سلسلة حتى لا نخطئ فهم القرآن

محمود محمد غريب

ـ[سلسلة حتى لا نخطئ فهم القرآن]ـ المؤلف: محمود محمد غريب: من علماء الأزهر الشريف والموجه الديني لشباب جامعة القاهرة عدد الأجزاء: 1 [الكتاب مرقم آليا] أعده للشاملة: أبو إبراهيم حسانين

الوحدة الموضعية في القرآن الكريم

الوحدة الموضعية في القرآن الكريم بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وسلام على النبيِّ المصطفى أما بعد. الدارس للقرآن الكريم يرى أن السورة القرآنية تمثل وحدة متكاملة في مضمونها بحيث تعالج الهدف الذي نزلت من أجله علاجا واضحا وهي مع ذلك ترتبط بالسورة التي قبلها في ترتيب المصحف ارتباط الجار الكريم بجاره الملاصق له بحيث لو رفعنا الفاصل بين السورتين وهو البسملة - بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ - لوجدنا وحدة بين السورتين كاملة فضلا عن الارتباط الكبير الذي بين آيات الموضوع الواحد في كل القرآن فبين آيات السورة انسجام وبين السورة والسورة المجاورة لها ارتباط وبين آيات الموضوع الواحد - كالجهاد - والصلاة - والمواعظ - تكامل وقد اخترت سورة الواقعة مثالا لذلك. فهي تأتي بعد سورة الرحمن لأنها تتحد معها في أغراض كثيرة فسورة الرحمن تتحدث عن الكون. . . . من إنسان وشمس وقمر وأرض. وسورة الواقعة تتحدث عن نهاية. . . . الإنسان والشمس والقمر والأرض وسورة الرحمن تتحدث عن ملامح النهاية والجنة والنار وهو نفس الهدف الذي تهدف إليه سورة الواقعة وسورة الرحمن تختم بقوله تعالى {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} فلو رفعنا من القرآن - بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ - لكان المعنى منسجما تمام الانسجام لأنَّ الجلال لله تعالى في الدنيا والآخرة ولكنه أكمل ما يكون الجلال {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} الواقعة1 لأنَّ سلطانه المطلق يومها لا ينكره أحد. . قال تعالى: {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}

أما انسباك آيات السورة مع بعضها فنجد سورة الواقعة تعالج موضوع البعث والجزاء. . . . وهي مقسّمة إلى الأقسام الآتية: مقدمة. . . . . . . . . . . وفصول ثلاثة. . . . . . . . . . . وخاتمة. . . . . . . . . . . . . أما المقدمة: - فتتحدث عن نهاية العالم وعن التغيير الذي سيحدث للكون. . . . {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} إبراهيم 48 {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6} والمقدمة تنتهي عند الآية رقم (6) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6} ثم يأتي الفصل الأول: وهو يقسم الناس إلى أقسام ثلاثة وهم: - أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقون ويذكر جزاء كل قسم وسبب استحقاقهم هذا الجزاء {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ. فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ. وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ. وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ. وَمَاء مَّسْكُوبٍ. وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ. لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ. وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ. إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء. فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً. عُرُباً أَتْرَاباً. لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ. ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ. وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ} الواقعة 27 - 40 {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) }

{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26) } الواقعة 10 - 26 وينتهي هذا الفصل بقوله تعالى: (هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) الفصل الثاني: - يناقش المنكرين للبعث. . . ويسوق أدلة واضحة على البعث مستخدما عناصر الطبيعة المعلومة لدى الجميع وهي: - (1) الجنين وكيف أن الله تعالى يكونه في بطن أم بدون تدخل من أحد. {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ. أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ. أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ. نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ. عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ. وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ} الواقعة 57 - 62 (2) الزرع

وكيف أن الله تعالى. . . . . يد القدر الأعلى. . . . . ترعاه فتغذيه وتحافظ عليه {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ. أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ. لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ. إِنَّا لَمُغْرَمُونَ. بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} الواقعة 63 - 67 (3) الماء وكيف أن الله تعالى يسوقه إلى البلد الميت وينزله غيثا {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ. أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ. لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} الواقعة 68 - 70 (4) النار ومظهر قدرة الله تعالى فيها كبير {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ. أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ. نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ} الواقعة 71 - 73 ونلاحظ أن رجل الشارع. . . . . . . . . يعرف عناصر المناقشة الأربعة كما أن الدارس في أرقى البلاد. . . . . . . . . يدرك عظمة الصانع الحكيم فيها وبسرعة يأمر القرآن العاقل أن يسـ ــــــــــــــــــــبح {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} الواقعة 74 سبحان ربّي العظيم وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته الفصل الثالث: - وهو يبدأ بالقسم بمواقع النجوم على كرم القرآن ونزوله من عند الله تعالى. . . {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ. لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ. تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} الواقعة 75 - 80 وللقسم أثر عظيم في النفس ومن الظريف أنني رأيت بعض المنكرين لوجود الله تعالى. . . يقسم في حديثه بالله العظيم!!!!

ثم يتكلم القرآن عن الروح مظهرا ضعف الدنيا أمام سرها العجيب {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) } الواقعة 83 - 87 وعجز الناس عن عودة الروح إلى الجسد كافٍ في أثبات البعث والجزاء ثم تأتي الخاتمة وهي ترد العجز إلى الصدر وتقسم الناس - مرة أخرى - إلى ثلاثة أقسام والذي أرتاح له ويتفق مع فهمي للقرآن. . . . أن نهاية السورة لا تكرر أولها لأنَّ القرآن لا تكرار فيه (إلا لفائدة) فكيف نفهم خاتمة السورة بعيدا عن التكرار؟ ؟ ؟ نلاحظ أن أول السورة قسم الناس إلى (أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقين) هذا التقسيم جاء بعد نهاية الدنيا. . . .فهو بيان لدرجات الناس في الآخرة. . . . . أما آخر السورة وهو قوله تعالى: - {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) الواقعة 88 - 94 فيأتي بعد بيان نهاية الإنسان ونهاية الإنسان تفهم من قوله تعالى: - {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) } الواقعة 83 - 87 إذن آخر السورة تقسم الناس في القبر إلى الأقسام الثلاثة أصحاب يمين وأصحاب شمال ومقربين فصدر السورة يتحدث عن الآخرة وآخر السورة يتحدث عن جزاء القبر وبذلك فلا تكرار. . . . . . . . . . . . . . . . . .

وبعد: - إن القرآن وحدة متكاملة وآياته حبات عقد نوراني لذلك فهو حق اليقين وأي يقين أوضح من القرآن؟ ؟ ؟ أقول ذلك: - حتى لا تخطئ فهم القرآن من محاضرات الأستاذ الشيخ محمود غريب

كلنا في خدمة النبي صل يا رب عليه وآله وبارك وسلم كما تحبه

كلُّنا في خدمة النبيِّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم كما تحبه بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وسلام على النبيِّ المصطفى أما بعد الفئات الثلاثة الناجية قبل أن أتحدث عن الفئات الناجية هناك حديث للنبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم كما تحبه وترضاه آمين يكثر سؤال الشباب عنه في كل بلد أزورها أو يوجهه الشباب لكل ضيف من الدعاة إنه حديث تنقسم أمتي ثلاثة وسبعين فرقة رواه أبو داود ولم يروه البخاري ومسلم وأول الحديث تنقسم اليهود سبعين فرقة وتنقسم النصارى اثنين وسبعين فرقة وتنقسم أمتي إلى ثلاثة وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة فكل جماعة تربي أتباعها على أنها هي الطائفة الناجية وغيرها في النار وأحب أن أسأل الشباب لو قلت لهم إن الطالب الأول أخطا سبعين خطأ والثاني أخطأ اثنين وسبعين خطأ والثالث اخطأ ثلاثة وسبعين خطأ فأي الثلاثة أسوأ؟ لا شك أن الأكثر فرقة هو الأبعد عن الصراط من أجل هذا لا بد أن نعرف من هي الأمَّة التي تفترق ثلاثا وسبعين فرقة قبل أن ننشغل بالبحث عن الفرقة الوحيدة الناجية هل هي أمَّة الإجابة أم أمَّة التبليغ؟ ؟ كلمة أمَّة - محمَّد - صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلم كما تحبه وترضاه آمين تستعمل ويراد بها الذين آمنوا بالله تعالى ورسوله والكتاب الذي أنزل على رسوله والكتب التي أنزلت من قبل فورثت هذه الأمَّة هدي الجميع وهذه الآمّة توحدت في الأرض يوم وحّدت ربها في السَّماء وقد حفظها الله تعالى من الاختلاف الذي ابتليت به الأمم السّابقة فالأمم السّابقة اختلفوا إيمانا وكفرا

قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253) } هذه أمَّة محمَّد صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلم كما تحبه وترضاه آمين التي استجابت والخلافات فيها لا تخرج من الدين ولا توصل للنار أمَّا أمَّة التبليغ فحجمها حجم كل البشر الذين أرسل الله إليهم محمَّدا، ومحمَّد قد بعثه الله لكل العالمين صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلم كما تحبه وترضاه آمين هي أمَّة محمَّد أيضا لأنَّ الله أوجب علينا أن نبلغ دعوته ولكنهم رفضوا دعوته واختلفوا ثلاثا وسبعين فرقة والمراد من العدد الكثرة والمبالغة وليس العدد الحسابي وهذا موجود في اللغة والقرآن وقد سميت هذه الأمَّة بمجتمع الإيَّات أعني يهودية - نصرانية - شيوعية - وجودية - بهائية قديانية - ألف - إيَّة - تختلف فيما بينها وتتفق على عدائها للإسلام وبهذا نفهم أن أمَّة الإجابة ناجية وأمَّة الإجابة الناجية ثلاث طوائف حددهم القرآن الطائفة الأولى المهاجرون جاء هذا في سورة الحشر {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} الحشر 8 وختم الآية الكريمة القرآن بقوله {أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} الطائفة الثانية إنهم الأنصار

قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الحشر 9 وختمت الآية الكريمة بقوله تعالى {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الطائفة الثالثة قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} الحشر 10 طوائف ثلاثة ناجية ثمَّ جاء في الآية التي بعدها الحديث عن النفاق {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} الحشر 11 وآخر آية الحشر {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} فالذي ليس مهاجرا ولا أنصاري فليكن محبا لهم وليحذر من النفاق. والترتيب نفسه جاء في سورة التوبة {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} التوبة 100 إلى هنا ينتهي كلام القرآن الكريم عن الطوائف الثلاث في السورتين ومجموع آيات القرآن يكمل بعضها بعضا ويفسره

وفي سورة الأنفال {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} الأنفال 74 أثبت القرآن أن هؤلاء الطوائف الثلاثة هم المؤمنون حقا فماذا بعد الآيات الكريمات؟ ؟ في سورة الحشر بعد أن تكلم عن المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان أتبع الحديث عن المنافقين {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} الحشر 11 والترتيب نفسه للآيات في سورة التوبة فبعد أن تحدث القرآن عن السَّابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وعن قوله تعالى رضي الله عنهم وتكلم عن رضاهم عنه {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} آية التوبة 100 تكلم عن المنافقين {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} التوبة 101 فسفينة النجاة في القرآن قاصرة على الطوائف الثلاث وبعدهم يأتي الحديث عن النفاق. * * * المهاجرون قال عنهم {أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} الأنصار فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} التابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ}

شهد القرآن بتبعيتهم للناجين ومن أحب قوما حشر معهم والآية في سورة الأنفال 74 أخبرت أنهم هم المؤمنون حقا {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ} هذا في الآخرة وهذا وعد من الله تعالى {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} التوبة 111 ثمّ يتحدث القرآن عن الفئة الثالثة في السورة نفسها فيقول {وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} الأنفال 75 فالناجون ثلاثة لا أعرف في سفينة القرآن مكانا لغيرهم فكن معهم فمن أحب قوما حشر معهم فمع أيّ جماعة من الثلاث كنت فأنت ناجٍ القرآن يشهد لهم هل الذين شهد القرآن لهم في حياتهم كأبي بكر رضي الله تعالى عنه الذي سمّاه القرآن (أُوْلُوا الْفَضْلِ) في سورة النور بإجماع المفسرين لأنَّ الآية نزلت في مقام الحديث عن براءة أم المؤمنين السَّيِّدة عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها هل بعد شهادة القرآن شهادة؟!!! {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} النور 22

- (ولا يأتل) يحلف (أولوا الفضل) أصحاب الغنى (منكم والسعة أن) لا (يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله) نزلت في أبي بكر حلف أن لا ينفق على مِسْطَح وهو ابن خالته مسكين مهاجر بدري لما خاض في الإفك بعد أن كان ينفق عليه وناس من الصحابة أقسموا أن لا يتصدقوا على من تكلم بشيء من الإفك (وليعفوا وليصفحوا) عنهم في ذلك (ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) للمؤمنين قال أبو بكر بلى أنا أحبُّ أن يغفر الله لي ورجع إلى مِسْطَح ما كان ينفقه عليه هل قال القرآن هذا وهو يعلم على أي شيء سيموت أبو بكر أم أن خاتمته غابت عن الله تعالى؟ ؟ حاش لله تعالى المهم أن نسأل هؤلاء: - هل يؤمنون بأن هذا القرآن منزّل من عند الله تعالى؟ ؟ وعمر رضي الله تعالى عنه الذي كان القرآن ينزل مؤيدا رأيه حتى لو خالف رأي النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم كما تحبه وترضاه آمين الذي يمتلئ رحمة ويقدمها على كل حال آخر فهو الرحمة المهداة {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} إن الأمور الكبيرة تحتاج مع الرحمة إلى حكمة عمر وكم يفرح الأستاذ بنبوغ تلميذه!! فعمر امتداد للنبيّ وعمر آمن بالنبي ّمحمَّد صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم كما تحبه وترضاه آمين بينما آمن أبو بكر بمحمَّد النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم كما تحبه وترضاه آمين كما قال عبقري عصره الأستاذ عباس محمود العقاد والفارق بين المنهجين كبير محمَّد النبيّ أو النبيّ محمَّد رأي عمر في صلاة النبيّ على رأس المنافقين كان عمر يطلب من النبيّ أن لا يصلي عليه (رأس المنافقين) والنبيّ يقول إن الله تعالى خيرني ولم ينهنِ حتى نزل القرآن بالنهي الصّريح موافقا رأي عمر ورأي عمر في أسرى بدر معروف هل يريدون أن نربي أبنائنا على كره هؤلاء العظماء؟ فماذا بقي لأبنائنا من قدوة؟ ؟

إن صحفيا في بلد عربي يطلب من المثقفين أن يحاكموا أبو بكر لأنه حارب المرتدين عن الإسلام وهم في رأيه أحرار الفكر وهذا الصحفي لماذا لم يكن من أحرار الفكر؟ ؟ هل يخاف من أبي بكر جديد؟ أقول له اطمئن لحساب من كان يعمل هؤلاء الخلفاء الأربعة؟ ؟ إن أحد الذين باعوا أنفسهم في سوق الرقيق سمعته على الانترنيت يقول هل الجنة - زريبة - حتى يدخلها هؤلاء العشرة الذين بشرهم النبيُّ بالجنة؟ ؟ أقول له اطمئن سيدخل الجنة من يؤمن بأن الدولارات تبيح المحذورات!! ومن مات من أجل الدولارات مات شهيدا!! اسأل الله تعالى أن يعيدك لدينك وعقلك ومن هم على شاكلتك وأن يعالج الفقر النفسي الذي جعلهم يدافعون في قضية خاسرة وعندهم - أَكْلُ الخبز فنون - والذين اشتروه يعلمون أنه كاذب ولسانه لمن يدفع أكثر والمسألة عندهم دنيا فقط إن مدح القرآن لصحابة النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم كما تحبه وترضاه آمين وثيقة وقَّع عليها ربُّ العالمين سبحانه فهل كان يعلم ما سيموتون عليه أم لا؟ ؟ ؟ ؟ إن الله تعالى فرق في القرآن بين المشركين الذين سيمتد عمرهم حتى يدخلوا في الإسلام وبين الذين سيموتون على الكفر خالد بن الوليد هو سبب هزيمة المسلمين في معركة أُحُدٍ ومع ذلك لم ينزل فيه وعيد بينما نزل وعيدٌ شديد في أبيه الوليد بسبب كلمة قالها في القرآن

{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) } المدثر 11 - 26 النتيجة العادلة {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} وأبو سفيان حارب الإسلام واحدا وعشرين عاما حاربه محليا وعشائريا ودوليا ومع ذلك لم ينزل فيه وعيد بالنار بينما نزل في أخته وزوجها {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5) } المسد 1 - 5 فمن يمكنه أن يرد شهادة الله تعالى لأصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً. مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} الفتح 28 - 29

"هو الذي أرسل رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، بالبيان الواضح ودين الإسلام؛ ليُعْليه على الملل كلها , وحسبك - أيها الرسول - بالله شاهدًا على أنه ناصرك ومظهر دينك على كل دين. محمَّد رسول الله , والذين معه على دينه أشداء على الكفار , رحماء فيما بينهم , تراهم ركعًا سُجَّدًا لله في صلاتهم , يرجون ربهم أن يتفضل عليهم , فيدخلهم الجنة , ويرضى عنهم , علامة طاعتهم لله ظاهرة في وجههم من أثر السجود والعبادة , هذه صفتهم في التوراة. وصفتهم في الإنجيل كصفة زرع أخرج ساقه وفرعه , ثم تكاثرت فروعه بعد ذلك , وشدت الزرع , فقوي واستوى قائمًا على سيقانه جميلا منظره , يعجب الزُّرَّاع؛ ليَغِيظ بهؤلاء المؤمنين في كثرتهم وجمال منظرهم الكفارَ. وفي هذا دليل على كفر من أبغض الصحابة - رضي الله عنهم - لأن من غاظه الله بالصحابة , فقد وُجد في حقه موجِب ذاك , وهو الكفر. وعد الله الذين آمنوا منهم بالله ورسوله وعملوا ما أمرهم الله به , واجتنبوا ما نهاهم عنه , مغفرة لذنوبهم , وثوابًا جزيلا لا ينقطع , وهو الجنة. ووعد الله حق مصدَّق لا يُخْلَف , وكل من اقتفى أثر الصحابة رضي الله عنهم فهو في حكمهم في استحقاق المغفرة والأجر العظيم , ولهم الفضل والسبق والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة , رضي الله عنهم وأرضاهم" اهـ. التفسير الميسر وفي السورة نفسها {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} الفتح 18 لقد رضي الله عن المؤمنين حين بايعوك - أيها النبيّ - تحت الشجرة (وهذه هي بيعة الرضوان في "الحديبية") فعلم الله ما في قلوب هؤلاء المؤمنين من الإيمان والصدق والوفاء فأنزل الله الطمأنينة عليهم وثبَّت قلوبهم , وعوَّضهم عمَّا فاتهم بصلح "الحديبية" فتحًا قريبًا , وهو فتح "خيبر" , هل هناك قوة في الأرض يمكنها أن تلغي هذا الرضوان؟ ؟

إن سببها أنه قد أشيع أنَّ عثمان قد قتلته قريش فالسَّماء والأرض أعطت البيعة على القتال والسَّماء أهدتهم الرضوان!! أخي القارئ الكريم لا تجعل من نفسك قاضيا في هذه القضية واتركهم جميعا لله تعالى {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} الزمر 36 إنََّ النبيَّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم كما تحبه وترضاه آمين قال: "يأتي يوم القيامة على القاضي العادل يتمنى لو لم يحكم بين اثنين في تمرة" القاضي عادل والتركة تمرة!! فكيف أحكم بين خير أمَّة أخرجت للناس؟ ؟ للأستاذ الشيخ محمود غريب بيسير من التصرف مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية - سلطنة عمان - فائدة ذكر أبو حامد الغزالي في كتابه " التفرقة بين الإيمان والزندقة " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ستفترق أمتي نيفا وسبعين فرقة، كلهم في الجنة إلا الزنادقة، وهي فرقة ". هذا لفظ الحديث في بعض الروايات. قال: وظاهر الحديث يدل على أنه أراد الزنادقة من أمته، إذ قال: ستفترق أمتي، ومن لم يعترف بنبوته فليس من أمته، والذين ينكرون أصل المعاد والصانع، فليسوا معترفين بنبوته، إذ يزعمون أن الموت عدم محض، وأن العالم لم يزل كذلك موجودا بنفسه من غير صانع، ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، وينسبون الأنبياء إلى التلبيس، فلا يمكن نسبتهم إلى الأمة. انتهى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الإسكندرية: أما هذا الحديث فلا أصل له، بل هو موضوع كذب باتفاق أهل العلم بالحديث، ولم يروه أحد من أهل الحديث المعروفين بهذا اللفظ، بل الحديث الذي في كتب السنن والمسانيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه أنه قال: " ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار ". وروي عنه أنه قال: " هي الجماعة ". وفي حديث آخر: " هي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ". وضعفه ابن حزم، لكن رواه الحاكم في صحيحه، وقد رواه أبو داود والترمذي، وغيرهم قال: وأيضا لفظ الزندقة لا يوجد في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - كما لا يوجد في القرآن، وأما الزنديق الذي تكلم الفقهاء في توبته قبولا وردًّا، فالمراد به عندهم المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر. انتهى.

قلت: وقد ذكر الحديث الذي ذكره الغزالي الحافظ ابن الجوزي في الموضوعات، وذكر أنه روي من حديث أنس، ولفظه: " تفترق أمتي على سبعين، أو إحدى وسبعين فرقة كلهم في الجنة إلا فرقة واحدة ". قالوا: يا رسول الله، من هم؟ قال: " الزنادقة، وهم القدرية ". أخرجه العقيلي، وابن عدي، ورواه الطبراني أيضا، قال أنس: كنا نراهم القدرية. قال ابن الجوزي: وضعه الأبرد بن أشرس، وكان وضاعا كذابا، وأخذه منه ياسين الزيَّات، فقلب إسناده وخلطه، وسرقه عثمان بن عفان القرشي، وهؤلاء كذابون متروكون، وأما الحديث الذي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أمته ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، واثنتان وسبعون في النار، فروي من حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وأبي الدرداء، ومعاوية وابن عباس، وجابر وأبي أمامة، وواثلة وعوف بن مالك، وعمرو بن عوف المزني، فكل هؤلاء قالوا: واحدة في الجنة، وهي الجماعة. ولفظ حديث معاوية ما تقدم، فهو الذي ينبغي أن يعول عليه دون الحديث المكذوب على النبي - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم.

التكرار في القرآن

(التكرار في القرآن) * * * قال لي ما سبب التكرار في القرآن؟ قلت له: هل يمكن أن تصور الجامع صورة واحدة تظهر كل جوانبه قال لا. . . لا بد من عدة لقطات من جوانب مختلفة. قلت: هذا سر التكرار في القرآن. حتى قول الله تعالى في سورة الرحمن ((فبأي آلا ربكما تكذبان)) وهي أكثر آية تكررت في سورة واحدة. . . فإن كل مرة تذكر فيها تشير إلى أمر يغاير ما سبقت له في المرة السابقة فهي بعد كل مقطع قرآني في السورة تذّكر بالنعمة التي أشار لها المقطع والقارئ الفاهم للقرآن لا يصعب عليه إدراك ذلك. . أما التكرار في القصة فيمكنك - قارئي الكريم - أن تدرك سره لو أحضرت مصحفا وقرأت الآيات التي أشير إليها حتى لا يطول المقال بكتابة الآيات. والقصة التي اخترتها لك: - - قصة الناقة - وقد ذكرت في السور الآتية - الأعراف. هود. الإسراء. الشعراء. القمر. الشمس. ثم ذكرت في النمل والحجر وفصلت والحاقة إشارة لا تصريحا. والآن مع الآيات. سورة الأعراف - 73 - إلى - 79 - والدراس للآيات يراها تكلمت عن النقاط الآتية: - أولا: ذكرت أن الناقة هي * ناقة الله * نسبها الله إليه تعظيما لها. ثانيا: ذكرت الجانب الحضاري في عهد ثمود قال تعالى: ((وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا)) . ثالثا: ذكرت الحوار الذي دار بين المستكبرين والمستضعفين من قوم صالح واستهانة المستكبرين بالمعجزة ثم عقرهم الناقة. . . ثم تأتي صورة هود آية - 61 - إلى - 68 - فتضيف جانبا جديد من الأخبار: أولا: حوار القوم مع صالح عليه السلام ورده عليهم. ثانيا: تحدد المدة التي عاشها القوم بعد عقر الناقة بثلاثة أيام)) ثم أخذتهم الصيحة. ثالثا: بينت أن الله نجى صالحا والذين آمنوا معه ((فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا)) . . . وكل هذه الأخبار جديدة لم تذكر في سورة الأعراف. . . .

ثمّ تأتي سورة الحجر آية - 80 - إلى 84 وتذكر المكان الذي دارت عليه حوادث القصة. . .أن اسم المكان * الحِجْر * بكسر الحاء. . . .وهو مكان بين الحجاز والشام وتسمى مدائن صالح. . . وفي سورة الشعراء تبرز ملامح جديدة في الآيات - 141 - إلى - 159 - أولا: - تبين أن صالحا لم يطلب أجرا على دعوته ((وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145)) ثانيا: - تخبرنا عن الجانب الزراعي في بلادهم ((فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148)) ثالثا: - تبين أن القوم هم الذين طلبوا معجزة من النبي صالح ((فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155)) . رابعا: - تظهر ندم القوم بعد عقر الناقة ((فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ)) ومعلوم أنه ندم مشاهدة العذاب. . . . وليس ندم التوبة. . . . سورة النمل من الآية - 45 - إلى - 53 - تحدثنا السورة عن مؤامرة لزعماء القوم أرادوا قتل صالح عليه السلام وأهله ولكنَّ الله تعالى أبطل مكرهم وعذبهم. . . . . ((وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49)) وفي سورة فصلت والذاريات والحاقة لمحات سريعة كالتذكرة والعبرة. . . . . ثمَّ تأتي سورة القمر آية - 23 - إلى - 32 - فتذكر لنا أن القوم جميعا قد اشتركوا في عقر الناقة وذلك لأنهم ذهبوا إلى صاحبهم لعقرها. . . . ((فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30)) . كما تذكر للمرة الأولى أن الذي عقر الناقة قد شرب الخمر قبل أن يرتكب جريمته لأن الخمر تهّون الجرائم ((فتعاطى فعقر)) أي تعاطى الخمر. . . وتأتي سورة الشمس آية - 11 - إلى نهاية السورة وهنا تظهر الملامح الأخيرة وتتلخص في نقطتين: - الأولى: - أن الرجل الذي عقر الناقة هو أشقى القوم. . . . ((إذ انبعث أشقاها)) . . .

الثانية: - أن القوم قد أهلكوا بذنوبهم لم يظلمهم الله تعالى ((فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)) . وبعد: - هذه لمحة سريعة أتقدم بها بين يديك أيها القارئ الكريم حول هذا الموضوع العظيم تاركا لك الإجابة على هذا السؤال: هل في القرآن تكرار؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ وأظنه قد وضح ذلك أن مجموع آيات القرآن قي الموضوع الواحد تعطي صورة كاملة عن الموضوع. أقول ذلك: - حتى لا نخطئ فهم القرآن

{وقدر فيها أقواتها}

{وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وسلام على النبيِّ المصطفى أما بعد. . . . . . . . . . . . إذا كان الكائن الحي لا يمكنه أن يعيش بدون: الهواء والماء والغذاء فإن القدر الأعلى قد وزَّع هذه الضروريات على الأرض توزيعا عجيبا. . . . . . . . . . . . . فالهواء لا يستطيع الكائن الحي أن يعيش بدونه. . . . . . . لذلك نراه موفورا في كل مكان والماء رصيد البشرية من الماء محفوظ في البحار والمحيطات. والماء العذب هو المقدار المتداول بين الطبيعة والكائنات الحية فقد شق الله تعالى الأنهار لتوصل الماء العذب إلى الأحياء في كل مكان {أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} النمل 61 فإذا وقفت عقبات أمام الأنهار فإن صاحب الوجود ينقذ عباده في الأماكن العالية التي لا تصلها الأنهار عن طريق النقل الجوي وهو أسرع أنواع النقل قال تعالى:. . . {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} فاطر9 ألست معي أن مجّري السَّحاب هو منبت النبات هو خالق الإنسان. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . والغذاء وصراع الإنسان بحثا عن الغذاء صراع طويل ولكن العجيب أن النيتروجين الموجود في الهواء بنسبة كبيرة وهو من أهم العناصر لتكوين النبات وصناعة السّماد الكيماوية. وهو انتصار كبير على مشكلة الغذاء ولو تحولت الأبحاث من غزو الفضاء إلى غزو البحار لأكل الناس من فوقهم ومن تحت أرجلهم ذلك لأنَّ الذي خلق الأرض في يومين قدر فيها أقواتها في أربعة أيام يا سبحان الله. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . عالم عجيب. الذّرة الصغيرة تحكي صورة المجرة الكبيرة والكواكب السابحة أكثر من عدد الحصى. والمادة التي خلقت منها الأرض السَّوداء خلقت منها النجوم المضيئة والإنسان الضعيف على الأرض يخدمه كلُّ شيء في الوجود. . . . . الشّمس تدفئه. . . . . . . . . . . . . . . والقمر يخدمه. . . . . . . . . . . . . . . . . والغلاف الهوائي للأرض يوفر له الهواء. . . . . . . . . . . . . ويحمل إليه الماء. . . . . . . . . . . . . . . ويشترك في تكوين الغذاء. . . . . . . . . ثمّ له دور آخر فهو يحمي الإنسان من الشُّهب التي تغزو الأرض من الكواكب الأخرى. ولولا مقاومة الغلاف الهوائي لأحرقت الأرض ومن فيها {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} لقمان 11

قصة القرآن الكريم

قصة القرآن الكريم بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وسلام على النبيِّ المصطفى أما بعد نعيش اليوم مع قصة القرآن الكريم. . وتبدأ القصة بالمرحلة الأولى. . . وأعني بها المرحلة التي قضاها القرآن في الملأ الأعلى قبل أن ينزل على رسول الله صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم فالقرآن قديم لأنه كلام الله وقد أودعه الله في خزينة الأسرار - في اللوح المحفوظ - يوم خلق السّموات والأرض وظل القرآن هناك تنتظر الدنيا على شوق. . . . . الإنسان العظيم الذي سينزل عليه حتى بعث النبيّ الكريم. . . صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم كما تحبه وترضاه آمين وهذه المرحلة هي التي عنتها النصوص القرآنية الآتية {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) } الواقعة 75 - 80 والله تعالى عندما يقسم على كرم القرآن بمواقع النجوم فهذا القسم يحكي دقة تنظيم النجوم في السَّماء كما يحكي دقة تنظيم الآيات في القرآن. . . إنه لقرآن كريم لأن الذي نزل من عنده كريم ونزل على نبيّ كريم ونزل بدين كريم كما أنه كريم لأنه يجود على كل سائل ويعطي كل قاصد. . . في كتاب مكنون هذا الكتاب المكنون هو اللوح المحفوظ قال تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ. فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} البروج 21 - 22 وظل القرآن في لوح محفوظ لا يصل إليه سوى الملائكة المطَّهَّرون وهم الذين عناهم الله بهذا الوصف العظيم {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} . . وقد أكدت هذا القول سورة عبس قال تعالى: في وصف الملائكة الذين تصل أيديهم الطاهرة إلى القرآن في اللوح المحفوظ. . .

{كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) } عبس 11 - 16 ولعل هذا هو السر في أن الرسول الكريم أخبر أن قارئ القرآن المتقن لقرآته مع السَّفرة الكرام البررة. . . وهذا البيان القرآني يبطل دعوى المشركين التي يقولون فيها إن محمَّدا يعلمه شيطان. . . صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم حاشا لله تعالى {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) } التكوير 25 - 26 وذلك لأن الشّياطين لا تمسُّ اللوح المحفوظ. . . ثمّ لأنَّ الشّياطين لا تستهدف الإصلاح. . . والقرآن كله إصلاح. . . قال تعالى: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ. وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ. إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} الشعراء 210 - 212 ولعل هذا ((اطلاع الملائكة على اللوح المحفوظ)) هو الذي أعلم الملائكة أن بني آدم سيسفكون الدماء ويفسدون في الأرض مما جعلهم يتساءلون - بحثا عن سر الخلافة وليس اعتراضا على الله - {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} البقرة 30 وأقول (بحثا عن السر وليس اعتراضا على الله) لأن الملائكة لا يسبقون الله بإعلان رأيهم {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ. لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} الأنبياء 26 - 27 هكذا كان القرآن في الملأ الأعلى إلى أن نزل على النبي العظيم. . . صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم كما تحبه وترضاه آمين فلما بدأ نزوله على النبيِّ - المرحلة الثانية - من القصة

نزل القرآن بكل ما له من خصائص. . . فهو في كتاب مكنون لا يصل إليه الفساد ولا يؤثر فيه الزمن قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر9 لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ. . . فلا يجوز لغير المتوضئ لمسه إلا بغلاف وهذا الحكم أسسته السّنة المطَّهَّرة حتى يبقى للقرآن في المرحلة الثانية خصائص المرحلة الأولى كاملة وظل القرآن في الأرض يعلم ويربي ويقود مسيرة الدنيا كاملة. . . يحكم فيطاع ويأمر فتلبي النفوس وينهى فتنزجر الضمائر إلى أن جاءت المرحلة الثالثة. . . وفيها ظهر طراز من الناس يحكم على القرآن برأيه ويهاجمه بهواه ويحمله نتيجة جهله المشين بلا حياء يناقش الشاب فيقول لي: إن القرآن لا يصلح لركب الحياة الآن وأرفق به واسأله: هل قرأت القرآن مرَّة واحدة؟ ؟ ؟ فأعلم أنه لم يفتحه في يوم من الأيام!!! كيف يحكم على القرآن من لم يدرسه أو حتى يقرأه؟ ؟ أو يقول أحدهم إن القرآن قد أدى رسالته في الزمن الماضي وسلَّم للعلم قيادة الحياة واسأل: - لو أن قرآنا نزل اليوم ماذا يقول؟ ؟ ؟ ؟ هل سيقول اعبدوا الله تعالى أو يأمر بالكفر به؟ ؟ هل سيأمر بمعروف أو بمنكر؟ ؟ هل سيأمر بالتعاون بين طبقات الأمة أم لا؟ ؟ إن كان من عند الله تعالى فلابد سيأمر بالخير والخير موجود في القرآن القديم. . . . فماذا يفعل القرآن الجديد؟ ؟ وأي تعارض بين القرآن والعلم حتى يتصور بعض الناس أنهما يتنازعان القيادة. . . . . . ألم يأمر الإسلام بالعلم ويكرِّم العلماء؟ ؟ إنَّ العلم مفتاح الكون. . . . . . . والكون آية على عظمة الله تعالى فأي تعارض بين كون الله تعالى وكتابه ويجب أن يعلم القارئ الكريم أن لكل أمة ثقافة توجِّه فكرها وتمجد تراثها هذه الثقافة تختلف فيها الأمة مع الأمم الأخرى لأن لكل أمة تراثها وثقافتها وهي مع ذلك تشترك مع الأمم الأخرى في الحقائق العلمية فالعلم مشترك بين الجميع

لا تختلف فيه أمة مع الأخرى فأي تعارض بين الثقافة الإسلامية والتسابق العلمي فلنأخذ العلم من كل مكان ولنقدس ديننا العظيم هذه قصة القرآن في مراحله الثلاثة أوضحها لك حتى لا نخطئ فهم القرآن. * * * من محاضرات الشيخ محمود غريب

إبراهيم ـ عليه السلام ـ والكواكب

** إبراهيم - عليه السلام - والكواكب ** واصل إبراهيم الخليل صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم رحلته في الدعوة ورسم منهجه لتسامي الفكر البشري. ونجح في انتزاع الاعتراف من قومه بأنَّ الأصنام لا تنطق. فهي لا تستحق العبادة. بعد ذلك بدأ رحلته الثانية مع الكواكب في الّسَّماء. والآن مع الرحلة الثانية. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ((فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76)) . لما انتهى إبراهيم صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم من الذين يعبدون الأصنام تفرغ للذين يعبدون الكواكب. فلما ستره الليل بظلامه وسطع فيه كوكبٌ لامعٌ سأل إبراهيم الذين يعبدون الكواكب. . . هذا ربي!!!!!!!!!! ((فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ)) . وكلمة (لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) : - تبين طبيعة الإيمان في نفس إبراهيم صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم إن العلاقة بين العبد وربه هي الحب فإذا انتفى الحب انتفت حلاوة العبادة. لأن العبادة ظلال للحب في قلوب العارفين. . . . ((فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي)) . كرر التجربة مع القمر ليتسامى بالعقل البشري إلى ما هو أكبر - في نظرهم - وأوضح في حياتهم. ((فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77)) . وحتى لا نخطئ فهم القرآن أحب أن أوضح معنى الهداية التي يطلبها إبراهيم صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم في هذه الآية: - إنها العون من الله على فعل الخير ومواصلة الطريق والهداية لها معنيان: - أولا: - الإرشاد إلى الخير والدلالة عليه. وهذه قد منَّ الله بها على إبراهيم فعرَّفه به قبل أن يجند حياته لدعوة الناس إلى الله تعالى. ثانيا: - هداية التوفيق والعون من الله. وهذه هي الهداية التي طلبها إبراهيم من ربه وهو في وسط الطريق.

((فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78)) . هنا نهاية الطريق أمامهم. فهم لا يعرفون أكبر من الشمس في الكواكب فإذا أفلت كغيرها فليس بين الكواكب ما يستحق العبادة. إنَّه منهج الخليل في الحوار. لم يعبد غير ربِّه لحظة واحدة. ولكنَّه كتم عقيدته حتى يترفق بالناس. . . . وأؤكد هذا الفهم بالأدلة الآتية: - أولا: - إن الحديث عن الكواكب جاء بعد الحديث عن الأصنام قال تعالى: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74)) . ومعلوم أن الحديث عن الأصنام يدل على معرفة كاملة بالله تعالى. . . . ثانيا: - الحديث عن النجوم جاء بعد أن أطلع الله تعالى إبراهيم على ملكوت السماوات والأرض. . . . قال تعالى: في الآية - 75 - من سورة الأنعام ((وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)) . . فكيف يتصور من إبراهيم عليه السلام الشك؟ ؟ وقد رأى - بعين اليقين - ملكوت السَّمَاوَاتِ والأرض ((إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)) . أجل: - إن إبراهيم ليس مشركا لكنه مُعلِّمٌ. فهو يذكر عقيدة الخصم ثم يرتب عليها المستحيل ليثبت بطلانها وهذه الطريقة من أرقى طرق الجدل الحديث. إن إبراهيم ليس مشركا ولا شاكًّا في الله لأنه أجرى حواره على أمثلة ثلاثة فقط هي: الكوكب. . . . . . القمر. . . . . الشمس. . . . ثم أصدر حكما عاما ينطبق على كل شيء في الوجود فقال: - ((إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا)) . فكيف يبني حكما عاما على استقراء ناقص. الحق إن إبراهيم قصد بهذا الحوار العظيم تعليم بطلان عبادة النجوم مع علمه السابق بعظمة الله رب العالمين. . . وبعد: - إن بقايا عبادة النجوم لم تزل في قلوب بعض الناس

فما زلنا نرى من الناس - حتى من المسلمين - من يحسب النجم ليطمئن على مستقبله ومن يدرس النجوم ليتعرف على المغيبات. . . ولمَّا كان ذلك من بقايا عبادة النجوم وهي شرك حرَّمها الإسلام وبشدة وسفَّه عقول من يعتقد بها فلا الكواكب والنجوم ولا العقول العشرة التي آمن بها الفلاسفة ولا الصالحون من البشر تغني عني من الله شيئا لأنَّ الله وحده فعَّال لما يريد قال تعالى: ((وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)) . فراقب قلبك فإذا شعرت بأن غير الله ينفع أو يضر فقلبك يحتاج إلى علاج أقول ذلك: - . . . . . حتى لا نخطئ فهم القرآن. . . . .

عصمة الأنبياء

** عصمة الأنبياء * * * سيِّدُنا يوسف عليه الصَّلاة والسَّلام قال تعالى: في سورة يوسف آية - 24 - ((وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)) وقال تعالى: ((وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)) - 25 -.يوسف مـ ــــــــــــع. . . . . .قصة. . . . . .الطهر. . . . . . . . . . الخالدة ومـ ـــــــــــع النبيّ المظلوم سيدنا يوسف عليه الصَّلاة والسَّلام نعيش هذا اللقاء ((وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ)) لم يذكر القرآن اسمها وعبر عنها بقوله تعالى ((الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا)) لماذا؟ أولا: - لأن المقصود هو الجانب الرمزي في القصة وأعني به صراع الخطيئة والعفاف. . . ثانيا: - ليعلمنا القرآن أدب الحديث فنذكر أسماء العظماء ونعرض عن أسماء الخاطئين حتى لا نفضحهم فتموت جرائمهم في مهدها. ثالثا: - إشارة من القرآن إلى أن يوسف في بيتها وهي آمِرةٌ له ونَاهيةٌ. فإذا عصى أمرها فيما يغضب الله كان هذا فخرًا للأخلاق ودرَّة في تاجها. . . ((وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)) . . لم يكن تغليقها للأبواب هو أول ما خطر لها ولكن ذلك جاء بعد صراع طويل عاشته امرأة العزيز بين كبرياء منصبها ورغبة جسدها. . . فإذا أعلنت عن رغبتها السافرة فقد انهزم كبرياؤها ولم يبقَ سوى متعة الجسد لذلك تجمع كل وسائل الأغراء وتقدمها بلا سبب إلى شباب يوسف. . . ((هَيْتَ لَكَ)) . . . . . . . . . . . . . . . . . . هيئت لك. (قال معاذ الله) أعيذ نفسي بالله أن افعل ما يغضبه. ((إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ)) فكيف أقابل نعمه بالمعصية.؟ ؟ ؟ ((إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)) الذين يحاربون الله بنعمه. . . وهنا شعرت امرأة العزيز أنها خسرت كل شيء لذلك دخلت مع يوسف مرحلة أخرى

أرادت بها أن تتخلص منه أو ترغمه على طلبها بعنف. . . ((وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)) . . . بقي أمام امرأة العزيز سلاح القوة فهمَّت بيوسف تريد الانتقام منه. وهمَّ بها يريد الانتقام لكرامته. ((لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . لقتلها هذا الفهم مقبول لأنه يصوِّر حال امرأة العزيز النفسية ولأن اللغة العربية - لغة القرآن - تؤيده لأنَّها تستعمل كلمة همَّ فلان بفلان أي أراد قتله قال تعالى: ((إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ)) - 11 - المائدة وفي الحديث الشريف. . . . . فهمَّ الصحابة بالرجل أي. . . . . .أرادوا. . . . . . قتله فمنعهم النبيُّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم كما تحبه وترضاه وفي الشعر: فليت رجالا فيك قد نذروا دمي (وهمّوا بقتلي) يا بثين لقوني وهناك فهم آخر للآية الكريمة - أرتاح له - علينا أن نعرف كلمة (همَّ) فإذا عرفناها معرفة صحيحة فهمنا الآية الكريمة بكل يسر فما معنى ((همَّ)) ؟ الهمُّ أيها القارئ الكريم - هو درجة من درجات الخواطر النفسية والخواطر النفسية خمس درجات: - (1) الهواجس (2) الخواطر (3) حديث النفس (4) الهمّ (5) العزم وكلها انفعالات نفسية لا دخل للإنسان فيها ولا يحاسب عليها إلا إذا قام بتنفيذها بعد ذلك ننظر إلى الآية الكريمة فنرى المرأة همَّت به ثم نفذت همَّها بل وأصرَّت على طلبها فقالت للنسوة: ((وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)) . فهي لم تقف عند الهمِّ ولكنَّها شرعت في التنفيذ وأصرَّت على موقفها أمَّا يوسف فهمُّه شعور في نفسه أعقبه اعتصام بالله ولجوء إليه. . . ((قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)) - يوسف / 33 فالفارق بين الهمـ ـين كبير

أمَّا برهان الله فقد تأثر كثير من المفسرين بما نقلوه من الإسرائيليات ففسروا برهان الله على أهوائهم فقالوا: رأى يوسف جبريل عليه السَّلام يضربه على صدره ويقول له لا تفعل فعل السُّفهاء. . . وقالوا: إنَّه رأى صورة يعقوب عليه السَّلام يعضُّ على إصبعه. وقالوا: إنَّه رأى لوحة كتب عليها. ((وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)) . كل هذه الآراء لا دليل لها. . . والذي أرتاح له. . . أنَّ برهان الله تعالى هو النور الذي يقذفه في قلوب المؤمنين يفرقون به بين الحق والباطل قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا)) الأنفال / 29. فالبرهان هو الفرقان. . . ومعنى رؤية البرهان أي العلم به. وذلك لأنَّ القرآن يستعمل الرؤيا في العلم في بعض الآيات. قال تعالى: ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ)) - الحج / 18 - وقال تعالى: - ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)) المجادلة - 7 - وواضح من هذه الآيات أن معنى قوله تعالى ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ)) فما علينا لو فسرنا القرآن وتركنا تلك الأقوال التي لا دليل عليها ولا سلطان. . .وذلك حتى لا نخطئ. . . . . . . . . . . فهم. . . . . . . . . القرآن. . .

الأمانة

** الأمانة ** قال تعالى: ((إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)) هذه الآية الكريمة يبين الله فيها مكانة الإنسان ومنزلته ويظهر فيه السر الذي من أجله رفع هذا المخلوق الضعيف إلى درجة الخلافة. . . . . . . . . وقد سمَّى القرآن هذا السر. . . ((الأمانة)) . . . . . . فما هي الأمانة؟ ؟ ؟ ؟ إنها تكليف الإنسان بما يخالف غريزته البشرية ذلك لأنَّ النفس الإنسانية تريد أن تنطلق في إشباع غرائزها. والتكاليف الشرعية تمنعها من الهبوط إلى المستوى الحيواني فيحدث بينهما صراع. هذا الصراع هو الشيء الذي يتميز به الإنسان في عبادته على سائر المخلوقات. إن السَّمَاوَاتِ بأفلاكها وأهلها. . . . . . . ما فيها ومن فيها يسبح بحمد الله تعالى. . . .ولكنَّ ذلك لا يعدل عبادة الإنسان. . . . . . . لماذا؟ ؟ ؟ ؟ ؟ لأنَّ عبادة السَّمَاوَاتِ وأهلها قد خلت من الصراع بين التكاليف وبين طبيعتها. إن الملائكة تتعبد في الليل والنهار لأنها لا تستطيع ترك العبادة . . فهي تفعل الخير. . . . . . . . . . . لأنها لا تعرف الشر. لذلك لا ثواب لها لعدم الصراع بين التكاليف وطبيعتها التي خلقت عليها. . . . . وكذا كل شيء في الوجود غير الإنسان لأنه الكائن الوحيد الذي يستطيع أن يفعل النقيضين باختياره. . . قال تعالى: في شأن عبادة السَّمَاوَاتِ والأرض: - ((ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)) . . . وعرض الأمانة على السَّمَاوَاتِ والأرض والجبال إما مجاز قرآني لإظهار عظمة التكاليف الشرعية التي تحملها الإنسان ولم تستطع السَّمَاوَاتُ والأرض أن تتحملها. وإما عرض على أهل السَّمَاوَاتِ والأرض. وسواء كان هذا المعنى أو ذاك فإن إباء السَّمَاوَاتِ والأرض إباء اعتذار لضعفهن. وليس من نوع إباء إبليس عن سجوده لآدم لأنَّ إباء إبليس كبرٌ وتعالٍ ((قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ))

. ((وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ)) . ذلك الكائن الضعيف تحمل ما لم تستطع السَّمَاوَاتُ أن تتحمله ولا الأرض ولا الجبال. . . ونتج عن هذا التحمل أن انقسم الناس إلى قسمين: - قسم حافظ على الأمانة وألزم نفسه خلاف ما عليه طبيعتها فحافظ على نسبه السماوي وعلى خلافة الله في أرض الله. . وقسم انسلخ عن التكاليف الشرعية واتبع نفسه هواها فانحدر إلى حيوانية سافلة (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) لأنه هرب من نور اليقين وغير فطرة الله التي أوجده عليها والتي عناها القرآن في قوله تعالى ((لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)) . . . ((ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ)) . . . فإذا أراد النهوض فباب التوبة مفتوح ((إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)) . وعلى هذا فقول الله تعالى: - ((وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)) يبين نتيجة تحمل الإنسان للأمانة وما ترتب على هذا التحمل من إهمال وخيانة ((إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)) لنفسه عندما اتبعها هواها ((جَهُولًا)) بعواقب الأمور. . وبعد أخي القاري الكريم: إن دوائر التكاليف الشرعية وحدها هي التي ترفع الإنسان إلى درجة الملائكة أو تهبط به إلى أسفل سافلين. ثانيا: هناك تفاسير أخرى لتحمل الأمانة منها ما يقول إن التحمل معناه عدم الالتزام بما حمل به وعلى هذا فوصف الإنسان بأنه كان ظلوما جهولا لخيانته الأمانة. ثالثا: كل شيء في الوجود يعبد الله بدون صراع ذاتي أو اختيار لذلك فلا ثواب لعبادتهم - إلا الإنسان فإنه يستطيع أن يفعل النقيضين باختياره. . . . ومن هنا كان الثواب والعقاب. . وذلك حتى لا نخطئ فهم القرآن. .

زواج النبي - صلى الله عليه وسلم -

* * * زواج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - * * * بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وسلام على النبيِّ المصطفى أما بعد. . . . . . . . . . . . . سوف أتناول هذا الموضوع من الجانب الفكري الذي يوضح الحق في أذهان الشباب معرضا كل الإعراض عن الشبه التي يرددها تجار التبشير الذين لا يمنعهم دين ولا يؤنبهم ضمير وحسبي أن يعلم الشباب المسلم حقائق الإسلام وهذه المحاضرة مع قليل كلماتها فقد ضمَّنتُها كلَّ ما قرأت في هذا الموضوع. . . . ثمّ أشير لك بعد ذلك إلى المصادر ليغترف منها من يريد المزيد. والله تعالى أسأل أن يجعل هذا العمل المتواضع خالصا لوجهه الكريم. (آمين) * * * تعدد الزوجات مشكلة الطبيعة * * * لو كان عدد الرجال أكثر من عدد النساء ما وجدت هذه المشكلة. ولو كان عدد الرجال مساويا لعدد النساء لانتهت المشكلة أيضا وذلك بزواج كل رجل بامرأة واحدة. أما إذا كان عدد النساء أكثر من عدد الرجال - (وهذا هو واقع الحال الذي تثبته الإحصائيات) - فماذا نفعل؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ إن لنا أحد حلين لهذه المشكلة الطبيعية: - الأول: - أن يتزوج كل رجل بزوجة واحدة. وتبقى بقية النساء بلا زواج - يعشن طاقات معطلات أو متسوِّلات جنسيا - ولا أظن أحدا يرضى هذا الحل الذي يفتح أبواب الفساد. الثاني: - أن تشترك أكثر من امرأة في زوج واحد. . . . . . . . . . - وهو ما نسميه تعدد الزوجات - على حد قولهم. . . .ما لا يدرك كله لا يترك كله. . . . . . . فقضية تعدد الزوجات حتمية لمشكلة طبيعية وهي كثرة النساء على الرجال. * * * - زوجات العظماء - * * * عظماء الرجال تتمنى عشرات النساء أن يصلن إلى قلبه وأن يصبحن شركاء فيه. والأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام هم أرقى البشر وأعظمهم. لذلك نرى بيوتهم قد جمعت من الزوجات من شاء القدر أن يشرفهنَّ بهذا الزواج.

فأبو الأنبياء إبراهيم الخليل - عليه السلام - قد تزوج. . . . . . .هاجر وسارة. . . . . . . . . .ويعقوب - عليه السلام - قد تزوج امرأتين - أنجب من الأولى عشرة أولاد ومن الثانية يوسف وبنيامين عليهما السلام. . . . . . .وسليمان - عليه السلام - أخبر الكتاب المقدس - الذي يؤمن به اليهود والنصارى - أنه تزوج ثلاثمائة من النساء الحرائر وبسبعمائة من النساء السراري - أي الأرقاء. وأقرأ إن شئت الجزء الأول من العهد القديم الذي يقول: - إنَّ سليمان قد تزوج ألف امرأة فأمالت نساؤه قلبه - . . . . . . . . . . .يا سبحان الله!!!!!!!!!!!!!!!!!! ألف امرأة كما أخبر الكتاب المقدس هذه مسألة عادية لا يتحدث أحد عنها. . . . . . . .وتسع نساء عجائز. . . . . . . . . . . . .أرامل. . . . . . . . . . . . . . . .في بيت سيدنا محمَّد - عليه السلام - يرى أعداء الإسلام أن ذلك شائن ويطعنون في صاحب الرسالة!!!!!!!!!!! على أيَّة حال إذا لم تستح فاصنع ما شئت. * * * تعدد الزوجات قبل الإسلام * * * اليهودية: - لم تحرم تعدد الزوجات وكما يفهم ذلك من سلوك أنبيائهم الذين تزوجوا بأكثر من زوجة. ولو حرمت اليهودية التعدد لما تزوج أنبيائهم إلا بزوجة واحدة. المسيحية: - هي امتداد للديانة اليهودية من ناحية الشريعة. ولكنها هذبت وعالجت انحرافها ولم يحرِّم السيد المسيح - عليه السلام - في حياته تعدد الزوجات. إنما جاء تحريم التعدد بعد ذلك في القرون المتأخرة اجتهادًا من رجال الكنيسة الذين اعتبروا المرأة ((شرًّا)) فأمروا أن يكتفي الرجل بزوجة واحدة. العرب: - والأمة العربية أيضا لم تضع حدًّا لتعدد الزوجات. فكان الرجل يتزوج بكل من يستطيع من النساء. بلا حرج ولا حدود. من ذلك نعلم أن تعدد الزوجات مشكلة طبيعية نتج منها ظاهرة اجتماعية. ** أهملتها التشريعات السابقة ** ووضع الإسلام لها قيودًا محكمة. فنحن نستطيع أن نقول - بكل ثقة - إن الإسلام هو أول دين وضع حدا لتعدد الزوجات.

قال تعالى: ((وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً)) - 3 - النساء فائدة: - سورة النساء نزلت بعد سورة الممتحنة ومعلوم أن سورة الممتحنة نزلت في فتح مكة (الثامنة للهجرة) فتعدد الزوجات كان مباحا بلا حرج حتى السنة الثامنة للهجرة وفيها نزل تحريم الزيادة على أربعة لأول مرة. فالنبيُّ - عليه السلام - تزوج نساءه جميعا قبل نزول هذه الآية. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فهو لم يخالف نصًّا نزل عليه. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ولم يعطِ لنفسه من الحقوق ما حرَّمه على أمته!!!!!!! ولكن ربما يسأل أحد الناس: - لماذا لم يطلق النبيُّ - عليه السلام - من نسائه ما زاد على أربع؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ وعلينا قبل أن نجيب على هذا السؤال أن ندرس سريعا أسباب الزواج المحمدي - عليه السلام - وهي لا تكاد تخرج عن سبب من الأسباب الثلاثة الآتية: -

ِبسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وسلام على النبيِّ المصطفى أما بعد فقد عرفنا ممّا تقدم أن تعدد الزوجات هو مشكلة طبيعية فعلها عظماء البشر ولم يحرم في الديانات السابقة ولا عند العرب قبل الإسلام وهناك أسباب لتعدد زوجات النبيِّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم أقدمها بين يديك أخي الحبيب. أولا: - سبب إنساني يتجلى فيه الجانب الإنساني للرسول الكريم صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلم وحرصه على مواساة أرامل الشهداء. . . . . . . . . . . . . الذين جادوا بأرواحهم من أجل دعوته وتركوا أرامل عجائز لا يقدرون على عبء اليتامى. ثانيا: - سبب سياسي تتجلى فيه عظمة النبيِّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلم السياسية وذلك حيث استطاع أن يصل إلى قلوب زعماء الشِّرك وأن يصاهرهم فيصهر ما في قلوبهم من حقد على الإسلام وتهتدي قلوبهم لدعوته. وقد نجح هذا الزواج نجاحا بعيدا خصوصا مع الذين حاربوا الإسلام خوفا على مناصبهم. مثل أبي سفيان بن حرب زعيم المشركين في مكة وقد تزوج النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من ابنته السيدة أم حبيبة رضي الله تعالى عنها. والحارث بن أبي ضرار سيد بني المصطلق وقد تزوج النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من ابنته السيدة جويرية رضي الله تعالى عنها. وجماعات اليهود الباقية بالمدينة وقد تزوج النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله تعالى عنها. تأليفا لقلوب قومها من اليهود. وقد فعل هذا الزواج ما لم تفعله المعارك من تحطيم للحواجز وانتصار للإسلام. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ثالثا: - سبب تشريعي وأعني به زواج النبيِّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم من السيدة زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها وقد فرض الله تعالى على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - هذه الزوجة بدون اختيار منه (أي من النبيِّ)

فقال تعالى: ((فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا)) وكلمة زوجناكها. . . . . . . . . . واضح منها أن فاعل هذا الزواج هو الله تعالى فكانت السيدة زينب تفخر على كلّ نساء النبيِّ بهذه الآية وتقول: - كلكن تزوجتن في الأرض. . . . . . . . . أما أنا فزوجتني السماء * * * والآن أجيبك على السؤال * * * لماذا لم يطلق النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الزوجات الخمس الزائدات؟ ؟ أولا - عرفت مما سبق أن الجانب الإنساني والسياسي كانا يفرضان بقاء زوجات النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حتى لا يهدم النبيُّ ما بناه. ثانيا - أي امرأة تطلق من زوجها لها الحق أن تتزوج من رجل آخر أمَّا زوجات النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فلو طلقت واحدة منهنَّ فإنها لا تحل لرجل آخر. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وذلك لأنَّ نساء النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هنَّ أمهات المؤمنين قال تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) فكيف يتزوج مؤمن من أمهات المؤمنين؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ لذلك قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) هل ميز القرآن النبيّ بهذا الزواج؟ ؟ ؟ ؟ لو كان لرجل ولدان في الجامعة فأعطى أحدهما مائة دينار وقال للآخر هذا حقك حتى نهاية العام الدراسي وأعطى الثاني عشرة دنانير وقال له إذا أنفقتها في أسبوع فخذ غيرها فأيُّ الولدين فاز بالأكثر؟ . . . . . . . . وأيهما ميزه أبوه؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ لا شك أنك معي في أن الذي أخذ المبلغ القليل هو الفائز. . . . . . . . لأنَّ باب العطاء أمامه مفتوح. . . . . . . - بدون تشبيه ولله المثل الأعلى - إذا كان القرآن قد حدد للمسلم أربع زوجات فقط فإنه إن طلق واحدة أو ماتت فله أن يتزوج غيرها. ((ولا حرج على المستطيع إذا كان عادلا)) أما النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فإن الله أعطاه تسع نساء ثم حرّم عليه كل النساء غيرهنَّ. قال تعالى: ((لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ)) فهل ميز النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نفسه بشيء وحرمه على أمته؟ وهل تحمل عبء الأرامل يعتبر ميزة؟ صدقني لست أدري. . . . .

* * ** * ** * * * * هذا الزواج * * ** * ** * * * * نظرة سريعة هنا لحياته الخاصة تجيبك على ألف سؤال. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وأُقسِّم حياته - صلى الله عليه وسلم - الشريفة إلى أربع أقسام الفترة الأولى: - زهرة في الصحراء لو نبتت وردة في حديقة فهذا أمر مألوف. أما عندما تنبت وردة يانعة في صحراء قاحلة فهذا ما يثير العجب.!! إن البيئة التي شاهدت ميلاد سيدنا محمَّد صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم ونشأته لا تعرف الفضيلة ولا تحكمها الأخلاق. فإذا نشأ سيدنا محمَّد صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم طاهرا في بيئة قذرة. . . . . . . . . . . . . . . . . فإن أحدا لن يستطيع أن يقول إنه عفَّ احتراما للعادات والتقاليد. ولا يقول أحد إنه عف بتأثير البيئة. فما هو تفسيران يظهر سيدنا محمَّد صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم على خلقه النبيل المتأصل فيه. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .؟ ؟ ؟ الفترة الثانية: - مع الزوجة العجوز إذا كان اختيار الزوجة يمكن أن يفسر نفسية الزوج العاطفية والجنسية فعلام يدل زواج سيدنا محمَّد صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم الشاب (وعمره خمسة وعشرون عاما) بالسيدة خديجة الثيب العجوز. .؟ ومع ذلك لم يفكر في الزواج عليها. ويوم أن ودَّعها ودَّع معها شبابه. . . . . . . . . وأيام الراحة من حياته. . . . .حيث انشغل بأعباء الدعوة الجديدة. * * ** * * ماتت لتعيش في ذكرياته * * ** * * لقد آمنت به عندما كفر النّاس وصدقته عندما كذبّه النّاس وأعانته بمالها عندما بخل الناس الفترة الثالثة: - جهاده - صلى الله عليه وسلم - وتعدد زوجات ليس مصادفة أن فترة تعدد الزوجات في حياة النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلم هي فترة الكفاح المسلح. حيث كثر عدد الشهداء واختلت الميزانية العددية للرجال ولعل هذا هو التفسير الزمني لتعدد الزوجات.

بمعنى أن وجود أرامل عجائز ضعيفات هو الذي حرك إنسانية سيدنا رسول الله محمَّد صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلم وجعله يعوّض أرامل الشهداء بهذا الزواج الفخري ولم تكن حياته في فترة تعدد الزوجات بحياة الرجل العادي. فإن الظروف القاسية التي أحاطت بسيدنا محمَّد العظيم صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلم لو أحاطت برجل من عبَّاد الشهوة لصرفته عن شهوته. . . . . . . . . . فأعداؤه: مشركون. . . . . ويهود. . . . . ومنافقون. . . . . . . . . . هدفهم واحد هو القضاء على الدعوة الجديدة وسلاحهم مختلف. فمن يقوى على جهاد هؤلاء الثلاثة. . . . . . . . . . . .؟ ؟ ؟ وهو في نفس الوقت. . . . . . . . . . يعلم أمَّة. . . . . . . . . . . . . . . ويربي أجيالا. . . . . . . . . . . . . . قال تعالى: ((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)) أرأيت من هذا نهاره. . . . . . . . . . .!! هل يصح أن يوصف بأنَّه رجل شهوة؟ ؟ ؟ ؟ حاشا لك يا سيدي يا رسول الله. وليله أعجب. . . . . يناديه الوحي في ليله فيقول: - ((يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)) وقال تعالى: ((وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)) وقال تعالى: ((وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26)) فنهاره للتعليم والجهاد. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ونهاره للمحراب وتلاوة القرآن. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . حتى طلب الوحي منه صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلم أن يخفف عن نفسه فقال له: - ((طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)) . أَمِثْلُ هذا العظيم صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلم!!!! تهان سيرته. . . . . . .؟ ؟ ماذا بقي لجسده الشريف؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ماذا بقي لنسائه؟ ؟ ؟ ؟ ؟

* * حسب نساء النبيّ - صلى الله عليه وسلم - شرف الانتساب إليه * * الفترة الرابعة: - (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ) قلت لكم أن تعدد الزوجات كان في فترة الكفاح المسلح. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فلماذا يبقى بعد النصر؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ إن بشائر النصر للإسلام نزل معها قول الله تعالى: - ((لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ)) - 52 - الأحزاب فتذكر دائما. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . أن تعدد الزوجات عند النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلم كان نتيجة إنسانية. . . . . . . . . للكفاح المسلح.

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وسلام على النبيِّ المصطفى أما بعد فقد عرفنا ممّا تقدم أن تعدد الزوجات هو مشكلة طبيعية فعلها عظماء البشر ولم يحرم في الديانات السابقة ولا عند العرب قبل الإسلام وهناك أسباب لتعدد زوجات النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم منها سبب إنساني وسبب سياسي وآخر تشريعي والآن تعرف معي على أمهاتنا رضي الله تعالى عنهنَّ أجمعين. . * * * هؤلاء زوجاته * * * هذه لمحة سريعة عن بعض زوجاته صلِّ يا ربَّنا عليه وآله وبارك وسلِّم توضح أهدافه السامية بعد أن عرضنا لمحه عن حياته. (1) السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها تزوجها النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم تكريما لوالدها أبي بكر - رجل الإسلام الأول - وإليك بعض الحقائق عنها: أولا: - لم يكن هناك شهادات ميلاد توضح السن ولكن كانوا يعرفون استعداد البنت للزواج كما يعرف الفلاح نضج الثمر. وذلك بملامح الفتاة وهذا الأمر تجيد النساء معرفته. ثانيا: البيئة العربية كانت تزوج البنت بمجرد بلوغها النضج خوفا من الانحراف. ثالثا: كانت السيدة عائشة كاملة الأنوثة يوم أن عرضت السيدة خوله بنت حكيم على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أن يتزوج من عائشة بل والأكثر من ذلك أنها كانت مخطوبة لرجل مشرك اسمه جبير بن مطعم. وبعد عامين من خطبتها أصر جبير على الكفر ففرق بينهما وخطبها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - تكريما لأبي بكر. . أليس مثله يكرم؟ * * * (2) السيدة حفصة بنت عمر رضي الله تعالى عنها وأرضاها مات زوجها خنيس بن حذافة في إحدى المعارك الإسلامية. عرضها أبوها على أبي بكر وعثمان فاعتذرا له عن زواجها. علم النبيّ صلِّ يا ربَّنا عليه وآله وبارك وسلِّم بما أصاب عمر من غم عندما رفض أبو بكر وعثمان هذا الزواج فقدم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على زواجها تكريما لعمر. وندع عمر يقول لابنته: - والله إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لا يحبك يا حفصة لولا أنا لطلقك. فهل هذا زواج شهوة؟ ؟ * * *

(3) السيدة سودة بنت زمعة رضي الله تعالى عنها وأرضاها أرملة عجوز وقع زوجها شهيدا في إحدى المعارك قالت هي عن نفسها: والله ما بي من حاجة إلى الرجال. . ولكني أحببت أن أُبعث يوم القيامة مع زوجات النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. . أليس هذا زواج تشريف؟ ؟ * * * (4) السيدة أمُّ سلمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها أيضا أرملة عجوز ذات أربعة أولاد كانت مع السابقين إلى الإسلام وهاجرت إلى الحبشة فرارًا بدينها. ولكم تحملت من إيذاء لا ينساه التاريخ. فلما خطبها النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم علمت أنَّها عبء ثقيل فاعتذرت ولكن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - واساها وضمها إلى السيدة سودة بنت زمعة في بيته الشريف. تحية لأُمِّ سلمة في بيت النبوة الكريم ملجأ العاجزات والأرامل. (قصة هجرتها إلى الحبشة من أعظم البطولات الإسلامية اقرأْها في كتب السيرة رجاءا) تلك زوجات معدودات على النبيِّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم ولو أراد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن يشبع حاجته الجنسية - وليس في ذلك أي حرج - لخطب الحسان الأبكار. وعند ذلك سيسارع أهلهنَّ إلى تلبية إشارته. . . . . . . . . . . . . . . فليس هناك أشرف من الانتساب إلى النبيّ الكريم - صلى الله عليه وسلم - * * * بنات الملوك: (5) السيدة أم حبيبة رضي الله تعالى عنها وأرضاها إن زواج النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم من بنات الزعماء كان يهدف إلى تحطيم الحواجز التي وضعها زعماء الشرك أمام الإسلام. وإذا كان الناس على دين ملوكهم فإن دخول الزعماء في الإسلام دخول لشعوبهم. ففي مكة كان أبو سفيان. . . . . . . . يتزعم الجبهة المشركة فلو دخل في الإسلام فإن مكة ستصبح عاصمة التوحيد. . . . . . . . . . . ومن أجل ما قاسته السيدة المؤمنة أم حبيبة التي دخلت الإسلام وهي بنت زعيم الشرك في مكة متحدية أهلها. وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة تاركة عز أهلها وسلطانهم من أجل دينها.

ولكن همها قد تضاعف عندما رأت الرجل الوحيد الذي خرجت معه وفي رعايته قد فتن بالديانة المسيحية واعتنقها هاجرا الإسلام. لو كان همِّي واحدًا لاحتملته ولكنه هم وثاني وثالث علم النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم بما أصاب المسكينة في غربتها فأرسل إلى ملك الحبشة فأعطاها مهرها وعقد للنبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم عليها. إن هذا الزواج بقدر ما فيه من الناحية الإنسانية فهو أيضا تخطيط بعيد لامتصاص ما بنفس أبي سفيان من حقد على النبيِّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم وأكبر من كرهه للإسلام. وقد كان لهذا الزواج من الأثر الطيب ما جعل أبا سفيان يدخل في الإسلام ويفتح مكة أمام دولته الكريمة في يوم فتح مكة. . . . . . فما رأيك في هذا الزواج؟ ؟ * * * (6) السيدة جويرة بنت الحارث رضي الله تعالى عنها وأرضاها أبوها سيد بني المصطلق. . . . دفعه غروره أن يعلن الحرب على الإسلام. ولكن سرعان ما خاب أمله وانهزم جيشه وفرَّ رجاله وأسر نساؤه. ووقعت السيدة جويرية أسيرة عند زيد بن قيس. وأصاب بنت العز من الذل ما أصابها. فذهبت إلى بيت النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم تستجدي عطفه وتسترحم قلب النبيّ الكريم. يا رسول الله: - أنا بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه. وقد أصابني من البلاء ما تعلم وأنا أستعين بك لتخلصني من الأسر. . . فإن مثلي لا تصلح أمة تعامل معاملة العبيد. . . . . وهنا رأى النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم أن يعبر عن إنسانيته الكريمة مع بنت زعيم أعدائه. فأعتقها. . . . ثمَّ رفع عنها ذل الوحدة فعرض عليها وسام الشرف الأعظم بأن تصبح من زوجاته أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهنَّ أجمعيين. * * * أيُّ شرف هذا وأيُّ فضل؟ ؟ * * * لقد سارعت إلى التلبية. فكان لهذا الزواج أثر مبارك على كل بني المصطلق الذين وقعوا في الأسر.

حيث رأى المسلمون أن الأسرى الذين في أيديهم قد أصبحوا أصهار النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم لذلك سارعوا إلى إعتاقهم. وأدرك الأسرى عظمة الإسلام وخلق نبيه فسارعوا إلى اعتناقه اقتناعا به. واعترافا بالجميل. ألستَ معي أيّها القارئ الكريم أن هذا الزواج قد كشف عن عظمة النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم وحسن قيادته. فما دور الجنس في هذا الزواج؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ * * * (7) السيدة صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله تعالى عنها وأرضاها سفيرة من مملكة اليهود. . . . . . . . . . زالت دولة اليهود نتيجة غدرهم وخيانتهم للنبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم وللإسلام. وبقيت مجموعة من النساء والأطفال رأى النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم أن يؤلف قلوبهم فلعل الله تعالى يخرج منهن من يعتنق الإسلام. وصفية رضي الله تعالى عنها كان زوجها ملك اليهود - كنانة بن الربيع - وينتهي نسبها إلى سيدنا هارون عليه الصَّلاة والسلام. فحياة الرق لا تصلح لزوجات الملوك. . . . . . . فكرّم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أخاه هارون ومسح الرق والوحشة عن السيدة صفية وتزوجها بعد أن أسلمت. هذه بعض المقاصد التي توضح السبب في تعدد الزوجات. إنسانية حانية. . . . . . . . . . . . . . وعبقرية سياسية. . . . . . . . . . . . . ومدرسة تحافظ على هذا الدين. . . . . . . . . . . إن زوجا علم أمَّة وقادها حتى النصر. . . . . . وفي بيته هذه المجموعة من النساء. . . . . . . . . . فلم تشغله عن رسالته ولم تقعده عن غايته مع ما كان فيه من شظف العيش وقلة الزاد * * * * * جدير أن يخّلد إن لم يكن نبيا * * * * * فكيف وهو رسول صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم يعطي نهاره لرسالته ويعطي ليله لمحرابه؟ ؟ ؟

لستن كأحد من النساء

* * لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ * * بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وسلام على النبيِّ المصطفى أما بعد فقد عرفنا ممّا تقدم أن تعدد الزوجات هو مشكلة طبيعية فعلها عظماء البشر ولم يحرم في الديانات السابقة ولا عند العرب قبل الإسلام وهناك أسباب لتعدد زوجات النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم منها سبب إنساني وسبب سياسي وآخر تشريعي وتعرفنا على أمّهاتنا رضي الله تعالى عنهنَّ أجمعين. وعرفنا بعض المقاصد من تعدد الزوجات ولنتعرف على خصوصيات نساء النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم. قلت لكم انّه زواج رسالة. . . . . . . . . . . . . فهو يغاير أي زواج آخر في هدفه ورسالته وقد حدد القرآن الدور الكريم لأمّهات المؤمنين عندما ألزمهنّ أن يلازمنَّ بيت النبي صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم ّ فقال: - {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} الأحزاب 33 ثمّ عليهنَّ بعد ذلك أن: - يحفظنَّ كل شيء يذكر في بيوتهنَّ فيصبحنّ بعد ذلك أجهزة إعلام للجانب النسائي من الإسلام قال تعالى: - {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} الأحزاب 34 وقد شاء القدر ألا يشغلهنّ بحمل أو ولادة حتى يتفرغنَّ لرسالتهنّ إن نساء النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم كنَّ صالحات للحمل وبعضهنَّ أنجبت بالفعل قبل الزواج من النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم والنبيّ أنجب قبل أن يتزوج بهنّ فلماذا لم يحملنَّ من النبيّ؟ ؟ ألستَ معي أن زواج الرسالة يغاير في هدفه كل زواج؟

لذلك خاطب القرآن نساء النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} الأحزاب 32 ** الجمال والدلال ** جمال المرأة ودلالها. . . . . هو أغلى ما يبحث عنه عبيد الشّهوة وجمال المرأة أمر ذاتي فيها يولد معها أمَّا دلالها فأمر نفسي يتولد من رخاء العيش قال تعالى: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} المطففين 24 فهل بيت النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم كان معرضا للجمال وبيئة للدلال؟ ؟ لم يذكر التاريخ أنَّ صاحب الرسالة صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم بنى بامرأة من أجل حسبها وجمالها؟ ! - - وقد عرفت أسباب التعدد الثلاث - - أمَّا دلالهنّ فإنَّ شظف العيش وقلة الضروريات قد أنست نساء النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم دلالـ ـــــــــــــــــــــهنَّ والدلال وليد الرخاء فلمّا فتح الله تعالى كنوز الأرض للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - وللمسلمين اشتاق نساء النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى العيش اللين والكساء الناعم كغيرهنَّ من نساء المؤمنين وحدث أن تظاهر نساء النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم عليه وطالبنه بالعيش الرغيد ليظهرنَّ دلالهنّ وكان الطلب عادلا وسهل التحقيق ولكنَّ النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم رفض طلبهنّ واعتزلهنَّ شهرا قضاه في المسجد ثمّ خيرهنَّ القرآن بين أمرين: إمَّا ألرضا بعيش الكفاف مع الصبر وإمَّا الطلاق ذلك لأنَّ متعة العيش - وإن كانت حلالا - إلا أنّها تشغلهنَّ عن الرسالة التي من أجلها جئنَ إلى بيته وفي ذلك يقول القرآن في آية التخيـ ــــــــير

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) } ولكن سرعان ما عاد نساء النبي ّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم إلى عقولهنَّ الكبيرة واخترنَّ الله ورسوله راضيات بالعيش الكفاف في بيت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هل قرأ الذين يتطاولون على النبيِّ هذه الآيات؟ ؟ ألم تكن مطالب نسائه عادلة؟ ؟ ألم يكن في دلالهنَّ متعة له إن كان يريد الجمال والدلال؟ ؟ إن الإجابة الوحيدة على كلّ هذه الأسئلة التي تولدها هذه القصة - - قصة التخيير - - هي أنَّ هذا الزواج كان زواج رسالة وإنسانية فسَّر داخلية النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم وكشف عن عظمته وبعد: فقد انكشف لك اللثام عن الحقّ ونذكرك دائما بالحقائق الآتية: - * تعدد الزوجات مشكلة طبيعية والإسلام عمل على تقييد العدد فقط بأربع نساء بعد أن كان مطلقا * كل نساء النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تزوجنَّ قبل نزول الآية الكريمة التي تحدد الزوجات بأربع فقط لأن الآية نزلت في السنة الثامنة من الهجرة بعد فتح مكة زوجات النبيّ - صلى الله عليه وسلم - جميعا أرامل إلا عائشة رضي الله تعالى عنهنّ وقد عقد النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم عليها بعد أن بلغت وتمَّ نضجها الجسميّ بل بعد مرور عامين من خطبتها الأولى * نجح النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في تأليف قلوب الملوك الذين تزوج بناتهم فهو زواج عبقريَّة أمَّا أرامل الشّهداء فكنَّ عجائز ذوات يتامى لهنَّ ماض مشّرف في الإسلام فهو زواج تشّريف * فترة تعدد الزوجات هي فترة الكفاح المسلح حيث اختلت الميزانية العددية للرجال وكان النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم في هذه الفترة يقضي

نهاره في تعليم أمَّته ويقضي ليله في محرابه فهل بقي لجسده شيء؟ ؟

داوود عليه الصلاة والسلام

* * * داوود عليه الصَّلاة والسَّلام * * * الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وسلام على النبيّ المصطفى أما بعد. . . . . . . . . . . . مع القرآن الكريم. . . . ومع النبيّ المظلوم. . . . . . سيدنا داوود عليه الصَّلاة والسَّلام نعيش هذا اللقاء قال تعالى: في سورة (ص) : {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) } كثير من المسلمين أخطأ فهم هذه الآيات. . . . . . . مع أن ملامح الحق فيها واضحة. . . . . . . . . . . . . . . وسبب هذا الخطأ هو رجوع المسلمين إلى كتب الإسرائيليات وأخذهم منها مع أنّها سهام موجّهة للإسلام وحفظا على وقت القارئ الكريم اكتفي بذكر الحقّ الذي توحيه الآيات وأضربُ الذّكر صفحا عن قول البعض من المفسرين الذين شغلوا أنفسهم بالنقل عن الإسرائيليات - فشوهوا حقائق الإسلام - فسامحهم الله والبحث عن الفهم السَّليم للقصة يتطلب نظرة عامة إلى الآيات السابقة لنفهم القرآن فهما موضوعيا أولا: نلاحظ أن هذه القصة وردت في سياق مدح القرآن لسيِّدنا داوود عله الصَّلاة والسَّلام ثانيا: ليس في ألفاظ القرآن ولا في مفهومه العام ما يشير إلى أن: القصة رمزية

- رتبها الله تعالى لعتاب داوود عليه السَّلام على فعل يخالف شريعة الفضيلة - التي جاء بها كلّ الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام وذلك لأنَّ: عصمة الأنبياء جزء من عقيدة القرآن والآن مع الآيات: حتى لا نخطئ فهم القرآن 1 - ساق القرآن هذه الآيات في مقام الأسوة لنبينا محمَّد صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم فكأنَّ الله يقول لنبينا محمَّد صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم إن ضاق صدرك من كُفر قومك فاذكر عبدنا داوود وصف القرآن داوود بأوصاف عظيمة هي قوله تعالى: - - ((عبدنا)) : وهذا اللفظ لا يستعمل إلا في مقام التكريم ((ذا الأيد)) . . . . أي القوة في الحق ((إِنَّهُ أَوَّابٌ)) . . . كثير الرجوع إلى الله وقد أخبرنا القرآن بأن: الجبال مسَّخرة معه. . . . . . . . {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} الأنبياء79 والطير مجتمعة عنده. . . . . . . ورب العرش قوَّى ملكه. . . . . {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} البقرة 251 ومنحه الحكمة في الأفعال. . . . وعلَّمه فصل الخطاب. . . . . . . {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} ص20 وجعله خليفة في الأرض. . . . . . {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} ص 26

ثمّ كشف اللثام عن مقامه في الآخرة فقال تعالى: {. . . وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} ص 25 أقول يا داوود طبتَ حيًّا وميِّتا هذا ما أفهمه من القرآن الكريم. . . كل هذه الأوصاف تصحح فهم الذين ظلموا هذا النبيّ وتقوّلوا عليه فما معنى الآيات إذن؟ وما خبرالخـ ـــــــــصمان؟ أقول: سيّدنا داوود عليه الصَّلاة والسَّلام كان نبيّا وكان مَلِكًا وكلاهما عبء ثقيل فكيف يقسم وقته. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . بين مطالب الرسالة وواجب الملك؟ ؟ أضف إلى ذلك انّه كان يأكل من عمل يده. . . ومن أشق الأعمال البدنية. . . {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ.أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} سبأ 10 - 11 وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ.أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ: أي دروعا سابغات وقدر في السّرد (إشارة إلى دقة صناعته) فكيف يقسم الوقت بين: النبوة. . . والملك. . والمصنع. .؟ لقد أعطى العبادة يوما لا يخرج فيه من المحراب وأعطى الملك والمصنع يوما ولكن الله تعالى أراد أن يعرّف داوود أنه في اليوم الذي يخلو فيه للعبادة يقع بين الناس مظالم تحتاج إلى عدل داوود فمكَّن الله الرجلين (الخصمين) من الدخول عليه في يوم المحراب يوم العبادة وشرح أحدهما قصته واظهر ما فيه من ظلم أخيه له وكيف أنّه وهو الثَّري صاحب النعاج الكثيرة يطلب من أخيه الفقير أن يعطيه نعجته. . . ففصل داوود بين المتخاصمين. . . وتنبَّه أن الرعية يحدث بينها مظالم كثيرة في يوم العبادة فلا يجد المظلوم من يدافع عنه. . . إن الصُّلح بين الناس ونصرة المظلوم أفضل من عبادة المحراب فظن داوود أنمَّا فتناه وشغلناه بعبادة المحراب عن نصرة المظلوم. . فاستغفر ربه وخرّ راكعا وأنـ ــــــــــــــــــاب

فغفرنا له ذلك. . . إنَّ حسنات الأبرار سيئات المقربين وكلما اشتد قرب العبد من ربه أصبح موضع المؤاخذة من سيِّده. . .!! أقول هذا: حتى لا نخطئ فهم القرآن. . .

** محمد ** صل يارب عليه وعلى آله وبارك وسلم كما تحبه وترضاه آمين *

* * محمَّد * * صلِّ يا ربِّ عليه وعلى آله وبارك وسلِّم كما تحبه وترضاه آمين الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وسلام على النبيِّ المصطفى أما بعد. . . . . . . . . . . . قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً} الأحزاب 36 وقال تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} الأحزاب 37 المعرفة الصحيحة لسبب نزول هذه الآيات حصن من الخطأ في فهمها والآيات التي اخترتها في هذا اللقاء أخطأ في فهمها البعض بسبب جهلهم بقصة نزول الآيات والقصة في سطور. . . . . . أن النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وعلى آله وبارك وسلِّم كما تحبه وترضاه آمين أعتق زيدا بن حارثة. . . . . . . . . . . ثم تبناه. . . . . . . . . وسماه زيدًا بن محمَّد تكريما لإيثار زيد العيش مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عبدا على أن يعيش مع أهله ووالده حرًّا ثمّ عزم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على تزويج زيد فاختار له السّيدة زينب بنت جحش - بنت عمة النبيّ - وكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يهدف من وراء هذا الاختيار إلى تحطيم الأغلال التي وضعتها الجاهلية على العبيد. فلا يتزوجون حرّة ولا يسعدون بعيش وهذه التجربة سوف تنقل تعاليم الإسلام من المثل إلى الواقع ولكن مع نبل التجربة إلا أنها صعبة على نفسيّة زينب - أول شريفة يتزوجها - عبـ ـــــــــــــد - وإن أعتق فامتنعت. . . . . . . . . . . . . . . . . .

وامتنع أخوها. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ولكن السَّماء قالت كلمتها في هذا الموضوع فلا اختيار مع أمر الله تعالى قال تعالى: - {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً} الأحزاب 36 أطاعت زينب أمر السَّماء. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وسلِّمت جسدها لزيد. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . أمَّا قلبها فلا سلطان لها عليه إنّك تستطيع أن ترغم فرسك على الذهاب للحوض ولكنّك لا تستطيع أن ترغمها على أن تشرب وكان لابد لهذا الزواج أن ينجب المشاكل. . . . . . . . . . . . . ويذهب زيد إلى النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وعلى آله وبارك وسلِّم يشتكي ويطيب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - خاطره. . . . . . . . . ويتألم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نفسيا لأنه كان يتمنى نجاح التجربة ولكنَّ الوحي أخبر النبيّ أن السيدّة زينب ستصبح زوجة له بعد أن يطلقها زيد وفزع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من هذا الخبر لأنه سوف يفتح عليه أفواه المنافقين. . ويسلط عليه ألسنة الذين استقر في قلوبهم قانون البيئة الذي يحرم على الرجل أن يتزوج امرأة ابنه من التبني وكتم الرسول صلِّ يا ربِّ عليه وعلى آله وبارك وسلِّم الخبر راجيا أن يعفيه الله تعالى من هذا الزواج وفي لحظات الخشية من ألسنة النّاس والرجاء في عفو الله تعالى جاء زيد يخبر النبيّ على طلاق زينب. . . . . . . . . . . . . فقال له النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) . وهنا نزلت الآيات: - {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً}

وإذ تقول للذي أنعم الله تعالى عليه - بنعمة الإسلام - وأنعمت عليه - بنعمة العتق - أمسك عليك زوجك - فلا تطلقها - واتق الله لأنَّ الطلاق أبغض الحلال وتخفي في نفسك ما الله مبديه - وهو أنَّ زينب ستصبح زوجا لك بعد طلاقها من زيد - كما أخبرك الوحي وتخشى الناس - أي وتخشى حديث الناس عنك بأنك تزوجت مطلقة ابنك من التبني - والله أحق أن تخشاه - وحده ولا تخشى معه أحدا - - فلمّا قضى زيد منها وطرا - أي طلقها وانتهت عدتها - زوجناكها - فالتزويج من الله تعالى - - وليس للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - أي دخل فيه. . . . . . . . . . . . . . . . . سامح الله تعالى المفسرين الذين أخطئوا فهم القرآن لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعياهم إذا قضوا منهن وطرا وهذا بيان للحكمة التي من أجلها فرض الله تعالى زواج زينب على النبيِّ صلِّ يا ربِّ عليه وعلى آله وبارك وسلِّم وواضح أن القرآن يستأصل بهذا الزواج ما بقي في أذهان الناس من قوانين الجاهلية المتعلقة بالتبني. . . . . . . . . . . ومن قبل قد صحح القرآن نسب المتبنى فقال تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} فلم يبقَ بعد ذلك في موضوع التبني إلا أخوّة الإسلام وهي الرباط الاجتماعي المقدس. . . . . وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا. . . . . . . أبعد هذا الوضوح يصح لأحد من المفسرين أن يخطئ فهم القرآن؟ وأن يحمل الآيات من الأخبار الفاسدة ما نسجته عقول أعداء الإسلام من خيط كرههم لنبيه؟ ؟ أقول هذا. . . . . . . . حتى لا نخطئ فهم القرآن. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

** حول معنى الهداية **

** حول معنى الهداية ** الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وسلام على النبيِّ المصطفى أما بعد قال تعالى: مخاطبا نبيه الكريم صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم كما تحبه وترضاه {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) } وقال تعالى: في آية أخرى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} القصص 56 نعيش هذا اللقاء مع الآيتين الكريمتين. . . . . . . . . وموضوع هداية الله تعالى وقد قدمت آية الشّورى على آية القصص تقديما للإثبات على النفي ونحن نرى الآية الأولى تثبت الهداية للنبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم كما تحبه وترضاه فتقول (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) ونرى الآية الثانية تنفي قدرة هداية الناس عن النبيّ. وتثبت ذلك لله تعالى وحده قال تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) وحتى لا تخطئ فهم القرآن أحب أن نتتبع معا كلمة الهداية في كل القرآن ليظهر لنا أنَّ لهذه الكلمة معنيين. الأول: - هداية بمعنى الإرشاد إلى الخير. وهذا ما أثبته القرآن للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - ولإخوانه من الأنبياء والصّالحين. والثاني: هداية بمعنى التوفيق وانشراح الصدر للخير. . .

وهذه لا يقدر عليها إلا الله تعالى. ومعلوم أنَّ دور الهداية الثانية وهي التوفيق من الله تعالى يأتي بعد قبول الهداية الأولى وتسليم الوجه لله تعالى قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} التغابن 11 وقال تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً} مريم 76 وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} محمَّد 17 فإذا رفض الناس قبول هداية الأنبياء حرموا أنفسهم من هداية الله تعالى وتوفيقه. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} النحل 104 وقد قدم القرآن الكريم نموذجا لهذا النوع من الناس وبين مصيرهم فقال تعالى: - {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} فصلت 17 - 18 ومثل ذلك كسائق سيّارة سألك عن الطريق فأرشدته فشكر لك وأراد أن يسير فقلت له أن أمامك الطريق وعر فركبت معه حتى أوصلته. . . . . أترى هذا السائق لو رفض نصحك واتهمك بالجهل أيستحق مساعدتك؟ ؟ هذا ولله تعالى المثل الأعلى إن قبول الناس لهداية الأنبياء معناه صفاء فطرتهم وخضوعهم للخير فمثلهم جدير أن يوفق إلى الخير وأن ينشرح صدره له. . . . . ومن حق القارئ أن يسأل. . . . ما دام الأمر كذلك: - - الهداية الأولى توصل للهداية الثانية فما بال القرآن الكريم علق الهداية والإضلال على مشيئة الله تعالى فقال تعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}

ونقول: - إن الأمر سهل لأنَّ هناك آيات وضحت الذين شاء الله تعالى أن يضلهم كما أن هناك آيات وضحت الذين شاء الله تعالى أن يهديهم والآن مع الآيات. . . . . . . . . (فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ) من هم ياربّ؟ ؟ فيقول تعالى: - {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ} البقرة 26 {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} البقرة 27 {. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} البقرة 258 {. . . . . وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} التوبة 37 {. . . . . وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} التوبة 24 {. . . . . . إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} غافر 28 {. . . . إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} الزمر 3 {. . . . إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} النحل 104 فهل عرفت الذين شاء الله تعالى أن يضلهم؟ ؟ إنهم الذين: - - - آثروا الضلال على الهدى ورفضوا قبول هداية الله تعالى. ويهدي إليه من يشاء فسرتها آية أخرى وبينت الذين شاء الله هدايتهم فقال تعالى: - {. . . . . وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ. الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد 27 - 28

فهل عرفت الذين شاء الله تعالى هدايتهم: - إنهم الذين أنابوا إلى ربهم. . . . . . .إنهم الذين آمنوا بربهم قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يونس 9 - 10 يهديهم ربهم بإيمانهم. . . . . . . .أي بسبب إيمانهم. . . . إنهم الذين جاهدوا من أجل دين ربهم قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} العنكبوت 69 وبعد: - - - لعل الأمر قد ظهر جليا. . . . أنَّ النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم كما تحبه وترضاه يهدي الناس هداية تعليم وإرشاد وهذه الهداية هي سبب الهداية العليا. فالتوفيق كل التوفيق لمن صدَّّق بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - واتبع هديه. والذين كفروا حرموا أنفسهم هداية الله تعالى. أقول ذلك: - حتى لا نخطيء فهم القرآن

روائع الكلمة العربية في الآيات القرآنية

روائع الكلمة العربية في الآيات القرآنية بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وسلام على النبيِّ المصطفى أما بعد فإن هذا البحث المتواضع حول كلمة - الفتنة - في كتاب الله تعالى وكيف نجد أن هذه الكلمة أو إحدى مشتقاتها يتغير معناها بحسب وجودها في الجملة من آيات القرآن العظيم فتفضلوا معي للتعرف على ذلك وقد رتبت الآيات بحسب ترتيب سورها في القرآن العظيم هذا فهمي للموضوع بعونه تعالى. . . . . . . فما كان من صواب فبتوفيقه تعالى وما كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان وأسأله تعالى أن يعلمنا من علمه وأن ينفعنا بما علمنا ويرزقنا العمل به وأن يجنبنا الرياء والعجب آمين يا رحمن تنبيه قد أعتمد في توضيح معاني الآيات على التفسير الميسر إلا إذا ذكر غير ذلك قال تعالى: في سورة البقرة {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} الآية 102

واتبع اليهود ما تُحَدِّث الشياطينُ به السحرةَ على عهد ملك سليمان بن داود. وما كفر سليمان وما تَعَلَّم السِّحر , ولكنَّ الشياطين هم الذين كفروا بالله حين علَّموا الناس السحر; إفسادًا لدينهم. وكذلك اتبع اليهود السِّحر الذي أُنزل على الملَكَين هاروت وماروت , بأرض "بابل" في "العراق"; امتحانًا وابتلاء من الله لعباده , وما يعلِّم الملكان من أحد حتى ينصحاه ويحذِّراه من تعلم السحر , ويقولا له: لا تكفر بتعلم السِّحر وطاعة الشياطين. فيتعلم الناس من الملكين ما يُحْدِثون به الكراهية بين الزوجين حتى يتفرقا. ولا يستطيع السحرة أن يضروا به أحدًا إلا بإذن الله وقضائه. وما يتعلم السحرة إلا شرًا يضرهم ولا ينفعهم , وقد نقلته الشياطين إلى اليهود , فشاع فيهم حتى فضَّلوه على كتاب الله. ولقد علم اليهود أن من اختار السِّحر وترك الحق ما له في الآخرة من نصيب في الخير. ولبئس ما باعوا به أنفسهم من السحر والكفر عوضًا عن الإيمان ومتابعة الرسول , لو كان لهم عِلْمٌ يثمر العمل بما وُعِظو (1) فتنة = امتحانًا وابتلاء من الله لعباده وقال تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ} الآية 191 واقتلوا الذين يقاتلونكم من المشركين حيث وجدتموهم , وأخرجوهم من المكان الذي أخرجوكم منه وهو "مكة". والفتنة - وهي الكفر والشّرك والصّد عن الإسلام - أشد من قتلكم إياهم. ولا تبدؤوهم بالقتال عند المسجد الحرام تعظيمًا لحرماته حتى يبدؤوكم بالقتال فيه , فإن قاتلوكم في المسجد الحرام فاقتلوهم فيه. مثل ذلك الجزاء الرادع يكون جزاء الكافرين. (2) الفتنة = - وهي الكفر والشّرك والصّد عن الإسلام -

وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} الآية 217 يسألك المشركون - أيها الرسول - عن الشهر الحرام: هل يحل فيه القتال؟ قل لهم: القتال في الشهر الحرام عظيم عند الله استحلاله وسفك الدماء فيه , ومَنْعكم الناس من دخول الإسلام بالتعذيب والتخويف , وجحودكم بالله وبرسوله وبدينه , ومَنْع المسلمين من دخول المسجد الحرام , وإخراج النبيّ والمهاجرين منه وهم أهله وأولياؤه , ذلك أكبر ذنبًا , وأعظم جرمًا عند الله من القتال في الشهر الحرام. والشّرك الذي أنتم فيه أكبر وأشد من القتل في الشهر الحرام. وهؤلاء الكفار لم يرتدعوا عن جرائمهم , بل هم مستمرون عليها , ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن الإسلام إلى الكفر إن استطاعوا تحقيق ذلك. ومن أطاعهم منكم - أيها المسلمون - وارتدَّ عن دينه فمات على الكفر , فقد ذهب عمله في الدنيا والآخرة , وصار من الملازمين لنار جهنم لا يخرج منها أبدًا. (3) الفتنة = الشّرك وقال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} الآية 193

واستمروا - أيها المؤمنون - في قتال المشركين المعتدين , حتى لا تكون فتنة للمسلمين عن دينهم ولا شرك بالله , ويبقى الدين لله وحده خالصًا لا يُعْبَد معه غيره. فإن كفُّوا عن الكفر والقتال فكُفُّوا عنهم; فالعقوبة لا تكون إلا على المستمرين على كفرهم وعدوانهم. (4) فِتْنَةٌ = منع حرية التوحيد وقال تعالى: في سورة آل عمران {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} الآية 7 هو وحده الذي أنزل عليك القرآن: منه آيات واضحات الدلالة , هن أصل الكتاب الذي يُرجع إليه عند الاشتباه , ويُرَدُّ ما خالفه إليه , ومنه آيات أخر متشابهات تحتمل بعض المعاني , لا يتعيَّن المراد منها إلا بضمها إلى المحكم , فأصحاب القلوب المريضة الزائغة , لسوء قصدهم يتبعون هذه الآيات المتشابهات وحدها; ليثيروا الشبهات عند الناس , كي يضلوهم , ولتأويلهم لها على مذاهبهم الباطلة. ولا يعلم حقيقة معاني هذه الآيات إلا الله. والمتمكنون في العلم يقولون: آمنا بهذا القرآن , كله قد جاءنا من عند ربنا على لسان رسوله محمَّد صلى الله عليه وسلم , ويردُّون متشابهه إلى محكمه , وإنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها الصحيح أولو العقول السليمة. (5) الْفِتْنَةِ = إثارة الشُّبهات وقال تعالى: في سورة النساء {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً} الآية 91

ستجدون قومًا آخرين من المنافقين يودون الاطمئنان على أنفسهم من جانبكم , فيظهرون لكم الإيمان , ويودون الاطمئنان على أنفسهم من جانب قومهم الكافرين , فيظهرون لهم الكفر , كلما أعيدوا إلى موطن الكفر والكافرين , وقعوا في أسوأ حال. فهؤلاء إن لم ينصرفوا عنكم , ويقدموا إليكم الاستسلام التام , ويمنعوا أنفسهم عن قتالكم فخذوهم بقوة واقتلوهم أينما كانوا , وأولئك الذين بلغوا في هذا المسلك السيِّئ حدّاً يميزهم عمَّن عداهم , فهم الذين جعلنا لكم الحجة البينة على قتلهم وأسرهم. (6) الفتنة = النفاق وقال تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً} الآية 101 وإذا سافرتم - أيها المؤمنون - في أرض الله , فلا حرج ولا إثم عليكم في قصر الصَّلاة إن خفتم من عدوان الكفار عليكم في حال صلاتكم , وكانت غالب أسفار المسلمين في بدء الإسلام مخوفة , والقصر رخصة في السفر حال الأمن أو الخوف. إن الكافرين مجاهرون لكم بعداوتهم , فاحذروهم. (7) يَفْتِنَكُمُ = يتعدى عليكم وقال تعالى: في سورة المائدة {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} الآية 41

يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في جحود نبوتك من المنافقين الذين أظهروا الإسلام وقلوبهم خالية منه , فإني ناصرك عليهم. ولا يحزنك تسرُّع اليهود إلى إنكار نبوتك , فإنهم قوم يستمعون للكذب , ويقبلون ما يَفْتَريه أحبارُهم , ويستجيبون لقوم آخرين لا يحضرون مجلسك , وهؤلاء الآخرون يُبَدِّلون كلام الله من بعد ما عَقَلوه , ويقولون: إن جاءكم من محمَّد ما يوافق الذي بدَّلناه وحرَّفناه من أحكام التوراة فاعملوا به , وإن جاءكم منه ما يخالفه فاحذروا قبوله , والعمل به. ومن يشأ الله ضلالته فلن تستطيع - أيها الرسول - دَفْعَ ذلك عنه , ولا تقدر على هدايته. وإنََّ هؤلاء المنافقين واليهود لم يُرِدِ الله أن يطهِّر قلوبهم من دنس الكفر , لهم الذلُّ والفضيحة في الدنيا , ولهم في الآخرة عذاب عظيم. (8) فِتْنَتَهُ = ضلالته وقال تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} الآية 49 واحكم - أيها الرسول - بين اليهود بما أنزل الله إليك في القرآن , ولا تتبع أهواء الذين يحتكمون إليك , واحذرهم أن يصدُّوك عن بعض ما أنزل الله إليك فتترك العمل به , فإن أعرض هؤلاء عمَّا تحكم به فاعلم أن الله يريد أن يصرفهم عن الهدى بسبب ذنوبٍ اكتسبوها من قبل. وإن كثيرًا من الناس لَخارجون عن طاعة ربهم. (9) يَفْتِنُوكَ = يصدُّوك وقال تعالى: {وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} الآية 71

وظنَّ هؤلاء العُصاة أن الله لن يأخذهم بالعذاب جزاء عصيانهم وعُتُوِّهم , فمضوا في شهواتهم , وعمُوا عن الهدى فلم يبصروه , وصَمُّوا عن سماع الحقِّ فلم ينتفعوا به , فأنزل الله بهم بأسه , فتابوا فتاب الله عليهم , ثم عَمِي كثيرٌ منهم , وصمُّوا , بعدما تبين لهم الحقُّ , والله بصير بأعمالهم خيرها وشرها وسيجازيهم عليها. (10) فِتْنَةٌ = مؤاخذة أومحاسبة وقال تعالى: في سورة الأنعام {ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} الآية 23 ثم لم تكن إجابتهم حين فتنوا واختبروا بالسؤال عن شركائهم إلا أن تبرؤوا منهم , وأقسموا بالله ربهم أنهم لم يكونوا مشركين مع الله غيره. (11) فِتْنَتُهُمْ = إجابتهم وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاء مَنَّ اللهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} الآية 53 وكذالك ابتلى الله تعالى بعض عباده ببعض بتباين حظوظهم من الأرزاق والأخلاق , فجعل بعضهم غنيًّا وبعضهم فقيرًا , وبعضهم قويًّا وبعضهم ضعيفًا , فأحوج بعضهم إلى بعض اختبارًا منه لهم بذلك; ليقول الكافرون الأغنياء: أهؤلاء الضعفاء مَنَّ الله عليهم بالهداية إلى الإسلام مِن بيننا؟ أليس الله تعالى بأعلم بمن يشكرون نعمته , فيوفقهم إلى الهداية لدينه؟ (12) فَتَنَّا = أغرينا وقال تعالى: في سورة الأعراف {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} الآية 27

يا بني آدم لا يخدعنَّكم الشيطان , فيزين لكم المعصية , كما زيَّنها لأبويكم آدم وحواء , فأخرجهما بسببها من الجنة , ينزع عنهما لباسهما الذي سترهما الله به; لتنكشف لهما عوراتهما. إن الشيطان يراكم هو وذريته وجنسه وأنتم لا ترونهم فاحذروهم. إنََّا جعلنا الشياطين أولياء للكفار الذين لا يوحدون الله , ولا يصدقون رسله , ولا يعملون بهديه. (14) يَفْتِنَنَّكُمُ = يخدعنَّكم وقال تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} الآية 155 واختار موسى من قومه سبعين رجلا مِن خيارهم , وخرج بهم إلى طور "سيناء" للوقت والأجل الذي واعده الله أن يلقاه فيه بهم للتوبة مما كان من سفهاء بني إسرائيل من عبادة العجل , فلما أتوا ذلك المكان قالوا: لن نؤمن لك - يا موسى - حتى نرى الله جهرة فإنك قد كلَّمته فأرِنَاهُ , فأخذتهم الزلزلة الشّديدة فماتوا , فقام موسى يتضرع إلى الله ويقول: رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتُهم , وقد أهلكتَ خيارهم؟ لو شئت أهلكتهم جميعًا من قبل هذا الحال وأنا معهم , فإن ذلك أخف عليَّ , أتهلكنا بما فعله سفهاء الأحلام منا؟ ما هذه الفعلة التي فعلها قومي من عبادتهم العجل إلا ابتلاءٌ واختبارٌ , تضلُّ بها مَن تشاء مِن خلقك , وتهدي بها من تشاء هدايته , أنت وليُّنا وناصرنا , فاغفر ذنوبنا , وارحمنا برحمتك , وأنت خير مَن صفح عن جُرْم , وستر عن ذنب. (15) فِتْنَتُكَ = مشيئتك وقال تعالى: في سورة الأنفال

{وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} الآية 25 واحذروا - أيها المؤمنون - اختبارًا ومحنة يُعَمُّ بها المسيء وغيره لا يُخَص بها أهل المعاصي ولا مَن باشر الذنب , بل تصيب الصّالحين معهم إذا قدروا على إنكار الظلم ولم ينكروه , واعلموا أن الله شديد العقاب لمن خالف أمره ونهيه. (16) فِتْنَةً = محنة وقال تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} الآية 28 واعلموا - أيها المؤمنون - أن أموالكم التي استخلفكم الله فيها , وأولادكم الذين وهبهم الله لكم اختبار من الله وابتلاء لعباده; ليعلم أيشكرونه عليها ويطيعونه فيها , أو ينشغلون بها عنه؟ واعلموا أن الله عنده خير وثواب عظيم لمن اتقاه وأطاعه. (17) فِتْنَةٌ = زينة قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} الكهف46 الأموال والأولاد جَمال وقوة في هذه الدنيا الفانية، والأعمال الصالحة - وبخاصة التسبيحُ والتحميد والتكبير والتهليل - أفضل أجرًا عند ربك من المال والبنين، وهذه الأعمال الصالحة أفضل ما يرجو الإنسان من الثواب عند ربه، فينال بها في الآخرة ما كان يأمُله في الدنيا. وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} الحديد20

اعلموا - أيها الناس - أنما الحياة الدنيا لعب ولهو , تلعب بها الأبدان وتلهو بها القلوب , وزينة تتزينون بها , وتفاخر بينكم بمتاعها , وتكاثر بالعدد في الأموال والأولاد , مثلها كمثل مطر أعجب الزُّرَّاع نباته , ثم يهيج هذا النبات فييبس , فتراه مصفرًا بعد خضرته , ثم يكون فُتاتًا يابسًا متهشمًا , وفي الآخرة عذاب شديد للكفار ومغفرة من الله ورضوان لأهل الإيمان. وما الحياة الدنيا لمن عمل لها ناسيًا آخرته إلا متاع الغرور. وقال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} آل عمران 14 حُسِّن للناس حبُّ الشهوات من النساء والبنين , والأموال الكثيرة من الذهب والفضة , والخيل الحسان , والأنعام من الإبل والبقر والغنم , والأرض المتَّخَذة للغراس والزراعة. ذلك زهرة الحياة الدنيا وزينتها الفانية. والله عنده حسن المرجع والثواب , وهو الجنَّة. وقال تعالى: في سورة الأنفال {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} الآية 39 وقاتلوا - أيها المؤمنون - المشركين حتى لا يكون شِرْكٌ وصدٌّ عن سبيل الله; ولا يُعْبَدَ إلا الله وحده لا شريك له , فيرتفع البلاء عن عباد الله في الأرض , وحتى يكون الدين والطاعة والعبادة كلها لله خالصة دون غيره , فإن انزجروا عن فتنة المؤمنين وعن الشّرك بالله وصاروا إلى الدين الحق معكم , فإن الله لا يخفى عليه ما يعملون مِن ترك الكفر والدخول في الإسلام. (18) فِتْنَةٌ = شِرْكٌ المعنى 18 مشترك مع المعنى رقم 3 في سورة البقرة رجاءا

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} الآيات 72 - 73 إن الذين صدَّقوا الله , ورسوله وعملوا بشرعه , وهاجروا إلى دار الإسلام , أو بلد يتمكنون فيه من عبادة ربهم، وجاهدوا في سبيل الله بالمال والنفس , والذين أنزلوا المهاجرين في دورهم , وواسوهم بأموالهم , ونصروا دين الله , أولئك بعضهم نصراء بعض. أما الذين آمنوا ولم يهاجروا من دار الكفر فلستم مكلفين بحمايتهم ونصرتهم حتى يهاجروا , وإن وقع عليهم ظلم من الكفار فطلبوا نصرتكم فاستجيبوا لهم , إلا على قوم بينكم وبينهم عهد مؤكد لم ينقضوه. والله بصير بأعمالكم , يجزي كلا على قدر نيته وعمله. والذين كفروا بعضهم نصراء بعض , وإن لم تكونوا - أيها المؤمنون - نصراء بعض تكن في الأرض فتنة للمؤمنين عن دين الله , وفساد عريض بالصد عن سبيل الله وتقوية دعائم الكفر. (19) فِتْنَةٌ = إزهاق نفوس المؤمنين وقال تعالى: في سورة التوبة {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} الآية 47

لو خرج المنافقون معكم - أيها المؤمنون - للجهاد لنشروا الاضطراب في الصفوف والشّر والفساد , ولأسرعوا السير بينكم بالنميمة والبغضاء , يبغون فتنتكم بتثبيطكم عن الجهاد في سبيل الله , وفيكم - أيها المؤمنون - عيون لهم يسمعون أخباركم , وينقلونها إليهم. والله عليم بهؤلاء المنافقين الظالمين , وسيجازيهم على ذلك. (20) الْفِتْنَةَ = بث العداوة بينكم وقال تعالى: {لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَارِهُونَ} الآية 48 لقد ابتغى المنافقون فتنة المؤمنين عن دينهم وصدهم عن سبيل الله من قبل غزوة (تبوك) , وكشف أمرهم , وصرَّفوا لك - أيها النبي - الأمور في إبطال ما جئت به , كما فعلوا يوم (أحد) ويوم (الخندق) , ودبَّروا لك الكيد حتى جاء النصر من عند الله , وأعز جنده ونصر دينه , وهم كارهون له. (21) الْفِتْنَةَ = المكر السيئ وقال تعالى: {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} الآية 49 ومِن هؤلاء المنافقين من يطلب الإذن للقعود عن الجهاد ويقول: لا توقعْني في الابتلاء بما يعرض لي في حالة الخروج من فتنة النساء. لقد سقط هؤلاء المنافقون في فتنة النفاق الكبرى. فإن جهنم لمحيطة بالكافرين بالله واليوم الآخر , فلا يُفْلِت منهم أحد. (22) تَفْتِنِّي = تقتلني (23) الْفِتْنَةِ = النفاق ثمّ القتل المعنى 23 مشترك مع المعنى رقم 7 في سورة النساء رجاءا قال تعالى: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} آل عمران 154

ثم كان من رحمة الله بالمؤمنين المخلصين أن ألقى في قلوبهم من بعد ما نزل بها من همٍّ وغمٍّ اطمئنانًا وثقة في وعد الله , وكان من أثره نعاس غَشِي طائفة منهم , وهم أهل الإخلاص واليقين , وطائفة أُخرى أهمَّهم خلاص أنفسهم خاصة , وضَعُفَتْ عزيمتهم وشُغِلوا بأنفسهم , وأساءوا الظن بربهم وبدينه وبنبيه , وظنوا أن الله لا يُتِمُّ أمر رسوله , وأن الإسلام لن تقوم له قائمة , ولذلك تراهم نادمين على خروجهم , يقول بعضهم لبعض: هل كان لنا من اختيار في الخروج للقتال؟ قل لهم - أيها الرسول -: إن الأمر كلَّه لله , فهو الذي قدَّر خروجكم وما حدث لكم , وهم يُخْفون في أنفسهم ما لا يظهرونه لك من الحسرة على خروجهم للقتال , يقولون: لو كان لنا أدنى اختيار ما قُتِلنا هاهنا. قل لهم: إن الآجال بيد الله , ولو كنتم في بيوتكم , وقدَّر الله أنكم تموتون , لخرج الذين كتب الله عليهم الموت إلى حيث يُقْتلون , وما جعل الله ذلك إلا ليختبر ما في صدوركم من الشك والنفاق , وليميز الخبيث من الطيب , ويظهر أمر المؤمن من المنافق للناس في الأقوال والأفعال. والله عليم بما في صدور خلقه , لا يخفى عليه شيء من أمورهم. وقال تعالى: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً} الأحزاب 61 مطرودين من رحمة الله , في أي مكان وُجِدوا فيه أُسِروا وقُتِّلوا تقتيلا ما داموا مقيمين على النفاق ونشر الأخبار الكاذبة بين المسلمين بغرض الفتنة والفساد.

وقال تعالى: {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ} التوبة 126 (24) يُفْتَنُونَ = يعاقبون أولا يرى المنافقون أن الله يبتليهم بالقحط والشدة , وبإظهار ما يبطنون من النفاق مرة أو مرتين في كل عام؟ ثم هم مع ذلك لا يتوبون مِن كفرهم ونفاقهم , ولا هم يتعظون ولا يتذكرون بما يعاينون من آيات الله. وقال تعالى: في سورة يونس {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} الآية 83 فما آمن لموسى عليه السَّلام مع ما أتاهم به من الحجج والأدلة إلا ذرية من قومه من بني إسرائيل , وهم خائفون من فرعون وملئه أن يفتنوهم بالعذاب , فيصدُّوهم عن دينهم , وإن فرعون لَجبار مستكبر في الأرض , وإنه لمن المتجاوزين الحد في الكفر والفساد. (25) يَفْتِنَهُمْ = يقتلهم قال تعالى: {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} الأعراف 127 وقال السّادة والكبراء من قوم فرعون لفرعون: أَتَدَعُ موسى وقومه من بني إسرائيل ليفسدوا الناس في أرض "مصر" بتغيير دينهم بعبادة الله وحده لا شريك له , وترك عبادتك وعبادة آلهتك؟ قال فرعون: سنُقَتِّل أبناء بني إسرائيل ونستبقي نساءهم أحياء للخدمة , وإنََّا عالون عليهم بقهر المُلْكِ والسلطان. قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} غافر 25

لما جاء موسى فرعون وهامان وقارون بالمعجزات الظاهرة مِن عندنا , لم يكتفوا بمعارضتها وإنكارها , بل قالوا: اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه , واستبقوا نساءهم للخدمة والاسترقاق. وما تدبير أهل الكفر إلا في ذَهاب وهلاك. وقال تعالى: في سورة يونس {فَقَالُواْ عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} الآية 85 فقال قوم موسى له: على الله وحده لا شريك له اعتمدنا , وإليه فوَّضنا أمرنا , ربنا لا تنصرهم علينا فيكون ذلك فتنة لنا عن الدين، أو يُفتن الكفارُ بنصرهم، فيقولوا: لو كانوا على حق لما غُلبوا. (26) فِتْنَةً = مثلا قال تعالى: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ} الزخرف 56 (فجعلناهم سلفا) جمع سالف كخادم وخدم أي سابقين عبرة (ومثلا للآخرين) بعدهم يتمثلون بحالهم فلا يقدمون على مثل أفعالهم. تفسير الجلالين وقال تعالى: في سورة النحل {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} الآية 110 ثم إن ربك للمستضعفين في "مكة" الذين عذَّبهم المشركون , حتى وافقوهم على ما هم عليه ظاهرًا , ففتنوهم بالتلفظ بما يرضيهم , وقلوبهم مطمئنة بالإيمان , ولمَّا أمكنهم الخلاص هاجروا إلى "المدينة" , ثم جاهدوا في سبيل الله , وصبروا على مشاق التكاليف , إن ربك - من بعد توبتهم - لَغفور لهم , رحيم بهم. (27) فُتِنُواْ = أظهروا الكفر قال تعالى: {مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} النحل الآية 106

إنما يفتري الكذب مَن نطق بكلمة الكفر وارتدَّ بعد إيمانه , فعليهم غضب من الله , إلا مَن أُرغم على النطق بالكفر , فنطق به خوفًا من الهلاك وقلبه ثابت على الإيمان , فلا لوم عليه , لكن من نطق بالكفر واطمأن قلبه إليه , فعليهم غضب شديد من الله , ولهم عذاب عظيم; فائدة جاء في الحديث الشَّريف عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تجاوز الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقال تعالى: في سورة الإسراء {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً} الآية 60 (28) فِتْنَةً = آية واذكر - أيها الرسول - حين قلنا لك: إن ربك أحاط بالناس علمًا وقدرة. وما جعلنا الرؤيا التي أريناكها عِيانًا ليلة الإسراء والمعراج من عجائب المخلوقات إلا اختبارًا للناس؛ ليتميز كافرهم من مؤمنهم، وما جعلنا شجرة الزقوم الملعونة التي ذكرت في القرآن إلا ابتلاء للناس. ونخوِّف المشركين بأنواع العذاب والآيات، ولا يزيدهم التخويف إلا تماديًا في الكفر والضلال. قال تعالى: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} النجم 18 لقد رأى محمَّد - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج من آيات ربه الكبرى الدالة على قدرة الله وعظمته من الجنة والنار وغير ذلك. {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً} الإسراء الآية 73 ولقد قارب المشركون أن يصرفوك - أيها الرسول - عن القرآن الذي أنزله الله إليك؛ لتختلق علينا غير ما أوحينا إليك، ولو فعلت ما أرادوه لاتخذوك حبيبًا خالصًا.

(29) لَيَفْتِنُونَكَ = يصرفوك وقال تعالى: في سورة طه {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} الآية 40 ومننَّا عليك حين تمشي أختك تتبعك ثم تقول لمن أخذوك: هل أدلكم على من يكفُله , ويرضعه لكم؟ فرددناك إلى أمِّك بعد ما صرتَ في أيدي فرعون؛ كي تطيب نفسها بسلامتك من الغرق والقتل , ولا تحزن على فَقْدك , وقتلت الرجل القبطي خطأ فنجيناك من غَمِّ فِعْلك وخوف القتل , وابتليناك ابتلاء , فخرجت خائفًا إلى أهل "مدين" , فمكثت سنين فيهم , ثم جئت من "مدين" في الموعد الذي قدَّرناه لإرسالك مجيئًا موافقًا لقدر الله وإرادته , والأمر كله لله تبارك وتعالى. فائدة وقال آخرون معنى ذلك أخلصناك ذكر من قال ذلك حدثني الحارث قال ثنا الحسن قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وفتناك فتونا أخلصناك إخلاصا حدثنا ابن المثنى قال ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن يعلى بن مسلم قال سمعت سعيد بن جبير يفسر هذا الحرف (30) فَتَنَّاكَ فُتُوناً = أخلصناك إخلاصا أنظروا رحمكم الله تعالى كيف أن الله تعالى حفظ سيدنا موسى في طفولته ورباه في بيت عدوه وألقى محبته بين الناس ونجاه من القتل وذهب به إلى مدين وزوجه تعالى بنت سيدنا شعيب وأمدّه بالقوة وأعطاه الآيات وشدّ عضده بأخيه بسيّدنا هارون وكلمه تعالى بلا حجاب وأيده بالآيات وفلق البحر له فاهلك عدوه وأعطاه الوجاهة واصطنعه لنفسه تعالى {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} طه - 41 وأنعمتُ عليك - يا موسى - هذه النعم اجتباء مني لك , واختيارًا لرسالتي , والبلاغ عني , والقيام بأمري ونهيي.

وقال البخاري ثم تفسيرها 4367 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْتَقَى آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ مُوسَى لِآدَمَ آنْتَ الَّذِي أَشْقَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ قَالَ آدَمُ أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَاصْطَفَاكَ لِنَفْسِهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ التَّوْرَاةَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَوَجَدْتَهَا كُتِبَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي قَالَ نَعَمْ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى". وقال تعالى: في سورة طه {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} طه - 85 قال الله لموسى: فإنا قد ابتلينا قومك بعد فراقك إياهم بعبادة العجل , وإن السامري قد أضلهم. (31) فَتَنَّا = مكرنا بهم {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي} طه - 90 ولقد قال هارون لبني إسرائيل من قبل رجوع موسى إليهم: يا قوم إنما اختُبرتم بهذا العجل؛ ليظهر المؤمن منكم من الكافر , وإن ربكم الرحمن لا غيره فاتبعوني فيما أدعوكم إليه من عبادة الله , وأطيعوا أمري في إتباع شرعه. (32) فُتِنتُم = هلكتم قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} الأعراف152 إن الذين اتخذوا العجل إلهًا سينالهم غضب شديد مِن ربهم وهوان في الحياة الدنيا; بسبب كفرهم بربهم , وكما فعلنا بهؤلاء نفعل بالمفترين المبتدعين في دين الله , فكل صاحب بدعة ذليل. قال تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً} النساء 153

يسألك اليهود - أيها الرسول - معجزة مثل معجزة موسى تشهد لك بالصدق: بأن تنزل عليهم صُحُفًا من الله مكتوبةً , مثل مجيء موسى بالألواح من عند الله , فلا تعجب - أيها الرسول - فقد سأل أسلافهم موسى - عليه السلام - ما هو أعظم: سألوه أن يريهم الله علانيةً , فَصُعِقوا بسبب ظلمهم أنفسهم حين سألوا أمرًا ليس من حقِّهم. وبعد أن أحياهم الله بعد الصعق , وشاهدوا الآيات البينات على يد موسى القاطعة بنفي الشرك , عبدوا العجل من دون الله , فعَفونا عن عبادتهم العجل بسبب توبتهم , وآتينا موسى حجة عظيمة تؤيِّد صِدق نُبُوَّتِه. قال تعالى: {وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} هود 34 ولا ينفعكم نصحي واجتهادي في دعوتكم للإيمان , إن كان الله يريد أن يضلَّكم ويهلككم , هو سبحانه مالككم , وإليه تُرجَعون في الآخرة للحساب والجزاء. {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} طه - 131 ولا تنظر إلى ما مَتَّعْنا به هؤلاء المشركين وأمثالهم من أنواع المتع , فإنها زينة زائلة في هذه الحياة الدنيا , متعناهم بها; لنبتليهم بها , ورزق ربك وثوابه خير لك مما متعناهم به وأدوم; حيث لا انقطاع له ولا نفاد. (33) لِنَفْتِنَهُمْ = لنستدرجهم قال تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} آل عمران 178

ولا يظننَّ الجاحدون أننا إذا أَطَلْنا أعمارهم , ومتعناهم بمُتع الدنيا , ولم تؤاخذهم بكفرهم وذنوبهم , أنهم قد نالوا بذلك خيرًا لأنفسهم , إنما نؤخر عذابهم وآجالهم; ليزدادوا ظلمًا وطغيانًا , ولهم عذاب يهينهم ويذلُّهم. قال تعالى: {وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ.وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ. وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} الزخرف الآيات 33 - 35 ولولا أن يكون الناس جماعة واحدة على الكفر , لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سُقُفا من فضة وسلالم عليها يصعدون. وجعلنا لبيوتهم أبوابًا من فضة , وجعلنا لهم سررًا عليها يتكئون , وجعلنا لهم ذهبًا , وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا , وهو متاع قليل زائل , ونعيم الآخرة مدَّخر عند ربك للمتقين ليس لغيرهم. وقال تعالى: في سورة الأنبياء {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} الآية 111 ولست أدري لعل تأخير العذاب الذي استعجلتموه استدراج لكم وابتلاء , وأن تتمتعوا في الدنيا إلى حين; لتزدادوا كفرًا , ثم يكون أعظم لعقوبتكم. (34) فِتْنَةٌ = استدراج المعنى 34 مشترك مع المعنى رقم 33 في سورة طه رجاءا وقال تعالى: في سورة الحج {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} الآية 11

ومن الناس مَن يدخل في الإسلام على ضعف وشكٍّ، فيعبد الله على تردده، كالذي يقف على طرف جبل أو حائط لا يتماسك في وقفته، ويربط إيمانه بدنياه , فإن عاش في صحة وسَعَة استمر على عبادته , وإن حصل له ابتلاء بمكروه وشدة عزا شؤم ذلك إلى دينه , فرجع عنه كمن ينقلب على وجهه بعد استقامة، فهو بذلك قد خسر الدنيا؛ إذ لا يغيِّر كفرُه ما قُدِّر له في دنياه , وخسر الآخرة بدخوله النار، وذلك خسران بيِّن واضح. (35) فِتْنَةٌ = شرّ أو ضرّ قال تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} الزلزلة الآية 8 ومن يعمل وزن نملة صغيرة شرًا , ير عقابه في الآخرة. {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} الحج 53 وما كان هذا الفعل مِنَ الشيطان إلا ليجعله الله اختبارًا للذين في قلوبهم شك ونفاق، ولقساة القلوب من المشركين الذين لا يؤثِّرُ فيهم زجر. وإن الظالمين مِن هؤلاء وأولئك في عداوة شديدة لله ورسوله وخلافٍ للحق بعيد عن الصواب. (36) فِتْنَةً = استدراج وإضلال المعنى 36 مشترك مع المعنى رقم 43 في سورة الأنبياء و33 في سورة طه رجاءا قال تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} الزخرف 36 ومن يُعْرِض عن ذكر الرحمن , وهو القرآن , فلم يَخَفْ عقابه , ولم يهتد بهدايته , نجعل له شيطانًا في الدنيا يغويه; جزاء له على إعراضه عن ذكر الله , فهو له ملازم ومصاحب يمنعه الحلال , ويبعثه على الحرام. قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} مريم 83 ألم تر - أيها الرسول - أنَّا سلَّطْنا الشياطين على الكافرين بالله ورسله; لتغويهم , وتدفعهم عن الطاعة إلى المعصية؟

وقال تعالى: في سورة النور {لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} الآية 63 لا تقولوا - أيها المؤمنون - عند ندائكم رسول الله صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم كما تحبه وترضاه يا محمد ولا يا محمد بن عبد الله كما يقول ذلك بعضكم لبعض ولكن شرِّفوه، وقولوا: يا نبي الله , يا رسول الله. قد يعلم الله المنافقين الذين يخرجون من مجلس النبي صلى الله عليه وسلم خفية بغير إذنه، يلوذ بعضهم ببعض، فليَحْذَر الذين يخالفون أمر رسول الله أن تنزل بهم محنة وشر، أو يصيبهم عذاب مؤلم موجع في الآخرة. (37) فِتْنَةٌ = لعنة قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً} الأحزاب 57 إن الذين يؤذون الله بالشرك أو غيره من المعاصي , ويؤذون رسول الله بالأقوال أو الأفعال , أبعدهم الله وطردهم مِن كل خير في الدنيا والآخرة , وأعدَّ لهم في الآخرة عذابًا يذلهم ويهينهم. وقال تعالى: في سورة الفرقان {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} آية 20

وما أرسلنا قبلك - أيها الرسول - أحدًا مِن رسلنا إلا كانوا بشرًا، يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق. وجعلنا بعضكم - أيها الناس - لبعض ابتلاء واختبارًا بالهدى والضلال، والغنى والفقر، والصحة والمرض، هل تصبرون، فتقوموا بما أوجبه الله عليكم، وتشكروا له، فيثيبكم مولاكم، أو لا تصبرون فتستحقوا العقوبة؟ وكان ربك - أيها الرسول - بصيرًا بمن يجزع أو يصبر، وبمن يكفر أو يشكر. (38) فِتْنَةً = سُخْرِيّاً قال تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} الزخرف 32 أهم يقسمون النبوة فيضعونها حيث شاؤوا؟ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في حياتهم الدنيا من الأرزاق والأقوات , ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات: هذا غنيٌّ وهذا فقير , وهذا قويٌّ وهذا ضعيف؛ ليكون بعضهم مُسَخَّرًا لبعض في المعاش. ورحمة ربك - أيها الرسول - بإدخالهم الجنة خير مما يجمعون من حطام الدنيا الفاني. وقال تعالى: في سورة النمل {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} آية 47 قال قوم صالح له: تَشاءَمْنا بك وبمن معك ممن دخل في دينك , قال لهم صالح: ما أصابكم الله مِن خير أو شر فهو مقدِّره عليكم ومجازيكم به , بل أنتم قوم تُخْتَبرون بالسراء والضراء والخير والشر. (39) تُفْتَنُونَ = تهلكون قال تعالى: {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} هود - 65 فكذَّبوه ونحروا الناقة , فقال لهم صالح: استمتعوا بحياتكم في بلدكم ثلاثة أيام , فإن العذاب نازل بكم بعدها , وذلك وَعْدٌ من الله غير مكذوب , لا بد من وقوعه.

وقال تعالى: في سورة العنكبوت {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} آية 2 (40) يُفْتَنُونَ = يمحَّصون أظَنَّ الناس إذ قالوا: آمنا , أن الله يتركهم بلا ابتلاء ولا اختبار؟ قال تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} آل عمران الآية 141 (وليمحص الله الذين آمنوا) يطهرهم من الذنوب بما يصيبهم (ويمحق) يهلك (الكافرين) تفسير الجلالين وقال تعالى: في سورة الأحزاب {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً} الآية 14 لو دخل جيش الأحزاب "المدينة" من جوانبها , ثم سئل هؤلاء المنافقون الشّرك بالله والرجوع عن الإسلام , لأجابوا إلى ذلك مبادرين , وما تأخروا عن الشرك إلا يسيرًا. (41) الْفِتْنَةَ = الردة عن الاسلام وقال تعالى: في سورة الصافات {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ} الآية 63 إنا جعلناها فتنة افتتن بها الظالمون لأنفسهم بالكفر والمعاصي , وقالوا مستنكرين: إن صاحبكم ينبئكم أن في النار شجرة , والنار تأكل الشجر. (42) فِتْنَةً = مكيدة وطعاما قال تعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ. إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ. طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ. فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ. ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِّنْ حَمِيمٍ} الصافات الآيات 62 - 67 أذلك الذي سبق وصفه مِن نعيم الجنة خير ضيافة وعطاء من الله , أم شجرة الزقوم الخبيثة الملعونة , طعام أهل النار؟ إنا جعلناها فتنة افتتن بها الظالمون لأنفسهم بالكفر والمعاصي , وقالوا مستنكرين: إن صاحبكم ينبئكم أن في النار شجرة , والنار تأكل الشجر. إنها شجرة تنبت في قعر جهنم ,

ثمرها قبيح المنظر كأنه رؤوس الشياطين , فإذا كانت كذلك فلا تَسْألْ بعد هذا عن طعمها , فإن المشركين لآكلون من تلك الشجرة فمالئون منها بطونهم. ثم إنهم بعد الأكل منها لشاربون شرابًا خليطًا قبيحًا حارًّا , قال تعالى: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ. طَعَامُ الْأَثِيمِ. كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ. كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} الدخان الآيات 43 - 46 إن شجرة الزقوم التي تخرج في أصل الجحيم , ثمرها طعام صاحب الآثام الكثيرة , وأكبر الآثام الشرك بالله. ثمر شجرة الزقوم كالمَعْدِن المذاب يغلي في بطون المشركين , كغلي الماء الذي بلغ الغاية في الحرارة. وقال تعالى: {مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ. إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} الصافات الآيات 162 - 163 ما أنتم بمضلِّين أحدًا. إلا مَن قدَّر الله عز وجل عليه أن يَصْلَى الجحيم؛ لكفره وظلمه. (43) بِفَاتِنِينَ = بمضلِّين وقال تعالى: في سورة ص {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) } الآيات 21 - 24 وهل جاءك - أيها الرسول - خبر المتخاصِمَين

اللذَين تسوَّرا على داود في مكان عبادته , فارتاع من دخولهما عليه؟ قالوا له: لا تَخَفْ، فنحن خصمان ظلم أحدنا الآخر، فاقض بيننا بالعدل، ولا تَجُرْ علينا في الحكم , وأرشِدنا إلى سواء السبيل. قال أحدهما: إن هذا أخي له تسع وتسعون من النعاج , وليس عندي إلا نعجة واحدة , فطمع فيها، وقال: أعطنيها , وغلبني بحجته. قال داود: لقد ظلمك أخوك بسؤاله ضم نعجتك إلى نعاجه , وإن كثيرًا من الشركاء ليعتدي بعضهم على بعض، ويظلمه بأخذ حقه وعدم إنصافه مِن نفسه إلا المؤمنين الصالحين , فلا يبغي بعضهم على بعض، وهم قليل. وأيقن داود أننا فتنَّاه بهذه الخصومة , فاستغفر ربه , وسجد تقربًا لله، ورجع إليه وتاب. (44) فَتَنَّاهُ = نبهناه (لضرورة جلوسه للحكم بين الخصوم في يوم العبادة) فائدة سيّدنا داوود عليه الصَّلاة والسَّلام كان نبيّا وكان ملكا وكلاهما عبء ثقيل فكيف يقسم وقته بين مطالب الرسالة وواجب الملك؟ ؟ أضف إلى ذلك انّه كان يأكل من عمل يده ومن أشق الإعمال البدنية {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) } سبأ 10 - 11 وألنا له الحديد أن اعمل سابغات أي دروعا سابغات وقدر في السّرد (إشارة إلى دقة صناعته) فكيف يقسم الوقت بين: - - النبوة والملك والمصنع؟ لقد أعطى العبادة يوما لا يخرج فيه من المحراب وأعطى الملك والمصنع يوما ولكنَّ الله تعالى أراد أن يعرّف داوود إنه في اليوم الذي يخلو فيه للعبادة يقع بين الناس مظالم تحتاج إلى عدل داوود فمكن الله الرجلين (الخصمين) من الدخول عليه في يوم المحراب يوم الـ ـــــــــــعبادة وشرح أحدهما قصته واظهر ما فيه من ظلم أخيه له وكيف إنه وهو الثري صاحب النعاج الكثيرة يطلب من أخيه الفقير أن يعطيه نعجته

ففصل داوود بين المتخاصمين وتنبّه أن الرعية يحدث بينها مظالم كثيرة في يوم العبادة فلا يجد المظلوم من يدافع عنه. . . إن الصُّلح بين الناس ونصرة المظلوم أفضل من عبادة المحراب فظن داوود أنمَّا فتناه وشغلناه بعبادة المحراب عن نصرة المظلوم. . فاستغفر ربه وخرَّ راكعا وأناب فغفرنا له ذلك إنَّ حسنات الأبرار سيئات المقربين وكلما اشتد قرب العبد من ربه أصبح موضع المؤاخذة من سيِّده. . .!! الفائدة من محاضرات الأستاذ الشيخ محمود غريب وقال تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ} سورة ص الآية 34 ولقد ابتلينا سليمان وألقينا على كرسيه شق وَلَد , وُلِد له حين أقسم ليطوفنَّ على نسائه , وكلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله , ولم يقل: إن شاء الله، فطاف عليهن جميعًا، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق ولد , ثم رجع سليمان إلى ربه وتاب، (45) فَتَنَّا = آخذناه (لعدم قوله إن شاء الله) وقال تعالى: في سورة الزمر {فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} الآية 49 فإذا أصاب الإنسان شدة وضُرٌّ , طلب من ربه أن يُفرِّج عنه , فإذا كشفنا عنه ما أصابه وأعطيناه نعمة منا عاد بربه كافرًا , ولفضله منكرًا , وقال: إن الذي أوتيتُه إنما هو على علم من الله أني له أهل ومستحق , بل ذلك فتنة يبتلي الله بها عباده؛ لينظر مَن يشكره ممن يكفره , ولكن أكثرهم - لجهلهم وسوء ظنهم وقولهم - لا يعلمون؛ فلذلك يعدُّون الفتنة منحة. (46) فِتْنَةٌ = اختبار وقال تعالى: في سورة الدخان {وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ} آية 17

ولقد اختبرنا وابتلينا قبل هؤلاء المشركين قوم فرعون , وجاءهم رسول كريم , وهو موسى عليه السلام , فكذبوه فهلكوا , فهكذا نفعل بأعدائك أيها الرسول , إن لم يؤمنوا. (47) فَتَنَّا = أهلكنا {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ} الأنفال54 شأن هؤلاء الكافرين في ذلك كشأن آل فرعون الذين كذبوا موسى , وشأن الذين كذبوا رسلهم من الأمم السابقة فأهلكهم الله بسبب ذنوبهم , وأغرق آل فرعون في البحر , وكل منهم كان فاعلا ما لم يكن له فِعْلُه من تكذيبهم رسل الله وجحودهم آياته , وإشراكهم في العبادة غيره. وقال تعالى: في سورة الذاريات {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} الآيات 13 - 14 يوم الجزاء , يوم يُعذَّبون بالإحراق بالنار , ويقال لهم: ذوقوا عذابكم الذي كنتم به تستعجلون في الدنيا. (48) يُفْتَنُونَ = يُعذَّبون وقال تعالى: في سورة القمر {إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ} آية 27 إنا مخرجو الناقة التي سألوها من الصخرة؛ اختبارًا لهم , فانتظر - يا صالح - ما يحلُّ بهم من العذاب , واصطبر على دعوتك إياهم وأذاهم لك. (49) فِتْنَةً = آية = معجزة المعنى 49 مشترك مع المعنى رقم 28 في سورة الإسراء رجاءا قال تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً} الإسراء الآية 59

وما منعَنا من إنزال المعجزات التي سألها المشركون إلا تكذيب مَن سبقهم من الأمم، فقد أجابهم الله إلى ما طلبوا فكذَّبوا وهلكوا. وأعطينا ثمود - وهم قوم صالح - معجزة واضحة وهي الناقة، فكفروا بها فأهلكناهم. وما إرسالنا الرسل بالآيات والعبر والمعجزات التي جعلناها على أيديهم إلا تخويف للعباد؛ ليعتبروا ويتذكروا. وقال تعالى: في سورة الحديد {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} الآية 14 ينادي المنافقون المؤمنين قائلين: ألم نكن معكم في الدنيا , نؤدي شعائر الدين مثلكم؟ قال المؤمنون لهم: بلى قد كنتم معنا في الظاهر , ولكنكم أهلكتم أنفسكم بالنفاق والمعاصي , وتربصتم بالنبي الموت وبالمؤمنين الدوائر , وشككتم في البعث بعد الموت , وخدعتكم أمانيكم الباطلة , وبقيتم على ذلك حتى جاءكم الموت وخدعكم بالله الشيطان. (50) فَتَنتُمْ = خدعتم قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) } النساء الآية 142 وقال تعالى: في سورة الممتحنة {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الآية 5 ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا بعذابك لنا أو تسلط الكافرين علينا فيفتنونا عن ديننا، أو يظهروا علينا فيُفتنوا بذلك، ويقولوا: لو كان هؤلاء على حق , ما أصابهم هذا العذاب , فيزدادوا كفرًا , واستر علينا ذنوبنا بعفوك عنها ربنا , إنك أنت العزيز الذي لا يغالَب , الحكيم في أقواله وأفعاله. (51) فِتْنَةً = مثلا المعنى 51 مشترك مع المعنى رقم 26 في سورة يونس رجاءا

وقال تعالى: في سورة التغابن {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} الآية 15 ما أموالكم ولا أولادكم إلا بلاء واختبار لكم. والله عنده ثواب عظيم لمن آثر طاعته على طاعة غيره , وأدَّى حق الله في ماله. (52) فِتْنَةٌ = زينة المعنى 52 مشترك مع المعنى رقم 17 في سورة الأنفال رجاءا قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} الكهف 46 الأموال والأولاد جَمال وقوة في هذه الدنيا الفانية، والأعمال الصالحة - وبخاصة التسبيحُ والتحميد والتكبير والتهليل - أفضل أجرًا عند ربك من المال والبنين، وهذه الأعمال الصالحة أفضل ما يرجو الإنسان من الثواب عند ربه، فينال بها في الآخرة ما كان يأمُله في الدنيا. وقال تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} سبأ الآية 37 وليست أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا قربى , وترفع درجاتكم , لكن مَن آمن بالله وعمل صالحًا فهؤلاء لهم ثواب الضعف من الحسنات , فالحسنة بعشر أمثالها إلى ما يشاء الله من الزيادة , وهم في أعالي الجنة آمنون من العذاب والموت والأحزان. وقال تعالى: في سورة الجن {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً} الآية 17 لنختبرهم: كيف يشكرون نعم الله عليهم؟ ومن يُعرض عن طاعة ربه واستماع القرآن وتدبره , والعمل به يدخله عذابًا شديدًا شاقًّا. 53) لِنَفْتِنَهُمْ = لنختبرهم المعنى 53 مشترك مع المعنى رقم 46 في سورة الزمر رجاءا

وقال تعالى: في سورة المدثر {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} الآية 31 وما جعلنا خزنة النار إلا من الملائكة الغلاظ , وما جعلنا ذلك العدد إلا اختبارًا للذين كفروا بالله؛ وليحصل اليقين للذين أُعطوا الكتاب من اليهود والنصارى بأنَّ ما جاء في القرآن عن خزنة جهنم إنما هو حق من الله تعالى , حيث وافق ذلك كتبهم , ويزداد المؤمنون تصديقًا بالله ورسوله وعملا بشرعه , ولا يشك في ذلك الذين أُعطوا الكتاب من اليهود والنصارى ولا المؤمنون بالله ورسوله؛ وليقول الذين في قلوبهم نفاق والكافرون: ما الذي أراده الله بهذا العدد المستغرب؟ بمثل ذلك الذي ذُكر يضلُّ الله من أراد إضلاله , ويهدي مَن أراد هدايته , وما يعلم عدد جنود ربك - ومنهم الملائكة - إلا الله وحده. وما النار إلا تذكرة وموعظة للناس (54) فِتْنَةً = مكيدة قال تعالى: {وَأَكِيدُ كَيْداً} الطارق الآية 16 وأكيد كيدًا لإظهار الحق , ولو كره الكافرون , قال تعالى: {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} الطور الآية 42 بل يريدون برسول الله وبالمؤمنين مكرًا، فالذين كفروا يرجع كيدهم ومكرهم على أنفسهم. قال تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} المدثر الآية 30 (عليها تسعة عشر) ملكا خزنتها قال بعض الكفار وكان قويا شديد البأس أنا أكفيكم سبعة عشر واكفوني أنتم اثنين. تفسير الجلالين

وقال تعالى: في سورة البروج {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} آية 10 إن الذين حرقوا المؤمنين والمؤمنات بالنار؛ ليصرفوهم عن دين الله , ثم لم يتوبوا , فلهم في الآخرة عذاب جهنم , ولهم العذاب الشديد المحرق. (55) فَتَنُوا = حرقوا خاتمة قد تبين لكم أعزائي تباين معنى الكلمة وبحسب ما يفهم من موقعها في الآيات ونرى كلمة الفتنة جمعت كل هذه المعاني ويستطيع القارئ أن يرى إعجاز استخدام الكلمة في القرآن لأننا نستطيع أن نرى عدم إمكانية استبدال كلمة الفتنة التي وردت في الآيات السابقة بما أخرجنا من معاني لأنَّ الله سبحانه وتعالى استعمل كلمة الفتنة ليدل على معناها الخاص في تلك الآية وعلى جميع المعاني الأخرى التي وجدناها ليحيط بالمعنى من كل نواحيه وجانبه فسبحان الله وما أعظم بلاغة القرآن وإعجازه تمَّ بعونه تعالى والله تعالى أعلم بمراده {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وصلِّ يا ربِّ على عبدك ونبيك وصفوتك من خلقك وخليلك وحبيبك سيدنا محمَّد وعلى آله وأزواجه وذريَّته وبارك وسلِّم كما تحبه وترضاه آمين.

§1/1