْتُمْ: أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ، وَمَخْذُولًا [5] فَنَصَرْنَاكَ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَعَائِلًا فَآسَيْنَاكَ [6] . أَوَجَدْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِكُمْ فِي لُعَاعَةٍ [7] مِنْ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إلَى إسْلَامِكُمْ، أَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَرْجِعُوا بِرَسُولِ اللَّهِ إِلَى رحالكُمْ؟ فو الّذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا [8] وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ. اللَّهمّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ.

_ [1] الحظيرة: شبه الزريبة الَّتِي تصنع لِلْإِبِلِ والماشية لتمنعها، وتكف عَنْهَا العوادي. [2] كَذَا فِي الْأُصُول. قَالَ أَبُو ذَر: «الموجدة: العتاب، ويروى جدة، وَأكْثر مَا تكون الحدة فِي المَال» . [3] عَالَة: جمع عائل، وَهُوَ الْفَقِير. [4] أَمن: من الْمِنَّة، وَهِي النِّعْمَة. [5] المخذول: الْمَتْرُوك. [6] آسيناك: أعطيناك حَتَّى جعلناك كأحدنا. [7] اللعاعة: بقلة خضراء ناعمة، شبه بهَا زهرَة الدُّنْيَا وَنَعِيمهَا. [8] الشّعب: الطَّرِيق بَين جبلين.

عمرة الرسول من الجعرانة واستخلافه عتاب بن أسيد على مكة، وحج عتاب بالمسلمين سنة ثماني

قَالَ: فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ [1] ، وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قَسْمًا وَحَظًّا. ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَفَرَّقُوا. عُمْرَةُ الرَّسُولِ مِنْ الْجِعْرَانَةِ وَاسْتِخْلَافُهُ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ عَلَى مَكَّةَ، وَحَجَّ عَتَّابٌ بِالْمُسْلِمِينَ سَنَةَ ثَمَانِي (اعْتِمَارُ الرَّسُولِ وَاسْتِخْلَافُهُ ابْنَ أُسَيْدٍ عَلَى مَكَّةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ مُعْتَمِرًا، وَأَمَرَ بِبَقَايَا الْفَيْءِ فَحُبِسَ بِمَجَنَّةَ، بِنَاحِيَةِ مَرِّ الظَّهْرَانِ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُمْرَتِهِ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ، وَاسْتَخْلَفَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ عَلَى مَكَّةَ [2] ، وَخَلَّفَ مَعَهُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، يُفَقِّهُ النَّاسَ فِي الدِّينِ، وَيُعَلِّمُهُمْ الْقُرْآنَ، وَاتُّبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَقَايَا الْفَيْءِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ عَلَى مَكَّةَ رَزَقَهُ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا، فَقَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَجَاعَ اللَّهُ كَبِدَ مَنْ جَاعَ عَلَى دِرْهَمٍ، فَقَدْ رَزَقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْهَمًا كُلَّ يَوْمٍ، فَلَيْسَتْ بِي حَاجَةٌ إلَى أَحَدٍ. (وَقْتُ الْعُمْرَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ عُمْرَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فِي بَقِيَّةِ ذِي الْقَعْدَةِ أَوْ فِي ذِي الْحِجَّةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ لِسِتِّ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فِيمَا زَعَمَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيُّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَجَّ النَّاسُ تِلْكَ السَّنَةَ عَلَى مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَحُجُّ عَلَيْهِ، وَحَجَّ بِالْمُسْلِمِينَ تِلْكَ السَّنَةَ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ، وَهِيَ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَأَقَامَ أَهْلُ الطَّائِفِ عَلَى

_ [1] أخضلوا لحاهم: بلوها بالدموع. [2] وَكَانَ عمر عتاب إِذْ ذَاك نَحْو عشْرين سنة. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) .

أمر كعب بن زهير بعد الانصراف عن الطائف

شِرْكِهِمْ وَامْتِنَاعِهِمْ فِي طَائِفِهِمْ، مَا بَيْنَ ذِي الْقَعْدَةِ إذْ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ. أَمْرُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ بَعْدَ الِانْصِرَافِ عَنْ الطَّائِفِ (تَخَوُّفُ بَجِيرٍ عَلَى أَخِيهِ كَعْبٍ وَنَصِيحَتُهُ لَهُ) : وَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُنْصَرَفِهِ عَنْ الطَّائِفِ كَتَبَ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى إلَى أَخِيهِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ يُخْبِرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ رِجَالًا بِمَكَّةَ، مِمَّنْ كَانَ يَهْجُوهُ وَيُؤْذِيهِ، وَأَنَّ مَنْ بَقِيَ مِنْ شُعَرَاءِ قُرَيْشٍ، ابْنَ الزِّبَعْرَى وَهُبَيْرَةَ بْنَ أَبِي وَهْبٍ، قَدْ هَرَبُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ فِي نَفْسِكَ حَاجَةٌ، فَطِرْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ لَا يَقْتُلُ أَحَدًا جَاءَهُ تَائِبًا، وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَانْجُ إلَى نَجَائِكَ [1] مِنْ الْأَرْضِ، وَكَانَ كَعْبُ ابْن زُهَيْرٍ قَدْ قَالَ: أَلَا أَبْلِغَا عَنِّي بُجَيْرًا رِسَالَةً ... فَهَلْ لَكَ فِيمَا قُلْتُ وَيْحَكَ هَلْ لَكَا؟ [2] فَبَيِّنْ لَنَا إنْ كُنْتَ لَسْتَ بِفَاعِلٍ ... عَلَى أَيِّ شَيْءٍ غَيْرَ ذَلِكَ دَلَّكَا [3] عَلَى خُلُقٍ لَمْ أُلْفِ يَوْمًا أَبَا لَهُ ... عَلَيْهِ وَمَا تُلْفِي عَلَيْهِ أَبَا لَكَا فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَلَسْتُ بِآسِفٍ ... وَلاَ قَائِلٌ إِمَّا عَثَرْتَ: لَعًا لَكَا [4] سَقَاكَ بِهَا الْمَأْمُونُ كَأْسًا رَوِيَّةً ... فَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا [5] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى «الْمَأْمُورُ» . وَقَوْلُهُ «فَبَيِّنْ لَنَا» : عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.

_ [1] إِلَى نجائك، أَي إِلَى مَحل ينجيك مِنْهُ. [2] أبلغا: خطاب لاثْنَيْنِ، وَالْمرَاد الْوَاحِد، أَو خطاب لوَاحِد مُؤَكد بنُون توكيد خَفِيفَة، قلبت ألفا فِي الْوَصْل على نِيَّة الْوَقْف. [3] فَبين لنا: أَي اذكر لنا مرادك من بقائك على دينك. [4] لعا لَك: كلمة تقال للعاثر، وَهِي دُعَاء لَهُ بالإقالة من عثرته. [5] روية (فعيلة بِمَعْنى مفعلة، بِضَم الْمِيم وَكسر الْعين) أَي مروية. والنهل: الشّرْب الأول، والعلل: الشّرْب الثَّانِي. والمأمون: يعْنى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَت قُرَيْش تسميه بِهِ وبالأمين قبل النُّبُوَّة. قَالَ الزرقانى: «وَفِي رِوَايَة غير ابْن إِسْحَاق «الْمَحْمُود» وَهُوَ من أَسْمَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

(قدوم كعب على الرسول وقصيدته اللامية) :

وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ وَحَدِيثِهِ: مَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي بُجَيْرًا رِسَالَةً ... فَهَلْ لَكَ فِيمَا قُلْتُ بِالْخَيْفِ هَلْ لَكَا [1] شَرِبْتَ مَعَ الْمَأْمُونِ كَأْسًا رَوِيَّةً ... فَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا وَخَالَفْتَ أَسْبَابَ الْهُدَى وَاتَّبَعْتَهُ ... عَلَى أَيِّ شَيْءٍ وَيْبَ غَيْرِكَ دَلَّكَا [2] عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمًّا وَلَا أَبًا [3] ... عَلَيْهِ وَلَمْ تُدْرِكْ عَلَيْهِ أَخًا لَكَا فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَلَسْتُ بِآسِفِ ... وَلَا قَائِلٍ إمَّا عَثَرْتَ: لَعًا لَكَا قَالَ: وَبَعَثَ بِهَا إلَى بُجَيْرٍ، فَلَمَّا أَتَتْ بُجَيْرًا كَرِهَ أَنْ يَكْتُمَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْشَدَهُ إيَّاهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَمِعَ «سَقَاكَ بِهَا الْمَأْمُونُ» : صَدَقَ وَإِنَّهُ لَكَذُوبٌ، أَنَا الْمَأْمُونُ. وَلَمَّا سَمِعَ: «عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمًّا وَلَا أَبًا عَلَيْهِ» قَالَ: أَجَلْ، لَمْ يُلْفِ عَلَيْهِ أَبَاهُ وَلَا أُمَّهُ [4] . ثُمَّ قَالَ بُجَيْرٌ لِكَعْبِ: مَنْ مُبْلِغٌ كَعْبًا فَهَلْ لَكَ فِي الَّتِي ... تَلُومُ عَلَيْهَا بَاطِلًا وَهْيَ أَحْزَمُ إلَى اللَّهِ (لَا الْعُزَّى وَلَا اللَّاتِ) وَحْدَهُ ... فَتَنْجُو إذَا كَانَ النَّجَاءُ وَتَسْلَمُ لَدَى يَوْمِ لَا يَنْجُو وَلَيْسَ بِمُفْلِتٍ ... مِنْ النَّاسِ إلَّا طَاهِرُ الْقَلْبِ مُسْلِمُ فَدِينُ زُهَيْرٍ وَهُوَ لَا شَيْءَ دِينُهُ ... وَدِينُ أَبِي سُلْمَى عَلَى مُحَرَّمِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِنَّمَا يَقُولُ كَعْبٌ: «الْمَأْمُونُ» ، وَيُقَالُ: «الْمَأْمُورُ» فِي قَوْلِ ابْنِ هِشَامٍ، لِقَوْلِ قُرَيْشٍ الَّذِي كَانَتْ تَقُولُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (قُدُومُ كَعْبٍ عَلَى الرَّسُولِ وَقَصِيدَتُهُ اللَّامِيَّةُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا بَلَغَ كَعْبًا الْكِتَابُ ضَاقَتْ بِهِ الْأَرْضُ، وَأَشْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ،

_ [1] الْخيف: أَسْفَل الْجَبَل، وَيُرِيد بِهِ خيف منى. [2] ويب غَيْرك: أَي هَلَكت هَلَاك غَيْرك. وَهُوَ بِالنّصب على إِضْمَار الْفِعْل. [3] قَالَ السهيليّ: «إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن أمهما وَاحِدَة، وَهِي كَبْشَة بنت عمار السحيمية، فِيمَا ذكر عَن ابْن الْكَلْبِيّ» . [4] زَاد الزرقانى نقلا عَن ابْن الْأَنْبَارِي أَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: من لَقِي مِنْكُم كَعْب بن زُهَيْر فليقتله.

وَأَرْجَفَ [1] بِهِ مَنْ كَانَ فِي حَاضِرِهِ [2] مِنْ عَدُوِّهِ، فَقَالُوا: هُوَ مَقْتُولٌ. فَلَمَّا لَمْ يَجِدْ مِنْ شَيْءٍ بُدًّا، قَالَ قَصِيدَتَهُ الَّتِي يَمْدَحُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ فِيهَا خَوْفَهُ وَإِرْجَافَ الْوُشَاةِ بِهِ مِنْ عَدُوِّهِ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلَ عَلَى رَجُلٍ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَعْرِفَةٌ، مِنْ جُهَيْنَةَ، كَمَا ذُكِرَ لِي، فَغَدَا بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، فَصَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَشَارَ لَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ، فَقُمْ إلَيْهِ فَاسْتَأْمِنْهُ. فَذُكِرَ لِي أَنَّهُ قَامَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى جَلَسَ إلَيْهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَعْرِفُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ قَدْ جَاءَ لِيَسْتَأْمِنَ مِنْكَ تَائِبًا مُسْلِمًا، فَهَلْ أَنْتَ قَابِلٌ مِنْهُ إنْ أَنَا جِئْتُكَ بِهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّهُ وَثَبَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي وَعَدُوَّ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُ عَنْكَ، فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ تَائِبًا، نَازِعًا (عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ [3] ) . قَالَ فَغَضِبَ كَعْبٌ عَلَى هَذَا الْحَيِّ مِنْ الْأَنْصَارِ، لِمَا صَنَعَ بِهِ صَاحِبُهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ إلَّا بِخَيْرِ، فَقَالَ فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي قَالَ حِينَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مُتَبْولُ ... مُتَيَّمٌ إثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ [4]

_ [1] أرجف بِهِ: خَاضَ فِي أمره بِمَا يسوءه ويفزعه. [2] حاضره: حَيَّة. [3] زِيَادَة عَن م، ر. [4] بَانَتْ: فَارَقت فراقا بَعيدا. وسعاد: اسْم امْرَأَة. وَقيل (كَمَا فِي الزرقانى) : هِيَ امْرَأَته وَبنت عَمه، خصها بِالذكر لطول غيبته عَنْهَا، لهروبه من النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومتبول: أسقمه الْحبّ وأضناه. ومتيم: ذليل مستعبد. وَلم يفد: لم يخلص من الْأسر، ويروى: «لم يجز» ، و «لم يشف» . ومكبول: مُقَيّد. يُرِيد الشَّاعِر أَن محبوبته فارقته، فَصَارَ قلبه فِي غَايَة الضنى والسقم والذل والأسر، لَا يجد من قَيده فكاكا، وَلَا يَسْتَطِيع من سجنه خلاصا. وَرِوَايَة عجز هَذَا الْبَيْت فِي أ: « متيم عِنْدهَا لم يجز مكبول » .

وَمَا سُعَادُ غَدَاةَ الْبَيْنِ إذْ رَحَلُوا [1] ... إلَّا أَغَنُّ غَضِيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ [2] هَيْفَاءُ مُقْبِلَةً عَجْزَاءُ مُدْبِرَةً ... لَا يُشْتَكَى قِصَرٌ مِنْهَا وَلَا طُولُ [3] تَجْلُو عَوَارِضَ ذِي ظَلْمٍ إذَا ابْتَسَمَتْ ... كَأَنَّهُ مُنْهَلٌ بِالرَّاحِ مَعْلُولُ [4] شُجَّتْ بِذِي شَيَمٍ مِنْ مَاءِ مَحْنِيَةٍ ... صَافٍ بِأَبْطَحَ أَضْحَى وَهْوَ مَشْمُولُ [5] تَنْفِي الرِّيَاحُ الْقَذَى عَنْهُ وَأَفْرَطَهُ ... مِنْ صَوْبِ غَادِيَةٍ بيض يعاليل [6]

_ [1] فِي أ: «إِذْ برزت» . [2] الأغن (هُنَا) : الظبي الصَّغِير الّذي فِي صَوته غنة، وَهِي صَوت يخرج من الخياشيم، وغضيض الطّرف: فاتره. وَمَكْحُول: من الْكحل (بتحريك الْحَاء الْمُهْملَة) وَهُوَ سَواد يَعْلُو جفون الْعين من غير اكتحال. شبه محبوبته وَقت الْفِرَاق بالظبى الْمَوْصُوف بغنة الصَّوْت، وغض الطّرف، والكحل، وَهِي من صِفَات الْجمال. [3] هيفاء: صفة مشبهة من الهيف (بِالتَّحْرِيكِ) وَهُوَ ضمور الْبَطن، ودقة الخاصرة، ومقبلة: حَال. وعجزاء: صفة أَيْضا، أَي كَبِيرَة الْعَجز، وَهُوَ الردف. وَلَا يشتكي قصر: أَي لَا يشتكي الرَّائِي عِنْد رؤيتها قصرا فِيهَا. يُرِيد أَن هَذِه المحبوبة يحسن منظرها فِي كل حَال، فَإِذا أَقبلت فَهِيَ هيفاء، وَإِذا أَدْبَرت فَهِيَ عجزاء، وَهِي متوسطة بَين الطول وَالْقصر. وَهَذَا الْبَيْت سَاقِط فِي أ. [4] تجلو: تصقل وَتكشف. والعوارض: جمع عَارض أَو عارضة، وَهِي الْأَسْنَان كلهَا، أَو الضواحك خَاصَّة، أَو هِيَ من الأنياب. وَالظُّلم (بِفَتْح الظَّاء وَسُكُون اللَّام) : مَاء الْأَسْنَان وبريقها، أَو هُوَ رقتها وبياضها. والمنهل (بزنة اسْم الْمَفْعُول) : المسقى، من أنهله، إِذا سقَاهُ النهل (بِفتْحَتَيْنِ) وَهُوَ الشّرْب الأول. وبالراح: مُتَعَلق بمنهل. والراح: الْخمر. ومعلول: من الْعِلَل (بِالْفَتْح) ، وَهُوَ الشّرْب الثَّانِي. يُرِيد أَن سعاد إِذا ابتسمت كشفت عَن أَسْنَان ذَات مَاء وبريق، أَو ذَات بَيَاض ورقة، وَكَأن ثغرها لطيب رَائِحَته قد سقى الراح مرّة بعد مرّة. [5] شجت: مزجت حَتَّى انْكَسَرت سورتها، وَهُوَ مجَاز، لِأَن الأَصْل فِي الشج الْكسر. وَذُو شيم: مَاء شَدِيد الْبرد. والمحنية (بِفَتْح فَسُكُون فَكسر) : منعطف الْوَادي، وَخَصه لِأَن مَاءَهُ أصفى وأبرد. والأبطح: المسيل الْوَاسِع الّذي فِيهِ دقاق الْحَصَى، وَمَاء الأباطح عِنْدهم مَعْرُوف بصفائه. وأضحى: أَخذ فِي وَقت الضُّحَى قبل أَن يشْتَد حر الشَّمْس. والمشمول: الّذي ضَربته ريح شمال حَتَّى برد، وَهِي أَشد تبريدا المَاء من غَيرهَا. [6] القذى: مَا يَقع فِي المَاء من تبن أَو عود أَو غَيره مِمَّا يشوبه ويكدره. وأفرطه: سبق إِلَيْهِ وملأه. والصوب الْمَطَر. والغادية: السحابة تمطر غدْوَة، ويروى «سَارِيَة» وَهِي السحابة تأتى لَيْلًا. واليعاليل: الْحباب الّذي يَعْلُو وَجه المَاء. وَقيل المُرَاد بالبيض اليعاليل: الْجبَال الشَّدِيدَة الْبيَاض ينحدر عَلَيْهَا مَاء الْمَطَر، ثمَّ يسيل إِلَى الأباطح. يُرِيد أَن الرِّيَاح تزيل القذى عَن ذَلِك المَاء الّذي مزج بِهِ الراح، حَتَّى لم يبْق فِيهِ مَا يكدره، وَأَن ذَلِك الأبطح ملأته الفقاقيع الْبيض، الَّتِي نشأت من مطر السحابة الغادية.

قيالها خُلَّةً لَوْ أَنَّهَا صَدَقَتْ ... بِوَعْدِهَا أَوْ لَوَ انَّ النَّصْحَ مَقْبُولُ [1] لَكِنَّهَا خُلَّةٌ قَدْ سِيطَ مِنْ دَمهَا ... فجع وولع وَإِخْلَافٌ وَتَبْدِيلُ [2] فَمَا تَدُومُ [3] عَلَى حَالٍ تَكُونُ بِهَا ... كَمَا تَلَوَّنُ فِي أَثْوَابِهَا الْغُولُ [4] وَمَا [5] تَمَسَّكُ [6] بِالْعَهْدِ الَّذِي زَعَمَتْ ... إلَّا كَمَا يُمْسِكُ الْمَاءَ الْغَرَابِيلُ فَلَا يَغُرَّنْكَ مَا مَنَّتْ وَمَا وَعَدَتْ ... إنَّ الْأَمَانِيَّ وَالْأَحْلَامَ تَضْلِيلُ [7] كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلًا ... وَمَا مَوَاعِيدُهَا إلَّا الْأَبَاطِيلُ [8] أَرْجُو وَآمُلُ أَنْ تَدْنُو مَوَدَّتُهَا ... وَمَا إخَالُ لَدَيْنَا مِنْكِ تَنْوِيلُ [9]

_ [1] الْخلَّة (بِالضَّمِّ) : الصديقة. يُوصف بِهِ الْمُذكر والمؤنث والمفرد وَغَيره. يُرِيد أَنَّهَا صديقَة كَرِيمَة، وَلَو أَنَّهَا صدقت فِي الْوَعْد، وَقبلت النصح، لكَانَتْ على أتم الْخلال، وأكمل الْأَحْوَال. وَرِوَايَة هَذَا للبيت فِي أ: «ويلمها.... بوعدها وَلَو ان ... » [2] سيط: أَي خلط بلحمها ودمها هَذِه الصِّفَات الْمَذْكُورَة فِي الْبَيْت. ويروى: شيط (بالشين الْمُعْجَمَة) وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. والفجع: الْإِصَابَة بالمكروه كالهجر وَنَحْوه. والولع والولعان: الْكَذِب. والإخلاف: خلف الْوَعْد. يُرِيد أَن محبوبته متصفة بِهَذِهِ الْأَخْلَاق، حَتَّى صَارَت كَأَنَّهَا مختلطة بدمها. [3] فِي أ: «فَمَا تقوم» . [4] الغول: سَاحِرَة الْجِنّ، فِي زعمهم. يَزْعمُونَ أَن الغول ترى فِي الفلاة بألوان شَتَّى، فتأخذ جانبا عَن الطَّرِيق، فيتبعها من يَرَاهَا، فيضل عَن الطَّرِيق فَيهْلك. يُرِيد أَن هَذِه المحبوبة لَا تدوم على حَال تكون عَلَيْهَا. بل تَتَغَيَّر من حَال إِلَى حَال، فتتلون بألوان شَتَّى وَترى فِي صور مُخْتَلفَة، كَمَا تتلون الغول فِي أثوابها بألوان كَثِيرَة. [5] فِي أ: «وَلَا» . [6] تمسك، يرْوى بِفَتْح التَّاء، على أَنه مضارع حذفت إِحْدَى تاءيه، أَو بِضَم التَّاء وَفتح الْمِيم وَكسر السِّين الْمُشَدّدَة. «وَلَا تمسك» . يشبه تمسكها بالعهد بإمساك الغرابيل للْمَاء، مُبَالغَة فِي النَّقْض والنكث وَعدم الْوَفَاء بالعهد، لِأَن المَاء بِمُجَرَّد وَضعه فِي الغربال يسْقط مِنْهُ. [7] مَا منت: مَا منتك إِيَّاه، وحملتك على تمنيه، أَو مَا كذبت عَلَيْك فِيهِ. يَقُول: لَا تغتر بِمَا حَملتك على تمنيه مِنْهَا، أَو بِمَا كذبت عَلَيْك فِيهِ من الْوَصْل، وَمَا وعدتك بِهِ من ترك الهجر، فَإِن الْأَمَانِي الَّتِي الَّتِي يتمناها الْإِنْسَان، والأحلام الَّتِي يَرَاهَا فِي مَنَامه سَبَب فِي الضلال، وضياع الزَّمَان. وَهَذَا الْبَيْت مُتَأَخّر فِي (أ) عَن الْبَيْتَيْنِ التاليين لَهُ. [8] كَانَت: صَارَت. وعرقوب (بِضَم الْعين وَإِسْكَان الرَّاء وَضم الْقَاف) : رجل اشْتهر عِنْد الْعَرَب بإخلاف الْوَعْد، فَضرب بِهِ الْمثل فِي الْخلف. والأباطيل: جمل بَاطِل، على غير قِيَاس. [9] التنويل: الْعَطاء، وَالْمرَاد بِهِ (هُنَا) : الْوَصْل. يُرِيد أَنى مَعَ اتصافها بالجفاء وإخلاف الْوَعْد، وَعدم الْوَفَاء بالعهد، لَا أقطع الرَّجَاء من مودتها، وَلَا أيأس من وَصلهَا، بل أَرْجُو وآمل أَن تقرب مودتها،

أَمْسَتْ سُعَادُ بِأَرْضٍ لَا يُبَلِّغُهَا ... إلَّا الْعِتَاقُ النَّجِيبَاتُ الْمَرَاسِيلُ [1] وَلَنْ يُبَلِّغَهَا إلَّا عُذَافِرَةٌ ... لَهَا عَلَى الْأَيْنِ إرْقَالٌ وَتَبْغِيلُ [2] مِنْ كُلِّ نَضَّاخَةِ الذِّفْرَى إذَا عَرِقَتْ ... عُرْضَتُهَا طَامِسُ الْأَعْلَامِ مَجْهُولُ [3] تَرْمِي الْغُيُوبَ بِعَيْنَيْ مُفْرِدٍ لَهَقٍ ... إذَا تَوَقَّدَتْ الْحِزَّانُ وَالْمِيلُ [4] ضَخْمٌ مُقَلَّدُهَا فَعْمٌ مُقَيَّدُهَا ... فِي خَلْقِهَا عَنْ بَنَاتِ الْفَحْلِ تَفْضِيلُ [5]

_ [ () ] وَإِن كَانَ فِي ذَلِك بعد. وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي أ.: أَرْجُو وآمل أَن يعجلن فِي أَبَد ... وَمَا إخال لَهُنَّ الدَّهْر تَعْجِيل [1] الْعتاق: الْكِرَام، الْوَاحِد: عَتيق. والنجيبات: جمع نجيبة، وَهِي القوية الْخَفِيفَة. ويروى: «النجيات» أَي السريعات. والمراسيل: جمع مرسال (بِالْكَسْرِ) وَهِي السريعة. يُرِيد أَن محبوبته صَارَت. بِأَرْض بعيده لَا يوصله إِلَيْهَا إِلَّا الْإِبِل الْكِرَام الْأُصُول، القوية السريعة. [2] العذافرة: النَّاقة الصلبة الْعَظِيمَة. والأين: الإعياء والتعب. والإرقال: والتبغيل: ضَرْبَان من السّير السَّرِيع. يَقُول: لَا يبلغ تِلْكَ الأَرْض إِلَّا نَاقَة صلبة عَظِيمَة قَوِيَّة على السّير. وَرِوَايَة الشّطْر الثَّانِي فِي (أ) : فِيهَا على الأين....» . [3] النضاخة: الْكَثِيرَة رشح الْعرق. والذفرى: النقرة الَّتِي خلف أذن النَّاقة، وَهِي أول مَا يعرق مِنْهَا. وعرضتها: همتها. وطامس الْأَعْلَام: الدارس الْمُتَغَيّر من العلامات الَّتِي تكون فِي الطَّرِيق ليهتدى بهَا. يُرِيد أَن هَذِه النَّاقة كَثِيرَة الْعرق، وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا مَعَ اشتداد فِي السّير، وَجهد نَفسهَا فِيهِ، وَأَنَّهَا عارفة للطريق الدارس الْأَعْلَام، الْمَجْهُول المسالك، لِكَثْرَة أسفارها وسلوكها المفازات. ويروى الشّطْر الثَّانِي من هَذَا الْبَيْت: «ولاحها طامس....» . ولاحها: غَيرهَا. [4] الغيوب: آثَار الطَّرِيق الَّتِي غَابَتْ معالمها عَن الْعُيُون. والمفرد: الثور الوحشي الّذي تفرد فِي مَكَان، وَشبه عينيها بِعَيْنيهِ لِأَنَّهُ ألف البراري وخبرها، ولكونه من أحد الوحوش نظرا. واللهق (بِفَتْح الْهَاء وَكسرهَا) الْأَبْيَض. والحزان (بِضَم الْحَاء وَكسر وَتَشْديد الزاى) : الْأَمْكِنَة الغليظة الصلبة تكْثر فِيهَا الْحَصْبَاء، وَهِي جمع حزيز. والميل (بِالْكَسْرِ) : جمع (ميلاء) بِالْفَتْح، وَهِي الْعقْدَة الضخمة من الرمل. يُرِيد أَن هَذِه النَّاقة فِي غَايَة من حِدة الْبَصَر، فتبصر مَا غَابَ من آثَار الطَّرِيق عَن الْعُيُون بعينيها الشبيهتين بعيني الثور الوحشي الْأَبْيَض وَقت اشتداد الْحر، فِي الْأَمْكِنَة الغليظة الصلبة، والرمال المنعقدة الضخمة. وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي أ: «ترمى النجاد ... إِلَخ» . [5] الْمُقَلّد: مَوضِع القلادة فِي الْعُنُق. وفعم: ممتلئ. ويروى: «عبل» وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. والمقيد: مَوضِع الْقَيْد، يُرِيد قَوَائِمهَا. وَبَنَات الْفَحْل: الْإِنَاث من الْإِبِل المنسوبة للفحل الْمعد للضراب. يصف النَّاقة بضخامة الْعُنُق، وَذَلِكَ مُؤذن بضخامة جَمِيع هامتها، وبعظم القوائم، وَذَلِكَ دَلِيل على قوتها فِي السّير، وطاقتها على ثقل الْحمل. وبتفضيلها على غَيرهَا فِي عظم الْخلقَة، وَحسن التكوين.

غَلْبَاءُ وَجْنَاءُ عُلْكُومٌ مُذَكَّرَةٌ ... فِي دَفِّهَا سَعَةٌ قُدَّامُهَا مِيلُ [1] وَجِلْدُهَا مِنْ أُطُومٍ مَا يُؤَيِّسُهُ ... طِلْحٌ بِضَاحِيَةِ الْمَتْنَيْنِ مَهْزُولُ [2] حَرْفٌ أَخُوهَا أَبُوهَا مِنْ مُهَجَّنَةٍ ... وَعَمُّهَا خَالُهَا قَوْدَاءُ شِمْلِيلُ [3] يَمْشِي الْقُرَادُ عَلَيْهَا ثُمَّ يُزْلِقُهُ ... مِنْهَا لَبَانٌ وَأَقْرَابٌ زَهَالِيلُ [4] عَيْرَانَةٌ قُذِفَتْ بِالنَّحْضِ عَنْ عُرُضٍ ... مِرْفَقُهَا عَنْ بَنَاتِ الزَّوْرِ مَفْتُولُ [5] كَأَنَّمَا فَاتَ عَيْنَيْهَا وَمَذْبَحَهَا ... مِنْ خَطْمِهَا وَمِنْ اللَّحْيَيْنِ بِرْطِيلُ [6]

_ [1] غلباء: غَلِيظَة الْعُنُق. ووجناء: عَظِيمَة الوجنتين، أَو هِيَ من الوجين، وَهُوَ مَا صلب من الأَرْض. وعلكوم: شَدِيدَة. ومذكرة: عَظِيمَة الْخلقَة تشبه الذكران من الأباعر. وَفِي دفها سَعَة: أَي هِيَ وَاسِعَة الجنبين، وَهُوَ كِنَايَة عَن عظم الْخلقَة. وقدامها ميل: كِنَايَة عَن طول عُنُقهَا، أَو سَعَة خطوها. [2] الأطوم: بِفَتْح الْهمزَة سلحفاة بحريّة غَلِيظَة الْجلد، وَقيل: هِيَ الزرافة. ويؤيسه: يذلله لَا يُؤثر فِيهِ. والطلع (بِالْكَسْرِ) : القراد دويبة مَعْرُوفَة يلزق بالدابة. والضاحية من كل شَيْء: ناحيته البارزة للشمس والمتنان: مَا يكتنف صلبها عَن يَمِين وشمال من عصب وَلحم. وَإِنَّمَا خص ضاحية المتنين، لِأَن القراد فِي الشَّمْس تقوى همته، وتكثر حركته. ويشتد امتصاصه للدم. ومهزول: صفة لطلح، أَي قراد مهزول من الْجُوع. يُرِيد أَن جلد هَذِه النَّاقة فِي غَايَة النعومة والملاسة، فَلَا يُؤثر فِيهِ القراد المهزول من الْجُوع فِيمَا برز للشمس من ناحيتي صلبها عَن يَمِين وشمال. [3] الْحَرْف (فِي الأَصْل) : الْقطعَة الْخَارِجَة من الْجَبَل، شبه النَّاقة بهَا فِي الْقُوَّة والصلابة. والحرف (أَيْضا) : النَّاقة الضامرة. وأخوها أَبوهَا ... إِلَخ: يُرِيد أَنَّهَا مداخلة النّسَب فِي الْكَرم، لم يدْخل فِي نَسَبهَا غير أقاربها. والمهجنة: الْكَرِيمَة الْأَبَوَيْنِ من الْإِبِل، والقوداء: الطَّوِيلَة الظّهْر والعنق. وَهِي من صِفَات الْإِبِل الَّتِي تمدح بهَا. والشمليل: الْخَفِيفَة السريعة. [4] يزلقه: من الإزلاق، أَي يسْقطهُ. وَمِنْهَا: أَي عَنْهَا. واللبان (بِالْفَتْح) : الصَّدْر، وَقيل وَسطه. والأقراب (بِالْفَتْح) الخواصر، وَالْمرَاد بِالْجمعِ هُنَا الْمثنى. والزهاليل: الملس جمع زهلول. يُرِيد أَن هَذِه النَّاقة لملاستها لَا يثبت القراد عَلَيْهَا. [5] العيرانة: النَّاقة المشبهة عير الْوَحْش فِي سرعته ونشاطه وصلابته، وَهَذَا مِمَّا يستحسن فِي أَوْصَاف الْإِبِل. والنحض: اللَّحْم. وَعَن: بِمَعْنى من. وَعرض (بِضَمَّتَيْنِ أَو بِضَم أَو فَسُكُون) : جَانب، وَالْمرَاد هُنَا الْعُمُوم. يُرِيد أَنَّهَا رميت بِاللَّحْمِ من كل جَانب من جوانبها. والمرفق: يُرِيد الْمرْفقين. والزور: الصَّدْر وَقيل: وَسطه. وَبَنَات الزُّور: مَا يتَّصل بِهِ مِمَّا حوله من الأضلاع وَغَيرهَا. يُرِيد أَن مرفق تِلْكَ النَّاقة مَصْرُوف عَمَّا حوالي الصَّدْر من الأضلاع وَغَيرهَا فَتكون مصونة عَن الضغط، لبعد مرفقها عَن أضلاعها، فَلَا يصطك بهَا لخفتها ونشاطها. [6] الخطم: الْأنف وَمَا حوله. واللحيان: العظمان اللَّذَان تنْبت عَلَيْهِمَا الْأَسْنَان السُّفْلى من الْإِنْسَان وَغَيره.. والبرطيل (بِالْكَسْرِ) : حجر مستطيل. يُرِيد أَن وَجههَا من خطمها وَمن اللحيين يشبه الْحجر

تَمُرُّ مِثْلَ عَسِيبِ النَّخْلِ ذَا خُصَلٍ ... فِي غَارِزٍ لَمْ تَخَوَّنْهُ الْأَحَالِيلُ [1] قَنْوَاءُ فِي حُرَّتَيْهَا لِلْبَصِيرِ بِهَا ... عِتْقٌ مُبِينٌ وَفِي الْخَدَّيْنِ تَسْهِيلُ [2] تَخْدِي عَلَى يَسَرَاتٍ وَهْيَ لَاحِقَةٌ ... ذَوَابِلٍ مَسُّهُنَّ الْأَرْضَ تَحْلِيلُ [3] سُمْرِ الْعُجَايَاتِ يَتْرُكْنَ الْحَصَى زِيَمًا ... لَمْ يَقِهِنَّ رُءُوسَ الْأُكْمِ تَنْعِيلُ [4] كَأَنَّ أَوْبَ ذِرَاعَيْهَا وَقَدْ عَرِقَتْ ... وَقَدْ تَلَفَّعَ بِالْقُورِ الْعَسَاقِيلُ [5]

_ [ () ] المستطيل. وَفِي رِوَايَة «كَأَنَّمَا قاب.... إِلَخ» : والقاب: الْمِقْدَار. وَالْمرَاد: الْمسَافَة من وَجههَا إِلَى عينيها، كَأَنَّمَا قدر وَجههَا الْمُنْتَهى إِلَى عينيها من خطمها قدر برطيل فِي الاستطالة. [1] عسيب النّخل: جَرِيدَة الّذي لم ينْبت عَلَيْهِ الخوص، فَإِن نبت عَلَيْهِ سمى سَعَفًا. وَذَا خصل: يُرِيد ذيلا لَهُ لفائف من الشّعْر. وَفِي غارز: أَي على ضرع. وَلم تخونه: لم تنقصه. والأحاليل: مخارج اللَّبن، جمع إحليل (بِالْكَسْرِ) . يُرِيد أَن هَذِه النَّاقة تمر ذَنبا مثل جَرِيدَة النّخل فِي الغلظ والطول، كثير الشّعْر، على ضرع لم تنقصه مخارج اللَّبن، لكَونهَا لَا تحلب، فَيكون ذَلِك أقوى لَهَا على السّير. [2] القنواء: المحدودبة الْأنف. ويروى: «وجناء» . وَقد عد الشَّاعِر هَذَا من صِفَات الْمَدْح مَعَ أَن الْمَنْقُول عَن الْعَرَب أَن القنا عيب فِي الْإِبِل وَالْخَيْل. والحزتان: الأذنان. وَالْعِتْق (بِالْكَسْرِ) : الْكَرم. والمبين: الظَّاهِر. وتسهيل: سهولة ولين: لَا خشونة وَلَا حزونة. يُرِيد أَن هَذِه النَّاقة محدودبة الْأنف، يظْهر للعارف بِالْإِبِلِ الْكِرَام كرم ظَاهر فِي أذنيها، لحسنهما وطولهما، ونجابة فِي خديها: سهولة وليونة. وَقد ورد هَذَا الْبَيْت فِي (أ) مُتَقَدما على الْبَيْتَيْنِ السَّابِقين لَهُ. [3] تخدى: تسرع. ويروى «تخذى» بمعجمتين، أَي تسترخي، وَهَذَا أبلغ فِي الْمَدْح، لِأَنَّهَا مَعَ استرخائها فِي السّير تلْحق النوق السوابق، فَكيف لَو أسرعت. وَفِي أ: «تهوى» وَهِي بِمَعْنى الأولى. واليسرات: القوائم الْخفاف. وَهِي لاحية: أَي وَالْحَال أَنَّهَا لاحقة بالنوق السَّابِقَة عَلَيْهَا، أَو بالديار الْبَعِيدَة عَنْهَا. وَفِي أ: «وَهِي لاهية» أَي غافلة عَن السّير، فَهِيَ تسرع فِيهِ من غير اكتراث ومبالاة، كَأَن ذَلِك سجية لَهَا. وَقد فسر ابْن هِشَام «اللاحقة» بالضامرة، فَيكون مرجع الضَّمِير «هِيَ» لليسرات. والذوابل: جمع ذابل، وَهُوَ الرمْح الصلب الْيَابِس، شبه قَوَائِمهَا بهَا فِي الصلابة والشدة. ومسهن: أَي مس تِلْكَ اليسرات للْأَرْض أَو وقعهن عَلَيْهَا. وَتَحْلِيل: أَي قَلِيل لم يُبَالغ فِيهِ، يُرِيد أَن هَذِه النَّاقة سريعة فِي السّير بقوائمها، سريعة الرّفْع عَن الأَرْض، كَأَنَّهَا لَا تمسها إِلَّا تَحِلَّة الْقسم، فَهِيَ فِي غَايَة الْإِسْرَاع فِي سَيرهَا. [4] العجايات: الأعصاب الْمُتَّصِلَة بالحافر، وَقيل: اللحمة الْمُتَّصِلَة بالعصب المنحدر من ركبة الْبَعِير إِلَى الفرسن، يشبه عصبها أَو لحم قَوَائِمهَا بِالرِّمَاحِ السمر لقُوته وصلابته. وزيما: مُتَفَرقًا. والأكم: هِيَ الْأَرَاضِي المرتفعة. والتنعيل: شدّ النَّعْل على ظفر الدَّابَّة ليقيها الْحِجَارَة. يُرِيد أَن أعصاب قَوَائِم هَذِه النَّاقة شَدِيدَة كالرماح السمر، ولشدة وَطئهَا الأَرْض تجْعَل الْحَصَى مُتَفَرقًا، ولصلابة خفافها لَا تحْتَاج إِلَى تنعيل يَقِيهَا الْحِجَارَة الَّتِي تكون فِي رُءُوس الأكم، فَلَا تخفى وَلَا ترق قدمهَا. [5] الأوب (بِالْفَتْح) : سرعَة التقلب وَالرُّجُوع. وعرقت: أَي وَقت عرقها لَا لتعب وَلَا لإعياء،

يَوْمًا يَظَلُّ بِهِ الْحِرْبَاءُ مُصْطَخِدًا ... كَأَنَّ ضَاحِيَهُ بِالشَّمْسِ مَمْلُولُ [1] وَقَالَ لِلْقَوْمِ حاديهم وَقد جنلت ... وُرْقُ الْجَنَادِبِ يَرْكُضْنَ الْحَصَا قِيلُوا [2] شَدَّ النَّهَارِ ذِرَاعَا عَيْطَلٍ نَصَفٍ ... قَامَتُ فَجَاوَبَهَا نُكْدٌ مَثَاكِيلُ [3] نَوَّاحَةٍ رِخْوَةِ الضَّبْعَيْنِ لَيْسَ لَهَا ... لَمَّا نَعَى بِكْرَهَا النَّاعُونَ مَعْقُولُ [4]

_ [ () ] لما تقدم من وصفهَا بِالْقُوَّةِ والصلابة، بل لشدَّة الْحر. وتلفع: اشْتَمَل والتحف. والقور (بِضَم الْقَاف) . جمع قارة، وَهِي الْجَبَل الصَّغِير. والعساقيل: السراب: يصف سرعَة ذراعي نَاقَته فِي وَقت الهاجرة وانتشار السراب فَوق صغَار الْجبَال. وَسَيَأْتِي ذكر الْمُشبه بِهِ فِي الْبَيْت الثَّالِث بعد هَذَا، وَهُوَ خبر كَأَن. وَهَذَا الْبَيْت مُتَأَخّر عَن الْبَيْتَيْنِ التَّابِعين لَهُ فِي أ. [1] الحرباء (بِالْكَسْرِ) : ضرب من العظاء، يسْتَقْبل الشَّمْس حَيْثُمَا دارت، ويتلون بألوان الْأَمْكِنَة الَّتِي يحل فِيهَا. ومصطخدا: محترقا بَحر الشَّمْس، ويروى: «مصطخما» ، أَي منتصبا قَائِما، كَمَا يرْوى «مرتبئا» أَي مرتفعا. وضاحيه: مَا برز للشمس مِنْهُ. ومملول: مَوضِع فِي الْملَّة، وَهِي الرماد الْحَار. يُرِيد أَن الْجبَال الصغار تلفعت بِالسَّرَابِ فِي يَوْم يصير فِيهِ الحرباء محترقا بالشمس، كَأَن البارز للشمس فِي أَوب ذَلِك الْيَوْم من ذَلِك الْحَيَوَان خبز مَعْمُول بالملة. [2] الْحَادِي: السَّائِق لِلْإِبِلِ. وَالْوَرق: جمع أَوْرَق أَو وَرْقَاء، وَهُوَ الْأَخْضَر الّذي يضْرب إِلَى السوَاد. وَقيل: الورقة: لون يشبه لون الرماد. وَالْجَنَادِب: جمع جُنْدُب (بِضَم الدَّال وتفتح) ضرب من الْجَرَاد. وَقيل الْجَرَاد الصَّغِير، وَإِنَّمَا يكون هَذَا الصِّنْف فِي القفار الموحشة القوية الْحَرَارَة، الْبَعِيدَة من المَاء. ويركضن الْحَصَى: يحركنه بأرجلهن لقصد النُّزُول، بِسَبَب الإعياء عَن الطيران، من شدَّة الْحر. وقيلوا: أَمر من قَالَ يقيل قيلولة، وَهِي الاسْتِرَاحَة فِي وَقت شدَّة الْحر. وَالْمرَاد أَن هَذَا الْيَوْم أَشد حرا حَتَّى إِن الْحَادِي الّذي من شَأْنه أَن ينشط الْإِبِل قَالَ للْقَوْم: قيلوا واستريحوا. [3] شدّ النَّهَار: وَقت ارتفاعه، وَهُوَ مُبَالغَة فِي شدَّة الْحر. والعيطل: الطَّوِيلَة. وَالنّصف: المتوسطة فِي السن، وَذَلِكَ حِين استكمال قوتها، وبلوغ أَشدّهَا، فَتكون أسْرع فِي الْحَرَكَة، وَأمكن فِي الْقُوَّة. والنكد جمع نكداء، وَهِي الَّتِي لَا يعِيش لَهَا ولد. والمثاكيل: جمع مثكال بِالْكَسْرِ، وَهِي الْكَثِيرَة الثكل. فِي هَذَا الْبَيْت وَالْبَيْت السَّابِق الّذي أَوله «كَأَن» يشبه سرعَة حَرَكَة يَدي هَذِه النَّاقة بِسُرْعَة حَرَكَة يَدي الْمَرْأَة الطَّوِيلَة المتوسطة فِي السن: فِي اللَّطْم على وَجههَا لشدَّة حزنها على وَلَدهَا، يجاوبها نسْوَة لَا يعِيش أَوْلَادهنَّ، فيشتد فعلهَا، ويقوى تَرْجِيع يَديهَا عِنْد النِّيَاحَة، لرؤية حزن غَيرهَا، وَشدَّة لطمهن. وَرِوَايَة الشّطْر الأول من هَذَا الْبَيْت فِي (أ) . أَوب يَدي فَاقِد شَمْطَاء معولة والفاقد: الَّتِي فقدت وَلَدهَا. والشمطاء: الَّتِي خالطها الشيب. والمعولة: الرافعة صَوتهَا بالبكاء. [4] النواحة: الْكَثِيرَة النوح على ميتها. ورخوة الضبعين: مسترخية العضدين. وَالْبكْر بِالْكَسْرِ:

تَفْرِى اللَّبَانَ بِكَفَّيْهَا وَمِدْرَعُهَا ... مُشَقَّقٌ عَنْ تَرَاقِيهَا رَعَابِيلُ [1] تَسْعَى الْغُوَاةُ جَنَابَيْهَا وَقَوْلُهُمْ ... إنَّكَ يَا بْنَ أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ [2] وَقَالَ كُلُّ صَدِيقٍ كُنْتُ آمُلُهُ ... لَا أُلْهِيَنَّكَ إنِّي عَنْكَ مَشْغُولُ [3] فَقُلْتُ خَلُّوا سَبِيلِي لَا أَبَا لَكُمْ ... فَكُلُّ مَا قَدَّرَ الرَّحْمَنُ مَفْعُولُ [4] كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهُ ... يَوْمًا عَلَى آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحْمُولُ [5] نُبِّئْتُ أَنَّ رَسُول الله أَو عدني ... وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَأْمُولُ [6] مَهْلًا هَدَاكَ الَّذِي أَعْطَاك نَافِلَة ... الْقُرْآن فِيهَا مَوَاعِيظٌ وَتَفْصِيلُ [7]

_ [ () ] أول الْأَوْلَاد. والناعون: المخبرون بِالْمَوْتِ، النادبون لَهُ. والمعقول (هُنَا) : الْعقل، وَهُوَ من المصادر الَّتِي جَاءَت على «مفعول» كمسعور وميسور ومفتون. يُرِيد أَن هَذِه الْمَرْأَة كَثِيرَة النوح على ميتها، مسترخية العضدين، فيداها سريعتان فِي الْحَرَكَة، وَلما أخْبرهَا الناعون بِمَوْت أول أَوْلَادهَا لم يبْق لَهَا عقل، فَهِيَ لَا تحس بالإعياء والتعب، شَأْن هَذِه النَّاقة الَّتِي لَا تحس بإعياء وَلَا تَعب فِي سَيرهَا. [1] تفري: تقطع. واللبان: الصَّدْر. والمدرع: الْقَمِيص. ورعابيل: قطع مُتَفَرِّقَة، وَهُوَ جمع رعبول. يُرِيد أَن هَذِه الْمَرْأَة تقطع مدرعها بأناملها لذهاب عقلهَا، فقميصها مشقوق عَن عِظَام صدرها قطعا كَثِيرَة. يشبه النَّاقة بِهَذِهِ الْمَرْأَة فِي أَن كلا مِنْهُمَا مسلوب الْإِدْرَاك، فَلَا يحس بِمَا يلاقى من مشقة وَشدَّة. [2] الغواة: المفسدون، جمع غاو. جنابيها: حواليها، تَثْنِيَة جناب (بِفَتْح الْجِيم) . ومقتول: أَي متوعد بِالْقَتْلِ، لِأَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قد أهْدر دَمه. وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي أ: تمشى الغواة بجنبيها وَقَوْلهمْ.... إِلَخ [3] آمله: أُؤَمِّل خَيره وأ ترجى إعانته فِي الملمات. وألهينك: أشغلنك. (لَا) فِيهَا: نَافِيَة، والتوكيد قَلِيل مَعَ النَّفْي. وَالْمعْنَى: لَا أشغلك عَمَّا أَنْت فِيهِ من الْخَوْف والفزع، بِأَن أسهله عَلَيْك وأسليك، فاعمل لنَفسك، فإنّي لَا أغْنى عَنْك شَيْئا، وَقد يكون الْكَلَام مثبتا، وَاللَّام فِيهِ للقسم، أَي وَالله لأجعلنك مَشْغُولًا عَنى، فَلَا تطلب من نصْرَة أَو مَعُونَة. ويروى هَذَا الْبَيْت: «وَقَالَ كل خَلِيل ... إِلَخ» [4] خلوا سَبِيل: اتركوه. وَقَوله: لَا أَبَا لكم: ذمّ لَهُم، لكَوْنهم لم يغنوا عَنهُ شَيْئا، أَو مدح لَهُم على سَبِيل التهكم والاستهزاء. [5] الْآلَة الحدباء: النعش الّذي يحمل عَلَيْهِ الْمَيِّت. يَقُول: كل إِنْسَان صائر إِلَى الْمَوْت طَالَتْ سَلَامَته أَو قصرت، فَلَا يشمت بى أحد إِذا هَلَكت. [6] نبئت: أخْبرت. ويروى: «أنبئت» . وأوعدني: تهددنى بِالْقَتْلِ. ومأمول: مرجو ومطموع فِيهِ. [7] هداك: زادك هدى، أَو هداك الله للصفح وَالْعَفو عَنى، فَيكون على هَذَا انبيت دَاعيا لنَفسِهِ. والنافلة الزِّيَادَة، وسمى الْقُرْآن نَافِلَة لِأَنَّهُ عَطِيَّة زَائِدَة على النُّبُوَّة.

لَا تَأْخُذَنِّي بِأَقْوَالِ الْوُشَاةِ وَلَمْ ... أُذْنِبْ وَلَوْ كَثُرَتْ فِيَّ الْأَقَاوِيلُ [1] لَقَدْ أَقُومُ مَقَامًا لَوْ يَقُومُ بِهِ ... أَرَى وَأَسْمَعُ مَا لَوْ يَسْمَعُ الْفِيلُ [2] لَظَلَّ يَرْعَدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ ... مِنْ الرَّسُولِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَنْوِيلُ [3] حَتَّى وَضَعْتُ يَمِينِي مَا أُنَازِعُهُ ... فِي كَفِّ ذِي نَقِمَاتٍ قِيلُهُ الْقِيلُ [4] فَلَهْوَ أَخْوَفُ عِنْدِي إذْ أُكَلِّمُهُ ... وَقِيلَ إنَّكَ مَنْسُوبٌ وَمَسْئُولُ [5]

_ [1] هَذَا الْبَيْت من تَتِمَّة الاستعطاف والتلطف فِي القَوْل، فَلَا، وَإِن كَانَت ناهية بِحَسب وَضعهَا، لَكِن المُرَاد مِنْهَا التضرع والتذلل. وَالْمعْنَى: لَا تستبح دمي بِسَبَب أَقْوَال الوشاة الساعين بيني وَبَيْنك بالإفساد وَالْكذب والبهتان. [2] لقد أقوم: مَعْنَاهُ: وَالله لقد أقوم مقَاما، فَهُوَ جَوَاب قسم مَحْذُوف. ويروى: «إِنِّي أقوم مقَاما» وَالْأولَى أبلغ للقسم. وَالْمقَام (هُنَا) مجْلِس النَّبِي. وَالْمرَاد بِالْقيامِ فِيهِ حُضُوره، وَالْمعْنَى على الْمُضِيّ أَي لقد حضرت مَجْلِسا. [3] يرعد: تَأْخُذهُ الرعدة، وَيصِح بِنَاؤُه للْمَفْعُول. والتنويل: التَّأْمِين. وَالْمعْنَى: لصار الْفِيل يضطرب ويتحرك من الْفَزع، وَإِنَّمَا خصّه بذلك لِأَنَّهُ أَرَادَ التَّعْظِيم والتهويل، والفيل أعظم الدَّوَابّ جثة وشأنا. إِلَّا أَن يكون لَهُ من الرَّسُول بِإِذن الله تَأْمِين يسكن بِهِ روعه، وَتثبت بِهِ نَفسه. وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي أ: لظل ترْعد من وجد بوادره ... إِن لم يكن من رَسُول الله تنويل والوجد: شدَّة الْحزن. والبوادر: اللَّحْم الّذي بَين الْعُنُق والكتف. زَادَت (أ) بعد هَذَا الْبَيْت: مَا زلت أقتطع الْبَيْدَاء مدرّعا ... جنح الظّلام وثوب اللّيل مسبول [4] حَتَّى وضعت: أَي فَوضعت. وَخص الْيَمين لِأَن الْأَشْيَاء الشَّرِيفَة تفعل بِالْيَمِينِ. وَلَا أنازعه: أَي حَال كوني طَائِعا لَهُ، رَاضِيا بِحكمِهِ، فِي غير مُنَازع لَهُ وَلَا مُخَالف. والنقمات (بِفَتْح فَكسر) جمع نقمة وَالْمرَاد بِصَاحِب النقمات: النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ كَانَ ينْتَقم من الْكفَّار، فَكَانَ شَدِيد السطوة والإغلاظ فيهم. وقيله: قَوْله. وَالْمرَاد أَن قَوْله مُعْتَد بِهِ لكَونه نَافِذا مَاضِيا. يُشِير بِالْبَيْتِ إِلَى حَاله مَعَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين قدم عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد، وَوضع يَده فِي يَده يستأمنه. [5] أخوف: أَشد إخافة وإرهابا. ومنسوب: أَي إِلَى أُمُور صدرت مِنْك، كَقَوْلِك لأخيك بجير: «سقاك بهَا الْمَأْمُون» ... إِلَخ. وَمَسْئُول: أَي عَن سَببهَا، أَو مسئول عَن نسبك، فَكَأَنَّهُ يَقُول: من قبيلتك الَّتِي تجيرك منى؟ وَمن قَوْمك الَّذين يعصمونك منى؟ فقد تبرءوا مِنْك، وتخلوا عَنْك. ويروى: «لذَلِك أهيب» و «فَذَاك أهيب» و «لَكَانَ أهيب» و «فَلَهو أخوف» . ويروى: «أرهب» مَكَان: «أهيب» .

مِنْ ضَيْغَمٍ بِضَرَاءِ الْأَرْضِ مُخْدَرُهُ ... فِي بَطْنِ عَثَّرَ غِيلٌ دُونَهُ غِيلُ [1] يَغْدُو فَيُلْحِمُ ضِرْغَامَيْنِ عَيْشُهُمَا ... لَحْمُ مِنْ النَّاسِ مَعْفُورٌ خَرَادِيلُ [2] إذَا يُسَاوِرُ قِرْنًا لَا يَحِلُّ لَهُ ... أَنْ يَتْرُكَ الْقِرْنَ إلَّا وَهُوَ مَفْلُولُ [3] مِنْهُ تَظَلُّ سِبَاعُ الْجَوِّ نَافِرَةً ... وَلَا تَمَشَّى بِوَادِيهِ الْأَرَاجِيلُ [4] وَلَا يَزَالُ بِوَادِيهِ أَخُو ثِقَةٍ ... مُضَرَّجُ الْبَزِّ وَالدُّرْسَانِ مَأْكُولُ [5] إنَّ الرَّسَولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ ... مُهَنَّدٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ مَسْلُولُ [6]

_ [1] ضيغم: أَسد. وضراء الأَرْض: الأَرْض الَّتِي فِيهَا شجر. والمخدر: غابة الْأسد. وعتر (بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْمُثَلَّثَة) : اسْم مَكَان مَشْهُور بِكَثْرَة السبَاع. والغيل: الشّجر الْكثير الملتف. وغيل دونه غيل: أَي أجمة تَقربهَا أجمة أُخْرَى، فَتكون أسدها أَشد توحشا، وَأقوى ضراوة. يُرِيد أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهيب من أسود عثر فِي آجامها. وَفِي رِوَايَة «من خادر» . والخادر: الْأسد الدَّاخِل فِي خدره، وَهُوَ حِينَئِذٍ يكون أَشد قُوَّة وبأسا. [2] يَغْدُو: يخرج فِي أول النَّهَار يتطلب صيدا لشبليه. وَفِي رِوَايَة: «يغذو» بِالذَّالِ: أَي يطعم. ويلحم: يطعمهما اللَّحْم. والضرغام: الْأسد. وَيُرِيد بالضرغامين شبليه. ومعفور: ملقى فِي العفر، وَهُوَ التُّرَاب. وَوَصفه بذلك لكثرته وَعدم اكتراثه بِهِ لشبعه. وخراديل: قطع صغَار. يصف هَذَا الْأسد بِكَثْرَة الافتراس، وَعظم الِاصْطِيَاد. [3] يساور: يواثب. والقرن (بِكَسْر الْقَاف) : المقاوم فِي الشجَاعَة. وَفِي ذكر الْقرن إِشَارَة إِلَى أَن هَذَا الْأسد لَا يساور ضَعِيفا وَلَا جَبَانًا، وَإِنَّمَا يساور مقاومه فِي الشجَاعَة، ومساويه فِي الْقُوَّة. والمفلول: المكسور الْمَهْزُوم. [4] الجو: اسْم مَوضِع، أَو هُوَ مَا اتَّسع من الأودية، أَو مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض. ونافرة: بعيدَة، ويروى: «ضامزة» والضامز: الّذي يمسك جرته بِفِيهِ وَلَا يجتر. ويروى «ضامرة» أَي جياعا لعدم قدرتها على الِاصْطِيَاد. والأراجيل: الْجَمَاعَات من الرِّجَال، وَهُوَ جمع أرجال، وأرجال: جمع رجل، وَرجل: اسْم جمع لراجل، يصف هَذَا الْأسد بِالْقُوَّةِ، حَتَّى خافته السبَاع وَالنَّاس. [5] أَخُو ثِقَة: الشجاع الواثق بشجاعته. ومضرج: مخضب بالدماء. ويروى: «مطرح» ، أَي مطروح. والبز: السِّلَاح والدرسان (بِضَم الدَّال) : أَخْلَاق الثِّيَاب الْوَاحِد دريس ومأكول: أَي طَعَام لذَلِك الْأسد. يُرِيد أَنه لَا يمر بوادي هَذَا الْأسد شُجَاع إِلَّا أكله وَطرح ثِيَابه الَّتِي مزقها، فَلَا يولع إِلَّا بالشجعان، وَلَا يلْتَفت لغَيرهم. [6] يستضاء بِهِ: يهتدى بِهِ إِلَى الْحق. ويروى: «لسيف» فِي مَكَان «لنُور» وَقد كَانَت عَادَة الْعَرَب إِذا أَرَادوا استدعاء من حَولهمْ من الْقَوْم أَن يشهروا السَّيْف الصَّقِيل، فيبرق، فَيظْهر لمعانه من بعد فَيَأْتُونَ إِلَيْهِ، مهتدين بنوره، مؤتمين بهداه. شبه الرَّسُول بذلك. والمهند: السَّيْف المطبوع فِي الْهِنْد، وسيوف الْهِنْد قَدِيما أحسن السيوف. وَمن سيوف الله: أَي من سيوف عظمها الله بنيل الظفر والانتقام والمسلول: الْمخْرج من غمده.

فِي عُصْبَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ ... بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا [1] زَالُوا فَمَا زَالَ أَنْكَاسٌ وَلَا كُشُفُ ... عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا مِيلٌ مَعَازِيلُ [2] شُمُّ الْعَرَانِينِ أَبْطَالُ لَبُوسُهُمْ ... مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ فِي الْهَيْجَا سَرَابِيلُ [3] بِيضٌ سَوَابِغُ قَدْ شُكَّتْ لَهَا حَلَقٌ ... كَأَنَّهَا حَلَقُ الْقَفْعَاءِ مَجْدُولُ [4] لَيْسُوا مَفَارِيحَ إنْ نَالَتْ رِمَاحُهُمْ ... قَوْمًا وَلَيْسُوا مَجَازِيعًا إذَا نِيلُوا [5] يَمْشُونَ مَشْيَ الْجِمَالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهُمْ ... ضَرْبٌ إذَا عَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ [6] لَا يَقَعَ الطَّعْنُ إلَّا فِي نُحُورِهِمْ ... وَمَا لَهُمْ عَنْ حِيَاضِ الْمَوْتِ تَهْلِيلُ [7]

_ [1] الْعصبَة: الْجَمَاعَة ويروى: «فِي فتية» جمع فَتى، وَهُوَ السخي الْكَرِيم. وزولوا: فعل أَمر من زَالَ التَّامَّة، أَي تحولوا وانتقلوا من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة. [2] الأنكاس: جمع نكس (بِالْكَسْرِ) وَهُوَ الرجل الضَّعِيف. والكشف (بِضَم فَسُكُون وحرك للشعر) : جمع أكشف، وَهُوَ الّذي لَا ترس مَعَه، أوهم الشجعان الَّذين لَا ينكشفون فِي الْحَرْب، أَي لَا ينهزمون والميل: جمع أميل، وَهُوَ الّذي لَا سيف لَهُ أَو هُوَ الّذي لَا يحسن الرّكُوب فيميل عَن السرج. والمعازيل الَّذين لَا سلَاح مَعَهم واحدهم معزال (بِكَسْر الْمِيم) . [3] شم، جمع أَشمّ، وَهُوَ الّذي فِي قَصَبَة أَنفه علو، مَعَ اسْتِوَاء أَعْلَاهُ. والعرانين: جمع عرنين، وَهُوَ الْأنف. وَصفهم بِهَذَا الْوَصْف إِمَّا على الْحَقِيقَة لِأَن ارْتِفَاع الْأَنْفس من الصِّفَات المحمودة فِي خلق الْإِنْسَان، وَإِمَّا على الْمجَاز، يُرِيد ارْتِفَاع أقدارهم، وعلو شَأْنهمْ. واللبوس: مَا يلبس من السِّلَاح. ونسج دَاوُد: أَي أَي منسوجه، وَهُوَ الدروع والهيجا (بِالْقصرِ هُنَا) : الْحَرْب. والسرابيل: جمع سربال، وَهُوَ الْقَمِيص أَو الدرْع. ووصفها بِأَنَّهَا من نسج دَاوُد دَلِيل على مناعتها. [4] بيض: مجلوة صَافِيَة مصقولة، لِأَن الْحَدِيد إِذا اسْتعْمل لم يركبه الصدأ. والسوابغ: الطوَال السوابل، وَيلْزم من طول الدروع قُوَّة لابسيها، إِذْ حملهَا مَعَ طولهَا يدل على الْقُوَّة والشدة. وَشَكتْ: أَدخل بَعْضهَا فِي بعض، ويروى: «سكت» بِمَعْنى ضيقت. والقفعاء: ضرب من الحسك، وَهُوَ نَبَات لَهُ شوك ينبسط على وَجه الأَرْض، تشبه بِهِ حلق الدروع. ومجدول: مُحكم الصَّنْعَة. [5] مفاريح: كثير والفرح. ونالوا: أَصَابُوا. ومجازيع: كثير والجزع. ويروى: «لَا يفرحون.... إِلَخ» . [6] الزهر: الْبيض. يصفهم بامتداد الْقَامَة، وَعظم الْخلق، والرّفق فِي الْمَشْي، وَبَيَاض الْبشرَة، وَذَلِكَ دَلِيل على الْوَقار والسؤدد. ويعصمهم: يمنعهُم. وعرد: فر وَأعْرض عَن قرنه وهرب عَنهُ. والتنابيل: جمع تنبال، وَهُوَ الْقصير [7] وُقُوع الطعْن فِي نحورهم: دَلِيل على أَنهم لَا ينهزمون حَتَّى يَقع الطعْن فِي ظُهُورهمْ. وحياض الْمَوْت: موارد الحتف، يُرِيد بهَا ساحات الْقِتَال. وتهليل: تَأَخّر. ويروى «فَمَا لَهُم عَن حياص الْمَوْت» بالصَّاد الْمُهْملَة، جمع حوص بِمَعْنى مضايقه وشدائده. 33- سيرة ابْن هِشَام- 2

(استرضاء كعب الأنصار بمدحه إياهم) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ كَعْبٌ هَذِهِ الْقَصِيدَةُ بَعْدَ قُدُومِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ. وَبَيْتُهُ: «حَرْفٌ أَخُوهَا أَبُوهَا» وَبَيْتُهُ: «يَمْشِي الْقُرَادُ» ، وَبَيْتُهُ: «عَيْرَانَةٌ قُذِفَتْ» ، وَبَيْتُهُ: «تُمِرُّ مِثْلَ عَسِيبِ النَّخْلِ» ، وَبَيْتُهُ: «تَفْرِي اللَّبَانَ» ، وَبَيْتُهُ: «إذَا يُسَاوِرُ قِرْنَا» ، وَبَيْتُهُ: «وَلَا يَزَالُ بِوَادِيهِ» : عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. (اسْتِرْضَاءُ كَعْبٍ الْأَنْصَارَ بِمَدْحِهِ إيَّاهُمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: فَلَمَّا قَالَ كَعْبٌ: «إذَا عَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ» ، وَإِنَّمَا يُرِيدُنَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، لِمَا كَانَ صَاحِبُنَا صَنَعَ بَهْ مَا صَنَعَ [1] ، وَخَصَّ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ. وَسلم بِمِدْحَتِهِ، غَضِبَتْ عَلَيْهِ الْأَنْصَارُ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ يَمْدَحُ الْأَنْصَارَ، وَيَذْكُرُ بَلَاءَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَوْضِعَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ: مَنْ سَرَّهُ كَرْمُ الْحَيَاةِ فَلَا يَزَلْ ... فِي مِقْنَبٍ مِنْ صَالِحِي الْأَنْصَارِ [2] وَرِثُوا الْمَكَارِمَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ ... إنَّ الْخِيَارَ هُمْ بَنُو الْأَخْيَارِ الْمُكْرِهِينَ السَّمْهَرِيَّ بِأَذْرُعٍ ... كَسَوَالِفِ الْهِنْدِيِّ غَيْرَ قِصَارِ [3] وَالنَّاظِرِينَ بِأَعْيُنٍ مُحْمَرَّةٍ ... كَالْجَمْرِ غَيْرَ كَلَيْلَةِ الْأَبْصَارِ وَالْبَائِعِينَ نُفُوسَهُمْ لِنَبِيِّهِمْ ... لِلْمَوْتِ يَوْمَ تَعَانُقٍ وَكِرَارِ وَالْقَائِدِينَ [4] النَّاسَ عَنْ أَدْيَانِهِمْ ... بِالْمَشْرَفِيِّ وَبِالْقَنَا الْخَطَّارِ [5] يَتَطَهَّرُونَ يَرَوْنَهُ نُسْكًا لَهُمْ ... بِدِمَاءِ مَنْ عَلِقُوا مِنْ الْكُفَّارِ دَرِبُوا كَمَا دَرِبَتْ بِبَطْنٍ خَفِيَّةٍ ... غُلْبُ الرِّقَابِ مِنْ الْأَسْوَدِ ضَوَارِي [6]

_ [1] هَذِه الْكَلِمَة: «مَا صنع» سَاقِطَة فِي أ. [2] المقنب: الْجَمَاعَة من الْخَيل. يُرِيد بِهِ الْقَوْم على ظُهُور جيادهم. [3] السمهري: الرمْح. وسوالف الْهِنْدِيّ: يُرِيد حَوَاشِي السيوف، وَقد يُرَاد بِهِ الرماح أَيْضا، لِأَنَّهَا قد تنْسب إِلَى الْهِنْد. [4] كَذَا فِي م، ر. وَقد شرحها أَبُو ذَر على أَنَّهَا «والذائدين» بِمَعْنى المانعين والدافعين. [5] المشرفي: السَّيْف. والقنا: الرماح، جمع قناة. والخطار: المهتز. وَهَذَا الْبَيْت سَاقِط من أ. [6] دربوا: تعودوا. وخفية: اسْم مأسدة. وَغلب الرّقاب: غِلَاظ الْأَعْنَاق. وضوارى: متعودات الصَّيْد والافتراس.

غزوة تبوك في رجب سنة تسع

وَإِذَا حَلَلْتَ لِيَمْنَعُوكَ إلَيْهِمْ ... أَصْبَحْتَ عِنْدَ مَعَاقِلِ الْأَعْفَارِ [1] ضَرَبُوا عَلِيًّا يَوْمَ بَدْرٍ ضَرْبَةً ... دَانَتْ لِوَقْعَتِهَا جَمِيعُ نِزَارِ [2] لَوْ يَعْلَمُ الْأَقْوَامُ عِلْمِي كُلَّهُ ... فِيهِمْ لَصَدَّقَنِي الَّذِينَ أُمَارِي [3] قَوْمٌ إذَا خَوَتْ النُّجُومُ فَإِنَّهُمْ ... لِلطَّارِقِينَ النَّازِلِينَ مَقَارِي [4] فِي الْغُرِّ مِنْ غَسَّانَ مِنْ جُرْثُومَةٍ ... أَعْيَتْ مَحَافِرُهَا عَلَى الْمِنْقَارِ [5] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ حَيْنَ أَنْشَدَهُ: «بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ » : لَوْلَا ذَكَرْتُ الْأَنْصَارَ بِخَيْرِ، فَإِنَّهُمْ لِذَلِكَ أَهْلٌ، فَقَالَ كَعْبٌ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ، وَهِيَ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ لِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ أَنَّهُ قَالَ: أَنْشَدَ كَعْبُ ابْن زُهَيْرٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ: «بَانَتْ سُعَادٌ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ [6] » غَزْوَةُ تَبُوكَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ (أَمْرُ الرَّسُولِ النَّاسَ بِالتَّهَيُّؤِ لِتَبُوكَ) : قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيَّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيِّ، قَالَ: ثُمَّ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ مَا بَيْنَ

_ [1] المعاقل: جمع معقل، وَهُوَ الْموضع الْمُمْتَنع. والأعفار: جمع عفر، وَهُوَ ولد الوعل، وَيضْرب الْمثل بامتناع أَوْلَاد الوعول فِي قلل الْجبَال. [2] عليا: يُرِيد على بن مَسْعُود بن مَازِن الغساني، وَإِلَيْهِ تنْسب بَنو كنَانَة، لِأَنَّهُ كفل ولد أَخِيه عبد مَنَاة بن كنَانَة بعد وَفَاته، فنسبوا إِلَيْهِ. [3] أمارى: أجادل. [4] خوت النُّجُوم: أَي سَقَطت وَلم تمطر فِي نوئها. والطارقون: الَّذين يأْتونَ بِاللَّيْلِ. والمقاري: جمع مقراة، وَهِي الْجَفْنَة الَّتِي يصنع فِيهَا الطَّعَام للأضياف. يُرِيد أَنهم إِذا انحبس الْمَطَر، وَاشْتَدَّ الزَّمَان، وَعم الْقَحْط، يكونُونَ أَصْحَاب قصاع لقرى للأضياف الَّذين يطرقونهم، وينزلون بهَا. [5] هَذَا الْبَيْت سَاقِط من (أ) . [6] إِلَى هُنَا ينتهى الْجُزْء السَّابِع عشر من أَجزَاء السِّيرَة.

(تخلف الجد وما نزل فيه) :

ذِي الْحَجَّةِ إلَى رَجَبٍ، ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ بِالتَّهَيُّؤِ لِغَزْوِ الرُّومِ. وَقَدْ ذَكَرَ لَنَا الزُّهْرِيُّ وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا، كُلٌّ حَدَّثَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ مَا بَلَغَهُ عَنْهَا، وَبَعْضُ الْقَوْمِ يُحَدِّثُ مَا لَا يُحَدِّثُ بَعْضٌ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالتَّهَيُّؤِ لِغَزْوِ الرُّومِ، وَذَلِكَ فِي زَمَانٍ مِنْ عُسْرَةِ النَّاسِ، وَشِدَّةٍ مِنْ الْحَرِّ، وَجَدْبٍ مِنْ الْبِلَادِ: وَحِينَ طَابَتْ الثِّمَارُ، وَالنَّاسُ يُحِبُّونَ الْمُقَامَ فِي ثِمَارِهِمْ وَظِلَالِهِمْ، وَيَكْرَهُونَ الشُّخُوصَ عَلَى الْحَالِ مِنْ الزَّمَانِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّمَا يَخْرُجُ فِي غَزْوَةٍ إلَّا كَنَّى عَنْهَا، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ غَيْرَ الْوَجْهِ الَّذِي يَصْمُدُ لَهُ [1] ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَإِنَّهُ بَيَّنَهَا لِلنَّاسِ، لِبُعْدِ الشُّقَّةِ [2] ، وَشِدَّةِ الزَّمَانِ، وَكَثْرَةِ الْعَدُوِّ الَّذِي يَصْمُدُ لَهُ، لِيَتَأَهَّبَ النَّاسُ لِذَلِكَ أُهْبَتَهُ، فَأَمَرَ النَّاسَ بِالْجِهَازِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يُرِيدُ الرُّومَ. (تَخَلِّفَ الْجَدِّ وَمَا نَزَلَ فِيهِ) : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ فِي جِهَازِهِ ذَلِكَ لِلْجَدِّ بْنِ قِيسٍ أَحَدِ بَنِي سَلِمَةَ: يَا جَدُّ، هَلْ لَكَ الْعَامَ فِي جِلَادِ بَنِي الْأَصْفَرِ [3] ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْ تَأْذَنُ لِي وَلَا تفتّنى؟ فو الله لَقَدْ عَرَفَ قَوْمِي أَنَّهُ مَا مِنْ رَجُلٍ بِأَشَدَّ عُجْبًا بِالنِّسَاءِ مِنِّي، وَإِنِّي أَخْشَى إنْ رَأَيْتَ نِسَاءَ بَنِي الْأَصْفَرِ أَنْ لَا أَصْبِرَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: قَدْ أَذِنْتُ لَكَ. فَفِي الْجَدِّ بْنِ قِيسٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي، أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ 9: 49. أَيْ إنْ كَانَ إنَّمَا خَشَى الْفِتْنَةَ مِنْ نِسَاءِ بَنِي الْأَصْفَرِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِهِ، فَمَا سَقَطَ فِيهِ مِنْ الْفِتْنَةِ أَكْبَرُ، بِتَخَلُّفِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالرَّغْبَةُ بِنَفْسِهِ عَنْ نَفْسِهِ، يَقُولُ تَعَالَى: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمِنْ وَرَائِهِ.

_ [1] يصمد: يقْصد. [2] الشقة: بعد الْمسير. [3] بنى الْأَصْفَر: يُرِيد الرّوم.

(ما نزل في القوم المثبطين) :

(مَا نَزَلَ فِي الْقَوْمِ الْمُثَبِّطِينَ) : وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ، زَهَادَةٌ فِي الْجِهَادِ، وَشَكًّا فِي الْحَقِّ، وَإِرْجَافًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِمْ: وَقالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ، قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ، فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً، جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ 9: 81- 82. (تَحْرِيقُ بَيْتِ سُوَيْلِمٍ وَشِعْرُ الضَّحَّاكِ فِي ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَارِثَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ نَاسًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَجْتَمِعُونَ فِي بَيْتِ سُوَيْلِمٍ الْيَهُودِيِّ، وَكَانَ بَيْتُهُ عِنْد جاسوم [1] ، يشبّطون النَّاسَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَبَعَثَ إلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بَيْتَ سُوَيْلِمٍ، فَفَعَلَ طَلْحَةُ. فَاقْتَحَمَ الضَّحَّاكُ بْنُ خَلِيفَةَ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهُ، وَاقْتَحَمَ أَصْحَابُهُ، فَأَفْلَتُوا. فَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي ذَلِكَ: كَادَتْ وَبَيْتِ اللَّهِ نَارُ مُحَمَّدٍ ... يَشِيطُ بِهَا الضَّحَّاكُ وَابْنُ أُبَيْرِقِ [2] وَظَلْتُ وَقَدْ طَبَّقْتُ كِبْسَ سُوَيْلِمٍ ... أَنَوْءُ عَلَى رِجْلِي كَسِيرًا وَمِرْفَقَى [3] سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا أَعُودُ لِمِثْلِهَا ... أَخَافُ وَمَنْ تَشْمَلْ بِهِ النَّارُ يُحْرَقُ (حَثُّ الرَّسُولِ عَلَى النَّفَقَةِ وَشَأْنُ عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَدَّ فِي سَفَرِهِ، وَأَمَرَ النَّاسَ بالجهاز والانكماش، وحضّ أَهْلَ الْغِنَى عَلَى النَّفَقَةِ وَالْحُمْلَانِ [4] فِي سَبِيلِ

_ [1] جاسوم: اسْم مَوضِع. [2] يشيط،: يَحْتَرِق. [3] طبقت: عَلَوْت. والكبس (بِكَسْر الْكَاف) : الْبَيْت الصَّغِير. [4] الحملان: مصدر حمل يحمل، وَقد يُرَاد بِهِ: مَا يحمل عَلَيْهِ من الدَّوَابّ (انْظُر اللِّسَان) .

(شأن البكاءين) :

اللَّهِ، فَحَمَلَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْغِنَى وَاحْتَسَبُوا [1] ، وَأَنْفَقَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي ذَلِكَ نَفَقَةً عَظِيمَةً، لَمْ يُنْفِقْ أَحَدٌ مِثْلَهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَنْفَقَ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهمّ ارْضَ عَنْ عُثْمَانَ، فَإِنِّي عَنْهُ رَاض. (شَأْن البكاءين) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ رِجَالًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ الْبَكَّاءُونَ، وَهُمْ سَبْعَةُ نَفَرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: سَالِمُ ابْن عُمَيْرٍ، وَعُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ، أَخُو بَنِي حَارِثَةَ، وَأَبُو لَيْلَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ، أَخُو بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ، وَعَمْرُو بْنُ حُمَامِ بْنِ الْجَمُوحِ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ ابْن الْمُغَفَّلِ الْمُزَنِيُّ- وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: بَلْ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْمُزَنِيُّ- وَهَرَمِيُّ ابْن عَبْدِ اللَّهِ، أَخُو بَنِي وَاقِفٍ، وَعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ الْفَزَارِيُّ. فَاسْتَحْمَلُوا [2] رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا أَهْلَ حَاجَةِ، فَقَالَ: لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ، فَتَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ [3] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ يَامِينَ بْنِ عُمَيْرِ [4] بْنِ كَعْب النّضرى لفي أَبَا لَيْلَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ وَهُمَا يَبْكِيَانِ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكُمَا؟ قَالَا: جِئْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَحْمِلَنَا، فَلَمْ نَجِدْ عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنَا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الْخُرُوجِ مَعَهُ، فَأَعْطَاهُمَا نَاضِحًا [5] لَهُ، فارتحلاه، وزوّدهما شَيْئًا مِنْ تَمْرٍ، فَخَرَجَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (شَأْنُ الْمُعَذِّرِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَجَاءَهُ الْمُعَذِّرُونَ مِنْ الْأَعْرَابِ، فَاعْتَذَرُوا إلَيْهِ، فَلَمْ يَعْذِرْهُمْ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّهُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ.

_ [1] احتسبوا: أخرجُوا ذَلِك حسبَة، أَي جعلُوا أجر مَا بذلوا عِنْد الله. [2] استحملوه: طلبُوا مِنْهُ مَا يحملهم عَلَيْهِ. [3] فِي تَسْمِيَة بعض البكاءين خلاف فَليُرَاجع فِي شرح الزرقانى على الْمَوَاهِب اللدنية. [4] فِي الزرقانى على الْمَوَاهِب اللدنية: «لَقِي يَامِين بن عَمْرو» . [5] الناضح: الْجمل الّذي يستقى عَلَيْهِ المَاء.

(تخلف نفر عن غير شك) :

(تَخَلُّفُ نَفَرٍ عَنْ غَيْرِ شَكٍّ) : ثُمَّ اسْتَتَبَّ [1] بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفَرُهُ، وَأَجْمَعَ السَّيْرَ، وَقَدْ كَانَ نَفَرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَبْطَأَتْ بِهِمْ النِّيَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى تَخَلَّفُوا عَنْهُ، عَنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا ارْتِيَابٍ، مِنْهُمْ: كَعْبُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي كَعْبٍ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ وَمُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، أَخُو بَنِي وَاقِفٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ. وَكَانُوا نَفَرَ صِدْقٍ، لَا يُتَّهَمُونَ فِي إسْلَامِهِمْ. (خُرُوجُ الرَّسُولِ وَاسْتِعْمَالُهُ عَلَى الْمَدِينَةِ) : فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ عَسْكَرَهُ عَلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ [2] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّ. وَذَكَرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ [3] عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ، مَخْرَجَهُ إلَى تَبُوكَ، سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ. (تَخَلُّفُ الْمُنَافِقِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَضَرَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ مَعَهُ عَلَى حِدَةٍ عَسْكَرَهُ أَسْفَلَ مِنْهُ، نَحْوَ ذُبَابٍ [4] ، وَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ لَيْسَ بِأَقَلَّ الْعَسْكَرَيْنِ. فَلَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخَلَّفَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، فِيمَنْ تَخَلَّفَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَأَهْلِ الرَّيْبِ. (شَأْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) : وَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، عَلَى أَهْلِهِ، وَأَمَرَهُ بِالْإِقَامَةِ فِيهِمْ، فَأَرْجَفَ بِهِ الْمُنَافِقُونَ، وَقَالُوا: مَا خَلَّفَهُ إلَّا اسْتِثْقَالًا لَهُ، وَتَخَفُّفًا مِنْهُ. فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ، أَخَذَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ سِلَاحَهُ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَازِلٌ بِالْجُرْفِ [5] ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، زَعَمَ الْمُنَافِقُونَ أَنَّكَ إنَّمَا خَلَّفَتْنِي أَنَّكَ اسْتَثْقَلْتنِي

_ [1] استتب: تتَابع وَاسْتمرّ. [2] ثنية الْوَدَاع: ثنية مشرفة على الْمَدِينَة، يَطَؤُهَا من يُرِيد مَكَّة. [3] فِي أ: «الأندر أَو ردى» وَهِي رِوَايَة فِيهِ، وَالْمَشْهُور مَا أَثْبَتْنَاهُ. (رَاجع شرح أبي ذَر) . [4] ذُبَاب: (بِالْكَسْرِ وَالضَّم) : جبل الْمَدِينَة. [5] الجرف: «بِالضَّمِّ ثمَّ السّكُون) : مَوضِع على ثَلَاثَة أَمْيَال من الْمَدِينَة.

(شأن أبى خيثمة) :

وَتَخَفَّفَتْ مِنِّي، فَقَالَ: كَذَبُوا، وَلَكِنَّنِي خَلَّفْتُكَ لِمَا تَرَكْتُ وَرَائِي، فَارْجِعْ فَاخْلُفْنِي فِي أَهْلِي وَأَهْلِكَ، أَفَلَا تَرْضَى يَا عَلِيُّ أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ إلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، فَرَجَعَ عَلَيَّ إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَفَرِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِعَلِيٍّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ. (شَأْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ رَجَعَ عَلِيٌّ إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَفَرِهِ، ثُمَّ إنَّ أَبَا خَيْثَمَةَ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامًا إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ، فَوَجَدَ امْرَأَتَيْنِ لَهُ فِي عَرِيشَيْنِ [1] لَهُمَا فِي حَائِطِهِ [2] ، قَدْ رَشَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَرِيشَهَا، وَبَرَّدَتْ لَهُ فِيهِ مَاءً، وَهَيَّأَتْ لَهُ فِيهِ طَعَامًا. فَلَمَّا دَخَلَ، قَامَ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ، فَنَظَرَ إلَى امْرَأَتَيْهِ وَمَا صَنَعَتَا لَهُ، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الضِّحِّ [3] وَالرِّيحِ وَالْحَرِّ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ فِي ظِلٍّ بَارِدٍ، وَطَعَامٍ مُهَيَّأٍ، وَامْرَأَةٍ حَسْنَاءَ، فِي مَالِهِ مُقِيمٌ، مَا هَذَا بِالنَّصَفِ! ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ عَرِيشَ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا حَتَّى أَلْحَقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَيِّئَا، لِي زَادًا، فَفَعَلَتَا. ثُمَّ قَدَّمَ نَاضِحَهُ فَارْتَحَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ فِي طَلَبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَدْرَكَهُ حِينَ نَزَلَ تَبُوكَ. وَقَدْ كَانَ أَدْرَكَ أَبَا خَيْثَمَةَ عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الْجُمَحِيَّ فِي الطَّرِيقِ، يَطْلُبُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فترفقا، حَتَّى إذَا دَنَوَا مِنْ تَبُوكَ. قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ لِعُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ: إنَّ لِي ذَنْبًا، فَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَخَلَّفَ عَنِّي حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَعَلَ حَتَّى إذَا دَنَا. مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَازِلٌ بِتَبُوكَ، قَالَ النَّاسُ: هَذَا رَاكِبٌ

_ [1] الْعَريش: شَبيه بالخيمة، يظلل ليَكُون أبرد الأخبية والبيوت. [2] الْحَائِط: الْبُسْتَان. [3] الضح: (بِالْكَسْرِ) : الشَّمْس.

(النبي والمسلمون بالحجر) :

عَلَى الطَّرِيقِ مُقْبِلٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ وَاَللَّهِ أَبُو خَيْثَمَةَ. فَلَمَّا أَنَاخَ أَقْبَلَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْلَى لَكَ [1] يَا أَبَا خَيْثَمَةَ. ثُمَّ أَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا، وَدَعَا لَهُ بِخَيْرِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا [2] ، وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ قَيْسٍ: لَمَّا رَأَيْتُ النَّاسَ فِي الدِّينِ نَافَقُوا ... أَتَيْتُ الَّتِي كَانَتْ أَعَفَّ وَأَكْرَمَا وَبَايَعْتُ بِالْيُمْنَى يَدِي لِمُحَمَّدٍ ... فَلَمْ أَكْتَسِبْ إثْمًا وَلَمْ أَغْشَ مَحْرَمًا تَرَكْتُ خَضِيبًا فِي الْعَرِيشِ وَصِرْمَةً ... صفايا كِرَامًا بُسْرُهَا قَدْ تَحَمَّمَا [3] وَكُنْتُ إذَا شَكَّ الْمُنَافِقُ أَسْمَحَتْ ... إلَى الدِّينِ نَفْسِي شَطْرَهُ حَيْثُ يَمَّمَا [4] (النَّبِيُّ وَالْمُسْلِمُونَ بِالْحِجْرِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَرَّ بِالْحِجْرِ نَزَلَهَا، وَاسْتَقَى النَّاسُ مِنْ بِئْرِهَا. فَلَمَّا رَاحُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَشْرَبُوا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا، وَلَا تَتَوَضَّئُوا مِنْهُ لِلصَّلَاةِ، وَمَا كَانَ مِنْ عَجِينٍ عَجَنْتُمُوهُ فَاعْلِفُوهُ الْإِبِلَ، وَلَا تَأْكُلُوا مِنْهُ شَيْئًا، وَلَا يَخْرُجَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ إلَّا وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ. فَفَعَلَ النَّاسُ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَّا أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ خَرَجَ أَحَدُهُمَا لِحَاجَتِهِ، وَخَرَجَ الْآخَرُ فِي طَلَبِ بَعِيرٍ لَهُ، فَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فَإِنَّهُ خُنِقَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ فِي طَلَبِ بَعِيرِهِ فَاحْتَمَلَتْهُ الرِّيحُ، حَتَّى طَرَحَتْهُ بِجَبَلَيْ طيِّئ. فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَلَمْ أَنْهَكُمْ

_ [1] أولى لَك: كلمة فِيهَا معنى التهديد. وَهِي اسْم سمى بِهِ الْفِعْل، وَمَعْنَاهَا فِيمَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: دَنَوْت من الهلكة. [2] هَذِه الْكَلِمَة: «شعرًا» سَاقِطَة فِي أ. [3] الخضيب: المخضوبة. والصرمة: جمَاعَة النّخل. وصفايا: كَثِيرَة الْحمل، وَأَصله فِي الْإِبِل، يُقَال: نَاقَة صفى، إِذا كَانَت غزيرة الدّرّ، وَجَمعهَا صفايا. والبسر: التَّمْر قبل أَن يطيب. وتحمما: أَي أَخذ فِي الإرطاب فاسود. [4] أسمحت: انقادت. وشطره: نَحوه وقصده.

(ناقة للرسول ضلت وحديث ابن اللصيت) :

أَنْ يَخْرُجَ مِنْكُمْ أَحَدٌ إلَّا وَمَعَهُ صَاحِبُهُ! ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي أُصِيبَ عَلَى مَذْهَبِهِ فَشُفِيَ، وَأَمَّا الْآخَرُ الَّذِي وَقَعَ بِجَبَلَيْ طيِّئ، فَإِنَّ طيِّئا أَهْدَتْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ. وَالْحَدِيثُ عَنْ الرَّجُلَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، وَقَدْ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنْ قَدْ سَمَّى لَهُ الْعَبَّاسُ الرَّجُلَيْنِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَوْدَعَهُ إيَّاهُمَا، فَأَبَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يُسَمِّيَهُمَا لِي. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَلَغَنِي عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجْرِ سَجَّى ثَوْبَهُ عَلَى وَجْهِهِ [1] ، وَاسْتَحَثَّ [2] رَاحِلَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ الَّذِينَ ظَلَمُوا إلَّا وَأَنْتُمْ بَاكُونَ، خَوْفًا أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ وَلَا مَاءَ مَعَهُمْ شَكَوْا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ سَحَابَةً فَأَمْطَرَتْ حَتَّى ارْتَوَى النَّاسُ، وَاحْتَمَلُوا حَاجَتَهُمْ مِنْ الْمَاءِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، قَالَ: قُلْتُ لِمَحْمُودِ: هَلْ كَانَ النَّاسُ يَعْرِفُونَ النِّفَاقَ فِيهِمْ؟ قَالَ: نعم وللَّه، إنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَعْرِفُهُ مِنْ أَخِيهِ وَمِنْ أَبِيهِ وَمِنْ عَمِّهِ وَفِي عَشِيرَتِهِ، ثُمَّ يَلْبَسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ مَحْمُودٌ: لَقَدْ أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ مَعْرُوفٌ نِفَاقُهُ، كَانَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ سَارَ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ [3] بِالْحِجْرِ مَا كَانَ، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَعَا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ السَّحَابَةَ، فَأَمْطَرَتْ حَتَّى ارْتَوَى النَّاسُ قَالُوا: أَقْبَلْنَا عَلَيْهِ نَقُولُ: وَيْحَكَ، هَلْ بَعْدَ هَذَا شَيْءٌ! قَالَ: سَحَابَةٌ مَارَّةٌ. (نَاقَةٌ لِلرَّسُولِ ضَلَّتْ وَحَدِيثُ ابْنِ اللُّصَيْتِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَارَ حَتَّى إذَا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ ضَلَّتْ نَاقَتُهُ، فَخَرَجَ أَصْحَابُهُ فِي طَلَبِهَا، وَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ [1] سجى ثَوْبه على وَجهه: غطاه بِهِ. [2] استحث رَاحِلَته: استعجلها. [3] فِي أ: «من أَمر المَاء» . وَفِي الزرقانى: «من أَمر الْحجر» نقلا عَن ابْن إِسْحَاق.

(شأن أبي ذر) :

رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، يُقَالُ لَهُ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ، وَكَانَ عَقَبِيًّا بدريّا، وَهُوَ غم بَنِي عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَكَانَ فِي رَحْلِهِ زَيْدُ بْنُ اللُّصَيْتِ الْقَيْنُقَاعِيُّ، وَكَانَ مُنَافِقًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: ابْنُ لُصَيْبٍ (بِالْبَاءِ) . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، قَالُوا [1] : فَقَالَ زَيْدُ بْنُ اللُّصَيْتِ، وَهُوَ فِي رَحْلِ عُمَارَةَ وَعُمَارَةُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَيْسَ مُحَمَّدٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَيُخْبِرُكُمْ عَنْ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَارَةُ عِنْدَهُ: إنَّ رَجُلًا قَالَ: هَذَا مُحَمَّدٌ يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يُخْبِرُكُمْ بِأَمْرِ السَّمَاءِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ، وَإِنِّي وَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ إلَّا مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ وَقَدْ دَلَّنِي اللَّهُ عَلَيْهَا، وَهِيَ فِي هَذَا الْوَادِي، فِي شِعْبِ كَذَا وَكَذَا، قَدْ حَبَسَتْهَا شَجَرَةٌ بِزِمَامِهَا، فَانْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُونِي بِهَا، فَذَهَبُوا، فَجَاءُوا بِهَا. فَرَجَعَ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ إلَى رَحْلِهِ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَعَجَبٌ مِنْ شَيْءٍ حَدَّثَنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آنِفًا، عَنْ مَقَالَةِ قَائِلٍ أَخْبَرَهُ اللَّهُ عَنْهُ بِكَذَا وَكَذَا، لِلَّذِي قَالَ زَيْدُ بْنُ لُصَيْتٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ فِي رَحْلِ عُمَارَةَ وَلَمْ يَحْضُرْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زَيْدٌ وَاَللَّهِ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ. فَأَقْبَلَ عُمَارَةُ عَلَى زَيْدٍ يَجَأُ فِي عُنُقِهِ [2] وَيَقُولُ: إلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ، إنَّ فِي رَحْلِي لَدَاهِيَةً وَمَا أَشْعُرُ، اُخْرُجْ أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ مِنْ رَحْلِي، فَلَا تَصْحَبْنِي. (شَأْنُ أَبِي ذَرٍّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ زَيْدًا تَابَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَمْ يَزَلْ مُتَّهَمًا بِشَرٍّ حَتَّى هَلَكَ. ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سائرا، فَجعل بتخلّف عَنهُ الرجل، فَيَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَخَلَّفَ فُلَانٌ، فَيَقُولُ: دَعُوهُ، فَإِنْ يَكُ فِيهِ خَيْرٌ فَسَيَلْحَقُهُ اللَّهُ تَعَالَى بِكَمْ، وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمْ اللَّهُ مِنْهُ، حَتَّى قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ تَخَلَّفَ أَبُو ذَرٍّ، وَأَبْطَأَ بِهِ بَعِيرُهُ، فَقَالَ: دَعُوهُ، فَإِنْ يَكُ فِيهِ

_ [1] هَذَا السَّنَد كُله سَاقِط من أ. [2] يجَأ فِي عُنُقه: يطعنه فِي عُنُقه.

(تخذيل المنافقين للمسلمين وما نزل فيهم) :

خَيْرٌ فَسَيَلْحَقُهُ اللَّهُ بِكَمْ، وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمْ اللَّهُ مِنْهُ، وَتَلَوَّمَ [1] أَبُو ذَرٍّ عَلَى بَعِيرِهِ، فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ، أَخَذَ مَتَاعَهُ فَحَمَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، ثُمَّ خَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاشِيًا. وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ فِي بَعْضِ مَنَازِلِهِ، فَنَظَرَ نَاظِرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الطَّرِيقِ وَحْدَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْ أَبَا ذَرٍّ [2] . فَلَمَّا تَأَمَّلَهُ الْقَوْمُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ وَاَللَّهِ أَبُو ذَرٍّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا ذَرٍّ، يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ. وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا نَفَى عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ إلَى الرَّبَذَةِ [3] ، وَأَصَابَهُ بِهَا قَدَرُهُ، لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ إلَّا امْرَأَتُهُ وَغُلَامُهُ، فَأَوْصَاهُمَا أَنْ اغْسِلَانِي وَكَفِّنَانِي، ثُمَّ ضَعَانِي عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّ بِكَمْ فَقُولُوا: هَذَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعِينُونَا عَلَى دَفْنِهِ. فَلَمَّا مَاتَ فَعَلَا ذَلِكَ بِهِ. ثُمَّ وَضَعَاهُ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عُمَّارٍ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ إلَّا بِالْجِنَازَةِ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ، قَدْ كَادَتْ الْإِبِلُ تَطَؤُهَا، وَقَامَ إلَيْهِمْ الْغُلَامُ. فَقَالَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعِينُونَا عَلَى دَفْنِهِ. قَالَ: فَاسْتَهَلَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَبْكِي وَيَقُولُ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَمْشِي وَحْدَكَ، وَتَمُوتُ وَحْدَكَ، وَتُبْعَثُ وَحْدَكَ. ثُمَّ نَزَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَوَارَوْهُ، ثُمَّ حَدَّثَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ حَدِيثَهُ، وَمَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرِهِ إلَى تَبُوكَ. (تَخْذِيلُ الْمُنَافِقِينَ لِلْمُسْلِمَيْنِ وَمَا نَزَلَ فِيهِمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَهْطٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، مِنْهُمْ وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَمِنْهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ، حَلِيفٌ لِبَنِي سَلِمَةَ، يُقَالُ لَهُ: مُخَشِّنُ بْنُ حُمَيِّرٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ مَخْشِيٌّ- يُشِيرُونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ

_ [1] تلوم: تمكث وتمهل. [2] كن أَبَا ذرّ: لَفظه لفظ الْأَمر، وَمَعْنَاهُ الدُّعَاء، أَي أَرْجُو الله أَن تكون أَبَا ذَر. [3] الرَّبَذَة: مَوضِع قرب الْمَدِينَة.

(الصلح بين الرسول ويحنة) :

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إلَى تَبُوكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: أَتَحْسِبُونَ جَلَّادَ بَنِي الْأَصْفَرِ كَقِتَالِ الْعَرَبِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا! وَاَللَّهِ لَكَأَنَّا بِكَمْ غَدًا مُقَرَّنِينَ فِي الْحِبَالِ، إرْجَافًا وَتَرْهِيبًا لِلْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ مُخَشِّنُ بْنُ حُمَيِّرٍ: وَاَللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقَاضِي عَلَى أَنْ يُضْرَبُ كُلَّ (رجل) [1] منّا مائَة جَلْدَةٍ، وَإِنَّا نَنْفَلِتُ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا قُرْآنٌ لِمَقَالَتِكُمْ هَذِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي- لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَدْرِكْ الْقَوْمَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ احْتَرَقُوا [2] ، فَسَلْهُمْ عَمَّا قَالُوا، فَإِنْ أَنْكَرُوا فَقُلْ: بَلَى، قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا. فَانْطَلَقَ إلَيْهِمْ عَمَّارٌ، فَقَالَ ذَلِكَ لَهُمْ: فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَذِرُونَ إلَيْهِ، فَقَالَ وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفٌ عَلَى نَاقَتِهِ، فَجَعَلَ يَقُولُ وَهُوَ آخِذٌ بِحَقَبِهَا [3] : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ 9: 65. وَقَالَ مُخَشِّنُ بْنُ حُمَيِّرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَعَدَ بِي اسْمِي وَاسْمُ أَبِي، وَكَأَنَّ الَّذِي عُفِيَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُخَشِّنُ بْنُ حُمَيِّرٍ، فَتَسَمَّى عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَقْتُلَهُ شَهِيدًا لَا يُعْلَمُ بِمَكَانِهِ، فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ أَثَرٌ. (الصُّلْحُ بَيْنَ الرَّسُولِ وَيُحَنَّةَ) : وَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى تَبُوكَ، أَتَاهُ يُحَنَّةُ بْنُ رُؤْبَةَ، صَاحِبُ أَيْلَةَ، فَصَالَحَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعْطَاهُ الْجِزْيَةَ، وَأَتَاهُ أَهْلَ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ، فَأَعْطَوْهُ الْجِزْيَةَ، فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ كِتَابًا، فَهُوَ عِنْدَهُمْ. (كِتَابُ الرَّسُولِ لِيُحَنَّةَ) : فَكَتَبَ لِيُحَنَّةَ بْنِ رُؤْبَةَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: هَذِهِ أَمَنَةٌ مِنْ اللَّهِ وَمُحَمّد النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ لِيُحَنَّةَ

_ [1] زِيَادَة عَن أ [2] كَذَا فِي م، ر. واحترقوا: هَلَكُوا، وَذَلِكَ للَّذي كَانُوا يَخُوضُونَ فِيهِ. وَفِي أ «اخترفوا» [3] الحقب (بِوَزْن سَبَب) : حَبل يشد على بطن الْبَعِير، سوى الحزام الّذي يشد فِيهِ الرحل.

(حديث أسر أكيدر ثم مصالحته) :

ابْن رُؤْبَةَ وَأَهْلِ أَيْلَةَ، سُفُنُهُمْ وَسَيَّارَتُهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ: لَهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ، وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَأَهْلِ الْيَمَنِ، وَأَهْلِ الْبَحْرِ، فَمَنْ أَحْدَثَ مِنْهُمْ حَدَثًا، فَإِنَّهُ لَا يَحُولُ مَالُهُ دُونَ نَفْسِهِ. وَإِنَّهُ طَيِّبٌ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنْ النَّاسِ، وَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُمْنَعُوا مَاءً يَرِدُونَهُ، وَلَا طَرِيقًا يُرِيدُونَهُ، مِنْ بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ. (حَدِيثُ أَسْرِ أُكَيْدِرٍ ثُمَّ مُصَالَحَتُهُ) : ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَبَعَثَهُ إلَى أُكَيْدِرِ دَوْمَةَ، وَهُوَ أُكَيْدِرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، رَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ كَانَ مَلِكًا عَلَيْهَا، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالِدِ: إنَّكَ سَتَجِدُهُ يَصِيدُ الْبَقَرَ. فَخَرَجَ خَالِدٌ، حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ حِصْنِهِ بِمَنْظَرِ الْعَيْنِ، وَفِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ صَائِفَةٍ، وَهُوَ عَلَى سَطْحٍ لَهُ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ، فَبَاتَتْ الْبَقَرُ تَحُكُّ بِقُرُونِهَا بَابَ الْقَصْرِ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: هَلْ رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا قَطُّ؟ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ! قَالَتْ: فَمَنْ يَتْرُكُ هَذِهِ؟ قَالَ: لَا أَحَدَ. فَنَزَلَ فَأَمَرَ بِفَرَسِهِ، فَأُسْرِجَ لَهُ، وَرَكِبَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فِيهِمْ أَخٌ يُقَالُ لَهُ حَسَّانُ. فَرَكِبَ، وَخَرَجُوا مَعَهُ بِمُطَارِدِهِمْ. فَلَمَّا خَرَجُوا تَلَقَّتْهُمْ خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَتْهُ، وَقَتَلُوا أَخَاهُ، وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُخَوَّصٌ بِالذَّهَبِ، فَاسْتَلَبَهُ خَالِدٌ، فَبَعَثَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ قُدُومِهِ بِهِ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنَ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِم بن عَمْرو بْنُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: رَأَيْتُ قَبَاءَ أُكَيْدِرٍ حِينَ قَدِمَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَلْمِسُونَهُ بِأَيْدِيهِمْ، وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَعْجَبُونَ من هَذَا؟ فو الّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ خَالِدًا قَدِمَ بِأُكَيْدِرٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَقَنَ لَهُ دَمَهُ، وَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَةِ، ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ، فَرَجَعَ إلَى قَرْيَتِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ طيِّئ: يُقَالُ لَهُ بُجَيْرُ بْنُ بُجْرَةَ، يَذْكُرُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالِدِ: إنَّكَ سَتَجِدُهُ يَصِيدُ الْبَقَرَ، وَمَا صَنَعَتْ الْبَقَرُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى اسْتَخْرَجَتْهُ، لِتَصْدِيقِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(الرجوع إلى المدينة) :

تَبَارَكَ سَائِقُ الْبَقَرَاتِ إنِّي ... رَأَيْتُ اللَّهَ يَهْدِي كُلَّ هَادِ فَمَنْ يَكُ حَائِدًا عَنْ ذِي تَبُوكِ ... فَإِنَّا قَدْ أُمِرْنَا بِالْجِهَادِ (الرُّجُوعُ إلَى الْمَدِينَةِ) : فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، لَمْ يُجَاوِزْهَا، ثُمَّ انْصَرَفَ قَافِلًا إلَى الْمَدِينَةِ. (حَدِيثُ وَادِي الْمُشَقَّقِ وَمَائِهِ) : وَكَانَ فِي الطَّرِيقِ مَاءٌ يَخْرُجُ مِنْ وَشَلٍ [1] ، مَا يَرْوِي الرَّاكِبَ وَالرَّاكِبَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ، بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ وَادِي الْمُشَقَّقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَبَقَنَا إلَى ذَلِكَ الْوَادِي [2] فَلَا يَسْتَقِيَنَّ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى نَأْتِيَهُ. قَالَ: فَسَبَقَهُ إلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، فَاسْتَقَوْا مَا فِيهِ، فَلَمَّا أَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرَ فِيهِ شَيْئًا. فَقَالَ: مَنْ سَبَقَنَا إلَى هَذَا الْمَاءِ؟ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَقَالَ: أَوْ لَمْ أَنْهَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى آتِيَهُ! ثُمَّ لَعَنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَعَا عَلَيْهِمْ. ثُمَّ نَزَلَ فَوَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ الْوَشَلِ، فَجَعَلَ يَصُبُّ فِي يَدِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَصُبَّ، ثُمَّ نَضَحَهُ بِهِ، وَمَسَحَهُ بِيَدِهِ، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ، فَانْخَرَقَ مِنْ الْمَاءِ- كَمَا يَقُولُ مَنْ سَمِعَهُ- مَا إنَّ لَهُ حِسًّا كَحِسِّ الصَّوَاعِقِ، فَشَرِبَ النَّاسُ، وَاسْتَقَوْا حَاجَتَهُمْ مِنْهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَئِنْ بَقِيتُمْ أَوْ مَنْ بَقِيَ مِنْكُمْ لَتَسْمَعُنَّ بِهَذَا الْوَادِي، وَهُوَ أَخْصَبُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَمَا خَلْفَهُ. (وَفَاةُ ذِي الْبِجَادَيْنِ وَقِيَامُ الرَّسُولِ عَلَى دَفْنِهِ) : قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُحَدِّثُ، قَالَ: قُمْتُ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، قَالَ: فَرَأَيْتُ شُعْلَةً مِنْ نَارٍ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ، قَالَ: فَاتَّبَعْتهَا أَنْظُرُ إلَيْهَا، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ ذُو الْبِجَادَيْنِ

_ [1] الوشل: حجر أَو جبل يقطر مِنْهُ المَاء قَلِيلا قَلِيلا، وَهُوَ أَيْضا الْقَلِيل من المَاء. [2] فِي أ «: ذَلِك المَاء» .

(سبب تسميته ذا البجادين) :

الْمُزَنِيُّ قَدْ مَاتَ، وَإِذَا هُمْ قَدْ حَفَرُوا لَهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُفْرَتِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُدَلِّيَانِهِ إلَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: أَدْنِيَا إلَيَّ أَخَاكُمَا، فَدَلَّيَاهُ إلَيْهِ، فَلَمَّا هَيَّأَهُ لِشِقِّهِ قَالَ: اللَّهمّ إنِّي أَمْسَيْتُ رَاضِيًا عَنْهُ، فَارْضَ عَنْهُ. قَالَ: يَقُولُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ صَاحِبَ الْحُفْرَةِ. (سَبَبُ تَسْمِيَتِهِ ذَا الْبِجَادَيْنِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ ذَا الْبِجَادَيْنِ، لِأَنَّهُ كَانَ يُنَازِعُ إلَى الْإِسْلَامِ، فَيَمْنَعُهُ قَوْمُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَيُضَيِّقُونَ عَلَيْهِ، حَتَّى تَرَكُوهُ فِي بِجَادِ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْبِجَادُ: الْكِسَاءُ الْغَلِيظُ الْجَافِي، فَهَرَبَ مِنْهُمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ، شَقَّ بِجَادَهُ بِاثْنَيْنِ، فَاِتَّزَرَ بِوَاحِدِ، وَاشْتَمَلَ بِالْآخَرِ، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ: ذُو الْبِجَادَيْنِ لِذَلِكَ،. وَالْبِجَادُ أَيْضًا: الْمِسْحُ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: كَأَنَّ أَبَانًا فِي عَرَانِينِ [1] وَدْقِهِ ... كَبِيرُ أُنَاسٍ فِي بِجَادٍ مُزَمَّلِ (سُؤَالُ الرَّسُولِ لِأَبِي رُهْمٍ عَمَّنْ تَخَلَّفَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ ابْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ ابْنِ أَخِي أَبِي رُهْمٍ الْغِفَارِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا رُهْمٍ كُلْثُومَ بْنَ الْحُصَيْنِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ، يَقُولُ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ، فَسِرْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ مَعَهُ وَنَحْنُ بِالْأَخْضَرِ قَرِيبًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَلْقَى الله علينا النّفاس [2] فَطَفِقْتُ أَسْتَيْقِظُ وَقَدْ دَنَتْ رَاحِلَتِي مِنْ رَاحِلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيُفْزِعُنِي دُنُوُّهَا مِنْهُ، مَخَافَةَ أَنْ أُصِيبَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ [3] ، فَطَفِقْتُ أَحُوزُ [4] رَاحِلَتِي عَنْهُ، حَتَّى غَلَبَتْنِي عَيْنَيَّ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، وَنَحْنُ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ، فَزَاحَمَتْ رَاحِلَتِي رَاحِلَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلُهُ فِي الْغَرْزِ، فَمَا اسْتَيْقَظْتُ

_ [1] فِي أ: «أفانين» . [2] فِي أ: «وَألقى على النعاس» . [3] الغرز الرحل: بِمَنْزِلَة الركاب للسرج. [4] أحوز: أبعد.

أمر مسجد الضرار عند القفول من غزوة تبوك

إلَّا بِقَوْلِهِ: حَسَّ [1] ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَغْفِرْ لِي. فَقَالَ: سِرْ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُنِي عَمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْ بَنِي غِفَارٍ، فَأَخْبَرَهُ بِهِ، فَقَالَ وَهُوَ يَسْأَلُنِي: مَا فَعَلَ النَّفَرُ الْحُمْرُ الطِّوَالُ الثِّطَاطُ [2] . فَحَدَّثْتُهُ بِتَخَلُّفِهِمْ. قَالَ: فَمَا فَعَلَ النَّفَرُ السُّودُ الْجِعَادُ الْقِصَارُ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَاَللَّهِ مَا أَعْرِفُ هَؤُلَاءِ مِنَّا [3] . قَالَ: بَلَى، الَّذِينَ لَهُمْ نَعَمٌ بِشَبَكَةِ شَدَخٍ [4] ، فَتَذَكَّرْتهمْ فِي بَنِي غِفَارٍ، وَلَمْ أَذْكُرْهُمْ حَتَّى ذَكَرْتُ أَمْ لَهُمْ رَهْطٌ مِنْ أَسْلَمَ كَانُوا حُلَفَاءَ فِينَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُولَئِكَ رَهْطٌ مِنْ أَسْلَمَ، حَلْفَاءُ فِينَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مَنَعَ أَحَدٌ أُولَئِكَ حِينَ تَخَلَّفَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى بَعِيرٍ مِنْ إبِلِهِ امْرَأً نَشِيطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إنَّ أَعَزَّ أَهْلِي عَلَيَّ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنِّي الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارُ وَغُفَارٌ وَأَسْلَمُ. أَمْرُ مَسْجِدِ الضِّرَارِ عِنْدَ الْقُفُولِ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ (دَعْوَتُهُمُ الرَّسُولَ لِلصَّلَاةِ فِيهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ بِذِي أَوَانَ [5] بَلَدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ، وَكَانَ أَصْحَابُ مَسْجِدِ الضِّرَارِ قَدْ كَانُوا أَتَوْهُ وَهُوَ يَتَجَهَّزُ إلَى تَبُوكَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا قَدْ بَنَيْنَا مَسْجِدًا لِذِي الْعِلَّةِ وَالْحَاجَةِ وَاللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَاللَّيْلَةِ الشَّاتِيَةِ، وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنَا، فَتُصَلِّي لَنَا فِيهِ، فَقَالَ: إنِّي عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ، وَحَالِ شُغْلٍ، أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ قَدْ قَدِمْنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ لَأَتَيْنَاكُمْ، فَصَلَّيْنَا لَكُمْ فِيهِ.

_ [1] حس: كلمة مَعْنَاهَا: أتألم، يَقُولهَا الْإِنْسَان إِذا أُصِيب بِشَيْء. قَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ بِمَعْنى أوه. [2] الثطاط: جمع ثط، وَهُوَ صَغِير نَبَات شعر اللِّحْيَة. [3] فِي أ: «هَؤُلَاءِ منى» . [4] كَذَا فِي الْأُصُول ومعجم الْبلدَانِ. وشبكة شدخ: مَاء لأسلم من بنى غفار. وَفِي اللِّسَان وَالنِّهَايَة لِابْنِ الْأَثِير (شَبكَ) : «بشبكة جرح» . فيهمَا أَنَّهَا مَوضِع بالحجاز فِي ديار غفار. [5] قَالَ أَبُو ذَر: «كَذَا وَقع فِي الأَصْل بِفَتْح الْهمزَة، والخشنيّ يرويهِ بِضَم الْهمزَة حَيْثُ وَقع» . وَفِي مُعْجم مَا استعجم للبكرى: أَن نزل (بِذِي أوران) : مَوضِع مَنْسُوب إِلَى الْبِئْر الْمُتَقَدّمَة الذّكر، وَأَن الرَّاء سَقَطت مِنْهُ (1: 206 طبعة الْقَاهِرَة) . 34- سيرة ابْن هِشَام- 2

(أمر الرسول اثنين بهدمه) :

(أَمْرُ الرَّسُولِ اثْنَيْنِ بِهَدْمِهِ) : فَلَمَّا نَزَلَ بِذِي أَوَانَ، أَتَاهُ خَبَرُ الْمَسْجِدِ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالِكَ بْنَ الدُّخْشُمِ، أَخَا بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، وَمَعْنِ بْنِ عَدِيٍّ، أَوْ أَخَاهُ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ، أَخَا بَنِي الْعَجْلَانِ، فَقَالَ: انْطَلِقَا إلَى هَذَا الْمَسْجِدِ الظَّالِمِ أَهْلُهُ، فَاهْدِمَاهُ وَحَرِّقَاهُ. فَخَرَجَا سَرِيعَيْنِ حَتَّى أَتَيَا بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، وَهُمْ رَهْطُ مَالِكِ بْنِ الدُّخْشُمِ، فَقَالَ مَالِكٌ لِمَعْنِ: أَنْظِرْنِي حَتَّى أخرج إِلَيْك بتار مِنْ أَهْلِي. فَدَخَلَ إلَى أَهْلِهِ، فَأَخَذَ سَعَفًا مِنْ النَّخْلِ، فَأَشْعَلَ فِيهِ نَارًا، ثُمَّ خَرَجَا يَشْتَدَّانِ حَتَّى دَخَلَاهُ وَفِيهِ أَهْلُهُ، فَحَرَّقَاهُ وَهَدَّمَاهُ، وَتَفَرَّقُوا عَنْهُ، وَنَزَلَ فِيهِمْ مِنْ الْقُرْآنِ مَا نَزَلَ: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ 9: 107 ... إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. (أَسَمَاءُ بُنَاتِهِ) : وَكَانَ الَّذين بنوه اثنى عَشَرَ رَجُلًا: خِذَامُ بْنُ خَالِدٍ، مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدٍ، أَحَدِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَمِنْ دَارِهِ أُخْرِجَ مَسْجِدُ الشِّقَاقِ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَمُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبُو حَبِيبَةَ بْنِ الْأَزْعَرِ، مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَعَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَخُو سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَجَارِيَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَابْنَاهُ مُجَمِّعُ بْنُ جَارِيَةَ، وَزَيْدُ بْنُ جَارِيَةَ، وَنَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ، مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ، وَبَحْزَجُ، مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ، وَبِجَادُ [1] بْنُ عُثْمَانَ، مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ، وَوَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَهُوَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ (بْنِ زَيْدٍ) [2] رَهْطُ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ. (مَسَاجِدُ الرَّسُولِ فِيمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ إلَى تَبُوكَ) : وَكَانَتْ مَسَاجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ إلَى تَبُوكَ مَعْلُومَةً مُسَمَّاةً: مَسْجِدٌ بِتَبُوكَ، وَمَسْجِدٌ بِثَنِيَّةِ مِدْرَانَ، وَمَسْجِدٌ بِذَاتِ الزِّرَابِ، وَمَسْجِدٌ بِالْأَخْضَرِ، وَمَسْجِدٌ بِذَاتِ الْخِطْمِيِّ، وَمَسْجِدٌ بِأَلَاءَ، وَمَسْجِدٌ بِطَرَفِ الْبَتْرَاءِ، مِنْ ذَنْبِ كَوَاكِبٍ، وَمَسْجِدٌ بِالشِّقِّ، شِقَّ تَارَا، وَمَسْجِدٌ بِذِي الْجِيفَةِ، وَمَسْجِد

_ [1] قَالَ أَبُو ذَر: روى هُنَا بِالْبَاء وَالنُّون، وبجاد (بِالْبَاء) قَيده الدَّار قطنى. [2] زِيَادَة عَن أ.

أمر الثلاثة الذين خلفوا وأمر المعذرين في غزوة تبوك

بصدر خوضى، وَمَسْجِدٌ بِالْحِجْرِ، وَمَسْجِدٌ بِالصَّعِيدِ، وَمَسْجِدٌ بِالْوَادِي، الْيَوْمَ، وَادِي الْقُرَى، وَمَسْجِدٌ بِالرَّقُعَةِ مِنْ الشِّقَّةِ، شِقَّةِ بَنِي عُذْرَةَ، وَمَسْجِدٌ بِذِي الْمَرْوَةِ، وَمَسْجِدٌ بِالْفَيْفَاءِ، وَمَسْجِدٌ بِذِي خُشُبٍ. أَمْرُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا وَأَمْرُ الْمُعَذِّرِينَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ (نَهْيُ الرَّسُول عَن كَلَام الثَّلَاثَةِ الْمُخَلَّفِينَ) : وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَقَدْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ رَهْطٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، وَتَخَلَّفَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ الثَّلَاثَةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا نِفَاقٍ: كَعْبُ ابْن مَالِكٍ، وَمُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: لَا تُكَلِّمُنَّ أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَأَتَاهُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ مِنْ الْمُنَافِقِينَ فَجَعَلُوا يَحْلِفُونَ لَهُ وَيَعْتَذِرُونَ، فَصَفَحَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَعْذِرْهُمْ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ. وَاعْتَزَلَ الْمُسْلِمُونَ كَلَامَ أُولَئِكَ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ. (حَدِيثُ كَعْبٍ عَنْ تَخَلُّفِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَكَانَ قَائِدَ أَبِيهِ حِينَ أُصِيبَ بَصَرُهُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حَدِيثَهُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَحَدِيثَ صَاحِبَيْهِ، قَالَ: مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ قَدْ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَكَانَتْ غَزْوَةً لَمْ يُعَاتِبْ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا خَرَجَ يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَقَبَةَ، وَحِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ هِيَ أَذْكَرُ فِي النَّاسِ مِنْهَا. قَالَ: كَانَ مِنْ خَبَرِي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ

فِي تِلْكَ الْغَزْوَة، وو الله مَا اجْتَمَعَتْ لِي رَاحِلَتَانِ قَطُّ حَتَّى اجْتَمَعَتَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّمَا يُرِيدُ غَزْوَةً يَغْزُوهَا إلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ، فَغَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا، وَاسْتَقْبَلَ غَزْوَ عَدُوٍّ كَثِيرٍ، فَجَلَّى لِلنَّاسِ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا لِذَلِكَ أُهْبَتَهُ وَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَهُ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ، وَالْمُسْلِمُونَ مَنْ تَبِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرٌ، لَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ، يَعْنِي بِذَلِكَ الدِّيوَانَ، يَقُولُ: لَا يَجْمَعُهُمْ دِيوَانٌ مَكْتُوبٌ. قَالَ كَعْبٌ: فَقَلَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إلَّا ظَنَّ أَنَّهُ سَيَخْفَى لَهُ ذَلِكَ، مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحَيٌّ مِنْ اللَّهِ، وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْغَزْوَةِ حِينَ طَابَتْ الثِّمَارُ وَأُحِبَّتْ الظِّلَالُ، فَالنَّاسُ إلَيْهَا صُعْرٌ [1] ، فَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَجَهَّزَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَجَعَلْتُ أَغْدُو لِأَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ، فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ حَاجَةً، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي، أَنَا قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ إذَا أَرَدْتُ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى بِي حَتَّى شَمَّرَ النَّاسُ بِالْجَدِّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَادِيًا، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا، فَقُلْتُ: أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمِ أَوْ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ أَلْحَقُ بِهِمْ، فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لِأَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى بِي حَتَّى أَسْرَعُوا، وَتَفَرَّطَ [2] الْغَزْوُ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ، فَأُدْرِكُهُمْ، وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ، فَلَمْ أَفْعَلْ، وَجَعَلْتُ إذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَطُفْتُ فِيهِمْ، يَحْزُنُنِي أَنِّي لَا أَرَى إلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا [3] عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنْ الضُّعَفَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ: مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ، وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتُ! وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا مِنْهُ إلَّا خَيْرًا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

_ [1] صعر: جمع أصعر، وَهُوَ المائل، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ 31: 18 أَي لَا تعرض عَنْهُم، وَلَا تمل وَجهك إِلَى جِهَة أُخْرَى. [2] تفرط الْغَزْو: أَي فَاتَ وَسبق. [3] مغموصا عَلَيْهِ: مطعونا عَلَيْهِ.

فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَوَجَّهَ قَافِلًا مِنْ تَبُوكَ، حَضَرَنِي بَثِّي [1] ، فَجَعَلْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِب وَأَقُول: بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخْطَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدًا وَأَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ كُلَّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَظَلَّ [2] قَادِمًا زَاحَ [3] عَنِّي الْبَاطِلُ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَا أَنْجُو مِنْهُ إلَّا بِالصِّدْقِ، فَأَجْمَعْتُ أَنْ أَصْدُقَهُ، وَصَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَكَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ، فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ، جَاءَهُ الْمُخَلِّفُونَ، فَجَعَلُوا يَحْلِفُونَ لَهُ وَيَعْتَذِرُونَ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا، فَيَقْبَلُ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَانِيَتَهُمْ وَأَيْمَانَهُمْ، وَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ، وَيَكِلُ سَرَائِرَهُمْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، حَتَّى جِئْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَتَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ لِي: تَعَالَهْ، فَجِئْتُ أَمْشِي، حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لِي: مَا خَلَّفَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ ابْتَعْتُ ظَهْرَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: إنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاَللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، لَرَأَيْتُ أَنِّي سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرِ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا، وَلَكِنْ وَاَللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثًا كَذِبًا لَتَرْضِيَنَّ عَنِّي، وَلَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثًا صِدْقًا تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ، إنِّي لَأَرْجُو عُقْبَايَ مِنْ اللَّهِ فِيهِ، وَلَا وَاَللَّهِ مَا كَانَ لِي عُذْرٌ، وَاَللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقْتُ فِيهِ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ. فَقُمْتُ، وَثَارَ مَعِي رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، فَاتَّبَعُونِي فَقَالُوا لِي: وَاَللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتُ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا اعْتَذَرَ بِهِ إلَيْهِ الْمُخَلَّفُونَ، قَدْ كَانَ كَافِيكَ ذَنْبُكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَك فو اللَّهِ مَا زَالُوا بِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُكَذِّبُ نَفْسِي، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَقَى هَذَا أَحَدٌ غَيْرِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، رَجُلَانِ قَالَا مِثْلَ مَقَالَتِكَ، وَقِيلَ لَهُمَا مِثْلَ مَا قِيلَ

_ [1] بثي: حزني. [2] أظل: أشرف وَقرب. [3] زاح عَنى: ذهب وَزَالَ.

لَكَ، قُلْتُ: مَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ العَمْرِيُّ، مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَهِلَالُ بْنُ (أَبِي) [1] أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيَّ، فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ [2] ، فِيهِمَا أُسْوَةٌ، فَصَمَتُّ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ، مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ، وَتَغَيَّرُوا لَنَا، حَتَّى تَنَكَّرَتْ لِي نَفْسِي وَالْأَرْضُ، فَمَا هِيَ بِالْأَرْضِ الَّتِي كُنْتُ أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا، وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ، وَأَشْهَدُ الصَّلَوَاتِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَطُوفُ بِالْأَسْوَاقِ، وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي، هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ أَمْ لَا؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ، فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي نَظَرَ إلَيَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي، حَتَّى إذَا طَالَ ذَلِكَ عَلَيَّ مِنْ جَفْوَةِ الْمُسْلِمِينَ، مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ [3] جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ. وَهُوَ ابْنُ عَمِّي، وَأَحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ، فسلّمت عَلَيْهِ، فو الله مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ، أَنْشُدُكَ باللَّه، هَلْ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ. فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ، فَسَكَتَ عَنِّي، فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ، فَسَكَتَ عَنِّي، فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ، فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَفَاضَتْ عَيْنَايَ، وَوَثَبْتُ فَتَسَوَّرْتُ الْحَائِطَ، ثُمَّ غَدَوْتُ إلَى السُّوقِ، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِالسُّوقِ، إذَا نَبَطِيٌّ [4] يَسْأَلُ عَنِّي مِنْ نَبَطِ الشَّامِ، مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ [5] يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ، يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَيَّ كَعْبَ ابْن مَالِكٍ؟ قَالَ: فَجَعَلَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إلَيَّ، حَتَّى جَاءَنِي، فَدَفَعَ إلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، وَكَتَبَ كِتَابًا فِي سَرَقَةٍ [6] مِنْ حَرِيرٍ، فَإِذَا فِيهِ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] فِي الزرقانى بعد صالحين: «قد شَهدا بَدْرًا، لي فِيهَا أُسْوَة» . [3] تسورت: عَلَوْت. [4] النبطي: وَاحِد النبط، وهم قوم من الْأَعَاجِم. [5] الطَّعَام (هُنَا) : الْقَمْح. [6] السّرقَة: الشقة من الْحَرِير.

(توبة الله عليهم) :

بِنَا نُوَاسِكَ» [1] . قَالَ: قُلْتُ حِينَ قَرَأْتهَا: وَهَذَا مِنْ الْبَلَاءِ أَيْضًا، قَدْ بَلَغَ بِي مَا وَقَعْتُ فِيهِ أَنْ طَمِعَ فِيَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ. قَالَ: فَعَمَدْتُ بِهَا إلَى تَنُّورٍ، فَسَجَرْتُهُ [2] بِهَا. فَأَقَمْنَا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى إذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنْ الْخَمْسِينَ إذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ يَأْتِينِي، فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ، قَالَ: قُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا؟ قَالَ: لَا، بَلْ اعْتَزِلْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا، وَأَرْسَلَ إلَيَّ صَاحِبِي بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكَ، فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِي اللَّهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ مَا هُوَ قَاضٍ. قَالَ: وَجَاءَتْ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَائِعٌ لَا خَادِمَ لَهُ، أَفَتَكْرَهُ أَنْ أَخْدِمَهُ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ لَا يَقْرَبَنَّكِ، قَالَتْ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بِهِ مِنْ حَرَكَةٍ إلَيَّ، وَاَللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إلَى يَوْمهِ هَذَا، وَلَقَدْ تَخَوَّفَتْ عَلَى بَصَرِهِ. قَالَ: فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي: لَوْ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ لِامْرَأَتِكَ، فَقَدْ أَذِنَ لِامْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: وَاَللَّهِ لَا اْسَتَأْذِنُهُ فِيهَا، مَا أَدْرِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِي فِي ذَلِكَ إذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ. قَالَ: فَلَبِثْنَا بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ، فَكَمُلَ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً، مِنْ حِينِ نَهَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا، ثُمَّ صَلَّيْتُ الصُّبْحَ، صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ مِنَّا، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْنَا الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، وَضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَقَدْ كُنْتُ ابْتَنَيْتُ خَيْمَةً فِي ظَهْرِ سَلْعٍ، فَكُنْتُ أَكُونُ فِيهَا إذْ سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى ظَهْرِ سَلْعٍ يَقُولُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ، أَبْشِرْ، قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ الْفَرَجُ. (تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) : قَالَ: وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى

_ [1] قَالَ ابْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة: «الْمُوَاسَاة: الْمُشَاركَة والمساهمة فِي المعاش والرزق وَأَصلهَا الْهَمْز، فقلبت واوا، تَخْفِيفًا. [2] سجرته. ألهبته.

الْفَجْرَ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ نَحْوَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ رَجُلٌ إلَيَّ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ، حَتَّى أَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ، فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي، نَزَعْتُ ثَوْبَيَّ، فَكَسَوْتهمَا إيَّاهُ بِشَارَةً، وَاَللَّهِ مَا أَمْلِكُ يَوْمئِذٍ غَيْرَهُمَا، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتهمَا، ثُمَّ انْطَلَقْتُ أَتَيَمَّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَلَقَّانِي النَّاسُ يُبَشِّرُونَنِي بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُونَ: لِيَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ، حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فحيّانى وهنّأني، وو الله مَا قَامَ إلَيَّ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ. قَالَ: فَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ لَا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةِ. قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي، وَوَجْهُهُ يَبْرُقُ مِنْ السُّرُورِ: أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ، قَالَ: قُلْتُ: أَمِنْ عِنْدَكَ يَا رَسُولَ أَمْ مِنْ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَبْشَرَ كَأَنَّ وَجْهَهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ. قَالَ: وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ. قَالَ: فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ مِنْ تَوْبَتِي إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي، صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكٍ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قَالَ: قُلْتُ: إنِّي مُمْسِكٌ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرِ، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ اللَّهَ قَدْ نَجَّانِي بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي إلَى اللَّهِ أَنْ لَا أُحَدِّثَ إلَّا صِدْقًا مَا حَيِيتُ [1] ، وَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ أَبْلَاهُ اللَّهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ أَفَضْلَ مِمَّا أَبْلَانِي اللَّهُ، وَاَللَّهِ مَا تَعَمَّدْتُ مِنْ كَذْبَةٍ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِي هَذَا، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْفَظنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيَ. وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ، وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا 9: 117- 118 ... إلَى قَوْلِهِ: وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ 9: 119.

_ [1] فِي أ: «مَا بقيت» .

أمر وفد ثقيف وإسلامها في شهر رمضان سنة تسع

قَالَ كَعْب: فو الله مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ نِعْمَةً قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ كَانَتْ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ، أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ، فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي الَّذِينَ كَذَّبُوهُ حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لِأَحَدِ، قَالَ: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ، فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ، إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ. يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ، فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ 9: 95- 96. قَالَ: وَكُنَّا خُلِّفْنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ عَنْ أَمْرِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ حَلَفُوا لَهُ فَعَذَرَهُمْ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَنَا، حَتَّى قَضَى اللَّهُ فِيهِ مَا قَضَى، فَبِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا 9: 118. وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ تَخْلِيفِنَا لِتَخَلُّفِنَا عَنْ الْغَزْوَةِ وَلَكِنْ لِتَخْلِيفِهِ إيَّانَا. وَإِرْجَائِهِ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ، وَاعْتَذَرَ إلَيْهِ، فَقَبِلَ مِنْهُ. أَمْرُ وَفْدِ ثَقِيفٍ وَإِسْلَامُهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعٍ (إِسْلَامُ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَرُجُوعُهُ إِلَى قَوْمِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ مِنْ تَبُوكَ فِي رَمَضَانَ، وَقَدِمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ وَفْدُ ثَقِيفٍ. وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُمْ، اتَّبَعَ أَثَرَهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، حَتَّى أَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَأَسْلَمَ وَسَأَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى قَوْمِهِ بِالْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا يَتَحَدَّثُ قَوْمُهُ: إنَّهُمْ قَاتَلُوكَ، وَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ فِيهِمْ نَخْوَةَ الِامْتِنَاعِ الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ، فَقَالَ عُرْوَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَحَبُّ إلَيْهِمْ مِنْ أَبْكَارِهِمْ. قَالَ ابْنُ هِشَام: وَيُقَال: من أَبْصَارِهِمْ.

(دعاؤه للإسلام ومقتله) :

(دُعَاؤُهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَقْتَلُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فِيهِمْ كَذَلِكَ مُحَبَّبًا مُطَاعًا، فَخَرَجَ يَدْعُو قَوْمَهُ إلَى الْإِسْلَامِ رَجَاءَ أَنْ لَا يُخَالِفُوهُ، لِمَنْزِلَتِهِ فِيهِمْ، فَلَمَّا أَشْرَفَ لَهُمْ عَلَى عَلِيَّةٍ [1] لَهُ، وَقَدْ دَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، وَأَظْهَرَ لَهُمْ دِينَهُ، رَمَوْهُ بِالنَّبْلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَأَصَابَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ، فَتَزْعُمُ بَنُو مَالِكٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ أَوْسُ بْنُ عَوْفٍ، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ مَالِكٍ، وَتَزْعُمُ الْأَحْلَافُ أَنَّهُ قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ، مِنْ بَنِي عَتَّابِ بْنِ مَالِكٍ، يُقَالُ لَهُ وَهْبُ بْنُ جَابِرٍ، فَقِيلَ لِعُرْوَةِ: مَا تَرَى فِي دَمِكَ؟ قَالَ: كَرَامَةٌ أَكَرَمَنِي اللَّهُ بِهَا، وَشَهَادَةٌ سَاقَهَا اللَّهُ إلَيَّ، فَلَيْسَ فِيَّ إلَّا مَا فِي الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ قَتَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ عَنْكُمْ، فَادْفِنُونِي مَعَهُمْ، فَدَفَنُوهُ مَعَهُمْ، فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِيهِ: إنَّ مِثْلَهُ فِي قَوْمِهِ لَكَمِثْلِ صَاحِبِ يَاسِينَ فِي قَوْمِهِ. (ائْتِمَارُ ثَقِيفٍ عَلَى إرْسَالِ نَفَرٍ لِلرَّسُولِ) : ثُمَّ أَقَامَتْ ثَقِيفٌ بَعْدَ قَتْلِ عُرْوَةَ أَشْهُرًا، ثُمَّ إنَّهُمْ ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ، وَرَأَوْا أَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِحَرْبِ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ وَقَدْ بَايَعُوا وَأَسْلَمُوا. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ، أَخَا بَنِي عِلَاجٍ، كَانَ مُهَاجرا لعبد يَا ليل بْنِ عَمْرِو، الّذي بَينهمَا سيء [2] ، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ مِنْ أَدْهَى الْعَرَبِ، فَمَشَى إِلَى عبد يَا ليل بْنِ عَمْرٍو، حَتَّى دَخَلَ دَارَهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إلَيْهِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ يَقُولُ لَكَ: اخْرَجْ إلَيَّ، قَالَ: فَقَالَ عبد يَا ليل لِلرَّسُولِ: وَيْلَكَ! أَعَمْرٌو أَرْسَلَكَ إلَيَّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَهَا هُوَ ذَا وَاقِفًا فِي دَارِكَ، فَقَالَ: إنَّ هَذَا الشَّيْءَ مَا كُنْتُ أَظُنُّهُ، لَعَمْرٌو كَانَ أَمْنَعَ فِي نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ، فَخَرَجَ إلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ رَحَّبَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: إنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِنَا أَمْرٌ لَيْسَتْ مَعَهُ هِجْرَةٌ إنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ مَا قَدْ رَأَيْتُ، قَدْ أَسْلَمَتْ الْعَرَبُ كُلُّهَا، وَلَيْسَتْ لَكُمْ بِحَرْبِهِمْ طَاقَةٌ، فَانْظُرُوا فِي أَمْرِكُمْ. فَعِنْدَ ذَلِكَ ائْتَمَرَتْ ثَقِيفٌ بَيْنَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ:

_ [1] الْعلية (بِكَسْر الْعين وَضمّهَا) : الغرفة. [2] كَذَا فِي الْأُصُول. وَفِي الزرقانى على الْمَوَاهِب اللدنية: «لشَيْء كَانَ بَينهمَا» .

(قدومهم المدينة وسؤالهم الرسول أشياء أباها عليهم) :

أَفَلَا تَرَوْنَ أَنَّهُ لَا يَأْمَنُ لَكُمْ سِرْبٌ [1] ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْكُمْ أَحَدٌ إلَّا اُقْتُطِعَ، فَأْتَمِرُوا بَيْنَهُمْ، وَأَجْمَعُوا أَنْ يُرْسِلُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا، كَمَا أَرْسَلُوا عُرْوَةَ، فَكَلَّمُوا عَبْدَ يَالَيْلَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ، وَكَانَ سِنُّ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَرَضُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَأَبَى أَنْ يَفْعَلَ، وَخَشِيَ أَنْ يُصْنَعَ بِهِ إذَا رَجَعَ كَمَا صُنِعَ بِعُرْوَةِ. فَقَالَ: لَسْتُ فَاعِلًا حَتَّى تُرْسِلُوا مَعِي رِجَالًا، فَأَجْمَعُوا أَنْ يَبْعَثُوا مَعَهُ رَجُلَيْنِ مِنْ الْأَحْلَافِ، وَثَلَاثَةً مِنْ بَنِي مَالِكٍ، فَيَكُونُوا سِتَّةً، فَبَعَثُوا مَعَ عَبْدِ يَالَيْلَ الْحَكَمَ بْنَ عَمْرِو بْنِ وَهْبِ بْنِ مُعَتِّبٍ، وَشُرَحْبِيلَ بْنَ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ مُعَتِّبٍ، وَمِنْ بَنِي مَالِكٍ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ بِشْرِ بْنِ عَبْدِ دُهْمَانَ، أَخَا بَنِي يَسَارٍ، وَأَوْسَ ابْن عَوْفٍ، أَخَا بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ وَنُمَيْرَ بْنَ خَرَشَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، أَخَا بَنِي الْحَارِثِ فَخَرَجَ بِهِمْ عَبْدُ يَالَيْلَ، وَهُوَ نَابَ [2] الْقَوْمَ وَصَاحِبُ أَمْرِهِمْ، وَلَمْ يَخْرُجْ بِهِمْ إلَّا خَشْيَةَ مِنْ مِثْلِ مَا صُنِعَ بِعُرْوَةِ بْنِ مَسْعُودٍ، لِكَيْ يَشْغَلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَى الطَّائِفِ رَهْطَهُ. (قُدُومُهُمْ الْمَدِينَةَ وَسُؤَالُهُمْ الرَّسُولَ أَشْيَاءَ أَبَاهَا عَلَيْهِمْ) : فَلَمَّا دَنَوْا مِنْ الْمَدِينَةِ، وَنَزَلُوا قَنَاةَ، أَلْفَوْا بِهَا الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، يَرْعَى فِي تَوْبَتِهِ رِكَابَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ رِعْيَتُهَا نُوَبًا عَلَى أَصْحَابِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُمْ تَرَكَ الرِّكَابَ عِنْدَ الثَّقَفِيِّينَ، وَضَبَرَ [3] يَشْتَدُّ، لِيُبَشِّرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُدُومِهِمْ عَلَيْهِ، فَلَقِيَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ عَنْ رَكْبِ ثَقِيفٍ أَنْ قَدْ قَدِمُوا يُرِيدُونَ الْبَيْعَةَ وَالْإِسْلَامَ، بِأَنْ يَشْرُطَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُرُوطًا، وَيَكْتَتِبُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا فِي قَوْمِهِمْ وَبِلَادِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلْمُغِيرَةِ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ باللَّه لَا تَسْبِقُنِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ، فَفَعَلَ الْمُغِيرَةُ. فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

_ [1] السرب: المَال الرَّاعِي، وَهُوَ أَيْضا: الطَّرِيق، وَالنَّفس. [2] نَاب الْقَوْم: سيدهم، والمدافع عَنْهُم. [3] ضبر: وثب.

(تأمير عثمان بن أبى العاص عليهم) :

فَأَخْبَرَهُ بِقُدُومِهِمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ الْمُغِيرَةُ إلَى أَصْحَابِهِ، فَرَوَّحَ الظَّهْرَ مَعَهُمْ، وَعَلَّمَهُمْ كَيْفَ يُحَيُّونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَفْعَلُوا إلَّا بِتَحِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ عَلَيْهِمْ قُبَّةً فِي نَاحِيَةِ مَسْجِدِهِ، كَمَا يَزْعُمُونَ، فَكَانَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، هُوَ الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى اكْتَتَبُوا كِتَابَهُمْ، وَكَانَ خَالِدٌ هُوَ الَّذِي كَتَبَ كِتَابَهُمْ بِيَدِهِ، وَكَانُوا لَا يَطْعَمُونَ طَعَامًا يَأْتِيهِمْ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَأْكُلَ مِنْهُ خَالِدٌ، حَتَّى أَسْلَمُوا وَفَرَغُوا مِنْ كِتَابِهِمْ، وَقَدْ كَانَ فِيمَا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدَعَ لَهُمْ الطاغية، وَهِي اللات، لَا يَهْدِمُهَا ثَلَاثَ سِنِينَ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَمَا بَرِحُوا يَسْأَلُونَهُ سَنَةً سَنَةً، وَيَأْبَى عَلَيْهِمْ، حَتَّى سَأَلُوا شَهْرًا وَاحِدًا بَعْدَ مَقْدَمِهِمْ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ أَنْ يَدَعَهَا شَيْئًا مُسَمًّى، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ فِيمَا يُظْهِرُونَ أَنْ يَتَسَلَّمُوا بِتَرْكِهَا مِنْ سُفَهَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَيَكْرَهُونَ أَنْ يُرَوِّعُوا قَوْمَهُمْ بِهَدْمِهَا حَتَّى يَدْخُلَهُمْ الْإِسْلَامُ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ يَبْعَثَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فَيَهْدِمَاهَا، وَقَدْ كَانُوا سَأَلُوهُ مَعَ تَرْكِ الطَّاغِيَةِ أَنْ يُعْفِيَهُمْ مِنْ الصَّلَاةِ، وَأَنْ لَا يَكْسِرُوا أَوْثَانَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا كَسْرُ أَوْثَانِكُمْ بِأَيْدِيكُمْ فَسَنُعْفِيكُمْ مِنْهُ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ، فَإِنَّهُ لَا خَيْرَ فِي دِينٍ لَا صَلَاةَ فِيهِ: فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، فَسَنُؤْتِيكهَا، وَإِنْ كَانَتْ دَنَاءَةً. (تَأْمِيرُ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ عَلَيْهِمْ) : فَلَمَّا أَسْلَمُوا وَكَتَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابَهُمْ، أَمَّرَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ، وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ أَحْرَصَهُمْ عَلَى التَّفَقُّهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي قَدْ رَأَيْتُ هَذَا الْغُلَامَ مِنْهُمْ مِنْ أَحْرَصِهِمْ عَلَى التَّفَقُّهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ (بِلَالٌ وَوَفْدُ ثَقِيفٍ فِي رَمَضَانَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطِيَّةَ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ رَبِيعَةَ الثَّقَفِيُّ، عَنْ بَعْضِ وَفْدِهِمْ. قَالَ: كَانَ بَلَالٌ يَأْتِينَا حِينَ أَسْلَمْنَا وَصُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ

(عهد الرسول لابن أبى العاص حين أمره على ثقيف) :

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَقِيَ مِنْ رَمَضَانَ، بِفِطْرِنَا [1] وَسَحُورنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَأْتِينَا بِالسَّحُورِ، وَإِنَّا لَنَقُولُ: إنَّا لَنَرَى الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ، فَيَقُولُ: قَدْ تَرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَسَحَّرُ، لِتَأْخِيرِ السُّحُورِ: وَيَأْتِينَا بِفِطْرِنَا، وَإِنَّا لَنَقُولُ: مَا نَرَى الشَّمْسَ كُلَّهَا ذَهَبَتْ بَعْدُ. فَيَقُولُ: مَا جِئْتُكُمْ حَتَّى أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَضَعُ يَدَهُ فِي الْجَفْنَةِ، فَيَلْتَقِمُ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بِفَطُورِنَا وَسَحُورِنَا. (عَهْدُ الرَّسُولِ لَابْنِ أَبِي الْعَاصِ حِينَ أَمَّرَهُ عَلَى ثَقِيفٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: كَانَ مِنْ آخِرِ مَا عَهِدَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَعَثَنِي عَلَى ثَقِيفٍ أَنْ قَالَ: يَا عُثْمَانُ، تُجَاوِزْ فِي الصَّلَاةِ، وَاقْدُرْ النَّاسَ بِأَضْعَفِهِمْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الْكَبِيرَ، وَالصَّغِيرَ، وَالضَّعِيفَ، وَذَا الْحَاجَةِ. (هَدْمُ الطَّاغِيَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ أَمْرِهِمْ، وَتَوَجَّهُوا إلَى بِلَادِهِمْ رَاجِعِينَ، بَعَثَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعهَا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، فِي هَدْمِ الطَّاغِيَةِ. فَخَرَجَا مَعَ الْقَوْمِ، حَتَّى إذَا قَدِمُوا الطَّائِفَ أَرَادَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَنْ يُقَدِّمَ أَبَا سُفْيَانَ، فَأَبَى ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: اُدْخُلْ أَنْتَ عَلَى قَوْمِكَ، وَأَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ بِمَالِهِ بِذِي الْهَدْمِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ عَلَاهَا يَضْرِبُهَا بِالْمِعْوَلِ، وَقَامَ قَوْمُهُ دُونَهُ، بَنُو مُعَتِّبٍ، خَشْيَةَ أَنْ يُرْمَى أَوْ يُصَابَ كَمَا أُصِيبَ عُرْوَةُ، وَخَرَجَ نِسَاءُ ثَقِيفٍ حُسَّرًا [2] يَبْكِينَ عَلَيْهَا وَيَقُلْنَ: لَتُبْكَيَنَّ دُفَّاعُ ... أَسْلَمَهَا الرَّضَّاعُ [3] لَمْ يُحْسِنُوا الْمِصَاعَ [4]

_ [1] فِي شرح السِّيرَة لأبى ذَر: «بفطورنا» . وَهِي رِوَايَة ابْن هِشَام بعد. [2] حسرا: مكشوفات الرُّءُوس. [3] سميت «دفاع» لِأَنَّهَا كَانَت تدفع عَنْهُم، وَتَنْفَع وتضر على زعمهم. وَالرّضَاع: اللئام. [4] المصاع: الْمُضَاربَة بِالسُّيُوفِ.

(إسلام أبى مليح وقارب) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: «لَتُبْكَيَنَّ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَيَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ وَالْمُغِيرَةُ يَضْرِبُهَا بِالْفَأْسِ: وَاهَا لَكَ! آهَا لَكَ [1] ! فَلَمَّا هَدَمَهَا الْمُغِيرَةُ وَأَخَذَ مَالَهَا وَحُلِيَّهَا أَرْسَلَ إلَى أَبِي سُفْيَانَ وَحُلِيُّهَا مَجْمُوعٌ، وَمَا لَهَا مِنْ الذَّهَبِ وَالْجَزْعِ. (إسْلَامُ أَبِي مُلَيْحٍ وَقَارِبٍ) : وَقَدْ كَانَ أَبُو مُلَيْحِ بْنِ عُرْوَةَ وَقَارِبُ بْنُ الْأَسْوَدِ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفْدِ ثَقِيفٍ، حِينَ قُتِلَ عُرْوَةُ، يُرِيدَانِ فِرَاقَ ثَقِيفٍ، وَأَنْ لَا يُجَامِعَاهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا، فَأَسْلَمَا، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَلَّيَا مَنْ شِئْتُمَا، فَقَالَا: نَتَوَلَّى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَخَالَكُمَا أَبَا سُفْيَانَ ابْن حَرْبٍ، فَقَالَا: وَخَالَنَا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ. (سُؤَالُهُمَا الرَّسُولُ قَضَاءَ دَيْنٍ مِنْ أَمْوَالِ الطَّاغِيَةِ) : فَلَمَّا أَسْلَمَ أَهْلُ الطَّائِفِ وَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا سُفْيَانَ وَالْمُغِيرَةَ إلَى هَدْمِ الطَّاغِيَةِ، سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو مُلَيْحِ بْنِ عُرْوَةَ أَنْ يَقْضِيَ عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الطَّاغِيَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ قَارِبُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَعَنْ الْأَسْوَدِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاقْضِهِ، وَعُرْوَةُ وَالْأَسْوَدُ أَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ الْأَسْوَدَ مَاتَ مُشْرِكًا. فَقَالَ قَارِبٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَكِنْ تَصِلُ مُسْلِمًا ذَا قَرَابَةٍ، يَعْنِي نَفْسَهُ، إنَّمَا الدَّيْنُ عَلَيَّ، وَإِنَّمَا أَنَا الَّذِي أُطْلَبُ بِهِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا سُفْيَانَ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ عُرْوَةَ وَالْأَسْوَدِ مِنْ مَالِ الطَّاغِيَةِ، فَلَمَّا جَمَعَ الْمُغِيرَةُ مَالَهَا قَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَكَ أَنْ تَقْضِيَ عَنْ عُرْوَةَ وَالْأَسْوَدِ دَيْنَهُمَا، فَقَضَى عَنْهُمَا. (كِتَابُ الرَّسُولِ لِثَقِيفِ) : وَكَانَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَتَبَ لَهُمْ:

_ [1] واها لَك: كلمة تقال فِي معنى التأسف والتحزن.

حج أبى بكر بالناس سنة تسع اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب رضوان الله عليه بتأدية أول براءة عنه، وذكر براءة والقصص في تفسيرها

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ، رَسُولِ اللَّهِ، إلَى الْمُؤْمِنِينَ: إنَّ عِضَاهَ [1] وَجٌّ وَصَيْدَهُ لَا يُعْضَدُ [2] ، مَنْ وُجِدَ يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُجْلَدُ وَتُنْزَعُ ثِيَابُهُ، فَإِنْ تَعَدَّى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ فَيَبْلُغُ بِهِ إلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ، وَإِنَّ هَذَا أَمْرُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ. وَكَتَبَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ: بِأَمْرِ الرَّسُولِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَا يَتَعَدَّهُ أَحَدٌ، فَيَظْلِمَ نَفْسَهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَجُّ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ سَنَةَ تِسْعٍ اخْتِصَاصُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِتَأْدِيَةِ أَوَّلِ بَرَاءَةٍ عَنْهُ، وَذِكْرُ بَرَاءَةَ وَالْقَصَصِ فِي تَفْسِيرِهَا (تَأْمِيرُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَقِيَّةَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَشَوَّالًا وَذَا الْقَعَدَةِ، ثُمَّ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْحَجِّ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ، لِيُقِيمَ لِلْمُسْلِمِينَ حَجَّهُمْ، وَالنَّاسُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ مِنْ حَجِّهِمْ. فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. (نُزُولُ بَرَاءَةٍ فِي نَقْضِ مَا بَيْنَ الرَّسُولِ وَالْمُشْرِكِينَ) : وَنَزَلَتْ بَرَاءَةٌ فِي نَقْضِ مَا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْعَهْدِ، الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ: أَنْ لَا يُصَدَّ عَنْ الْبَيْتِ أَحَدٌ جَاءَهُ، وَلَا يَخَافُ أَحَدٌ فِي الشَّهْرِ الْحِرَامِ. وَكَانَ ذَلِكَ عَهْدًا عَامًّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَكَانَتْ بَيْنَ ذَلِكَ عُهُودٌ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قَبَائِلَ مِنْ الْعَرَبِ خَصَائِصَ، إلَى آجَالٍ مُسَمَّاةٍ، فَنَزَلَتْ فِيهِ وَفِيمَنْ تَخَلَّفَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ عَنْهُ فِي تَبُوكَ، وَفِي قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ، فَكَشَفَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا سَرَائِرَ أَقْوَامٍ كَانُوا يَسْتَخْفُونَ بِغَيْرِ مَا يُظْهِرُونَ، مِنْهُمْ مَنْ سَمَّى لَنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسَمَّ لَنَا، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 9: 1: أَيْ لِأَهْلِ

_ [1] الْعضَاة: شجر لَهُ شوك، وَهُوَ أَنْوَاع، واحدته عضة. وَوَج: مَوضِع بِالطَّائِف. [2] لَا يعضد: لَا يقطع.

الْعَهْدِ الْعَامِّ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ. وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ 9: 2- 3: أَيْ بَعْدَ هَذِهِ الْحِجَّةِ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ، وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ. إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 9: 3- 4: أَيْ الْعَهْدَ الْخَاصَّ إلَى الْأَجَلِ الْمُسَمَّى ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً، وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ، فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ 9: 4- 5: يَعْنِي الْأَرْبَعَةَ الَّتِي ضَرَبَ لَهُمْ أَجَلًا فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ، وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ، فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ، فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 9: 5- 6: أَيْ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرْتُكَ بِقَتْلِهِمْ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ، ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ 9: 6. ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ 9: 7 الَّذِينَ كَانُوا هُمْ وَأَنْتُمْ عَلَى الْعَهْدِ الْعَامِّ أَن لَا نحيفوكم وَلَا يُخِيفُوهُمْ فِي الْحُرْمَةِ، وَلَا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ «عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ 9: 7» ، وَهِيَ قَبَائِلُ مِنْ بَنِي بَكْرٍ الَّذِينَ كَانُوا دَخَلُوا فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، إلَى الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ، فَلَمْ يَكُنْ نَقَضَهَا إلَّا هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهِيَ الدِّيلُ [1] مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، الَّذِينَ كَانُوا دَخَلُوا فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ. فَأُمِرَ بِإِتْمَامِ الْعَهْدِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ نَقَضَ مِنْ بَنِي بَكْرٍ إلَى مُدَّتِهِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ 9: 7 ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ 9: 8: أَيْ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ لَا عَهْدَ لَهُمْ إلَى مُدَّةٍ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ الْعَامِّ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً 9: 8.

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بَنو الديل» .

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

(تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْإِلُّ: الْحِلْفُ. قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ، أَحَدُ بَنِي أُسَيِّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ: لَوْلَا بَنُو مَالِكٍ وَالْإِلُّ مَرْقَبَةٌ ... وَمَالِكٌ فِيهِمْ الْآلَاءُ وَالشَّرَفُ [1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَجَمَعَهُ: آلَالَ، قَالَ الشَّاعِرُ: فَلَا إلٌّ مِنْ الْآلَالِ بَيْنِي ... وَبَيْنَكُمْ فَلَا تَأْلُنَّ جُهْدًا وَالذِّمَّةُ: الْعَهْدُ. قَالَ الْأَجْدَعُ بْنُ مَالِكٍ الْهَمْدَانِيُّ، وَهُوَ أَبُو مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ الْفَقِيهُ: وَكَانَ عَلَيْنَا ذِمَّةٌ أَنْ تُجَاوِزُوا ... مِنْ الْأَرْضِ مَعْرُوفًا إلَيْنَا وَمُنْكَرًا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي ثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ لَهُ، وَجَمْعُهَا: ذِمَمٌ. يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ. اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا، فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ، إِنَّهُمْ ساءَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ. لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ 9: 8- 10 أَيْ قَدْ اعْتَدَوْا عَلَيْكُمْ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ، وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ 9: 11 (اخْتِصَاصُ الرَّسُولِ عَلِيًّا بِتَأْدِيَةِ بَرَاءَةٌ عَنْهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لِيُقِيمَ لِلنَّاسِ الْحَجَّ، قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ بَعَثْتُ بِهَا إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: لَا يُؤَدِّي عَنِّي إلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، ثُمَّ دَعَا عَلِيَّ ابْن أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: اُخْرُجْ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ صَدْرِ بَرَاءَةٍ، وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ إذَا اجْتَمَعُوا بِمِنًى، أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ كَافِرٌ، وَلَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَهُوَ لَهُ إلَى مُدَّتِهِ، فَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَلَى نَاقَةِ

_ [1] الآلاء: النعم. 35- سيرة ابْن هِشَام- 2

(ما نزل في الأمر بجهاد المشركين) :

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَضْبَاءَ، حَتَّى أَدْرَكَ أَبَا بَكْرٍ بِالطَّرِيقِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ بِالطَّرِيقِ قَالَ: أَأَمِيرٌ أَمْ مَأْمُورٌ؟ فَقَالَ: بَلْ مَأْمُورٌ، ثُمَّ مَضَيَا. فَأَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ الْحَجَّ، وَالْعَرَبُ إذْ ذَاكَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ مِنْ الْحَجِّ، الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ، قَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِاَلَّذِي أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ كَافِرٌ، وَلَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان، وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَهُوَ لَهُ إلَى مُدَّتِهِ، وَأَجَّلَ النَّاسَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ أَذَّنَ فِيهِمْ، لِيَرْجِعَ كُلُّ قَوْمٍ إلَى مَأْمَنِهِمْ أَوْ بِلَادِهِمْ [1] ، ثُمَّ لَا عَهْدٌ لِمُشْرِكِ وَلَا ذِمَّةٌ إلَّا أَحَدٌ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ إلَى مُدَّةٍ، فَهُوَ لَهُ إلَى مُدَّتِهِ. فَلَمْ يَحُجَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. ثُمَّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ هَذَا مِنْ بَرَاءَةٍ فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامِّ، وَأَهْلِ الْمُدَّةِ إلَى الْأَجَلِ الْمُسَمَّى. (مَا نَزَلَ فِي الْأَمْرِ بِجِهَادِ الْمُشْرِكِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِهَادِ أَهْلِ الشِّرْكِ، مِمَّنْ نَقَضَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْخَاصِّ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامِّ، بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ الَّتِي ضَرَبَ لَهُمْ أَجَلًا إلَّا أَنْ يَعْدُوَ فِيهَا عَادٍ مِنْهُمْ، فَيُقْتَلُ [2] بِعَدَائِهِ، فَقَالَ: أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ 9: 13- 15: أَيْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ، وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ. أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا 9: 15- 16

_ [1] فِي أ: «وبلادهم» . [2] فِي أ: «فَيقبل بعدائه» .

(تفسير ابن هشام لبعض الغريب) :

وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ، وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً، وَالله خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ 9: 16. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلِيجَةً: دَخِيلٌ، وَجَمْعُهَا: وَلَائِجُ، وَهُوَ مِنْ وَلَجَ يَلِجُ: أَيْ دَخَلَ يَدْخُلُ، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ 7: 40: أَيْ يَدْخُلُ، يَقُولُ: لَمْ يَتَّخِذُوا دَخِيلًا مِنْ دُونِهِ يُسِرُّونَ إلَيْهِ غَيْرَ مَا يُظْهِرُونَ، نَحْوَ مَا يَصْنَعُ الْمُنَافِقُونَ، يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ 2: 14 قَالَ الشَّاعِرُ: وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ قَدْ جُعِلْتَ وَلِيجَةً ... سَاقُوا إلَيْكَ الْحَتْفَ غَيْرَ مَشُوبِ [1] (مَا نَزَلَ فِي الرَّدِّ عَلَى قُرَيْشٍ بِادِّعَائِهِمْ عُمَارَةَ الْبَيْتِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ قُرَيْشٍ: إنَّا أَهْلُ الْحَرَمِ، وَسُقَاةُ الْحَاجِّ، وَعُمَّارِ هَذَا الْبَيْتِ، فَلَا أَحَدَ أَفْضَلُ مِنَّا، فَقَالَ: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ 9: 18: أَيْ إنَّ عِمَارَتَكُمْ لَيْسَتْ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَيْ مَنْ عَمَّرَهَا بِحَقِّهَا مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ 9: 18: أَيْ [2] فَأُولَئِكَ عُمَّارُهَا فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ 9: 18 وَعَسَى مِنْ اللَّهِ: حَقٌّ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ 9: 19. (مَا نَزَلَ فِي الْأَمْرِ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ) : ثُمَّ الْقِصَّةُ عَنْ عَدُوِّهِمْ، حَتَّى انْتَهَى إلَى ذِكْرِ حُنَيْنٍ، وَمَا كَانَ فِيهِ، وَتُوَلِّيهِمْ عَنْ عَدُوِّهِمْ، وَمَا أَنَزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ نَصْرِهِ بَعْدَ تَخَاذُلِهِمْ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا، وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً 9: 28 وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: لَتَنْقَطِعَنَّ عَنَّا الْأَسْوَاقُ، فَلَتَهْلِكَنَّ التِّجَارَةُ، وَلَيَذْهَبَنَّ مَا كُنَّا

_ [1] غير مشوب: غير مخلوط. [2] فِي أ: «أَلا فَأُولَئِك» .

(ما نزل في أهل الكتابين) :

نُصِيبُ فِيهَا مِنْ الْمَرَافِقِ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ 9: 28: أَيْ مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ ذَلِكَ إِنْ شاءَ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، قاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ 9: 28- 29: أَيْ فَفِي هَذَا عِوَضٌ مِمَّا تَخَوَّفْتُمْ مِنْ قَطْعِ الْأَسْوَاقِ، فَعَوَّضَهُمْ اللَّهُ بِمَا قَطَعَ [1] عَنْهُمْ بِأَمْرِ الشِّرْكِ، مَا أَعْطَاهُمْ مِنْ أَعْنَاقِ أَهْلِ الْكِتَابِ، مِنْ الْجِزْيَةِ. (مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ) : ثُمَّ ذَكَرَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ بِمَا فِيهِمْ مِنْ الشَّرِّ وَالْفِرْيَةِ عَلَيْهِ، حَتَّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ 9: 34. (مَا نَزَلَ فِي النَّسِيءِ) : ثُمَّ ذَكَرَ النَّسِيءَ، وَمَا كَانَتْ الْعَرَبُ أَحْدَثَتْ فِيهِ. وَالنَّسِيءُ مَا كَانَ يُحِلُّ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الشُّهُورِ، وَيُحَرِّمُ مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ مِنْهَا، فَقَالَ: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ 9: 36: أَيْ لَا تَجْعَلُوا حَرَامَهَا حَلَالًا، وَلَا حَلَالهَا حَرَامًا: أَيْ كَمَا فَعَلَ أَهْلُ الشِّرْكِ إِنَّمَا النَّسِيءُ 9: 37 الَّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَ «زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ، يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَاما لِيُواطِؤُا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ، زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ، وَالله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ 9: 37 (مَا نَزَلَ فِي تَبُوكَ) : ثُمَّ ذَكَرَ تَبُوكَ وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ تَثَاقُلِ الْمُسْلِمِينَ عَنْهَا، وَمَا أَعْظَمُوا مِنْ غَزْوِ الرُّومِ، حِينَ دَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى جِهَادِهِمْ، وَنِفَاقَ مَنْ نَافَقَ

_ [1] فِي م، ر: «مِمَّا» .

(ما نزل في أهل النفاق) :

مِنْ الْمُنَافِقِينَ، حِينَ دُعُوا إلَى مَا دُعُوا إلَيْهِ مِنْ الْجِهَادِ، ثُمَّ مَا نَعَى [1] عَلَيْهِمْ مِنْ إحْدَاثِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ 9: 38، ثُمَّ الْقِصَّةُ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ 9: 39 إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ 9: 40. (مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ النِّفَاقِ) : ثُمَّ قَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَذْكُرُ أَهْلَ النِّفَاقِ: لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ، وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ، وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ، يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَالله يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ 9: 42: أَيْ إنَّهُمْ يَسْتَطِيعُونَ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ، لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ 9: 43؟ ... إلَى قَوْلِهِ: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا، وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ، يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ 9: 47. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ: سَارُوا بَيْنَ أَضْعَافِكُمْ، فَالْإِيضَاعُ: ضَرْبٌ مِنْ السَّيْرِ أَسْرَعَ مِنْ الْمَشْيِ، قَالَ الْأَجْدَعُ بْنُ مَالِكٍ الهمدانيّ: يصطادك الْوَاحِد الْمُدِلَّ بِشَأْوِهِ ... بِشَرِيجٍ بَيْنَ الشَّدِّ وَالْإِيضَاعِ [2] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. (عَوْدٌ إلَى مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ النِّفَاقِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الَّذِينَ اسْتَأْذَنُوهُ مِنْ ذَوِي الشَّرَفِ، فِيمَا بَلَغَنِي، مِنْهُمْ:

_ [1] نعى عَلَيْهِم: عابهم وعتب عَلَيْهِم. [2] الْوَاحِد، بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا: الْمُفْرد. يُرِيد: فرسا. قَالَ أَبُو ذَر: والجيد رِوَايَة من روى الْوَاحِد المَال المنصب، ويعنى بِهِ الثور الوحشي، ويضمر فِي قَوْله «يصطاد» ضميرا يرجع إِلَى فرس مُتَقَدم الذّكر وشأوه: سبقه. والشريج: النَّوْع. يُقَال هما شريجان: أَي نَوْعَانِ مُخْتَلِفَانِ. والشد: هُنَا الجرى.

(ما نزل في ذكر أصحاب الصدقات) :

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بن سَلُولَ، وَالْجَدُّ بْنُ قِيسٍ، وَكَانُوا أَشْرَافًا فِي قَوْمِهِمْ، فَثَبَّطَهُمْ اللَّهُ لِعِلْمِهِ بِهِمْ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ، فَيُفْسِدُوا عَلَيْهِ جُنْدَهُ، وَكَانَ فِي جُنْدِهِ قَوْمٌ أَهْلُ مَحَبَّةٍ لَهُمْ، وَطَاعَةٍ فِيمَا يَدْعُونَهُمْ إلَيْهِ، لِشَرَفِهِمْ فِيهِمْ. فَقَالَ تَعَالَى: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ، وَالله عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ، لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ 9: 47- 48: أَيْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْتَأْذِنُوكَ، وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ 9: 48: أَيْ لِيَخْذُلُوا عَنْكَ أَصْحَابَكَ وَيَرُدُّوا عَلَيْكَ أَمْرَكَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا 9: 48- 49، وَكَانَ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ، فِيمَا سُمِّيَ لَنَا، الْجَدُّ بْنُ قِيسٍ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، حِينَ دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى جِهَادِ الرُّومِ. ثُمَّ كَانَتْ الْقِصَّةُ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ، فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا، وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ 9: 57- 58: أَيْ إنَّمَا نِيَّتُهُمْ وَرِضَاهُمْ وَسَخَطَهُمْ لِدُنْيَاهُمْ. (مَا نَزَلَ فِي ذِكْرِ أَصْحَابِ الصَّدَقَاتِ) : ثُمَّ بَيَّنَ الصَّدَقَاتِ لِمَنْ هِيَ، وَسَمَّى أَهْلَهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها، وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَفي الرِّقابِ، وَالْغارِمِينَ وَفي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ، وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ 9: 60. (مَا نَزَلَ فِيمَنْ آذَوْا الرَّسُولَ) : ثُمَّ ذَكَرَ غَشَّهُمْ وَأَذَاهُمْ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ، قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ، يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ 9: 61. وَكَانَ الَّذِي يَقُولُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، فِيمَا بَلَغَنِي، نَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّمَا مُحَمَّدٌ أُذُنٌ، مَنْ حَدَّثَهُ شَيْئًا صَدَّقَهُ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ 9: 61: أَيْ يَسْمَعُ الْخَيْرَ وَيُصَدِّقُ بِهِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَالله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ

يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ 9: 62، ثُمَّ قَالَ: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ 9: 65 ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً 9: 66، وَكَانَ الَّذِي قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَدِيعَةَ بْنَ ثَابِتٍ، أَخو بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، مِنْ بَنِي عَمْرِو ابْن عَوْفٍ، وَكَانَ الَّذِي عُفِيَ عَنْهُ، فِيمَا بَلَغَنِي: مُخَشِّنَ بْنَ حُمَيِّرٍ الْأَشْجَعِيُّ، حَلِيفَ بَنِي سَلِمَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَنْكَرَ مِنْهُمْ بَعْضَ مَا سَمِعَ. ثُمَّ الْقِصَّةُ مِنْ صِفَتِهِمْ حَتَّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا، وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا، وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ 9: 73- 74 ... إلَى قَوْلِهِ: مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ 9: 74. وَكَانَ الَّذِي قَالَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ الْجُلَاسَ بْنَ سُوَيْدِ ابْن صَامِتٍ، فَرَفَعَهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ فِي حِجْرِهِ، يُقَالُ لَهُ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ، فَأَنْكَرَهَا وَحَلَفَ باللَّه مَا قَالَهَا، فَلَمَّا نَزَلَ فِيهِمْ الْقُرْآنُ تَابَ وَنَزَعَ، وَحَسُنَتْ حَالُهُ وَتَوْبَتُهُ، فِيمَا بَلَغَنِي. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ 9: 75، وَكَانَ الَّذِي عَاهَدَ اللَّهَ مِنْهُمْ ثَعْلَبَةَ بْنَ حَاطِبٍ، وَمُعَتِّبَ بْنَ قُشَيْرٍ، وَهُمَا من بنى عمر بْنِ عَوْفٍ. ثُمَّ قَالَ: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ، وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ، فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ، سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ 9: 79 وَكَانَ المطَّوّعون مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَعَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ أَخَا بَنِي الْعَجْلَانِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَغَّبَ فِي الصَّدَقَةِ، وَحَضَّ عَلَيْهَا، فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَتَصَدَّقَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَقَامَ عَاصِمُ بْنُ عدىّ، فتصدّق بِمِائَة وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ، فَلَمَزُوهُمَا وَقَالُوا مَا هَذَا إلَّا رِيَاءٌ، وَكَانَ الَّذِي تَصَدَّقَ بِجَهْدِهِ أَبُو عُقَيْلٍ أَخُو بَنِي أُنَيْفٍ، أَتَى بِصَاعِ مِنْ تَمْرٍ، فَأَفْرَغَهَا فِي الصَّدَقَةِ، فَتَضَاحَكُوا بِهِ، وَقَالُوا: إنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَاعِ أَبِي عُقَيْلٍ. ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ، حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِهَادِ،

(ما نزل بسبب صلاة النبي على ابن أبى) :

وَأَمَرَ بِالسَّيْرِ إلَى تَبُوكَ، عَلَى شِدَّةِ الْحَرِّ وَجَدْبِ الْبِلَادِ، فَقَالَ تَعَالَى: وَقالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ، قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ. فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً 9: 81- 82 ... إلَى قَوْلِهِ: وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ 9: 85. (مَا نَزَلَ بِسَبَبِ صَلَاةِ النَّبِيِّ عَلَى ابْنِ أَبَيٍّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبَيٍّ، دُعِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَقَامَ إلَيْهِ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ، تَحَوَّلْتُ حَتَّى قُمْتُ فِي صَدْرِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُصَلِّي عَلَى عَدُوِّ اللَّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبَيٍّ بن سَلُولَ؟ الْقَائِلِ كَذَا يَوْمَ كَذَا، وَالْقَائِلِ كَذَا يَوْمَ كَذَا؟ أُعَدِّدُ أَيَّامَهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَسَّمُ حَتَّى إذَا أَكْثَرْتُ قَالَ: يَا عُمَرُ، أَخِّرْ عَنِّي، إنِّي قَدْ خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، قَدْ قِيلَ لِي: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ 9: 80، فَلَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ، لَزِدْتُ. قَالَ: ثُمَّ صلى الله عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَشَى مَعَهُ حَتَّى قَامَ عَلَى قَبْرِهِ، حَتَّى فُرِغَ مِنْهُ. قَالَ: فَعَجِبْتُ لِي وَلِجُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللَّهُ وَرَسُوله أعلم. فو الله مَا كَانَ إلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ، إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ 9: 84 فَمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ عَلَى مُنَافِقٍ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى. (مَا نَزَلَ فِي الْمُسْتَأْذِنِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ 9: 86، وَكَانَ ابْنُ أَبَيٍّ مِنْ أُولَئِكَ، فَنَعَى اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ

(ما نزل فيمن نافق من الأعراب) :

تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها. ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ، وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ 9: 88- 90 ... إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. وَكَانَ الْمُعَذِّرُونَ، فِيمَا بَلَغَنِي نَفَرًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ، مِنْهُمْ خُفَافُ بْنُ أَيْمَاءَ بن رحضة، تمّ كَانَتْ الْقِصَّةُ لِأَهْلِ الْعُذْرِ، حَتَّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ، قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ 9: 92 وَهُمْ الْبَكَّاءُونَ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ، رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ، وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ 9: 93 وَالْخَوَالِفُ: النِّسَاءُ. ثُمَّ ذَكَرَ حَلِفَهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ وَاعْتِذَارَهُمْ، فَقَالَ: فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ 9: 95، إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ 9: 96. (مَا نَزَلَ فِيمَنْ نَافَقَ مِنْ الْأَعْرَابِ) : ثُمَّ ذَكَرَ الْأَعْرَابَ وَمَنْ نَافَقَ مِنْهُمْ وَتَرَبُّصُهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: وَمن الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ 9: 98: أَيْ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ، عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ 9: 98. ثُمَّ ذَكَرَ الْأَعْرَابَ أَهْلَ الْإِخْلَاصِ وَالْإِيمَانِ مِنْهُمْ، فَقَالَ: وَمن الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ، أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ 9: 99. (مَا نَزَلَ فِي السَّابِقِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ) : ثُمَّ ذَكَرَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَفَضْلَهُمْ، وَمَا وَعَدَهُمْ اللَّهُ مِنْ حُسْنِ ثَوَابه إيَّاهُم، تمّ أَلْحَقَ بِهِمْ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ، فَقَالَ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ 9: 100، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمن أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ 9: 101: أَيْ لَجُّوا فِيهِ، وَأَبَوْا غَيْرَهُ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ 9: 101، وَالْعَذَابُ الَّذِي أَوْعَدَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَرَّتَيْنِ، فِيمَا

شعر حسان الذي عدد فيه المغازي

بَلَغَنِي غَمَّهُمْ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الْإِسْلَامِ، وَمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْظِ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ حِسْبَةٍ، ثُمَّ عَذَابُهُمْ فِي الْقُبُورِ إذَا صَارُوا إلَيْهَا، ثُمَّ الْعَذَابُ الْعَظِيمُ الَّذِي يُرِدُّونَ إلَيْهِ، عَذَابُ النَّارِ وَالْخُلْدُ فِيهِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ، خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 9: 102. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها 9: 103 إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ، إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ 9: 106، وَهُمْ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُوا، وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُمْ حَتَّى أَتَتْ مِنْ اللَّهِ تَوْبَتُهُمْ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً 9: 107 ... إلَخْ الْقِصَّةُ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ 9: 111. ثُمَّ كَانَ قِصَّةُ الْخَبَرِ عَنْ تَبُوكَ، وَمَا كَانَ فِيهَا إلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَكَانَتْ بَرَاءَةٌ تُسْمَى فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ الْمُبَعْثِرَةَ، لَمَا كَشَفَتْ مِنْ سَرَائِرِ النَّاسِ. وَكَانَتْ تَبُوكَ آخِرَ غَزْوَةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. شِعْرُ حَسَّانَ الَّذِي عَدَّدَ فِيهِ الْمَغَازِيَ وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُعَدِّدُ أَيَّامَ الْأَنْصَارِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَذْكُرُ مَوَاطِنَهُمْ مَعَهُ فِي أَيَّامِ غَزْوِهِ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى لَابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ: أَلَسْتُ خَيْرَ مَعَدٍّ كُلِّهَا نَفَرًا ... وَمَعْشَرًا إنْ هُمْ عُمُّوا وَإِنْ حُصِلُوا [1] قَوْمٌ هُمْ شَهِدُوا بَدْرًا بِأَجْمَعِهِمْ ... مَعَ الرَّسُولِ فَمَا أَلَوْا وَمَا خَذَلُوا [2]

_ [1] حصلوا: جمعُوا، وَأَرَادَ: «حصلوا» بِالتَّشْدِيدِ، فَخفف. قَالَ أَبُو ذَر: «وَمن قَالَ: (عموا وَإِن حصلوا) بِالْفَتْح، فقد نسب الْفِعْل إِلَيْهِم يُرِيد: وَإِن عموا أنفسهم وحصلوها» . [2] مَا ألوا: مَا قصروا. ويروى: «مَا آلوا بِالْمدِّ، أَي مَا أبطئوا، كَمَا يرْوى: «مَا ألوا» بتَشْديد اللَّام، أَي مَا قصروا (أَيْضا) ، إِلَّا أَنه شدد للْمُبَالَغَة.

وَبَايَعُوهُ فَلَمْ يَنْكُثْ بِهِ أَحَدٌ ... مِنْهُمْ وَلَمْ يَكُ فِي إيمَانِهِمْ دَخَلُ [1] وَيَوْمَ صَبَّحَهُمْ فِي الشِّعْبِ مِنْ أُحُدٍ ... ضَرْبٌ رَصِينٌ كَحَرِّ النَّارِ مُشْتَعِلُ [2] وَيَوْمَ ذِي قَرَدٍ يَوْمَ اسْتَثَارَ بِهِمْ ... عَلَى الْجِيَادِ فَمَا خَامُوا وَمَا نَكَلُوا [3] وَذَا الْعَشِيرَةِ جَاسُوهَا بِخَيْلِهِمْ ... مَعَ الرَّسُولِ عَلَيْهَا الْبَيْضُ وَالْأَسَلُ [4] وَيَوْمَ وَدَّانَ أَجْلَوْا أَهْلَهُ رَقَصًا ... بِالْخَيْلِ حَتَّى نَهَانَا الْحَزْنُ وَالْجَبَلُ [5] وَلَيْلَةً طَلَبُوا فِيهَا عَدُوَّهُمْ ... للَّه وَاَللَّهُ يَجْزِيهِمْ بِمَا عَمِلُوا وَغَزْوَةً يَوْمَ نَجْدٍ ثُمَّ كَانَ لَهُمْ ... مَعَ الرَّسُولِ بِهَا الْأَسْلَابُ وَالنَّفَلُ وَلَيْلَةً بِحُنَيْنٍ جَالَدُوا مَعَهُ ... فِيهَا يَعُلُّهُمْ بِالْحَرْبِ إذْ نَهِلُوا [6] وَغَزْوَةَ الْقَاعِ فَرَّقْنَا الْعَدُوَّ بِهِ ... كَمَا تُفَرَّقُ دُونَ الْمَشْرَبِ الرَّسَلُ [7] وَيَوْمَ بُويِعَ كَانُوا أَهْلَ بَيْعَتِهِ ... عَلَى الْجِلَادِ فَآسَوْهُ وَمَا عَدَلُوا وَغَزْوَةَ الْفَتْحِ كَانُوا فِي سَرِيَّتِهِ ... مُرَابِطِينَ فَمَا طَاشُوا وَمَا عَجِلُوا وَيَوْمَ خَيْبَرَ كَانُوا فِي كَتِيبَتِهِ ... يَمْشُونَ كُلُّهُمْ مُسْتَبْسِلٌ بَطَلُ [8] بِالْبِيضِ تَرْعَشُ فِي الْأَيْمَانِ عَارِيَةً ... تَعْوَجُّ فِي الضَّرْبِ أَحْيَانًا وَتَعْتَدِلُ وَيَوْمَ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ مُحْتَسِبًا ... إلَى تَبُوكَ وَهُمْ رَايَاتُهُ الْأُوَلُ وَسَاسَةُ الْحَرْبِ إنْ حَرْبٌ بَدَتْ لَهُمْ ... حَتَّى بَدَا لَهُمْ الْإِقْبَالُ وَالْقَفَلُ [9] أُولَئِكَ الْقَوْمُ أَنْصَارُ النَّبِيِّ وَهُمْ ... قَوْمِي أَصِيرُ إلَيْهِمْ حَيْنَ أَتَّصِلُ [10]

_ [1] دخل: فَسَاد. [2] رصين: ثَابت مُحكم. [3] خاموا ونكلوا: جبنوا عَن هَيْبَة وفزع. [4] جاسوها: وطئوها. ويروى: «داسوها» . وَالْبيض: السيوف، والأسل: الرماح. [5] الرقص (بِسُكُون الْقَاف وَفتحهَا) : ضرب من الْمَشْي، وَهُوَ الخبب. والحزن: مَا ارْتَفع من الأَرْض. [6] يعلهم: أَي يكررها عَلَيْهِم. من الْعِلَل، وَهُوَ الشّرْب الثَّانِي. والنهل: الشّرْب الأول. [7] الرُّسُل: الْإِبِل. [8] مستبسل: موطن نَفسه على الْمَوْت. [9] القفل: الرُّجُوع. [10] حِين أتصل: حِين أنتسب.

مَاتُوا كِرَامًا وَلَمْ تُنْكَثْ عُهُودُهُمْ ... وَقَتْلُهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إذْ قُتِلُوا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَجُزُ آخِرِهَا بَيْتًا عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا: كُنَّا مُلُوكَ النَّاسِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ ... فَلَمَّا أَتَى الْإِسْلَامُ كَانَ لَنَا الْفَضْلُ وَأَكْرَمَنَا اللَّهُ الَّذِي لَيْسَ غَيره ... إِلَيْهِ بِأَيَّامٍ مَضَتْ مَا لَهَا شَكْلُ [1] بِنَصْرِ الْإِلَهِ وَالرَّسُولِ [2] وَدِينِهِ ... وَأَلْبَسَنَاهُ اسْمًا مَضَى مَا لَهُ مِثْلُ [3] أُولَئِكَ قَوْمِي خَيْرُ قَوْمٍ بِأَسْرِهِمْ ... فَمَا عُدَّ مِنْ خَيْرٍ فَقَوْمِي لَهُ أَهْلُ يَرُبُّونَ بِالْمَعْرُوفِ مَعْرُوفِ مَنْ مَضَى ... وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ دُونَ مَعْرُوفِهِمْ قُفْلُ [4] إذَا اخْتُبِطُوا لَمْ يُفْحِشُوا فِي نَدِيِّهِمْ ... وَلَيْسَ عَلَى سُؤَالِهِمْ عِنْدَهُمْ بُخْلُ [5] وَإِنْ حَارَبُوا أَوْ سَالَمُوا لَمْ يُشَبَّهُوا ... فَحَرْبُهُمْ حَتْفٌ وَسِلْمُهُمْ سَهْلُ [6] وَجَارُهُمْ مُوفٍ بِعَلْيَاءَ بَيْتُهُ ... لَهُ مَا ثَوَى فِينَا الْكَرَامَةُ وَالْبَذْلُ [7] وَحَامِلُهُمْ مُوفٍ بِكُلِّ حَمَالَةٍ ... تَحَمَّلَ لَا غُرْمٌ عَلَيْهَا وَلَا خَذْلُ [8] وَقَائِلهُمْ بِالْحَقِّ إنْ قَالَ قَائِلٌ ... وَحِلْمُهُمْ عَوْدٌ وَحُكْمُهُمْ عَدْلُ [9] وَمِنَّا أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ حَيَاتَهُ ... وَمَنْ غَسَّلَتْهُ مِنْ جَنَابَتِهِ الرُّسْلُ [10]

_ [1] شكل: مثل. [2] فِي الدِّيوَان: «وَالنَّبِيّ» . [3] فِي الدِّيوَان: «وَأَكْرمنَا باسم مضى ... إِلَخ» . [4] بربون: يصلحون. وَرِوَايَة الشّطْر الثَّانِي فِي الدِّيوَان: « وَلَيْسَ على معروفهم أبدا قفل » . [5] اختبطوا: قصدُوا فِي مجلسهم، والمختبط: الطَّالِب للمعروف. ويروى: «اختطبوا» من الْخطْبَة: ونديهم: مجلسهم. [6] جَاءَ هَذَا الْبَيْت فِي الدِّيوَان قبل آخر بَيت فِي القصيدة. [7] العلياء: الْموضع الْمُرْتَفع. وَرِوَايَة الشّطْر الأول فِي الدِّيوَان: «وجارهم فيهم ... إِلَخ» وترتيب الْبَيْت فِي الدِّيوَان بعد الْبَيْت الّذي يَلِيهِ. [8] الجمالة: مَا يتحمله الْإِنْسَان من غرم فِي دِيَة. [9] عود: قديم متكرر. وَرِوَايَة هَذِه الْبَيْت فِي الدِّيوَان: وقائلهم بِالْحَقِّ أول قَائِل ... فحكمهم عدل، وَقَوْلهمْ فصل [10] أَمِير الْمُسلمين: يعْنى سعد بن معَاذ. وَمن غسلته: يعْنى «حَنْظَلَة» الّذي غسلته الْمَلَائِكَة حِين اسْتشْهد يَوْم أحد. وَالرسل (هُنَا) : الْمَلَائِكَة.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَوْلُهُ: «وَأَلْبَسْنَاهُ اسْمًا» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا: قَوْمِي أُولَئِكَ إنْ تَسْأَلِي ... كِرَامٌ إذَا الضَّيْفُ يَوْمًا أَلَمْ [1] عِظَامُ الْقُدُورِ لِأَيْسَارِهِمْ ... يَكُبُّونَ فِيهَا الْمُسِنَّ السَّنِمْ [2] يُؤَاسُونَ جَارَهُمْ فِي الْغِنَى ... وَيَحْمُونَ مَوْلَاهُمْ إنْ ظُلِمْ فَكَانُوا مُلُوكًا بِأَرْضِيِّهِمْ ... يُنَادُونَ عَضْبًا بِأَمْرِ غُشُمْ [3] مُلُوكًا عَلَى النَّاسِ، لَمْ يُمْلَكُوا ... مِنْ الدَّهْرِ يَوْمًا كَحِلِّ الْقَسَمْ [4] فَأَنْبَوْا بِعَادٍ وَأَشْيَاعِهَا ... ثَمُودَ وَبَعْضِ بَقَايَا إرَمْ [5] بِيَثْرِبَ قَدْ شَيَّدُوا فِي النَّخِيلِ ... حُصُونًا وَدُجِّنَ فِيهَا النَّعَمْ [6] نواضح قد علّمتها اليهو ... دُ (عَلْ) إلَيْكَ وَقَوْلًا هَلُمْ [7] وَفَمًا اشْتَهَوْا من عصير القطاف ... وَالْعَيْشِ رَخْوًا عَلَى غَيْرِ هَمْ [8] فَسِرْنَا إلَيْهِمْ بِأَثْقَالِنَا ... عَلَى كُلِّ فَحْلٍ هِجَانٍ قَطِمْ [9] جَنَبْنَا بهنّ جِيَاد الْخُيُول ... قَدْ جَلَّلُوهَا جِلَالَ الْأَدَمْ [10]

_ [1] ألم: نزل. وَرِوَايَة الشّطْر الأول فِي الدِّيوَان: « أُولَئِكَ قومِي فَإِن تسألى » . وَفِي أ: «إِن تسألوا» . [2] الأيسار: جمع يسر، وَهُوَ الّذي يدْخل فِي الميسر. والمسن: الْكَبِير. والسنم: الْعَظِيم السنام. [3] غشم: من الغسم، وَهُوَ أَسْوَأ الظُّلم. وَرِوَايَة الشّطْر الثَّانِي فِي الدِّيوَان: «يبادون غَضبا ... » إِلَخ. [4] يُرِيد بِحل الْقسم فَتْرَة قَصِيرَة. [5] فأنبوا: فأنبئوا، فَخفف الْهمزَة. وإرم: هِيَ عَاد الأولى. [6] دجن فِيهَا النعم: اتَّخذت فِي الْبيُوت. والدواجن: كل مَا ألف النَّاس كالحمام والدجاج وَنَحْو ذَلِك. وَالنعَم: الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم. [7] النَّوَاضِح: الْإِبِل الَّتِي يستقى عَلَيْهَا المَاء. وعَلى (بِفَتْح الْعين وَسُكُون اللَّام) : زجر تزجر بِهِ الْإِبِل. وهلم: أقبل. [8] القطاف: اسْم لما يقطف من الْعِنَب وَغَيره. وَرِوَايَة الشّطْر الثَّانِي فِي الدِّيوَان: « وعيش رضى على غَيرهم » . [9] الهجان: الْأَبْيَض. وقطم: هائج يَشْتَهِي الضراب. [10] جنبنا: قدنا. وجللوها: غطوها. والأدم: الْجلد. وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي الدِّيوَان: جِيَاد الْخُيُول بأجنابهم ... وَقد جللوها ثخان الْأدم

فَلَمَّا أَنَاخُوا بِجَنْبَيْ صِرَارٍ ... وَشَدُّوا السُّرُوجَ بَلِيِّ الْحُزُمْ فَمَا رَاعَهُمْ غير معج الْخُيُول ... وَالزَّحْفُ مِنْ خَلْفِهِمْ قَدْ دَهِمْ [1] فَطَارُوا سِرَاعًا وَقَدْ أُفْزِعُوا ... وَجِئْنَا إلَيْهِمْ كَأُسْدِ الْأُجُمْ عَلَى كُلِّ سلهبة فِي الصّيان ... لَا يَشْتَكِينَ نَحُولَ السَّأَمْ [2] وَكُلِّ كُمَيْتٍ مُطَارُ الْفُؤَادِ ... أَمِينِ الْفُصُوصِ كَمِثْلِ الزُّلَمْ [3] عَلَيْهَا فَوَارِسُ قَدْ عُوِّدُوا ... قِرَاعَ الْكُمَاةِ وَضَرْبَ الْبُهَمْ [4] مُلُوكٌ إذَا غشموا فِي الْبِلَاد ... لَا يَنْكُلُونَ وَلَكِنْ قُدُمْ [5] فَأُبْنَا بِسَادَاتِهِمْ وَالنِّسَاءِ ... وَأَوْلَادُهُمْ فِيهِمْ تُقْتَسَمْ [6] وَرِثْنَا مَسَاكِنَهُمْ بَعْدَهُمْ ... وَكُنَّا مُلُوكًا بِهَا لَمْ نَرِمْ [7] فَلَمَّا أَتَانَا الرَّسُولُ الرَّشِيدُ ... بِالْحَقِّ وَالنُّورِ بَعْدَ الظُّلْمْ قُلْنَا صَدَقْتَ رَسُولَ الْمَلِيكِ ... هَلُمَّ إلَيْنَا وَفِينَا أَقِمْ فَنَشْهَدَ أَنَّكَ عَبْدُ الْإِلَهِ ... أُرْسِلَتْ نُورًا بِدِينٍ قِيَمْ [8] فَأَنَا وَأَوْلَادُنَا جُنَّةٌ ... نَقِيكَ وَفِي مَالِنَا فَاحْتَكِمْ فَنَحْنُ أُولَئِكَ [9] إنْ كَذَّبُوكَ ... فَنَادِ نِدَاءً وَلَا تَحْتَشِمْ وَنَادِ بِمَا كُنْتَ أَخْفَيْتَهُ ... نِدَاءً جَهَارًا وَلَا تَكْتَتِمْ

_ [1] معج الْخُيُول. سرعتها ودهم. جَاءَ غَفلَة على غير استعداد. [2] السلهبة: الْفرس: الطَّوِيلَة. والصيان: مَا يصان بِهِ من الْجلَال. والسأم: الْملَل. [3] مطار الْفُؤَاد: ذكي الْفُؤَاد: والفصوص: مفاصل الْعِظَام، وَأمين الفصوص: قويها. والزلم الْقدح. [4] الكماة الشجعان: جمع كمي وَهُوَ المستر فِي سلاحه والبهم جمع بهمة وَهُوَ البطل الشجاع. [5] غشموا: اشْتَدَّ ظلمهم. وَلَا ينكلون: لَا يرجعُونَ هائبين: وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي الدِّيوَان. لُيُوث إِذا غضبوا فِي الحروب. .. إِلَخ [6] أبنا: رَجعْنَا. وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي الدِّيوَان: فأبنا بسادتهم وَالنِّسَاء ... قسرا وَأَمْوَالهمْ تقتسم [7] لم نرم: لم نتحول. [8] بدين قيم: لَا عوج فِيهِ. [9] تَقْدِير الْمَعْنى نَحن أُولَئِكَ الَّذين نصدقك وننصرك. وَفِي الدِّيوَان: «ولاتك» .

ذكر سنة تسع وتسميتها سنة الوفود ونزول سورة الفتح

فَسَارَ [1] الْغُوَاةُ بِأَسْيَافِهِمْ ... إلَيْهِ يَظُنُّونَ أَنْ يُخْتَرَمْ [2] فَقُمْنَا إلَيْهِمْ بِأَسْيَافِنَا ... نُجَالِدُ عَنْهُ بُغَاةَ الْأُمَمْ بِكُلِّ صَقِيلٍ لَهُ مَيْعَةٌ ... رَقِيقِ الذَّبَّابِ عَضُوضٍ خَذِمْ [3] إذَا مَا يُصَادف صمّ الْعِظَام ... لَمْ يَنْبُ عَنْهَا وَلَمْ يَنْشَلِمْ [4] فَذَلِكَ مَا ورّثتنا القروم ... مَجْدًا تَلِيدًا وَعِزًّا أَشَمْ [5] إذَا مَرَّ نَسْلٌ كَفَى نَسْلُهُ ... وَغَادَرَ نَسْلًا إذَا مَا انْفَصَمْ [6] فَمَا إنْ مِنْ النَّاسِ إلَّا لَنَا ... عَلَيْهِ وَإِنْ خَاسَ فَضْلُ النَّعَمْ [7] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ بَيْتَهُ: فَكَانُوا مُلُوكًا بِأَرْضِيِّهِمْ ... يُنَادُونَ غُضْبًا بِأَمْرِ غشم وأنشدنى: بيترب قَدْ شَيَّدُوا فِي النَّخِيلِ ... حُصُونًا وَدُجِّنَ فِيهَا النَّعَمْ وَبَيْتُهُ: « وَكُلُّ كُمَيْتٍ مُطَارُ الْفُؤَادِ » : عَنْهُ [8] . ذِكْرُ سَنَةِ تِسْعٍ وَتَسْمِيَتُهَا سَنَةَ الْوُفُودِ وَنُزُولُ سُورَةِ الْفَتْحِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، وَفَرَغَ مِنْ تَبُوكَ، وَأَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ وَبَايَعَتْ، ضَرَبَتْ إلَيْهِ وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

_ [1] فِي الدِّيوَان: «فطار» . [2] يخترم: يهْلك. [3] لَهُ ميعة: أَي لَهُ صقال يشبه المَاء فِي صفائه. والذباب: حد طرف السَّيْف. وخذم: قَاطع وَفِي الدِّيوَان «غموس خذم» . [4] لم ينب: لم يكل. [5] القروم: السَّادة. وَفِي الدِّيوَان: «الْقُرُون» . والتليد: الْقَدِيم. والأشم: الْمُرْتَفع. [6] انفصم: انْقَطع وانقرض. وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي الدِّيوَان: إِذا مر قرن كفى نَسْله ... وَخلف قرنا إِذا مَا انفصم [7] خاس: غدر. [8] إِلَى هُنَا ينتهى الْجُزْء الثَّامِن عشر من أَجزَاء السِّيرَة.

(انقياد العرب وإسلامهم) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَّ ذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ، وَأَنَّهَا كَانَتْ تُسْمَى سَنَةَ الْوُفُودِ. (انْقِيَادُ الْعَرَبِ وَإِسْلَامُهُمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِنَّمَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَرَبَّصَ بِالْإِسْلَامِ أَمْرَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا كَانُوا إمَامَ النَّاسِ وَهَادِيَهُمْ، وَأَهْلَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَصَرِيحَ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَقَادَةَ الْعَرَبِ لَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي نَصَبَتْ لِحَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخِلَافَهُ، فَلَمَّا اُفْتُتِحَتْ مَكَّةُ، وَدَانَتْ لَهُ قُرَيْشٌ، وَدَوَّخَهَا الْإِسْلَامُ، وَعَرَفَتْ الْعَرَبُ أَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِحَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَدَاوَتِهِ، فَدَخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ، أَفْوَاجًا، يَضْرِبُونَ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً 110: 1- 3: أَيْ فَاحْمَدْ اللَّهَ عَلَى مَا أَظْهَرَ مِنْ دِينِكَ، وَاسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كَانَ تَوَّابًا. قُدُومُ وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ وَنُزُولُ سُورَةِ الْحُجُرَاتِ (رِجَالُ الْوَفْدِ) : فَقَدِمَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُفُودُ الْعَرَبِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ عُطَارِدُ ابْن حَاجِبِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ عُدُسٍ التَّمِيمِيُّ، فِي أَشْرَافِ بَنِي تَمِيمٍ، مِنْهُمْ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ، وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ التَّمِيمِيُّ، أَحَدُ بَنِي سَعْدٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ، وَالْحَبْحَابُ بْنُ يَزِيدَ [1] . (شَيْءٌ عَنْ الْحُتَاتِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْحُتَاتُ وَهُوَ الَّذِي آخَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ [1] كَذَا فِي الْإِصَابَة، وَفِيمَا سَيَأْتِي فِي جَمِيع الْأُصُول. وَفِي م، ر: «زيد» .. وَفِي أ «وَعَمْرو بن الْأَهْتَم الْحباب» كَأَنَّهُمَا شخص وَاحِد.

(سائر رجال الوفد) :

بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ آخَى بَيْنَ نفر من أَصْحَابه مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَبَيْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْن عَوْفٍ، وَبَيْنَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَالزَّبِيرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَبَيْنَ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِي وَالْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو الْبَهْرَانِيِّ، وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَالْحُتَاتِ بْنِ يَزِيدَ الْمُجَاشِعِيِّ فَمَاتَ الْحُتَاتُ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فِي خِلَافَتِهِ، فَأَخَذَ مُعَاوِيَةُ مَا تَرَكَ وِرَاثَةً بِهَذِهِ الْأُخُوَّةِ، فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ لِمُعَاوِيَةَ: أَبُوكَ وَعَمِّي يَا مُعَاوِيَ أَوْرَثَا ... تُرَاثًا فَيَحْتَازُ التُّرَاثَ أَقَارِبُهْ فَمَا بَالُ مِيرَاثِ الْحُتَاتِ أَكَلْتَهُ ... وَمِيرَاثِ حَرْبٍ جَامِدٌ لَكَ ذَائِبُهْ وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. (سَائِرُ رِجَالِ الْوَفْدِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَفِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ نُعَيْمُ بْنُ يَزِيدَ، وَقَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ، وَقِيسُ بْنُ عَاصِمٍ، أَخُو بَنِي سَعْدٍ، فِي وَفْدٍ عَظِيمٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَعُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ، أَحَدُ بَنِي دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدٍ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، أَحَدُ بَنِي دَارِمِ بْنِ مَالِكٍ [1] ، وَالْحُتَاتُ بْنُ يَزِيدَ، أَحَدُ بَنِي دَارِمِ بْنِ مَالِكٍ، وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ، أَحَدُ بَنِي بَهْدَلَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ، أَحَدُ بَنِي مِنْقَرِ ابْن عُبَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَقِيسِ بْنِ عَاصِمٍ، أَحَدُ بَنِي مِنْقَرِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَعَهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ، وَقَدْ كَانَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ شَهِدَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَحَ مَكَّةَ وَحُنَيْنًا وَالطَّائِفَ. (صِيَاحُهُمْ بِالرَّسُولِ وَكَلِمَةُ عُطَارٍدٍ) : فَلَمَّا قَدِمَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ كَانَا مَعَهُمْ، فَلَمَّا دَخَلَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ الْمَسْجِدَ نَادَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرَاءِ حُجُرَاتِهِ: أَنْ اُخْرُجْ إلَيْنَا يَا مُحَمَّدُ، فَآذَى ذَلِكَ

_ [1] فِي م، ر: «أحد بنى مَالك بن دارم بن مَالك» . 36- سيرة ابْن هِشَام- 2

(كلمة ثابت في الرد على عطارد) :

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صِيَاحِهِمْ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، جِئْنَاكَ نُفَاخِرُكَ، فَأْذَنْ لِشَاعِرِنَا وَخَطِيبِنَا، قَالَ: قَدْ أَذِنْتُ لِخَطِيبِكُمْ فَلْيَقُلْ، فَقَامَ عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ، فَقَالَ: الْحَمْدُ للَّه الَّذِي لَهُ عَلَيْنَا الْفَضْلُ وَالْمَنُّ [1] ، وَهُوَ أَهْلُهُ، الَّذِي جَعَلَنَا مُلُوكًا، وَوَهَبَ لَنَا أَمْوَالًا عِظَامًا، نَفْعَلُ فِيهَا الْمَعْرُوفَ، وَجَعَلَنَا أَعَزَّ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَأَكْثَرَهُ عَدَدًا، وَأَيْسَرَهُ عِدَّةً، فَمَنْ مِثْلُنَا فِي النَّاسِ؟ أَلَسْنَا بِرُءُوسِ النَّاسِ وَأُولِي فَضْلِهِمْ؟ فَمَنْ فَاخَرَنَا فَلْيُعَدِّدْ مِثْلَ مَا عَدَّدْنَا، وَإِنَّا لَوْ نَشَاءُ لَأَكْثَرْنَا الْكَلَامَ، وَلَكِنَّا نَحْيَا مِنْ الْإِكْثَارِ فِيمَا أَعْطَانَا، وَإِنَّا نُعْرَفُ بِذَلِكَ. أَقُولُ هَذَا لِأَنْ تَأْتُوا بِمِثْلِ قَوْلنَا، وَأَمْرٍ أَفَضْلَ مِنْ أَمْرِنَا. ثُمَّ جَلَسَ. (كَلِمَةُ ثَابِتٍ فِي الرَّدِّ عَلَى عُطَارِدٍ) : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ، أَخِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: قُمْ، فَأَجِبْ الرَّجُلَ فِي خُطْبَتِهِ. فَقَامَ ثَابِتٌ، فَقَالَ: الْحَمْدُ للَّه الَّذِي السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ خَلْقُهُ، قَضَى فِيهِنَّ أَمْرَهُ، وَوَسِعَ كُرْسِيَّهُ عِلْمُهُ، وَلَمْ يَكُ شَيْءٌ قَطُّ إلَّا مِنْ فَضْلِهِ، ثُمَّ كَانَ مِنْ قُدْرَتِهِ أَنْ جَعَلَنَا مُلُوكًا، وَاصْطَفَى مِنْ خَيْرِ خَلْقِهِ رَسُولًا، أَكْرَمَهُ نَسَبًا، وَأَصْدَقَهُ حَدِيثًا، وَأَفْضَلَهُ حَسَبًا، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ وَأْتَمَنَهُ عَلَى خَلْقِهِ، فَكَانَ خِيرَةَ اللَّهِ مِنْ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ دَعَا النَّاسَ إلَى الْإِيمَانِ بِهِ، فَآمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قَوْمِهِ وَذَوِي رَحِمِهِ، أَكْرَمُ النَّاسِ حَسَبًا، وَأَحْسَنُ النَّاسِ وُجُوهًا، وَخَيْرُ النَّاسِ فِعَالًا. ثُمَّ كَانَ أَوَّلُ الْخَلْقِ إجَابَةً، وَاسْتَجَابَ للَّه حِينَ دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْنُ، فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَوُزَرَاءُ رَسُولِهِ، نُقَاتِلُ النَّاسِ حَتَّى يُؤْمِنُوا باللَّه، فَمَنْ آمَنْ باللَّه وَرَسُولِهِ مَنَعَ مِنَّا مَالَهُ وَدَمَهُ، وَمَنْ كَفَرَ جَاهَدْنَاهُ فِي اللَّهِ أَبَدًا، وَكَانَ قَتْلُهُ عَلَيْنَا يَسِيرًا. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ. (شِعْرُ الزِّبْرِقَانِ فِي الْفَخْرِ بِقَوْمِهِ) : فَقَامَ الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ، فَقَالَ:

_ [1] هَذِه الْكَلِمَة: «الْمَنّ» سَاقِطَة فِي أ.

(شعر حسان في الرد على الزبرقان) :

نَحْنُ الْكِرَامُ فَلَا حَيَّ يُعَادِلُنَا ... مِنَّا الْمُلُوكُ وَفِينَا تُنْصَبُ الْبِيَعُ [1] وَكَمْ قَسَرْنَا مِنْ الْأَحْيَاءِ كُلِّهِمْ ... عِنْدَ النِّهَابِ وَفَضْلُ الْعِزِّ يُتَّبَعُ وَنَحْنُ يُطْعِمُ عِنْدَ الْقَحْطِ مُطْعِمُنَا ... مِنْ الشِّوَاءِ إذَا لَمْ يُؤْنَسْ الْقَزَعُ [2] بِمَا تَرَى النَّاسَ تَأْتِينَا سُرَاتُهُمْ ... مِنْ كُلِّ أَرْضٍ هُوِيًّا ثُمَّ تَصْطَنِعُ [3] فَنَنْحَرُ الْكُوَمَ عُبْطًا فِي أَرُومَتِنَا ... لِلنَّازِلِينَ إذَا مَا أُنْزِلُوا شَبِعُوا [4] فَلَا تَرَانَا إلَى حَيٍّ نُفَاخِرُهُمْ ... إلَّا اسْتَفَادُوا فَكَانُوا الرَّأْسَ يُقْتَطَعُ فَمَنْ يُفَاخِرُنَا فِي ذَاكَ نَعْرِفُهُ ... فَيَرْجِعُ الْقَوْمُ وَالْأَخْبَارُ تُسْتَمَعُ إنَّا أَبَيْنًا وَلَا يَأْبَى لَنَا أَحَدٌ ... إنَّا كَذَلِكَ عِنْدَ الْفَخْرِ نُرْتَفَعُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: مِنَّا الْمُلُوكُ وَفِينَا تُقْسَمُ الرَّبَعُ [5] ويروى: من كلى أَرْضٍ هَوَانَا ثُمَّ نُتَّبَعُ رَوَاهُ لِي بَعْضُ بَنِي تَمِيمٍ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِلزِّبْرِقَانِ. (شِعْرُ حَسَّانَ فِي الرَّدِّ عَلَى الزِّبْرِقَانِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ حَسَّانُ غَائِبًا، فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حَسَّانُ: جَاءَنِي رَسُولُهُ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ إنَّمَا دَعَانِي لِأُجِيبَ شَاعِرَ بَنِي تَمِيمٍ، فَخَرَجْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَقُولُ: مَنَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ إذْ حَلَّ وَسْطَنَا ... عَلَى أَنْفٍ رَاضٍ مِنْ مَعَدٍّ وَرَاغِمِ مَنَعْنَاهُ لَمَا حَلَّ بَيْنَ بُيُوتِنَا ... بِأَسْيَافِنَا مِنْ كُلِّ بَاغٍ وَظَالِمِ بِبَيْتٍ حَرِيدٍ عِزُّهُ وَثَرَاؤُهُ ... بِجَابِيَةِ الْجَوْلَانِ وَسْطَ الْأَعَاجِمِ [6]

_ [1] البيع: مَوَاضِع الصَّلَوَات والعبادات، وَاحِدهَا بيعَة (بِكَسْر الْبَاء) . [2] القزع (بِالتَّحْرِيكِ) : السَّحَاب الرَّقِيق. يُرِيد إِذا لم تمطرهم السَّمَاء، فأجدبت أَرضهم. [3] هويا: سرَاعًا. [4] الكوم: جمع كوماء، وَهِي الْعَظِيمَة السنام من النوق. وعبطا: أَي عَن غير عِلّة. وَفِي أرومتنا: أَي هَذَا الْكَرم متأصل فِينَا. [5] وَفينَا تقسم الرّبع: أَي أننا رُؤَسَاء وسَادَة، وَذَلِكَ لِأَن الرئيس كَانَ يَأْخُذ ربع الْغَنِيمَة فِي الْجَاهِلِيَّة. [6] الْبَيْت الحريد: الفريد الّذي لَا يخْتَلط بِغَيْرِهِ لعزته. وجابية الجولان: بلد بِالشَّام. يُرِيد أَن النَّبِي

هَلْ الْمجد إِلَّا السّؤدد الْعَوْدُ وَالنَّدَى ... وِجَاهُ الْمُلُوكِ وَاحْتِمَالُ الْعَظَائِمِ [1] قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَامَ شَاعِرُ الْقَوْمِ، فَقَالَ مَا قَالَ، عَرَضْتُ فِي قَوْلِهِ، وَقُلْتُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ. قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ الزِّبْرِقَانُ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلّم لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: قُمْ يَا حَسَّانُ، فَأَجِبْ الرَّجُلَ فِيمَا قَالُ. فَقَامَ حَسَّانٌ، فَقَالَ: إنَّ الذَّوَائِبَ مِنْ فِهْرٍ وَإِخْوَتِهِمْ ... قَدْ بَيَّنُوا سُنَّةً لِلنَّاسِ تُتَّبَعُ [2] يَرْضَى بِهِمْ كُلُّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ ... تَقْوَى الْإِلَهِ وَكُلَّ الْخَيْرِ يَصْطَنِعُ [3] قَوْمٌ إذَا حَارَبُوا ضَرُّوا عَدُوَّهُمْ ... أَوْ حَاوَلُوا النَّفْعَ فِي أَشْيَاعِهِمْ نَفَعُوا سَجِيَّةٌ تِلْكَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُحْدَثَةٍ ... إنَّ الْخَلَائِقَ فَاعْلَمْ شَرُّهَا الْبِدَعُ [4] إنْ كَانَ فِي النَّاسِ سَبَّاقُونَ بَعْدَهُمْ ... فَكُلُّ سَبْقٍ لِأَدْنَى سَبْقِهِمْ تَبَعُ لَا يَرْقَعُ النَّاسَ مَا أَوْهَتَ أَكَفُّهُمْ ... عِنْدَ الدَّفَّاعِ وَلَا يُوهُونَ مَا رَقَعُوا [5] إنْ سَابَقُوا النَّاسَ يَوْمًا فَازَ سَبْقُهُمْ ... أَوْ وَازَنُوا أَهْلَ مَجْدٍ بِالنَّدَى مَتَعُوا [6] أَعِفَّةٌ ذُكِرَتْ فِي الْوَحْي عِفَّتُهُمْ ... لَا يَنْطَبَعُونَ وَلَا يُرْدِيهِمْ طَمَعُ [7] لَا يَبْخَلُونَ عَلَى جَارٍ بِفَضْلِهِمْ ... وَلَا يَمَسُّهُمْ مِنْ مَطْمَعٍ طَبَعُ [8] إذَا نَصَبْنَا لِحَيِّ لَمْ نَدِبَّ لَهُمْ ... كَمَا يَدُبُّ إلَى الْوَحْشِيَّةِ الذَّرِعُ [9]

_ [ () ] نزل وسط حَيّ من الْأَنْصَار ذوى مَنْعَة، وجاههم قديم، مُتَّصِل بجاه الغساسنة مُلُوك الشَّام. وَسَيَعُودُ الشَّاعِر إِلَى هَذَا الْمَعْنى فِي الْبَيْت الّذي بعد هَذَا. [1] السؤدد الْعود: الْمجد الْقَدِيم الّذي يتَكَرَّر على الزَّمَان. وَهَذِه الأبيات من قصيدة لحسان عدَّة أبياتها أَرْبَعَة عشر. [2] الذوائب: السَّادة. وَأَصله من ذوائب الْمَرْأَة، وَهِي غدائرها الَّتِي تعلو الرَّأْس. [3] رِوَايَة الشّطْر الثَّانِي فِي الدِّيوَان: « تقوى الْإِلَه وبالأمر الّذي شرعوا » وسيرويه ابْن هِشَام بِهَذِهِ الرِّوَايَة بعد قَلِيل. [4] السجية: الطبيعة. [5] مَا أوهت: مَا هدمت. [6] متعوا: زادوا، يُقَال: متع النَّهَار، إِذا ارْتَفَعت شمسه. [7] لَا يطبعون: لَا يتدنسون. [8] الطَّبْع: الدنس. [9] نصبنا: أظهرنَا الْعَدَاوَة وَلم نسرها. والذرع: ولد الْبَقَرَة الوحشية.

(شعر آخر للزبرقان) :

نَسْمُو إذَا الْحَرْبُ نَالَتْنَا مَخَالِبُهَا ... إذَا الزَّعَانُفُ مِنْ أَظْفَارهَا خَشَعُوا [1] لَا يَفْخَرُونَ إذَا نَالُوا عَدُوَّهُمْ ... وَإِنْ أُصِيبُوا فَلَا خُورٌ وَلَا هُلُعُ [2] كَأَنَّهُمْ فِي الْوَغَى وَالْمَوْتُ مُكْتَنِعٌ ... أُسْدٌ بِحِلْيَةِ فِي أَرْسَاغِهَا فَدَعُ [3] خُذْ مِنْهُمْ مَا أَتَى عَفْوًا إذَا غَضِبُوا ... وَلَا يَكُنْ هَمُّكَ الْأَمْرَ الَّذِي مَنَعُوا [4] فَإِنَّ فِي حَرْبِهِمْ فَاتْرُكْ عَدَاوَتَهُمْ ... شَرًّا يُخَاضُ عَلَيْهِ السَّمُّ وَالسَّلَعُ [5] أَكْرِمْ بِقَوْمٍ رَسُولُ اللَّهِ شِيعَتُهُمْ ... إذَا تَفَاوَتَتْ الْأَهْوَاءُ وَالشِّيَعُ أَهْدِي لَهُمْ مِدْحَتِي قَلْبٌ يُؤَازِرُهُ ... فِيمَا أُحِبُّ لِسَانٌ حَائِكٌ صَنَعُ [6] فَإِنَّهُمْ أَفْضَلُ الْأَحْيَاءِ كُلِّهِمْ ... إنْ جَدَّ بِالنَّاسِ جِدُّ الْقَوْلِ أَوْ شَمَعُوا [7] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ: يَرْضَى بِهَا كُلُّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ ... تَقْوَى الْإِلَهِ وَبِالْأَمْرِ الَّذِي شَرَعُوا (شِعْرٌ آخَرُ لِلزِّبْرِقَانِ) : وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ مِنْ بَنِي تَمِيم: أنّ الزبْرِقَان بن بَدْرٍ لَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ووفد بَنِي تَمِيمٍ قَامَ فَقَالَ: أَتَيْنَاكَ كَيْمَا يَعْلَمَ النَّاسُ فَضْلَنَا ... إذَا احْتَفَلُوا [8] عِنْدَ احْتِضَارِ الْمَوَاسِمِ [9] بِأَنَّا فُرُوعُ النَّاسِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ ... وَأَنْ لَيْسَ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ كَدَارِمِ [10]

_ [1] نسمو: ننهض. والزعانف: أَطْرَاف النَّاس وأتباعهم. وخشعوا: تذللوا. [2] الخور: الضُّعَفَاء، والهلع (ككتب) الجازعون، الْوَاحِد: هلوع. [3] مكتنع: دَان. وَحلية: مأسدة بِالْيمن. والأرساغ: جمع رسغ، وَهُوَ مَوضِع الْقَيْد من الرجل. وفدع: اعوجاج إِلَى نَاحيَة. [4] عفوا: من غير مشقة. [5] السّلع: نَبَات مَسْمُوم. [6] صنع: يحسن القَوْل ويجيده. [7] شمعوا: هزلوا. وأصل الشمع: الطَّرب وَاللَّهْو، وَمِنْه جَارِيَة شموع، إِذا كَانَت كَثِيرَة الطَّرب. [8] فِي أ: «اخْتلفُوا» . [9] المواسم: جمع موسم، وَهُوَ الْموضع الّذي يجْتَمع فِيهِ النَّاس مرّة فِي السّنة، كاجتماعهم فِي الْحَج، واجتماعهم بعكاظ وَذي الْمجَاز وأشباههما. [10] دارم من بنى تَمِيم.

(شعر آخر لحسان في الرد على الزبرقان) :

وَأَنَّا نَذُودُ الْمُعْلِمِينَ إذَا انْتَخَوْا ... وَنَضْرِبُ رَأْسَ الْأَصْيَدِ الْمُتَفَاقِمِ [1] وَأَنَّ لَنَا الْمِرْبَاعَ فِي كُلِّ غَارَةٍ ... نُغِيرُ بِنَجْدٍ أَوْ بِأَرْضِ الْأَعَاجِمِ [2] (شِعْرٌ آخَرُ لِحَسَّانَ فِي الرَّدِّ عَلَى الزِّبْرِقَانِ) : فَقَامَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فَأَجَابَهُ، فَقَالَ: هَلْ الْمجد إِلَّا السّؤدد الْعَوْدُ وَالنَّدَى ... وِجَاهُ الْمُلُوكِ وَاحْتِمَالُ الْعَظَائِمِ نَصَرْنَا وَآوَيْنَا النَّبِيَّ مُحَمَّدًا ... عَلَى أَنْفِ رَاضٍ مِنْ مَعَدٍّ وَرَاغِمِ بِحَيٍّ حَرِيدٍ أَصْلُهُ وَثَرَاؤُهُ ... بِجَابِيَةِ الْجَوْلَانِ وَسْطَ الْأَعَاجِمِ نَصَرْنَاهُ لَمَّا حَلَّ وَسْطَ دِيَارِنَا ... بِأَسْيَافِنَا مِنْ كُلِّ بَاغٍ وَظَالِمِ جَعَلْنَا بَنِينَا دُونَهُ وَبَنَاتَنَا ... وَطِبْنَا لَهُ نَفْسًا بِفَيْءِ الْمَغَانِمِ وَنَحْنُ ضَرَبْنَا النَّاسَ حَتَّى تَتَابَعُوا ... عَلَى دِينهِ بِالْمُرْهَفَاتِ الصَّوَارِمِ [3] وَنَحْنُ وَلَدْنَا مِنْ قُرَيْشٍ عَظِيمَهَا ... وَلَدْنَا نَبِيَّ الْخَيْرِ مِنْ آلِ هَاشِمِ [4] بَنِي دَارِمٍ لَا تَفْخَرُوا إنَّ فَخْرَكُمْ ... يَعُودُ وَبَالًا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَكَارِمِ [5] هَبِلْتُمْ عَلَيْنَا تَفْخَرُونَ وَأَنْتُمْ ... لَنَا خَوَلٌ مَا بَيْنَ ظِئْرٍ وَخَادِمِ؟ [6] فَإِنْ كُنْتُمْ جِئْتُمْ لِحَقْنِ دِمَائِكُمْ ... وَأَمْوَالِكُمْ أَنْ تُقْسَمُوا فِي الْمَقَاسِمِ فَلَا تَجْعَلُوا للَّه نِدًّا وَأَسْلِمُوا ... وَلَا تَلْبَسُوا زِيًّا كَزِيِّ الْأَعَاجِمِ [7]

_ [1] المعلمون: الَّذين يعلمُونَ أنفسهم فِي الْحَرْب بعلامة يعْرفُونَ بهَا، ويروى: «الْعَالمين» . وانتخوا من النخوة، وَهُوَ التكبر والإعجاب. والأصيد: المتكبر الّذي لَا يلوى عُنُقه يَمِينا وَلَا شمالا. والمتفاقم: المتعاظم، من تفاقم الْأَمر: إِذا عظم وَاشْتَدَّ. [2] المرباع (بِكَسْر الْمِيم) : أَخذ الرّبع من الْغَنِيمَة، يُرِيد أَنهم رُؤَسَاء. والنجد: مَا ارْتَفع من الأَرْض، وَيُرِيد بِنَجْد: بِلَاد الْعَرَب. [3] المرهفات الصوارم: السيوف القاطعة. [4] يُشِير بِهَذَا الْبَيْت إِلَى أَن أم عبد الْمطلب جد النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَت جَارِيَة من الْأَنْصَار. [5] الوبال: الثّقل. [6] هبلتم: فقدتم وثكلتم. والظئر: الَّتِي ترْضع ولد غَيرهَا، وَقد تَأْخُذ على ذَلِك أجرا، وَأَصله النَّاقة تعطف على ولد غَيرهَا. [7] الند: الْمثل والشبه.

(إسلامهم وتجويز الرسول إياهم) :

(إسْلَامُهُمْ وَتَجْوِيزُ الرَّسُولِ إيَّاهُمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا فَرَغَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ قَوْلِهِ، قَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: وَأَبِي، إنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَمُؤَتَّى لَهُ [1] ، لَخَطِيبُهُ أَخْطَبُ مِنْ خَطِيبِنَا، وَلَشَاعِرُهُ أَشْعَرُ مِنْ شَاعِرِنَا، وَلِأَصْوَاتِهِمْ أَحْلَى [2] مِنْ أَصْوَاتِنَا. فَلَمَّا فَرَغَ الْقَوْمُ أَسْلَمُوا، وَجَوَّزَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَحْسَنَ جَوَائِزَهُمْ. (شِعْرُ ابْنِ الْأَهْتَمِ فِي هِجَاءِ قِيسٍ لِتَحْقِيرِهِ إيَّاهُ) : وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ قَدْ خَلَّفَهُ الْقَوْمُ فِي ظَهْرِهِمْ [3] ، وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ سِنًّا، فَقَالَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ، وَكَانَ يُبْغِضُ عَمْرَو بْنَ الْأَهْتَمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُ قَدْ كَانَ رَجُلٌ مِنَّا فِي رِحَالِنَا، وَهُوَ غُلَامٌ حَدَثٌ، وَأُزْرَى بِهِ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَا أَعْطَى الْقَوْمَ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ حِين بلغه أَن قيسا قَالَ ذَلِك يهجوه: ظَلِلْتُ مَفْتَرِشَ الْهَلْبَاءِ تَشْتُمُنِي ... عِنْدَ الرَّسُولِ فَلَمْ تَصْدُقْ وَلَمْ تُصِبْ [4] سُدْنَاكُمْ سُوْدُدًا رَهْوًا وَسُوْدُدُكُمْ ... بَادٍ نَوَاجِذُهُ مُقْعٍ عَلَى الذَّنَبِ [5] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَقِيَ بَيْتٌ وَاحِدٌ تَرَكْنَاهُ، لِأَنَّهُ أَقْذَعَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَفِيهِمْ نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ 49: 4. قِصَّةُ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ وَأَرْبَدُ بْنُ قَيْسٍ فِي الْوِفَادَةِ عَنْ بَنِي عَامِرٍ (بَعْضُ رِجَالِ الْوَفْدِ) : وَقَدَمِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدُ بَنِي عَامِرٍ، فِيهِمْ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ

_ [1] لمؤتى لَهُ: لموفق لَهُ. [2] فِي أ: «أَعلَى» . [3] فِي ظهْرهمْ: فِي إبلهم. [4] الهلباء: يُرِيد بهَا دبره، من الهلب، وَهُوَ الخشن من الشّعْر. [5] الرهو: المتسع. والنواجذ: الْأَسْنَان. ومقع على الذَّنب: جَالس على أليتيه، ضام سَاقيه، ممر ذَنبه خَلفه.

(تدبير عامر للغدر بالرسول) :

وَأَرْبَدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ جَزْءِ [1] بْنِ خَالِدِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَجَبَّارُ بْنُ سَلْمَى بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ رُؤَسَاءَ الْقَوْمِ وَشَيَاطِينَهُمْ. (تَدْبِيرُ عَامِرٍ لِلْغَدْرِ بِالرَّسُولِ) : فَقَدِمَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ عَدُوُّ اللَّهِ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُرِيدُ الْغَدْرَ بِهِ، وَقَدْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ: يَا عَامِرُ، إنَّ النَّاسَ قَدْ أَسْلَمُوا فَأَسْلِمْ. قَالَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ آلَيْتُ أَنْ لَا أَنْتَهِيَ حَتَّى تَتْبَعَ الْعَرَبُ عَقِبِي، أَفَأَنَا أَتْبَعُ عَقِبَ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ! ثُمَّ قَالَ لِأَرْبَدَ: إذَا قَدِمْنَا عَلَى الرَّجُلِ، فَإِنِّي سَأَشْغَلُ عَنْكَ وَجْهَهُ، فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَاعْلُهُ [2] بِالسَّيْفِ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: يَا مُحَمَّدُ، خَالِنِي [3] ، قَالَ: لَا وَاَللَّهِ حَتَّى تُؤْمِنَ باللَّه وَحْدَهُ. قَالَ: يَا مُحَمَّدُ خَالِنِي. وَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ وَيَنْتَظِرُ مِنْ أَرْبَدَ مَا كَانَ أَمَرَهُ بِهِ، فَجَعَلَ أَرْبَدُ لَا يُحِيرُ شَيْئًا، قَالَ: فَلَمَّا رَأَى عَامِرُ مَا يَصْنَعُ أَرْبَدُ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ خَالِنِي قَالَ: لَا، حَتَّى تُؤْمِنَ باللَّه وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. فَلَمَّا أَبَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ لَأَمْلَأَنَّهَا عَلَيْكَ خَيْلًا وَرِجَالًا، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهمّ اكْفِنِي عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ. فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عَامِرٌ لِأَرْبَدَ: وَيْلَكَ يَا أَرْبَدُ أَيْنَ مَا كُنْتُ أَمَرْتُكَ بِهِ؟ وَاَللَّهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ رَجُلٌ هُوَ أَخْوَفَ عِنْدِي عَلَى نَفْسِي مِنْكَ. وَاَيْمُ اللَّهِ لَا أَخَافُكَ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا. قَالَ: لَا أَبَا لَكَ! لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ، وَاَللَّهِ مَا هَمَمْتُ بِاَلَّذِي أَمَرْتنِي بِهِ مِنْ أَمْرِهِ إلَّا دَخَلْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ الرَّجُلِ، حَتَّى مَا أَرَى غَيْرَكَ، أَفَأَضْرِبكَ بِالسَّيْفِ؟ (مَوْتُ عَامِرٍ بِدُعَاءِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ) : وَخَرَجُوا رَاجِعِينَ إلَى بِلَادِهِمْ، حَتَّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، بَعَثَ اللَّهُ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ الطَّاعُونَ فِي عُنُقِهِ، فَقَتَلَهُ اللَّهُ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولَ، فَجَعَلَ

_ [1] كَذَا فِي الْأُصُول. وَقَالَ أَبُو ذَر: «وأربد بن قيس بن جزى، كَذَا وَقع هُنَا فِي الأَصْل، وَذكره أَبُو عبيد عَن ابْن الْكَلْبِيّ فَقَالَ: ابْن جُزْء» . [2] اعله بِالسَّيْفِ: اقتله بِهِ. [3] خالني (بتَخْفِيف اللَّام) : تفرد لي خَالِيا حَتَّى أتحدث مَعَك. و (بتَشْديد اللَّام) : اتَّخَذَنِي خَلِيلًا وصاحبا، من المخالة، وَهِي الصداقة.

(موت أربد بصاعقة وما نزل فيه وفي عامر) :

يَقُولُ: يَا بَنِي عَامِرٍ، أَغُدَّةٌ [1] كَغُدَّةِ الْبَكْرِ [2] فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولَ! قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ أَغُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْإِبِلِ، وَمَوْتًا فِي بَيْتِ سَلُولِيَّةٍ. (مَوْتُ أَرْبَدَ بِصَاعِقَةِ وَمَا نَزَلَ فِيهِ وَفِي عَامِرٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ أَصْحَابُهُ حِينَ وَارَوْهُ، حِينَ قَدِمُوا أَرْضَ بَنِي عَامِرٍ شَاتِينَ، فَلَمَّا قَدِمُوا أَتَاهُمْ قَوْمُهُمْ فَقَالُوا: مَا وَرَاءَكَ يَا أَرْبَدُ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ وَاَللَّهِ، لَقَدْ دَعَانَا إلَى عِبَادَةِ شَيْءٍ لَوَدِدْتُ أَنَّهُ عِنْدِي الْآنَ، فَأَرْمِيَهُ بِالنَّبْلِ حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَخَرَجَ بَعْدَ مَقَالَتِهِ بِيَوْمِ أَوْ يَوْمَيْنِ مَعَهُ جَمْلٌ لَهُ يَتْبَعُهُ [3] ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى جَمَلِهِ صَاعِقَةً، فَأَحْرَقَتْهُمَا. وَكَانَ أَرْبَدُ بْنُ قَيْسٍ أَخَا لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ لِأُمِّهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي عَامِرٍ وَأَرْبَدَ: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ 13: 8 ... إلَى قَوْلِهِ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ 13: 11 قَالَ: الْمُعَقِّبَاتُ: هِيَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ يَحْفَظُونَ مُحَمَّدًا. ثُمَّ ذَكَرَ أَرْبَدَ وَمَا قَتَلَهُ اللَّهُ بِهِ، فَقَالَ: وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ 13: 13 إلَى قَوْلِهِ: شَدِيدُ الْمِحالِ 13: 13. (شِعْرُ لَبِيَدٍ فِي بُكَاءِ أَرْبَدَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ لَبِيدٌ يَبْكِي أَرْبَدَ: مَا إنْ تُعَدِّي الْمَنُونُ مِنْ أَحَدٍ ... لَا وَالِدٍ مُشْفِقٍ وَلَا وَلَدِ [4] أَخْشَى عَلَى أَرْبَدَ الْحُتُوفَ وَلَا ... أَرْهَبُ نَوْءَ السِّمَاكِ وَالْأَسَدِ فَعَيْنٍ هَلَّا بَكَيْتُ أَرْبَدَ إذْ ... قُمْنَا وَقَامَ النِّسَاءُ فِي كَبَدِ [5]

_ [1] الغدة: دَاء يُصِيب الْبَعِير فَيَمُوت مِنْهُ. وَهُوَ شَبيه بالذبحة الَّتِي تصيب الْإِنْسَان. [2] الْبكر: الْفَتى من الْإِبِل. وَإِنَّمَا تأسف عَامر أَن لم يمت مقتولا، كَمَا يتأسف الشجعان، وتأسف أَيْضا على مَوته فِي بَيت امْرَأَة من سلول، لِأَن بنى سلول قبيل مَوْصُوف عِنْدهم باللؤم، وَلَيْسَ ذَلِك للؤم أصولهم، لِأَن مكانهم من قَومهمْ مَشْهُور، وَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْء غلب عَلَيْهِم كَمَا غلب على محَارب وباهلة. [3] فِي أ: «يَبِيعهُ» . [4] تعدى: تتْرك. [5] كبد: حزن ومشقة.

إنْ يَشْغَبُوا لَا يُبَالِ شَغْبَهُمْ ... أَوْ يَقْصِدُوا فِي الْحُكُومِ يَقْتَصِدْ حُلْوٌ أَرِيَبٌ وَفِي حَلَاوَتِهِ ... مُرٌّ لَطِيفُ الْأَحْشَاءِ وَالْكَبِدِ [1] وَعَيْنِ هَلَّا بَكَيْتُ أَرْبَدَ إذْ ... أَلْوَتْ رِيَاحُ الشِّتَاءِ بِالْعَضَدِ [2] وَأَصْبَحَتْ لَاقِحًا مُصَرَّمَةً ... حَتَّى تَجَلَّتْ غَوَابِرُ الْمُدَدِ [3] أَشْجَعُ مِنْ لَيْثِ غَابَةٍ لَحِمٍ ... ذُو نَهْمَةٍ فِي الْعُلَا وَمُنْتَقَدِ [4] لَا تَبْلُغُ الْعَيْنُ كُلَّ نَهْمَتِهَا ... لَيْلَةَ تُمْسَى الْجِيَادُ كَالْقِدَدِ [5] الْبَاعِثُ النَّوْحَ فِي مَآتِمِهِ ... مِثْلَ الظِّبَاءِ الْأَبْكَارِ بِالْجَرَدِ [6] فَجَعَنِي الْبَرْقُ وَالصَّوَاعِقُ بِالْفَارِسِ ... يَوْمَ الْكَرِيهَةِ النَّجُدِ [7] وَالْحَارِبِ الْجَابِرِ الْحَرِيبِ إذَا ... جَاءَ نَكِيبًا وَإِنْ يَعُدْ يَعُدْ [8] يَعْفُو عَلَى الْجَهْدِ وَالسُّؤَالِ كَمَا ... يُنْبِتُ غَيْثُ الرَّبِيعِ ذُو الرَّصَدِ [9] كُلُّ بَنِي حُرَّةٍ مَصِيرُهُمْ ... قُلٌّ وَإِنْ أَكْثَرَتْ مِنْ الْعَدَدِ [10] إنْ يُغْبَطُوا يَهْبِطُوا وَإِنْ أُمِرُوا ... يَوْمًا فَهُمْ لِلْهَلَاكِ وَالنَّفَدِ [11] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَيْتُهُ: «وَالْحَارِبِ الْجَابِرِ الْحَرِيبِ» عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَبَيْتُهُ: «يَعْفُو عَلَى الْجَهْدِ» : عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.

_ [1] الأريب: الْعَاقِل الداهي. [2] الْعَضُد: الشحر ذهبت الرّيح بأوراقه. يُرِيد عِنْد الحدب وذبول الْأَشْجَار. [3] المصرمة: الَّتِي لَا لبن لَهَا. والغوابر: البقايا. وَفِي أ: «حِين تجلت» . [4] اللَّحْم: الْكثير أكل اللَّحْم. وَذُو نهمة: طموح إِلَى بُلُوغ الغايات. ويروى: «ذُو نهية» أَي عقل. ومنتقد: أَي بصر بالأمور. [5] القدد: جمع قدة، وَهِي السّير يقطع من الْجلد، يشبه الْخَيل بالسير فِي النحول والضعف. [6] النوح: جمَاعَة النِّسَاء اللائي يَنحن. والمآتم: جماعات النِّسَاء يجتمعن فِي المناحات. والجرد: الأَرْض الَّتِي لَا نَبَات فِيهَا. [7] النجد (بِفَتْح النُّون الْمُشَدّدَة، وَضم الْجِيم) : الشجاع. [8] الحارب: السالب. والحريب: المسلوب. والنكيب: المنكوب الْمُصَاب. [9] يعْفُو على الْجهد: يكثر عطاؤه وَيزِيد عِنْد الْجهد وَالْمَشَقَّة، والرصد (محركة) : كلأ قَلِيل. [10] قل (كقفل) : قَلِيل. [11] إِن يغبطوا: إِن تستحسن أَحْوَالهم. ويهبطوا: تغير أَحْوَالهم الْأَعْرَاض. وَأمرُوا: كَثُرُوا. والنفد: انْقِطَاع الشَّيْء وذهابه.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا يَبْكِي أَرْبَدَ: أَلَا ذَهَبَ الْمُحَافِظُ وَالْمُحَامِي ... وَمَانِعُ ضَيْمِهَا يَوْمَ الْخِصَامِ [1] وَأَيْقَنْتُ التَّفَرُّقَ يَوْمَ قَالُوا ... تُقُسِّمَ مَالُ أَرْبَدَ بِالسِّهَامِ تُطِيرُ عَدَائِدَ الْأَشْرَاكِ شَفْعًا ... وَوِتْرًا وَالزَّعَامَةِ لِلْغُلَامِ [2] فَوَدَّعَ بِالسَّلَامِ أَبَا حُرَيْزٍ ... وَقَلَّ وَدَاعُ أَرْبَدَ بِالسَّلَامِ وَكُنْتَ إمَامَنَا وَلَنَا نِظَامًا ... وَكَانَ الْجَزْعُ يُحْفَظُ بِالنِّظَامِ [3] وَأَرْبَدُ فَارِسُ الْهَيْجَا إذَا مَا ... تَقَعَّرَتْ الْمَشَاجِرُ بِالْفِئَامِ [4] إذَا بَكَرَ النِّسَاءُ مُرَدَّفَاتٍ ... حَوَاسِرَ لَا يُجِئْنَ عَلَى الْخِدَامِ [5] فَوَاءَلَ يَوْمَ ذَلِكَ مَنْ أَتَاهُ ... كَمَا وَأَلَ الْمُحِلُّ إلَى الْحَرَامِ [6] وَيَحْمَدُ قِدْرَ أَرْبَدَ مَنْ عَرَاهَا ... إذَا مَا ذُمَّ أَرْبَابُ اللِّحَامِ [7] وَجَارَتُهُ إذَا حَلَّتْ لَدَيْهِ ... لَهَا نَفَلٌ وَحَظٌّ مِنْ سَنَامِ [8] فَإِنْ تَقْعُدْ فَمُكْرَمَةٌ حَصَانٌ ... وَإِنْ تَظْعَنْ فَمُحْسِنَةُ الْكَلَامِ [9] وَهَلْ حُدِّثْتَ عَنْ أَخَوَيْنِ دَامَا ... عَلَى الْأَيَّامِ إلَّا ابْنَيْ شَمَامِ [10] وَإِلَّا الْفَرْقَدَيْنِ وَآلَ نَعْشٍ ... خَوَالِدَ مَا تُحَدِّثُ بِانْهِدَامِ [11] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.

_ [1] الضيم: الذل. [2] العدائد: الْأَنْصِبَاء. والأشراك: الشُّرَكَاء. والزعامة: الرِّئَاسَة، وَقيل: أفضل مَال الْمَوْرُوث. [3] الْجزع: الخرز الْيَمَانِيّ. [4] المشاجر: ضرب من الهوادج. والفئام: مَا يبسط فِي الهودج ويوطأ بِهِ. [5] حواسر: كاشفات عَن وجوههن. ويروى: «جوائر» أَي صائحات، من جأر: إِذا رفع صَوته بالصياح. وَلَا يجئن: أَي لَا يغطين. ويروى: «لَا يجبن» : أَي لَا يسترن، كَمَا يرْوى: «لَا يجن» أَي لَا يستر (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول فيهمَا) . والخدام: جمع خدمَة، وَهِي السَّاق. [6] وأل: ألجأ إِلَى موئل. [7] اللحام: جمع لحم. [8] النَّفْل: الْعَطِيَّة. [9] حصان: عفيفة لم يتَعَرَّض لَهَا. وتظعن: ترحل. [10] ابْنا شمام: جبلان. [11] الفرقدان وَآل نعش (بَنَات نعش) : من النُّجُوم.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا يَبْكِي أَرْبَدَ: انْعَ الْكَرِيمَ لِلْكَرِيمِ أَرْبَدَا ... انْعَ الرَّئِيسَ وَاللَّطِيفَ كَبَدَا [1] يُحْذِي وَيُعْطِي مَالَهُ لِيُحْمَدَا ... أُدْمًا يُشَبَّهْنَ صُوَارًا أَبَدَا [2] السَّابِلَ [3] الْفَضْلَ إذَا مَا عُدِّدَا ... وَيَمْلَأُ الْجَفْنَةَ مَلْئًا مَدَدَا رِفْهَا إذَا يَأْتِي ضَرِيكٌ وَرَدَا ... مِثْلُ الَّذِي فِي الْغِيلِ يَقْرُو جُمُدَا [4] يَزْدَادُ قُرْبًا مِنْهُمْ أَنْ يُوعَدَا ... أَوْرَثْتَنَا تُرَاثَ غَيْرِ أَنْكَدَا [5] غِبًّا وَمَالًا طَارِفًا وَوَلَدَا ... شَرْخًا صُقُورًا يَافِعًا وَأَمْرَدَا [6] وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا: لَنْ تُفْنِيَا خَيْرَاتِ أَرْ ... بَدَ فَابْكِيَا حَتَّى يَعُودَا قُولَا هُوَ البطل المحامي ... حِينَ يَكْسُونَ الْحَدِيدَا [7] ويصدّ عنّا الظّالمين ... إذَا لَقِينَا الْقَوْمَ صِيدَا [8] فاعتاقه ربّ البريّة ... إذْ رَأَى أَنْ لَا خُلُودًا [9] فَثَوَى وَلَمْ يُوجَعْ وَلَمْ ... يُوصَبْ وَكَانَ هُوَ الْفَقِيدَا [10]

_ [1] انع: أعلم بِمَوْتِهِ. [2] يحذى: يعْطى، من الْحذاء، وَهِي الْعَطِيَّة. ويروى: «يجدي» وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. والأدم (بِسُكُون الدَّال) الْإِبِل الْبيض: والصوارم (بِضَم الصَّاد وَكسرهَا) : القطيع من بقر الْوَحْش. وأبدا: جمع آبد، وَهُوَ المستوحش النافر. [3] فِي م، ر: «السَّائِل» . [4] رفها: أَي يفعل ذَلِك دَائِما كل يَوْم. والضريك: الْفَقِير. والغيل: أجمة الْأسد. وَيُرِيد بِالَّذِي فِي الغيل: الْأسد. وبقرو: يتتبع. قَالَ أَبُو ذَر: «وجمد اسْم جبل، وَمن رَوَاهُ (جهدا) فَهُوَ من الْجهد وَهِي الطَّاقَة» . [5] يوعد: يهدد. والتراث: الْمِيرَاث. وَغير أنكد: أَي تراث رجل غير مُعسر. [6] غبا: بعد موتك. والطارف: المَال المستحدث. وشرخا: شبَابًا. وصقورا: كالصقور واليافع: الّذي قَارب الْحلم. والأمرد: الّذي لم تنْبت لحيته. [7] يُرِيد بالحديد: الدروع. ويكسون الْحَدِيد، أَي حِين يلبسُونَ الدروع للحرب. [8] الصَّيْد: جمع أصيد، هُوَ المائل بعنقه كبرا. [9] اعتاقه: مَنعه من بُلُوغ أمله. ويروى «فاعتافه» : أَي قَصده. وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي أ: «فاعتاقه ريب ... إِلَخ» [10] لم يوصب: لم يصبهُ وصب، وَهُوَ الْأَلَم.

قدوم ضمام بن ثعلبة وافدا عن بنى سعد بن بكر

وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا: يُذَكِّرُنِي بِأَرْبَدَ كُلُّ خَصْمٍ ... أَلَدَّ تَخَالُ خُطَّتَهُ ضِرَارَا [1] إذَا اقْتَصَدُوا فَمُقْتَصِدٌ كَرِيمٌ ... وَإِنْ جَارُوا سَوَاءُ الْحَقِّ جَارَا [2] وَيَهْدِي الْقَوْمَ مُطَّلِعًا إذَا مَا ... دَلِيلُ الْقَوْمِ بِالْمَوْمَاةِ حَارَا [3] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: آخِرُهَا بَيْتًا عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا: أَصْبَحْتُ أَمْشِي بَعْدَ سَلْمَى بْنِ مَالِكٍ ... وَبَعْدَ أَبِي قَيْسٍ وَعُرْوَةَ كَالْأَجَبْ [4] إذَا مَا رَأَى ظِلَّ الْغُرَابِ أَضَجَّهُ ... حِذَارًا عَلَى بَاقِي السَّنَاسِنِ وَالْعَصَبْ [5] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. قُدُومُ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا عَنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَعَثَ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ. (سُؤَالُهُ الرَّسُولَ أَسْئِلَةً ثُمَّ إسْلَامُهُ) : قَالَ ابْنُ إِسْحَاق: فَحَدثني مُحَمَّد بن الْوَلِيدِ بْنِ نُوَيْفِعٍ عَنْ كُرَيْبٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَتْ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ، وَأَنَاخَ بَعِيرَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، وَكَانَ ضِمَامٌ رَجُلًا جَلْدًا أَشْعَرَ ذَا غَدِيرَتَيْنِ [6] ، فَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُول الله صلى الله الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَيّكُمْ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ

_ [1] أَلد: شَدِيد الْخُصُومَة. والضرار: الضّر. [2] اقتصدوا: عدلوا. [3] الموماة: الفلاة. يصف أَخَاهُ بالبصر بالأمور. [4] الأجب: الْبَعِير الْمَقْطُوع السنام. [5] أضجه. من الضجيج وَهُوَ الصياح. والسناسن: عِظَام الظّهْر، وَهِي فقاره. [6] الغديرة: الذؤابة من الشّعْر.

(دعوته قومه للإسلام) :

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. قَالَ: أَمُحَمَّدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَا بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إنِّي سَائِلُكَ وَمُغَلَّظٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلَا تَجِدَنَّ [1] فِي نَفْسِكَ، قَالَ: لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي، فَسَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ. قَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ إلَهَكَ وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ، آللَّه بَعَثَكَ إلَيْنَا رَسُولًا؟ قَالَ: اللَّهمّ نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ إلَهَكَ وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ، آللَّه أَمَرَكَ أَنْ تَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَهُ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ نَخْلَعَ هَذِهِ الْأَنْدَادَ الَّتِي كَانَ آبَاؤُنَا يَعْبُدُونَ مَعَهُ؟ قَالَ: اللَّهمّ نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ إلَهَكَ وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ، آللَّه أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ؟ قَالَ: اللَّهمّ نَعَمْ، قَالَ: ثُمَّ جَعَلَ يَذْكُرُ فَرَائِضَ الْإِسْلَامِ فَرِيضَةً فَرِيضَةً. الزَّكَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ وَشَرَائِعَ الْإِسْلَامِ كُلَّهَا، يَنْشُدُهُ عِنْدَ كُلِّ فَرِيضَةٍ مِنْهَا كَمَا يَنْشُدُهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، حَتَّى إذَا فَرَغَ قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ، وَسَأُؤَدِّي هَذِهِ الْفَرَائِضَ، وَأَجْتَنِبُ مَا نَهَيْتنِي عَنْهُ، ثُمَّ لَا أَزِيدُ وَلَا أَنْقُصُ. ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى بَعِيرِهِ رَاجِعًا. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنْ صَدَقَ ذُو الْعَقِيصَتَيْنِ [2] دَخَلَ الْجَنَّةَ. (دَعْوَتُهُ قَوْمَهُ لِلْإِسْلَامِ) : قَالَ: فَأنى بَعِيرَهُ فَأَطْلَقَ عِقَالَهُ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ، فَاجْتَمَعُوا إلَيْهِ، فَكَانَ أَوَّلُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَن قَالَ: بئست [3] اللَّاتُ وَالْعُزَّى! قَالُوا: مَهْ يَا ضِمَامُ! اتَّقِ الْبَرَصَ، اتَّقِ الْجُذَامَ، اتَّقِ الْجُنُونَ! قَالَ: وَيْلَكُمْ! إنَّهُمَا وَاَللَّهِ لَا يَضُرَّانِ وَلَا يَنْفَعَانِ، إنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا أَسْتَنْقِذُكُمْ بِهِ مِمَّا كُنْتُمْ فِيهِ، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِهِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ، وَمَا نَهَاكُمْ عَنهُ، قَالَ: فو الله مَا أَمْسَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي حَاضِرِهِ [4] رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إلَّا مُسْلِمًا.

_ [1] كَذَا فِي. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فَلَا تحدث بهَا على» . [2] العقيصتان: الضفيرتان من الشّعْر. [3] كَذَا فِي شرح الْمَوَاهِب. وَفِي الْأُصُول «باست» . [4] الْحَاضِر: الْحَيّ.

قدوم الجارود في وفد عبد القيس

قَالَ: يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: فَمَا سَمِعْنَا بِوَافِدِ قَوْمٍ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ ضِمَامِ ابْن ثَعْلَبَةَ. قُدُومُ الْجَارُودِ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقِيسِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَارُودُ بْنُ عَمْرِو ابْن حَنْشٍ أَخُو عَبْدِ الْقَيْسِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْجَارُودُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْمُعَلَّى فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا. (ضَمَانُ الرَّسُولِ دِينَهُ وَإِسْلَامُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ الْحَسَنِ [1] ، قَالَ: لَمَّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّمَهُ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامَ، وَدَعَاهُ إلَيْهِ، وَرَغَّبَهُ فِيهِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إنِّي قَدْ كُنْتُ عَلَى دِينٍ، وَإِنِّي تَارِكٌ دِينِي لِدِينِكَ، أَفَتَضْمَنُ لِي دَيْنِي؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، أَنَا ضَامِنٌ أَنْ قَدْ هَدَاكَ اللَّهُ إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ. قَالَ: فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمَ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُمْلَانَ، فَقَالَ [2] : وَاَللَّهِ مَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بِلَادِنَا ضَوَالُّ مِنْ ضَوَالِّ النَّاسِ: أَفَنَتَبَلَّغُ عَلَيْهَا إلَى بِلَادِنَا؟ قَالَ: لَا، إيَّاكَ وَإِيَّاهَا، فَإِنَّمَا تِلْكَ حَرَقُ النَّارِ. (مَوْقِفُهُ مِنْ قَوْمِهِ فِي الرِّدَّةِ) : فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ الْجَارُودُ رَاجِعًا إلَى قَوْمِهِ، وَكَانَ حَسَنَ الْإِسْلَامِ، صُلْبًا [3] عَلَى دِينِهِ، حَتَّى هَلَكَ وَقَدْ أَدْرَكَ الرِّدَّةَ، فَلَمَّا رَجَعَ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ كَانَ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إلَى دِينِهِمْ الْأَوَّلِ مَعَ الْغَرُورِ [4] بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، قَامَ الْجَارُودُ فَتَكَلَّمَ، فَتَشَهَّدَ

_ [1] فِي م، ر: «الْحُسَيْن» . [2] الحملان: مَا يركبون عَلَيْهِ من دَوَاب. [3] فِي أ: «صليبا» . [4] الْغرُور: اسْمه الْمُنْذر، سمى كَذَلِك لِأَنَّهُ غر قومه يَوْم حَرْب الرِّدَّة (السهيليّ) :.

(إسلام ابن ساوى) :

شَهَادَةَ الْحَقِّ، وَدَعَا إلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأُكَفِّرُ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: وَأَكْفِي مَنْ لَمْ يَشْهَدْ. (إسْلَامُ ابْنِ سَاوَى) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّة إِلَى الْمُنْذر بن سَاوَى الْعَبْدِيِّ، فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ، ثُمَّ هَلَكَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ رِدَّةِ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْعَلَاءُ عِنْدَهُ أَمِيرًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ. قُدُومُ وَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ وَمَعَهُمْ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابِ وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدُ بَنِي حَنِيفَةَ، فِيهِمْ مُسَيْلِمَةُ بْنُ حَبِيبٍ الْحَنَفِيُّ الْكَذَّابُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُسَيْلِمَةُ بْنُ ثُمَامَةَ، وَيُكَنَّى أَبَا ثُمَامَةَ. (مَا كَانَ مِنْ الرَّسُولِ لِمُسَيْلِمَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ مَنْزِلُهُمْ فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَحَدَّثَنِي بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: أَنَّ بَنِي حَنِيفَةَ أَتَتْ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْتُرهُ بِالثِّيَابِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ. مَعَهُ عَسِيبٌ [1] مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ، فِي رَأسه خوصات، فَلَمَّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ يَسْتُرُونَهُ بِالثِّيَابِ، كَلَّمَهُ وَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ سَأَلْتنِي هَذَا الْعَسِيبَ مَا أَعْطَيْتُكَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ أَنَّ حَدِيثَهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ هَذَا. زَعَمَ أَنَّ وَفْدَ بَنِي حَنِيفَةَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَلَّفُوا مُسَيْلِمَةَ فِي رِحَالِهِمْ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا ذَكَرُوا مَكَانَهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا قَدْ خَلَّفْنَا صَاحِبًا لَنَا فِي رِحَالِنَا وَفِي رِكَابِنَا يَحْفَظُهَا لَنَا، قَالَ: فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ

_ [1] العسيب: جَرِيدَة النّخل.

(ارتداده وتنبؤه) :

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ لِلْقَوْمِ، وَقَالَ: أَمَا إنَّهُ لَيْسَ بِشَرِّكُمْ مَكَانًا، أَيْ لِحِفْظِهِ ضَيْعَةَ أَصْحَابِهِ، وَذَلِكَ الَّذِي يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ارْتِدَادُهُ وَتُنَبَّؤُهُ) : قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَجَاءُوهُ بِمَا أَعْطَاهُ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إلَى الْيَمَامَةِ ارْتَدَّ عَدُوُّ اللَّهِ وَتَنَبَّأَ وَتَكَذَّبَ لَهُمْ، وَقَالَ: إنِّي قَدْ أُشْرِكْتُ فِي الْأَمْرِ مَعَهُ. وَقَالَ لِوَفْدِهِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ: أَلَمْ يَقُلْ لَكُمْ حِينَ ذَكَرْتُمُونِي لَهُ: أَمَا إنَّهُ لَيْسَ بِشَرِّكُمْ مَكَانًا، مَا ذَاكَ إلَّا لَمَا كَانَ يَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أُشْرِكْتُ فِي الْأَمْرِ مَعَهُ، ثُمَّ جَعَلَ يَسْجَعُ لَهُمْ الْأَسَاجِيعَ [1] ، وَيَقُولُ لَهُمْ فِيمَا يَقُولُ مُضَاهَاةً [2] لِلْقُرْآنِ: «لَقَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى الْحُبْلَى، أَخْرَجَ مِنْهَا نَسَمَةً تَسْعَى، مِنْ بَيْنَ صِفَاقٍ [3] وَحَشًى» . وَأَحَلَّ لَهُمْ الْخَمْرَ وَالزِّنَا، وَوَضَعَ عَنْهُمْ الصَّلَاةَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَشْهَدُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَصْفَقَتْ [4] مَعَهُ حَنِيفَةُ عَلَى ذَلِكَ، فاللَّه أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ. قُدُومُ زَيْدِ الْخَيْلِ فِي وَفْدِ طيِّئ (إِسْلَامُهُ وَمَوْتُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدُ طيِّئ، فِيهِمْ زَيْدُ الْخَيْلِ، وَهُوَ سَيِّدُهُمْ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إلَيْهِ كَلَّمُوهُ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامَ، فَأَسْلَمُوا، فَحَسُنَ إسْلَامُهُمْ؛ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ مِنْ رِجَالِ طيِّئ، مَا ذُكِرَ لِي رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ بِفَضْلِ، ثُمَّ جَاءَنِي، إلَّا رَأَيْتُهُ دُونَ مَا يُقَالُ فِيهِ، إلَّا زَيْدَ الْخَيْلِ: فَإِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ كُلَّ مَا كَانَ فِيهِ، ثُمَّ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ الْخَيْرِ، وَقَطَعَ لَهُ فَيْدًا [5] وَأَرَضِينَ مَعَهُ، وَكَتَبَ لَهُ بِذَلِكَ. فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ [1] فِي أ: «السجعات» . [2] مضاهاة: مشابهة. [3] الصفاق: مارق من الْبَطن. [4] أصفقوا على ذَلِك: أَجمعُوا عَلَيْهِ. [5] فيد: اسْم مَكَان بشرقى سلمى أحد جبل طيِّئ. وَهُوَ الّذي ينْسب إِلَيْهِ حمى فيد. (الْبكْرِيّ) . 37- سيرة ابْن هِشَام- 2

أمر عدي بن حاتم

رَاجِعًا إلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنْ يَنْجُ زَيْدٌ مِنْ حُمَّى الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: قَدْ سَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاسْمِ غَيْرِ الْحُمَّى، وَغَيْرِ أُمِّ مَلْدَمٍ [1] فَلَمْ يَثْبُتْهُ- فَلَمَّا انْتَهَى مِنْ بَلَدِ نَجْدٍ إلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِهِ، يُقَالُ لَهُ فَرَدَةَ، أَصَابَتْهُ الْحُمَّى بِهَا فَمَاتَ، وَلَمَّا أَحَسَّ زَيْدٌ بِالْمَوْتِ قَالَ: أَمُرْتَحِلٌ قَوْمِي الْمَشَارِقَ غُدْوَةً ... وَأُتْرَكُ فِي بَيْتٍ بِفَرَدَةَ مُنْجِدِ [2] أَلَا رُبَّ يَوْمٍ لَوْ مَرِضْتُ لَعَادَنِي ... عَوَائِدُ مَنْ لَمْ يُبْرَ مِنْهُنَّ يَجْهَدُ [3] فَلَمَّا مَاتَ عَمَدَتْ امْرَأَتُهُ إلَى مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ كُتُبِهِ، الَّتِي قَطَعَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَرَّقَتْهَا بِالنَّارِ. أَمْرُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ (هَرَبُهُ إِلَى الشَّامِ فِرَارًا مِنَ الرَّسُولِ) : وَأَمَّا عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ فَكَانَ يَقُولُ، فِيمَا بَلَغَنِي: مَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْعَرَبِ كَانَ أَشَدَّ كَرَاهِيَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ بِهِ مِنِّي، أَمَا أَنَا فَكُنْتُ امْرَأً شَرِيفًا، وَكُنْتُ نَصْرَانِيًّا، وَكُنْتُ أَسِيرُ فِي قَوْمِي بِالْمِرْبَاعِ [4] ، فَكُنْتُ فِي نَفْسِي عَلَى دِينٍ، وَكُنْتُ مَلِكًا فِي قَوْمِي، لِمَا كَانَ يُصْنَعُ بِي. فَلَمَّا سَمِعْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهْتُهُ، فَقُلْتُ لِغُلَامِ كَانَ لِي عَرَبِيٍّ، وَكَانَ رَاعِيًا لِإِبِلِي: لَا أَبَا لَكَ، أَعْدِدْ لِي مِنْ إبِلِي أَجَمَالًا ذُلُلًا [5] سِمَانًا، فَاحْتَبِسْهَا قَرِيبًا مِنِّي، فَإِذَا سَمِعْتَ بِجَيْشِ لِمُحَمَّدِ قَدْ وَطِئَ هَذِهِ الْبِلَادَ فَآذِنِّي، فَفَعَلَ، ثُمَّ إنَّهُ أَتَانِي ذَاتَ غَدَاةٍ، فَقَالَ: يَا عَدِيُّ، مَا كُنْتَ صَانِعًا إذَا غَشِيَتْكَ خَيْلُ مُحَمَّدٍ، فَاصْنَعْهُ الْآنَ، فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَايَاتٍ، فَسَأَلْتُ عَنْهَا، فَقَالُوا: هَذِهِ جُيُوشُ مُحَمَّدٍ. قَالَ: فَقُلْتُ: فَقَرِّبْ إلَيَّ أَجْمَالِي، فَقَرَّبَهَا، فَاحْتَمَلْتُ بِأَهْلِي وَوَلَدِي، ثُمَّ قلت: ألحق بأهلى دِينِي مِنْ النَّصَارَى بِالشَّامِ

_ [1] قَالَ السهيليّ فِي (الرَّوْض 2: 342) الِاسْم الّذي ذهب عَن الراويّ من أَسمَاء الْحمى هُوَ: أم كلبة (بِضَم الْكَاف) ذكر لي أَن أَبَا عُبَيْدَة ذكره فِي مقَاتل الفرسان، وَلم أره. [2] منجد: أَي بِنَجْد. [3] يبري (بِالْبِنَاءِ الْمَجْهُول) أَي يبريه السّفر ويضعفه. [4] أَسِير بالمرباع: أَي آخذ الرّبع من الْغَنَائِم، لِأَنِّي سيدهم. [5] ذلل: جمع ذَلُول، وَهُوَ الْجمل السهل الّذي قد ريض.

(أسر الرسول ابنة حاتم ثم إطلاقها) :

فَسَلَكْتُ الْجَوْشِيَّةَ [1] ، وَيُقَالُ: الْحَوْشِيَّةُ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَخَلَّفْتُ بِنْتًا لِحَاتِمِ فِي الْحَاضِرِ [2] ، فَلَمَّا قَدِمْتُ الشَّامَ أَقَمْتُ بِهَا. (أَسْرُ الرَّسُولِ ابْنَةَ حَاتِمٍ ثُمَّ إطْلَاقُهَا) : وَتُخَالِفُنِي خَيْلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتُصِيبُ ابْنَةَ حَاتِمٍ، فِيمَنْ أَصَابَتْ، فَقُدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبَايَا مِنْ طيِّئ، وَقَدْ بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَرَبِي إلَى الشَّامِ، قَالَ: فَجُعِلَتْ بِنْتُ حَاتِمٍ فِي حَظِيرَةٍ [3] بِبَابِ الْمَسْجِدِ، كَانَتْ السَّبَايَا يُحْبَسْنَ فِيهَا، فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَتْ إلَيْهِ، وَكَانَتْ امْرَأَةً جَزْلَةً، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْوَالِدُ، وَغَابَ الْوَافِدُ [4] فَامْنُنْ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ. قَالَ: وَمَنْ وَافِدُكَ؟ قَالَتْ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ. قَالَ: الْفَارُّ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَتْ: ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَنِي، حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ مَرَّ بِي، فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ بِالْأَمْسِ. قَالَتْ: حَتَّى إذَا كَانَ بَعْدَ الْغَدِ مَرَّ بِي وَقَدْ يَئِسْتُ مِنْهُ، فَأَشَارَ إلَيَّ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ أَنْ قَوْمِي فَكَلِّمِيهِ، قَالَتْ: فَقُمْتُ إلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْوَالِدُ، وَغَابَ الْوَافِدُ، فَامْنُنْ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ فَعَلْتُ، فَلَا تَعْجَلِي بِخُرُوجِ حَتَّى تَجِدِي مِنْ قَوْمِكَ مَنْ يَكُونُ لَكَ ثِقَةً، حَتَّى يُبَلِّغُكَ إلَى بِلَادِكَ، ثُمَّ آذِنِينِي. فَسَأَلْتُ عَنْ الرَّجُلِ الَّذِي أَشَارَ إلَيَّ أَنْ أُكَلِّمَهُ، فَقِيلَ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَأَقَمْتُ حَتَّى قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَلِيَّ أَوْ قُضَاعَةَ، قَالَتْ: وَإِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ آتِيَ أَخِي بِالشَّامِ. قَالَتْ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ قَوْمِي، لِي فِيهِمْ ثِقَةٌ وَبَلَاغٌ. قَالَتْ: فَكَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَمَلَنِي، وَأَعْطَانِي نَفَقَةً، فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ.

_ [1] الجوشية: جبل للضباب قرب ضرية. من أَرض نجد. [2] بنت حَاتِم هَذِه: هِيَ سفانة كَمَا رَجحه السهيليّ، إِذْ لَا يعرف لَهُ بنت غَيرهَا. والحاضر: الْحَيّ. [3] الحظيرة: شَبيهَة بالزرب الّذي يصنع لِلْإِبِلِ وَالْغنم ليكفها. [4] الْوَافِد: الزائر.

(إشارة ابنة حاتم على عدي بالإسلام) :

(إشَارَةُ ابْنَةِ حَاتِمٍ عَلَى عَدِيٍّ بِالْإِسْلَامِ) : قَالَ عدىّ: فو الله إنِّي لَقَاعِدٌ فِي أَهْلِي، إذْ نَظَرْتُ إلَى ظَعِينَةٍ [1] تَصُوبُ إلَيَّ [2] تُؤْمِنَا، قَالَ: فَقُلْتُ ابْنَةُ حَاتِمٍ، قَالَ: فَإِذَا هِيَ هِيَ، فَلَمَّا وَقَفَتْ عَلَيَّ انْسَحَلَتْ [3] تَقُولُ: الْقَاطِعُ الظَّالِمُ، احْتَمَلْتَ بِأَهْلِكَ وَوَلَدِكَ، وَتَرَكْتُ بَقِيَّةَ وَالِدِكَ عَوْرَتَكَ، قَالَ: قُلْتُ: أَيْ أُخَيَّةُ، لَا تَقُولِي إِلَّا خيرا، فو الله مَا لِي مِنْ عُذْرٍ، لَقَدْ صَنَعْتُ مَا ذَكَرْتُ. قَالَ: ثُمَّ نَزَلَتْ فَأَقَامَتْ عِنْدِي، فَقُلْتُ لَهَا: وَكَانَتْ امْرَأَةً حَازِمَةً، مَاذَا تَرَيْنَ فِي أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ؟ قَالَتْ: أَرَى وَاَللَّهِ أَنْ تَلْحَقَ بِهِ سَرِيعًا، فَإِنْ يَكُنْ الرَّجُلُ نَبِيًّا فَلِلسَّابِقِ إلَيْهِ فَضْلُهُ، وَإِنْ يَكُنْ مَلِكًا فَلَنْ تَذِلَّ فِي عِزِّ الْيَمَنِ، وَأَنْتَ أَنْتَ. قَالَ: قُلْتُ: وَاَللَّهِ إنَّ هَذَا الرَّأْيُ. (قُدُومُ عَدِيٍّ عَلَى الرَّسُولِ وَإِسْلَامُهُ) : قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي مَسْجِدِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى بَيته، فو الله إنَّهُ لَعَامِدٌ بِي إلَيْهِ، إذْ لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ ضَعِيفَةٌ كَبِيرَةٌ، فَاسْتَرْقَفْتُهُ، فَوَقَفَ لَهَا طَوِيلًا تُكَلِّمُهُ فِي حَاجَتِهَا، قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاَللَّهِ مَا هَذَا بِمَلِكِ، قَالَ: ثُمَّ مَضَى بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا دَخَلَ بِي بَيْتَهُ، تَنَاوَلَ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ مَحْشُوَّةٍ لِيفًا، فَقَذَفَهَا إلَيَّ، فَقَالَ: اجْلِسْ عَلَى هَذِهِ، قَالَ: قُلْتُ: بَلْ أَنْتَ فَاجْلِسْ عَلَيْهَا، فَقَالَ: بَلْ أَنْتَ، فَجَلَسْتُ عَلَيْهَا، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَرْضِ، قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاَللَّهِ مَا هَذَا بِأَمْرِ مَلِكٍ، ثُمَّ قَالَ: إيِهِ يَا عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ! أَلَمْ تَكُ رَكُوسِيًّا [4] ؟ قَالَ: قُلْتُ: بلَى. (قَالَ) [5] : أولم تَكُنْ تَسِيرُ فِي قَوْمِكَ بِالْمِرْبَاعِ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ يَحِلُّ لَكَ فِي دِينِكَ، قَالَ

_ [1] الظعينة: الْمَرْأَة فِي هودجها، وَقد تسمى ظَعِينَة وَإِن لم تكن فِيهِ. [2] تصوب إِلَى: تقصد وتؤم. [3] انسحلت: أخذت فِي اللوم وَمَضَت فِيهِ مجدة. [4] الركوسى: من الركوسية، وهم قوم لَهُم دين بَين دين النَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ. [5] زِيَادَة عَن أ.

(وقوع ما وعد به الرسول عديا) :

قُلْتُ: أَجَلْ وَاَللَّهِ، وَقَالَ: وَعَرَفْتُ أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، يَعْلَمُ مَا يُجْهَلُ، ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّكَ يَا عَدِيُّ إنَّمَا يَمْنَعُكَ مِنْ دُخُولٍ فِي هَذَا الدِّينِ مَا تَرَى من حَاجتهم، فو الله لَيُوشِكَنَّ الْمَالُ أَنْ يَفِيضَ فِيهِمْ حَتَّى لَا يُوجد من يَأْخُذهُ، وَلَعَلَّكَ إنَّمَا يَمْنَعُكَ مِنْ دُخُولٍ فِيهِ مَا تَرَى مِنْ كَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ وَقلة عَددهمْ، فو الله لِيُوشِكَنَّ أَنْ تَسْمَعَ بِالْمَرْأَةِ تَخْرَجُ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ عَلَى بَعِيرِهَا (حَتَّى) [1] تَزُورَ هَذَا الْبَيْتَ، لَا تَخَافُ، وَلَعَلَّكَ إنَّمَا يَمْنَعُكَ مِنْ دُخُولٍ فِيهِ أَنَّكَ تَرَى أَنَّ الْمُلْكَ وَالسُّلْطَانَ فِي غَيْرِهِمْ، وَاَيْمُ اللَّهِ لَيُوشِكَنَّ أَنَّ تَسْمَعَ بِالْقُصُورِ الْبِيضِ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ قَدْ فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَأَسْلَمْتُ. (وُقُوعُ مَا وَعَدَ بِهِ الرَّسُولُ عَدِيًّا) : وَكَانَ عَدِيٌّ يَقُولُ: قَدْ مَضَتْ اثْنَتَانِ وَبَقِيَتْ الثَّالِثَةُ، وَاَللَّهِ لَتَكُونَنَّ، قَدْ رَأَيْتُ الْقُصُورَ الْبِيضَ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ قَدْ فُتِحَتْ، وَقَدْ رَأَيْتُ الْمَرْأَةَ تَخْرُجُ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ عَلَى بَعِيرِهَا لَا تَخَافُ حَتَّى تَحُجَّ هَذَا الْبَيْتَ، وَاَيْمُ اللَّهِ لَتَكُونَنَّ الثَّالِثَةُ، لَيَفِيضَنَّ الْمَالُ حَتَّى لَا يُوجَدَ مَنْ يَأْخُذُهُ. قُدُومُ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ الْمُرَادِيَّ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ الْمُرَادَّيَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفَارِقًا لِمُلُوكِ كِنْدَةَ، وَمُبَاعِدًا لَهُمْ، إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (يَوْمُ الرَّدْمِ بَيْنَ مُرَادَ وَهَمْدَانَ) : وَقَدْ كَانَ قُبَيْلَ الْإِسْلَامِ بَيْنَ مُرَادَ وَهَمْدَانَ وَقْعَةٌ، أَصَابَتْ فِيهَا هَمْدَانُ مِنْ مُرَادَ مَا أَرَادُوا، حَتَّى أَثْخَنُوهُمْ [2] فِي يَوْمٍ كَانَ يُقَالُ لَهُ: يَوْمَ الرَّدْمِ، فَكَانَ الَّذِي قَادَ هَمْدَانَ إلَى مُرَادَ الْأَجْدَعُ بْنُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الَّذِي قَادَ هَمْدَانَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَالِكُ بْنُ حَرِيمٍ الْهَمْدَانِيُّ. (شِعْرُ فَرْوَةَ فِي يَوْمِ الرَّدْمِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَقُولُ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ.:

_ [1] زِيَادَة عَن أ. [2] أثخنوهم: أَكْثرُوا الْقَتْل فيهم والجراحات.

(قدوم فروة على الرسول وإسلامه) :

مَرَرْنَا عَلَى لُفَاةَ وَهُنَّ خَوْصٌ ... يُنَازِعْنَ الْأَعِنَّةَ يَنْتَحِينَا [1] فَإِنْ نَغْلِبْ فَغَلَّابُونَ قِدْمًا ... وَإِنْ نُغْلَبْ فَغَيْرُ مُغَلَّبِينَا وَمَا إنْ طِبُّنَا جُبْنٌ وَلَكُنَّ ... مَنَايَانَا وَطُعْمَةُ آخَرِينَا [2] كَذَاكَ الدَّهْرُ دَوْلَتُهُ سِجَالٌ ... تَكُرُّ صُرُوفُهُ حِينًا فَحِينًا [3] فَبَيْنَا مَا نُسَرُّ بِهِ وَنَرْضَى ... وَلَوْ لُبِسَتْ غَضَارَتُهُ سِنِينَا [4] إذْ انْقَلَبَتْ بِهِ كَرَّاتُ دَهْرٍ ... فَأَلْفَيْتَ الْأُلَى غُبِطُوا طَحِينًا [5] فَمَنْ يُغْبَطْ بِرَيْبِ الدَّهْرِ مِنْهُمْ ... يَجِدْ رَيْبَ الزَّمَانِ لَهُ خَئُونًا فَلَوْ خَلَدَ الْمُلُوكُ إذَنْ خَلَدْنَا ... وَلَوْ بَقِيَ الْكِرَامُ إذَنْ بَقِينَا فَأَفْنَى ذَلِكُمْ سَرَوَاتِ قَوْمِي ... كَمَا أَفْنَى الْقُرُونَ الْأَوَّلِينَا [6] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَوَّلُ بَيْتٍ مِنْهَا، وَقَوْلُهُ: «فَإِنْ نَغْلِبْ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. (قُدُومُ فَرْوَةَ عَلَى الرَّسُولِ وَإِسْلَامُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا تَوَجَّهَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفَارِقًا لِمُلُوكِ كِنْدَةَ، قَالَ: لَمَّا رَأَيْتُ مُلُوكَ كِنْدَةَ أَعَرَضَتْ ... كَالرَّجُلِ خَانَ الرَّجُلَ عَرَقَ نَسَائِهَا [7] قرّبت رَاحِلَتي أؤمّ مُحَمَّدًا ... أَرْجُو فَوَاضِلَهَا وَحُسْنَ ثَرَائِهَا

_ [1] لفات (بِضَم أَوله، كَمَا فِي مُعْجم الْبلدَانِ) : من ديار مُرَاد. وَفِي مُعْجم مَا استعجم للبكرى: «مررن على لفات وَهِي خوص» بِالْكَسْرِ، على أَنه جمع «لفت» بِفَتْح أَوله أَو كَسره: مَوضِع بَين مَكَّة وَالْمَدينَة. وخوص: غائرات الْعُيُون، وينتحين: يعترضن ويتعمدن. [2] طبنا: قَالَ فِي لِسَان الْعَرَب: «يجوز أَن يكون مَعْنَاهُ: مَا دَهْرنَا وشأننا وعادتنا، وَأَن يكون مَعْنَاهُ شهوتنا. وَمعنى هَذَا الشّعْر: إِن كَانَت هَمدَان ظَهرت علينا فِي يَوْم الرَّدْم فغلبتنا، فَغير مغلبين. والمغلب: الّذي يغلب مرَارًا، أَي لم نغلب إِلَّا مرّة وَاحِدَة» . وَرِوَايَة اللِّسَان «ودولة آخرينا» . والدولة (بِفَتْح الدَّال وَضمّهَا) : الْعقبَة فِي المَال وَالْحَرب سَوَاء. [3] سِجَال: تَارَة للْإنْسَان، وَتارَة عَلَيْهِ. وَهُوَ من المساجلة على الْبِئْر، يستقى هَذَا مرّة، وَذَلِكَ مرّة. [4] غضارة الشَّيْء: طراوته وَنعمته. [5] غبطوا: استحسنت حَالهم. [6] سروات الْقَوْم: أَشْرَافهم. [7] النسا: عرق مستبطن فِي الْفَخْذ، وَهُوَ مَقْصُور، وَمد (هُنَا) للشعر.

قدوم عمرو بن معديكرب في أناس من بنى زبيد

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: « أَرْجُو فَوَاضِلَهُ وَحُسْنَ ثَنَائِهَا » . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا بَلَغَنِي: يَا فَرْوَةُ، هَلْ سَاءَكَ مَا أَصَابَ قَوْمَكَ يَوْمَ الرَّدْمِ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ ذَا يُصِيبُ قَوْمَهُ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمِي يَوْمَ الرَّدْمِ لَا يَسُوءُهُ ذَلِكَ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ: أَمَا إنَّ ذَلِكَ لَمْ يَزِدْ قَوْمَكَ فِي الْإِسْلَامِ إلَّا خَيْرًا. وَاسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُرَادَ وَزُبَيْدٍ وَمَذْحِجٍ كُلِّهَا، وَبَعَثَ مَعَهُ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَكَانَ مَعَهُ فِي بِلَادِهِ حَتَّى تَوَفَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُدُومُ عَمْرو بن معديكرب فِي أُنَاسٍ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرو بن معديكرب فِي أُنَاسٍ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ، فَأَسْلَمَ، وَكَانَ عَمْرٌو قَدْ قَالَ لِقَيْسِ بْنِ مَكْشُوحٍ الْمُرَادِيَّ، حِينَ انْتَهَى إلَيْهِمْ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا قَيْسُ، إنَّكَ سَيِّدُ قَوْمِكَ، وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ قَدْ خَرَجَ بِالْحِجَازِ، يَقُولُ إنَّهُ نَبِيٌّ، فَانْطَلِقْ بِنَّا إلَيْهِ حَتَّى نَعْلَمَ عِلْمَهُ، فَإِنْ كَانَ نَبِيًّا كَمَا يَقُولُ، فَإِنَّهُ لَنْ يَخْفَى عَلَيْكَ، وَإِذَا لَقَيْنَاهُ اتَّبَعْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ عَلِمْنَا عِلْمَهُ، فَأَبَى عَلَيْهِ قَيْسٌ ذَلِكَ، وَسَفَّهُ رَأْيَهُ، فَرَكِبَ عَمْرو ابْن معديكرب حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ، وَصَدَّقَهُ، وَآمَنَ بِهِ. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قَيْسَ بْنَ مَكْشُوحٍ أَوْعَدَ عَمْرًا، وَتَحَطَّمْ عَلَيْهِ [1] ، وَقَالَ: خَالَفَنِي وَتَرَكَ رَأْيِي، فَقَالَ عَمْرو بن معديكرب فِي ذَلِكَ: أَمَرْتُكَ يَوْم ذِي صنعاء ... أَمْرًا بَادِيًا رُشْدَهْ [2] أَمَرْتُكَ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ ... وَالْمَعْرُوفِ تَتَّعِدُهْ

_ [1] تحطم عَلَيْهِ: اشْتَدَّ عَلَيْهِ. [2] ذُو صنعاء: مَوضِع.

(ارتداده وشعره في ذلك) :

خَرَجْتُ مِنْ الْمُنَى مِثْلَ ... الْحُمَيِّرِ غَرَّهُ وَتِدُهْ تَمُنَّانِي عَلَى فَرَسٍ ... عَلَيْهِ جَالِسًا أُسْدُهْ عَلَيَّ مُفَاضَةٌ كَالنَّهْيِ ... أَخَلَصَ مَاءَهُ جَدَدُهْ [1] تَرُدُّ الرُّمْحَ مُنْثَنَى [2] السِّنَانِ ... عَوَائِرًا قِصَدُهْ [3] فَلَوْ لَاقَيْتَنِي لَلَقِيتُ ... لَيْثًا فَوْقَهُ لِبَدُهْ [4] تُلَاقِي شَنْبَثًا شَثْنَ ... الْبَرَاثِنِ نَاشِزًا كَتَدُهْ [5] يُسَامَى الْقِرْنَ إنْ قِرْنٌ ... تَيَمَّمُهُ فَيَعْتَضِدُهْ [6] فَيَأْخُذُهُ فَيَرْفَعُهُ ... فَيَخْفِضُهُ فَيَقْتَصِدُهْ [7] فَيَدْمَغُهُ فَيَحْطِمُهُ ... فَيَخْضِمهُ فَيَزْدَرِدُهْ [8] ظَلُومَ الشَّرَكِ فِيمَا ... أَحْرَزَتْ أَنْيَابُهُ وَيَدُهْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَمَرْتُكَ يَوْم ذِي صنعاء ... أَمْرًا بَيِّنًا رُشْدُهُ أَمَرْتُكَ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ ... تَأْتِيهِ وَتَتَّعِدُهْ فَكُنْتُ كذي الحميّر غرره ... مِمَّا بِهِ وَتِدُهْ وَلَمْ يَعْرِفْ سَائِرَهَا. (ارْتِدَادُهُ وَشِعْرُهُ فِي ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ عَمْرو بن معديكرب فِي قَوْمِهِ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ وَعَلَيْهِمْ فَرْوَةُ

_ [1] المفاضة: الدرْع الواسعة. والنهى: الغدير من المَاء. والجدد: الأَرْض الصلبة. [2] فِي أ: «مثنى» . [3] عوائر: متطايرة. وَالْقَصْد: جمع قصدة، وَهِي مَا تكسر من الرمْح. [4] اللبد: جمع لبدة، وَهِي مَا على كَتِفي الْأسد وَرَأسه من الشّعْر. [5] الشنبث: الّذي يتَعَلَّق بقرنه وَلَا يزايله. والشثن،: الغليظ الْأَصَابِع. والبراثن للسباع بِمَنْزِلَة الْأَصَابِع للْإنْسَان. وناشز: مُرْتَفع. والكتد: مَا بَين الْكَتِفَيْنِ. [6] يعتضده: يَأْخُذهُ تَحت عضده ليصرعه. [7] يقتصده: يقْتله. [8] يدمغه: يُصِيب دماغه. ويحطمه: يكسرهُ. ويخضمه. يَأْكُلهُ، وَفِي أ: «يجضمه» وَهِي بمعناها. ويزدرده: يبتلعه.

قدوم الأشعث بن قيس في وفد كندة

ابْن مُسَيْكٍ. فَلَمَّا تَوَفَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَدَّ عَمْرو بن معديكرب، وَقَالَ حِينَ ارْتَدَّ: وَجَدْنَا مُلْكَ فَرْوَةَ شَرَّ مُلْكٍ ... حِمَارًا سَافَ مُنْخُرَهُ بِثَفْرِ [1] وَكُنْتَ إذَا رَأَيْتَ أَبَا عُمَيْرٍ ... تَرَى الْحُوَلَاءَ مِنْ خَبَثٍ وَغَدْرٍ [2] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «بِثَفْرِ» عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ. قُدُومُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ فِي وَفْدِ كِنْدَةَ (قُدُومُهُمْ وَإِسْلَامُهُمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، فِي وَفْدِ كِنْدَةَ، فَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ بْنُ شِهَابٍ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَمَانِينَ رَاكِبًا مِنْ كِنْدَةَ، فَدَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَهُ، وَقَدْ رَجَّلُوا [3] جُمَمَهُمْ [4] وَتَكَحَّلُوا، وَعَلَيْهِمْ جُبَبُ الْحِبَرَةِ، وَقَدْ كَفَّفُوهَا [5] بِالْحَرِيرِ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَمْ تُسْلِمُوا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَمَا بَالُ هَذَا الْحَرِيرِ فِي أَعْنَاقِكُمْ، قَالَ: فَشَقُّوهُ مِنْهَا، فَأَلْقَوْهُ. (انْتِسَابُ الْوَفْدِ إلَى آكِلِ الْمُرَارِ) : ثُمَّ قَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ، وَأَنْتُ ابْنُ آكِلِ الْمُرَارِ، قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: نَاسَبُوا بِهَذَا النَّسَبِ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَبِيعَةَ بْنَ الْحَارِثِ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ وَرَبِيعَةُ رَجُلَيْنِ تَاجِرَيْنِ وَكَانَا إذَا شَاعَا فِي بَعْضِ الْعَرَبِ، فَسُئِلَا مِمَّنْ هُمَا؟ قَالَا: نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ، يَتَعَزَّزَانِ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ كِنْدَةَ كَانُوا مُلُوكًا. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: لَا، بَلْ نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ

_ [1] ساف: شم. والثفر فِي الْبَهَائِم: بِمَنْزِلَة الرَّحِم من الْإِنْسَان. [2] الحولاء (بِضَم الْحَاء وَكسرهَا وَفتح الْوَاو) : جلدَة مَاؤُهَا أَخْضَر تخرج مَعَ الْوَلَد وفيهَا أغراس وعروق وخطوط خضر وحمر. يشبه المهجو بِمَا فِيهِ من خبث وغدر بِهَذِهِ الحولاء دناءة وقذارة. [3] رجلوا: سرحوا ومشطوا. [4] الجمم: جمع جمة، وَهِي مُجْتَمع شعر الناصية الّذي يصل إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ. [5] جعلُوا لَهَا سجفا من الْحَرِير.

(نسب الأشعث إلى آكل المرار) :

ابْن كنَانَة، لَا نقفو [1] أُمَّنَا، وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا، فَقَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: هَلْ فَرَغْتُمْ يَا مَعْشَرَ كِنْدَةَ؟ وَاَللَّهِ لَا أَسْمَعُ رَجُلًا يَقُولُهَا إلَّا ضَرَبْتُهُ ثَمَانِينَ. (نَسَبُ الْأَشْعَثِ إلَى آكِلِ الْمُرَارِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ وَلَدِ آكِلِ الْمُرَارِ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ، وَآكِلُ الْمُرَارِ: الْحَارِثُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حُجْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ مُرَتِّعِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ كِنْدِيٍّ، وَيُقَالُ كِنْدَةَ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ آكِلَ الْمُرَارِ، لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ الْهَبُولَةِ الْغَسَّانِيَّ أَغَارَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ الْحَارِثُ غَائِبًا، فَغَنِمَ وَسَبَى، وَكَانَ فِيمَنْ سَبَى أُمُّ أُنَاسَ بِنْتُ عَوْفِ بْنِ مُحَلَّمٍ الشَّيْبَانِيِّ، امْرَأَةُ الْحَارِثِ ابْن عَمْرٍو، فَقَالَتْ لِعَمْرِو فِي مَسِيرِهِ: لَكَأَنِّي بِرَجُلِ أَدْلَمْ [2] أَسْوَدَ، كَأَنَّ مَشَافِرَهُ مَشَافِرُ بَعِيرِ آكِلِ مُرَارٍ [3] قَدْ أَخَذَ بِرِقْبَتِكَ، تَعْنِي الْحَارِثَ، فَسُمِّيَ آكِلَ الْمُرَارِ، وَالْمُرَارُ: شَجَرٌ. ثُمَّ تَبِعَهُ الْحَارِثُ فِي بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، فَلَحِقَهُ، فَقَتَلَهُ، وَاسْتَنْقَذَ امْرَأَتَهُ، وَمَا كَانَ أَصَابَ. فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ الْيَشْكُرِيُّ لِعَمْرِو بْنِ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ اللَّخْمِيُّ: وَأَقَدْنَاكَ رَبَّ غَسَّانَ بِالْمُنْذِرِ ... كَرْهًا إذْ لَا تُكَالُ الدِّمَاءُ لِأَنَّ الْحَارِثَ الْأَعْرَجَ الْغَسَّانِيَّ قَتَلَ الْمُنْذِرُ أَبَاهُ، وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَطْوَلُ مِمَّا ذَكَرْتُ، وَإِنَّمَا مَنَعَنِي مِنْ اسْتِقْصَائِهِ مَا ذَكَرْتُ مِنْ الْقَطْعِ. وَيُقَالُ بَلْ آكِلُ الْمُرَارِ: حُجْرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ صَاحِبُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ آكِلَ الْمُرَارِ، لِأَنَّهُ أَكَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ شَجَرًا يُقَالُ لَهُ الْمُرَارُ.

_ [1] لَا نقفو أمنا: لَا نتبع نسب أمنا. وَقد كَانَ من جدات الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هِيَ من ذَلِك الْقَبِيل، مِنْهُنَّ دعد بنت سَرِير بن ثَعْلَبَة بن الْحَارِث الْكِنْدِيّ الْمَذْكُور، وَهِي أم كلاب بن مرّة، وَقيل: بل هِيَ جدة كلاب، أم أمه هِنْد، وَقد ذكر ابْن إِسْحَاق هندا هَذِه، وَذكر أَنَّهَا ولدت كلابا (عَن السهيليّ) . [2] الأدلم: المسترخى الشفتين. [3] المرار (بِضَم الْمِيم) : نبت إِذا أَكلته الْإِبِل تقبضت مشافرها، لمرارته.

قدوم صرد بن عبد الله الأزدي

قُدُومُ صُرَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيَّ (إِسْلَامُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيُّ، فَأَسْلَمَ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، فِي وَفْدٍ مِنْ الْأَزْدِ، فَأَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ. وَأَمَرُوهُ أَنْ يُجَاهِدَ بِمَنْ أَسْلَمَ مَنْ كَانَ يَلِيهِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ. (قِتَالُهُ أَهْلَ جَرْشٍ) : فَخَرَجَ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَسِيرُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى نَزَلَ بِجُرَشَ [1] ، وَهِيَ يَوْمئِذٍ مَدِينَةٌ مُعَلَّقَةٌ، وَبِهَا قَبَائِلُ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ، وَقَدْ ضَوَتْ [2] إلَيْهِمْ خَثْعَمُ، فَدَخَلُوهَا مَعَهُمْ حِينَ سَمِعُوا بِسَيْرِ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ، فَحَاصَرُوهُمْ فِيهَا قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ، وَامْتَنَعُوا فِيهَا مِنْهُ، ثُمَّ إنَّهُ رَجَعَ عَنْهُمْ قَافِلًا، حَتَّى إذَا كَانَ إلَى جَبَلٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ شَكْرُ، ظَنَّ أَهْلُ جُرَشَ أَنَّهُ إنَّمَا وَلَّى عَنْهُمْ مُنْهَزِمًا، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ، حَتَّى إذَا أَدْرَكُوهُ عَطَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَتَلَهُمْ قَتْلًا شَدِيدًا. (إخْبَارُ الرَّسُولِ وَافِدِي جُرَشَ بِمَا حَدَّثَ لِقَوْمِهَا) : وَقَدْ كَانَ أَهْلُ جَرْشٍ بَعَثُوا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ يَرْتَادَانِ وَيَنْظُرَانِ، فَبَيْنَا هُمَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةً بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، إذْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِأَيِّ بِلَادِ اللَّهِ شَكْرُ؟ فَقَامَ إلَيْهِ الْجُرَشِيَّانِ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِبِلَادِنَا جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ كَشْرُ، وَكَذَلِكَ يُسَمِّيهِ أَهْلُ جُرَشَ، فَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ بكثر، وَلَكِنَّهُ شَكْرُ، قَالَا: فَمَا شَأْنُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إنَّ بُدْنَ اللَّهِ لَتُنْحَرُ عِنْدَهُ الْآنَ، قَالَ: فَجَلَسَ الرَّجُلَانِ إلَى أَبِي بَكْرٍ أَوْ إلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُمَا: وَيْحَكُمَا! إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَنْعَى لَكُمَا قَوْمكُمَا [3] ،

_ [1] جرش (بِوَزْن عمر) : مخلاف من مخاليف الْيمن (كورة) . [2] ضوت إِلَيْهِم: لجأت إِلَيْهِم. [3] أَي يخبركما بِقَتْلِهِم.

(إسلام أهل جرش) :

فَقُومَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْأَلَاهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ أَنْ يَرْفَعَ عَنْ قَوْمِكُمَا، فَقَامَا إلَيْهِ، فَسَأَلَاهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: اللَّهمّ ارْفَعْ عَنْهُمْ، فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعِينَ إلَى قَوْمِهِمَا، فَوَجَدَا قَوْمَهُمَا قَدْ أُصِيبُوا يَوْمَ أَصَابَهُمْ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فِي الْيَوْمِ الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ، وَفِي السَّاعَةِ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا مَا ذَكَرَ. (إسْلَامُ أَهْلِ جُرَشَ) : وَخَرَجَ وَفْدُ جُرَشَ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمُوا، وَحَمَى لَهُمْ حِمًى حَوْلَ قَرْيَتِهِمْ، عَلَى أَعْلَامٍ مَعْلُومَةٍ، لِلْفَرَسِ وَالرَّاحِلَةِ وَلِلْمُثِيرَةِ، بَقَرَةُ الْحَرْثِ، فَمَنْ رَعَاهُ مِنْ النَّاسِ فَمَا لَهُمْ سُحْتٌ. فَقَالَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ رَجُلٌ مِنْ الأزد: وَكَانَت خشعم تُصِيبُ مِنْ الْأَزْدِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانُوا يَعْدُونَ [1] فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ: يَا غَزْوَةً مَا غَزَوْنَا غَيْرَ خَائِبَةٍ ... فِيهَا الْبِغَالُ وَفِيهَا الْخَيْلُ وَالْحُمُرُ حَتَّى أَتَيْنَا حُمَيْرًا فِي مَصَانِعِهَا ... وَجَمْعُ خَثْعَمَ قَدْ شَاعَتْ لَهَا النُّذُرُ [2] إذَا وَضَعَتْ غَلِيلًا كُنْتُ أَحْمِلُهُ ... فَمَا أُبَالِي أَدَانُوا بَعْدُ أَمْ كَفَرُوا [3] قُدُومُ رَسُولِ مُلُوكِ حِمْيَرَ بِكِتَابِهِمْ (قُدُومُ رَسُولِ مُلُوكِ حِمْيَرَ) : وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ مُلُوكِ حِمْيَرَ، مَقْدَمَهُ مِنْ تَبُوكَ، وَرَسُولُهُمْ إلَيْهِ بِإِسْلَامِهِمْ، الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ كُلَالٍ، وَنُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ كُلَالٍ، وَالنُّعْمَانُ قَيْلُ [4] ذِي رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ وَهَمْدَانَ، وَبَعَثَ إلَيْهِ زُرْعَةَ ذُو يزن مَالك ابْنَ مُرَّةَ الرَّهَاوِيَّ بِإِسْلَامِهِمْ، وَمُفَارَقَتِهِمْ الشِّرْكَ وَأَهْلَهُ.

_ [1] يعدون: يعتدون. [2] حمير: تَصْغِير ترخيم لحمير. وَفِي الزرقانى: «أَتَيْنَا جريشا» . والمصانع: الْقرى والحصون والأبنية الضخمة. وشاعت: ذاعت وانتشرت. وَفِي أ: «ساغت» أَي سهلت. [3] الغليل: حرارة الْجوف، من عَطش أَو نَحوه. ودانوا: خضعوا للدّين. [4] القيل: وَاحِد الْأَقْيَال، وهم الْمُلُوك الَّذين دون الْملك الْأَكْبَر.

(كتاب الرسول إليهم) :

(كِتَابُ الرَّسُولِ إِلَيْهِمْ) : فَكَتَبَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ النَّبِيِّ، إلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، وَإِلَى نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، وَإِلَى النُّعْمَانِ، قَيْلِ ذِي رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ وَهَمْدَانَ. أَمَّا بَعْدُ ذَلِكُمْ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إلَيْكُمْ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ قد وَقع بِنَا رَسُولُكُمْ مُنْقَلَبَنَا مِنْ أَرْضِ الرُّومِ، فَلَقِيَنَا بِالْمَدِينَةِ، فَبَلَّغَ مَا أرسلتم بِهِ، وخبّرا مَا قَبْلَكُمْ، وَأَنْبَأْنَا بِإِسْلَامِكُمْ وَقَتْلِكُمْ الْمُشْرِكِينَ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ هَدَاكُمْ بِهُدَاهُ، إنْ أَصْلَحْتُمْ وَأَطَعْتُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأَقَمْتُمْ الصَّلَاةَ، وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ، وَأَعْطَيْتُمْ مِنْ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللَّهِ، وَسَهْمَ الرَّسُولِ وَصَفِيَّهُ [1] ، وَمَا كُتِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الصَّدَقَةِ مِنْ الْعَقَارِ [2] ، عُشْرَ مَا سَقَتْ الْعَيْنُ وَسَقَتْ السَّمَاءُ، وَعَلَى مَا سَقَى الْغَرْبُ [3] نِصْفُ الْعُشْرِ، وَأَنَّ فِي الْإِبِلِ الْأَرْبَعِينَ ابْنَةَ لَبُونٍ، وَفِي ثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ، وَفِي كُلِّ خُمُسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ، وَفِي كُلِّ عَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاتَانِ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْبَقَرِ بَقَرَةٌ، وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ، جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ سَائِمَةٌ وَحْدَهَا، شَاةٌ، وَأَنَّهَا فَرِيضَةُ اللَّهِ الَّتِي فَرَضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَةِ، فَمَنْ زَادَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَمَنْ أَدَّى ذَلِكَ وَأَشْهَدَ عَلَى إسْلَامِهِ، وَظَاهَرَ [4] الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، لَهُ مَا لَهُمْ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ، وَلَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، وَإِنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ، فَإِنَّهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، لَهُ مَا لَهُمْ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ، وَمَنْ كَانَ عَلَى يَهُودِيَّتِهِ أَوْ نَصْرَانِيَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ عَنْهَا، وَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، عَلَى كُلِّ حَالٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، دِينَارٌ وَافٍ، مِنْ قِيمَةِ الْمَعَافِرِ [5] أَوْ عِوَضُهُ ثِيَابًا، فَمَنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، وَمَنْ مَنَعَهُ فَإِنَّهُ عَدُوٌّ للَّه وَلِرَسُولِهِ. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ مُحَمَّدًا النَّبِيَّ

_ [1] الصفي: مَا يصطفيه الرئيس من الْغَنِيمَة لنَفسِهِ قبل أَن تقسم الْمَغَانِم. [2] الْعقار: الأَرْض. [3] الغرب: الدَّلْو. [4] ظاعر: عاون وقوى. [5] المعافر: ثِيَاب من ثِيَاب الْيمن.

وصية الرسول معاذا حين بعثه إلى اليمن

أَرْسَلَ إلَى زُرْعَةَ ذِي يَزَنٍ أَنْ إذَا أَتَاكُمْ رُسُلِي فَأُوصِيكُمْ بِهِمْ خَيْرًا: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، وَمَالِكُ بْنُ عُبَادَةَ، وَعُقْبَةُ بْنُ نَمِرٍ، وَمَالِكُ بن مرّة، وأصحابهم وَأَنْ اجْمَعُوا مَا عِنْدَكُمْ مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْجِزْيَةِ مِنْ مُخَالِيفِكُمْ، وَأَبْلِغُوهَا رُسُلِي، وَأَنَّ أَمِيرَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَلَا يَنْقَلِبَنَّ إلَّا رَاضِيًا، أَمَّا بَعْدُ. فَإِنَّ مُحَمَّدًا يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ إنَّ مَالِكَ بْنَ مُرَّةَ الرَّهَاوِيَّ قَدْ حَدَّثَنِي أَنَّكَ أَسْلَمْتَ مِنْ أَوَّلِ حِمْيَرَ، وَقَتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَبْشِرْ بِخَيْرِ وَآمُرُكَ بِحِمْيَرَ خَيْرًا، وَلَا تَخُونُوا وَلَا تَخَاذَلُوا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ هُوَ وَلِيُّ [1] غَنِيِّكُمْ وَفَقِيرِكُمْ، وَأَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدِ وَلَا لِأَهْلِ بَيْتِهِ، إنَّمَا هِيَ زَكَاةٌ يُزَكَّى بِهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَأَنَّ مَالِكًا قَدْ بَلَّغَ الْخَبَرَ، وَحَفِظَ الْغَيْبَ، وَآمُرُكُمْ بِهِ خَيْرًا، وَإِنِّي قَدْ أَرْسَلْتُ إلَيْكُمْ مِنْ صَالِحِي أَهْلِي وَأُولِي دِينِهِمْ وَأُولِي عِلْمِهِمْ، وَآمُرُكَ بِهِمْ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ [2] مَنْظُورٌ إلَيْهِمْ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. وَصِيَّةُ الرَّسُولِ مُعَاذًا حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ (بَعْثُ الرَّسُولِ مُعَاذًا عَلَى الْيَمَنِ وَشَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِ بِهَا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ حُدِّثَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَعَثَ مُعَاذًا، أَوْصَاهُ وَعَهِدَ إلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَسِّرْ وَلَا تُعَسِّرْ، وَبَشِّرْ وَلَا تُنَفِّرْ، وَإِنَّكَ سَتَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أهل الْكتاب، يسئلونك مَا مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ، فَقُلْ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، قَالَ: فَخَرَجَ مُعَاذٌ، حَتَّى إذَا قَدِمَ الْيَمَنَ قَامَ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَتْ: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ، مَا حَقُّ زَوْجِ الْمَرْأَةِ عَلَيْهَا؟ قَالَ: وَيْحَكَ! إنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا، فَأَجْهِدِي نَفْسَكَ فِي أَدَاءِ حَقِّهِ مَا اسْتَطَعْتُ، قَالَتْ: وَاَللَّهِ لَئِنْ كُنْتُ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ [1] فِي أ: «مولى» . [2] فِي أ: «فَإِنَّهُ» .

إسلام فروة بن عمرو الجذامي

إنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ. قَالَ: وَيْحَكَ! لَوْ رَجَعْتُ إلَيْهِ فَوَجَدْتُهُ تَنْثَعِبُ [1] مَنْخِرَاهُ قَيْحًا وَدَمًا، فَمَصَصْتُ ذَلِكَ حَتَّى تُذْهِبِيهِ مَا أَدَّيْتُ حَقَّهُ. إسْلَامُ فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْجُذَامِيِّ (إِسْلَامُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَعَثَ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو النَّافِرَةَ الْجُذَامِيُّ، ثُمَّ النُّفَاثِيُّ، إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا بِإِسْلَامِهِ، وَأَهْدَى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَانَ فَرْوَةُ عَامِلًا لِلرُّومِ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ مِنْ الْعَرَبِ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ مُعَانٍ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ أَرْضِ الشَّامِ. (حَبْسُ الرُّومِ لَهُ وَشِعْرُهُ فِي مَحْبَسِهِ) : فَلَمَّا بَلَغَ الرُّومَ ذَلِكَ مِنْ إسْلَامِهِ، طَلَبُوهُ حَتَّى أَخَذُوهُ، فَحَبَسُوهُ عِنْدَهُمْ، فَقَالَ فِي مَحْبِسِهِ ذَلِكَ: طَرَقَتْ سُلَيْمَى مَوْهِنَا أَصْحَابِي ... وَالرُّومُ بَيْنَ الْبَابِ وَالْقِرْوَانِ [2] صَدَّ الْخَيَّالُ وَسَاءَهُ مَا قَدْ رَأَى ... وَهَمَمْتُ أَنْ أُغْفِي وَقَدْ أَبْكَانِي [3] لَا تَكْحَلِنَّ الْعَيْنَ بَعْدِي إثْمِدًا ... سَلْمَى وَلَا تَدِيَنَّ لِلْإِتْيَانِ [4] وَلَقَدْ عَلِمْتَ أَبَا كُبَيْشَةَ أَنَّنِي ... وَسْطَ الْأَعِزَّةِ لَا يُحَصْ لِسَانِي [5] فَلَئِنْ هَلَكْتُ لَتَفْقِدُنَّ أَخَاكُمْ ... وَلَئِنْ بَقِيتُ لَتَعْرِفُنَّ مَكَانِي وَلَقَدْ جَمَعْتُ أَجَلَّ مَا جَمَعَ الْفَتَى ... مِنْ جَوْدَةٍ وَشَجَاعَةٍ وَبَيَانِ فَلَمَّا أَجَمَعَتْ الرُّومُ لِصَلْبِهِ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ، يُقَالُ لَهُ عَفْرَاءُ [6] بِفِلَسْطِينَ، قَالَ:

_ [1] تنثعب منخراه: تسيل. [2] الموهن: بعد سَاعَة من اللَّيْل. والقروان: جمع قرو (بِالْكَسْرِ) وَهُوَ حويض من خشب تسقى فِيهِ الدَّوَابّ، وتلغ فِيهِ الْكلاب. [3] أغفى: نَام نوما خَفِيفا. [4] الإثمد: ضرب من الْكحل. [5] لَا يحص: لَا يقطع. [6] فِي شرح الْمَوَاهِب للزرقانى: «عفراء» بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْفَاء وَألف بعْدهَا همزَة، فَيكون ممدودا وقصره فِي الشّعْر ضَرُورَة. وَفِي الْأُصُول: «عفرا» بِالْقصرِ.

(مقتله) :

أَلَا هَلْ أَتَى سَلْمَى بِأَنَّ حَلِيلَهَا ... عَلَى مَاءِ عَفْرَا فَوْقَ إحْدَى الرَّوَاحِلِ [1] عَلَى نَاقَةٍ لَمْ يَضْرِبْ الْفَحْلُ أُمَّهَا ... مُشَّذَّبَةٌ أَطْرَافُهَا بِالْمَنَاجِلِ [2] (مَقْتَلُهُ) : فَزَعَمَ الزُّهْرِيُّ بن شِهَابٍ، أَنَّهُمْ لَمَّا قَدَّمُوهُ لِيَقْتُلُوهُ. قَالَ: بَلِّغْ سَرَاةَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّنِي ... سَلْمٌ لِرَبِّي أَعْظُمِي وَمَقَامِي ثُمَّ ضَرَبُوا عُنُقَهُ، وَصَلَبُوهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ، يَرْحَمُهُ اللَّهُ تَعَالَى. إسْلَامُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ عَلَى يَدَيْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لَمَّا سَارَ إلَيْهِمْ (دَعْوَة خَالِد النَّاس إِلَى الْإِسْلَامِ وَإِسْلَامُهُمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ أَوْ جُمَادَى الْأُولَى، سَنَةَ عَشْرٍ، إلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ بِنَجْرَانَ [3] وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ ثَلَاثًا، فَإِنْ اسْتَجَابُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَقَاتِلِهِمْ. فَخَرَجَ خَالِدٌ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَبَعَثَ الرُّكْبَانُ يَضْرِبُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَيَدْعُونَ إلَى الْإِسْلَامِ، وَيَقُولُونَ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَسْلِمُوا تُسْلَمُوا. فَأَسْلَمَ النَّاسُ، وَدَخَلُوا فِيمَا دُعُوا إلَيْهِ، فَأَقَامَ فِيهِمْ خَالِدٌ يُعَلِّمُهُمْ الْإِسْلَامَ وَكِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِذَلِكَ كَانَ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ هُمْ أَسْلَمُوا وَلَمْ يُقَاتِلُوا. (كِتَابُ خَالِدٍ إلَى الرَّسُولِ يَسْأَلُهُ رَأْيَهُ فِي الْبَقَاءِ أَوْ الْمَجِيءِ) : ثُمَّ كَتَبَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي

_ [1] الْخَلِيل: الزَّوْج. والرواحل فِي الأَصْل: الْإِبِل. وَيُرِيد بِإِحْدَى الرَّوَاحِل: الْخَشَبَة الَّتِي صلبوه عَلَيْهَا. وَسَيَعُودُ إِلَى ذكر هَذَا الْبَيْت الْآتِي. [2] المشذبة: الَّتِي أزيلت أَغْصَانهَا. [3] نَجْرَان: بلد بَين الْيمن وهجر.

(كتاب الرسول إلى خالد يأمره بالمجيء) :

لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّكَ بَعَثْتنِي إلَى بَنِي الْحَارِثِ ابْن كَعْبٍ، وَأَمَرْتنِي إذَا أَتَيْتهمْ أَلَّا أُقَاتِلَهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَأَنْ أَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَسْلَمُوا أَقَمْتُ فِيهِمْ [1] ، وَقَبِلْتُ مِنْهُمْ، وَعَلَّمْتهمْ مَعَالِمَ الْإِسْلَامِ وَكِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا قَاتَلْتهمْ. وَإِنِّي قَدِمْتُ عَلَيْهِمْ فَدَعَوْتهمْ إلَى الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَعَثْتُ فِيهِمْ رُكْبَانًا، قَالُوا: يَا بَنِي الْحَارِثِ، أَسَلِمُوا تُسْلَمُوا، فَأَسْلَمُوا وَلَمْ يُقَاتِلُوا، وَأَنَا مُقِيمٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، آمُرُهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ بِهِ وَأَنْهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ اللَّهُ عَنْهُ، وَأُعَلِّمُهُمْ مَعَالِمَ الْإِسْلَامِ وَسُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَكْتُبَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. (كِتَابُ الرَّسُولِ إلَى خَالِدٍ يَأْمُرُهُ بِالْمَجِيءِ) : فَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ. سَلَامٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ كِتَابَكَ جَاءَنِي مَعَ رَسُولِكَ تُخْبِرُ أَنَّ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ قَدْ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ تُقَاتِلَهُمْ، وَأَجَابُوا إلَى مَا دَعَوْتهمْ إلَيْهِ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَشَهِدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ قَدْ هَدَاهُمْ اللَّهُ بِهُدَاهُ، فَبَشِّرْهُمْ وَأَنْذِرْهُمْ، وَأَقْبِلْ وَلْيُقْبِلْ مَعَكَ وَفْدُهُمْ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. (قُدُومُ خَالِدٍ مَعَ وَفْدِهِمْ عَلَى الرَّسُولِ) : فَأَقْبَلَ خَالِدٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْبَلَ مَعَهُ وَفْدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، مِنْهُمْ قَيْسُ بْنُ الْحُصَيْنِ ذِي الْغُصَّةِ [2] ، وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَدَانِ، وَيَزِيدُ بْنُ الْمُحَجَّلِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ قُرَادٍ الزِّيَادِيُّ، وَشَدَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَنَانِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الضَّبَابِيُّ [3] .

_ [1] هَذِه الْعبارَة: «أَقمت فيهم» سَاقِطَة فِي: أ. [2] سمى ذَا الغصة، لِأَنَّهُ كَانَ إِذا تكلم أَصَابَهُ كالغصص. [3] ضباب (بِكَسْر الضَّاد) فِي بنى الْحَارِث بن كَعْب، وَفِي قُرَيْش، وَفِي بنى عَامر بن صعصعة. و (بِالْفَتْح) فِي نسب النَّابِغَة الذبيانيّ. و (بِالضَّمِّ) فِي بنى بكر (انْظُر السهيليّ) . 38- سيرة ابْن هِشَام- 2

(حديث وفدهم مع الرسول) :

(حَدِيثُ وَفْدِهِمْ مَعَ الرَّسُولِ) : فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآهُمْ، قَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الَّذِينَ كَأَنَّهُمْ رِجَالُ الْهِنْدِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَؤُلَاءِ رِجَالُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، فَلَمَّا وَقَفُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتُمْ الَّذِينَ إذَا زُجِرُوا اُسْتُقْدِمُوا، فَسَكَتُوا، فَلَمْ يُرَاجِعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ أَعَادَهَا الثَّانِيَةَ، فَلَمْ يُرَاجِعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ أَعَادَهَا الثَّالِثَةَ، فَلَمْ يُرَاجِعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ أَعَادَهَا الرَّابِعَةَ، فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَدَانِ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ الَّذِينَ إذَا زُجِرُوا اُسْتُقْدِمُوا، قَالَهَا أَرْبَعَ مِرَارٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أَنَّ خَالِدًا لَمْ يَكْتُبْ إلَيَّ أَنَّكُمْ أَسْلَمْتُمْ وَلَمْ تُقَاتِلُوا، لَأَلْقَيْتُ رُءُوسَكُمْ تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ، فَقَالَ يَزِيدُ ابْن عَبْدِ الْمَدَانِ: أَمَا وَاَللَّهِ مَا حَمِدْنَاكَ وَلَا حَمِدْنَا خَالِدًا، قَالَ: فَمَنْ حَمِدْتُمْ؟ قَالُوا: حَمِدْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي هَدَانَا بِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: صَدَقْتُمْ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِمَ كُنْتُمْ تَغْلِبُونَ مَنْ قَاتَلَكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالُوا: لَمْ نَكُنْ نَغْلِبُ أَحَدًا، قَالَ: بَلَى، قَدْ كُنْتُمْ تَغْلِبُونَ مَنْ قَاتَلَكُمْ، قَالُوا: كُنَّا نَغْلِبُ مَنْ قَاتَلَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا نَجْتَمِعُ وَلَا نَفْتَرِقُ، وَلَا نَبْدَأُ أَحَدًا بِظُلْمِ، قَالَ: صَدَقْتُمْ. وَأَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ قَيْسَ بْنَ الْحُصَيْنِ. فَرَجَعَ وَفْدُ بَنِي الْحَارِثِ إلَى قَوْمِهِمْ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ، أَوْ فِي صَدْرِ ذِي الْقَعَدَةِ، فَلَمْ يَمْكُثُوا بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا إلَى قَوْمِهِمْ إلَّا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَحِمَ وَبَارَكَ، وَرَضِيَ وَأَنْعَمَ. (بَعْثُ الرَّسُولِ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ بِعَهْدِهِ إِلَيْهِمْ) : وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ وَلَّى وَفْدُهُمْ عَمْرَو ابْن حَزْمٍ، لِيُفَقِّهَهُمْ فِي الدِّينِ، وَيُعَلِّمَهُمْ السُّنَّةَ وَمَعَالِمَ الْإِسْلَامِ، وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ صَدَقَاتِهِمْ وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا عَهِدَ إلَيْهِ فِيهِ عَهْدَهُ، وَأَمَرَهُ فِيهِ بِأَمْرِهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

هَذَا بَيَانٌ مِنْ الله وَرَسُوله، يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، عَهْدٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ، أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي أَمْرِهِ كُلِّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَاَلَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْحَقِّ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، وَأَنْ يُبَشِّرَ النَّاسَ بِالْخَيْرِ، وَيَأْمُرَهُمْ بِهِ، وَيُعَلِّمَ النَّاسَ الْقُرْآنَ، وَيُفَقِّهَهُمْ فِيهِ، وَيَنْهَى النَّاسَ، فَلَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إنْسَانٌ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ، وَيُخْبِرَ النَّاسَ بِاَلَّذِي لَهُمْ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِمْ، وَيَلِينَ لِلنَّاسِ فِي الْحَقِّ، وَيَشْتَدَّ عَلَيْهِمْ فِي الظُّلْمِ، فَإِنَّ اللَّهَ كَرِهَ الظُّلْمَ، وَنَهَى عَنْهُ، فَقَالَ: «أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ 11: 18» ، وَيُبَشِّرَ النَّاسَ بِالْجَنَّةِ وَبِعَمَلِهَا، وَيُنْذِرَ النَّاسَ النَّارَ وَعَمَلَهَا، وَيَسْتَأْلِفَ النَّاسَ حَتَّى يُفَقَّهُوا فِي الدِّينِ، وَيُعَلِّمَ النَّاسَ مَعَالِمَ الْحَجِّ وَسُنَّتَهُ وَفَرِيضَتَهُ، وَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَالْحَجَّ الْأَكْبَرَ: الْحَجَّ الْأَكْبَرَ، وَالْحَجَّ الْأَصْغَرَ: هُوَ الْعُمْرَةُ، وَيَنْهَى النَّاسَ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدٌ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ صَغِيرٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ثَوْبًا يُثْنِي طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِيهِ، وَيَنْهَى النَّاسَ أَنْ يَحْتَبِيَ أَحَدٌ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يُفْضِي بِفَرْجِهِ إلَى السَّمَاءِ، وَيَنْهَى أَنْ يُعَقِّصَ أَحَدٌ شَعَرَ رَأْسِهِ فِي قَفَاهُ، وَيَنْهَى إذَا كَانَ بَيْنَ النَّاسِ هَيْجٌ عَنْ الدُّعَاءِ إلَى الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ، وَلْيَكُنْ دَعَوَاهُمْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَمَنْ لَمْ يَدْعُ إلَى اللَّهِ، وَدَعَا إلَى الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ فَلْيُقْطَفُوا بِالسَّيْفِ، حَتَّى تَكُونَ دَعْوَاهُمْ إلَى اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَيَأْمُرُ النَّاسَ بِإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ وُجُوهَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَأَرْجُلَهُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَيَمْسَحُونَ بِرُءُوسِهِمْ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ، وَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا، وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ [1] وَالْخُشُوعِ، وَيُغَلِّسُ بِالصُّبْحِ، وَيُهَجِّرُ بِالْهَاجِرَةِ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ، وَصَلَاةُ الْعَصْرِ وَالشَّمْسُ فِي الْأَرْضِ مُدْبِرَةٌ، وَالْمَغْرِبُ حِينَ يَقْبَلُ اللَّيْلُ، لَا يُؤَخَّرُ حَتَّى تَبْدُوَ النُّجُومُ فِي السَّمَاءِ، وَالْعِشَاءُ أَوَّلُ اللَّيْلِ، وَأَمَرَ بِالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ إذَا نُودِيَ لَهَا، وَالْغُسْلِ عِنْدَ الرَّوَاحِ إلَيْهَا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللَّهِ، وَمَا كُتِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَةِ مِنْ الْعَقَارِ عُشْرَ مَا سَقَتْ الْعَيْنُ وَسَقَتْ السَّمَاءُ، وَعَلَى مَا سَقَى الْغَرْبُ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَفِي كُلِّ عَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاتَانِ، وَفِي كُلِّ عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْبَقَرِ بَقَرَةٌ، وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ،

_ [1] هَذِه الْكَلِمَة «السُّجُود» سَاقِطَة فِي أ.

قدوم رفاعة بن زيد الجذامي

جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ سَائِمَةٌ وَحْدَهَا، شَاةٌ، فَإِنَّهَا فَرِيضَةُ اللَّهِ الَّتِي افْتَرَضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَةِ، فَمَنْ زَادَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَأَنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ إسْلَامًا خَالِصًا مِنْ نَفْسِهِ، وَدَانَ بِدِينِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، لَهُ مِثْلُ مَا لَهُمْ، وَعَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَيْهِمْ، وَمَنْ كَانَ عَلَى نَصْرَانِيَّتِهِ أَوْ يَهُودِيَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ عَنْهَا، وَعَلَى كُلِّ حَالِمٍ: ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، دِينَارٌ وَافٍ أَوْ عِوَضُهُ ثِيَابًا. فَمَنْ أَدَّى ذَلِكَ، فَإِنَّ لَهُ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ، وَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ عَدُوٌّ للَّه وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. قُدُومُ رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ الْجُذَامِيِّ (إِسْلَامُهُ وَحَمْلُهُ كِتَابَ الرَّسُولِ إِلَى قَوْمِهِ) : وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، قَبْلَ خَيْبَرَ، رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْجُذَامِيُّ ثُمَّ الضُّبَيْبِيُّ، فَأَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا، وَأَسْلَمَ، فَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَكَتَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا إلَى قَوْمِهِ. وَفِي كِتَابِهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لِرِفَاعَةِ بْنِ زَيْدٍ. إِنِّي بَعَثْتُهُ إلَى قَوْمِهِ عَامَّةً، وَمَنْ دَخَلَ فِيهِمْ، يَدْعُوهُمْ إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، فَمَنْ أَقْبَلَ مِنْهُمْ فَفِي حِزْبِ اللَّهِ وَحِزْبِ رَسُولِهِ، وَمَنْ أَدْبَرَ فَلَهُ أَمَانُ شَهْرَيْنِ. فَلَمَّا قَدِمَ رِفَاعَةُ عَلَى قَوْمِهِ أَجَابُوا وَأَسْلَمُوا، ثُمَّ سَارُوا إلَى الْحَرَّةِ: حَرَّةِ الرَّجْلَاءِ، وَنَزَلُوهَا. قُدُومُ وَفْدِ هَمْدَانَ (أَسْمَاؤُهُمْ وَكَلِمَةُ ابْنِ نَمَطٍ بَيْنَ يَدِيِ الرَّسُولِ ) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدِمَ وَفْدُ هَمْدَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا

حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُذَيْنَةَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي [1] إسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ هَمْدَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهُمْ مَالِكُ ابْن نَمَطٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَهُوَ ذُو الْمِشْعَارِ، وَمَالِكُ بْنُ أَيْفَعَ وَضِمَامُ بْنُ مَالِكٍ السَّلْمَانِيُّ وَعَمِيرَةُ بْنُ مَالِكٍ الْخَارِفِيَّ، فَلُقُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْجِعَهُ مِنْ تَبُوكَ وَعَلَيْهِمْ مُقَطَّعَاتُ الْحِبَرَاتِ [2] ، وَالْعَمَائِمُ الْعَدَنِيَّةُ، بِرِحَالِ الْمَيْسِ [3] عَلَى الْمَهْرِيَّةِ [4] وَالْأَرْحَبِيَّةِ [5] وَمَالِكِ بْنِ نَمَطٍ وَرَجُلٍ آخَرَ يَرْتَجِزَانِ بِالْقَوْمِ، يَقُولُ أَحَدُهُمَا: هَمْدَانُ خَيْرٌ سُوقَةً وَأَقْيَالْ ... لَيْسَ لَهَا فِي الْعَالَمِينَ أَمْثَالْ [6] مَحَلُّهَا الْهَضْبُ وَمِنْهَا الْأَبْطَالْ ... لَهَا إطَابَاتٌ بِهَا وَآكَالْ [7] وَيَقُولُ الْآخَرُ: إلَيْكَ جَاوَزْنَ سَوَادَ الرِّيفِ ... فِي هَبَوَاتِ الصَّيْفِ وَالْخَرِيفِ [8] مُخَطَّمَاتٍ بِحِبَالِ اللِّيفِ [9] فَقَامَ مَالِكُ بْنُ نَمَطٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَصَّيةٌ [10] مِنْ هَمْدَانَ، مِنْ كُلِّ حَاضِرٍ وَبَادٍ، أَتَوْكَ عَلَى قُلُصٍ نَوَاجٍ [11] ، مُتَّصِلَةٌ بِحَبَائِلِ الْإِسْلَامِ،

_ [1] فِي أ: «ابْن إِسْحَاق السبيعِي» . وَهُوَ تَحْرِيف. [2] مقطعات: ثِيَاب مخيطة. والحبرات: برود يمنية. [3] الميس: خشب تصنع مِنْهُ الرّحال الَّتِي تكون على ظُهُور الْإِبِل. [4] المهرية: الْإِبِل النجيبة، تنْسب إِلَى مهرَة، قَبيلَة بِالْيمن. [5] الأرحبية: إبل تنْسب إِلَى أرحب. وهم قَبيلَة من هَمدَان، أَو فَحل، أَو مَكَان تنْسب إِلَيْهِ النجائب. [6] السوقة: من دون الْمُلُوك من النَّاس. والأقيال. الْمُلُوك دون الْملك الْأَكْبَر، وأحدهم: قيل. [7] الهضب: مَا ارْتَفع من الأَرْض، الْوَاحِدَة: هضبة. يصف علو منزلتها. والإطابات: الْأَمْوَال الطّيبَة. والآكال: مَا يَأْخُذهُ الْملك من رَعيته وَظِيفَة لَهُ عَلَيْهِم. [8] السوَاد (هُنَا) : الْقرى الْكَثِيرَة الشّجر وَالنَّخْل. والريف: الأَرْض الَّتِي تقرب من الْأَنْهَار والمياه الغزيرة. والهبوات: جمع هبوة، وَهِي الغبرة. [9] مخطمات: جعل لَهَا خطم، وَهِي الحبال الَّتِي تشد فِي رُءُوس الْإِبِل على آنافها. [10] النصية: خِيَار الْقَوْم. [11] القلص (ككتب) : الْإِبِل الْفتية، الْوَاحِد: قلُوص (كرسول) . ونواج: مسرعة.

(كتاب الرسول بالنهى) :

لَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، مِنْ مِخْلَافِ [1] خَارِفٍ وَيَامٍ وَشَاكِرٍ [2] أَهْلُ السُّودِ وَالْقَوَدِ [3] ، أَجَابُوا دَعْوَةَ الرَّسُولِ، وَفَارَقُوا الْإِلَهَاتِ [4] الْأَنْصَابَ [5] ، عَهْدُهُمْ لَا يُنْقَضُ مَا أَقَامَتْ لَعْلَعٌ [6] ، وَمَا جَرَى الْيَعْفُورُ [7] بِصَلَعٍ [8] . (كِتَابُ الرَّسُولِ بِالنَّهْيِ) : فَكَتَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ، لِمِخْلَافِ خَارِفٍ وَأَهْلِ جَنَابِ الْهَضْبِ وَحِقَافِ [9] الرَّمْلِ، مَعَ وَافِدِهَا ذِي الْمِشْعَارِ مَالِكِ بْنِ نَمَطٍ، وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ، عَلَى أَنَّ لَهُمْ فِرَاعَهَا [10] وَوِهَاطَهَا [11] ، مَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ، يَأْكُلُونَ عِلَافَهَا [12] وَيَرْعُونَ عَافِيَهَا [13] ، لَهُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللَّهِ وَذِمَامُ رَسُولِهِ، وَشَاهِدُهُمْ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ. فَقَالَ فِي ذَلِكَ مَالِكُ بْنُ نَمَطٍ: ذَكَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ فِي فَحْمَةِ الدُّجَى ... وَنَحْنُ بِأَعْلَى رَحْرَحَانَ وَصَلْدَدِ [14] وَهُنَّ بِنَا خُوصٌ طَلَائِحُ تَغْتَلِي ... بِرُكْبَانِهَا فِي لَاحِبٍ مُتَمَدَّدِ [15]

_ [1] المخلاف: الْمَدِينَة، بلغَة الْيمن. [2] خارف، ويام، وشاكر: قبائل من الْيمن. [3] السود: الْإِبِل. والقود: الْخَيل. [4] الإلهات: جمع إلهة. [5] الأنصاب: حِجَارَة كَانُوا يذبحون لَهَا. وَفِي أ: «الإلهات والأنصاب» . [6] لعلع: جبل. [7] اليعفور: ولد الظبية. [8] كَذَا فِي م، ر. وصلع: اسْم مَوضِع. وَفِي ط أ: «بضلع» أَي بِقُوَّة. [9] الحقاف: جمع حقف، وَهُوَ الرمل المستدير. [10] الفراع: أعالى الأَرْض. [11] الوهاط: المنخفض من الأَرْض. [12] العلاف: ثَمَر الطلح. [13] عافيها: نباتها الْكثير، يُقَال: عَفا النبت وَغَيره: إِذا كثر. [14] الفحمة: السوَاد. والدجى: جمع دجية، وَهِي الظلمَة. ورحرحان وصلدد: موضعان. [15] الخوص: الغائرة الْعُيُون، الْوَاحِدَة: خوصاء. وطلائح: معيية. وتغتلى (بالغين الْمُعْجَمَة) تشتد فِي سَيرهَا. واللاحب: الطَّرِيق الْبَين.

ذكر الكذابين مسيلمة الحنفي والأسود العنسي

عَلَى كُلِّ فَتْلَاءِ الذِّرَاعَيْنِ جَسْرَةٍ ... تَمُرُّ بِنَا مرّ الهجفّ الخفيدد [1] حَلَفْتُ بِرَبِّ الرَّاقِصَاتِ إلَى مِنًى ... صَوَادِرَ بِالرُّكْبَانِ مِنْ هَضْبِ قَرْدَدِ [2] بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ فِينَا مُصَدَّقُ ... رَسُولٌ أَتَى مِنْ عِنْدِ ذِي الْعَرْشِ مُهْتَدِي فَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا ... أَشَدَّ عَلَى أَعْدَائِهِ مِنْ مُحَمَّدِ وَأَعْطَى إذَا مَا طَالِبُ الْعُرْفِ جَاءَهُ ... وَأَمْضَى بِحَدِّ الْمَشْرَفِيِّ الْمُهَنَّدِ ذِكْرُ الْكَذَّابَينَ مُسَيْلِمَةَ الْحَنَفِيِّ وَالْأسود العنسيّ نقال ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ تَكَلَّمَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَذَّابَانِ مُسَيْلِمَةُ بْنُ حَبِيبٍ بِالْيَمَامَةِ فِي بَنِي حَنِيفَةَ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ كَعْبٍ الْعَنْسِيَّ بِصَنْعَاءَ. (رُؤْيَا الرَّسُولِ فِيهِمَا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَوْ أَخِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى مِنْبَرِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنِّي قَدْ رَأَيْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ أُنْسِيتهَا، وَرَأَيْتُ فِي ذِرَاعَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَرِهْتهمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتهمَا هَذَيْنِ الْكَذَّابَيْنِ: صَاحِبِ الْيَمَنِ، وَصَاحِبِ الْيَمَامَةِ. (حَدِيثُ الرَّسُولِ عَنْ الدَّجَّالِينَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ دَجَّالًا، كُلُّهُمْ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ.

_ [1] الجسرة: النَّاقة القوية على السّير. والهجف: الذّكر الضخم من النعام. والخفيدد، بِمَعْنى الهجف. [2] الراقصات: الْإِبِل. والرقص والرقصان: ضرب من السّير فِيهِ حَرَكَة. وصوادر: رواجع. والقردد: مَا ارْتَفع من الأَرْض.

خروج الأمراء والعمال على الصدقات

خُرُوجُ الْأُمَرَاءِ وَالْعُمَّالِ عَلَى الصَّدَقَاتِ (الْأُمَرَاءُ وَأَسْمَاءُ الْعُمَّالِ وَمَا تَوَلَّوْهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَعَثَ أُمَرَاءَهُ وَعُمَّالَهُ عَلَى الصَّدَقَاتِ، إلَى كُلِّ مَا أَوْطَأَ الْإِسْلَامُ مِنْ الْبُلْدَانِ، فَبَعَثَ الْمُهَاجِرَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ ابْن الْمُغِيرَةِ إلَى صَنْعَاءَ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ الْعَنْسِيَّ وَهُوَ بِهَا، وَبَعَثَ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ، أَخَا بَنِي بَيَاضَةَ الْأَنْصَارِيَّ، إلَى حَضْرَمَوْتَ وَعَلَى صَدَقَاتِهَا، وَبَعَثَ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ عَلَى طيِّئ وَصَدَقَاتِهَا، وَعَلَى بَنِي أَسَدٍ، وَبَعَثَ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْيَرْبُوعِيُّ- عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي حَنْظَلَةَ، وَفَرَّقَ صَدَقَةَ بَنِي سَعْدٍ عَلَى رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ، فَبَعَثَ الزِّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ عَلَى نَاحِيَةٍ مِنْهَا، وَقَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ عَلَى نَاحِيَةٍ، وَكَانَ قَدْ بَعَثَ الْعَلَاءَ ابْن الْحَضْرَمِيِّ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، وَبَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ إلَى أَهْلِ نَجْرَانَ، لِيَجْمَعَ صَدَقَتَهُمْ وَيَقْدَمَ عَلَيْهِ بِجِزْيَتِهِمْ. كِتَابُ مُسَيْلِمَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ وَقَدْ كَانَ مُسَيْلِمَةُ بْنُ حَبِيبٍ، قَدْ كَتَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللَّهِ، إلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ: سَلَامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَدْ أُشْرِكْتُ فِي الْأَمْرِ مَعَكَ، وَإِنَّ لَنَا نِصْفَ الْأَرْضِ، وَلِقُرَيْشٍ نِصْفَ الْأَرْضِ، وَلَكِنَّ قُرَيْشًا قَوْمٌ يَعْتَدُونَ. فَقَدِمَ عَلَيْهِ رَسُولَانِ لَهُ بِهَذَا الْكِتَابِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَشْجَعَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ نُعَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُمَا حِينَ قَرَأَ كِتَابَهُ: فَمَا تَقُولَانِ أَنْتُمَا؟ قَالَا: نَقُولُ كَمَا قَالَ، فَقَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْلَا أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَكُمَا. ثُمَّ كَتَبَ إلَى مُسَيْلِمَةَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إلَى مُسَيْلِمَةَ

حجة الوداع

الْكَذَّابِ: السَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْأَرْضَ للَّه يُورَثُهَا مَنْ يُشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. وَذَلِكَ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ. حَجَّةُ الْوَدَاعِ (تَجَهُّزُ الرَّسُولُ وَاسْتِعْمَالِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا دُجَانَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُو الْقَعَدَةِ، تَجَهَّزَ لِلْحَجِّ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالْجَهَازِ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْحَجِّ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعَدَةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا دُجَانَةَ السَّاعِدِيَّ، وَيُقَالُ: سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيَّ. (مَا أَمَرَ بِهِ الرَّسُولُ عَائِشَةَ فِي حَيْضِهَا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَا يَذْكُرُ وَلَا يَذْكُرُ النَّاسُ إلَّا الْحَجَّ [1] ، حَتَّى إذَا كَانَ بِسَرِفٍ وَقَدْ سَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ الْهَدْيَ وَأَشْرَافٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُحِلُّوا بِعُمْرَةِ، إلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، قَالَتْ: وَحِضْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَدَخَلَ عَلَيَّ وَأَنَا أبكى، فَقَالَ: مَالك يَا عَائِشَةُ؟ لَعَلَّكَ نُفِسْتُ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: نَعَمْ، وَاَللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَخْرُجْ مَعَكُمْ عَامِي فِي هَذَا السَّفَرِ، فَقَالَ: لَا تَقُولِنَّ ذَلِكَ، فَإِنَّكَ تَقْضِينَ كُلَّ مَا يَقْضِي الْحَاجُّ إلَّا أَنَّكَ لَا تَطُوفِينَ بِالْبَيْتِ. قَالَتْ: وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، فَحَلَّ كُلُّ مَنْ كَانَ لَا هَدْيَ مَعَهُ، وَحَلَّ نِسَاؤُهُ بِعُمْرَةٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ كَثِيرٍ، فَطُرِحَ فِي بَيْتِي، فَقُلْتُ:

_ [1] هَذَا الْكَلَام مَوْصُول بقولِهَا السَّابِق: «خرج رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحَج لخمس لَيَال بَقينَ من ذِي الْقعدَة» .

موافاة على في قفوله من اليمن رسول الله في الحج

مَا هَذَا؟ قَالُوا: ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ، حَتَّى إذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ، بَعَثَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَأَعْمَرَنِي مِنْ التَّنْعِيمِ، مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي فَاتَتْنِي. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَن حَفْصَة بنت عُمَرَ، قَالَتْ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ أَنْ يُحْلِلْنَ بِعُمْرَةٍ، قُلْنَ: فَمَا يَمْنَعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تُحِلَّ مَعَنَا؟ فَقَالَ: إنِّي أَهْدَيْتُ وَلَبَّدْتُ [1] ، فَلَا أُحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ هَدْيِي. مُوَافَاةُ عَلِيٍّ فِي قُفُولِهِ مِنْ الْيَمَنِ رَسُولَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ (مَا أَمَرَ بِهِ الرَّسُولُ عَلِيًّا مِنْ أُمُورِ الْحَجِّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَعَثَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى نَجْرَانَ، فَلَقِيَهُ بِمَكَّةَ وَقَدْ أَحْرَمَ، فَدَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِضَى عَنْهَا، فَوَجَدَهَا قَدْ حَلَّتْ وتهيّأت، فَقَالَ: مَالك يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَحِلَّ بِعُمْرَةِ فَحَلَلْنَا. ثُمَّ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْخَبَرِ عَنْ سَفَرِهِ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْطَلِقْ فَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَحِلِّ كَمَا حَلَّ بِأَصْحَابِكَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَهْلَلْتُ كَمَا أَهْلَلْتَ، فَقَالَ: ارْجِعْ فَاحْلِلْ كَمَا حَلَّ أَصْحَابُكَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي قُلْتُ حِينَ أَحْرَمْتُ: اللَّهمّ إنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ نَبِيُّكَ وَعَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَهَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ؟ قَالَ: لَا. فَأَشْرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَدْيِهِ، وَثَبَتَ عَلَى إحْرَامِهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى فَرَغَا مِنْ الْحَجِّ، وَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدْيَ عَنْهُمَا.

_ [1] لبدت: أَي وضعت فِي شعرى شَيْئا من صمغ عِنْد الْإِحْرَام لِئَلَّا يشعث ويقمل، وَإِنَّمَا يلبد من يطول مكثه فِي الْإِحْرَام. (عَن النِّهَايَة لِابْنِ الْأَثِير) .

(شكا عليا جنده إلى الرسول لانتزاعه عنهم حللا من بز اليمن) :

(شَكَا عَلِيًّا جَنَدُهُ إلَى الرَّسُولِ لِانْتِزَاعِهِ عَنْهُمْ حُلَلًا مِنْ بَزِّ الْيَمَنِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ، قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ الْيَمَنِ لِيَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، تَعَجَّلَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى جُنْدِهِ الَّذِينَ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَعَمِدَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَكَسَا كُلَّ رَجُلٍ مِنْ الْقَوْمِ حُلَّةً مِنْ الْبَزِّ الَّذِي كَانَ مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فَلَمَّا دَنَا جَيْشُهُ خَرَجَ لِيَلْقَاهُمْ، فَإِذَا عَلَيْهِمْ الْحُلَلُ، قَالَ: وَيْلَكَ! مَا هَذَا؟ قَالَ: كَسَوْتُ الْقَوْمَ لِيَتَجَمَّلُوا بِهِ إذَا قَدِمُوا فِي النَّاسِ، قَالَ: وَيْلكَ! انْزِعْ قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَانْتَزَعَ الْحُلَلَ مِنْ النَّاسِ، فَرَدَّهَا فِي الْبَزِّ، قَالَ: وَأَظْهَرَ الْجَيْشَ شَكْوَاهُ لِمَا صُنِعَ بِهِمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ ابْن مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبٍ، وَكَانَتْ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: اشْتَكَى النَّاسُ عَلِيًّا رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا خَطِيبًا، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَشكوا عليّا، فو الله إنَّهُ لَأَخْشَنُ فِي ذَاتِ اللَّهِ، أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مِنْ أَنْ يُشْكَى. (خُطْبَةُ الرَّسُولِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَجِّهِ، فَأَرَى النَّاسَ مَنَاسِكَهُمْ، وَأَعْلَمَهُمْ سُنَنَ حَجِّهِمْ، وَخَطَبَ النَّاسَ خُطْبَتَهُ الَّتِي بَيَّنَ فِيهَا مَا بَيَّنَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا قَوْلِي، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا بِهَذَا الْمَوْقِفِ أَبَدًا، أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ إلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، وَكَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا، وَإِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، وَقَدْ بَلَّغْتُ، فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلِيُؤَدِّهَا إلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا، وَإِنَّ كُلَّ رِبًا مَوْضُوعٌ، وَلَكِنْ لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ، لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ. قَضَى اللَّهُ أَنَّهُ لَا رِبَا، وَإِنَّ رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، وَأَنَّ كُلَّ دَمٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دِمَائِكُمْ أَضَعُ دَمُ

ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي لَيْثٍ، فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ فَهُوَ أَوَّلُ مَا أَبْدَأُ بِهِ مِنْ دِمَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ. أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ أَبَدًا، وَلَكِنَّهُ إنْ يُطَعْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَقَدْ رَضِيَ بِهِ مِمَّا تَحْقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَاحْذَرُوهُ عَلَى دِينِكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ: إنَّ النَّسِيءَ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ، يُضَلُّ بَهْ الَّذِينَ كَفَرُوا، يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَاما، لِيُواطِؤُا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ، 9: 37 وَيُحَرِّمُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَإِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَإِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَةٌ، وَرَجَبُ مُضَرَ [1] ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ. أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ حَقًّا، لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، وَعَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يَأْتِينَ بِفَاحِشَةِ مُبَيَّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَتَضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرَّحٍ [2] ، فَإِنْ انْتَهَيْنَ فَلَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكُسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ [3] لَا يَمْلِكْنَ لِأَنْفُسِهِنَّ شَيْئًا، وَإِنَّكُمْ إنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ الله، واستحللتم فزوجهنّ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ، فَاعْقِلُوا أَيُّهَا النَّاسُ قَوْلِي، فَإِنِّي قَدْ بَلَّغْتُ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا، أَمْرًا بَيِّنًا، كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ. أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا قَوْلِي وَاعْقِلُوهُ، تَعَلَّمُنَّ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ أَخٌ لِلْمُسْلِمِ، وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ إخْوَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئِ مِنْ أَخِيهِ إلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، فَلَا تَظْلِمُنَّ أَنَفْسَكُمْ، اللَّهمّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ فَذُكِرَ لِي أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: اللَّهمّ نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهمّ اشْهَدْ.

_ [1] وَرَجَب مُضر: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن ربيعَة كَانَت تحرم رَمَضَان، وتسميه رجبا، فَبين عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه رَجَب مُضر لَا رَجَب ربيعَة، وَأَنه الّذي بَين جُمَادَى وَشَعْبَان. [2] غير مبرح: غير شَدِيد. [3] عوان: جمع عَاتِيَة، وَهِي الْأَسِيرَة.

(اسم الصارخ بكلام الرسول وما كان يردده) :

(اسْمُ الصَّارِخِ بِكَلَامِ الرَّسُولِ وَمَا كَانَ يُرَدِّدُهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ الَّذِي يَصْرُخُ فِي النَّاسِ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُعْرِفَةٌ، رَبِيعَةُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلْفٍ. قَالَ: يَقُولُ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قل يَا أَيهَا النَّاسُ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: هَلَّا تَدْرُونَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ، فَيَقُولُونَ: الشَّهْرُ الْحَرَامُ، فَيَقُولُ: قُلْ لَهُمْ: إنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ إلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ كَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا، ثُمَّ يَقُول: قل: يَا أَيهَا النَّاسُ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: هَلْ تَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالَ: فَيَصْرُخُ بِهِ، قَالَ: فَيَقُولُونَ الْبَلَدُ الْحَرَامُ، قَالَ: فَيَقُولُ: قُلْ لَهُمْ: إنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ إلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ كَحُرْمَةِ بَلَدِكُمْ هَذَا، قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ: قُلْ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: هَلْ تَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالَ: فَيَقُولُهُ لَهُمْ. فَيَقُولُونَ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، قَالَ: فَيَقُولُ: قُلْ لَهُمْ: إنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ إلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا. (رِوَايَةُ ابْنِ خَارِجَةَ عَمَّا سَمِعَهُ مِنْ الرَّسُولِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ قَالَ: بَعَثَنِي عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، فَبَلَغَتْهُ، ثُمَّ وَقَفْتُ تَحْتَ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ لُغَامَهَا [1] لَيَقَعُ عَلَى رَأْسِي، فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى إلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثِ، وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَمَنْ ادَّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيَهُ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا. (بَعْضُ تَعْلِيمِ الرَّسُولِ فِي الْحَجِّ) قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَقَفَ بِعَرَفَةَ، قَالَ: هَذَا الْمَوْقِفَ، لِلْجَبَلِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ، وَكُلُّ عَرَفَةَ

_ [1] اللغام: الرغوة الَّتِي تخرج على فَم الْبَعِير.

بعث أسامة بن زيد إلى أرض فلسطين

مَوْقِفٌ. وَقَالَ حِينَ وَقَفَ عَلَى قُزَحَ [1] صَبِيحَةَ الْمُزْدَلِفَةِ: هَذَا الْمَوْقِفَ، وَكُلُّ الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ. ثُمَّ لَمَّا نَحَرَ بِالْمَنْحَرِ بِمِنَى قَالَ: هَذَا المنحر، وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ. فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَّ وَقَدْ أَرَاهُمْ مَنَاسِكَهُمْ، وَأَعْلَمَهُمْ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَجِّهِمْ: مِنْ الْمَوْقِفِ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَطَوَافٍ بِالْبَيْتِ، وَمَا أُحِلَّ لَهُمْ مِنْ حَجِّهِمْ، وَمَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ، فَكَانَتْ حِجَّةَ الْبَلَاغِ، وَحَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحُجَّ بَعْدَهَا. بَعْثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّةَ ذِي الْحَجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرَ، وَضَرَبَ عَلَى النَّاسِ بَعْثًا إلَى الشَّامِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ ابْن زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَوْلَاهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُوطِئَ الْخَيْلَ تُخُومَ الْبَلْقَاءِ وَالدَّارُومِ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ، فَتَجَهَّزَ النَّاسُ، وَأَوْعَبَ [2] مَعَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ. خُرُوجُ رَسُولِ اللَّهِ إلَى الْمُلُوكِ (تَذْكِيرُ الرَّسُولِ قَوْمَهُ بِمَا حَدَثَ لِلْحَوَارِيِّينَ حِينَ اخْتَلَفُوا عَلَى عِيسَى) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إلَى الْمُلُوكِ رُسُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَتَبَ مَعَهُمْ إلَيْهِمْ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ ذَاتَ يَوْمٍ بَعْدَ عُمْرَتِهِ الَّتِي صُدَّ عَنْهَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَنِي رَحْمَةً وَكَافَّةً، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيَّ كَمَا اخْتَلَفَ الْحَوَارِيُّونَ عَلَى عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَكَيْفَ اخْتَلَفَ الْحَوَارِيُّونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: دَعَاهُمْ إلَى الَّذِي دَعَوْتُكُمْ إلَيْهِ، فَأَمَّا مِنْ بَعَثَهُ مَبْعَثًا قَرِيبًا فَرَضِيَ

_ [1] قزَح (بِضَم فَفتح) جبل بِالْمُزْدَلِفَةِ. [2] أوعب الْمُهَاجِرُونَ: جمعُوا مَا اسْتَطَاعُوا من جمع.

(أسماء الرسل ومن أرسلوا إليهم) :

وَسَلِمَ، وَأَمَّا مَنْ بَعَثَهُ مَبْعَثًا بَعِيدًا فَكَرِهَ وَجْهُهُ وَتَثَاقَلَ، فَشَكَا ذَلِكَ عِيسَى إلَى اللَّهِ، فَأَصْبَحَ الْمُتَثَاقِلُونَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ الْأُمَّةِ الَّتِي بُعِثَ إلَيْهَا. (أَسَمَاءُ الرُّسُلِ وَمَنْ أُرْسِلُوا إلَيْهِمْ) : فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُسُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَتَبَ مَعَهُمْ كُتُبًا إلَى الْمُلُوكِ يَدْعُوهُمْ فِيهَا إلَى الْإِسْلَامِ. فَبَعَثَ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيَّ إلَى قَيْصَرَ، مَلِكِ الرُّومِ، وَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ إلَى كِسْرَى، مَلِكِ فَارِسَ، وَبَعَثَ عَمْرَو ابْن أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إلَى النَّجَاشِيِّ، مَلِكِ الْحَبَشَةِ، وَبَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى الْمُقَوْقَسِ، مَلِكِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ السَّهْمِيَّ إلَى جَيْفَرٍ وَعَيَّادٍ ابْنَيْ الْجُلُنْدَى الْأَزْدِيَّيْنِ، مَلِكَيْ عُمَانَ، وَبَعَثَ سَلِيطَ بْنَ عَمْرٍو، أَحَدَ بَنِي عَامِرِ ابْن لُؤَيٍّ، إلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ، وَهَوْذَةُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّينَ، مَلِكَيْ الْيَمَامَةِ، وَبَعَثَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيِّ، مَلِكَ الْبَحْرَيْنِ، وَبَعَثَ شُجَاعَ ابْن وَهْبٍ الْأَسْدِيَّ إلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ، مَلِكِ تُخُومِ الشَّامِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَعَثَ شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ إلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ الْغَسَّانِيِّ، وَبَعَثَ الْمُهَاجِرَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ إلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ الْحِمْيَرِيِّ، مَلِكِ الْيَمَنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنَا نَسِيتُ سَلِيطًا وَثُمَامَةَ وَهَوْذَةَ وَالْمُنْذِرَ. (رِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ بَعْثِ الرَّسُولِ رُسُلَهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الْمِصْرِيُّ: أَنَّهُ وَجَدَ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُ مَنْ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْبُلْدَانِ وَمُلُوكِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَمَا قَالَ لِأَصْحَابِهِ حِينَ بَعَثَهُمْ. قَالَ: فَبَعَثْتُ بِهِ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ فَعَرَفَهُ، وَفِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُمْ: إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً وَكَافَّةً، فَأَدَّوْا عَنِّي يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ، وَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيَّ كَمَا اخْتَلَفَ الْحَوَارِيُّونَ عَلَى عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، قَالُوا: وَكَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ؟ قَالَ: دَعَاهُمْ لِمِثْلِ مَا دَعَوْتُكُمْ لَهُ، فَأَمَّا مَنْ قَرَّبَ بِهِ فَأَحَبَّ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا مَنْ بَعُدَ بِهِ فِكْرُهُ وَأَبَى، فَشَكَا ذَلِكَ عِيسَى مِنْهُمْ إلَى اللَّهِ، فَأَصْبَحُوا وَكُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ الْقَوْمِ الَّذِينَ وُجِّهَ إلَيْهِمْ،

(أسماء رسل عيسى) :

(أَسَمَاءُ رُسُلِ عِيسَى) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مَنْ بَعَثَ عِيسَى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ الْحَوَارِيِّينَ وَالْأَتْبَاعِ، الَّذِينَ كَانُوا بَعْدَهُمْ فِي الْأَرْضِ: بُطْرُسُ الْحَوَارِيُّ، وَمَعَهُ بُولُسُ، وَكَانَ بُولُسُ مِنْ الْأَتْبَاعِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَوَارِيِّينَ إلَى رُومِيَّةَ، وَأَنْدَرَائِسُ وَمَنْتَا إلَى الْأَرْضِ الَّتِي يَأْكُلُ أَهْلُهَا النَّاسَ، وَتُومَاسُ إلَى أَرْضِ بَابِلَ، مِنْ أَرْضِ الْمَشْرِقِ، وَفِيلِبسُ إلَى أَرْضِ قَرْطَاجَنَّةَ، وَهِيَ إفْرِيقِيَّةُ، وَيُحَنَّسُ، إلَى أَفْسُوسَ، قَرْيَةُ الْفِتْيَةِ، أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَيَعْقُوبُسُ إلَى أَوْرْاشَلِمَ، وَهِيَ إيلِيَاءُ، قَرْيَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَابْنُ ثَلْمَاءَ [1] إلَى الْأَعْرَابِيَّةِ، وَهِيَ أَرْضُ الْحِجَازِ، وَسِيمُنْ إِلَى أَرْضِ الْبَرْبَرِ، وَيَهُوذَا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَوَارِيِّينَ، جُعِلَ مَكَانَ يُودِسَ [2] . ذِكْرُ جُمْلَةِ الْغَزَوَاتِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيَّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيِّ: وَكَانَ جَمِيعُ مَا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً، مِنْهَا غَزْوَةُ وَدَّانَ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ، ثُمَّ غَزْوَةُ بُوَاطَ، مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى، ثُمَّ غَزْوَةُ الْعَشِيرَةِ، مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى، يَطْلُبُ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى، الَّتِي قَتَلَ اللَّهُ فِيهَا صَنَادِيدَ قُرَيْشٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي سُلَيْمٍ، حَتَّى بَلَغَ الْكُدْرَ، ثُمَّ غَزْوَةُ السَّوِيقِ، يَطْلُبُ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ غَطَفَانَ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أَمِرٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَحْرَانَ، مَعْدِنٌ بِالْحِجَازِ، ثُمَّ غَزْوَةُ أُحُدٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي النَّضِيرِ، ثُمَّ غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ، ثُمَّ غَزْوَةُ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، ثُمَّ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي لِحْيَانَ، مِنْ هُذَيْلٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ ذِي قَرَدٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، ثُمَّ غَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَةِ،

_ [1] فِي م، ر: «ثلمالى» . [2] إِلَى هُنَا انْتهى الْجُزْء التَّاسِع عشر من أَجزَاء السِّيرَة.

ذكر جملة السرايا والبعوث

لَا يُرِيدُ قِتَالًا، فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ، ثُمَّ غَزْوَةُ خَيْبَرَ، ثُمَّ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ، ثُمَّ غَزْوَةُ الْفَتْحِ، ثُمَّ غَزْوَةُ حُنَيْنٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ الطَّائِفِ، ثُمَّ غَزْوَةُ تَبُوكَ. قَاتَلَ مِنْهَا فِي تِسْعِ غَزَوَاتٍ: بَدْرٍ، وَأُحُدٍ، وَالْخَنْدَقِ، وَقُرَيْظَةَ، وَالْمُصْطَلِقِ، وَخَيْبَرَ، وَالْفَتْحِ، وَحُنَيْنٍ، وَالطَّائِفِ. ذِكْرُ جُمْلَةِ السَّرَايَا وَالْبُعُوثِ وَكَانَتْ بُعُوثُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَرَايَاهُ ثَمَانِيًّا وَثَلَاثِينَ، مِنْ بَيْنَ بَعْثٍ وَسَرِيَّةٍ: غَزْوَةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَسْفَلَ مِنْ ثَنِيَّةِ ذِي الْمَرْوَةِ [1] ، ثُمَّ غَزْوَةُ حَمْزَةَ ابْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَاحِلَ الْبَحْرِ، مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ، وَبَعْضُ النَّاسِ يُقَدِّمُ غَزْوَةَ حَمْزَةَ قَبْلَ غَزْوَةِ عُبَيْدَةَ، وَغَزْوَةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الْخَرَّارَ، وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللَّهِ ابْن جَحْشٍ نَخْلَةَ، وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الْقَرَدَةَ، وَغَزْوَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ، وَغَزْوَةُ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ الرَّجِيعَ، وَغَزْوَةُ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو بِئْرَ مَعُونَةَ، وَغَزْوَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ذَا القصّة، من لمريق الْعِرَاقِ، وَغَزْوَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تُرْبَةَ مِنْ أَرْضِ بَنِي عَامِرٍ، وَغَزْوَةُ عَلِيِّ ابْن أَبِي طَالِبٍ الْيَمَنَ، وَغَزْوَةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكَلْبِيِّ، كَلْبِ لَيْثٍ، الْكَدِيدَ، فَأَصَابَ بَنِي الْمُلَوَّحِ. خَبَرُ غَزْوَةِ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيِّ بَنِي الْمُلَوَّحِ (شَأْنُ ابْنِ الْبَرْصَاءِ) : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا أَنَّ يَعْقُوبَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ، حَدَّثَنِي عَنْ مُسْلِمِ ابْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ الْمُنْذِرِ [2] ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ مَكِيثٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَالِبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْكَلْبِيَّ،

_ [1] فِي م، ر: «ثنية ذُو الْمَرْوَة» وَهُوَ تَحْرِيف. [2] فِي أ: «الجهنيّ عَن جُنْدُب» . 39- سيرة ابْن هِشَام- 2

(بلاء ابن مكيث في هذه الغزوة) :

كَلْبَ بْنِ عَوْفِ بْنِ لَيْثٍ، فِي سَرِيَّةٍ كُنْتُ فِيهَا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَشُنَّ الْغَارَةَ عَلَى بَنِي الْمُلَوَّحِ، وَهُمْ بِالْكَدِيدِ، فَخَرَجْنَا، حَتَّى إذَا كُنَّا بِقُدَيَدٍ لَقِيَنَا الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ، وَهُوَ ابْنُ الْبَرْصَاءِ اللَّيْثِيِّ، فَأَخَذْنَاهُ، فَقَالَ: إنِّي جِئْتُ أُرِيدُ الْإِسْلَامَ، مَا خَرَجْتُ إلَّا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا لَهُ: إنْ تَكُ مُسْلِمًا فَلَنْ يَضِيرُكَ رِبَاطُ لَيْلَةٍ، وَإِنْ تَكُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ كُنَّا قَدْ اسْتَوْثَقْنَا مِنْكَ، فَشَدَدْنَاهُ رِبَاطًا، ثُمَّ خَلَّفْنَا عَلَيْهِ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِنَا أَسْوَدَ، وَقُلْنَا لَهُ: إنْ عَازَّكَ [1] فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ. (بَلَاءُ ابْنِ مَكِيثٍ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ) : قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا الْكَدِيدَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَكُنَّا فِي نَاحِيَةِ الْوَادِي، وَبَعَثَنِي أَصْحَابِي رَبِيئَةً [2] لَهُمْ، فَخَرَجْتُ حَتَّى آتِيَ تَلًّا مُشْرَفًا عَلَى الْحَاضِرِ [3] ، فَأَسْنَدْتُ فِيهِ [4] ، فَعَلَوْتُ عَلَى رَأْسِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى الْحَاضِر، فو الله إنِّي لَمُنْبَطِحٌ عَلَى التَّلِّ، إذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنْ خِبَائِهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنِّي لَأَرَى عَلَى التَّلِّ سَوَادًا مَا رَأَيْتُهُ فِي أَوَّلِ يَوْمِي، فَانْظُرِي إلَى أَوْعِيَتِكَ هَلْ تَفْقِدِينَ مِنْهَا شَيْئًا، لَا تَكُونُ الْكِلَابُ جَرَّتْ بَعْضَهَا، قَالَ: فَنَظَرَتْ، فَقَالَتْ: لَا، وَاَللَّهِ مَا أَفْقِدُ شَيْئًا، قَالَ: فَنَاوِلِينِي قَوْسِي وَسَهْمَيْنِ، فَنَاوَلَتْهُ، قَالَ: فَأرْسل سَهْما، فو الله مَا أَخَطَأَ جَنْبِي، فَأَنْزِعُهُ، فَأَضَعُهُ، وَثَبَّتُّ مَكَانِي، قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَ الْآخَرَ، فَوَضَعَهُ فِي مَنْكِبِي، فَأَنْزِعُهُ فَأَضَعُهُ، وَثَبَّتُّ مَكَانِي، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: لَوْ كَانَ رَبِيئَةً [5] لِقَوْمِ لَقَدْ تَحَرَّكَ، لَقَدْ خَالَطَهُ سَهْمَايَ لَا أَبَا لَكَ، إذَا أَصْبَحْتِ فَابْتَغِيهِمَا، فَخُذِيهِمَا، لَا يَمْضُغُهُمَا عَلَيَّ الْكِلَابُ. قَالَ: ثمَّ دخل. (نجاء الْمُسْلِمِينَ بِالنَّعَمِ) : قَالَ: وَأَمْهَلْنَاهُمْ، حَتَّى إذَا اطْمَأَنُّوا وَنَامُوا، وَكَانَ فِي وَجْهِ السَّحَرِ، شَنَنَّا [6]

_ [1] عازك: غالبك. [2] الربيئة: الطليعة. [3] الْحَاضِر: الْجَمَاعَة النازلون على المَاء. [4] أسندت: ارتقيت. [5] يرْوى: «زائلة» أَي لَو كَانَ مِمَّن يَزُول. [6] شننا عَلَيْهِم الْغَارة: فرقنا عَلَيْهِم الْخَيل الْمُغيرَة.

(شعار المسلمين في هذه الغزوة) :

عَلَيْهِمْ الْغَارَةَ، قَالَ: فَقَتَلْنَا، وَاسْتَقْنَا النَّعَمَ، وَخَرَجَ صَرِيخُ [1] الْقَوْمِ، فَجَاءَنَا دَهْمٌ [2] لَا قِبَلَ لَنَا بِهِ، وَمَضَيْنَا بِالنَّعَمِ، وَمَرَرْنَا بِابْنِ الْبَرْصَاءِ وَصَاحِبِهِ، فاحتملناهما مَعَنَا، قَالَ: وَأَدْرَكْنَا الْقَوْم حَتَّى قروا مِنَّا، قَالَ: فَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ إلَّا وَادِي قُدَيْدٍ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ الْوَادِيَ بِالسَّيْلِ مِنْ حَيْثُ شَاءَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، مِنْ غَيْرِ سَحَابَةٍ نَرَاهَا، وَلَا مَطَرٍ، فَجَاءَ بِشَيْءِ لَيْسَ لِأَحَدِ بِهِ قُوَّةٌ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُجَاوِزَهُ، فَوَقَفُوا يَنْظُرُونَ إلَيْنَا، وَإِنَّا لَنَسُوقُ نَعَمَهُمْ، مَا يَسْتَطِيعُ مِنْهُمْ رَجُلٌ أَنْ يُجِيزَ [3] إلَيْنَا، وَنَحْنُ نَحْدُوهَا [4] سِرَاعًا، حَتَّى فُتْنَاهُمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى طَلَبِنَا. (شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ) : قَالَ: فَقَدِمْنَا بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ: أَنَّ شِعَارَ [5] أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ: أَمِتْ أَمِتْ. فَقَالَ رَاجِزٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَحْدُوهَا. أَبَى أَبُو الْقَاسِم أَن تعزّ بِي [6] ... فِي خَضِلٍ نَبَاتُهُ مُغْلَوْلِبِ [7] صُفْرٍ أعاليه كلون الْمَذْهَب قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: «كَلَوْنِ الذَّهَبِ» . تَمَّ خَبَرُ الْغُزَاةِ، وَعُدْتُ إلَى ذِكْرِ تَفْصِيلِ السَّرَايَا وَالْبُعُوثِ [8] . (تَعْرِيفٌ بِعِدَّةِ غَزَوَاتٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَغَزْوَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهِ عَنْهُ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ

_ [1] صريخ الْقَوْم: مستغيثهم. [2] الدهم: الْجَمَاعَة الْكَثِيرَة. [3] فِي أ: «يجوز» . [4] نحدوها: نسوقها. [5] الشعار: الْعَلامَة الَّتِي كَانَ يعرف بهَا بَعضهم بَعْضًا فِي الْحَرْب. [6] كَذَا فِي الْأُصُول، وتعزبت الْإِبِل: غَابَتْ فِي المرعى وَلم ترجع. ويروى تعربى (بالراء الْمُهْملَة) أَي تردى (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول) يُقَال: عربت عَلَيْهِ القَوْل: إِذا رَددته عَلَيْهِ. [7] الخضل. النَّبَات الْأَخْضَر المبتل. والمغلولب: الْكثير الّذي يغلب على الْمَاشِيَة حِين ترعاه. [8] هَذِه الْعبارَة، من قَوْله «تمّ خبر» إِلَى قَوْله «والبعوث» : سَاقِطَة من أ.

غزوة زيد بن حارثة إلى جذام

مِنْ أَهْلِ فَدَكَ، وَغَزْوَةُ أَبِي الْعَوْجَاءِ السُّلَمِيُّ أَرْضَ بَنِي سُلَيْمٍ، أُصِيبَ بِهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ جَمِيعًا، وَغَزْوَةُ عُكَاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْغَمْرَةَ، وَغَزْوَةُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ قَطَنًا، مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ بَنِي أَسَدٍ، مِنْ نَاحِيَةِ نَجْدٍ، قُتِلَ بِهَا مَسْعُودُ بْنُ عُرْوَةَ، وَغَزْوَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، أَخِي بَنِي حَارِثَةَ «الْقُرَطَاءَ مِنْ هَوَازِنَ، وَغَزْوَةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ بَنِي مُرَّةَ بِفَدَكَ، وَغَزْوَةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ نَاحِيَةَ خَيْبَرَ، وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الْجَمُومَ مِنْ أَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ، وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ جُذَامَ، مِنْ أَرْضِ خُشَيْنٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَنْ نَفْسِهِ، وَالشَّافِعِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ: مِنْ أَرْضِ حِسْمَى. غَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى جُذَامَ (سَبَبُهَا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا كَمَا حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ جُذَامَ كَانُوا عُلَمَاءَ بِهَا، أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ الْجُذَامِيَّ، لَمَّا قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابِهِ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَاسْتَجَابُوا لَهُ، لَمْ يَلْبَثْ أَنْ قَدِمَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ صَاحِبِ الرُّومِ، حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ وَمَعَهُ تِجَارَةٌ لَهُ، حَتَّى إذَا كَانُوا بِوَادٍ مِنْ أَوْدِيَتِهِمْ يُقَالُ لَهُ شَنَارٌ، أَغَارَ عَلَى دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْهُنَيْدُ بْنُ عُوصٍ، وَابْنُهُ عُوصُ بْنُ الْهُنَيْدِ الضُّلَعِيَّانِ. وَالضُّلَيْعُ: بَطْنٌ مِنْ جُذَامَ، فَأَصَابَا كُلَّ شَيْءٍ كَانَ مَعَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ قَوْمًا مِنْ الضُّبَيْبِ، رَهْطُ رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ، مِمَّنْ كَانَ أَسْلَمَ وَأَجَابَ، فَنَفَرُوا إلَى الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ، فِيهِمْ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي جِعَالٍ، حَتَّى لَقُوهُمْ، فَاقْتَتَلُوا، وَانْتَمَى يَوْمئِذٍ قُرَّةُ بْنُ أَشْقَرَ الضَّفَاوِيُّ ثُمَّ الضُّلَعِيُّ، فَقَالَ: أَنَا ابْنُ لُبْنَى، وَرَمَى النُّعْمَانَ بْنَ أَبى جِعَال بسبهم، فَأَصَابَ رُكْبَتِهِ، فَقَالَ حِينَ أَصَابَهُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ لُبْنَى، وَكَانَتْ لَهُ أُمٌّ تُدْعَى لُبْنَى، وَقَدْ كَانَ حَسَّانُ بْنُ مِلَّةِ الضُّبَيْبِيُّ قَدْ صَحِبَ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَعَلَّمَهُ أُمَّ الْكِتَابِ.

(تمكن المسلمين من الكفار) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: قُرَّةُ بْنُ أَشْقَرَ الضَّفَارِيُّ، وَحَيَّانُ بْنُ مِلَّةَ. (تَمَكُّنُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْكُفَّارِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ جُذَامَ، قَالَ: فَاسْتَنْقَذُوا مَا كَانَ فِي يَدِ الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ، فَرَدُّوهُ عَلَى دِحْيَةَ، فَخَرَجَ دِحْيَةُ، حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ، وَاسْتَسْقَاهُ دَمَ الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَذَلِكَ الَّذِي هَاجَ غَزْوَةَ زَيْدٍ جُذَامَ، وَبَعَثَ مَعَهُ جَيْشًا، وَقَدْ وَجَّهَتْ غَطَفَانُ مِنْ جُذَامَ وَوَائِلٌ وَمَنْ كَانَ مِنْ سَلَامَانَ وَسَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ، حِينَ جَاءَهُمْ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ، بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى نَزَلُوا الْحَرَّةَ، حَرَّةَ الرَّجْلَاءِ، وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ بِكُرَاعِ رِبَةَ، لَمْ يَعْلَمْ، وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ، وَسَائِرُ بَنِي الضُّبَيْبِ بِوَادِي مَدَانٍ، مِنْ نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ، مِمَّا [1] يَسِيلُ مُشَرِّقًا، وَأَقْبَلَ جَيْشُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مِنْ نَاحِيَةِ الْأَوْلَاجِ، فَأَغَارَ بِالْمَاقِصِ مِنْ قِبَلِ الْحَرَّةِ، فَجَمَعُوا مَا وَجَدُوا مِنْ مَالٍ أَوْ نَاسٍ، وَقَتَلُوا الْهُنَيْدَ وَابْنَهُ وَرَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي الْأَجْنَفِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مِنْ بَنِي الْأَحْنَفِ [2] . (شَأْنُ حَسَّانَ وَأُنَيْفٍ ابْنِي مِلَّةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ: وَرَجُلًا مِنْ بَنِي الْخَصِيبِ. فَلَمَّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ بَنُو الضُّبَيْبِ وَالْجَيْشُ بِفَيْفَاءِ مَدَانٍ رَكِبَ نَفَرٌ مِنْهُمْ، وَكَانَ فِيمَنْ رَكِبَ مَعَهُمْ حَسَّانُ بْنُ مِلَّةَ، عَلَى فَرَسٍ لِسُوَيْدِ بْنِ زَيْدٍ، يُقَالُ لَهَا الْعَجَاجَةُ، وَأُنَيْفُ بْنُ مِلَّةَ عَلَى فَرَسٍ لِمَلَّةَ يُقَالُ لَهَا: رِغَالٌ، وَأَبُو زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو عَلَى فرس يُقَال لَهُ لَهَا شَمِرٌ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إذَا دَنَوْا مِنْ الْجَيْشِ، قَالَ أَبُو زَيْدٍ وَحَسَّانُ لِأُنَيْفِ بْنِ مِلَّةَ: كُفَّ عَنَّا وَانْصَرِفْ، فَإِنَّا نَخْشَى لِسَانَكَ، فَوَقَفَ عَنْهُمَا، فَلَمْ يَبْعُدَا مِنْهُ حَتَّى جَعَلَتْ فَرَسُهُ تَبْحَثُ بِيَدَيْهَا وَتَوَثَّبَ، فَقَالَ: لَأَنَا أَضَنُّ بِالرَّجُلَيْنِ مِنْكَ بِالْفَرَسَيْنِ، فَأَرْخَى لَهَا، حَتَّى أَدْرَكَهُمَا، فَقَالَا لَهُ: أَمَّا إذَا فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ فَكُفَّ عَنَّا

_ [1] فِي م، ر: «من مَاء» . [2] فِي م، ر هُنَا: «الأخيف» . وَفِيمَا يأتى: «الْأَحْنَف» .

(قدومهم على الرسول وشعر أبى جعال) :

لِسَانَكَ، وَلَا تَشْأَمْنَا الْيَوْمَ، فَتَوَاصَوْا أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ مِنْهُمْ إلَّا حَسَّانُ بْنُ مِلَّةَ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ كَلِمَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَدْ عَرَفَهَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ قَالَ: بُورَى أَوْ ثُورَى، فَلَمَّا بَرَزُوا عَلَى الْجَيْشِ، أَقْبَلَ الْقَوْمُ يَبْتَدِرُونَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ حَسَّانُ: إنَّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيَهُمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ أَدْهَمَ، فَأَقْبَلَ يَسُوقُهُمْ، فَقَالَ أُنَيْفٌ: بُورَى، فَقَالَ حَسَّانُ: مَهْلًا، فَلَمَّا وَقَفُوا عَلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ حَسَّانُ: إنَّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: فَاقْرَءُوا أُمَّ الْكِتَابِ، فَقَرَأَهَا حَسَّانُ، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ: نَادُوا فِي الْجَيْشِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْنَا ثُغْرَةَ [1] الْقَوْمِ الَّتِي جَاءُوا مِنْهَا إلَّا مَنْ خَتَرَ [2] . (قُدُومُهُمْ عَلَى الرَّسُولِ وَشِعْرُ أَبِي جُعَالٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِذَا أُخْتُ حَسَّانَ بْنِ مِلَّةَ، وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي وَبْرِ بْنِ عَدِيِّ ابْن أُمَيَّةَ بْنِ الضُّبَيْبِ فِي الْأُسَارَى، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: خُذْهَا، وَأَخَذَتْ بِحَقْوَيْهِ [3] فَقَالَتْ أُمُّ الْفِزْرِ الضُّلَعِيَّةُ: أَتَنْطَلِقُونَ بِبَنَاتِكُمْ وَتَذَرُونَ أُمَّهَاتِكُمْ؟ فَقَالَ أَحَدُ بَنِي الْخَصِيبِ: إنَّهَا بَنُو الضُّبَيْبِ وَسِحْرُ أَلْسِنَتِهِمْ سَائِرَ الْيَوْمِ، فَسَمِعَهَا بَعْضُ الْجَيْشِ، فَأَخْبَرَ بِهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَأَمَرَ بِأُخْتِ حَسَّانَ، فَفُكَّتْ يَدَاهَا مِنْ حِقْوَيْهِ، وَقَالَ لَهَا: اجْلِسِي مَعَ بَنَاتِ عَمِّكَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ فِيكُنَّ حُكْمَهُ، فَرَجَعُوا، وَنَهَى الْجَيْشَ أَنْ يَهْبِطُوا إلَى وَادِيهِمْ الَّذِي جَاءُوا مِنْهُ، فَأَمْسَوْا فِي أَهْلِيهِمْ، وَاسْتَعْتَمُوا ذَوْدًا [4] لِسُوَيْدِ بْنِ زَيْدٍ، فَلَمَّا شَرِبُوا عَتَمَتَهُمْ [5] ، رَكِبُوا إلَى رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَكَانَ مِمَّنْ رَكِبَ إلَى رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، أَبُو زَيْدِ ابْن عَمْرٍو، وَأَبُو شِمَاسِ بْنِ عَمْرٍو، وَسُوَيْدُ بْنُ زَيْدٍ، وَبَعْجَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبَرْذَعُ بْنُ زَيْدٍ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ زَيْدٍ [6] ، وَمُخَرَّبَةُ بْنُ عَدِيٍّ، وَأُنَيْفُ بْنُ مِلَّةَ، وَحَسَّانُ

_ [1] ثغرة الْقَوْم: ناحيتهم الَّتِي يحمونها. [2] ختر: نقض الْعَهْد. [3] بحقويه: بخصريه. [4] الذود: مَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْر من الْإِبِل. واستعتموا ذودا: انتظروه إِلَى عتمة من اللَّيْل. [5] عتمتهم: لبنهم الّذي انتظروه إِلَى ذَلِك الْوَقْت. [6] فِي م، ر: «عَمْرو» .

ابْن مِلَّةَ، حَتَّى صَبَّحُوا رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ بِكُرَاعِ رِبَةَ، بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، عَلَى بِئْرٍ هُنَالِكَ مِنْ حَرَّةِ لَيْلَى، فَقَالَ لَهُ حَسَّانُ بْنُ مِلَّةَ: إنَّكَ لَجَالِسٌ تَحْلُبُ الْمِعْزَى وَنِسَاءُ جُذَامَ أُسَارَى قَدْ غَرَّهَا كِتَابُكَ الَّذِي جِئْتُ بِهِ، فَدَعَا رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ بِجَمَلِ لَهُ، فَجَعَلَ يَشُدُّ عَلَيْهِ رَحْلَهُ وَهُوَ يَقُولُ: هَلْ أَنْتَ حَيٌّ أَوْ تُنَادِي حَيَّا ثُمَّ غَدَا وَهُمْ مَعَهُ بِأُمَيَّةَ بْنِ ضَفَارَةَ أَخِي الْخَصِيبِيِّ الْمَقْتُولِ، مُبَكِّرِينَ مِنْ ظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَسَارُوا إلَى جَوْفِ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَلَمَّا دَخَلُوا الْمَدِينَةَ، وَانْتَهَوْا إلَى الْمَسْجِدِ، نَظَرَ إلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ النَّاسِ، فَقَالَ: لَا تُنِيخُوا إبِلَكُمْ، فَتُقَطَّعَ أَيْدِيَهُنَّ، فَنَزَلُوا عَنْهُنَّ وَهُنَّ قِيَامٌ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَآهُمْ أَلَاحَ [1] إلَيْهِمْ بِيَدِهِ: أَنْ تُعَالُوا مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ، فَلَمَّا اسْتَفْتَحَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْمَنْطِقَ، قَامَ رَجُلٌ مِنْ النَّاسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ سَحَرَةٌ، فَرَدَّدَهَا مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ: رَحِمَ اللَّهُ مَنْ لَمْ يَحْذُنَا [2] فِي يَوْمِهِ هَذَا إلَّا خَيْرًا. ثُمَّ دَفَعَ رِفَاعَةُ ابْن زَيْدٍ كِتَابَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ كَتَبَهُ لَهُ. فَقَالَ: دُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدِيمًا كِتَابُهُ، حَدِيثًا غَدْرُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْرَأْهُ يَا غُلَامُ، وَأَعْلِنْ، فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَهُ اسْتَخْبَرَهُ، فَأَخْبَرُوهُمْ الْخَبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْقَتْلَى؟ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) [3] . فَقَالَ رِفَاعَةُ: أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْلَمُ، لَا نُحَرِّمُ عَلَيْكَ حَلَالًا، وَلَا نُحَلِّلُ لَكَ حَرَامًا، فَقَالَ أَبُو زَيْدِ ابْن عَمْرٍو: أَطْلِقْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ كَانَ حَيًّا، وَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ تَحْتَ قَدَمِي هَذِهِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ أَبُو زَيْدٍ، ارْكَبْ مَعَهُمْ يَا عَلِيُّ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إنَّ زَيْدًا لَنْ يُطِيعَنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَخُذْ سَيْفِي هَذَا، فَأَعْطَاهُ سَيْفَهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ رَاحِلَةٌ أَرْكَبُهَا، فَحَمَلُوهُ عَلَى بَعِيرٍ لِثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرٍو، يُقَالُ لَهُ مِكْحَالٌ، فَخَرَجُوا، فَإِذَا رَسُولٌ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ عَلَى نَاقَةٍ

_ [1] ألاح: أَشَارَ. [2] كَذَا فِي الْأُصُول، وَلم يحذنا: لم يعطنا. وتروى: «لم يجدنا» : لم ينفعنا. [3] فِي أ: «مرار» .

مِنْ إبِلِ أَبِي وَبْرٍ، يُقَالُ لَهَا: الشِّمْرُ، فَأَنْزَلُوهُ عَنْهَا، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، مَا شَأْنِي؟ فَقَالَ: مَا لَهُمْ، عَرَفُوهُ فَأَخَذُوهُ، ثُمَّ سَارُوا فَلَقَوْا الْجَيْشَ بِفَيْفَاءِ الْفَحْلَتَيْنِ، فَأَخَذُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ، حَتَّى كَانُوا يَنْزِعُونَ لَبِيدَ الْمَرْأَةِ مِنْ تَحْتِ الرَّحْلِ، فَقَالَ أَبُو جِعَالٍ حِينَ فَرَغُوا مِنْ شَأْنِهِمْ: وَعَاذِلَةٍ وَلَمْ تَعْذُلْ بِطِبٍّ ... وَلَوْلَا نَحْنُ حُشَّ بِهَا السَّعِيرَ [1] تُدَافِعُ فِي الْأُسَارَى بِابْنَتَيْهَا ... وَلَا يُرْجَى لَهَا عِتْقٌ يَسِيرُ وَلَوْ وُكِلَتْ إلَى عُوصٍ وَأَوْسٍ ... لَحَارَ بِهَا عَنْ الْعِتْقِ الْأُمُورُ [2] وَلَوْ شَهِدَتْ رَكَائِبَنَا بِمِصْرٍ ... تُحَاذِرُ أَنْ يُعَلَّ بِهَا الْمَسِيرُ [3] وَرَدْنَا مَاءَ يَثْرِبَ عَنْ حِفَاظٍ ... لِرَبْعٍ إنَّهُ قَرَبَ ضَرِيرُ [4] بِكُلِّ مُجَرَّبٍ كَالسِّيدِ نَهْدٍ ... عَلَى أَقْتَادِ نَاجِيَةٍ صَبُورُ [5] فِدًى لِأَبِي سُلَيْمَى كُلُّ جَيْشٍ ... بِيَثْرِبَ إذْ تَنَاطَحَتْ النُّحُورُ [6] غَدَاةَ تَرَى الْمُجَرَّبَ مُسْتَكِينًا ... خِلَافَ الْقَوْمِ هَامَتُهُ تَدُورُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ: « وَلَا يُرْجَى لَهَا عِتْقٌ يَسِيرُ » ، وَقَوْلُهُ: «عَنْ الْعِتْقِ الْأُمُورُ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. تَمَّتْ الْغَزَاةُ، وَعُدْنَا إلَى تَفْصِيلِ ذِكْرِ السَّرَايَا وَالْبُعُوثِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَيْضًا الطَّرَفَ مِنْ نَاحِيَةِ نَخْلٍ. مِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ.

_ [1] بطب: بِرِفْق. وَحش: أوقد. [2] حَار: رَجَعَ. [3] يعل: يُكَرر. [4] الْحِفْظ: الْغَضَب. وَالرّبع: أَن ترد الْإِبِل المَاء لأربعة أَيَّام. والقرب: السّير فِي طلب المَاء. وضرير: مُضر. [5] السَّيِّد: الذِّئْب. والنهد: الغليظ. والأقتاد: أدوات الرحل. والناجية: السريعة. وصبور: صابرة، وتروى: «ضبور» » . والضبور: الموثقة الْخلق. [6] النحور: الصُّدُور.

غزوة زيد بن حارثة بنى فزارة ومصاب أم قرفة

غَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بَنِي فَزَارَةَ وَمُصَابُ أُمِّ قِرْفَةَ (بَعْضُ مَنْ أُصِيبَ بِهَا) : وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَيْضًا وَادِيَ الْقُرَى، لَقِيَ بِهِ بَنِي فَزَارَةَ، فَأُصِيبَ بِهَا نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَارْتُثَّ [1] زَيْدٌ مِنْ بَيْنَ الْقَتْلَى، وَفِيهَا أُصِيبَ وَرْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مَدَاشٍ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ، أَصَابَهُ أَحَدُ بَنِي بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ. (مُعَاوَدَةُ زَيْدٍ لَهُمْ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ آلَى أَنْ لَا يَمَسَّ رَأْسَهُ غُسْلٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتَّى يَغْزُوَ بَنِي فَزَارَةَ، فَلَمَّا اسْتَبَلَّ مِنْ جِرَاحَتِهِ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَنِي فَزَارَةَ فِي جَيْشٍ، فَقَتَلَهُمْ بِوَادِي الْقُرَى، وَأَصَابَ فِيهِمْ، وَقَتَلَ قَيْسَ بْنَ الْمُسَحَّرِ الْيَعْمُرِيَّ مَسْعَدَةَ بْنَ حَكَمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَأُسِرَتْ أُمُّ قِرْفَةَ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ بَدْرٍ، كَانَتْ عَجُوزًا كَبِيرَةٌ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ ابْن بَدْرٍ، وَبِنْتٌ لَهَا، وَعَبْدُ اللَّهِ [2] بْنُ مَسْعَدَةَ، فَأَمَرَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ قَيْسَ بْنَ الْمُسَحَّرِ أَنْ يَقْتُلَ أُمَّ قِرْفَةَ، فَقَتَلَهَا قَتْلًا عَنِيفًا، ثُمَّ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنَةِ أُمِّ قِرْفَةَ، وَبِابْنِ مَسْعَدَةَ. (شَأْنُ أُمِّ قِرْفَةَ) : وَكَانَتْ بِنْتُ أُمِّ قِرْفَةَ لِسَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ، كَانَ هُوَ الَّذِي أَصَابَهَا، وَكَانَتْ فِي بَيْتِ شَرَفٍ مِنْ قَوْمِهَا، كَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ: (لَوْ كُنْتَ أَعَزَّ مِنْ أُمِّ قِرْفَةَ مَا زِدْتُ) . فَسَأَلَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَمَةُ، فَوَهَبَهَا لَهُ، فَأَهْدَاهَا لِخَالِهِ حَزْنَ بْنَ أَبِي وَهْبٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حَزْنٍ. (شِعْرُ ابْنِ الْمُسَحَّرِ فِي قَتْلِ مَسْعَدَةَ) : فَقَالَ قَيْسُ بْنُ الْمُسَحَّرِ فِي قَتْلِ مَسْعَدَةَ:

_ [1] ارتث: (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول) حمل من المعركة رثيثا، أَي جريحا وَبِه رَمق. [2] فِي م: «عبيد الله» :

غزوة عبد الله بن رواحة لقتل اليسير بن رزام

سَعَيْتُ بِوَرْدٍ مِثْلَ سَعْيِ ابْنِ أُمِّهِ ... وَإِنِّي بِوَرْدٍ فِي الْحَيَاةِ لَثَائِرُ [1] كَرَرْتُ عَلَيْهِ الْمُهْرَ لَمَّا رَأَيْتُهُ ... عَلَى بَطَلٍ مِنْ آلِ بَدْرٍ مُغَاوِرِ [2] فَرَكَّبْتُ فِيهِ قَعْضَبِيًّا كَأَنَّهُ [3] ... شِهَابٌ بِمَعْرَاةَ [4] يُذَكَّى لِنَاظِرِ [5] غَزْوَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ لِقَتْلِ الْيَسِيرِ بْنِ رِزَامٍ وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ خَيْبَرَ مَرَّتَيْنِ: إحْدَاهُمَا الَّتِي أَصَابَ فِيهَا الْيَسِيرَ بْنَ رِزَامٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ ابْنُ رَازِمٍ [6] . (مَقْتَلُ الْيَسِيرِ) : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ الْيَسِيرِ بْنِ رِزَامٍ أَنَّهُ كَانَ بِخَيْبَرِ يَجْمَعُ غَطَفَانَ لِغَزْوِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، حَلِيفُ بَنِي سَلِمَةَ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَيْهِ كَلَّمُوهُ، وَقَرَّبُوا لَهُ، وَقَالُوا لَهُ: إنَّكَ إنْ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَكَ وَأَكْرَمَكَ، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ، حَتَّى خَرَجَ مَعَهُمْ فِي نَفَرٍ مِنْ يَهُودَ، فَحَمَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ عَلَى بَعِيرِهِ، حَتَّى إذَا كَانَ بِالْقَرْقَرَةِ مِنْ خَيْبَرَ، عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ، نَدِمَ الْيَسِيرُ بْنُ رِزَامٍ عَلَى مَسِيرِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَطَنَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، وَهُوَ يُرِيدُ السَّيْفَ، فَاقْتَحَمَ بِهِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ، فَقَطَعَ رِجْلَهُ، وَضَرَبَهُ الْيَسِيرُ بِمِخْرَشٍ [7] فِي يَدِهِ مِنْ شَوْحَطٍ [8] ، فَأَمَّهُ [9] ، وَمَالَ كُلُّ

_ [1] ثَائِر: آخذ بثأره. وَفِي هَذَا الشّعْر إقواء. [2] المغاور: الْكثير الإغراء. [3] قعضبيا: سِنَانًا مَنْسُوبا إِلَى قعضب، رجل كَانَ يصنع الأسنة. [4] كَذَا فِي ر، م. والمعراة: الْموضع الّذي لَا يستره شَيْء. وَفِي أ: «بمعزاة» . [5] ويذكى: يشعل. [6] وَردت هَذِه الْعبارَة فِي أبعد «ابْن رزام» الَّتِي فِي السطر التَّالِي. [7] كَذَا فِي أ. وَفِي م، ر: «بمخراش» . والمخرش والمخراش: الْمِجَن، وَهُوَ عَصا معقوفة يجذب بهَا الْبَعِير وَنَحْوه. [8] الشوحط: شجر من النبع. [9] أمه: جرحه فِي رَأسه.

(غزوة ابن عتيك خيبر) :

رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ يَهُودَ فَقَتَلَهُ، إلَّا رَجُلًا وَاحِدًا أَفْلَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَلَ [1] عَلَى شَجَّتِهِ، فَلَمْ تَقِحْ وَلَمْ تُؤْذِهِ. (غَزْوَةُ ابْنِ عَتِيكٍ خَيْبَرَ) : وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتِيكٍ خَيْبَرَ، فَأَصَابَ بِهَا أَبَا رَافِعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ. غَزْوَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ لِقَتْلِ خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيِّ (مَقْتَلُ ابْنُ نَبِيحٍ) : وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ خَالِدَ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ، بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ وَهُوَ بِنَخْلَةَ أَوْ بِعُرَنَةَ، يَجْمَعُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ لِيَغْزُوهُ، فَقَتَلَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ: دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيَّ يَجْمَعُ لِي النَّاسَ لِيَغْزُونِي، وَهُوَ بِنَخْلَةَ أَوْ بِعُرَنَةَ، فَأْتِهِ فَاقْتُلْهُ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْعَتْهُ لِي حَتَّى أَعْرِفَهُ. قَالَ: إنَّكَ إذَا رَأَيْتُهُ أَذْكَرَكَ الشَّيْطَانَ، وَآيَةُ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَنَّكَ إذَا رَأَيْتُهُ وَجَدْتُ لَهُ قُشَعْرِيرَةً [2] . قَالَ: فَخَرَجْتُ مُتَوَشِّحًا سَيْفِي، حَتَّى دُفِعْتُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي ظُعُنٍ [3] يَرْتَادُ لَهُنَّ مَنْزِلًا [4] ، وَحَيْثُ كَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ وَجَدْتُ مَا قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْقُشَعْرِيرَةِ، فَأَقْبَلْتُ نَحْوَهُ، وَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُجَاوَلَةٌ تَشْغَلُنِي عَنْ الصَّلَاةِ، فَصَلَّيْتُ وَأَنَا أَمْشِي نَحْوَهُ، أُومِئُ بِرَأْسِي، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إلَيْهِ، قَالَ: مَنْ الرَّجُلُ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ سَمِعَ بِكَ وَبِجَمْعِكَ لِهَذَا الرَّجُلِ، فَجَاءَكَ لِذَلِكَ.

_ [1] تفل: بَصق بصاقا خَفِيفا. [2] قشعريرة: رعدة. [3] الظعن (ككتب) : النِّسَاء فِي الهودج: جمع ظَعِينَة. [4] يرتاد لَهُنَّ منزلا: يطْلب لَهُنَّ موضعا.

(إهداء الرسول عصا لابن أنيس) :

قَالَ: أَجَلْ، إنِّي لَفِي ذَلِكَ [1] . قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ شَيْئًا، حَتَّى إذَا أَمْكَنَنِي حَمَلْتُ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ، فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ خَرَجْتُ، وَتَرَكْتُ ظَعَائِنَهُ مُنْكَبَّاتٌ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآنِي، قَالَ: أَفْلَحَ الْوَجْهُ، قُلْتُ: قَدْ قَتَلْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: صَدَقْتُ. (إهْدَاءُ الرَّسُولِ عَصًا لَابْنِ أُنَيْسٍ) : ثُمَّ قَامَ بِي، فَأَدْخَلَنِي بَيْتَهُ، فَأَعْطَانِي عَصًا، فَقَالَ: أَمْسِكْ هَذِهِ الْعَصَا عِنْدَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ. قَالَ: فَخَرَجْتُ بِهَا عَلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: مَا هَذِهِ الْعَصَا؟ قُلْتُ: أَعْطَانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَهَا عِنْدِي. قَالُوا: أَفَلَا تَرْجِعُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَسْأَلَهُ لِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَرَجَعْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ أَعْطَيْتنِي هَذِهِ الْعَصَا؟ قَالَ: آيَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إنَّ أَقَلَّ النَّاسِ الْمُتَخَصِّرُونَ [2] يَوْمئِذٍ، قَالَ: فَقَرَنَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ بِسَيْفِهِ، فَلَمْ تَزَلْ مَعَهُ حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَضُمَّتْ فِي كَفَنِهِ، ثُمَّ دُفِنَا جَمِيعًا. (شِعْرُ بْنِ أُنَيْسٍ فِي قَتْلِهِ ابْنَ نُبَيْحٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ فِي ذَلِكَ: تَرَكْتُ ابْنَ ثَوْرٍ كَالْحُوَارِ وَحَوْلَهُ ... نَوَائِحُ تَفْرِي كُلَّ جَيْبٍ مُقَدَّدِ [3] تَنَاوَلْتُهُ وَالظُّعْنُ خَلْفِي وَخَلْفَهُ ... بِأَبْيَضَ مِنْ مَاءِ الْحَدِيدِ مُهَنَّدِ [4] عَجُومٍ لِهَامِ الدَّارِعِينَ كَأَنَّهُ ... شِهَابٌ غَضًى مِنْ مُلْهَبٍ مُتَوَقِّدِ [5] أَقُولُ لَهُ وَالسَّيْفُ يَعْجُمُ رَأْسَهُ ... أَنَا ابْنُ أُنَيْسٍ فَارِسًا غَيْرَ قُعْدُدِ [6]

_ [1] فِي أ: «أَنا فِي ذَلِك» . [2] المتخصرون: المتكئون على المخاصر، وَهِي الْعَصَا، واحدتها مخصرة. [3] الحوار: ولد النَّاقة إِذا كَانَ صَغِيرا. وتفري: تقطع. [4] الْأَبْيَض: السَّيْف. والمهند: الْمَنْسُوب إِلَى الْهِنْد. [5] عجوم: عضوض. يُقَال: عجمه، إِذا عضه. والهام: الرُّءُوس. والشهاب: الْقطعَة من النَّار. والغضى: شجر يشْتَد التهاب النَّار فِيهِ. [6] القعدد: اللَّئِيم.

(غزوات أخر) :

أَنَا ابْنُ الَّذِي لَمْ يُنْزِلْ الدَّهَرُ قِدْرَهُ ... رَحِيبُ فِنَاءِ الدَّارِ غَيْرُ مُزَنَّدِ [1] وَقُلْتُ لَهُ خُذْهَا بِضَرْبَةِ مَاجِدٍ ... حَنِيفٍ عَلَى دِينِ النَّبِيِّ مُحَمَّدِ [2] وَكُنْتُ إذَا هَمَّ النَّبِيُّ بِكَافِرٍ ... سَبَقْتُ إلَيْهِ بِاللِّسَانِ وَبِالْيَدِ تَمَّتْ الْغَزَاةُ، وَعُدْنَا إلَى خَبَرِ الْبُعُوثِ [3] . (غَزَوَاتٌ أُخَرُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ مُؤْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَأُصِيبُوا بِهَا جَمِيعًا، وَغَزْوَةُ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ الْغِفَارِيُّ ذَاتَ أَطْلَاحٍ، مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، أُصِيبَ بِهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ جَمِيعًا. وَغَزْوَةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ بَنِي الْعَنْبَرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ. غَزْوَةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ بَنِي الْعَنْبَرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ (وَعْدُ الرَّسُولِ عَائِشَةَ بِإِعْطَائِهَا سَبْيًا مِنْهُمْ لِتَعْتِقَهُ) : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إلَيْهِمْ، فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ، فَأَصَابَ مِنْهُمْ أَنَاسًا، وَسَبَى مِنْهُمْ أُنَاسًا. فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ. قَالَ: هَذَا سَبْيُ بَنِي الْعَنْبَرِ يَقْدَمُ الْآنَ، فَنُعْطِيكَ مِنْهُمْ إنْسَانًا فَتُعْتِقِينَهُ. (بَعْضُ مَنْ سُبِيَ وَبَعْضُ مَنْ قُتِلَ وَشِعْرُ سَلْمَى فِي ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا قُدِمَ بِسَبْيِهِمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَكِبَ فِيهِمْ وَفْدٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهُمْ رَبِيعَةُ ابْن رَفِيعٍ، وَسَبْرَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَالْقَعْقَاعُ بْنُ مَعْبَدٍ، وَوَرْدَانُ بْنُ مُحْرِزٍ، وَقَيْسُ

_ [1] رحيب: متسع. والمزند: الضّيق الْبَخِيل. [2] الْمَاجِد: الشريف: والحنيف (هُنَا) : الّذي مَال عَن دين الشّرك إِلَى دين الْإِسْلَام. [3] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ.

(شعر الفرزدق في ذلك) :

ابْن عَاصِمٍ، وَمَالِكُ بْنُ عَمْرٍو، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَفِرَاسُ بْنُ حَابِسٍ، فَكَلَّمُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ، فَأَعْتَقَ بَعْضًا، وَأَفْدَى بَعْضًا، وَكَانَ مِمَّنْ قُتِلَ يَوْمئِذٍ مِنْ بَنِي الْعَنْبَرِ: عَبْدُ اللَّهِ وَأَخَوَانِ لَهُ، بَنُو وَهْبٍ، وَشَدَّادُ بْنُ فِرَاسٍ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ دَارِمٍ، وَكَانَ مِمَّنْ سُبِيَ مِنْ نِسَائِهِمْ يَوْمئِذٍ: أَسَمَاءُ بِنْتُ مَالِكٍ، وَكَاسٍ بِنْتُ أَرِي، وَنَجْوَةُ بِنْتُ نَهْدٍ، وَجُمَيْعَةُ بِنْتُ قَيْسٍ، وَعَمْرَةُ بِنْتُ مَطَرٍ. فَقَالَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سَلْمَى بِنْتُ عَتَّابٍ: لَعَمْرِي لَقَدْ لَاقَتْ عَدِيُّ بْنُ جُنْدَبٍ ... مِنْ الشَّرِّ مَهْوَاةً شَدِيدًا كَئُودهَا [1] تَكَنَّفَهَا الْأَعْدَاءُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ... وَغُيَّبَ عَنْهَا عِزُّهَا وَجُدُودُهَا [2] (شِعْرُ الْفَرْزَدَقِ فِي ذَلِكَ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ فِي ذَلِكَ: وَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ قَامَ ابْنُ حَابِسٍ ... بِخُطَّةِ سَوَّارٍ إلَى الْمَجْدِ حَازِمِ [3] لَهُ أَطْلَقَ الْأَسْرَى الَّتِي فِي حِبَالِهِ ... مُغَلَّلَةً أَعْنَاقُهَا فِي الشَّكَائِمِ كَفَى أُمَّهَاتِ الْخَالِفِينَ [4] عَلَيْهِمْ ... غِلَاءَ الْمُفَادِي أَوْ سِهَامَ الْمَقَاسِمِ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَعَدِيُّ بْنُ جُنْدُبٍ مِنْ بَنِي الْعَنْبَرِ، وَالْعَنْبَرُ ابْن عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ. غَزْوَةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَرْضَ بَنِي مُرَّةَ (مَقْتَلُ مِرْدَاسٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَغَزْوَةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكَلْبِيِّ- كَلْبِ لَيْثٍ- أَرْضَ بَنِي مُرَّةَ، فَأَصَابَ بِهَا مِرْدَاسَ بْنَ نَهِيكٍ، حَلِيفًا لَهُمْ مِنْ الْحُرْقَةِ، مِنْ جُهَيْنَةَ، قَتَلَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ.

_ [1] المهواة: مَوضِع منخفض بَين جبلين. والكئود: عقبَة صعبة. [2] الجدود: جمع جد (بِالْفَتْح) وَهُوَ السعد وَالْبخْت. [3] الخطة: الْخصْلَة. والسوار: الّذي يرتقى ويثب. [4] قَالَ أَبُو ذَر. «الخالفين: يُرِيد الَّذين تخلفوا فِي أهلهم» . وَفِي أ، م، ر: «الْخَائِفِينَ» .

غزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْحُرْقَةُ، فِيمَا حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ [1] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُهُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَلَمَّا شَهَرْنَا عَلَيْهِ السِّلَاحَ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. قَالَ: فَلَمْ نَنْزِعْ عَنْهُ حَتَّى قَتَلْنَاهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرْنَاهُ خَبَرَهُ، فَقَالَ: يَا أُسَامَةُ، مَنْ لَكَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُ إنَّمَا قَالَهَا تَعَوُّذًا بِهَا مِنْ الْقَتْلِ. قَالَ: فَمَنْ لَكَ بِهَا يَا أُسَامَة؟ قَالَ: فو الّذي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا زَالَ يُرَدِّدُهَا عَلَيَّ حَتَّى لَوَدِدْتُ أَنَّ مَا مَضَى مِنْ إسْلَامِي لَمْ يَكُنْ، وَأَنِّي كُنْتُ أَسْلَمْتُ يَوْمئِذٍ، وَأَنِّي لَمْ أَقْتُلْهُ، قَالَ: قُلْتُ: أَنْظِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أُعَاهِدُ اللَّهَ أَنْ لَا أَقْتُلَ رَجُلًا يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَبَدًا، قَالَ: تَقُولُ بَعْدِي يَا أُسَامَةُ، قَالَ: قُلْتُ بَعْدَكَ. غَزْوَةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ذَاتَ السَّلَاسِلِ (إِرْسَالُ عَمْرٍو ثُمَّ إِمْدَادُهُ) : وَغَزْوَةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ذَاتَ السَّلَاسِلِ مِنْ أَرْضِ بَنِي عُذْرَةَ. وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ يَسْتَنْفِرُ الْعَرَبَ إلَى الشَّامِ. وَذَلِكَ أَنَّ أُمَّ الْعَاصِ ابْن وَائِلٍ كَانَتْ امْرَأَةً مِنْ بَلِيٍّ، فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ يَسْتَأْلِفُهُمْ لِذَلِكَ، حَتَّى إذَا كَانَ عَلَى مَاءٍ بِأَرْضِ جُذَامَ، يُقَالُ لَهُ السَّلْسَلُ، وَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ، غَزْوَةَ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَلَمَّا كَانَ عَلَيْهِ خَافَ فَبَعَثَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِدُّهُ، فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ فِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَقَالَ لِأَبِي عُبَيْدَةَ حِينَ وَجَّهَهُ: لَا تَخْتَلِفَا، فَخَرَجَ أَبُو عُبَيْدَةَ حَتَّى إذَا قَدِمَ عَلَيْهِ، قَالَ لَهُ عَمْرٌو: إِنَّمَا جِئْت مذدا لِي، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لَا، وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ، وَأَنْتَ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ،

_ [1] كَذَا فِي أ. وَسِيَاق هَذِه الْعبارَة فِي م، ر مُضْطَرب. فقد جَاءَ فيهمَا: «من الحرقة قَالَ ابْن هِشَام: الحرقة من جُهَيْنَة، قَتله أُسَامَة بن زيد وَرجل من الْأَنْصَار، فِيمَا حَدثنِي أَبُو عُبَيْدَة» .

(وصية أبى بكر رافع بن رافع) :

وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ رَجُلًا لَيِّنًا سَهْلًا، هَيِّنًا عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: بَلْ أَنْتَ مَدَدٌ لِي، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَا عَمْرُو، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي: لَا تَخْتَلِفَا، وَإِنَّكَ إنْ عَصَيْتَنِي أَطَعْتُكَ، قَالَ: فَإِنِّي الْأَمِيرُ عَلَيْكَ، وَأَنْتَ مَدَدٌ لِي، قَالَ: فَدُونَكَ. فَصَلَّى عَمْرٌو بِالنَّاسِ. (وَصِيَّةُ أَبِي بَكْرٍ رَافِعَ بْنَ رَافِعٍ) : قَالَ: وَكَانَ مِنْ الْحَدِيثِ فِي هَذِهِ الْغَزَاةِ، أَنَّ رَافِعَ بْنَ أَبِي رَافِعٍ الطَّائِيَّ، وَهُوَ رَافِعُ بْنُ عَمِيرَةَ، كَانَ يُحَدِّثُ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ نَفْسِهِ، قَالَ: كُنْتُ امْرَأً نَصْرَانِيًّا، وَسُمِّيتُ سَرْجِسَ، فَكُنْتُ أَدَلَّ النَّاسِ وَأَهْدَاهُمْ بِهَذَا الرَّمَلِ، كُنْتُ أَدْفِنُ الْمَاءَ فِي بَيْضِ النَّعَامِ بِنَوَاحِي الرَّمْلِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أُغِيرُ عَلَى إبِلِ النَّاسِ، فَإِذَا أَدْخَلْتهَا الرَّمْلَ غَلَبْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَطْلُبُنِي فِيهِ، حَتَّى أَمُرَّ بِذَلِكَ الْمَاءِ الَّذِي خَبَّأْتُ فِي بَيْضِ النَّعَامِ فَأَسْتَخْرِجُهُ، فَأَشْرَبُ مِنْهُ، فَلَمَّا أَسْلَمْتُ خَرَجْتُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ الَّتِي بَعَثَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إلَى ذَاتِ السَّلَاسِلِ، قَالَ: فَقُلْتُ: وَاَللَّهِ لَأَخْتَارَنَّ لِنَفْسِي صَاحِبًا، قَالَ: فَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ، قَالَ: فَكُنْتُ مَعَهُ فِي رَحْلِهِ، قَالَ: وَكَانَتْ عَلَيْهِ عَبَاءَةٌ لَهُ فَدَكِيَّةٌ [1] ، فَكَانَ إذَا نَزَلْنَا بَسَطَهَا وَإِذَا رَكِبْنَا لَبِسَهَا، ثُمَّ شَكَّهَا عَلَيْهِ [2] بِخِلَالِ لَهُ، قَالَ: وَذَلِكَ الَّذِي لَهُ يَقُولُ أَهْلُ نَجْدٍ حِينَ ارْتَدُّوا كُفَّارًا: نَحْنُ نُبَايِعُ ذَا الْعَبَاءَةِ! قَالَ: فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إنَّمَا صَحِبْتُكَ لِيَنْفَعَنِي اللَّهُ بِكَ، فَانْصَحْنِي وَعَلِّمْنِي، قَالَ: لَوْ لَمْ تَسْأَلْنِي ذَلِكَ لَفَعَلْتُ، قَالَ: آمُرُكَ أَنْ تُوَحِّدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَأَنْ تُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ هَذَا الْبَيْتَ، وَتَغْتَسِلَ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَلَا تَتَأَمَّرْ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَبَدًا. قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَمَا أَنَا وَاَللَّهِ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ لَا أُشْرِكَ باللَّه أَحَدًا أَبَدًا، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلَنْ أَتْرُكَهَا أَبَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَإِنْ يَكُ لِي مَالٌ أُؤَدِّهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَمَّا رَمَضَانُ فَلَنْ أَتْرُكَهُ أَبَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَمَّا الْحَجُّ فَإِنْ أَسْتَطِعْ أَحُجَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا الْجَنَابَةُ فَسَأَغْتَسِلُ مِنْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَمَّا الْإِمَارَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يَشْرُفُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ

_ [1] العباءة: الكساء الغليظ، وَيُقَال فِيهَا عَبَايَة بِالْيَاءِ. والفدكية: المنسوبة إِلَى فدك، وَهِي بَلْدَة بِخَيْبَر. [2] شكها عَلَيْهِ: أنفذها بالحلال الّذي كَانَ يخللها بِهِ.

(تقسيم عوف الأشجعي الجزور بين قوم) :

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَ النَّاسِ إلَّا بِهَا، فَلِمَ تَنْهَانِي عَنْهَا؟ قَالَ: إنَّكَ إنَّمَا اسْتَجْهَدْتَنِي لِأَجْهَدَ لَكَ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ: إنْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الدِّينِ، فَجَاهَدَ عَلَيْهِ حَتَّى دَخَلَ النَّاسُ فِيهِ طَوْعًا وَكَرْهًا، فَلَمَّا دَخَلُوا فِيهِ كَانُوا عُوَاذَ اللَّهِ وَجِيرَانَهُ، وَفِي ذِمَّتِهِ، فَإِيَّاكَ لَا تُخْفِرْ اللَّهَ [1] فِي جِيرَانِهِ، فَيُتْبِعَكَ اللَّهُ خَفْرَتَهُ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ يُخْفَرُ فِي جَارِهِ، فَيَظِلَّ نَاتِئًا عَضَلَهُ [2] ، غَضَبًا لِجَارِهِ أَنْ أُصِيبَتْ لَهُ شَاةٌ أَوْ بَعِيرٌ، فاللَّه أَشَدُّ غَضَبًا لِجَارِهِ. قَالَ: فَفَارَقْتُهُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُمِّرَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّاسِ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَمْ تَكُ نَهَيْتَنِي عَنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: بَلَى، وَأَنَا الْآنَ أَنَهَاكَ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَمَا حَمْلُكَ عَلَى أَنْ تَلِيَ أَمْرَ النَّاسِ؟ قَالَ: لَا أَجِدُ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا، خَشِيتُ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفُرْقَةَ. (تَقْسِيمُ عَوْفٍ الْأَشْجَعِيِّ الْجَزُورَ بَيْنَ قَوْمٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّهُ حُدِّثَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: كُنْتُ فِي الْغَزَاةِ الَّتِي بَعَثَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إلَى ذَاتِ السَّلَاسِلِ، قَالَ: فَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَمَرَرْتُ بِقَوْمِ عَلَى جَزُورٍ لَهُمْ قَدْ نَحَرُوهَا، وَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُعْضُوهَا [3] ، قَالَ: وَكُنْتُ امْرَأً لَبِقًا [4] جَازِرًا، قَالَ: فَقُلْتُ: أَتُعْطُونَنِي مِنْهَا عَشِيرًا [5] عَلَى أَنْ أَقَسَمَهَا بَيْنَكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَأَخَذْتُ الشَّفْرَتَيْنِ، فَجَزَّأْتهَا مَكَانِي، وَأَخَذْتُ مِنْهَا جُزْءًا، فَحَمَلْتُهُ إلَى أَصْحَابِي، فَاطَّبَخْنَاهُ فَأَكَلْنَاهُ. فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّى لَكَ هَذَا اللَّحْمُ يَا عَوْفُ؟ قَالَ: فَأَخْبَرْتهمَا خَبَرَهُ، فَقَالَا: وَاَللَّهِ مَا أَحْسَنْتُ حِينَ

_ [1] لَا تخفر الله: لَا تنقض عَهده. [2] الناتئ: الْمُرْتَفع المنتفخ. والعضل: جمع عضلة، وَهِي الْقطعَة الشَّدِيدَة من اللَّحْم. [3] يعضوها: يقسموها. [4] اللبق: الحاذق الرفيق فِي الْعَمَل والجازر؟ الّذي يذبح الْجَزُور. [5] العشير: النَّصِيب، لِأَن الْجَزُور كَانَت تقسم على عشرَة أَجزَاء، فَكل جُزْء مِنْهَا عشير. (عَن أَبى ذَر) . 40- سيرة ابْن هِشَام- 2

غزوة ابن أبى حدرد بطن إضم، وقتل عامر ابن الأضبط الأشجعي وغزوة ابن أبى حدرد وأصحابه بطن إضم، وكانت قبل الفتح

أَطْعَمْتنَا هَذَا، ثمَّ قاما يتقيّئان مَا فِي بُطُونِهِمَا مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَلَمَّا قَفَلَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرِ، كُنْتُ أَوَّلَ قَادِمٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَجِئْتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ، قَالَ: فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، قَالَ: أَعَوْفُ بْنُ مَالِكٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، قَالَ: أَصَاحِبُ الْجَزُورِ؟ وَلَمْ يَزِدْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا. [1] غَزْوَةُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ بَطْنَ إضَمَ، وَقَتْلُ عَامِرِ ابْن الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيِّ وَغَزْوَةُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ وَأَصْحَابِهِ بَطْنَ إضَمَ، وَكَانَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ (مَقْتَلُ ابْنِ الْأَضْبَطِ وَمَا نَزَلَ فِيهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْن أَبِي حَدْرَدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى إضَمَ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ، وَمُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ بْنِ قَيْسٍ، فَخَرَجْنَا حَتَّى إذَا كُنَّا بِبَطْنِ إضَمَ، مَرَّ بِنَّا عَامِرُ بْنُ الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيُّ، عَلَى قَعُودٍ [2] لَهُ، وَمَعَهُ مُتَيِّعٌ [3] لَهُ، وَوَطْبٌ [4] مِنْ لَبَنٍ. قَالَ: فَلَمَّا مَرَّ بِنَا سَلَّمَ عَلَيْنَا بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ، فَأَمْسَكْنَا عَنْهُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ، فَقَتَلَهُ لِشَيْءِ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَأَخَذَ بَعِيرَهُ، وَأَخَذَ مُتَيِّعَهُ. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ، نَزَلَ فِينَا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا، وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً، تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا 4: 94 ... إلَى آخِرِ الْآيَةِ.

_ [1] زَادَت أ: «وَلم يزدني على السَّلَام» . [2] الْقعُود: الْبَعِير يقتعده الرَّاعِي فِي كل حَاجَة. [3] المتيع: تَصْغِير مَتَاع. [4] الوطب: وعَاء اللَّبن.

(ابن حابس وابن حصن يختصمان في دم ابن الأضبط إلى الرسول) :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَرَأَ أَبُو عَمْرِو بْنِ الْعِلَاءِ: «وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً 4: 94» لِهَذَا الْحَدِيثِ. (ابْنُ حَابِسٍ وَابْنُ حِصْنٍ يَخْتَصِمَانِ فِي دَمِ ابْنِ الْأَضْبَطِ إلَى الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ ضُمَيْرةَ [1] بْنِ سَعْدٍ السُّلَمِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، وَكَانَا شَهِدَا حُنَيْنًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ، ثُمَّ عَمِدَ إلَى ظِلِّ شَجَرَةٍ، فَجَلَسَ تَحْتَهَا، وَهُوَ بِحُنَيْنٍ، فَقَامَ إلَيْهِ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، يَخْتَصِمَانِ فِي عَامِرِ ابْن أَضْبَطَ الْأَشْجَعِيِّ: عُيَيْنَةُ يَطْلُبُ بِدَمِ عَامِرٍ، وَهُوَ يَوْمئِذٍ رَئِيسُ غَطَفَانَ، وَالْأَقْرَعُ ابْن حَابِسٍ يَدْفَعُ عَنْ مُحَلِّمِ بْنِ جَثَّامَةَ، لِمَكَانِهِ مِنْ خُنْدُفَ، فَتَدَاوَلَا الْخُصُومَةَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ، فَسَمِعْنَا عُيَيْنَةُ بْنَ حِصْنٍ وَهُوَ يَقُولُ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَدْعُهُ حَتَّى أُذِيقَ نِسَاءَهُ مِنْ الْحُرْقَةِ [2] مِثْلَ مَا أَذَاقَ نِسَائِي، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: بَلْ تَأْخُذُونَ الدِّيَةَ خَمْسِينَ فِي سَفَرِنَا هَذَا، وَخَمْسِينَ إذَا رَجَعْنَا، وَهُوَ يَأْبَى عَلَيْهِ، إذْ قَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ، يُقَالُ لَهُ: مُكَيْثِرٌ، قَصِيرٌ مَجْمُوعٌ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُكَيْتِلٌ- فَقَالَ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ لِهَذَا الْقَتِيلِ شَبَهًا فِي غُرَّةِ الْإِسْلَامِ [3] إلَّا كَغَنَمٍ وَرَدَتْ فَرُمِيَتْ أُولَاهَا، فَنَفَرَتْ أُخْرَاهَا، اُسْنُنْ [4] الْيَوْمَ، وَغَيِّرْ [5] غَدًا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ. فَقَالَ: بَلْ تَأْخُذُونَ الدِّيَةَ خَمْسِينَ فِي سَفَرِنَا هَذَا، وَخَمْسِينَ إذَا رَجَعْنَا. قَالَ: فَقَبِلُوا الدِّيَةَ. قَالَ: ثُمَّ قَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكُمْ هَذَا، يَسْتَغْفِرُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ [1] قَالَ أَبُو ذَر: «كَذَا وَقع هُنَا فِي الأَصْل بِالْمِيم، ويروى أَيْضا: «ضبيرة» بِالْبَاء وَالصَّوَاب: «ضميرَة» بِالْمِيم. وَكَذَلِكَ ذكره البُخَارِيّ. [2] فِي أ: «من الْحر» . [3] غرَّة الْإِسْلَام: أَوله. [4] اسنن الْيَوْم: احكم لنا الْيَوْم بِالدَّمِ فِي أمرنَا هَذَا، واحكم غَدا بِالدِّيَةِ لمن شِئْت. [5] وَغير: من الْغيرَة، وَهِي الدِّيَة (هُنَا) وَذَلِكَ أَن قَتله عِنْد رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ خطأ لَا عمدا. ويروى: «غبر» بِالْبَاء الْمُوَحدَة، أَي أبق حُكُومَة الدِّيَة إِلَى وَقت آخر. (عَن أَبى ذَر) .

(موت محلم وما حدث له) :

قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ آدَمُ ضَرْبٌ [1] طَوِيلٌ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ لَهُ، قَدْ كَانَ تَهَيَّأَ لِلْقَتْلِ فِيهَا، حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: أَنَا مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهمّ لَا تَغْفِرْ لِمُحَلِّمِ بْنِ جَثَّامَةَ ثَلَاثًا. قَالَ: فَقَامَ وَهُوَ يَتَلَقَّى دَمْعَهُ بِفَضْلِ رِدَائِهِ. قَالَ: فَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ فِيمَا بَيْنَنَا: إنَّا لَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اسْتَغْفَرَ لَهُ، وَأَمَّا مَا ظَهَرَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذَا. (مَوْتُ مُحَلِّمٍ وَمَا حَدَثَ لَهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ: أَمَّنْتَهُ باللَّه ثُمَّ قَتَلْتَهُ! ثُمَّ قَالَ لَهُ الْمَقَالَةَ الَّتِي قَالَ، قَالَ: فو الله مَا مَكَثَ مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ إلَّا سَبْعًا حَتَّى مَاتَ، فَلَفَظَتْهُ [2] ، وَاَلَّذِي نَفْسُ الْحَسَنِ بِيَدِهِ، الْأَرْضُ، ثُمَّ عَادُوا لَهُ، فَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، ثُمَّ عَادُوا فَلَفَظَتْهُ، فَلَمَّا غُلِبَ قَوْمُهُ عَمِدُوا إلَى صُدَّيْنِ [3] ، فَسَطَحُوهُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ رَضَمُوا [4] عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ حَتَّى وَارَوْهُ. قَالَ: فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَأْنُهُ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنَّ الْأَرْضَ لَتَطَّابِقُ عَلَى مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يَعِظَكُمْ فِي حُرْمِ مَا بَيْنَكُمْ بِمَا أَرَاكُمْ مِنْهُ. (دِيَةُ ابْنِ الْأَضْبَطِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَخْبَرَنَا سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ أَنَّهُ حُدِّثَ: أَنَّ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَقَيْسًا حِينَ قَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَخَلَا بِهِمْ، يَا مَعْشَرَ قَيْسٍ، مَنَعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتِيلًا يَسْتَصْلِحُ بِهِ النَّاسَ، أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَلْعَنَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَلْعَنَكُمْ اللَّهُ بِلَعْنَتِهِ، أَوْ أَنْ يَغْضَبَ عَلَيْكُمْ فَيَغْضَبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِغَضَبِهِ؟ وَاَللَّهِ الَّذِي نَفْسُ الْأَقْرَعِ بِيَدِهِ لَتُسَلِّمُنَّهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ [1] ضرب: خَفِيف اللَّحْم. [2] لفظته الأَرْض: ألقته على وَجههَا. [3] الصد (بِضَم الصَّاد وَفتحهَا وَتَشْديد الدَّال) : الْجَبَل. [4] رضموا عَلَيْهِ الْحِجَارَة: جعلُوا بَعْضهَا فَوق بعض.

غزوة ابن أبى حدرد لقتل رفاعة بن قيس الجشمي

فَلَيَصْنَعَنَّ فِيهِ مَا أَرَادَ، أَوْ لَآتِيَنَّ بِخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يَشْهَدُونَ باللَّه كُلُّهُمْ: لَقُتِلَ صَاحِبُكُمْ كَافِرًا، مَا صَلَّى قَطُّ، فَلَأَطُلَّنَّ [1] دَمَهُ، فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ، قَبِلُوا الدِّيَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُحَلِّمٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كُلِّهِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ، وَهُوَ مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ بْنِ قَيْسٍ اللَّيْثِيُّ. وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: مُلَجَّمٌ، فِيمَا حَدَّثَنَاهُ زِيَادٌ عَنْهُ. غَزْوَةُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ لِقَتْلِ رِفَاعَةَ بْنِ قَيْسٍ الْجُشَمِيِّ (سَبَبُهَا) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَغَزْوَةُ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيُّ الْغَابَةَ. وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا فِيمَا بَلَغَنِي، عَمَّنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ، قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ قومِي، وأصدقتها مِائَتي دِرْهَمٍ، قَالَ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَعِينُهُ عَلَى نِكَاحِي، فَقَالَ: وَكَمْ أصدقت؟ فَقلت: مِائَتي دِرْهَمٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، لَوْ كُنْتُمْ تَأْخُذُونَ الدَّرَاهِمَ مِنْ بَطْنِ وَادٍ مَا زِدْتُمْ، وَاَللَّهِ مَا عِنْدِي مَا أُعِينُكَ بِهِ. قَالَ: فَلَبِثْتُ أَيَّامًا، وَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي جُشَمَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، يُقَالُ لَهُ: رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ، أَوْ قَيْسُ بْنُ رِفَاعَةَ، فِي بَطْنٍ [2] عَظِيمٍ مِنْ بَنِي جُشَمَ، حَتَّى نَزَلَ بِقَوْمِهِ وَمَنْ مَعَهُ بِالْغَابَةِ، يُرِيدُ أَنْ يَجْمَعَ قَيْسَا عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ ذَا اسْمٍ فِي جُشَمَ وَشَرَفٍ. قَالَ: فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلَيْنِ مَعِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ:: اُخْرُجُوا إلَى هَذَا الرَّجُلِ حَتَّى تَأْتُوا مِنْهُ بِخَبَرِ وَعِلْمٍ. قَالَ: وَقَدَّمَ لَنَا شَارِفًا عَجْفَاءَ [3] ، فَحُمِلَ عَلَيْهَا أَحَدنَا، فو الله مَا قَامَتْ

_ [1] فلأطلن دَمه: فَلَا يُؤْخَذ بثأره. [2] الْبَطن: أَصْغَر من الْقَبِيلَة. [3] الشارف: النَّاقة المسنة. والعجفاء: المهزولة.

(انتصار المسلمين ونصيب ابن أبى حدرد من فيء استعان به على الزواج) :

بِهِ ضَعْفًا حَتَّى دَعَمَهَا [1] الرِّجَالُ مِنْ خَلْفِهَا بِأَيْدِيهِمْ، حَتَّى اسْتَقَلَّتْ [2] وَمَا كَادَتْ ثُمَّ قَالَ: تُبَلَّغُوا عَلَيْهَا وَاعْتُقِبُوهَا [3] . (انْتِصَارُ الْمُسْلِمِينَ وَنَصِيبُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ مِنْ فَيْءٍ اسْتَعَانَ بِهِ عَلَى الزَّوَاجِ) : قَالَ: فَخَرَجْنَا وَمَعَنَا سِلَاحُنَا مِنْ النَّبْلِ وَالسُّيُوفِ، حَتَّى إذَا جِئْنَا قَرِيبًا مِنْ الْحَاضِرِ عُشَيْشِيَّةً [4] مَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. قَالَ: كَمَنْتُ فِي نَاحِيَةٍ، وَأَمَرْتُ صَاحِبِيَّ، فَكَمَنَا فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى مِنْ حَاضِرِ الْقَوْمِ، وَقُلْتُ لَهُمَا: إذَا سَمِعْتُمَانِي قَدْ كَبَّرْتُ وَشَدَدْتُ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ فَكَبِّرَا وَشُدَّا معى. قَالَ: فو الله إنَّا لِكَذَلِكَ نَنْتَظِرُ غِرَّةَ [5] الْقَوْمِ، أَوْ أَنْ نُصِيبَ مِنْهُمْ شَيْئًا. قَالَ: وَقَدْ غَشِيَنَا اللَّيْلُ حَتَّى ذَهَبَتْ فَحْمَةُ [6] الْعِشَاءِ، وَقَدْ كَانَ لَهُمْ رَاعٍ قَدْ سَرَّحَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تُخَوَّفُوا عَلَيْهِ. قَالَ: فَقَامَ صَاحِبُهُمْ ذَلِكَ رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ، فَأَخَذَ سَيْفَهُ، فَجَعَلَهُ فِي عُنُقِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَتَّبِعَنَّ أَثَرَ رَاعِينَا هَذَا، وَلَقَدْ أَصَابَهُ شَرٌّ، فَقَالَ لَهُ نَفَرٌ مِمَّنْ مَعَهُ: وَاَللَّهِ لَا تَذْهَبْ، نَحْنُ نَكْفِيكَ، قَالَ: وَاَللَّهِ لَا يَذْهَبُ إلَّا أَنَا، قَالُوا: فَنَحْنُ مَعَكَ، قَالَ: وَاَللَّهِ لَا يَتْبَعُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ. قَالَ: وَخَرَجَ حَتَّى يَمُرَّ بِي. قَالَ: فَلَمَّا أَمْكَنَنِي نَفْحَتُهُ [7] بِسَهْمِي، فَوَضَعْتُهُ فِي فُؤَاده. قَالَ: فو الله مَا تَكَلَّمَ، وَوَثَبْتُ إلَيْهِ، فَاحْتَزَزْتُ رَأْسَهُ. قَالَ: وَشَدَدْتُ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ، وَكَبَّرْتُ، وَشَدَّ صَاحِبَايَ وكبّرا. قَالَ: فو الله مَا كَانَ إلَّا النَّجَاءُ مِمَّنْ فِيهِ، عِنْدَكَ، عِنْدَكَ [8] ، بِكُلِّ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ نِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، وَمَا خَفَّ مَعَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. قَالَ: وَاسْتَقْنَا إبِلًا عَظِيمَةً، وَغَنَمًا كَثِيرَةً، فَجِئْنَا بِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَجِئْتُ بِرَأْسِهِ

_ [1] دعمها الرِّجَال: قووها بِأَيْدِيهِم. [2] اسْتَقَلت: نهضت. [3] اعتقبوها: اركبوها معاقبة، أَي وَاحِدًا بعد الآخر. [4] عشيشية: تَصْغِير عَشِيَّة على غير قِيَاس. [5] الْغرَّة: الْغَفْلَة. [6] فَحْمَة الْعشَاء: أول ظلام اللَّيْل. [7] نفحته بسهمى: رميته بِهِ. [8] عنْدك عنْدك: كلمتان بِمَعْنى الإغراء.

غزوة عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل

أَحْمِلُهُ مَعِي. قَالَ: فَأَعَانَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ بِثَلَاثَة عشر يعيرا فِي صَدَاقِي، فَجَمَعْتُ إلَيَّ أَهْلِي. غَزْوَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ (شَيْءٌ مِنْ وَعْظِ الرَّسُولِ لِقَوْمِهِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ إرْسَالِ الْعِمَامَةِ مِنْ خَلْفِ الرَّجُلِ إذَا اعْتَمَّ، قَالَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَأُخْبِرُكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ بِعِلْمِ: كُنْتُ عَاشِرَ عَشَرَةِ رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِهِ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَمُعَاذُ ابْن جَبَلٍ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذْ أَقْبَلَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ، فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ، أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا لِلْمَوْتِ، وَأَحْسَنُهُمْ اسْتِعْدَادًا لَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ، أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ، ثُمَّ سَكَتَ الْفَتَى، وَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسُ خِصَالٍ إذَا نَزَلْنَ بِكُمْ وَأَعُوذُ باللَّه أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: إنَّهُ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا [1] إلَّا ظَهَرَ فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ، الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ [2] وَشِدَّةِ الْمُؤْنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ، وَلَمْ يَمْنَعُوا الزَّكَاةَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، فَلَوْلَا الْبَهَائِمُ مَا مُطِرُوا، وَمَا نَقَضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إلَّا سُلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوٌّ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذَ بَعْضَ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ يَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَتَجَبَّرُوا [3] فِيمَا أَنَزَلَ اللَّهُ إلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ» .

_ [1] يعلنوا بهَا: يجاهروا بهَا. [2] بِالسِّنِينَ: الجدب. [3] كَذَا فِي م، ر. وَتجبرُوا: تعاظموا عَن أَن يحكموا بِمَا أنزل الله، وَفِي أ: «وتحيروا» .

(تأمير ابن عوف واعتمامه) :

(تَأْمِيرُ ابْنِ عَوْفٍ وَاعْتِمَامُهُ) : ثُمَّ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَنْ يَتَجَهَّزَ لِسَرِيَّةِ بَعَثَهُ عَلَيْهَا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ اعْتَمَّ بِعِمَامَةِ مِنْ كَرَابِيسَ [1] سَوْدَاءَ، فَأَدْنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ، ثُمَّ نَقَضَهَا، ثُمَّ عَمَّمَهُ بِهَا، وَأَرْسَلَ مِنْ خَلْفِهِ أَرْبَعَ أَصَابِعَ أَوْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا يَا بن عَوْفٍ فَاعْتَمَّ، فَإِنَّهُ أَحْسَنُ وَأَعْرَفُ، ثُمَّ أَمَرَ بَلَالًا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ اللِّوَاءَ. فَدَفَعَهُ إلَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَصلى الله عَلَى نَفْسِهِ، ثمَّ قَالَ: خَدّه يَا بْنَ عَوْفٍ، اُغْزُوَا جَمِيعًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ باللَّه، لَا تَغُلُّوا [2] ، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلَيَدًا، فَهَذَا عَهْدُ اللَّهِ وَسِيرَةُ نَبِيِّهِ فِيكُمْ. فَأَخَذَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ اللِّوَاءَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَخَرَجَ إلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ. غَزْوَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ (نَفَادُ الطَّعَامِ وَخَبَرُ دَابَّةِ الْبَحْرِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عِبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً إلَى سِيفِ الْبَحْرِ [3] ، عَلَيْهِمْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَزَوَّدَهُمْ جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ، فَجَعَلَ يَقُوتُهُمْ إيَّاهُ، حَتَّى صَارَ إلَى أَنْ يَعُدَّهُ عَلَيْهِمْ عَدَدًا. قَالَ: ثُمَّ نَفِدَ التَّمْرُ، حَتَّى كَانَ يُعْطَى كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ كُلَّ يَوْمٍ تَمْرَةً. قَالَ: فَقَسَمَهَا يَوْمًا بَيْنَنَا. قَالَ: فَنَقَصَتْ تَمْرَةٌ عَنْ رَجُلٍ، فَوَجَدْنَا فَقَدَهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ. قَالَ: فَلَمَّا جَهَدَنَا الْجُوعُ أَخَرَجَ اللَّهُ لَنَا دَابَّةً مِنْ الْبَحْرِ، فَأَصَبْنَا مِنْ لَحْمِهَا وَوَدَكِهَا [4] ، وَأَقَمْنَا عَلَيْهَا عِشْرِينَ لَيْلَةً، حَتَّى سَمِّنَا وَابْتَلَلْنَا [5] ، وَأَخَذَ أَمِيرُنَا ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهَا، فَوَضَعَهَا عَلَى طَرِيقِهِ، ثُمَّ أَمَرَ

_ [1] الكرابيس: جمع كرباس، وَهُوَ الْقطن. [2] لَا تغلوا: لَا تخونوا فِي الْمَغَانِم. [3] سيف الْبَحْر: جَانِبه وساحله. [4] الودك: الشَّحْم. [5] ابتللنا: أفقنا من ألم الْجُوع الّذي كَانَ بِنَا، من قَوْلك: بل فلَان من مَرضه، وأبل، واستبل: إِذا أَخذ فِي الرَّاحَة.

بعث عمرو بن أمية الضمري لقتال أبى سفيان بن حرب وما صنع في طريقه

بِأَجْسَمِ بَعِيرٍ مَعَنَا، فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَجْسَمَ رَجُلٍ مِنَّا. قَالَ: فَجَلَسَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَخَرَجَ مِنْ تَحْتِهَا وَمَا مَسَّتْ رَأْسُهُ. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرْنَاهُ خَبَرَهَا، وَسَأَلْنَاهُ عَمَّا صَنَعْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَكْلِنَا إيَّاهُ، فَقَالَ: رِزْقٌ رَزَقَكُمُوهُ اللَّهُ. بَعْثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ لِقِتَالِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَمَا صَنَعَ فِي طَرِيقِهِ (قُدُومُهُ مَكَّةَ وَتَعْرُّفُ الْقَوْمِ عَلَيْهِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمِمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ بُعُوثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَرَايَاهُ [1] بَعْثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ، بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، بَعْدَ مَقْتَلِ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ إلَى مَكَّةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْتُلَ أَبَا سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَبَعَثَ مَعَهُ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ الْأَنْصَارِيَّ فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا مَكَّةَ، وَحَبَسَا جَمَلَيْهِمَا بِشِعْبٍ [2] مِنْ شِعَابِ يَأْجَجَ [3] ، ثُمَّ دَخَلَا مَكَّةَ لَيْلًا، فَقَالَ جَبَّارٌ لِعَمْرِو: لَوْ أَنَّا طُفْنَا بِالْبَيْتِ وَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ؟ فَقَالَ عَمْرٌو: إنَّ الْقَوْمَ إذَا تَعَشَّوْا جَلَسُوا بِأَفْنِيَتِهِمْ، فَقَالَ: كَلَّا، إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَالَ عَمْرٌو: فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ، وَصَلَّيْنَا، ثُمَّ خَرَجْنَا نُرِيدُ أَبَا سُفْيَان، فو الله إنَّا لَنَمْشِي بِمَكَّةَ إذْ نَظَرَ إلَيَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَعَرَفَنِي، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ: وَاَللَّهِ إنْ قَدِمَهَا إلَّا لِشَرٍّ، فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: النَّجَاءُ، فَخَرَجْنَا نَشْتَدُّ، حَتَّى أَصْعَدْنَا فِي جَبَلٍ، وَخَرَجُوا فِي طَلَبِنَا، حَتَّى إذَا عَلَوْنَا الْجَبَلَ يَئِسُوا مِنَّا، فَرَجَعْنَا، فَدَخَلْنَا كَهْفًا فِي الْجَبَلِ، فَبِتْنَا فِيهِ، وَقَدْ أَخَذْنَا حِجَارَةً فَرَضَمْنَاهَا [4] دُونَنَا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا غَدًا رَجُلٌ مِنْ

_ [1] ذكر السهيليّ هُنَا حَدِيثا يُخطئ فِيهِ ابْن هِشَام فِيمَا ادَّعَاهُ على ابْن إِسْحَاق من إغفاله بعض الْبعُوث، قَالَ: «هُوَ غلط مِنْهُ، قد ذكره ابْن إِسْحَاق، عَن جَعْفَر بن عَمْرو بن أُميَّة بن عَمْرو بن أُميَّة فِيمَا حدث أَسد عَن يحيى بن زَكَرِيَّا، عَن ابْن إِسْحَاق» (انْظُر الرَّوْض الْأنف ج 2 ص 263) . [2] الشّعب (بتَشْديد الشين الْمَكْسُورَة) : الطَّرِيق الخفى بَين جبلين. [3] يأجج: اسْم مَوضِع بِمَكَّة، ذكره الْقَامُوس فِي أجج ويجج. وَضَبطه كيسمع وينصر وَيضْرب. [4] رضمناها دُوننَا: جعلنَا بعض الْحِجَارَة فَوق بعض، لتَكون حاجزا بَيْننَا وَبَين من يطلبنا.

(قتله أبا سفيان وهربه) :

قُرَيْشٍ يَقُودُ فَرَسًا لَهُ، وَيَخْلِي عَلَيْهَا [1] ، فَغَشِيَنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ، فَقُلْتُ: إنْ رَآنَا صَاحَ بِنَا، فَأُخِذْنَا فَقُتِلْنَا. (قَتْلُهُ أَبَا سُفْيَانَ وَهَرَبُهُ) : قَالَ: وَمَعِي خِنْجَرٌ قَدْ أَعْدَدْتُهُ لِأَبِي سُفْيَانَ، فَأَخْرُجُ إلَيْهِ، فَأَضْرِبُهُ عَلَى ثَدْيِهِ ضَرْبَةً، وَصَاحَ صَيْحَةً أَسْمَعَ أَهْلَ مَكَّةَ، وَأَرْجِعُ فَأَدْخُلُ مَكَانِي، وَجَاءَهُ النَّاسُ يَشْتَدُّونَ وَهُوَ بِآخِرِ رَمَقٍ، فَقَالُوا: مَنْ ضَرَبَكَ؟ فَقَالَ: عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ، وَغَلَبَهُ الْمَوْتُ، فَمَاتَ مَكَانَهُ، وَلَمْ يَدْلُلْ عَلَى مَكَانِنَا، فَاحْتَمَلُوهُ. فَقُلْتُ لِصَاحِبِي، لَمَّا أَمْسَيْنَا: النَّجَاءُ، فَخَرَجْنَا لَيْلًا مِنْ مَكَّةَ نُرِيدُ الْمَدِينَةَ، فَمَرَرْنَا بِالْحَرَسِ وَهُمْ يَحْرَسُونَ جِيفَةَ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: وَاَللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَاللَّيْلَةِ أَشَبَهَ بِمِشْيَةِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، لَوْلَا أَنَّهُ بِالْمَدِينَةِ لَقُلْتُ هُوَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ، قَالَ: فَلَمَّا حَاذَى الْخَشَبَةَ شَدَّ عَلَيْهَا، فَأَخَذَهَا فَاحْتَمَلَهَا، وَخَرَجَا شَدًّا، وَخَرَجُوا وَرَاءَهُ، حَتَّى أَتَى جُرْفًا بِمَهْبِطِ مَسِيلِ يَأْجَجَ، فَرَمَى بِالْخَشَبَةِ فِي الْجُرْفِ، فَغَيَّبَهُ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، قَالَ: وَقُلْتُ لِصَاحِبِي: النَّجَاءَ النَّجَاءَ، حَتَّى تَأْتِيَ بَعِيرَكَ فَتَقْعُدَ عَلَيْهِ، فَإِنِّي سَأَشْغَلُ [2] عَنْكَ الْقَوْمَ، وَكَانَ الْأَنْصَارِيُّ لَا رُجْلَةَ لَهُ [3] . (قَتْلُهُ بَكْرِيًّا فِي غَارٍ) : قَالَ: وَمَضَيْتُ حَتَّى أَخْرُجَ عَلَى ضَجْنَانَ [4] ، ثُمَّ أَوَيْتُ إلَى جَبَلِ، فَأَدْخُلُ كَهْفًا، فَبَيْنَا أَنَا فِيهِ، إذْ دَخَلَ عَلَيَّ شَيْخٌ مِنْ بَنِي الدِّيلِ أَعْوَرُ، فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ، فَقَالَ: مَنْ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: مِنْ بَنِي بَكْرٍ، فَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ بَنِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ: مَرْحَبًا، فَاضْطَجَعَ، ثُمَّ رَفَعَ عَقِيرَتَهُ، فَقَالَ: وَلَسْتُ بِمُسْلِمٍ مَا دُمْتُ حَيًّا ... وَلَا دَانٍ لِدِينِ الْمُسْلِمِينَا فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: سَتَعْلَمُ، فَأَمْهَلْتُهُ، حَتَّى إذَا نَامَ أَخَذْتُ قَوْسِي، فَجَعَلْتُ سِيَتَهَا [5]

_ [1] يخلى عَلَيْهَا: يجمع لَهَا الخلي، وَهُوَ الرّبيع، وَيُسمى خلى، لِأَنَّهُ يخْتَلى، أَي يقطع. [2] فِي أ: «شاغل» . [3] لَا رجلة لَهُ: لَيْسَ لَهُ قُوَّة بِالْمَشْيِ على رجلَيْهِ، يُقَال. فلَان ذُو رجلة، إِذا كَانَ يقوى على الْمَشْي. [4] ضجنَان (كسكران) : اسْم جبل قرب مَكَّة. [5] سية الْقوس: طرفها.

سرية زيد بن حارثة إلى مدين

فِي عَيْنِهِ الصَّحِيحَةِ، ثُمَّ تَحَامَلْتُ عَلَيْهِ حَتَّى بَلَغَتْ الْعَظْمَ، ثُمَّ خَرَجْتُ النَّجَاءَ، حَتَّى جِئْتُ الْعَرْجَ [1] ، ثُمَّ سَلَكْتُ رَكُوبَةً [2] ، حَتَّى إذَا هَبَطْتُ النَّقِيعَ [3] إذَا رَجُلَانِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، كَانَتْ قُرَيْشٌ بَعَثَتْهُمَا عَيْنًا إلَى الْمَدِينَةِ يَنْظُرَانِ وَيَتَحَسَّسَانِ، فَقُلْتُ اسْتَأْسِرَا، فَأَبَيَا، فَأَرْمِي أَحَدَهُمَا بِسَهْمِ فَأَقْتُلُهُ، وَاسْتَأْسَرَ الْآخَرُ، فَأُوَثِّقُهُ رِبَاطًا، وَقَدِمْتُ بِهِ الْمَدِينَةَ. سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى مَدْيَنَ (بَعْثُهُ هُوَ وَضُمَيْرَةُ وَقِصَّةُ السَّبْيِ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [4] : وَسَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى مَدْيَنَ. ذَكَرَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنِ ابْن [5] حَسَنٍ، عَنْ أمه فَاطِمَة بنت الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمْ رِضْوَانُ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ نَحْوَ مَدْيَنَ، وَمَعَهُ ضُمَيْرةَ مَوْلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَأَخٌ لَهُ. قَالَتْ: فَأَصَابَ سَبْيًا مِنْ أَهْلِ مِينَاءَ، وَهِيَ السَّوَاحِلُ، وَفِيهَا جُمَّاعٌ [6] مِنْ النَّاسِ، فَبِيعُوا، فَفُرِّقَ بَيْنَهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَبْكُونَ، فَقَالَ: مَا لَهُمْ؟ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فُرِّقَ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَبِيعُوهُمْ إلَّا جَمِيعًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَرَادَ الْأُمَّهَاتَ وَالْأَوْلَادَ. سَرِيَّةُ سَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ لِقَتْلِ أَبِي عَفَكٍ (سَبَبُ نِفَاقِ أَبِي عَفَكٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَغَزْوَةُ سَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ لِقَتْلِ أَبِي [7] عَفَكٍ، أَحَدُ بَنِي عَمْرِو

_ [1] العرج: اسْم منزل بطرِيق مَكَّة، أَو وَاد بالحجاز. (انْظُر الْقَامُوس) . [2] ركوبة، قَالَ فِي الْقَامُوس: ثنية بَين الْحَرَمَيْنِ. [3] النقيع: مَوضِع بِبِلَاد مزينة على لَيْلَتَيْنِ من الْمَدِينَة. [4] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ. [5] فِي أ: «عبد الله بن حُسَيْن بن حسن» وَهُوَ تَحْرِيف. [6] الْجِمَاع: من الأضداد، يكون تَارَة المجتمعين، وَتارَة المفترقين، وَأَرَادَ بِهِ هُنَا جماعات من النَّاس مختلطين. [7] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «غَزْوَة سَالم بن عُمَيْر أَبَا عفك» .

(قتل ابن عمير له وشعر المزيرية) :

ابْن عَوْفٍ ثُمَّ مِنْ بَنِي عُبَيْدَةَ، وَكَانَ قَدْ نَجَمَ [1] نِفَاقُهُ، حِينَ قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْدٍ بْنِ صَامِتٍ، فَقَالَ: لَقَدْ عِشْتُ دَهْرًا وَمَا إنْ أَرَى ... مِنْ النَّاسِ دَارًا وَلَا مَجْمَعَا أَبَرَّ عُهُودًا وَأَوْفَى لِمَنْ ... يُعَاقَدُ فِيهِمْ إذَا مَا دَعَا مِنْ أَوْلَادِ قَيْلَةَ فِي جَمْعِهِمْ ... يَهُدُّ الْجِبَالَ وَلَمْ يَخْضَعَا [2] فَصَدَّعَهُمْ رَاكِبٌ جَاءَهُمْ ... حَلَالٌ حَرَامٌ لِشَتَّى مَعَا [3] فَلَوْ أَنَّ بِالْعِزِّ صَدَّقْتُمْ ... أَوْ الْمُلْكِ تَابَعْتُمْ تُبَّعَا [4] (قَتْلُ ابْنِ عُمَيْرٍ لَهُ وَشِعْرُ الْمُزَيْرِيَّةِ) : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ لِي بِهَذَا الْخَبِيثِ، فَخَرَجَ سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَهُوَ أحد البكّاءين، فَقَتَلَهُ؟ فَقَالَتْ أُمَامَةُ الْمُزَيْرِيَّةِ فِي ذَلِكَ: تُكَذِّبُ دِينَ اللَّهِ وَالْمَرْءَ أَحْمَدَا ... لَعَمْرُ الَّذِي أَمْنَاكَ أَنْ بِئْسَ مَا يُمْنِي [5] حَبَاكَ حَنِيفٌ آخِرَ اللَّيْلِ طَعْنَةً ... أَبَا عَفَكٍ خُذْهَا عَلَى كِبَرِ السِّنِّ [6] غَزْوَةُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ الْخِطْمِيِّ لِقَتْلِ عَصْمَاءَ بِنْتَ مَرْوَانَ (نِفَاقُهَا وَشِعْرُهَا فِي ذَلِكَ) : وَغَزْوَةُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ الْخِطْمِيِّ عَصْمَاءَ بِنْتَ مَرْوَانَ، وَهِيَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ ابْن زَيْدٍ، فَلَمَّا قُتِلَ أَبُو عَفَكٍ نَافَقَتْ، فَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ

_ [1] نجم: ظهر. [2] قيلة: اسْم امْرَأَة تنْسب إِلَيْهَا الْأَوْس والخزرج أنصار النَّبِي. وَلم يخضعا: أَرَادَ يخضعن بالنُّون الْخَفِيفَة، فَلَمَّا وقف عَلَيْهَا أبدل مِنْهَا ألفا. [3] صدعهم: فرقهم. [4] تبع: أحد مُلُوك الْيمن. [5] أمناك: أنساك. [6] حنيف: مُسلم.

(شعر حسان في الرد عليها) :

عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَكَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي خَطْمَةَ، وَيُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ زَيْدٍ فَقَالَتْ، تَعِيبُ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ: بِاسْتِ بَنِي مَالِكٍ وَالنَّبِيتِ ... وَعَوْفٍ وَبِاسْتِ بَنِي الْخَزْرَجِ أَطَعْتُمْ أَتَاوِيَّ مِنْ غَيْرِكُمْ ... فَلَا مِنْ مُرَادٍ وَلَا مَذْحِجِ [1] تَرْجُونَهُ بَعْدَ قَتْلِ الرُّءُوسِ ... كَمَا يُرْتَجَى مَرَقُ الْمُنْضَجِ [2] أَلَا أَنِفٌ يَبْتَغِيَ غِرَّةُ ... فَيَقْطَعُ مِنْ أَمَلِ الْمُرْتَجِي [3] (شِعْرُ حَسَّانَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهَا) : قَالَ: فَأَجَابَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، فَقَالَ: بَنُو وَائِلٍ وَبَنُو وَاقِفٍ ... وَخَطْمَةُ دُونَ بَنِي الْخَزْرَجِ مَتَى مَا دَعَتْ سَفَهًا وَيْحَهَا ... بِعَوْلَتِهَا وَالْمَنَايَا تَجِي [4] فَهَزَّتْ فَتًى مَاجِدًا عِرْقُهُ ... كَرِيمُ الْمَدَاخِلِ وَالْمَخْرَجِ فَضَرَّجَهَا من نجيع الدّماء ... بَعْدَ الْهُدُوِّ فَلَمْ يَحْرَجْ [5] (خُرُوجُ الْخِطْمِيِّ لَقَتْلِهَا) : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ، أَلَا آخِذٌ [6] لِي مِنْ ابْنَةِ مَرْوَانَ؟ فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَيْرُ بْنُ عَدِيٍّ الْخِطْمِيُّ، وَهُوَ عِنْدَهُ، فَلَمَّا أَمْسَى مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ سَرَى عَلَيْهَا فِي بَيْتِهَا فَقَتَلَهَا، ثُمَّ أَصْبَحَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي قَدْ قَتَلْتهَا. فَقَالَ نَصَرْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَا عُمَيْرُ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ شَيْءٌ مِنْ شَأْنِهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَا يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزَانِ [7] .

_ [1] الأتاوى: الْغَرِيب. وَمُرَاد ومذحج: قبيلتان من الْيمن. [2] الرُّءُوس: أَشْرَاف الْقَوْم. [3] الْأنف: الّذي يترفع عَن الشَّيْء. والغرة: الْغَفْلَة. [4] العولة: ارْتِفَاع الصَّوْت بالبكاء، وتجى: مسهل من تَجِيء. [5] ضرجها: لطخها بِالدَّمِ. والنجيع: الشَّديد الْحمرَة. والهدو: أَي بعد سَاعَة من اللَّيْل. وَلم يحرج: لم يَأْثَم. [6] فِي أ: «أحد» . [7] لَا ينتطح فِيهَا عنزان: أَي أَن شَأْنهَا هَين، لَا يكون فِيهِ طلب ثأر وَلَا اخْتِلَاف.

(شأن بنى خطمة) :

(شَأْنُ بَنِي خَطْمَةَ) : فَرَجَعَ عُمَيْرٌ إلَى قَوْمِهِ، وَبَنُو خَطْمَةَ يَوْمئِذٍ كَثِيرٌ مَوْجُهُمْ [1] فِي شَأْنِ بِنْتِ مَرْوَانَ، وَلَهَا يَوْمئِذٍ بَنُونَ خَمْسَةُ رِجَالٍ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ عُمَيْرُ بْنُ عَدِيٍّ مِنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يَا بَنِي خَطْمَةَ، أَنَا قَتَلْتُ ابْنَةَ مَرْوَانَ، فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونَ. فَذَلِكَ الْيَوْمُ أَوَّلُ مَا عَزَّ الْإِسْلَامُ فِي دَارِ بَنِي خَطْمَةَ، وَكَانَ يَسْتَخْفِي بِإِسْلَامِهِمْ فِيهِمْ مَنْ أَسْلَمَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ بَنِي خَطْمَةَ عُمَيْرُ بْنُ عَدِيٍّ، وَهُوَ الَّذِي يُدْعَى الْقَارِئَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَوْسٍ، وَخُزَيْمَةُ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَسْلَمَ، يَوْمَ قُتِلَتْ ابْنَةُ مَرْوَانَ، رِجَالٌ مِنْ بَنِي خَطْمَةَ، لَمَّا رَأَوْا مِنْ عِزِّ الْإِسْلَامِ. أَسْرُ ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ الْحَنَفِيِّ وَإِسْلَامُهُ وَالسَّرِيَّةُ الَّتِي أَسَرَتْ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ الْحَنَفِيَّ (إِسْلَامُهُ) : بَلَغَنِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هَرِيرَةَ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجَتْ خَيْلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَتْ رَجُلًا مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، لَا يَشْعُرُونَ مَنْ هُوَ، حَتَّى أَتَوْا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَنْ أَخَذْتُمْ، هَذَا ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ الْحَنَفِيُّ، أُحْسِنُوا إسَارَهُ. وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ: اجْمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَكُمْ مِنْ طَعَامٍ، فَابْعَثُوا بِهِ إلَيْهِ، وَأَمَرَ بِلِقْحَتِهِ [2] أَنْ يُغْدَى عَلَيْهِ بِهَا وَيُرَاحُ فَجَعَلَ لَا يَقَعُ مِنْ ثُمَامَةَ مَوْقِعًا وَيَأْتِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَسْلِمْ يَا ثُمَامَةُ، فَيَقُولُ: إيْهَا [3] يَا مُحَمَّدُ، إنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُرِدْ الْفِدَاءَ فَسَلْ مَا شِئْتُ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ، فَلَمَّا أَطْلَقُوهُ خَرَجَ حَتَّى أَتَى الْبَقِيعَ، فَتَطَهَّرَ فَأَحْسَنَ طُهُورَهُ، ثُمَّ

_ [1] موجهم: اخْتِلَاط كَلَامهم. [2] اللقحة.: وَاحِدَة اللقَاح من الْإِبِل، وَهِي النَّاقة الَّتِي لَهَا لبن. [3] إيها: حَسبك.

(خروجه إلى مكة وقصته مع قريش) :

أَقْبَلَ فَبَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمَّا أَمْسَى جَاءُوهُ بِمَا كَانُوا يَأْتُونَهُ مِنْ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُ إلَّا قَلِيلًا، وَبِاللِّقْحَةِ فَلَمْ يُصِبْ مِنْ حِلَابِهَا إلَّا يَسِيرًا فَعَجِبَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ: مِمَّ تَعْجَبُونَ؟ أَمِنْ رَجُلٍ أَكَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ فِي مِعَى كَافِرٍ، وَأَكَلَ آخِرَ النَّهَارِ فِي مِعَى مُسْلِمٍ! إنَّ الْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، وَإِنَّ الْمُسْلِمَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ. (خُرُوجُهُ إلَى مَكَّةَ وَقِصَّتُهُ مَعَ قُرَيْشٍ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبَلَغَنِي أَنَّهُ خَرَجَ مُعْتَمِرًا، حَتَّى إذَا كَانَ بِبَطْنِ مَكَّةَ لَبَّى، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ يُلَبِّي، فَأَخَذَتْهُ قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: لَقَدْ اخْتَرْتُ علينا، فَلَمَّا قديموه لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ، قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: دَعُوهُ فَإِنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إلَى الْيَمَامَةِ لِطَعَامِكُمْ، فَخَلُّوهُ، فَقَالَ الْحَنَفِيُّ فِي ذَلِكَ: وَمِنَّا الَّذِي لَبَّى بِمَكَّةَ مُعْلِنًا ... بِرَغْمِ أَبِي سُفْيَانَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمْ وَحُدِّثْتُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ أَسْلَمَ، لَقَدْ كَانَ وَجْهُكَ أَبْغَضَ الْوُجُوهِ إلَيَّ، وَلَقَدْ أَصْبَحَ وَهُوَ أَحَبُّ الْوُجُوهِ إلَيَّ. وَقَالَ فِي الدِّينِ وَالْبِلَادِ مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، قَالُوا: أَصَبَوْتُ يَا ثُمَامُ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُ خَيْرَ الدِّينِ، دِينَ مُحَمَّدٍ، وَلَا وَاَللَّهِ لَا تَصِلُ إلَيْكُمْ حَبَّةٌ مِنْ الْيَمَامَةِ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُول الله عَلَيْهِ وَسلم. ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْيَمَامَةِ، فَمَنَعَهُمْ أَنْ يَحْمِلُوا إلَى مَكَّةَ شَيْئًا، فَكَتَبُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّكَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّكَ قَدْ قَطَعْتُ أَرْحَامَنَا وَقَدْ قَتَلْتُ الْآبَاءَ بِالسَّيْفِ، وَالْأَبْنَاءَ بِالْجَوْعِ [1] ، فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ أَنْ يُخَلِّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْحَمْلِ. سَرِيَّةُ عَلْقَمَةَ بْنِ مُجَزِّزٍ (سَبَبُ إِرْسَالِ عَلْقَمَةَ) : وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلْقَمَةَ بْنَ مُجَزِّزٍ.

_ [1] الْعبارَة: «وَقد قتلت الْآبَاء بِالسَّيْفِ، وَالْأَبْنَاء بِالْجُوعِ» سَاقِطَة من أ.

(دعابة ابن حذافة مع جيشه) :

لَمَّا قُتِلَ وَقَّاصُ بْنُ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيَّ يَوْمَ ذِي قَرَدَ، سَأَلَ عَلْقَمَةُ بْنُ مُجَزِّزٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْعَثَهُ فِي آثَارِ الْقَوْمِ، لِيَدْرِكَ ثَأْرَهُ فِيهِمْ. (دُعَابَةُ ابْنِ حُذَافَةَ مَعَ جَيْشِهِ) : فَذَكَرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلْقَمَةَ بْنَ مُجَزِّزٍ- قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: وَأَنَا فِيهِمْ- حَتَّى إذَا بَلَغْنَا رَأَسَ غَزَاتِنَا أَوْ كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، أَذِنَ لِطَائِفَةِ مِنْ الْجَيْشِ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ فِيهِ دُعَابَةٌ [1] ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ أَوْقَدَ نَارًا، ثُمَّ قَالَ لِلْقَوْمِ: أَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمْ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: أَفَمَا أَنَا آمُرُكُمْ بِشَيْءِ إلَّا فَعَلْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكُمْ بِحَقِّي وَطَاعَتِي إلَّا تَوَاثَبْتُمْ فِي هَذِهِ النَّارِ، قَالَ: فَقَامَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَحْتَجِزُ [2] ، حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُمْ وَاثِبُونَ فِيهَا، فَقَالَ لَهُمْ: اجْلِسُوا، فَإِنَّمَا كُنْتُ أَضْحَكُ مَعَكُمْ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ قَدِمُوا [3] عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَمَرَكُمْ بِمَعْصِيَةٍ مِنْهُمْ فَلَا تُطِيعُوهُ. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ مُجَزِّزٍ رَجَعَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا. سَرِيَّةُ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ لِقَتْلِ الْبَجَلِيِّينَ الَّذِينَ قَتَلُوا يَسَارًا (شَأْنُ يَسَارٍ) : حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ مُحَارَبٍ وَبَنِيَّ ثَعْلَبَةَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ يَسَارٌ، فَجَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لِقَاحٍ لَهُ كَانَتْ تَرْعَى

_ [1] الدعابة: المزاح. [2] يحتجز: يشد ثَوْبه على خصره بِمَنْزِلَة الحزام. [3] فِي أ: «قدمنَا» .

(قتل البجليين وتنكيل الرسول بهم) :

فِي نَاحِيَةِ الْجَمَّاءِ [1] ، فَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرٌ مِنْ قَيْسٍ كُبَّةَ [2] مِنْ بَجِيلَةَ، فَاسْتَوْبَئُوا [3] ، وَطَحِلُوا [4] ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ خَرَجْتُمْ إلَى اللِّقَاحِ فَشَرِبْتُمْ مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَخَرَجُوا إلَيْهَا. (قَتْلُ الْبَجَلِيِّينَ وَتَنْكِيلُ الرَّسُولِ بِهِمْ) : فَلَمَّا صَحُّوا وَانْطَوَتْ بُطُونُهُمْ [5] ، عَدَوْا عَلَى رَاعِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسَارٍ، فَذَبَحُوهُ وَغَرَزُوا الشَّوْكَ فِي عَيْنَيْهِ، وَاسْتَاقُوا اللِّقَاحَ. فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آثَارِهِمْ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ، فَلَحِقَهُمْ، فَأَتَى بِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْجِعَهُ مِنْ غَزْوَةِ ذِي قَرَدَ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ [6] . غَزْوَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إلَى الْيَمَنِ وَغَزْوَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ إلَى الْيَمَنِ، غَزَاهَا مَرَّتَيْنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيُّ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ إلَى الْيَمَنِ، وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي جُنْدٍ آخَرَ، وَقَالَ: إنْ الْتَقَيْتُمَا فَالْأَمِيرُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ بَعْثَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فِي حَدِيثِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي عِدَّةِ الْبُعُوثِ وَالسَّرَايَا، فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ فِي قَوْلِهِ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ. بَعْثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَهُوَ آخِرُ الْبُعُوثِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ

_ [1] كَذَا فِي أ. والجماء: مَوضِع. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الْحمى» . [2] كبة: قَبيلَة من بجيلة. [3] فاستوبئوا: من الوباء، وَهُوَ كَثْرَة الْأَمْرَاض وعمومها. [4] طحلوا: أَصَابَهُم وجع الطحال وعظمه. [5] انطوت بطونهم: صَارَت فِيهَا طرائق الشَّحْم وعكنة. [6] سمل أَعينهم: فقأها. 41- سيرة ابْن هِشَام- 2

ابتداء شكوى رسول الله صلى الله عليه وسلم

إلَى الشَّامِ، وَأَمَرَهُ أَنَّ يُوطِئَ الْخَيْلَ تُخُومَ الْبَلْقَاءِ وَالدَّارُومِ، مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ، فَتَجَهَّزَ النَّاسُ، وَأَوْعَبَ مَعَ أُسَامَةَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ آخِرُ بَعْثٍ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ابْتِدَاءُ شَكْوَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَدْءُ الشَّكْوَى) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَيْنَا النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ اُبْتُدِئَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشكوه الَّذِي قَبَضَهُ اللَّهُ فِيهِ، إلَى مَا أَرَادَ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، فِي لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ، أَوْ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَكَانَ أَوَّلُ مَا اُبْتُدِئَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، فِيمَا ذُكِرَ لِي، أَنَّهُ خَرَجَ إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ اُبْتُدِئَ بِوَجَعِهِ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مَوْلَى الْحَكَمِ ابْن أَبِي الْعَاصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، إنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ هَذَا الْبَقِيعِ، فَانْطَلِقْ مَعِي، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، قَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْمَقَابِرِ، لِيَهْنِئَ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ فِيهِ، أَقْبَلَتْ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يَتْبَعُ آخِرُهَا أَوَّلَهَا، الْآخِرَةُ شَرٌّ مِنْ الْأُولَى، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، إنِّي قَدْ أُوتِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا، ثُمَّ الْجَنَّةُ، فَخُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي وَالْجَنَّةِ. قَالَ: فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فَخُذْ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا، ثُمَّ الْجَنَّةَ، قَالَ: لَا وَاَللَّهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، لَقَدْ اخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي وَالْجَنَّةَ، ثُمَّ أَسَتَغْفِرُ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ، ثُمَّ أَنْصَرِفُ، فَبَدَأَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ الَّذِي قَبَضَهُ اللَّهُ فِيهِ. (تَمْرِيضُهُ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ

ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين

عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْبَقِيعِ، فَوَجَدَنِي وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا فِي رَأْسِي، وَأَنا أَقُول: وَا رأساه، فَقَالَ: بَلْ أَنَا وَاَللَّهِ يَا عَائِشَة وَا رأساه. قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: وَمَا ضَرّكِ لَوْ مُتِّ قَبْلِي، فَقُمْتُ عَلَيْكَ وَكَفَّنْتُكَ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْكَ وَدَفَنْتُكَ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: وَاَللَّهِ لَكَأَنِّي بِكَ، لَوْ قَدْ فَعَلْتَ ذَلِكَ، لَقَدْ رَجَعْتَ إلَى بَيْتِي، فَأَعْرَسْتُ فِيهِ بِبَعْضِ نِسَائِكَ، قَالَتْ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَتَامَّ بِهِ وَجَعُهُ، وَهُوَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ، حَتَّى اسْتَعَزَّ بِهِ [1] ، وَهُوَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، فَدَعَا نِسَاءَهُ، فَاسْتَأْذَنَهُنَّ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ. ذِكْرُ أَزْوَاجِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ (أَسْمَاؤُهُنَّ) : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكُنَّ تِسْعًا: عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَحَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَأُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمَعَةَ بْنِ قَيْسٍ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ، وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، فِيمَا حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. (زَوَاجُهُ بِخَدِيجَةَ) : وَكَانَ جَمِيعُ مَنْ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَهِيَ أَوَّلُ مَنْ تَزَوَّجَ، زَوَّجَهُ إيَّاهَا أَبُوهَا خُوَيْلِدُ بْنُ أَسَدٍ، وَيُقَالُ أَخُوهَا عَمْرُو بْنُ خُوَيْلِدٍ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ بَكْرَةً، فَوَلَدَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَدَهُ كُلَّهُمْ إلَّا إبْرَاهِيمَ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أَبِي هَالَةَ بْنِ مَالِكٍ، أَحَدِ بَنِي أُسَيِّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، حَلِيفِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، فَوَلَدَتْ لَهُ هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ، وَزَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي هَالَةَ، وَكَانَتْ قَبْلَ أَبِي هَالَةَ عِنْدَ

_ [1] اسْتعزَّ بِهِ: اشْتَدَّ عَلَيْهِ وَجَعه وغلبه على نَفسه.

(زواجه بعائشة) :

عُتَيِّقِ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَجَارِيَةً. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: جَارِيَةٌ مِنْ الْجَوَارِي، تَزَوَّجَهَا صَيْفِيُّ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ [1] . (زَوَاجُهُ بِعَائِشَةَ) : وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِمَكَّةَ، وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ، وَبَنَى بِهَا بِالْمَدِينَةِ، وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ أَوْ عَشْرٍ، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكْرًا غَيْرَهَا، زَوَّجَهُ إيَّاهَا أَبُوهَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَربع مائَة دِرْهَمٍ. (زَوَاجُهُ بِسَوْدَةِ) : وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمَعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ ابْن عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، زَوَّجَهُ إيَّاهَا سَلِيطُ بْنُ عَمْرٍو، وَيُقَالُ أَبُو حَاطِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَربع مائَة دِرْهَمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ابْنُ إسْحَاقَ يُخَالِفُ هَذَا الْحَدِيثَ، يَذْكُرُ أَنَّ سَلِيطًا وَأَبَا حَاطِبٍ كَانَا غَائِبَيْنِ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ. وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ السَّكْرَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ ابْن حِسْلٍ. (زَوَاجُهُ بِزَيْنَبِ بِنْتِ جَحْشٍ) : وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ الْأَسْدِيَةَ. زَوَّجَهُ إيَّاهَا أَخُوهَا أَبُو أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَربع مائَة دِرْهَمٍ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيهَا أَنَزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها 33: 37. (زَوَاجُهُ بِأُمِّ سَلَمَةَ) : وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّةَ، وَاسْمُهَا هِنْدُ، زَوَّجَهُ إيَّاهَا سَلَمَةُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ابْنُهَا، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ

_ [1] الْعبارَة من قَوْله: «قَالَ ابْن هِشَام» إِلَى آخرهَا: سَاقِطَة فِي أ.

(زواجه بحفصة) :

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرَاشًا حَشْوُهُ لِيفٌ، وَقَدَحًا، وَصَحْفَةً، وَمِجَشَّةً [1] ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، فَوَلَدَتْ لَهُ سَلَمَةَ وَعُمَرَ وَزَيْنَبَ وَرُقَيَّةَ. (زَوَاجُهُ بِحَفْصَةَ) : وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، زَوَّجَهُ إيَّاهَا أَبُوهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَربع مائَة دِرْهَمٍ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ. (زَوَاجُهُ بِأُمِّ حَبِيبَةَ) : وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ حَبِيبَةَ، وَاسْمُهَا رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ ابْن حَرْبٍ، زَوَّجَهُ إيَّاهَا خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَهُمَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَأَصْدَقَهَا النَّجَاشِيُّ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَربع مائَة دِينَارٍ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ خَطَبَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ الْأَسَدِيِّ. (زَوَاجُهُ بِجُوَيْرِيَةَ) : وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ الْخُزَاعِيَّةَ، كَانَتْ فِي سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، فَوَقَعَتْ فِي السَّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ الْأَنْصَارِيِّ، فَكَاتَبَهَا عَلَى نَفْسِهَا، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْتَعِينُهُ فِي كِتَابَتِهَا. فَقَالَ لَهَا: هَلْ لَكَ فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكِ؟ قَالَتْ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: أَقْضِي عَنْكَ كِتَابَتَكَ وَأَتَزَوَّجُكَ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَتَزَوَّجَهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيَّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: لَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَمَعَهُ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، فَكَانَ بِذَاتِ الْجَيْشِ، دَفَعَ جُوَيْرِيَةَ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَدِيعَةً، وَأَمَرَهُ بِالِاحْتِفَاظِ بِهَا، وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَقْبَلَ أَبُوهَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ بِفِدَاءِ ابْنَتِهِ، فَلَمَّا كَانَ بِالْعَقِيقِ

_ [1] المجشة: الرَّحَى، يُقَال: جششت الطَّعَام فِي الرَّحَى، إِذا طحنته طحنا غليظا، وَمِنْه الجشيش والجشيشة.

(زواجه بصفية) :

نَظَرَ إلَى الْإِبِلِ الَّتِي جَاءَ بِهَا لِلْفِدَاءِ، فَرَغِبَ فِي بَعِيرَيْنِ مِنْهَا، فَغَيَّبَهُمَا فِي شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ الْعَقِيقِ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَصَبْتُمْ ابْنَتِي، وَهَذَا فِدَاؤُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَيْنَ الْبَعِيرَانِ اللَّذَانِ غَيَّبْتُ بِالْعَقِيقِ فِي شِعْبِ كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ الْحَارِثُ: أَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْك، فو اللَّهُ مَا اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، فَأَسْلَمَ الْحَارِثُ، وَأَسْلَمَ مَعَهُ ابْنَانِ لَهُ وَنَاسٌ مِنْ قَوْمِهِ، وَأَرْسَلَ إلَى الْبَعِيرَيْنِ، فَجَاءَ بِهِمَا، فَدَفَعَ الْإِبِلَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدُفِعَتْ إلَيْهِ ابْنَتُهُ جُوَيَرِيَةُ، فَأَسْلَمَتْ وَحَسُنَ إسْلَامُهَا، وَخَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَبِيهَا، فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا، وَأصْدقهَا أَربع مائَة دِرْهَمٍ، وَكَانَتْ قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ابْنِ عَمٍّ لَهَا يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ اشْتَرَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، وَأصْدقهَا أَربع مائَة دِرْهَمٍ. (زَوَاجُهُ بِصَفِيَّةَ) : وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، سَبَاهَا مِنْ خَيْبَرَ، فَاصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ، وَأَوْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيمَةً، مَا فِيهَا شَحْمٌ وَلَا لَحْمٌ، كَانَ سَوِيقًا وَتَمْرًا، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ كِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ. (زَوَاجُهُ بِمَيْمُونَةَ) : وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنِ بْنِ بَحِيرِ ابْن هُزَمَ بْنِ رُوَيْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، زَوَّجَهُ إيَّاهَا الْعَبَّاسُ ابْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَصْدَقَهَا الْعَبَّاسُ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَربع مائَة دِرْهَمٍ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ ابْن مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَيُقَالُ: إنَّهَا الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَنَّ خِطْبَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَتْ إلَيْهَا وَهِيَ عَلَى بَعِيرِهَا، فَقَالَتْ: الْبَعِيرُ وَمَا عَلَيْهِ للَّه وَلِرَسُولِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ 33: 50. وَيُقَالُ: إنَّ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ،

(زواجه زينب بنت خزيمة) :

وَيُقَالُ أُمُّ شَرِيكٍ، غَزِيَّةُ بِنْتُ جَابِرِ بْنِ وَهْبٍ مِنْ بَنِي مُنْقِذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَعِيصِ ابْن عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَيُقَالُ: بَلْ هِيَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي سَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ، فَأَرْجَأَهَا [1] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (زَوَاجُهُ زَيْنَبَ بِنْتِ خُزَيْمَةَ) : وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ خُزَيْمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَكَانَتْ تُسْمَى أُمَّ الْمَسَاكِينِ، لِرَحْمَتِهَا إيَّاهُمْ، وَرِقَّتِهَا عَلَيْهِمْ، زَوَّجَهُ إيَّاهَا قَبِيصَةُ بْنُ عَمْرٍو الْهِلَالِيُّ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَربع مائَة دِرْهَمٍ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ عُبَيْدَةَ ابْن الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَتْ قَبْلَ عُبَيْدَةَ عِنْدَ جَهْمِ بْنِ عَمْرِو ابْن الْحَارِثِ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهَا. (عِدَّتُهُنَّ وَشَأْنُ الرَّسُول مَعَهُنَّ) : فهولاء اللَّاتِي بَنَى بِهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحْدَى عَشَرَةَ، فَمَاتَ قَبْلَهُ مِنْهُنَّ ثِنْتَانِ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ. وَتُوُفِّيَ عَنْ تِسْعٍ قَدْ ذَكَرْنَاهُنَّ فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَثِنْتَانِ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا: أَسَمَاءُ بِنْتُ النُّعْمَانِ الْكِنْدِيَّةُ، تَزَوَّجَهَا فَوَجَدَ بِهَا بَيَاضًا [2] ، فَمَتَّعَهَا [3] وَرَدَّهَا إلَى أَهْلِهَا، وَعَمْرَةُ بِنْتُ يَزِيدَ الْكِلَابِيَّةُ وَكَانَتْ حَدِيثَةَ عَهْدٍ بِكُفْرٍ، فَلَمَّا قَدِمَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اسْتَعَاذَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنِيعٌ عَائِذٌ اللَّهَ، فَرَدَّهَا إلَى أَهْلِهَا، وَيُقَالُ: إنَّ الَّتِي اسْتَعَاذَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِنْدِيَّةُ بِنْتُ عَمٍّ لِأَسْمَاءِ بِنْتِ النُّعْمَانِ، وَيُقَالُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهَا، فَقَالَتْ: إنَّا قَوْمٌ نُؤْتَى وَلَا نَأْتِي، فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَهْلِهَا.

_ [1] أرجأها: أخر أمرهَا. [2] الْبيَاض: البرص. تكنى عَنهُ الْعَرَب بالبياض، لكراهيتها إِيَّاه. [3] مَتعهَا: وَصلهَا بِشَيْء تتمتع بِهِ.

(تسمية القرشيات منهن) :

(تَسْمِيَةُ الْقُرَشِيَّاتِ مِنْهُنَّ) : الْقُرَشِيَّاتُ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتٌّ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيَلْدِ ابْن أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَعَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ ابْن كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ، وَحَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِيَاحِ بْنِ رَزِاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ ابْن كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَأُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقِظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمَعَةَ ابْن قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ. (تَسْمِيَةُ الْعَرَبِيَّاتِ وَغَيْرِهِنَّ) : وَالْعَرَبِيَّاتُ وَغَيْرُهُنَّ سَبْعٌ: زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ صَبْرَةَ ابْن مُرَّةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دَوْدَانَ بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ ابْن حَزْنِ بْنِ بَحِيرِ بْنِ هُزَمَ بْنِ رُوَيْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ ابْن صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ الْخُزَاعِيَّةُ، ثُمَّ الْمُصْطَلِقِيَّةُ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ النُّعْمَانِ الْكِنْدِيَّةُ، وَعَمْرَةُ بِنْتُ يَزِيدَ الْكِلَابِيَّةُ [1] . (غَيْرُ الْعَرَبِيَّاتِ) : وَمِنْ غَيْرِ الْعَرَبِيَّاتِ: صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، مِنْ بَنِي النَّضِيرِ.

_ [1] ذكر السهيليّ من أَزوَاج النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير من ذكرهن ابْن إِسْحَاق: شراف بنت خَليفَة، أُخْت دحْيَة بن خَليفَة الْكَلْبِيّ، والعالية بنت ظبْيَان، ووسنى بنت الصَّلْت، وَيُقَال فِيهَا: سنا بنت أَسمَاء بنت الصَّلْت، وَأَسْمَاء بنت النُّعْمَان بن الجون الكندية.

تمريض رسول الله في بيت عائشة

تَمْرِيضُ رَسُولِ اللَّهِ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ (مَجِيئُهُ إِلَى بَيْتِ عَائِشَةَ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِهِ: أَحَدُهُمَا الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَرَجُلٌ آخَرُ، عَاصِبًا رَأْسَهُ، تَخُطُّ قَدَمَاهُ، حَتَّى دَخَلَ بَيْتِي. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ، فَحَدَّثْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَنْ الرَّجُلُ الْآخَرُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا؟ قَالَ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. (شِدَّةُ الْمَرَضِ وَصَبُّ الْمَاءِ عَلَيْهِ) : ثُمَّ غُمِرَ [1] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ، فَقَالَ هَريقُوا عَلَيَّ سَبْعَ قِرَبٍ مِنْ آبَارٍ شَتَّى، حَتَّى أَخْرُجَ إلَى النَّاسِ فَأَعْهَدُ إلَيْهِمْ. قَالَتْ: فَأَقْعَدْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ [2] لِحَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ، ثُمَّ صَبَبْنَا عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتَّى طَفِقَ يَقُولُ: حَسْبُكُمْ حَسْبُكُمْ. (كَلِمَةٌ لِلنَّبِيِّ وَاخْتِصَاصُهُ أَبَا بَكْرٍ بِالذِّكْرِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ بَشِيرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَاصِبًا رَأْسَهُ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى أَصْحَابِ أُحُدٍ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، فَأَكْثَرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ. قَالَ: فَفَهِمَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَعَرَفَ أَنَّ نَفْسَهُ يُرِيدُ، فَبَكَى وَقَالَ: بَلْ نَحْنُ نَفْدِيكَ بِأَنْفُسِنَا وَأَبْنَائِنَا، فَقَالَ: عَلَى رِسْلِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ: اُنْظُرُوا هَذِهِ الْأَبْوَابَ اللَّافِظَةَ [3] فِي الْمَسْجِدِ، فَسُدُّوهَا إلَّا بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ أَفْضَلَ فِي الصُّحْبَةِ عِنْدِي يَدًا مِنْهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: إلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ.

_ [1] غمر: أَصَابَته غمرة الْمَرَض، وَهِي شدته. [2] المخضب: إِنَاء يغْتَسل فِيهِ. [3] اللافظة فِي الْمَسْجِد: النافذة إِلَيْهِ.

(أمر الرسول بإنفاذ بعث أسامة) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ بَعْضِ آلِ أَبِي سَعِيدِ ابْن الْمُعَلَّى: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ يَوْمئِذٍ فِي كَلَامِهِ هَذَا: فَإِنِّي لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ الْعِبَادِ خَلِيلًا لَاِتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ صُحْبَةٌ وَإِخَاءُ إيمَانٍ حَتَّى يَجْمَعَ اللَّهُ بَيْنَنَا عِنْدَهُ. (أَمْرُ الرَّسُولِ بِإِنْفَاذِ بَعْثِ أُسَامَةَ) : وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَبْطَأَ النَّاسَ فِي بَعْثِ أُسَامَةَ ابْن زَيْدٍ، وَهُوَ فِي وَجَعِهِ، فَخَرَجَ عَاصِبًا رَأْسَهُ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَقَدْ كَانَ النَّاسُ قَالُوا فِي إمْرَةِ أُسَامَةَ: أَمَّرَ غُلَامًا حَدَثًا عَلَى جِلَّةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَنْفِذُوا بَعْثَ أُسَامَةَ، فَلِعَمْرِي لَئِنْ قُلْتُمْ فِي إمَارَتِهِ لَقَدْ قُلْتُمْ فِي إمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَإِنَّهُ لَخَلِيقٌ لِلْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ لَخَلِيقًا لَهَا. قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْكَمَشَ [1] النَّاسُ فِي جَهَازِهِمْ، واستعزّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ، فَخَرَجَ أُسَامَةُ، وَخَرَجَ جَيْشُهُ مَعَهُ حَتَّى نَزَلُوا الْجُرْفَ، مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى فَرْسَخٍ، فَضَرَبَ بِهِ عَسْكَرَهُ، وَتَتَامَّ إلَيْهِ النَّاسُ، وَثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقَامَ أُسَامَةُ وَالنَّاسُ، لِيَنْظُرُوا مَا اللَّهُ قَاضٍ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (وَصِيَّةُ الرَّسُولِ بِالْأَنْصَارِ) : وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ صَلَّى وَاسْتَغْفَرَ لِأَصْحَابِ أُحُدٍ، وَذَكَرَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا ذَكَرَ مَعَ مَقَالَتِهِ يَوْمئِذٍ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، اسْتَوْصُوا بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا، فَإِنَّ النَّاسَ يَزِيدُونَ، وَإِنَّ الْأَنْصَارَ عَلَى هَيْئَتِهَا لَا تَزِيدُ، وَإِنَّهُمْ كَانُوا عَيْبَتِي [2] الَّتِي أَوَيْتُ إلَيْهَا، فَأَحْسِنُوا إلَى مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ.

_ [1] انكمش النَّاس: أَسْرعُوا. [2] عيبتي: مَوضِع ثقتي وسرى. والعيبة فِي الأَصْل: مَا يَجْعَل فِيهِ الثِّيَاب.

(شأن اللدود) :

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ثُمَّ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ بَيْتَهُ، وَتَتَامَّ بِهِ وَجَعُهُ، حَتَّى غُمِرَ. (شَأْنُ اللُّدُودِ) : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ نِسَاءٌ مِنْ نِسَائِهِ: أُمُّ سَلَمَةَ، وَمَيْمُونَةُ، وَنِسَاءٌ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ، مِنْهُنَّ أَسَمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَعِنْدَهُ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ، فَأَجْمَعُوا أَنْ يَلُدُّوهُ [1] ، وَقَالَ الْعَبَّاسُ: لَأَلُدَّنَّهُ. قَالَ: فَلَدُّوهُ، فَلَمَّا أَفَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ صَنَعَ هَذَا بِي؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَمُّكَ، قَالَ: هَذَا دَوَاءٌ أَتَى بِهِ نِسَاءٌ جِئْنَ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْأَرْضِ، وَأَشَارَ نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، قَالَ: وَلِمَ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ: خَشِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ بِكَ ذَاتُ الْجَنْبِ، فَقَالَ: إنَّ ذَلِكَ لَدَاءٌ مَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِيَقْذِفَنِي بِهِ، لَا يَبْقَ فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إلَّا لُدَّ إلَّا عَمِّي، فَلَقَدْ لُدَّتْ مَيْمُونَةُ وَإِنَّهَا لَصَائِمَةٌ، لِقَسَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عُقُوبَةً لَهُمْ بِمَا صَنَعُوا بِهِ. (دُعَاءُ الرَّسُولِ لِأُسَامَةَ بِالْإِشَارَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَبَطْتُ وَهَبَطَ النَّاسُ مَعِي إلَى الْمَدِينَةِ، فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أُصْمِتَ فَلَا يَتَكَلَّمُ، فَجَعَلَ يَرْفَعُ يَدَهُ إلَى السَّمَاءِ ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَيَّ، فَأَعْرِفُ أَنَّهُ يَدْعُو لِي. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا مَا أَسْمَعُهُ يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَقْبِضْ نَبِيًّا حَتَّى يُخَيِّرْهُ. قَالَتْ: فَلَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ آخِرُ كَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا وَهُوَ يَقُولُ: بَلْ الرَّفِيقُ الْأَعْلَى [2] مِنْ الْجَنَّةِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ:

_ [1] أَن يلدوه: أَي يجْعَلُوا الدَّوَاء فِي شقّ فَمه. [2] يُشِير إِلَى قَوْله تَعَالَى: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ من النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً 4: 69.

(صلاة أبى بكر بالناس) :

إِذا وَاَللَّهِ لَا يَخْتَارُنَا، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الَّذِي كَانَ يَقُولُ لَنَا: إنَّ نَبِيًّا لَمْ يُقْبَضْ حَتَّى يُخَيَّرَ. (صَلَاةُ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ) : قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَحَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا اُسْتُعِزَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. قَالَتْ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، ضَعِيفُ الصَّوْتِ، كَثِيرُ الْبُكَاءِ إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ. قَالَ: مُرُوهُ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. قَالَتْ: فَعُدْتُ بِمِثْلِ قَوْلِي، فَقَالَ: إنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، فَمُرُوهُ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، قَالَت: فو الله مَا أَقُولُ ذَلِكَ إلَّا أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يُصْرَفَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعَرَفْتُ أَنَّ النَّاسَ لَا يُحِبُّونَ رَجُلًا قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا، وَأَنَّ النَّاسَ سَيَتَشَاءَمُونَ بِهِ فِي كُلِّ حَدَثٍ كَانَ، فَكُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يُصْرَفَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْن الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمَعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، قَالَ: لَمَّا اُسْتُعِزَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: دَعَاهُ بَلَالٌ إلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ: مُرُوا مَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ. قَالَ: فَخَرَجْتُ فَإِذَا عُمَرُ فِي النَّاسِ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ غَائِبًا، فَقُلْتُ: قُمْ يَا عُمَرُ فَصَلِّ بِالنَّاسِ قَالَ: فَقَامَ، فَلَمَّا كَبَّرَ، سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ، وَكَانَ عُمَرُ رَجُلًا مِجْهَرًا [1] ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَيْنَ أَبُو بَكْرٍ؟ يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ، يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ. قَالَ: فَبُعِثَ إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَجَاءَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى عُمَرُ تِلْكَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ. قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمَعَةَ: قَالَ لِي عُمَرُ: وَيْحَكَ، مَاذَا صَنَعْتُ بِي يَا بْنَ زَمَعَةَ، وَاَللَّهِ مَا ظَنَنْتُ حِينَ أَمَرْتنِي إلَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَكَ بِذَلِكَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا صَلَّيْتُ بِالنَّاسِ. قَالَ: قُلْتُ وَاَللَّهِ مَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، وَلَكِنِّي حِينَ لَمْ أَرَ أَبَا بَكْرٍ رَأَيْتُكَ أَحَقَّ مَنْ حَضَرَ بِالصَّلَاةِ بِالنَّاسِ. (الْيَوْمُ الَّذِي قَبَضَ اللَّهُ فِيهِ نَبِيَّهُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ

_ [1] مجهر: عالى الصَّوْت.

الِاثْنَيْنِ الَّذِي قَبَضَ اللَّهُ فِيهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَجَ إلَى النَّاسِ، وَهُمْ يُصَلُّونَ الصُّبْحَ، فَرَفَعَ السِّتْرَ، وَفَتَحَ الْبَابَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ عَلَى بَابِ عَائِشَةَ، فَكَادَ الْمُسْلِمُونَ يُفْتَتَنُونَ فِي صَلَاتِهِمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَوْهُ فَرَحًا بِهِ، وَتَفَرَّجُوا، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اُثْبُتُوا عَلَى صَلَاتِكُمْ، قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُرُورًا لَمَّا رَأَى مِنْ هَيْئَتِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَسَنَ هَيْئَةً مِنْهُ تِلْكَ السَّاعَةَ، قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ وَانْصَرَفَ النَّاسُ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَفْرَقَ [1] مِنْ وَجَعِهِ، فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إلَى أَهْلِهِ بِالسُّنْحِ [2] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ سَمِعَ تَكْبِيرَ عُمَرَ فِي الصَّلَاةِ: أَيْنَ أَبُو بَكْرٍ؟ يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ. فَلَوْلَا مَقَالَةٌ قَالَهَا عُمَرُ عِنْدَ وَفَاتِهِ، لَمْ يَشُكَّ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنَّهُ قَالَ عِنْدَ وَفَاتِهِ: إنْ أَسْتَخْلَفَ فَقَدْ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، وَإِنْ أَتَرَكَهُمْ فَقَدْ تَرَكَهُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي. فَعَرَفَ النَّاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا، وَكَانَ عُمَرُ غَيْرَ مَتَّهُمْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاصِبًا رَأْسَهُ إلَى الصُّبْحِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَرَّجَ النَّاسُ، فَعَرَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّ النَّاسَ لَمْ يَصْنَعُوا ذَلِكَ إلَّا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَكَصَ عَنْ مُصَلَّاهُ، فَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ظَهْرِهِ، وَقَالَ: صَلِّ بِالنَّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى جَنْبِهِ، فَصَلَّى قَاعِدًا عَنْ يَمِينِ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَكَلَّمَهُمْ رَافِعًا صَوْتَهُ، حَتَّى خَرَجَ صَوْتُهُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ، يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، سُعِّرَتْ النَّارُ، وَأَقْبَلَتْ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ

_ [1] أفرق: بَرِيء. [2] السنح (بِوَزْن قفل) : مَوضِع كَانَ فِيهِ مَال لأبى بكر، وَكَانَ ينزله بأَهْله.

(شأن العباس وعلى) :

الْمُظْلِمِ، وَإِنِّي وَاَللَّهِ مَا تَمَسَّكُونِ عَلَيَّ بِشَيْءِ، إنِّي لَمْ أُحِلَّ إلَّا مَا أَحَلَّ الْقُرْآنُ، وَلَمْ أُحَرِّمْ إلَّا مَا حَرَّمَ الْقُرْآنُ. قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَلَامِهِ، قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنِّي أَرَاكَ قَدْ أَصْبَحْتَ بِنِعْمَةِ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ كَمَا نُحِبُّ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ بِنْتِ خَارِجَةَ، أَفَآتِيهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ إلَى أَهْلِهِ بِالسُّنْحِ. (شَأْنُ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ يَوْمئِذٍ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَلَى النَّاسِ مِنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: يَا أَبَا حَسَنٍ، كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا، قَالَ: فَأَخَذَ الْعَبَّاسُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَلِيُّ، أَنْتَ وَاَللَّهِ عَبْدُ الْعَصَا بَعْدَ ثَلَاثٍ، أَحْلِفُ باللَّه لَقَدْ عَرَفْتُ الْمَوْتَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا كُنْتُ أَعْرِفُهُ فِي وُجُوهِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَانْطَلِقْ بِنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ فِينَا عَرَفْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا، أَمَرْنَاهُ فَأَوْصَى بِنَا النَّاسَ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إنِّي وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ، وَاَللَّهِ لَئِنْ مُنِعْنَاهُ لَا يُؤْتِينَاهُ أَحَدٌ بَعْدَهُ. فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اشْتَدَّ الضُّحَاءُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ. (سِوَاكُ الرَّسُولِ قُبَيْلَ الْوَفَاةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: قَالَتْ: رَجَعَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ حِينَ دَخَلَ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَاضْطَجَعَ فِي حِجْرِي، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ مِنْ آلِ أَبِي بَكْرٍ، وَفِي يَدِهِ سِوَاكٌ أَخَضَرَ. قَالَتْ: فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ فِي يَدِهِ نَظَرًا عَرَفْتُ أَنَّهُ يُرِيدُهُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُحِبُّ أَنْ أُعْطِيَكَ هَذَا السِّوَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَأَخَذْتُهُ فَمَضَغْتُهُ لَهُ حَتَّى لَيَّنْتُهُ، ثُمَّ أَعْطَيْتُهُ إيَّاهُ، قَالَتْ: فَاسْتَنَّ بِهِ كَأَشَدِّ مَا رَأَيْتُهُ يَسْتَنُّ بِسِوَاكٍ قَطُّ، ثُمَّ وَضَعَهُ، وَوَجَدْتُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ

(مقالة عمر بعد وفاة الرسول) :

يَثْقُلُ فِي حِجْرِي، فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ، فَإِذَا بَصَرُهُ قَدْ شَخَصَ، وَهُوَ يَقُولُ: بَلْ الرَّفِيقُ الْأَعْلَى مِنْ الْجَنَّةِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ. قَالَتْ: وَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي [1] وَفِي دَوْلَتِي، لَمْ أَظْلِمْ فِيهِ أَحَدًا، فَمِنْ سَفَهِي وَحَدَاثَةِ سِنِّي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ وَهُوَ فِي حِجْرِي، ثُمَّ وَضَعْتُ رَأْسَهُ عَلَى وِسَادَةٍ، وَقُمْتُ ألْتَدِمُ [2] مَعَ النِّسَاءِ، وَأَضْرِبُ وَجْهِي. (مَقَالَةُ عُمَرَ بَعْدَ وَفَاةِ الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عُمْرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: إنَّ رِجَالًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تُوُفِّيَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مَاتَ، وَلَكِنَّهُ ذَهَبَ إلَى رَبِّهِ كَمَا ذَهَبَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ، فَقَدْ غَابَ عَنْ قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ قِيلَ قد مَاتَ، وو الله لَيَرْجِعَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَجَعَ مُوسَى، فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِي رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ زَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتُ. (مَوْقِفُ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةِ الرَّسُولِ ) : قَالَ: وَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى نَزَلَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ، وَعُمَرُ يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى شَيْءٍ حَتَّى دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَجًّى [3] فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، عَلَيْهِ بُرْدٌ حِبَرَةٌ [4] ، فَأَقْبَلَ حَتَّى كَشَفَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ

_ [1] السحر: الرئة وَمَا يتَّصل بهَا إِلَى الْحُلْقُوم. والنحر: أَعلَى الصَّدْر. [2] ألتدم: أضْرب صَدْرِي. [3] مسجى: مغطى. [4] الْحبرَة: ضرب من ثِيَاب الْيمن.

أمر سقيفة بنى ساعدة

عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكَ فَقَدْ ذُقْتهَا، ثُمَّ لَنْ تُصِيبَكَ بَعْدَهَا مَوْتَةٌ أَبَدًا. قَالَ: ثُمَّ رَدَّ الْبُرْدَ عَلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ خَرَجَ وَعُمَرُ يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَقَالَ: عَلَى رِسْلِكَ يَا عُمَرُ، أَنْصِتْ، فَأَبَى إلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ لَا يَنْصِتُ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ كَلَامَهُ أَقْبَلُوا عَلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّهُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ. قَالَ: ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ، وَمن يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً، وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ 3: 144. قَالَ: فو الله لَكَأَنَّ النَّاسُ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ يَوْمئِذٍ، قَالَ: وَأَخَذَهَا النَّاسُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنَّمَا هِيَ فِي أَفْوَاهِهِمْ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ عُمَرُ: وَاَللَّهِ مَا هُوَ إلَّا أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا، فَعَقِرْتُ [1] حَتَّى وَقَعْتُ إلَى الْأَرْضِ مَا تَحْمِلُنِي رِجْلَايَ، وَعَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ. أَمْرُ سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ (تفرق الْكَلِمَة) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْحَازَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَاعْتَزَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرُ ابْن الْعَوَّامِ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ، وَانْحَازَ بَقِيَّةُ الْمُهَاجِرِينَ إلَى أَبِي بَكْرٍ، وَانْحَازَ مَعَهُمْ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَأَتَى آتٍ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: إنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ الْأَنْصَارِ مَعَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، قَدْ انْحَازُوا إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ بِأَمْرِ النَّاسِ حَاجَةٌ فَأَدْرِكُوا قَبْلَ أَنْ يَتَفَاقَمَ أَمْرُهُمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ لَمْ يُفْرَغْ مِنْ أَمْرِهِ قَدْ أَغْلَقَ دُونَهُ الْبَابَ أَهْلُهُ. قَالَ عُمَرُ: فَقُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ: انْطَلِقْ بِنَا إلَى إخْوَانِنَا هَؤُلَاءِ مِنْ الْأَنْصَارِ، حَتَّى نَنْظُرَ مَا هُمْ عَلَيْهِ

_ [1] عقرت: دهشت. يُقَال: عقر الرجل إِذا تحير ودهش.

(ابن عوف ومشورته على عمر بشأن بيعة أبى بكر) :

(ابْنُ عَوْفٍ وَمَشُورَتُهُ عَلَى عُمَرَ بِشَأْنِ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ السَّقِيفَةِ حِينَ اجْتَمَعَتْ بِهَا الْأَنْصَارُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنِي عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِي، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: وَكُنْتُ فِي مَنْزِلِهِ بِمنَى أَنْتَظِرُهُ، وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ فِي آخِرِ حِجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ، قَالَ: فَرَجَعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ، فَوَجَدَنِي فِي مَنْزِلِهِ بِمنَى أَنْتَظِرُهُ، وَكُنْتُ أُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلْ لَكَ فِي فُلَانٍ يَقُولُ: وَاَللَّهِ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلَانًا، وَاَللَّهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ إلَّا فَلْتَةٌ فَتَمَّتْ. قَالَ: فَغَضِبَ عُمَرُ، فَقَالَ: إنِّي إنْ شَاءَ اللَّهُ لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِي النَّاسِ، فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أَمْرَهُمْ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رِعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ [1] ، وَإِنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ، حِينَ تَقُومُ فِي النَّاسِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولُ مَقَالَةً يَطِيرُ بِهَا أُولَئِكَ عَنْكَ كُلَّ مَطِيرٍ، وَلَا يَعُوهَا وَلَا يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَإِنَّهَا دَارُ السُّنَّةِ، وَتَخْلُصُ بِأَهْلِ الثِّقَةِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ فَتَقُولُ مَا قُلْتُ بِالْمَدِينَةِ مُتَمَكِّنًا، فَيَعِيَ أَهْلُ الْفِقْهِ مَقَالَتَكَ، وَيَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَاَللَّهِ إنَّ شَاءَ اللَّهُ لَأَقُومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ. (خُطْبَةُ عُمَرَ عِنْدَ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ) : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي عَقِبِ ذِي الْحَجَّةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ عَجَّلْتُ الرَّوَاحَ حِينَ زَالَتْ [2] الشَّمْسُ، فَأَجِدُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ جَالِسًا إلَى رُكْنِ الْمِنْبَرِ فَجَلَسْتُ حَذْوَهُ تَمَسُّ رُكْبَتَيْ رُكْبَتَهُ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ مُقْبِلًا، قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ: لَيَقُولُنَّ الْعَشِيَّةَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْهَا مُنْذُ اسْتَخْلَفَ، قَالَ: فَأَنْكَرَ عَلَيَّ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ ذَلِكَ، وَقَالَ: مَا عَسَى

_ [1] الغوغاء: سفلَة النَّاس، وأصل الغوغاء الْجَرَاد، فَشبه سفلَة النَّاس بِهِ، لكثرتهم. [2] فِي أ «زاغت» . 42- سيرة ابْن هِشَام- 2

أَنْ يَقُولَ مِمَّا لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ، فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ، قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلٌ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَائِلٌ لَكُمْ الْيَوْمَ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لي أَن أَولهَا، وَلَا أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي، فَمَنْ عقلهَا ووعاها فليأخذ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَعِيَهَا فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدِ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ، إنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أَنَزَلَ عَلَيْهِ آيَةَ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا وَعُلِّمْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا، وَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: وَاَللَّهِ مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنَزَلَهَا اللَّهُ، وَإِنَّ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبْلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ، ثُمَّ إنَّا قَدْ كُنَّا نَقْرَأُ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ: «لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ» أَلَا إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أُطْرِيَ عِيسَى بن مَرْيَمَ، وَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» ، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ فُلَانًا قَالَ: وَاَللَّهِ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلَانًا، فَلَا يَغُرَّنَّ امْرَأً أَنْ يَقُولُ: إنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً فَتَمَّتْ، وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ وَقَى شَرَّهَا، وَلَيْسَ فِيكُمْ مَنْ تَنْقَطِعُ الْأَعْنَاقُ إلَيْهِ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ، فَمَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ لَا بَيْعَةَ لَهُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً [1] أَنْ يَقْتُلَا، إنَّهُ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْأَنْصَارَ خَالَفُونَا، فَاجْتَمَعُوا بِأَشْرَافِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَتَخَلَّفَ عَنَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالزَّبِيرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَمَنْ مَعَهُمَا، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ: انْطَلِقْ بِنَا إلَى إخْوَانِنَا هَؤُلَاءِ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نَؤُمُّهُمْ حَتَّى لَقينَا مِنْهُم رجلا صَالِحَانِ، فَذَكَرَا لَنَا مَا تَمَالَأَ عَلَيْهِ الْقَوْمُ، وَقَالَ: أَيْنَ

_ [1] التغرة: من التَّغْرِير، وَالْكَلَام على حذف مُضَاف، تَقْدِيره: خوف تغرة أَن يقتلا. وَالْمعْنَى: أَن الْبيعَة حَقّهَا أَن تقع صادرة عَن المشورة والاتفاق، فَإِذا استبد رجلَانِ دون الْجَمَاعَة، فَبَايع أَحدهمَا الآخر فَذَلِك تظاهر مِنْهُمَا بشق الْعَصَا واطراح الْجَمَاعَة. فَإِن عقد لأحد بيعَة، فَلَا يكون الْمَعْقُود لَهُ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وليكونا معزولين من الطَّائِفَة الَّتِي تتفق على تَمْيِيز الإِمَام مِنْهَا، لِأَنَّهُ لَو عقد لوَاحِد مِنْهُمَا وَقد ارتكبا تِلْكَ الفعلة الشنيعة، الَّتِي أحفظت الْجَمَاعَة، من التهاون بهم، والاستغناء عَن رَأْيهمْ، لم يُؤمن أَن يقتلا. (انْظُر لِسَان الْعَرَب مَادَّة غرر) .

تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؟ قُلْنَا: نُرِيدُ إخْوَانَنَا هَؤُلَاءِ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالَا: فَلَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَقْرَبُوهُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، اقْضُوا أَمْرَكُمْ. قَالَ: قلت: وَالله لنأتينهم. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ رَجُلٌ مُزَمَّلٌ [1] فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقُلْتُ: مَا لَهُ؟ فَقَالُوا: وَجِعَ. فَلَمَّا جَلَسْنَا تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَكَتِيبَةُ الْإِسْلَامِ، وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ مِنَّا، وَقَدْ دَفَّتْ [2] دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ، قَالَ: وَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَحْتَازُونَا مِنْ أَصْلِنَا، وَيَغْصِبُونَا الْأَمْرَ، فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، وَقَدْ زَوَّرَتْ [3] فِي نَفْسِي مَقَالَةٌ قَدْ أَعْجَبَتْنِي، أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَكُنْتُ أَدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ [4] ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ يَا عُمَرَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ، وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ منى وأوقر، فو الله مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي مِنْ تَزْوِيرِي إلَّا قَالَهَا فِي بَدِيهَتِهِ، أَوْ مِثْلَهَا أَوْ أَفْضَلَ، حَتَّى سَكَتَ، قَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ، فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ، وَلَنْ تَعْرِفَ الْعَرَبُ هَذَا الْأَمْرَ إلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا [5] وَدَارًا [6] ، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أَيَّهمَا شِئْتُمْ، وَأَخَذَ بِيَدَيْ وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَهُوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا، وَلَمْ أَكْرَهْ شَيْئًا مِمَّا قَالَهُ غَيْرُهَا، كَانَ وَاَللَّهِ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبُ عُنُقِي، لَا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ إلَى إثْمٍ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ قَائِلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ [7] وَعُذَيْقُهَا [8]

_ [1] مزمل: ملتف فِي كسَاء أَو غَيره. [2] الدافة: الْقَوْم يَسِيرُونَ جمَاعَة سيرا لَيْسَ بالشديد. [3] زورت مقَالَة: أصلحتها وحسنتها. [4] الْحَد: أَي أَنه كَانَ فِي خلق عمر حِدة، كَانَ يَسْتُرهَا عَن أَبى بكر. [5] أَوسط الْعَرَب نسبا: أَشْرَفهم: (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً 2: 143) . [6] ودارا: بَلَدا، وَهِي مَكَّة، لِأَنَّهَا أشرف الْبِقَاع. [7] الجذيل: تَصْغِير جذل، وَهُوَ عود يكون فِي وسط مبرك الْإِبِل، تَحْتك بِهِ، وتستريح إِلَيْهِ، فَتضْرب بِهِ الْمثل للرجل يستشفى بِرَأْيهِ، وتوجد الرَّاحَة عِنْده. [8] العذيق: تَصْغِير عذق، وَهِي النَّخْلَة بِنَفسِهَا. والمرجب: الّذي تبنى إِلَى جَانِبه دعامة ترفده لِكَثْرَة حمله، لعزه على أَهله، فَضرب بِهِ الْمثل فِي الرجل الشريف الّذي يعظمه قومه. وَاسم الدعامة الَّتِي

(تعريف بالرجلين اللذين لقيا أبا بكر وعمر في طريقهما إلى السقيفة) :

الْمُرَجَّبُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ. قَالَ: فَكَثُرَ اللَّغَطُ [1] ، وَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ، حَتَّى تَخَوَّفْتُ الِاخْتِلَافَ، فَقُلْتُ: اُبْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعْتُهُ، ثُمَّ بَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ، ثُمَّ بَايَعَهُ الْأَنْصَارُ، وَنَزَوْنَا [2] عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ. قَالَ: فَقُلْتُ: قَتَلَ اللَّهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ. (تَعْرِيفٌ بِالرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ لَقِيَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي طَرِيقِهِمَا إلَى السَّقِيفَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ لَقَوْا مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ ذَهَبُوا إلَى السَّقِيفَةِ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، وَالْآخَرُ مَعَنُ بْنُ عَدِيٍّ، أَخُو بَنِي الْعَجْلَانِ. فَأَمَّا عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، فَهُوَ الَّذِي بَلَغَنَا أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَالله يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ 9: 108؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نِعْمَ الْمَرْءُ مِنْهُمْ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، وَأَمَّا مَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ، فَبَلَغَنَا أَن النَّاس بكما عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالُوا: وَاَللَّهِ لَوَدِدْنَا أَنَّا مُتْنَا قَبْلَهُ، إنَّا نَخْشَى أَنْ نَفْتَتِنَ بَعْدَهُ. قَالَ مَعَنُ بْنُ عَدِيٍّ: لَكِنِّي وَاَللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنِّي مُتُّ قَبْلَهُ حَتَّى أُصَدِّقَهُ مَيِّتًا كَمَا صَدَّقْتُهُ حَيًّا، فَقُتِلَ مَعَنٌ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ. (خُطْبَةُ عُمَرَ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ الْبَيْعَةِ الْعَامَّةِ) قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ فِي السَّقِيفَةِ وَكَانَ الْغَدُ، جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَامَ عُمَرُ، فَتَكَلَّمَ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنِّي كُنْتُ قُلْتُ لَكُمْ بِالْأَمْسِ مَقَالَةً مَا كَانَتْ مِمَّا وَجَدْتهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا كَانَتْ عَهْدًا عَهِدَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنِّي قَدْ كُنْتُ أَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيُدَبِّرُ أَمَرْنَا، يَقُولُ: يَكُونُ آخِرُنَا وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْقَى فِيكُمْ كِتَابَهُ الَّذِي بِهِ

_ [ () ] تدعم بهَا النَّخْلَة الرجبية، وَمِنْه اشتقاق شهر رَجَب، لِأَنَّهُ يعظم فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام. [1] اللَّغط: اخْتِلَاف الْأَصْوَات، وَدخُول بَعْضهَا على بعض. [2] نزونا على سعد: وثبنا عَلَيْهِ ووطئناه.

(خطبة أبى بكر)

هَدَى اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ هَدَاكُمْ اللَّهُ لِمَا كَانَ هَدَاهُ لَهُ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَمَعَ أَمْرَكُمْ عَلَى خَيْرِكُمْ، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثَانِي اثْنَيْنِ إذْ هُمَا فِي الْغَارِ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ، فَبَايَعَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ بَيْعَةَ الْعَامَّةِ، بَعْدَ بَيْعَةِ السَّقِيفَةِ. (خُطْبَةُ أَبِي بَكْرٍ) فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِاَلَّذِي هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنِّي قَدْ وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي، وَإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُونِي، الصَّدْقُ أَمَانَةٌ، وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ، وَالضَّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيٌّ عِنْدِي حَتَّى أُرِيحَ عَلَيْهِ حَقَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالْقَوِيُّ فِيكُمْ ضَعِيفٌ عِنْدِي حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، لَا يَدَعُ قَوْمٌ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا ضَرَبَهُمْ اللَّهُ بِالذُّلِّ، وَلَا تَشِيعُ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إلَّا عَمَّهُمْ اللَّهُ بِالْبَلَاءِ، أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِذَا عَصَيْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ. قُومُوا إلَى صَلَاتِكُمْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَاَللَّهِ إنِّي لَأَمْشِي مَعَ عُمَرَ فِي خِلَافَتِهِ وَهُوَ عَامِدٌ إلَى حَاجَةٍ لَهُ، وَفِي يَدِهِ الدِّرَّةُ، وَمَا مَعَهُ غَيْرِي، قَالَ: وَهُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ، وَيَضْرِبُ وَحْشِيَّ [1] قَدَمهُ بِدِرَّتِهِ، قَالَ: إذْ الْتَفَتَ إلَيَّ، فَقَالَ: يَا بْنَ عَبَّاسٍ، هَلْ تَدْرِي مَا كَانَ حَمَلَنِي عَلَى مَقَالَتِي الَّتِي قُلْتُ حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا أَدْرِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْتَ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ وَاَللَّهِ، إنْ كَانَ الَّذِي حَمَلَنِي عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنِّي كُنْتُ أَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً 2: 143، فو الله إنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَبْقَى فِي أُمَّتِهِ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهَا بِآخِرِ أَعْمَالِهَا، فَإِنَّهُ لِلَّذِي حَمَلَنِي عَلَى أَنْ قُلْتُ مَا قُلْتُ.

_ [1] الوحشي من أَعْضَاء الْإِنْسَان: مَا كَانَ إِلَى خَارج. والإنسى: مَا أقبل على جسده مِنْهَا.

جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه

جَهَازُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَفْنُهُ (مَنْ تَوَلَّى غُسْلَ الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى جَهَازِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَحُسَيْنُ ابْن عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَالْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَالْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ، وَقُثَمَ بْنَ الْعَبَّاسِ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَشُقْرَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هُمْ الَّذِينَ وُلُوا غَسْلَهُ، وَأَنَّ أَوْسَ بْنَ خَوْلِيٍّ، أَحَدَ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا عَلِيُّ وَحَظَّنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَوْسُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلِ بَدْرٍ، قَالَ: اُدْخُلْ، فَدَخَلَ فَجَلَسَ، وَحَضَرَ غَسْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى صَدْرِهِ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ وَقُثَمُ يُقَلِّبُونَهُ مَعَهُ، وَكَانَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَشُقْرَانُ مَوْلَاهُ، هُمَا اللَّذَانِ يَصُبَّانِ الْمَاءَ عَلَيْهِ، وَعَلِيٌّ يُغَسِّلُهُ، قَدْ أَسْنَدَهُ إلَى صَدْرِهِ، وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ يُدَلِّكُهُ بِهِ مِنْ وَرَائِهِ، لَا يُفْضَى بِيَدِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلِيٌّ يَقُولُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا أَطْيَبَكَ حَيًّا وَمَيِّتًا! وَلَمْ يُرَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ مِمَّا يُرَى مِنْ الْمَيِّتِ . (كَيْفَ غُسِّلَ الرَّسُولُ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا أَرَادُوا غَسْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِيهِ. فَقَالُوا: وَاَللَّهِ مَا نَدْرِي، أَنُجَرِّدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا، أَوْ نُغَسِّلُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ؟ قَالَتْ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ النَّوْمَ، حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إلَّا ذَقْنُهُ فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ مُكَلِّمٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لَا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ: أَنْ اغْسِلُوا النَّبِيَّ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ، قَالَتْ: فَقَامُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَغَسَّلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ، يَصُبُّونَ الْمَاءَ فَوْقَ الْقَمِيصِ، وَيَدْلُكُونَهُ وَالْقَمِيصُ دُونَ أَيْدِيهِمْ.

(تكفين الرسول) :

(تَكْفِينُ الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ غَسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثَوَابَ، ثَوْبَيْنِ صُحَارِيَّيْنِ [1] وَبُرْدٍ حَبِرَةٌ، أُدْرِجَ فِيهَا إدْرَاجًا، كَمَا حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَالزَّهْرِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ. (حَفْرُ الْقَبْرِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ يَضْرَحُ [2] كَحَفْرِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ هُوَ الَّذِي يَحْفِرُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَلْحَدُ، فَدَعَا الْعَبَّاسُ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا: اذْهَبْ، إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَلِلْآخَرِ اذْهَبْ إلَى أَبِي طَلْحَةَ. اللَّهمّ خِرْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ صَاحِبَ أَبِي طَلْحَةَ أَبَا طَلْحَةَ، فَجَاءَ بِهِ، فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (دَفْنُ الرَّسُولِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ) : فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ جَهَازِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وُضِعَ فِي سَرِيرِهِ فِي بَيْتِهِ، وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ. فَقَالَ قَائِلٌ: نَدْفِنُهُ فِي مَسْجِدِهِ وَقَالَ قَائِلٌ: بَلْ نَدْفِنُهُ مَعَ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا قُبِضَ نَبِيٌّ إلَّا دُفِنَ حَيْثُ يُقْبَضُ، فَرُفِعَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ عَلَيْهِ، فَحُفِرَ لَهُ تَحْتَهُ، ثُمَّ دَخَلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ أَرْسَالًا [3] ، دَخَلَ الرِّجَالُ، حَتَّى إذَا فَرَغُوا أُدْخِلَ النِّسَاءُ، حَتَّى إذَا فَرَغَ النِّسَاءُ أُدْخِلَ الصِّبْيَانُ. وَلَمْ يَؤُمَّ النَّاسَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ.

_ [1] صحاريين: نِسْبَة إِلَى صحار، وَهِي مَدِينَة من الْيمن كَمَا فِي لِسَان الْعَرَب، أَو هِيَ فِي بِلَاد بنى تَمِيم من الْيَمَامَة أَو مَا يَليهَا (عَن مُعْجم مَا استعجم للبكرى) . [2] يضرح: يشق الأَرْض للقبر. [3] أَرْسَالًا: جمَاعَة بعد جمَاعَة.

(دفن الرسول) :

ثُمَّ دُفِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَسَطِ اللَّيْلِ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ. (دَفْنُ الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ عُمَارَةَ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسَعْدَ [1] بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، جَوْفَ اللَّيْلِ مِنْ لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ. (مَنْ تَوَلَّى دَفْنَ الرَّسُولِ) : وَكَانَ الَّذِينَ نَزَلُوا فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَالْفَضْلَ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَقُثَمَ بْنَ عَبَّاسٍ، وَشُقْرَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ قَالَ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيٍّ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: يَا عَلِيُّ، أَنْشُدُكَ اللَّهَ، وَحَظَّنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: انْزِلْ، فَنَزَلَ مَعَ الْقَوْمِ، وَقَدْ كَانَ مَوْلَاهُ شُقْرَانُ حِينَ وَضَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُفْرَتِهِ وَبَنَى عَلَيْهِ قَدْ أَخَذَ قَطِيفَةً، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا وَيَفْتَرِشُهَا، فَدَفَنَهَا فِي الْقَبْرِ، وَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا يَلْبَسُهَا أَحَدٌ بَعْدَكَ أَبَدًا. قَالَ: فَدُفِنَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْدًا بِالرَّسُولِ) : وَقَدْ كَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ يَدَّعِي أَنَّهُ أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَخَذْتُ خَاتَمِي، فَأَلْقَيْتُهُ فِي الْقَبْرِ، وَقُلْتُ: إنَّ خَاتَمِي سَقَطَ مِنِّي، وَإِنَّمَا طَرَحْتُهُ عَمْدًا لِأَمَسَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَكُونُ أَحْدَثَ النَّاسِ عَهْدًا بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ مِقْسَمٍ أَبِي الْقَاسِمِ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ مَوْلَاهُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: اعْتَمَرْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي زَمَانِ عُمَرَ أَوْ زَمَانِ عُثْمَانَ، فَنَزَلَ عَلَى أُخْتِهِ

_ [1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول «أسعد» .

(خميصة الرسول) :

أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ رَجَعَ فَسُكِبَ لَهُ غِسْلٌ، فَاغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غَسْلِهِ دَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا حَسَنٍ، جِئْنَا نَسْأَلُكَ عَنْ أَمْرٍ نُحِبُّ أَنْ تُخْبِرَنَا عَنْهُ؟ قَالَ: أَظُنُّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يُحَدِّثُكُمْ أَنَّهُ كَانَ أَحْدَثَ النَّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالُوا: أَجَلْ، عَنْ ذَلِكَ جِئْنَا نَسْأَلُكَ، قَالَ: كَذَبَ، قَالَ: أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُثَمُ بْنُ عَبَّاسٍ. (خَمِيصَةُ الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ، قَالَتْ: كَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ [1] حِينَ اشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ، قَالَتْ: فَهُوَ يَضَعُهَا مَرَّةً عَلَى وَجْهِهِ، وَمَرَّةً يَكْشِفُهَا عَنْهُ، وَيَقُولُ: قَاتَلَ اللَّهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، يَحْذَرُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أُمَّتِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ آخِرُ مَا عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَالَ: لَا يُتْرَكُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ. (افْتِتَانُ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ مَوْتِ الرَّسُولِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَظُمَتْ بِهِ مُصِيبَةُ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَتْ عَائِشَةُ، فِيمَا بَلَغَنِي، تَقُولُ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَدَّتْ الْعَرَبُ، وَاشْرَأَبَّتْ [2] الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَنَجَمَ [3] النِّفَاقُ، وَصَارَ الْمُسْلِمُونَ كَالْغَنَمِ الْمَطِيرَةُ فِي اللَّيْلَةِ الشَّاتِيَةِ، لِفَقْدِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى جَمَعَهُمْ اللَّهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ مَكَّةَ لَمَّا

_ [1] خميصة سَوْدَاء: هِيَ ثوب خَز أَو صوف معلم. [2] اشرأبت: طلعت. [3] نجم: ظهر.

شعر حسان بن ثابت في مرثيته الرسول

تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمُّوا بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِسْلَامِ، وَأَرَادُوا ذَلِكَ، حَتَّى خَافَهُمْ عَتَّابُ بْنُ [1] أَسِيدٍ، فَتَوَارَى، فَقَامَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ وَفَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: إنَّ ذَلِكَ لَمْ يَزِدْ الْإِسْلَامَ إلَّا قُوَّةً، فَمَنْ رَابَنَا ضَرَبْنَا عُنُقَهُ، فَتَرَاجَعَ النَّاسُ وَكَفُّوا عَمَّا هَمُّوا بِهِ، وَظَهَرَ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ. فَهَذَا الْمَقَامُ الَّذِي أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ: إنَّهُ عَسَى أَنْ يَقُومَ مَقَامًا لَا تَذُمُّهُ. شِعْرُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فِي مَرْثِيَّتِهِ الرَّسُولَ وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا حَدَّثَنَا ابْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ: بِطَيْبَةَ رَسْمٌ لِلرَّسُولِ وَمَعْهَدُ ... مُنِيرٌ وَقَدْ تَعْفُو الرَّسُومُ وَتَهْمُدُ [2] وَلَا تَمْتَحِي الْآيَاتُ مِنْ دَارِ حُرْمَةٍ ... بِهَا مِنْبَرُ الْهَادِي الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ [3] وَوَاضِحُ آثَارٍ وَبَاقِي مَعَالِمَ ... وَرَبْعٌ لَهُ فِيهِ مُصَلَّى وَمَسْجِدُ [4] بِهَا حُجُرَاتٌ كَانَ يَنْزِلُ وَسْطَهَا ... مِنْ اللَّهِ نُورٌ يُسْتَضَاءُ وَيُوقَدُ [5] مَعَارِفُ لَمْ تطمس على الْعَهْد آيها ... أَتَاهَا الْبِلَى فَالْآيُ مِنْهَا تَجَدَّدُ [6] عَرَفْتُ بِهَا رَسْمَ الرَّسُولِ وَعَهْدَهُ ... وَقَبْرًا بِهَا وَارَاهُ فِي التُّرْبِ مُلْحِدُ [7] ظَلِلْتُ بِهَا أَبْكِي الرَّسُولَ فَأَسْعَدَتْ ... عُيُونٌ وَمِثْلَاهَا مِنْ الْجَفْنِ تُسْعَدُ [8]

_ [1] كَانَ عتاب بن أسيد والى مَكَّة حِين توفى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أمره عَلَيْهَا. [2] طيبَة: اسْم مَدِينَة النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والرسم: مَا بَقِي من آثَار الدَّار. وَتَعْفُو: تدرس وتتغير. وتهمد: تبلى. [3] تمتحى: تَزُول. والآيات: العلامات. [4] المعالم: جمع معلم، وَهُوَ مَا يعرف بِهِ الشَّيْء. [5] الحجرات: جمع حجرَة. يعْنى مساكنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [6] لم تطمس: لم تغير. [7] الملحد: الّذي يضع الْمَيِّت فِي لحده. [8] تسعد: تعين.

يُذَكِّرْنَ آلَاءَ الرَّسُولِ وَمَا أَرَى ... لَهَا مُحْصِيًا نَفْسِي فَنَفْسِي تَبَلَّدُ [1] مُفَجَّعَةً قَدْ شَفَّهَا فَقْدُ أَحْمَدَ ... فَظَلَّتْ لِآلَاءِ الرَّسُولِ تُعَدِّدُ [2] وَمَا بَلَغَتْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ عَشِيرَهُ ... وَلَكِنْ لِنَفْسِي بَعْدَ مَا قَدْ تَوَجَّدُ [3] أَطَالَتْ وُقُوفًا تَذْرِفُ الْعَيْنَ جُهْدَهَا ... عَلَى طَلَلِ الْقَبْرِ الَّذِي فِيهِ أَحْمَدُ [4] فَبُورِكْتَ يَا قَبْرَ الرَّسُولِ وَبُورِكَتْ ... بِلَادٌ ثَوَى فِيهَا الرَّشِيدُ الْمُسَدَّدُ وَبُورِكَ لَحْدٌ مِنْكَ ضُمَّنَ طَيِّبًا ... عَلَيْهِ بِنَاءٌ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضَّدُ [5] تَهِيلُ عَلَيْهِ التُّرَبَ أَيْدٍ وَأَعْيُنٍ ... عَلَيْهِ وَقَدْ غَارَتْ بِذَلِكَ أَسْعَدُ [6] لَقَدْ غَيَّبُوا حُلْمًا وَعِلْمًا وَرَحْمَةً ... عَشِيَّةَ عَلَّوْهُ الثَّرَى لَا يُوَسَّدُ وَرَاحُوا بِحُزْنٍ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيُّهُمْ ... وَقَدْ وَهَنَتْ مِنْهُمْ ظُهُورٌ وَأَعْضُدُ يُبَكُّونَ من تبكى السّماوات يَوْمَهُ ... وَمَنْ قَدْ بَكَتْهُ الْأَرْضُ فَالنَّاسُ أَكَمَدُ [7] وَهَلْ عَدَلَتْ يَوْمًا رَزِيَّةُ هَالِكٍ ... رَزِيَّةَ يَوْمٍ مَاتَ فِيهِ مُحَمَّدُ؟ تَقَطَّعُ فِيهِ مَنْزِلُ الْوَحْيِ عَنْهُمْ ... وَقَدْ كَانَ ذَا نُورٍ يَغُورُ وَيُنَجَّدُ [8] يَدُلُّ عَلَى الرَّحْمَنِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ ... وَيُنْقِذُ مِنْ هَوْلِ الْخَزَايَا وَيُرْشِدُ إمَامٌ لَهُمْ يَهْدِيهِمْ الْحَقَّ جَاهِدًا ... مُعَلِّمُ صِدْقٍ إنْ يُطِيعُوهُ يُسْعَدُوا عَفْوٌ عَنْ [9] الزَّلَّاتِ يَقْبَلُ عُذْرَهُمْ ... وَإِنَّ يُحْسِنُوا فاللَّه بِالْخَيْرِ أَجْوَدُ وَإِنْ نَابَ أَمْرٌ لَمْ يَقُومُوا بِحَمْلِهِ ... فَمِنْ عِنْدِهِ تَيْسِيرُ مَا يُتَشَدَّدُ فَبَيْنَا هُمْ فِي نِعْمَةِ اللَّهِ بَيْنَهُمْ [10] ... دَلِيلٌ بَهْ نَهْجُ الطَّرِيقَةِ يُقْصَدُ [11]

_ [1] الآلاء: النعم، جمع ألى وَإِلَى (بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا وتحريك اللَّام) . [2] شفها: أضعفها. [3] العشير: الْعشْر. وتوجد، من الوجد. وَهُوَ الْحزن. [4] تذرف الْعين: تسيل بالدمع. والطلل: مَا شخص من الْآثَار. [5] الصفيح: الْحِجَارَة العريضة. والمنضد: الّذي جعل بعضه على بعض. [6] تهيل: تصب. [7] أكمد: أَحْزَن. [8] يغور: يبلغ الْغَوْر، وَهُوَ المنخفض من الأَرْض. وينجد: يبلغ النجد، وَهُوَ الْمُرْتَفع من الأَرْض. [9] فِي أ: «من» [10] فِي أ: «وَسطهمْ» . [11] النهج: الطَّرِيق الْبَين.

عَزِيزٌ عَلَيْهِ أَنْ يَجُورُوا عَنْ الْهُدَى ... حَرِيصٌ عَلَى أَنْ يَسْتَقِيمُوا وَيَهْتَدُوا عَطُوفٌ عَلَيْهِمْ لَا يُثَنَّى جُنَاحَهُ ... إلَى كَنَفٍ يَحْنُو عَلَيْهِمْ وَيَمْهَدُ [1] فَبَيْنَا هُمْ فِي ذَلِكَ النُّورِ إذْ غَدَا ... إلَى نُورِهِمْ سَهْمٌ مِنْ الْمَوْتِ مُقْصِدُ [2] فَأَصْبَحَ مَحْمُودًا إلَى اللَّهِ رَاجِعًا ... يُبَكِّيهِ حَقُّ الْمُرْسَلَاتِ وَيُحْمَدُ [3] وَأَمْسَتْ بِلَادُ الْحُرْمِ وَحْشًا بِقَاعُهَا ... لِغَيْبَةِ مَا كَانَتْ مِنْ الْوَحْيِ تُعْهَدُ [4] قِفَارًا سِوَى مَعْمُورَةِ اللَّحْدِ ضَافَهَا ... فَقِيدٌ يُبَكِّينَهُ بَلَاطٌ وَغَرْقَدُ [5] وَمَسْجِدُهُ فَالْمُوحِشَاتُ لِفَقْدِهِ ... خَلَاءٌ لَهُ فِيهِ مَقَامٌ وَمَقْعَدُ وَبِالْجَمْرَةِ الْكُبْرَى لَهُ ثَمَّ أَوْحَشَتْ ... دِيَارٌ وَعَرَصَاتٌ وَرَبْعٌ وَمَوْلِدُ [6] فَبَكِّي رَسُولَ اللَّهِ يَا عَيْنُ عَبْرَةً ... وَلَا أَعْرِفَنَّكِ الدَّهْرَ دمعك يجمد وَمَالك لَا تَبْكِينَ ذَا النِّعْمَةِ الَّتِي ... عَلَى النَّاسِ مِنْهَا سَابِغٌ يُتَغَمَّدُ [7] فَجُودِي عَلَيْهِ بِالدُّمُوعِ وَأَعْوِلِي ... لِفَقْدِ الَّذِي لَا مِثْلُهُ الدَّهْرَ يُوجَدُ [8] وَمَا فَقَدَ الْمَاضُونَ مِثْلَ مُحَمَّدٍ ... وَلَا مِثْلُهُ حَتَّى الْقِيَامَةِ يُفْقَدُ أَعَفَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً بَعْدَ ذِمَّةٍ ... وَأَقْرَبَ مِنْهُ نَائِلًا لَا يُنَكَّدُ [9] وَأَبْذَلَ مِنْهُ لِلطَّرِيفِ وَتَالِدٍ ... إذَا ضَنَّ مِعْطَاءٌ بِمَا كَانَ يُتْلَدُ [10] وَأَكْرَمَ صِيتًا فِي الْبُيُوتِ إذَا انْتَمَى ... وَأَكْرَمَ جَدًّا أَبْطَحِيًّا يُسَوَّدُ [11]

_ [1] الكنف: الْجَانِب والناحية. [2] مقصد: مُصِيب، يُقَال: أقصد السهْم: إِذا أصَاب. [3] المرسلات (هُنَا) : الْمَلَائِكَة. ويروى: «جن المرسلات» يُرِيد الْمَلَائِكَة المستورين عَن أعين الْآدَمِيّين. [4] بِلَاد الْحرم (بِضَم الْحَاء وَكسرهَا) : يعْنى مَكَّة وَمَا اتَّصل بهَا من الْحرم. [5] ضافها: نزل بهَا. وبلاط: مستو من الأَرْض. والغرقد: شجر. [6] عرصات: ساحات، سكنت الرَّاء ضَرُورَة. [7] سابغ: كثير تَامّ. ويغمد: يستر. [8] أعولى: ارفعى صَوْتك بالبكاء. [9] لَا ينكد: لَا يكدر بالمن الّذي يفْسد النائل. [10] الطريف: المَال المستحدث. والتالد: المَال الْقَدِيم الْمَوْرُوث. وضن: بخل. ويتلد: يكْتَسب قَدِيما. [11] الصيت: الذّكر الْحسن. والأبطحى: الْمَنْسُوب إِلَى أبطح مَكَّة، وَهُوَ مَوضِع سهل متسع.

وَأَمْنَعَ ذِرْوَاتٍ وَأَثْبَتَ فِي الْعُلَا ... دَعَائِمَ عِزٍّ شَاهِقَاتٍ تُشَيَّدُ [1] وَأَثْبَتَ فَرْعًا فِي الْفُرُوعِ وَمَنْبَتًا ... وَعُودًا غَذَّاهُ الْمُزْنُ فَالْعُودُ أَغْيَدُ [2] رَبَّاهُ وَلِيدًا فَاسْتَتَمَّ تَمَامُهُ ... عَلَى أَكْرَمِ الْخَيْرَاتِ رَبٌّ مُمَجَّدٌ تَنَاهَتْ وَصَاةُ الْمُسْلِمِينَ بِكَفِّهِ ... فَلَا الْعِلْمُ مَحْبُوسٌ وَلَا الرَّأْيُ يُفْنَدُ [3] أَقُولُ وَلَا يُلْقَى [4] لِقَوْلِي عَائِبٌ ... مِنْ النَّاسِ إلَّا عَازِبُ الْعَقْلِ مُبْعَدُ [5] وَلَيْسَ هَوَايَ نَازِعًا عَنْ ثَنَائِهِ ... لَعَلِّي بِهِ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ أَخْلَدُ مَعَ الْمُصْطَفَى أَرْجُو بِذَاكَ جِوَارَهُ ... وَفِي نَيْلِ ذَاكَ الْيَوْمِ أَسْعَى وَأَجْهَدُ وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا، يَبْكِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بَالُ عَيْنِكَ لَا تَنَامُ كَأَنَّمَا ... كُحِلَتْ مَآقِيهَا بِكُحْلِ الْأَرْمَدِ [6] جَزَعًا عَلَى الْمَهْدِيِّ أَصْبَحَ ثَاوِيًا ... يَا خَيْرَ مَنْ وَطِئَ الْحَصَى لَا تَبْعَدْ وَجْهِي يَقِيكَ التُّرْبَ لَهْفِي لَيْتَنِي ... غُيِّبْتُ قَبْلَكَ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ [7] بِأَبِي وَأُمِّي مَنْ شَهِدْتُ وَفَاتَهُ ... فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ النَّبِيُّ الْمُهْتَدِي فَظَلِلْتُ بَعْدَ وَفَاتِهِ مُتَبَلِّدًا ... مُتَلَدَّدًا يَا لَيْتَنِي لَمْ أُولَدْ [8] أَأُقِيمُ بَعْدَكَ بِالْمَدِينَةِ بَيْنَهُمْ ... يَا لَيْتَنِي صُبِّحْتُ سَمَّ الْأَسْوَدِ [9] أَوْ حَلَّ أَمْرُ اللَّهِ فِينَا عَاجِلًا ... فِي رَوْحَةٍ مِنْ يَوْمِنَا أَوْ مِنْ غَدٍ

_ [1] الذروات: الأعالي. وشاهقات: مرتفعات. وَفِي أ: «شامخات» . [2] المزن: السَّحَاب. وأغيد: ناعم متثن. [3] يفند: يعاب. [4] فِي أ: «وَلَا يلفى لما قلت» . [5] عَازِب الْعقل: بعيد الْعقل. [6] المآقي: مجاري الدُّمُوع من الْعين الْوَاحِد مأقى. والأرمد: الّذي يشتكي وجع الْعين. وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي ديوَان حسان: «مَا بَال عَيْني ... » [7] بَقِيع الْغَرْقَد: مَقْبرَة أهل الْمَدِينَة. وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي الدِّيوَان: «جَنْبي يقيك..» إِلَخ [8] متلدد: متحير. [9] صبحت: سقيت صباحا. وَالْأسود: ضرب من الْحَيَّات.

فَتَقُومُ سَاعَتُنَا فَنَلْقَى طَيِّبًا ... مَحْضًا ضَرَائِبُهُ كَرِيمَ الْمَحْتِدِ [1] يَا بِكْرَ آمِنَةَ الْمَبَارِكَ بِكْرُهَا ... وَلَدَتْهُ مُحْصَنَةٌ بِسَعْدِ الْأَسْعَدِ نُورًا أَضَاءَ عَلَى الْبَرِيَّةِ كُلِّهَا ... منْ يُهْدَ لِلنُّورِ الْمُبَارَكِ يَهْتَدِي يَا رَبِّ فَاجْمَعْنَا مَعًا وَنَبِيَّنَا ... فِي جَنَّةٍ تَثْنَى عُيُونُ الْحُسَّدِ [2] فِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ فَاكْتُبْهَا لَنَا ... يَا ذَا الْجَلَالِ وَذَا الْعلَا والسّؤدد وَاَللَّهِ أَسْمَعُ مَا بَقِيتُ بِهَالِكٍ ... إلَّا بَكَيْتُ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدِ [3] يَا وَيْحَ أَنْصَارِ النَّبِيِّ وَرَهْطِهِ ... بَعْدَ الْمُغَيَّبِ فِي سَوَاءِ الْمَلْحَدِ [4] ضَاقَتْ بِالْأَنْصَارِ الْبِلَادُ فَأَصْبَحُوا ... سُودًا وُجُوهُهُمْ كَلَوْنِ الْإِثْمِدِ [5] وَلَقَدْ وَلَدْنَاهُ وَفِينَا قَبْرُهُ ... وَفُضُولَ نِعْمَتِهِ بِنَا لَمْ نَجْحَدْ [6] وَاَللَّهُ أَكْرَمَنَا بِهِ وَهَدَى بِهِ ... أَنْصَارَهُ فِي كُلِّ سَاعَةِ مَشْهَدِ صَلَّى الْإِلَهُ وَمَنْ يَحُفُّ بِعَرْشِهِ ... وَالطَّيِّبُونَ عَلَى الْمُبَارَكِ أَحْمَدْ [7] قَالُ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَبِّ الْمَسَاكِينَ أَنَّ الْخَيْرَ فَارَقَهُمْ ... مَعَ النَّبِيِّ تَوَلَّى عَنْهُمْ سَحَرَا [8] مَنْ ذَا الَّذِي عِنْدَهُ رَحْلِي وَرَاحِلَتِي ... وَرِزْقُ أَهْلِي إذَا لَمْ يُؤْنِسُوا الْمَطَرَا [9] أَمْ مَنْ نُعَاتِبَ لَا نَخْشَى جَنَادِعَهُ ... إذَا اللِّسَانُ عَتَا فِي الْقَوْلِ أَوْ عَثَرَا [10] كَانَ الضِّيَاءَ وَكَانَ النُّورَ نَتْبَعُهُ ... بَعْدَ الْإِلَهِ وَكَانَ السَّمْعَ وَالْبَصَرَا فَلَيْتَنَا يَوْمَ وَارَوْهُ بِمُلْحِدِهِ ... وَغَيَّبُوهُ وَأَلْقَوْا فَوْقَهُ الْمَدَرَا

_ [1] الضرائب: الطبائع. والمحتد: الأَصْل. [2] تثنى: تصرف وتدفع. [3] وَالله أسمع: أَي وَالله لَا أسمع. [4] سَوَاء الملحد: وسط الْقَبْر. [5] الإثمد: كحل أسود يكتحل بِهِ. [6] ولدناه: يُشِير إِلَى أَن بنى النجار أخوال النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من قبل آبَائِهِ. [7] وَردت هَذِه القصيدة فِي ديوَان حسان باخْتلَاف فِي بعض كلماتها وترتيب أبياتها. [8] نب: نبئ وَأعلم، سهله، ثمَّ عَامله مُعَاملَة المعتل. [9] لم يؤنسوا الْمَطَر: لم يحسوه. [10] الجنادع: أَوَائِل الشَّرّ: وعتا: زَاد وطغى.

لَمْ يَتْرُكِ اللَّهُ مِنَّا بَعْدَهُ أَحَدًا ... وَلَمْ يَعِشْ بَعْدَهُ أُنْثَى وَلَا ذَكَرَا ذَلَّتْ رِقَابُ بَنِي النَّجَّارِ كُلِّهِمْ ... وَكَانَ أَمْرًا مِنْ امْرِ اللَّهِ قَدْ قُدِرَا وَاقْتُسِمَ الْفَيْءُ دُونَ النَّاسِ كُلِّهِمْ ... وَبَدَّدُوهُ جِهَارًا بَيْنَهُمْ هَدَرًا [1] وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا: آلَيْتُ مَا فِي جَمِيعِ النَّاسِ مُجْتَهِدًا ... مِنِّي أَلْيَةَ بَرَّ غير إفناد [2] تا الله مَا حَمَلَتْ أُنْثَى وَلَا وَضَعَتْ ... مِثْلَ الرَّسُولِ نَبِيِّ الْأُمَّةِ الْهَادِي وَلَا بَرَا اللَّهُ خَلْقًا مِنْ بَرِيَّتِهِ ... أَوْفَى بِذِمَّةِ جَارٍ أَوْ بِمِيعَادِ مِنْ الَّذِي كَانَ فِينَا يُسْتَضَاءُ بِهِ ... مُبَارَكَ الْأَمْرِ ذَا عَدْلٍ وَإِرْشَادِ أَمْسَى نِسَاؤُكَ عَطَّلْنَ الْبُيُوتَ فَمَا ... يَضْرِبْنَ فَوْقَ قَفَا سِتْرٍ بِأَوْتَادِ مِثْلَ الرَّوَاهِبِ يَلْبَسْنَ الْمَبَاذِلَ قَدْ ... أَيْقَنَّ بِالْبُؤْسِ بَعْدَ النِّعْمَةِ الْبَادِي [3] يَا أَفْضَلَ النَّاسِ إنِّي كُنْتُ فِي نَهَرٍ ... أَصْبَحْتُ مِنْهُ كَمِثْلِ الْمُفْرَدِ الصَّادِي [4] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَجُزُ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ [5] . انْتَهَى الْجُزْءُ الرَّابِعُ مِنْ سِيرَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ تمّ الْكتاب

_ [1] هدرا: بَاطِلا. [2] الألية: الْيَمين وَالْحلف. والإفناد: الْعَيْب. وَرِوَايَة الشّطْر الأول من هَذَا الْبَيْت فِي الدِّيوَان: «آلَيْت حلفة بر غير ذِي دخل» [3] المباذل: جمع مبذل (بِكَسْر الْمِيم) وَهُوَ الثَّوْب الّذي يبتذل فِيهِ. [4] الصادي: العاطش. وَقد وَردت هَذِه القصيدة فِي الدِّيوَان بِبَعْض اخْتِلَاف عَمَّا هُنَا. [5] فِي م، ر بعد هَذَا وَردت الْعبارَة الْآتِيَة: وجد بآخر بعض النّسخ مَا نَصه: وَهَذَا آخر الْكتاب وَالْحَمْد للَّه كثيرا، وَصلَاته وَسَلَامه على سيدنَا مُحَمَّد وَآله الطيبين الطاهرين، وَصَحبه الأخيار الرَّاشِدين. أنشدنى أَبُو مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن البرقي قَالَ: أوعب أَبُو مُحَمَّد عبد الْملك بن هِشَام كتاب السِّيرَة وبحضرته رجال من فصحاء الْعَرَب، فَقَالَ: تمّ الْكتاب وَصَارَ فِي الْفَرْض ... عشْرين جُزْءا كلهَا ترْضى كملت بِلَا لحن وَلَا خطل ... فِي الشكل والإعجام وَالْقَرْض

§1/1